حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

«حياتي في الفن» لستانسلافسكي:

الممثل يجابه جوّانيته الحميمة

إبراهيم العريس

قبل سنوات قليلة حين تحدثت صحف العالم عن مارلون براندو لمناسبة رحيله المحزن، معتبرة إياه واحداً من أكبر الممثلين الذين عرفتهم هوليوود والسينما العالمية في شكل عام، عزا الجميع سبب تألّقه الفني إلى دراسته لدى «استوديو الممثل» الذي قام على أكتاف لي ستراسبرغ وايليا كازان وغيرهما. وكذلك حين تحدثت مجلة إنكليزية متخصصة (إمباير) عن أعظم خمسة ممثلين في تاريخ الفن السينمائي، تبيّن أن أربعة من بينهم تلقوا دروس الفن في «استديو الممثل» نفسه. وإذ أمعن الناس يبتغون معرفة ما هو «استديو الممثل» هذا، وما هي جذوره، ساد الحديث عن «المنهج» ثم بالتحديد، واستطراداً، عن المسرحي الروسي الكبير قسطنطين ستانسلافسكي بصفته الفنان والمنظّر الذي ابتدع للقرن العشرين، فن التمثيل محدثاً في ما سبقه من فنون تمثيلية ثورة كانت في الأساس ثورة مسرحية، ولكن من المؤكد أنه ما كان يمكن فن السينما أن يكون، في زمننا هذا، ما هو عليه، من دون تلك الثورة. ذلك أن أساليب ستانسلافسكي، نقلت التمثيل، مباشرة، من المبالغات الاستعراضية والعرض البرّاني السطحي والانفعالي للعواطف والمواقف، إلى تعبير داخلي ينبع من الروح. والحال أن المرء إن شاء استذكار نماذج حية على ما نقول سيتعين عليه أن يتخيل أناساً مثل براندو وآل باتشينو وجاك نيكلسون وغيرهم وهم يؤدون أدوارهم الخالدة.

> كان قسطنطين ستانسلافسكي ممثلاً ومخرجاً، خاض الفن المسرحي باكراً عند أواخر القرن التاسع عشر... وهو منذ ذلك الوقت الباكر أدرك في شكل واضح أن العالم يتغير وأن الظروف التاريخية والأفكار الفلسفية راحت تعطي الفنون دوراً آخر في حياة المجتمعات، جاعلة إياها أقرب إلى الإنسان واهتماماته وروحه. وهو إذ أدرك أن الإنسان، الممثل، هو من يراه الناس على المسرح، أكثر مما يرون أي شيء آخر، وجد أنه بات لزاماً على هذا الكائن أن يتصرّف في شكل مغاير لما كان يتصرّف به حتى ذلك الحين. وانطلاقاً من هذه الفكرة البسيطة صاغ ستانسلافسكي ما سمي بـ «أخلاق المسرح» عبر الكثير من المؤلفات النظرية، التي كتبها خلال فترة متأخرة من حياته، وكان أبرزها أربعة كتب أشهرها وأهمها: «حياتي في الفن» (1924) و«ممثل يحضر نفسه» (1926) إضافة إلى كتابين صدرا بعد رحيله «ستانسلافسكي يستعد لتقديم عطيل» (1948) و«بناء الشخصية» (1950).

> وكتاب «حياتي في الفن» يعتبر الأشهر بين أعمال ستانسلافسكي النظرية كافة، وهو ترجم إلى الكثير من اللغات وكان ذا تأثير دائم في كبار الممثلين في شتى أنحاء العالم. وفي هذا الكتاب صاغ ستانسلافسكي مجمل النظريات التي حكمت عمله الفني كمخرج وممثل ومنشّط، في شكل عام، للحركة المسرحية الروسية في ذلك الحين، وهي النظريات نفسها التي سنعود لمواجهتها في كتبه الأخرى.

> من الجلي هنا انه إذ يتخذ عمل ستانسلافسكي النظري طابعه الأوضح في كتاب «مذكراته» الأساسي «حياتي في الفن»، فإن هذا يعني أن التجربة لدى هذا الفنان سبقت النظرية، بمعنى أنه إنما قدّم في الكتاب خلاصة تجربته الخلاقة، مستخلصاً من تلك التجربة العملية، تلك المبادئ التي صارت قانوناً عاماً لفن المسرح ولفن التمثيل في القرن العشرين... وصولاً إلى حضورها الطاغي في فن السينما بعد ذلك. ولأن الأمر على هذا النحو، فمن الواضح أن سبر أغوار نظريات ستانسلافسكي، لا ينفصل، في أي حال من الأحوال، عن سبر أغوار حكاية حياته، وتحديداً، حياته في الفن المسرحي.

