حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

فيلم تيرانس مالك الفائز بسعفة «كان» الذهبية

«شجرة الحياة».. لا نــــــجاة من الفيلم إلا بالاستسلام له

زياد عبدالله - دبي

لا أريد لهذه اللقطات أن تتوقف، والحياة تمر كاملة موزعة بينها، لا شيء إلا «المونولوج» وحين يحضر الحوار فإنه يأتي من طرف واحد، ما من مجيب في الطرف الآخر، إنهم موزعون بالتساوي بين حيوات اختيرت لهم، إنه السقوط من جنة وهمية، بعد اكتشاف كل واحد منهم أنه حبيس حياة لا تشبهه، حياة تأخذه حسب مشيئتها وفي صراعه معها لا يمتلك فيها إلا مناجاة الخالق.

الرغبة بألا تتوقف اللقطات حاضرة بقوة مع فيلم The Tree of life (شجرة الحياة) لتيرانس مالك المعروض حالياً في دور العرض المحلية، والمكلل بسعفة كان الذهبية، ولعل هذا الفيلم الذي طال انتظاره يأتي بعد ست سنوات على آخر أفلام مالك «العالم الجديد» ،2005 ولعل استعادة أفلام مالك بدءاً من أول أفلامه الروائية الطويلة GC Badlands 1973 مروراً بـ Days of Heaven «أيام الجنة» 1978 وصولاً إلى Red Thin Line «خط أحمر رفيع» 1998 سيضعنا أمام تنقلات متصلة ومنفصلة في آن واحد في مسيرة هذا المخرج الكبير، حيث على «باد لاندز» أن يكوّن مزاوجة بين براءة الحب وبراءة الجريمة، والعبور بذلك من خلال الرهان على الشخصيات أي هولي وكيت، والبنية الاجتماعية الأميركية التي تفضي بكيت إلى قتل كل من يعترض طريقه بمنتهى السذاجة والبراءة، الوصفان اللذان يلتقيان وللمفارقة مع الوحشية. وقبل مواصلة هذا العرض السريع لأفلام مالك قبل «شجرة الحياة»، فإنه من الممكن التوكؤ على توصيف كتبه الناقد الانجليزي نيك جيمس في مجلة «سايت آند سوند» عن أفلام مالك هو أن «الجسر الواصل بين جميع أفلامه أن كل فيلم هو تعبير عن سقوط الإنسان من الجنة» ولعل الموافقة على هذا التوصيف هي الجامع الوحيد ربما بين تلك الأفلام، كونه وفي كل واحد منها يقارب عالماً جديداً، يكون فيه بـ«باد لاندز» وقوعاً من جنة الحب، بينما تجد الأخت وأخوها في «أيام الجنة» مساحتهما الفردوسية بين سنابل القمح التي سينال منها الحريق وتنقلب الجنة إلى جحيم، بينما في «خط رفيع أحمر» الحرب كفيلة بتولي سقوط الإنسان من جنة السلام الواهية، ومع «العالم الجديد» يبدو تخلي بوكوهنتا عن حياتها البدائية سقوطاً أيضاً من النعيم.

