حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

جمال الدلاّلي:

الوثائقي متعة تستحق العناء

تونس - صالح سويسي

يعتبر المخرج التونسي جمال الدلالي المقيم بالعاصمة البريطانية لندن واحد من أهمّ مخرجي الفيلم الوثائقي على المستوى العربي، كما بدأ يخطو أولى خطواته عالميّا من خلال أعمال تطرح قضايا الأقلّيات في المجتمعات الغربية. قدم للمكتبة السينمائية الوثائقية عددا هامّا من الأعمال تناولت مواضيع مثل العنصرية والزواج المختلط والإسلاموفوبيا.. كما قدم أعمالا كرّم من خلالها عددا من الشخصيات التاريخية التونسية مثل محمد المنصف باي وفرحات حشاد وأخيرا صالح بن يوسف. فاز مؤخرا بالجائزة الثانية في المسابقة الدولية للأفلام الوثائقية في مهرجان بغداد السينمائي الدولي عن شريطه "الحب والموت".

في هذا الحوار حديث حول تجربة جمال الدلالي في إخراج الأعمال الوثائقية، وآخر أعماله ورأيه في السينما الوثائقية التونسية.

·     يبدو أنّك تخصصت في أعمال تُعنى بسيَر المناضلين الذين أغفلهم الخطاب الرسمي في تونس، أو تعمّدت أنظمة سابقة طمس تاريخهم؟

مع أنني لست ضد التخصص من ناحية المبدأ، لكن ما تفضلت به لا يعدو أن يكون ظاهر الأمر حيث أنني قمت بإخراج مجموعة من الأفلام الوثائقية الأخرى التي ترتبط بالوسط الذي أعيش فيه، وأعني بذلك واقع الأقليات في الغرب، فتناولت مواضيع مثل الإسلاموفوبيا، التمييز العنصري، الزواج المختلط، الإبداع والتميّز.. أما التطرق إلى سير المناضلين فهي محاولة لرد جميل هؤلاء على جيل ما بعد الاستقلال وأنا واحد منهم. وكذلك هي محاولة متواضعة للإسهام في قراءة جديدة لتاريخنا المحاصر والذي لم نقرأه ونطلع عليه إلا من خلال مصدر وحيد،  وأعني بذلك الرواية الرسمية للأحداث.  قد يكون التاريخ ضحية الأيديولوجيات أو المصلحة أو الجهل أو النرجسية، ولكن الضمانة الوحيدة لمقاربة الحقيقة هو أن تجتمع لدينا مختلف الروايات والقراءات وبعد ذلك سيقع ما يمكن تسميته بـ "الانتخاب الطبيعي" أي البقاء للرواية الأصح والأوثق.

·         هل هو الهاجس الفنّي الإبداعي فقط ما يحرك فيك هذا التوجه أمّ أنّك ترى في ذلك واجبا وطنيا ودورا نضاليّا؟

لا يجب أن يغيب الهاجس الإبداعي عن أي عمل فني ولكنني لا أؤمن بمقولة "الفن من أجل الفن"، الفن يجب أن يكون خادما لقضية وذا محتوى أو مضمون رسالي قيمي.  وكما أسلفت، شخصيا أحمل هاجس رد الجميل وتقديم إضافة وزاوية أخرى لقراءة الأحداث، وهنا لا يمكن فصل الإبداع عن الواجب والدور.. وأعتقد أن مدى النجاح أو الفشل في ذلك هو مدى المواءمة بين المضمون والإبداع.. بين الجوهر والصورة.. وخلاصة القول إذا أردت أن تخدم قضية يجب أن تختار الشكل الإبداعي المناسب.

يرى البعض أنّ الاشتغال على الأفلام الوثائقية يتطلّب الكثير من البحث والقراءة والاطلاع بمعنى أن انجاز الشريط الوثائقي مرهق وليس من ورائه ربح كبير، كيف تنظر لهذا الطرح؟ المهم أن تفعل الشيء الذي تحبه وتقتنع به.. أما الجهد والوقت والمال فهم من لزوميات العمل الناجح. كما وجب التنويه أن العمل الفني عمل جماعي وأحد عوامل ومقاييس نجاحه هو تصريف الجهد الجماعي بشكل يجعل منه عامل دفع وتميز.  ما يعجبني في الوثائقي أنه يحاول قدر الإمكان محاكاة الحقيقة والواقع ولذلك تتضاءل إلى الحد الأدنى كل المؤثرات "التجميلية". وفي هذا السياق، أعتقد أن الجزيرة الوثائقية قد نجحت إلى حد كبير في أن تجعل من الوثائقي العربي صناعة وأعادت له بعضا من المكانة على خارطة البرامج التلفزيونية والعروض السينمائية..  ولذلك شهدت السنوات الأخيرة كمّا متناميا من المهتمين بالوثائقي وانخراطا أكبر من ناحية الإنتاج. وفي النهاية الوثائقي بالنسبة لي متعة تستحق عناء الجهد والوقت والمال.