> إذا كانت جهود ستانسلافسكي الفنية التجديدية بدأت في عام 1898، حين أسس مع زميله نميروفتش دانشنكو «مسرح الفن» في موسكو الذي سرعان ما اكتسب سمعة عالمية كبيرة، فإن ستانسلافسكي كان سبق له قبل ذلك أن خاض تجارب إخراجية مسرحية عدة، ولا سيما مع فرق هواة... ولقد كانت تجربته الأبرز في ذلك المجال تقديمه، للمرة الأولى على خشبة روسية، نص «ثمار التنوير» من تأليف تولستوي، كما أنه مسرح نص دوستويفسكي «سيلا ستيفانشيكوف»... ولقد كان هذا النوع من الأعمال - كما يروي هو نفسه في «حياتي في الفن» - التمهيد الضروري لبداية اكتشافه ما يسمى لاحقاً الواقعية في المسرح. ومن هنا، حين أسس «مسرح الفن» الموسكوفي، كان من الطبيعي أن تكون أولى الأعمال المقدمة نصوصاً من طينة «القيصر فيودور ايفانوفتش» لألكسي تولستوي (1898) و«سطوة الظلام» لليو تولستوي، و«يوليوس قيصر» لشكسبير (1903)، ذلك أن تلك المرحلة كانت مرحلة صراعات سياسية كبرى في روسيا، وما كان للمسرح أن ينأى بنفسه عن تلك الصراعات... ولما كان مثل تلك الأعمال يحتاج إلى تعبيرات جوّانية وأداء تمثيلي خاص، وجد ستانسلافسكي نفسه - كممثل وكمخرج في آن معاً - يضع موضع التطبيق نظريات وأساليب كان قد صاغها تحت تأثير ارتباطه بفرقة فينغر، إضافة إلى تأثيرات خبرته الخاصة. وهكذا ولدت - كما يفيدنا الكاتب نفسه - تلك التعاليم التي ثوّرت المسرح ككل وليس في روسيا وحدها... والتي اختصرت تحت اسم «المنهج». والحال أن ستانسلافسكي لم يتوقف، وحتى رحيله عن عالمنا، عن تطوير ذلك المنهج وإعادة النظر فيه، وخصوصاً على ضوء تطور الحركة المسرحية - ولم لا نقول الحركة السياسية أيضاً؟ - في أنحاء كثيرة من العالم. غير أن ضروب التطوير كلها لم تطاول جوهر النظرية التي تقضي بأن «توضع في خدمة الممثل - وربما في خدمة الجمهور كله أيضا - مفاهيم مثل الوعي الباطني، والحدس، والأداء الجوّاني، في أسلوب سيعرف أيضاً تحت اسم «أسلوب التقنية السيكولوجية». والحال إن هذا المنهج الذي ظل ستانسلافسكي يدرسه حتى عام 1936، يقوم على أساس الوعي الجوّاني للفنان بشخصيته الخاصة، انطلاقاً من بحث سيكولوجي معمق. وبعد ذلك، إذ يكون الفنان (الممثل) قد اتسم بسمات تلك الشخصية، مزوداً بما يتبين له أنه الحياة السابقة والمشاعر المتراكمة لتلك الشخصية، يصير على الفنان أن «يمثل» حياة الشخصية ومشاعرها وكأنها حياته الخاصة ومشاعره. وهو بهذا يعيش هذه الحياة الجديدة فوق الخشبة كأنه لا يملك في الواقع أية حياة أخرى خاصة به في حال كان ستانسلافسكي يسميها «وحدة الفنان وسط الجمهور» فيما سيطلق عليها الأميركيون اسم «اللحظة الحميمة»... وإذا كان ستانسلافسكي قد تحدث عن هذا «المنهج» طويلاً في «حياتي في الفن» كما في كتاباته اللاحقة، فإنه سيدخل الكثير من التعديلات لاحقاً، وكما أشرنا، على ضوء التطور الذي راح يطاول العلوم الإنسانية والاجتماعية، ثم خصوصاً على ضوء الأحداث العاصفة في بلده.