المتصل بين «عالم جديد» و«شجرة الحياة» سيكون هذه السردية البصرية التي تتعقب طائراً محلقاً أو فراشة تحط على يد أم قبل أي شيء آخر، وفتح الباب على مصراعيه أمام آلية التصوير التي يتبعها مالك، بحيث يدع لطاقم عمله أن يصور ويصور إلى ما لا نهاية، كما أنه أثناء التجهيز للقطة وتجميع عدد من الممثلين والكومبارس لهذا الغرض فإن مالك وبسهولة قد يعدل عن هذه اللقطة ويطلب من طاقمه تصوير طائر يحط على غصن شجرة بدل ذلك، كما يخبرنا ايمانويل لوبزكي مدير التصوير في «العالم الجديد» وفي «شجرة الحياة». أطمح من خلال ما تقدم إلى تزويد المشاهد ببعض من الخلفية التي عليه مقاربة فيلم «شجرة الحياة» من خلالها، والذي سيكون حين مشاهدته أمام قطعة فنية لا مثيل لها، إن السردية التي يقدمها مالك في هذا الفيلم هي بحق معبر جمالي منحاز تماماً لما على السينما أن تكون عليه، إن اللقطة والتصوير دون إضاءة إلا الإضاءة الطبيعية سيكون عبوراً أكيداً نحوه، وإن هذه الشجرة التي تنغرز عميقاً في التربة، هي شجرة سينمائية أيضاً لها أن تنمو وتعلو على مر السنين. لا يمكن الحديث عن الفيلم عبر سرد أحداثه على سبيل المثال، إنه حدث واحد، إنها عائلة واحدة تفقد أحد أبنائها، وبناء عليه سيكون كل ما نراه هو تكثيف للحياة بكل معانيها، الولادة، الموت، الأم، الأب، الأبناء، الخلود، الفناء، القدر، الإرادة، الفشل، النجاح، الوهم، الحقيقة، علاقة الإنسان مع الخالق، الإيمان، الكفر، الأسئلة الوجودية، ولعل في تعداد ذلك أكون قد نسيت أشياء كثيرة، لكن يمكن تعقبها في اللقطات التي تتولى سرد كل شيء بفرح وحزن، ولنكون في النهاية أمام فيلم يسعى لأن يختزل الحياة، وصولاً إلى شون بن الذي سيكون حبيس الابنية الحديثة والحضارة وهو لا يجد مخرجاً له سوى الماضي. وإن كان الحديث عن درامية في الفيلم، فهي ماثلة بما يشبه الحياة تماماً، إنها وقوعنا في الصغر على أول رجل نراه مكبلاً بالأصفاد، إنها في غرق صديق، إنها في العلاقة الملتبسة في أب (براد بيت) يسأل ابناءه أن يخاطبوه بـ«سيدي» وهو يجمع بين الرقة والقسوة، بين الحب الكبير وسوء الأدوات التي يسعى إلى إيصاله من خلالها، والذي سرعان ما سيكتشف بطلان كل شيء، ولسان حاله يقول «كله قبض الريح» هو الذي لم يتخلف يوماً عن عمله، وبدل أن يصبح عازفاً موسيقياً شهيراً أمسى عازف أرغن في الكنيسة. حنان الأم في الضفة المقابلة، إنها هي من وهبت كل حياتها لله، إنها هي نفسها من سيأخذ مالك بحزنها ويجعله معبراً إلى نشأة الكون، صراعاته، حممه وبراكينه وعوالمه، وفي هذا السياق لن يكون الأمر مشابهاً لـ«أوديسة الفضاء» لدى ستانلي كوبريك، كما لمقارنات كثيرة سارت في هذا الاتجاه، وربما هناك شيء بصري أقرب إلى غسبار نوا في فيلمه Inter The Voi لـ«دخول الفويد». «شجرة الحياة» لا يشاهد إلا في السينما، أو للدقة يمكن مشاهدته على «دي في دي» بعد مشاهدته في السينما، إنه فيلم يقول لنا إن الفن السابع بخير في هذا العالم المترامي، إنه يقول: كم هي وجيزة وحزينة تلك الحياة، وكم من الفرح والوهم الذي علينا أن نعيشهما لنصل تلك الحقيقة؟ تكفي مأساة موت ابن في الـ19 من عمره ليقال كل ذلك.

الإمارات اليوم في

15/11/2011

 

«مغامرات تان تان»..

سبيلبيرغ يسطو على عوالم هيرجيه

زياد عبدالله 

لم يكن ستيفن سبيلبيرغ راغباً في البداية أن يقدم تان تان كفيلم أنيماشن، كان يفكر بنقل تلك الشخصية الأثيرة من «الكوميك» إلى تجسيدها عبر ممثلين، لكن ومع ظهور الفيلم بعنوان The Adventures of Tintin «مغامرات تان تان» المعروض حالياً في دور العرض المحلية، يبدو أن سبيلبيرغ وجد ضالته في أول عمل «أنيماشن» له من خلال حل وسط، يتمثل بما يعرف بـ Motion Capture، أي أن الحركات تنفذ من قبل ممثلين ومن ثم تجرى مطابقتها مع الرسوم، والنتيجة ما شاهدناه على الشاشة الكبيرة وبتقنية ثلاثية الأبعاد، ويعود أول استخدام لهذه التقنية إلى نسخة «الأنيماشن» من «سيد الخواتم» عام ،1978 والتي كانت بالتأكيد ثنائية الأبعاد.