·     في شريطك الجديد"صالح بن يوسف..  جريمة دولة" تناولت الموضوع توثيقيّا وروائيّا، وتسعى لتقديم عملٍ يحمل الشقيّن معا، لماذا كان هذا الاختيار؟ ألم يكن كافيا أن تشتغل على الجانب التوثيقي فحسب؟

البداية كانت مع فيلم "محمد المنصف باي.. نهاية عرش" وتتواصل الآن مع فيلم "صالح بن يوسف" وفي التجربتين كان الجانب التمثيلي أو إعادة تمثيل مشاهد معينة خادما للوثيقة ورواية الأحداث. فليس هناك تعارض بين الاثنين إذا كانت الرؤية الأساسية للعمل هي أن يحافظ على طبيعته الوثائقية وقد عملت مع الزميلة المخرجة إيمان بن حسين لتكريس هذا التكامل.. هناك أحداث مفصلية ولحظات فارقة في حياة صالح بن يوسف ارتأينا أن لا نكتفي في سردها بالشهادات وأنْ نستعين بوسيلة إيضاح يمكن أن تنقل المشاهد إلى جو تلك اللحظات وتجعله يعيشها بكل تفاصيلها.  فالأمر لا يُؤخذ من زاوية المفاضلة ولكن من باب التكامل وخدمة للهدف الأساسي وهو تسليط الضوء على أحداث معينة ونقل المشاهد إلى جوّها وملابساتها.

·         إذن هل يمكن اعتبارها خطوة أولى في طريق إخراج الأعمال الروائية؟

ربما..  ولمَ لا؟؟ على كل حال مازلت منهمكا في مشاريعي الوثائقية التي أوليها كل اهتمامي الآن.

·         كيف يرى جمال الدلالي المخرج التونسي المقيم في لندن واقع السينما الوثائقية في تونس؟ وما موقعها عربيّا ودوليّا؟

أصدقك القول، رغم التهجير أحاول قدر الإمكان متابعة الحركة السينمائية في تونس ومنها السينما الوثائقية، قد بدأت أكتشفها عن قرب بعد ثورة  14 يناير، ولكن عموما تعتبر التجارب التونسية رائدة ومتميزة في الوطن العربي،  ولعلّ التحدّي الأهمّ  أمامها الآن لمزيد من الانتشار هو فك الارتباط العضوي سواء من ناحية التمويل أو المواضيع المطروقة بالجانب الفرنسي وكذلك البعد عن الشحن الأيديولوجي الصادم لهوية البلاد.

الجزيرة الوثائقية في

10/11/2011

 

«رسائل من زمن المنفى» لبرهان علوية: أوطان بديلة

إبراهيم العريس 

ظلاّن سينمائيان لبنانيان خيّما خلال الأيام الأخيرة على أيام مهرجان السينما العربية في برلين: ظلّ مارون بغدادي الراحل قبل ما يقرب من عقدين، وظلّ برهان علوية الذي حضر المهرجان وكرّم فيه كما كرّم عبره جيل سينمائيّ لبنانيّ ولد مع الحرب وصنع للبنان سينما قوية، رائدة وحاضرة دائماً... قبل أيام وعند بدء فعاليات هذا التكريم الاستثنائي للسينما اللبنانية توقفنا، في هذه الزاوية، عند واحد من أفلام بغدادي الأقوى والأقل شهرة (مارا). وهنا عند آخر أيام المهرجان نتوقف عند فيلم مميّز لبرهان علوية يكاد يتّسم بنفس ما نصف به فيلم زميله الراحل. ونعني به «رسائل من زمن المنفى» الذي حققه علوية بين باريس وبروكسيل وغيرهما أواسط ثمانينات القرن العشرين.