> والمهم في الأمر كله هو أن قسطنطين ستانسلافسكي (1863 - 1938)، طبق نظرياته هذه في شكل خلاق ولا سيما خلال السنوات الأولى التي تلت تأسيس «مسرح الفن» في موسكو... ثم خصوصاً عبر تقديمه أعمالاً لمكسيم غوركي (أبرزها «أهل الحضيض») ثم أعمال تشيكوف الذي كان صديقه وعرف كيف يستفيد بدوره من نظريات ستانسلافسكي وتطبيقاتها، في كتابته لأبرز الأعمال التي كان هذا الأخير أول من قدمها مثل «النورس» (1898) و«الخال فانيا» (1899) و«الشقيقات الثلاث» (1901) و«بستان الكرز» (1904)... وهي أعمال أتاحت في الحقيقة لستانسلافسكي أن يستفيد من صياغة تيشكوف لحواراتها - التي يغلب عليها طابع سلبي - لكي يبرهن على الكيفية التي بها يشتغل الفنان على الحوارات فيقلبها من كلام خارجي إلى مشاعر داخلية...

alariss@alhayat.com

الحياة اللندنية في

02/11/2011

 

«ثنايا الثورة الفرنسية» لمارون بغدادي:

«مارا» ... ثائر كأنه من عندنا

إبراهيم العريس  

الاحتفاء الذي يبدأ هذه الأيام في العاصمة الألمانية برلين، بالسينما اللبنانية في اقوى تجليات تاريخها الحديث، ضمن اطار مهرجان مخصّص للسينما العربية، يتوقف بشكل لافت عند المسار السينمائي للراحل مارون بغدادي، وذلك من خلال عرض العديد من افلامه ومناقشتها من جديد. ولئن كان المهتمون قد عرفوا معظم اعمال هذا المبدع الذي رحل شابا، فإن ثمة من بين اعماله افلاما نَدُر حضورها إذ انها افلام حُققت اصلا للتلفزيون. ولعل اهمها فيلم «مارا» الذي حققه بغدادي للتلفزة الفرنسية ضمن اطار سلسلة عهدت الى عدد من كبار المخرجين الفرنسيين بعنوان «ثنايا الثورة». وهنا لمناسبة المهرجان الألماني وقفة عند هذا العمل.

> حدث ذلك في العام بفضل الفرصة التي أتيحت لمارون بغدادي، في العام 1987 لتحقيق فيلم «لبنان، أرض العسل والبخور» حيث تمكّن من أن يعدّل الميزان بعض الشيء لصالح موقف متزّن، بعد أن كان هذا الميزان قد اختلّ بفيلم «الرجل المحجب». على أي حال، قاد ذلك مارون الى ان يحقق فيلمه عن الثورة الفرنسية الذي نتناوله هنا. وينطبق هذا الكلام بالطبع على فيلم «مارا» الذي عرضته التلفزة الفرنسية وسط الاحتفالات بالذكرى المئوية الثانية للثورة الفرنسية. ويتحدث الفيلم عن مارا، أحد أبطال تلك الثورة، عن حياته وتعقداتها وكيفية انتمائه الى العمل الثوري ومقتله في نهاية الأمر على يد شارلوت كورداي.

في هذا الفيلم، إذن، خرج مارون بغدادي أخيراً، وللمرة الأولى، من عباءة لبنان والحرب اللبنانية، بعد انغلاق طال أمده داخلها. ولكن هل تراه خرج حقاً؟

> والحال أن المراحل الثلاث التي تطبع مسألة علاقة الابن بالأب في سينما مارون بغدادي: مرحلة موت الأب بغير ما رغبة من الابن (عبد الناصر، جنبلاط) – مرحلة قتل الأب أو وأده أو خصيه عن طريق الابن/ الابنة نفسه/ نفسها («حروب صغيرة»، «الرجل المحجب»)، ثم وبشكل طقوسي عنيف في «مارا» وأخيراً مرحلة استعادة الأب أو السعي لذلكخارج الحياة» و «فتاة الهواء»)، هذه المراحل الثلاث تكشف عن تطور مارون بغدادي نفسه، حيث كان في المرحلة الأولى يسعى جاهداً للعثور على أب يحزنه موته لكنه يقاوم ذلك الموت باقتراح بدائل للأب (من هنا نهاية «بيروت يا بيروت» المفتوحة على مقتل المناضل الجنوب باعتبار النضال والانتماء الى القوى المناضلة بديلاً عن موت عبد الناصر. ومن هنا تلك العلاقة الميتافيزيقية التي تبيّنها الكاميرا مع ذكرى كمال جنبلاط في المشهد الأخير من «تحية الى كمال جنبلاط») ونراه – أي مارون بغدادي – في المرحلة الثانية، يتعمّد قتل الأب – بينما يحاول استعادته في المرحلة الثالثة.