حضور هذا الفيلم سيكون مسبوقاً بتوقعات كثيرة، لا لشيء إلا للشعبية الكبيرة التي تتحلى بها شخصية تان تان وعوالمه وقصصه التي عاشتها أجيال كثيرة سواء عبر الكتب والمجلات أو من خلال مشاهدتها مجسدة في أكثر من مسلسل أو فيلم، لكن وكخلاصة أولية خرجت بها من مشاهدة هذا الفيلم فإنني سأجد نفسي مدفوعاً لتقديم نصيحة متعلقة بهذه التوقعات، أولها يتمثل بوضع عوالم تان تان جانباً كما قدمها هيرجيه الاسم الذي عرف به الرسام البلجيكي جورج ايمي مخترع شخصية تان تان وكل قصصة وعوالمه، بمعنى أننا سنكون حيال كل الشخصيات المعروفة بدءاً من تان تان مروراً بالكلب ميلو والمحققين، لكن كما يراهم مخرج الفيلم سبيلبيرغ، والذي سيأخذ تلك الشخصيات والعوالم إليه ولن يذهب هو إليها، وهذا متوقع! كما أن تان تان الذي يشكل روح «الكوميك الأوروبي» وحضوره الطاغي القادم في ملمح من ملامحه من كونه على النقيض من «السوبر هيرو» أو الأسلوب الأميركي في «الكوميك»، والرهان دائماً على اللغز الذي يكتشفه تان تان بخفة دم مع استثمار دائم للشخصيات المحيطة به، ستشكل ملامح من فيلم سبيلبيرغ، وستأتي وقد أعيد انتاجها، بمعنى أن مزايا سينما سبيلبيرغ وخصائصها الإبهارية ستكون طاغية على ما عداها، وان البداية التي تكون على شيء من التمهيد لذلك سرعان ما تصبح خلف المشاهد وهو يرى في ما يلي فتح الابهار على مصراعيه، مثلما هو الحال مع صراع سفينتين ليس له أن يبقى كما هو في هذا الفيلم بل سيشتبك صاري كل سفينة بأخرى، وتحمل واحدة الأخرى، بحيث يمسي التحام السفينتين مقترحاً بصرياً جديداً على الطريقة السبيلبيرغية، وصولاً إلى المطاردة العجيبة التي تحدث في المغرب، والتي يحدث فيها كل ما يخطر على المخيلة.

القصة التي اختار سبيلبيرغ تقديمها تمضي خلف لغز السفينة الغارقة لعائلة هادوك، والتي تقول لنا من البداية إن نموذج السفينة التي يشتريها تان تان من سوق شعبية بسعر بخس تحمل كل بوادر اللغز الذي سيتشكل من البداية، ومع عرض مبالغ طائلة لقائها من أشخاض سرعان ما يلاحقون تان تان في اللحظة التي يشتريها.

من هذه السفينة الصغيرة ستنطلق مغامرات تان تان ومعه كلبه ميلو الذي يظهر أكثر ذكاء من صاحبه، ومن ثم يبدأ بتجميع خيوط القصة كاملة ومعرفة أن هناك ثلاثة نماذج من هذه السفينة، وأن الصراع سيكون على كنز كانت تحمله، صراع بين الأجداد ينتقل إلى الأحفاد، وذلك بين هادوك الجد والقرصان ساخورين، حيث سيتولى تان تان استعادة هادوك الحفيد الذي نقع عليه غارقاً بالكحول غير مبال بشيء، بينما يكون القرصان الحفيد بكامل نشاطه وهو يمضي في إثر السفن المتبقية التي تحتوي شيفرات صغيرة تفضي إلى الكنز. لابد أن الإبهار سيفعل فعله بالمشاهدين، وسيكون الأمر مغامرة من مغامرات تان تان، لكن بما يجعل من هذا الأخير يخوض هو نفسه مغامرة جديدة على يد سبيلبيرغ.