> حقق علوية هذا الفيلم في وقت كان بدا فيه أن الوطن صار مستحيلاً. ومن هنا جاء الفيلم الأكثر تعبيراً عن علاقة برهان علوية بسينما الحرب... بل بالحرب نفسها، والتي رأى علوية باكراً، أن ما من أفق لها سوى تدمير لبنان... وبالتالي فإن السينمائي لا يمكنه أن يقترب منها إلا عبر سينما هذيان. ويقينا أن دنو علوية من «موضوع»، أو بالأحرى «مواضيع»، «رسالة من زمن المنفى»، كان أقصى درجات الهذيان التي تمكن من الوصول إليها. ولكن لماذا كان علوية يرى دائماً أنه لا يمكنه الحديث عن الحرب اللبنانية إلا من موقع الهذيان؟ فسؤال يجيب عليه هو نفسه قائلاً: «ليس لأن الحرب نفسها هاذية، بل لأن السينما نفسها لا يمكنها أن تتناول هذه الحرب إلا بالهذيان»، ويكاد يقول: أنا شخصياً لست مستعداً لأن أتكلّم عن هذه الحرب إلا بالهذيان. ولا ريب أن مشاهدتنا هذا الفيلم اليوم ستكشف لنا كم أن برهان علوية اقترب فيه – على غير عادته في أفلامه الأخرى من «كفر قاسم» إلى «خلص» – من أعماق ذاته حتى حدود الانفجار الداخلي، رسم علوية – مرة وإلى الأبد – صورة للمكان منظوراً إليه من خلال الذات في هذيانها المدمّر، لا صورة للذات منظوراً إليها من خلال المكان...

> في «رسالة من زمن المنفى» أطلق برهان علوية، من دون مقدّمات، شياطينه القديمة وسأل نفسه للمرة الأولى السؤال البديهي، السؤال البدئي: «منّ أنا... وأين أنا»، واكتشف علوية أن الـ «منّ أنا» و «الأين أنا» هما في نهاية الأمر شيء واحد. من هنا كان من الطبيعي لفيلمه هذا أن ينتهي بتلك العبارة البسيطة الساحرة «أبو نسيم هون نايم بالقبر... ومرجعيون بعيدة كثير... والشتا نازل... وأنا عمبموت». هذه الأنا الأخيرة تطبع نهاية الفيلم في انفجار صامت مرير وحزين، يقولها صوت المخرج من خلف الشاشة، وكأنها خاتمة منطقية، لكلام كان همّه الأول أن يقولها من دون أن يقولها طوال الفيلم.

> الموت المعنيّ هنا هو المنفى. والأنا هي المخرج، وهي اللبناني وهي لبنان. وعلوية بنى فيلمه كلّه، في فصوله الأربعة -و«الأنترميتزو» - بينها انطلاقاً من ذلك التواكب الخفي بين الأنا والمنفى والموت. الأنا هي تلك الذات التي وزعها علوية في فيلمه على شخصياته المحورية الأربع: رزق الله، كريم، نسيم وعبدالله. شخصيات متفاوتة وربما غير مستقرّة لكنها ليست شريرة بأي حال من الأحوال. قد يكون واحدها مقاتلاً، والثاني تاجراً... لكنها جميعاً تستثير حنان المخرج وعينه العطوف: الأربعة ضحايا. الثلاثة الأولى منها بارحت المكان الأصلي، مكان الموت والهذيان، من دون أن تبارحه حقاً، أما الرابعة فوصلت إلى حيث سيصل الباقون: إلى الصمت وإلى الموت كعلامتين من علامات المنفى الذي هو نتيجة حتمية لهذيان حرب لا تنتهي.

> عبدالله المقاتل السابق المنتظر تحت الأرض، في المترو في باريس، كالجرذ المحاصر، يحلم لو أن في بيروت مترو تحت الأرض: «كنا ملأناه بالجثث» هذا المقاتل السابق، المطارد، المحاصر، لا يتمنى لباريس نهاية بيروت، بل انه يعطي ما معه من قروش لموسيقي عجوز يعزف. كريم المثقف، العابر في المترو بدوره، يحلم لو أن في بيروت مترو: ما كان للحرب أن تقوم لأن المترو يجمع بين الناس ويوحّدهم، كما يتوحّد النمل، أو الجرذان، مثلاً في بوتقة واحدة. أما عبدالله وكريم فوجهان لعملة واحدة... صورتان لمنفى واحد، لم يدر بعد أنه منفى. منفى لا يزال منشغلاً بهموم صغيرة، ولا يزال يحس أنه في الحرب، بالكاد خرج منها، وقد يصحّ أن يعود إليها في أي لحظة. لبنانيان من ذلك النمط الذي يسير في خطواته الأولى نحو الخلاص الأمرّ.