> لقد وصل قتل الأب هنا الى بُعد طقوسي، يكاد يكون هندسياً. دون أن يعني هذا بالطبع أن «مارا» هو مجرد استمرار لـ «حروب صغيرة» (عبر تحقيق مشهده الأخير لما عجزت ثريا عن تحقيقه في «حروب صغيرة»، مثلاً). ودون أن يعني أن بغدادي قد حقق عبر «مارا» فيلماً ذاتياً آخر، هو مؤلّفه، بل بالعكس، سوف يبدو لنا «مارا» فيلماً محققاً «تحت الطلب» انطلاقاً من حكاية جاهزة سلفاً، عن شخصية حدّد لها التاريخ أكثر من صورة ممكنة، وعن سيناريو كتبه أديب فرنسي معروف، هو دانيال بولانجيه، ليس من شأنه – في أي حال من الأحوال – أن يرضى بأن يكون مجرد ظل لسينمائي شاب آت من لبنان همّه «أن يعلّم الفرنسيين كيف يصنعون فيلماً حقيقياً عن ثورتهم» إذن، كيف أمكن لفيلم هذا شأنه، وتلك هي علاقة مخرجه به، أن يذكّر المتفرج بفيلم آخر للمخرج، فيلم أكثر ذاتية وحميمية، وان كان – بالطبع – سيبدو بالمقارنة مع «مارا» هشّاً من الناحية الفنية، ويتّسم ببعض التبسيط من الناحية التقنية (نعني به «حروب صغيرة»)؟