الإمارات اليوم في

15/11/2011

 

علا الشافعى تكتب: مكى.. يتحدى مكى  

لا أستطيع أن أفهم، سر الهجمة على الفنان أحمد مكى، بعد أن اعتبر البعض أن فيلمه الأخير "سيما على بابا" والمعروض فى السينمات حاليا، جاء على غير المتوقع والمنتظر.. من مكى بعد نجاحه فى فيلمه "لا تراجع ولا استسلام" ومسلسله الكبير أوى"، ويبدو أن شطحات مكى فى فيلمه الجديد لم تجد قبولا نقديا كافيا أو الإقبال الجماهيرى، الذى يجعل البعض يتساءل عن سر النجاح؟ وتحطيم الإيرادات وتحقيق أرقام قياسية مثلما يحدث مع النجم أحمد حلمى وفيلمه "اكس لارج"، رغم أنه بنظرة متأنية ومع قراءة متأملة لنوعية السينما التى يقدمها مكى سنجد بشكل واضح أن "مكى لا ينافس سوى مكى" فمن من النجوم الحاليين على الساحة يقدم حاليا سينما - البارودى - ويقصد بها السخرية من الأعمال الكلاسيكية الفنية المصرية والعالمية.

وأيضا يذهب فى بعض الأحيان إلى الفارس، وهو النوع الذى بات من النادر أن نشاهده فى السينما المصرية حاليا، وكان يبدع فى تقديمه المخرج الراحل عباس كامل.. مكى وحده أصبح من أكثر النجوم حرصًا على ابتكار أفكار غير اعتيادية وبراقة، حيث أراد "أحمد مكى" أن يقدم فيلمين لجمهوره وبنفس أبطال الجزءين.. وقع اختياره على شخصية "حزلقوم" من فيلمه السابق "لا تراجع ولا استسلام" وهى الشخصية التى جذبت الكثيرين من جمهور مكى، وعلقت فى الأذهان وكان "حزلقوم" قد ساهم فى إلقاء القبض على رجال عصابة لتهريب المخدرات، ولهذا يظهر "حزلقوم" فى لقاء تليفزيونى مع "معتز الدمرداش" ليذكر للناس حكاية "حزلقوم"، وفى الجزء الأول قرر مكى أن يسخر من أفلام الخيال العلمى وتحديدا أفلام الفضاء الأمريكية، وهى الفكرة التى كانت تحتاج إلى الكثير من الإبهار ولم يختلف الحال كثيرا بالنسبة للجزء الثانى من الفيلم، والذى جاء تحت عنوان "الديك فى العشة".. حيث وصلت جرأة مكى ومن معه من النجوم ومنهم لطفى لبيب وهشام إسماعيل وإيمى، ومحمد شاهين وغيرهم أن يظهروا طوال أحداث هذا الجزء وهم متنكرون فى صور حيوانات لدرجة إننا قد نأخذ وقتا طويلا حتى نتعرف على الممثل الذى يجسد الدور، الفيلم حقق نجاحًا مع جمهور مكى من الأطفال، وكان يحتاج خطة بصرية أكثر طموحا من المخرج أحمد الجندى ومكى ليحقق قدرًا من النجاح مع الفئات العمرية الأكبر عمرا، ورغم أن التوفيق خانه هذه المرة على مستوى التنفيذ، ولا ينبغى أن يذبح مكى لأجل ذلك ففكرة سيما على بابا من أجمل الأفكار التى شاهدتها فى أفلام مصرية مؤخرا، إلا أن هذه التيمة كانت تحتاج إلى إمكانات مادية أكثر.

الإمارات اليوم في

15/11/2011

 

أصداء، لقاءات سينما المواطن

أحلامٌ، انتفاضاتٌ وثورات

صلاح سرميني ـ باريس 

منذ تأسيس (أصداء، لقاءات سينما المواطن) في عام 2001 برعاية بلدية مدينة "بوبيني" القريبة تماماً لباريس، انحازت هذه التظاهرة السينمائية الفريدة، والمُتفردة إلى الدفاع عن سينما ملتزمة من خلال أفلام طويلة، وقصيرة، روائية، أو تسجيلية قادمة من جميع أنحاء العالم، واللقاء مع مخرجيها، وأفلاماً موجهة للشباب، ومنح مساحة واسعة للسينما الفرنسية.