> رزق الله، تاجر السيارات اللبناني في بلجيكا، قطع الخطوات الأولى، لذلك نجده في مكتب فوق الأرض، هو تخلّص من مشاكله المادية، لكن لديه مشكلة أخرى: منفاه الطوعي (الذهبي!) لن يكتمل، -أي خروجه من الحرب لن يكتمل- إلا إذا أقنع أحد أخاه الأستاذ الجامعي بترك لبنان. هو يعيش ويعمل في بروكسيل، لكنه لا يزال موجوداً في بيروت، لا يزال موجوداً في الحرب من دون إرادته. بإرادة أخيه: «قولوا له أن الحياة هنا أحسن من الحياة في لبنان»... أي حياة هي أشرف من الموت، حتى ولو نسي أبناءه اللغة العربية، حتى لو تحققت تلك القطيعة التي يعيشها نسيم وكأنها لا تزال أمنية، خاصة في بلد يقدم الخدمات الاجتماعية للجميع و «ينتظرنا نحن اللبنانيين كي نعلمه الحضارة»...

> مع عبدالله، مع كريم، مع رزق الله، وصلنا إلى المنفى لكننا لم نغادر الحرب بعد، بالكاد تركنا المتراس. وإذا كانت كاميرا برهان علوية قد انتقلت من باريس الضاغطة، باريس السجن، إلى بلجيكا بحثاً عن المنفى، فإنها عجزت عن العثور عليه. كيف تعثر عليه وكل ما هنالك يذكر المنفيين بلبنان: مترو باريس / أشجار رواسي (الأرزتان الشهيرتان على طريق بروكسيل) / تجارة السيارات في بروكسيل. كاميرا علوية تريد أن تصل إلى المنفى نفسه. بعد أن تغادر الحرب نهائياً. وهي إذا كانت فشلت في هذا مع الثلاثة الأول، سوف تنجح مع الأخير: نسيم في ستراسبورغ هو الوحيد الذي حقّق ما يخيل له أنه المصالحة الداخلية مع المنفى والقطيعة النهائية مع لبنان الحرب، مع لبنان نفسه. ولكن ما له صامت، وسط الطبيعة الصامتة؟ ولماذا يتحدث المخرج مكانه، بعد أن طفق في البداية يحكي مع كريم وعبدالله ويسمعنا أحلامهما والخيبة وتمسك الحرب وبيروت بهما؟ وبعد أن جعلنا نستمع على لسان رزق الله إلى أصدق وأقسى محاضرة عن الذهنية اللبنانية في بهائها المكتمل؟

> عندما تصل الصورة إلى نسيم، يصمت هذا الأخير، ويتولى المخرج نفسه الكلام عنه. فيحكي لنا كيف استقدم أباه من مرجعيون (التي لم تعد موجودة)، وحين مات دفنه هنا: لو دفنّاه في مرجعيون، سيكون آخر السلالة يدفن هناك... هنا في ستراسبورغ هو أول السلالة. هكذا ببساطة استوعب نسيم، في صمته المعبّر، منفاه، استوعب منفى الوطن. فخطا بنا خطوات أخرى مضاعفة على الطريق التي سيخطو عليها الآخرون في ما بعد. مع نسيم، لم يعد المنفى هاجساً ولا احتمالاً ولا خوفاً مرتقباً. صار ما كان يجب أن يكونه: صار موتاً طبيعياً... موتاً عادياً. صار النهاية الحتمية التي لا نزاع فيها، لوطن يحترق.