> صحيح أن «مارا» هو في المقام الأول، فيلم عن الثورة الفرنسية – وذلك هو مبرر وجوده على الأقل – فيلم يتناول تلك الثورة عبر واحد من أبطالها، عبر «مارا» ابن الشعب البار (كما كان يصفه أولئك الذين أسبغوا على الثورة وتقلباتها آيات البطولة وجعلوا مساواتها جزءاً من ضرورات «الحتمية التاريخية»)، و «المحرك الأول للإرهاب الثوري القاتل»: (في نظر أولئك الذين وجدوا في مارا كما في روبسبيار، كما في دانتون، حججاً تساعدهم على إسباغ هالة قدسية على مواقفهم المعادية للثورة). وهنا لا بد من أن نفتح هلالين لنشير، أيضاً الى أن فكرة تقديم حدث جماعي هام، عبر شخص يجسد هذا الحدث، طبعت معظم أفلام مارون بغدادي. ومن يعرف بغدادي جيداً يعرف أن هذا المبدأ رافق ليس فقط مسيرته السينمائية، بل أيضاً مسيرته السياسية وربما الحياتية، حيث لم يكن من النادر له أن ينظر الى الأحداث الكبرى، في آلامها وتقلباتها، عبر مرشح دائم هو شخص يحل لديه مكان الأب أو الأم او «الأخ الأكبر». ونقفل هنا هذين الهلالين، لننتقل الى مارا نفسه فنلاحظ ان الصورة التي يقدمها دانيال بولانجيه ومارون بغدادي لهذا الثائر الشهير، لا تنتمي مباشرة الى أي من الصورتين المعهودتين عن مارا: صورة اليسار المبجّلة له، وصورة اليمين المدمّرة له. مارا هنا هو مزيج من الصورتين، بل هو بالأحرى، الصورتان متماهيتان تماماً، وقد عرف صانعا الفيلم كيف يخرجان بها من كتب التاريخ، الى هشاشة الحياة. مارا هنا (في صورة تذكّرنا بمارا الذي صوّره بيتر فايس في مسرحيته الشهيرة عنه ولكنها تقل عنها عمقاً بكثير طبعاً) إنسان يحمل تناقضات البشر، عيوبهم وأحزانهم، خوفهم وبطشهم، نهمهم وتحفظهم. بل، أكثر من هذا، يحمل الى حد الإفراط كل تلك القدرة على أن يكون وحشاً وحنوناً في الوقت نفسه. مارا المرسوم هنا، ليس البطل الثوري فقط، بل هو الطفل الذي تربى على «الطبيعة» وصعقه الجنس منذ بداية حياته، وعاش كل نجاحاته، انطلاقاً من خيبته وإخفاقه المؤكّدين: يطرد من الجامعة الفرنسية فيشتري شهادة الدكتوراه في الطب من بريطانيا، يفشل في ممارسة الجنس انطلاقاً من مركّبات نقص جديرة بأن يحلّلها فرويد بدائي، فيمارس شتى أنواع الشذوذ، وسط أكوام من القاذورات، القاذورات التي تبدأ بجلده الملتهب المصاب بنوع عصي من الإكزيما، وصولاً الى هوسه المجنون بالقتل، وفرحه الطاغي أمام الاختراع «الجديد» آنذاك: المقصلة التي يقول ما إن يراها ويطلع على إمكاناتها العجيبة، والابتسامة تعلو شفتيه النهمتين:» سنقتل بها مئة ألف!». أما الطب الذي هو في الأصل وسيلة لشفاء الإنسان من آلامه، فإنه يتحول لدى مارا الى «مجاز»، الى وسيلة للتخلص من المرض: بالنسبة اليه الشعب مريض ولا يستقيم وضعه إلا بقطع أعضاء فاسدة فيه. على يد رفاقهم أكثر مما على يد أعدائهم. هنا، في هذا السياق بالذات، لا يعود من قبيل الصدفة على الإطلاق، أن يحقق مارون بغدادي كل هذا النجاح في تعاطيه السينمائي مع الثورة الفرنسية، ويبدو فيلمه عنها أكثر صدقاً من بقية أفلام سلسلة «ثنايا الثورة». فالحال أن زملاء بغدادي من المخرجين الفرنسيين الذين خاضوا التجربة نفسها كان العهد قد طال بهم كثيراً، عن حقيقة الثورات ومآسيها. بل حتى الذين عرفوا جيداً كيف أن الثورة البولشفية – التي كانت بدورها أملاً كبيراً للشعب والمثقفين – انتهت الى أكل أبنائها بعضهم بعضا حين تمكن ستالين من أن يصفّي كل رفاقه، بمن فيهم تروتسكي، مؤسس الجيش الأحمر، خلال محاكمات موسكو- كانوا قد اعتادوا إلصاق كل شيء بهمجية ستالين نفسه. أما بغدادي فكانت التجارب الحية التي عاشها بنفسه في شرقه الأوسط «اللذيذ» – على حد تعبيره الساخر – ماثلة في ذهنه، من هنا جاء رسمه لمارا صادقاً حياً، وأشبه بأمثولة سياسية. ولكن لا يتعين علينا هنا أن نعتقد أن مخرجنا اللبناني قد جعل من فيلمه عن مارا بياناً سياسياً معادياً للثورة. لقد جعله بالأحرى بياناً عن الخيبة. *والحال أن كاميرا مارون بغداي عرفت كيف تجعل من مشهد القتل في النهاية، واحداً من أكثر مشاهده السينمائية حميمية وذاتية. ولعل هذا يقودنا الى التساؤل المشروع عما إذا لم يكن مارون بغدادي قد اختار شارلوت كودراي لتكون ناطقة باسمه في الفيلم، ناطقة باسم خيبته وسوداويته، وعما إذا لم يكن الخنجر في يدها تعويذة يُطلب منها أن تقي مارون بغدادي نفسه شرّ أن يحمل هو بنفسه خنجراً يضرب به الكثيرين من أمثال «مارا» الذين عرفهم طوال السنوات الخمس عشرة الأخيرة؟ نورد هذه الملاحظة، بالطبع، ونحن مدركون سلفاً لما تحمّله من خطر الوقوف على حبل مشدود، ومن هشاشة. ونلفت الى أن شارلوت هنا، قد لا تكون – رغم طغيان الواقع التاريخي – سوى الوجه الآخر لمارا نفسه. تماماً كما أن ثريا في «حروب صغيرة» قد لا تكون في نهاية الأمر، سوى الوجه الآخر لطلال.

alariss@alhayat.com

الحياة اللندنية في

03/11/2011

 

فنون يقدمها : محمد صلاح الدين

خريف الأفلام في عيد الأضحي

"كف القمر" ينافس حلمي ومكي.. وعودة "عمر وسلمي" لآخر مرة !