وطوال مسيرتها، استقبلت شخصياتٍ سينمائية مُعتبرة، ومنها: يان لو ماسون، كلير سيمون، رينيه فوتييّه، هانا شيغولا، برونو مويل، فرانشيسكا كومنشيني، جان ميشيل كاريه، جان بيّير آميري، جان بيّير تورن،..

وبمناسبة الدورة الحادية عشرة التي انعقدت خلال الفترة من 3 وحتى 8 نوفمبر 2011 كتبت "دومينيك باكس" مدير القاعة التي تحتضن التظاهرة كلمةً تعريفيةً، تمهيديةً في النشرة الإعلامية :

"في معظم الحالات، الأفلام هي مرآة العالم الذي نعيش فيه، وبرنامج دورة 2011 الذي يتمحور حول تيمة آنية (أحلامٌ، انتفاضاتٌ، وثورات) يعكس بطريقةٍ ما هذه الحقيقة".

في افتتاح المهرجان تجسّدت انتفاضات النساء مع فيلم "نورما رييّ" لمخرجه "مارتان ريت" (الولايات المتحدة، 1979)، هذه المرأة التي انتفضت في السبعينيّات ضدّ شروط عمل عصر آخر في الولايات المتحدة، ويبدو بأنها تعود بقوةٍ في العقود الأخيرة، حتى في فرنسا نفسها.

بينما يأتي فيلم "لويز ويمر" لمخرجه "سيريل مينوغان" بمثابة صدى يكشف عن مأزق امرأةٍ محصورة في أنياب نظام اقتصاديّ لا إنسانيّ.

انتفاضة ضدّ التعسف أظهرها "الجميع في لارزاك"، فيلمٌ تسجيليّ لـ "كريستيان روّد" يتعقب أثر مقاومة الفلاحين في منطقة "لارزاك" للدفاع عن أراضيهم التي أرادت وزارة الدفاع الفرنسية الاستحواذ عليها في عام 1971 لتوسيع موقع عسكريّ.

البحث عن الأحلام في "السعادة، أرضٌ موعودة"، فيلم طريقٍ لمخرجه "لوران هاس"، وفي المُقابل "ثلوج كيليمنجارو" لمخرجه "روبرت غويدغيان" الذي يريد من خلاله "إعادة السحر إلى هذا العالم".

ولكن أيضاً أحلام، انتفاضات، وثورات الشعوب العربية التي اندلعت ضدّ أنظمتها الديكتاتورية، والأفلام التي جاءت من هناك تقدم شهاداتٍ قديمة، أو آنيّة عن هذه الأحداث، والطاولة المُستديرة التي نظمّها المهرجان في تلك المناسبة رُبما ساعدت الجمهور المحليّ على فهم كيفية انتشار التكنولوجيا الحالية، ومن ثمّ مساهمتها في تنشيط ما نُسميه "الربيع العربي".

الاختيارات الحرّة التي طلبتها  (أصداء، لقاءات سينما المواطن) من جمعية (Périphérie) قدمت نظرةً ناضجة حول عمال أحواض بناء السفن في مدينة نانت عام 1955، صورها "جاك ديمي" عام 1982 في فيلمه "غرفة في المدينة"، أو أولئك المُستغَلين الذين صورتهم "مانويلا فريسيل" عام 2011 في فيلمها "مدخل خاصّ بالعمال".

الحدث الآخر الذي ابتهج به المهرجان، ولم يكن الوحيد، كان العرض الأول لفيلم "كلّ رغباتنا" لمخرجه "فيليب ليوريه" المُستوحى من رواية لـ"إيمانويل كارير" تحمل عنوان "حياة أخرى مختلفة عن حياتي".