> من هو نسيم؟ بل من هم عبدالله ورزق الله ونسيم؟ هم تنويعات على شخص واحد: هم المخرج نفسه، هم نحن جميعاً، وإن في مراحل مختلفة من تطوّرنا... من هنا اعتبار هذا الفيلم واحداً من أكثر الأفلام التي حققها مخرج عربي، ذاتية. بيد أن ذاتية الفيلم لم تنبع من معناه فقط، من التوليف بين شخصياته، من الحوارات، أو من العلاقة التركيبية التي تقوم بين المخرج والمتفرج. بل تنبع أكثر من هذا، من الصورة نفسها: باريس / بروكسيل / ستراسبورغ، لم تعد أمكنة موضوعية هنا. صارت مكاناً للذات. صوّرتها كاميرا برهان علوية في ضغطها وبرودتها، في موتنا فيها. ولا ننسينّ هنا أن برهان علوية درس السينما في بلجيكا، التي قدمت للعالم أفلام أندريه دلفو، ولوحات ماغريت وبول دلفو، وأغاني جاك بريل... تلك الأماكن التي اختلط فيها الموت دائماً بالفراغ. بهذا المعنى كانت كاميرا برهان علوية بلجيكية إلى أقصى الحدود، عكست ما يختمر في داخل هذا المخرج من برودة وموت وقلق، وهي أمور انعكست أيضاً من خلال لغة سينمائية توترت فيها العلاقة دائماً بين الصوت والصورة... ونظرت فيها الكاميرا عبر مسافة مقابرية إلى مواضيعها: فلم يعد المترو مترو، ولا الشجرة شجرة ولا النهر نهراً ولا الطريق طريقاً، صارت كلها حواجز ومزالق تمهد للكلمة الأخيرة في الفيلم «وأنا عمبموت»، في شكل يذكرنا ببعض أقسى اللحظات في فيلم البلجيكية الأخرى شانتال آكرمان (رسائل من الوطن) حيث لم نر من نيويورك، عبر كاميرا المخرجة، سوى الفراغ والموت البلجيكي العنيف في صمته.

alariss@alhayat.com

الحياة اللندنية في

10/11/2011

 

ظلم

ابراهيم العريس 

منذ احسّت السينما خطورة التلفزيون عليها، ثم اعترفت به، راح شيء من التبادل الضمني ثم العلني ينمو في العلاقة بينهما. وقد اتخذ هذا التبادل أشكالاً متنوعة ليس المكان كافياً هنا لتعدادها، ولكن يمكن التوقّف منها مثلاً عند واقع ان جزءاً كبيراً من العروض التلفزيونية يتألف من افلام سينمائية بحيث بات من المنطقي ان يقال ان التلفزيون صار ذاكرة السينما بلا منازع. كذلك يمكن التوقف عند «ظاهرة» بدأت تتفاقم منذ سنوات وهي ظاهرة استعانة منتجي الأفلام بالمسلسلات التلفزيونية وتحويل حلقات منها الى افلام سينمائية معظمها حقّق نجاحات ضخمة. ولنلاحظ هنا ان هذه الممارسة – المقرّبة في نهاية الأمر بين الشاشتين الى حد يقترب من الاندماج احياناً، لم تصل بعد الى العالم الفضائي/السينمائي العربي، مع اننا نعرف ان هذا الفضاء يحتاج الى مواضيع وديناميات من هذا النوع. بل لعلّ في إمكاننا في هذا السياق ايضاً ان نأخذ على السينما عدم اهتمامها الجدي بأخيها اللدود وفي شكل ايجابي بالتحديد.

في الشكل السلبي، كانت هناك بالتأكيد في سنوات غابرة أعمال سينمائية تسخر من التلفزيون وتستصغر شأنه، وكان ذلك طبعاً يوم لم تكن السينما قد اكتشفت بعد فضائل التقارب ثم التآخي... وربما ايضاً لم يكن التلفزيون قد كشف بعد عن ان له تاريخاً وحياة ودراما تشبه الحياة وعن ان له هو الآخر حكاياته البطولية والمحزنة والمضحكة... بل عن ان ارتباطه بحياة الناس وبذاكرتهم بات يفوق ارتباط السينما بهما. وربما لا نكون مغالين هنا إن نحن اشرنا الى ان ذاكرة كثر من الناس ترتبط منذ ما لا يقلّ عن ثلث قرن – كي لا نتحدث سوى عن منطقتنا هذه من العالم – بهذا الوسيط المدهش. وفي المقابل، يصعب القول ان السينما لدينا اهتمت بهذا. بل يمكن القول ان اياً من فنون او آداب التعبير اعطى التلفزيون عندنا ولو قبساً من الاهتمام الضروري، حتى وإن كنا نعرف ان الإعلامي زافين يشتغل منذ سنوات على كتاب ضخم عن تاريخ التلفزيون اللبناني وعلاقته بالمجتمع. والحقيقة ان من يشاهد مسودات هذا المشروع، يدرك على الفور كم ان تاريخ التلفزة مظلوم عندنا، بخاصة ان صفحات الكتاب زاخرة بألف فكرة وفكرة لا تنفع فقط لتصبح افلاماً او مسلسلات بل مشروعاً تاريخياً كبيراً.

