حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

دعاء سلطان تكتب من طوكيو:

فيلم فرنسي بطلاه عراقي وتونسية مخيِّب لآمال العرب

دعاء سلطان

هل يجوز التعامل مع القضية الفلسطينية العربية-الإسرائيلية، بمنطق التكافؤ مع العدو الصهيونى؟ هل يجوز أن يتساوى جرم المجرم، مع عدالة حجة ضحيته؟

الفيلم الفرنسى الألمانى البلجيكى المشترك للمخرج الفرنسى سليفيان استيبال، فعل ذلك بمنتهى الحرفية الفنية والشياكة البصرية!

فيلم «When pigs have wings» أو «عندما تملك الخنازير أجنحة»، واسمه بالفرنسية «Le cochon de Gaza» أو «خنزير غزة»، المعروض ضمن أفلام المسابقة الرسمية لمهرجان طوكيو فى دورته الرابعة والعشرين، فيلم بديع حقا من الناحية الفنية فى نصفه الأول، حيث يحكى فى إطار فنتازى قصة جعفر الصياد الفلسطينى من غزة سيئ الحظ حتى فى اصطياد الأسماك، كما أن جنود الاحتلال الإسرائيلى قد قرروا احتلال سطح منزله لمراقبة المدينة، وهم لا يخجلون أبدا فى استعمال حمامه.. إنه حقا رجل تعس.. يذهب جعفر كعادته للصيد، وتحدث المعجزة أخيرا.. شبكته التقطت صيدا ضخما.. لم يكن إلا خنزيرا أسود!

ومن النشوة بالأمل فى قمة درجاتها، إلى خيبة الأمل فى أقصى صورها.. ماذا سيفعل جعفر بخنزيره؟ فهو لن يتمكن حتى من بيعه للإسرائيليين، فهم أيضا يحرّمون لحم الخنزير على أنفسهم كالمسلمين.

ومن هذه النقطة تبدأ أحداث الفيلم فى السخونة، وتصل إلى قمة الكوميديا والهزل، عندما يحاول جعفر إخفاء أمر الخنزير حتى على زوجته.. يضعه فى البانيو ويُلبِسه فروة خروف ليخفيه عن الناس!

جعفر فشل فى التخلص من الخنزير حتى إنه غير قادر على قتله كى لا تلوث دماء هذا الكائن النجس يديه، لكنه مع ذلك يقبل التعامل مع إسرائيلية تفاوضه على السائل المنوى لخنزيره لإجراء تجارب الاستنساخ.

إلى هنا والفيلم لطيف ومُسَلٍّ ورائع، لكن فى النصف التالى تتوالى مهازل وسخافات وسذاجات الفيلم حتى يصل إلى ذروة استفزازه عند حشر الإسلاميين فى غزة وتوريط جعفر معهم فى عملية خلط مزعجة لجميع الأوراق.

الفيلم رائع بصريا طبعا وكوميدى ومضحك جدا، وقد تم تصوير كل مشاهده الخارجية فى مالطة على اعتبار أن شوارعها تشبه شوارع غزة، وصورت مشاهده الداخلية فى ألمانيا، لكن رغم اكتمال وتكامل عناصر الفيلم الفنية واستمتاعى بمشاهدته مع الجمهور اليابانى الذى أعجب به جدا. فإنى كنت أشعر بغصة فى حلقى وأنا أشاهد فيلما يساوى بين الضحية والجلاد، وشعرت بغصة أكبر عندما علمت أن بطل الفيلم جعفر عراقى الأصل (ساسان جاباى) وبطلته التى قدمت دور الإسرائيلية «يلينا» التى تعاملت مع جعفر لشراء السائل المنوى للخنزير تونسية الأصل (ميريام تقية).