ولم ينسى المهرجان الجمهور من الشباب، والمؤسّسات المدرسية مع برمجة نوعية موجهة لهم حول تيمة " كلنا مختلفون، كلنا متحدّون" لأنه، كما تذكر النشرة الإعلامية، "من الصعب أحياناً قبول الآخرين كما هم، باختلافاتهم".

من بين الأفلام التي قدمها المهرجان الفيلم الفرنسي القصير "ياسمين، والثورة" من إنتاج 2011 لمخرجته  "كارين آلبو"، "ياسمين"، شابة تخطت مرحلة المراهقة، تزور صديقها الذي لم تلتقٍ معه منذ أسابيع، ولكن، بدل أن يعيش الحبيبان لحظاتٍ من المتعة، لا تدور الأحداث كما يشتهي الطرفان، الثورة التونسية التي بدأت في 14 يناير 2011 تجعلها تفهم أهمية الالتزام السياسي، وبعودتها إلى المنزل، تُفاجئ أخيها يتحدث هاتفياً مع أبيه في تونس، ونفهم بأنه لا يريد من أبنائه الاشتراك في المظاهرات التي بدأت في باريس تضامناً مع الثورة التونسية.

وفي معرضٍ للصور الفوتوغرافية تحت عنوان "ثورات" يقدم عشر وجهات نظر عن "الربيع العربي"، وطاولة مستديرة بعنوان "صور الثورات العربية"، وتمحور موضوعها الأساسيّ حول هذا الكمّ الرهيب من الصور الفوتوغرافية، والأشرطة الفيديوية التي أنجزها موطنون عاديون، وأصبحت أرشيفاً بصرياً، وصوتياً لهذه الانتفاضات، حيث الكثير من المتظاهرين يسجلون بعفويةٍ، أو عن قصدٍ بهواتفهم المحمولة التي تحولت إلى كاميرات، وهم، غالباَ، يعرضون أنفسهم للقتل، أو الاعتقال.

كما طرحت الندوة أسئلةً من نوع :

ـ أيّ مكانة نمنحها لهذه الصور التي تنتزع من هذه الأخبار المُلتهبة بقايا/شظايا من واقع قبل أن يتمّ تحميلها في الأنترنت، وتبثها مواقع التواصل الاجتماعي، كي يشاهدها عدداً لا يُحصى من البشر؟
بالتأكيد، لم تكن تلك الصور الوحيدة التي سجلت ما حدث في البلدان العربية، ومازالت، حيث هناك سينمائيون محترفون ينجزون بدورهم أفلاماً، ولكن، بطريقةٍ أخرى، أكثر تمهلاً، وأحياناً يخلطون مابين التسجيلي، والروائي، أو حتى إعادة بناء الأحداث من خلال المفردات السينمائية.

وتحت عنوان"الثورات العربية" نتساءل عن الأسباب التي جعلت إدارة (أصداء، لقاءات سينما المواطن) تقدم فيلماً من إنتاج 2011 مجهول المخرج عن إيران؟ في مناسبةٍ كهذه، نفهم أهمية، وضرورة عرض أفلاماً أنجزها مخرجون أجانب، كحال الفيلم التسجيلي "تحرير" لمخرجه السويسري "ستيفانو سافونا"، ولكن، لا نستوعب زجّ إيران في برنامج تحت عنوان "الثورات العربية" ؟.