ان هناك طبعاً كتباً من هنا وأخرى من هناك، غير ان المحصّلة لا تزال ضئيلة جداً، والحال كذلك في المشهد التلفزيوني نفسه حيث ان هذا الوسيط الذي يتحدث عن كل شيء ويصنع ذهنيات الناس من حول كل شيء لا يزال مقصّراً الى حد كبير في الحديث عن نفسه والتاريخ لمسيرته. لكن السينما لا تزال اكثر تقصيراً في الاهتمام به وبتاريخه... ونركز على السينما هنا لأننا نعرف ان السينما هي وحدها القادرة على منح التلفزيون مرتبة الشرف في تاريخ الفنون... وهي مرتبة بات يستحقها على رغم كل شيء.

الحياة اللندنية في

11/11/2011

 

 

أفلام العيد في فلسطين: كوميديا مصرية فقط

رام الله – بديعة زيدان 

كان الفلسـطينيون، على موعد مع فيلمين كوميدييــن مصريين في العيد، إذ استقبلت قاعات مسرح وسينما القصبة في رام الله، دار السينما الأبرز في فلسطين، فيلم «إكس لارج»، آخر أعمال نجم الكوميديا المصري أحمد حلمي الذي يحظى بشعبية كبيرة بين الفــلسطينيين، وفيلم «أمن دولت» لنجم الغناء الشاب حمادة هلال، وكلاهما يندرجان في إطار الأفلام الكوميدية.

اقبال جماهيري

واللافت، وغير المفاجئ، في آن، أن فيلم حلمي حظي بإقبال جماهيري منقطع النظير، إذ احتشد الجمهور، وجله من الشباب، مع عدم غياب العائلات، في «طوابير» لحضور فيلمه، في حين لم يكن حضور فيلم «أمن دولت» سيئاً، بل كانت القاعات شبه ممتلئة، ولكن ربما كانت نجومية حلمي الطاغية، السبب في هذا الفارق، فهو الأول في فلسطين، وفق عدد من النقاد واستطلاعات الرأي على المواقع الإلكترونية الفلسطينية المنوعة.

وبعد النجاح الكبير الذي حققه حلمي، في عدد من أفلامه التي احتضنتها سينما القصبة في رام الله، ومن أبرزها «عسل إسود» و «كده رضا» و «زكي شان»، وغيرها، وبدرجة أقل «ألف مبروك»، و «بلبل حيران»، استطاع «إكس لارج»، الذي فاجأ به حلمي جمهوره الفلسطيني بطلّته غير المألوفة (قدم دور شخص بدين جداً) انتزاع إعجاب الجمهور الفلسطيني، خصوصاً أن رسالة الفيلم تنتصر للإرادة القوية، وأهمية التصالح مع الذات، إضافة إلى جرعة الكوميديا المبتكرة، والبعيدة من التهريج، والتي يتميز بها حلمي عن الكثير من كوميديي الألفية الثالثة في مصر والعالم العربي.

وهكذا، أبهر حلمي جمهور رام الله والمدن والبلدات المجاورة، بطلته المبتكرة، فكثيرون لم يميزوا في البداية، أن «مجدي» البدين هو أحمد حلمي ذاته، وهذا يعود لإتقان الماكياج، ليس فقط على صعيد الوجه، بل على صعيد الجسم بأكمله، فلم تبد أية عيوب فاضحة، كما في محاولات سابقة لفنانين آخرين.

والفيلم يتناول مشكلة البدانة المفرطة، وما يرافقها من مشاكل صحية، ومواقف اجتماعية محرجة، وكيف يتحول الأكل مع هؤلاء إلى نوع من الإدمان، فكما يقول «مجدي» أو حلمي، بات ارتداء الملابس وربط الحذاء وركوب السيارة وصعود الدرج، أمور في غاية الصعوبة، لكن الأكل هو الأمر الوحيد «السهل»، وأن العلاقة بينه وبين الطعام باتت علاقة حميمة، مشبهاً إياها بعلاقة المرء بزوجته التي يعشقها.