قوة الفن ناعمة قد تفعل الكثير دون ضجيج، وقد تقنع العالم كله بأن السلام مع إسرائيل هو الحل الوحيد وأن إسرائيل هذا الكيان العنصرى البغيض المحتل لأرض فلسطين مثله مثل فلسطين، وأن الخصمين متعادلان، فالفيلم حقا حاول البحث عن حل للصراع العربى الإسرائيلى، لكنه تعامل مع القضية بمنطق فرض الأمر الواقع، ولم يطرح الحل الوحيد الذى يقبله العرب.. لا سلام مع كيان عنصرى مغتصب إلا بعد استرداد جميع الأراضى المحتلة.. فالفيلم تبنى الطرح الإسرائيلى لحل القضية، وتجاهل تماما الطرح العربى لها، مرتديا ثوب الإنسانية، بمنطق التعايش السلمى بين الطرفين، ومساويا بين الإسلاميين فى غزة وجنود جيش الاحتلال الإسرائيلى.. ليس إنسانا من يساوى بين الضحية والجلاد حتى لو صنع فيلما عظيما فنيا.

بعد مشاهدة الفيلم تساءلت: هل سيظل مكتوبا علينا أن لا نستمتع بالأفلام بسبب رسائلها الملتوية وبسبب قضايانا المعقدة التى لا تنتهى؟

نعم، نحن شعوب مكتوب عليها العذاب للأسف.

لكن المتعة الخالصة، والإنسانية فى أبهى صورها، تجلت فى الفيلم الفرنسى أيضا «Intouchables» أو «المنبوذون»، المعروض أيضا ضمن المسابقة الرسمية للمهرجان. تدور أحداث الفيلم حول شخصين من عالمين مختلفين كلية.. فيليب الثرى الوحيد، الذى يصاب بالشلل إثر حادث سقوطه بمظلته، ودريس الشاب الفقير الأسود الذى يعول عائلته كبيرة العدد.

تدور الأحداث فى قالب كوميدى مُسَلٍّ وممتع، بكل ما تحمله كلمة المتعة من معانٍ، فالبطلان كانا رائعين، كل منهما يمتلك أدوات شخصيته، كأنهما عاشا نفس ظروف الشخصيتين، فالفيلم مأخوذ عن قصة حقيقية.

لن تمنع نفسك بالتأكيد من تذكر فيلم «Scent of a Woman» للرائعين آل باتشينو وكريس أودنيل، ولكن العلاقة بين البطلين فى الفيلم الفرنسى كانت أكثر دفئا وجموحا، فبطل الفيلم الفرنسى «فيليب» كان لديه استعداد للانطلاق، عكس آل باتشينو فى الفيلم الأمريكى، كما أن الفرنسى عمر ساى، كان أكثر مرحا من كريس أودنيل.

فيلم «المنبوذون» بديع مبهج.. يحتفى بالحياة، وإن كانت قاسية وكئيبة.

الدستور المصرية في

30/10/2011

  

دعاء سلطان تكتب من طوكيو: وغابت مصر في طوكيو

فيلم إيطالي عنصري يهاجم العنصرية.. ورحلات تركية إيرانية إسرائيلية لاكتشاف الحياة والبشر

فى اليابان.. الإمبراطور هو رمز الدولة، وهذا الرمز لا قيمة له على الإطلاق. أسعدوه باللقب ونزعوا عنه كل صلاحياته، ولا يملك أى سلطات سياسية على الإطلاق، ولا حتى فى حالات الحروب والأزمات الكبرى.. مجرد رمز لا قيمة له.

أما السلطة التنفيذية فيمثلها رئيس الوزراء بمجلس وزرائه، وجميعهم من المدنيين ومن أعضاء البرلمان. والبرلمان بدوره مسؤول عن مراقبة أداء مجلس الوزراء بوزرائه ورئيسه أيضا. أما السيادة -طبقا للدستور اليابانى- فهى للشعب. الشعب هو السيد على كل هؤلاء الحكام.. ما أجمل الديمقراطية.

ما أجمل التحضر الذى يبدأ باحترام الإنسان جسدا وروحا وينتهى بسيادة الشعب قولا وفعلا، وما أسوأ أن يقسو الإنسان بكلمات غير محسوبة على بشر مثله، منتهكا حرمتهم وهيبة خالقهم. هل يعتقد البعض أن هؤلاء البشر سيحتملون الإهانة دائما؟ ألا يعتقد أنهم قد يثورون يوما ما؟!