حسام حافظ 

مع كل موسم سينمائي جديد يعود الأمل في انتعاش دور العرض واعادة الجمهور مرة أخري إلي الشاشة الكبيرة. ولأن عيد الأضحي هذا العام يأتي مع بداية فصل الشتاء. فإن القائمين علي صناعة السينما في مصر ينتظرون موسماً طويلاً وناجحاً خاصة في وجود عدد كبير من الأفلام المتميزة لنجوم كبار يقبل الجمهور علي مشاهدة أفلامهم.. ولكن يبدو أن الخريف قال كلمته ووضع بصمته علي هذا الموسم!!

وقد بدأ موسم عرض الأفلام قبل العيد بأربعة أيام. حيث بدأ أمس عرض فيلم "كف القمر" للمخرج خالد يوسف. وبطولة وفاء عامر وخالد صالح وغادة عبدالرازق وجومانا مراد وهيثم مراد. وفي العيد يشاهد الجمهور ثلاثة أفلام أخري هي: "سينما علي بابا" لأحمد مكي و"إكس لارج" لأحمد حلمي. و"عمر وسلمي-3" لتامر حسني. و"أمن دولة" لحمادة هلال. وكلها أفلام كوميدية يقبل علي مشاهدتها الجمهور في أيام العيد.

خمسة أبناء

استطاع المخرج خالد يوسف خلال العشر سنوات الأخيرة أن يثبت وجوده ويحقق نجاحاً جماهيرياً لأفلامه. خاصة ثلاثية "هي فوضي" مع الراحل يوسف شاهين. و"حين ميسرة". و"دكان شحاتة" الذي توقع من خلال أحداثه قيام الثورة. والملاحظ أن هذه الأفلام الناجحة هي التي كتب لها السيناريو ناصر عبدالرحمن. وها هو يعود للتعاون في فيلم "كف القمر" الذي يشاهده جمهور العيد. ويحكي عن أم تدعي قمر "وفاء عامر" لديها خمسة أبناء مثل عدد أصابع كف اليد. يتربون في بيت واحد. ولكن عندما يكبرون تدب الخلافات بينهم.

كما يشاهد جمهور العيد فيلم "إكس لارج" للنجم أحمد حلمي الذي قدم العام الماضي فيلمين "عسل اسود" و"بلبل حيران" وهذا العام شارك في بطولة جزء من فيلم "18 يوماً" وهو أحد أفلام الثورة التي لم يشاهدها الجمهور في مصر حتي الآن. رغم حصوله علي العديد من الجوائز في المهرجانات.

"إكس لارج" تأليف أيمن بهجت قمر وإخراج شريف عرفة. ويشارك أحمد حلمي البطولة دنيا سمير غانم وإبراهيم نصر ويحكي عن شاب بدين خجول يعاني من الوحدة بعد وفاة والديه. ويلجأ إلي خاله لمواجهة بعض المشاكل التي يعاني منها.

نجم كوميدي آخر يشاهده الجمهور هذا العيد وهو أحمد مكي في فيلم "سينما علي بابا" الذي كتب في الدعاية "فيلمين في بروجرام واحد" تأليف شريف نجيب وإخراج أحمد البدري. ويعتمد الفيلم علي قصتين منفصلتين وكأنهما فيلمان مثل الأفلام التي كان يشاهدها جمهور الترسو في سينما علي بابا ببولاق أبوالعلا.

وهذا العيد يستمر آل السبكي في تقديم أفلامهم التي يقبل علي مشاهدتها الجمهور. قدموا في عيد الفطر "شارع الهرم" لنفس أبطال "ولاد البلد" دينا وسعد الصغير. ها هم يخشون في عيد الأضحي من عرض الجزء الثالث والأخير من فيلم "عمر وسلمي" لتامر حسني ومي عزالدين فيبدأون به قائمة الترانزيت.