وكان لإيمي سمير غانم، التي شاركت شقيقتها دنيا، البطولة، مع حلمي، دور بارز، إذ أكدت أهميتها كفنانة كوميدية صاعدة، حتى إن بعضهم شبهها بالفنانة ياسمين عبدالعزيز، الأبرز بين الكوميديات في مصر.

أما نجم الغناء الشاب حمادة هلال، فقدم فيلماً يمكن وصفه بـ «الممتع»، فهو خلطة سينمائية تجمع ما بين الكوميديا ذات السطوة الطاغية، وبين الغناء والاستعراض، كما أنه لم يخلُ من رسائل سياسية، بخاصة عن تسلط جهاز «أمن الدولة» في عهد الرئيس المصري السابق حسني مبارك، وعن «ثورة 25 يناير».

ويمكن القول إن فكرة فيلم «أمن دولت» تقوم على الدمج ما بين عدد من الأفلام المصرية الكوميدية، خصوصاً فيلم «الدادة دودي»، فـ «حسام»، وهو ضابط في «أمن الدولة»، يجد نفسه مسؤولاً عن رعاية خمسة أطفال، والدهم متوفى، ووالدتهم «دولت» (عزة بهاء الدين)، سفيرة في الأمم المتحدة، تلقت تهديدات من إسرائيل، لنيتها عرض تقرير في الهيئة الأممية، تكشف انتهاكات تقوم بها سلطات الاحتلال ضد حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فيهب «حسام» لحماية الأسرة، وهنا تحصل مفارقات عدة، في حين تتقاطع شخصية الضابط «العبيط»، مع ما قدمه الفنان هاني رمزي في فيلمه «نيمس بوند»، و «أسد وأربع قطط»، ولكن برؤية مختلفة، وحبكة درامية مبتكرة.

انتصار الثورة

هلال الذي غنى لـ «25 يناير»، انتصر للثورة في فيلمه الأخير الذي ابتعد فيه من شخصية العاشق الولهان في شكلها التقليدي. كما قدم، أغنيتين بدأتا تنتشران في شكل كبير عبر «فايسبوك» و «يوتيوب»، ومن المتوقع انتشارهما جماهيرياً في الفترة المقبلة، بخاصة أن إحداهما تتعلق بحفلات الزفاف، والثانية بأعياد الميلاد.

الجمهور الفلسطيني، الذي كان على موعد في الأشهر الماضية، مع أفلام جادة، وذات قيمة عالية، قدمت في عدد من المهرجانات، مثل مهرجاني «إنسان»، و«قاوم» من تنظيم «الجمعية الفلسطينية للفنون السينمائية»، ومهرجان «سينما الشباب الدولي» من تنظيم جمعية المخرجين الشباب الفلسطينيين، لا يزال يهتم في شكل كبير بالعروض الكوميدية التي تحظى بإقبال جماهيري. وفي رأس القائمة تطل أفلام عادل إمام وأحمد حلمي، وبعض أفلام هاني رمزي ومحمد سعد الذي يعرفه الفلسطينيون باسم «اللمبي»، إضافة إلى أفلام «الآكشن»، وبخاصة أفلام أحمد السقا وأحمد عز وكريم عبدالعزيز، ولكن تبقى الغلبة لكوميديا عادل إمام وأحمد حلمي.

الحياة اللندنية في

11/11/2011

 

 

أحمد عز:

فيلم «الظواهري» لا علاقة له بالرجل الثاني في «القاعدة»

القاهرة - سامي خليفة 

ثلاثة أدوار سينمائية في انتظار الممثل المصري الشاب أحمد عز خلال الموسم المقبل، أبرزها دور البطولة في فيلم «الظواهري». وعبّر عز لـ «الحياة» عن دهشته مما تردد أخيراً من اشاعات تفيد بأن هذا العمل توقف في شكل نهائي بعد أحداث ثورة «25 يناير» المصرية، كونه لم يعد مناسباً للطرح في هذه الفترة.

وقال أن الفيلم لا يرتبط بفترة معينة، حتى يقال هذا الكلام، مشدداً على أنه لن يتنازل عن العمل في هذا الفيلم لتمسكه بالسيناريو والقصة.

وأضاف عز إن «الظواهري» فيلم يرصد قصة شخص يجد نفسه متورطاً في أشياء لم تخطر له على بال يوماً، مكتشفاً أن الظروف قد تجعل منه إما مجرماً أو شخصاً صالحاً، نافياً أن يكون للفيلم أي علاقة بشخصية أيمن الظواهري ثاني أبرز قياديي منظمة القاعدة من بعد أسامة بن لادن.