تُثير الاختيارات الحالية لبعض الأفلام مشكلةً أخلاقية، حيث يبدو للمُتابع بأن المهرجانات السينمائية، العربية، والأجنبية على السواء، بدأت تنظر إلى أيّ فيلم قديم، أو جديد من خلال الجوانب "الثورية" التي تختبئ فيه (حتى وإن لم تكن موجودة أصلاً) كما حال الفيلم الروائي الطويل "على الحافة" لمخرجته المغربية "ليلى كيلاني"، والذي لولا الأحداث الحالية لما أضافه أحدٌ في برنامج عن "الثورات العربية"، أو "الربيع العربي"، صحيحٌ بأنه فيلم جيدٌ، حاذقٌ، ومختلفٌ كحال أفلام كثيرة في تاريخ السينما العربية، والمهجرية، ولكن، يبدو بأننا، والغرب معنا، صحونا فجأة كي نبحث في أيّ فيلم نشاهده عن كلّ ما يُوحي، أو يُبشر بالثورة من قريبٍ، أو بعيدٍ، ورُبما لم يتعمّد المخرج تضمين فيلمه بأيّ أفكار احتجاجية، أو ثورية، ورُبما كان سابقاً مناصراً عنيداً لنظام البلد الذي يعيش فيه، ولكن، من المؤسف، دائماً، وأبداًُ، بأن تسيطر الجوانب العاطفية، الفضولية، أو حتى الانتهازية على اختيارات الكثير من المهرجانات السينمائية، وحالما يلتقط أحدنا جملة حوارٍ، أو لقطة في فيلم، نقفز من مقاعدنا، ونمنحه شرف التبشير بالثورات العربية، وحتى إضفاء الثورية على الفيلم، والمخرج، وهكذا، وجدت إدارة (أصداء، لقاءات سينما المواطن) في الفيلم الجزائري القصير "قراقوز" لمخرجه "عبد النور زحزاح"(والذي لا أنفي عنه أهميته) شكلاً من أشكال مقاومة التطرف الديني.

بينما يقدم الفيلم حالة إنسانية بسيطة، وشفافة، تجمع ثلاثة أطراف من المجتمع الجزائري، والعربي بشكلٍ عام، رجلٌ خمسينيّ يصنع الدمى المتحركة، وينتقل بسيارته مع ابنه "نبيل" من مكان إلى آخر في أرجاء الجزائر كي يقدم عروضه للأطفال، ويمنحهم القليل، أو الكثير من المعرفة، والبهجة، وفي إحدى جولاته يقابل أفراداً من الجنود يتمركزون عند حاجز تفتيش، ومن ثمّ مجموعة أخرى من المُتدينين الذين يوصلهم إلى مكان ما، وفي الحالتين، تُظهر بعض التفاصيل الصغيرة تصرفاتٍ حمقاء من الطرفين تعبر عن احتقارهم للرجل، وابنه، والمهنة التي تخيراها .

هوس بحث المهرجانات السينمائية عن ملامح معارضة للأنظمة المُستبدة تمثل في الفيلم التسجيلي "أنا التي تحمل الزهور إلى قبرها" من إنتاج عام 2006، وإخراج "هالة العبد الله"، و"عمار البيك"، فيلمٌ شعريّ جميل، "ثوريٌّ" في صياغته الدرامية، والسينمائية، يلتفّ حول بقايا من ذكريات الماضي، ومشاعر الحاضر، ويستحضر صوراً عن الحنين، والمنفى، الحب، ورُبما الكراهية.

بالمقابل، يأتي الفيلم التسجيلي "لا خوف بعد اليوم" من إنتاج 2011 لمخرجه التونسي "مراد بن شيخ" كي يقدم نموذجاً عن الأفلام التي سجلت الثورات العربية مباشرةً، واقتربت من التحقيقات التلفزيونية، أو ابتعدت عنها بمستوياتٍ متباينة بين فيلم، وآخر.

 (أصداء، لقاءات سينما المواطن) ـ كحال زميلتها "لقاءات السينما في مونترويّ"(موقع الجزيرة الوثائقية الخميس 03 نوفمبر 2011 ) ـ تخيرت خطةً برمجيةً مغايرة للمهرجانات التنافسية، واعتمدت على تيمة محددة سلفاً، أو متغيّرة في كلّ دورة، ولهذا، فهي تغرف كما تشاء من التراث السينمائي في ماضيه، وحاضره أفلاماً تتفق مع التيمة الرئيسية، والفرعية، ومنحت لنفسها خصوصية جعلتها توازي المهرجانات ذات الصبغة العامة، وهما خطتان تدعم الواحدة الأخرى، ولا يمكن اكتمال المشهد السينمائي الفرنسي بدونهما.

هامش :

العنوان الفرنسيّ للتظاهرة يُوحي بأكثر من معنى، ودلالة : لقاءات سينما المُواطن، أو المُواطنة، أو حتى "سينما مواطن"، أيّ "سينما" أصبحت بمثابة "مواطن". 

الجزيرة الوثائقية في

15/11/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)