قائمة انتظار

بقي القول أن هناك العديد من الأفلام الجاهزة والتي تنتظر العرض. لكنها فضلت ترك المنافسة في أيام العيد بين نجوم الكوميديا حلمي ومكي وفيلم خالد يوسف. ويستعدون للعرض بعد العيد ومن هذه الأفلام "واحد صحيح" لهاني سلامة وبسمة ورانيا يوسف وكنده علوشي إخراج هادي الباجوري وفيلم "أسماء" لهند صبري وماجد كدواني إخراج عمرو سلامة بعد عودته بثلاثة جوائز من مهرجان أبوظبي. وفيلم "جدو حبيبي" لمحمود ياسين وبشري إخراج علي إدريس. و"لحظة ضعف" لمصطفي قمر و"ساعة ونصف" لسمية الخشاب وأحمد عزمي إخراج وائل إحسان. و"المصلحة" لأحمد السقا وأحمد عز. و"ريكلام" لغادة عبدالرازق. و"مؤنث سالم" لرامز جلال و"بنات العم" ليسرا اللوزي وصلاح عبدالله.

الجمهورية المصرية في

03/11/2011

 

ليل ونهار

انفلات العيار!! 

بقلم : محمد صلاح الدين

* عيد.. بأي حال عدت يا عيد.. بما مضي أم بأمل الحكم الرشيد.. مع الاعتذار لأبي الطيب المتنبي!!

* أغرب تعليق سمعته من أحد أفاعي العهد البائد هو قوله لقاضيه الذي يحقق معه: "يا فندم أنا وزير حمار".. مما يؤكد مجدداً أن حديقة الحيوان اللي كان فاتحها زعيم الفتة والبقلاوة. كان بها أردأ أنواع الحيوانات.. كانت مرعي بلا راع!!

* هذه الأيام ازداد استياء المخرجين من بعض نجوم السينما الذين يتحمسون لأعمال تعرض عليهم. ثم سرعان ما يتهربون منها.. مساكين المخرجين.. يعتقدون أن الثورة اضافت إليهم شيئا.. وحياتكم ولا الزلازل أو حتي البراكين!!

* مطربة "ما شربتش من نيلها".. و"ما جربتش تغنيلها".. طفشت وراحت اشترت بيوت في لندن وبيروت.. وسابت مصر بعدما شربتنا حفلات النفاق والمداهنة!!

* للاسف مازالت بعض الجماهير العربية تعبد الاصنام.. وتؤيد الحكام الظالمين.. أو يصعب عليها إبادة الطغاة.. مع أن العرب من ألف وأربعمائة عام هدموا الأصنام إلي غير رجعة.. للاسف مازال بيننا عبيد للبطش والجبروت. وخدام للفحش والطغيان. قطعاً هم يحتاجون إلي علاج نفسي يحررهم من أنفسهم!!

* قال ابن عروس: ولابد من يوم ترتد فيه المظالم.. أبيض علي كل مظلوم وأسود علي كل ظالم!!

* شوفتوا السياسيين وحشين قوي ازاي.. قلبوا دماغنا وضللوا شبابنا علي خطورة وفساد النظام الفردي.. وفي الآخر عندما اختلفوا علي ترتيب قوائم الأحزاب.. هرعوا إلي المقاعد الفردية للتنافس عليها.. مجاهيل السياسة بيضيعونا في المبتدأ وفي المنتهي!!

* أمام مؤسسة مهرجان القاهرة السينمائي الوليدة برئاسة يوسف شريف رزق الله تحديات كبيرة بحيث لا يقل مستوي المهرجان عما كان أيام: سعد الدين وهبة وحسين فهمي وشريف الشوباشي وعزت أبو عوف.. جاهدوا بعزيمة واصرار وتحد علي ابقاء شعلة المهرجان مشتعلة حتي لو تقلبت السياسات!!

* معظم الأزمات السياسية في مصر الآن سببها قلة الأدب.. الناشطون السياسيون أفسدوا الحياة المصرية عندما دافعوا عن التجاوزات والسفالة والسب والقذف.. وبالتالي انفعلت العيار.. اشربوا بقي!!

* الفاكهة أسعارها نار.. وقاربت من سعر اللحمة رغم أنها كانت مرطرطة ومش لاقية اللي يشيلها.. الشعب يريد شوية فاكهة!!

Salaheldin-g@hotmail.com

الجمهورية المصرية في

03/11/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)