على صعيد آخر، أشار عز إلى انتظاره تماثل الفنان أحمد السقا للشفاء من الإصابة التي لحقت به في قدميه أثناء ممارسته التمارين الرياضية، حيث من المزمع أن يسافرا إلى لبنان لاستكمال تصوير بعض المشاهد المتبقية من فيلم «المصلحة» الذي يجمعهما سوياً للمرة الأولى. وأوضح عز أنه يجسد في هذا الفيلم الجديد شخصية تاجر مخدرات يتزوج بفتاة لبنانية أثناء وجوده في لبنان ويعيش في صراع وسلسلة من محاولات الهروب والمطاردات مع ضابط المخدرات الذي يجسده السقا.

فيلم «المصلحة» يشارك في بطولته حنان ترك وزينه والفنانة السورية كندة علوش وصلاح عبدالله ونهال عنبر وأحمد السعدني وأحمد منير. وهو من تأليف وإنتاج وائل عبدالله، وإخراج ساندرا نشأت التي سبق وحقق عز معها سلسلة من النجاحات.

وفي شأن أسبقية ترتيب الأسماء في عناوين الفيلم، أوضح عز أنه لم يتحدث في هذا الأمر من قبل كونه لا يهتم «لمثل هذه الشكليات»، لذا لم يذكر هذا البند من ضمن بنود العقد. وأوضح أن كل ما يشغل باله هو نجاح الفيلم وخروجه على أكمل وجه.

وأشار عز إلى أن بمجرد انتهائه من تصوير فيلم «المصلحة» سيخوض تجربة سينمائية جديدة بعنوان «حلم عزيز» مع الفنان شريف منير والمؤلف خالد دياب ومن إخراج عمرو عرفة. والبحث جارٍ لاختيار بقية فريق العمل.

الحياة اللندنية في

11/11/2011

 

 

«تروب فست أرابيا» يرفع شعار السينما القصيرة

أبوظبي - شفيق الأسدي 

موسم بعد موسم يزداد الاهتمام في الإمارات بالسينما القصيرة التي لا تجد عادة منبراً لتطل عبره إلى الجمهور. من هنا أهمية مهرجان «تروب فست أرابيا» الذي اختتم دورته الأولى أخيراً، بعدما نجح في استقطاب أكثر من 12 ألفاً من معجبي السينما القصيرة إلى كورنيش أبو ظبي.

وذهبت جائزة المهرجان الأولى إلى العراقي جاسم الجبوري عن فيلم «سرب النجوم». فيما استقطبت سجادة المهرجان الحمراء عدداً من المشاهير، منهم أحمد حلمي ومنى زكي، إضافة إلى أعضاء لجنة التحكيم التي ضمت المخرجة الإماراتية نايلة الخاجة، المخرجة والممثلة السعودية عهد، المنتج السعودي ممدوح سالم، مخرج أول مسلسل عربي للإنترنتشنكبوت») أمين درة، المخرج وكاتب السيناريو المصري محمد حفظي، الممثل الأردني إياد ناصر والرابح بمهرجان «تروب فست أستراليا» 2011 دامون غامو. وتخللت المهرجان عروض غنائية قدمها نجوم الموسم الثامن من «ستار أكاديمي».

وقال جاسم الجبوري، تعليقاً على فوزه بالجائزة: «فرحت كثيراً عندما عرفت أنني الفائز بالجائزة الأولى للمهرجان. كان فوزي بالجائزة حدثاً استثنائياً، وهو أهم إنجاز في حياتي ودافع قوي لتطوير مستقبلي المهني في صناعة الأفلام وإخراجها».

وبهذه الجائزة ربح الجبوري 12,500 دولار، ورحلة إلى لوس أنجليس للقاء صنّاع أفلام، كما سيشارك في لجنة تحكيم مهرجان «تروب فست أستراليا» في شباط (فبراير) 2012. وفازت الإماراتية لبنى سعيد العامودي بالمرتبة الثانية عن فيلم «الابتسامة»، وحصلت على 7,500 دولار مع فترة تدريب داخلي في مجموعة «أم بي سي». وفاز بالمرتبة الثالثة أحمد غزال من مصر، عن فيلم «بيقولو»، وحصل على 5 آلاف دولار مع إمكان تعديل ألوان فيلمه القصير في twofour54.

الحياة اللندنية في

11/11/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)