هذا ببساطة هو السؤال الذى يطرحه الفيلم الإيطالى «Things from Another World» المعروض ضمن أفلام المسابقة الرسمية لمهرجان طوكيو فى دورته الرابعة والعشرين مع أربعة عشر فيلما آخرى.

الفيلم يطرح سؤالا إنسانيا جدا: هل يمكن أن يحتمل الإنسان -مهما كانت درجة حاجته وفقره- الإهانة؟ هل يبتلعها لمجرد أنه فقير ومُطَارد؟ وبناءً على هذا السؤال يحيلنا الفيلم إلى السؤال الذى تدور الأحداث حول إجابته: ماذا لو اختفى كل العمال المهاجرين فى أوروبا؟! ما النتائج؟ ما الخسائر؟ كيف ستحل الدولة المتحضرة مثل هذه الأزمة؟

يبدأ الفيلم بمشاهد لمصنع تعمل فيه مجموعة من الأفارقة بدأب مبالغ فيه، تتبعها مشاهد صاخبة لرجل أعمال إيطالى يملك مصانع يعمل فيها مجموعة من المهاجرين الأفارقة، وهو رجل قاس ومفزع، نموذج مثالى لرجل الأعمال الذى يملك المال ولا يملك غيره. يملك الرجل أيضا محطة تليفزيون يقدم فيها بعض بياناته التى لا تخرج عن ضرورة طرد المهاجرين إلى إيطاليا وسحقهم وتشريدهم لأنهم يقتنصون فرص الإيطاليين فى العمل. قمة التناقض أن يستعين بالمهاجرين لتسيير مصنعه ويطالب بطردهم. هكذا يمتص الرأسماليون حياة البشر، وهكذا يستهينون بجهدهم.

يقابَل كلام رجل الأعمال غليظ القلب بترحيب من أهل المدينة، ثم فجأة يختفى كل الأفارقة «المهاجرين» من المدينة.

بنى المخرج الإيطالى فرانزيسكو بارنيو فيلمه على هذه الفكرة الخيالية الطفولية جدا. اختفى المهاجرون من المدينة بسبب خطاب الكراهية وعنصرية رجل الأعمال ومباركة المجتمع الإيطالى فى المدينة لخطابه.

وفى خط مواز نلمح دفقة أمل فى مدرِّسة بريئة ورقيقة، فى فصلها تلميذة سوداء واحدة، بعد قليل سنعرف أنها تحمل طفلا من أحد الأفارقة المهاجرين فى المصنع عجز صديقها الإيطالى عن أن يهديه إليها.

تضحك العجوز وابنتها والدة وأم صديق المدرِّسة الإيطالى عندما يعلمان بحمل المدرِّسة، تضحكان بسخرية وذهول وتتساءلان فى آخر المشهد: هل ستنجب طفلا أسود؟

هذه مجتمعات تدّعى التحضر وتنصح به، وتشجب العنف والعنصرية، لكنها تمارسها بشكل منظم، حتى يبدو أنه فطرى.

اختفى المهاجرون إذن من المدينة.. هل أصبحت إيطاليا أكثر هدوءا وراحة؟

يقدم المخرج تفاصيل كثيرة للأزمة التى عاشها الناس بعد اختفاء المهاجرين. الشوارع أصبحت قذرة ولا يوجد زبالون، المصانع توقفت ولا يوجد عمال، مصنع رجل الأعمال صاحب الدعوة إلى طرد المهاجرين توقف عن العمل، أصبح يكوى ملابسه بنفسه بعد اختفاء خادمته المهاجرة، تعطل السوبر ماركت عن العمل لأنه معتمد على المهاجرين فى تسييره.

ما الحل؟ قرر أهل المدينة تشغيل المواطنين المحليين، وكانوا خائبين جدا، فلا هم قادرون على تسيير المصانع وكنس الشوارع ولا هم مخلصون لمثل هذه الأعمال الشاقة.

فى النهاية يعلن الجميع استسلامهم، وينادون بعودة المهاجرين، ويحتقر أهل المدينة رجل الأعمال صاحب الدعوة العنصرية ويسبونه فى الشارع لأن دعوته أفسدت حياتهم. هم مثله تماما عنصريون وتافهون وباحثون عن راحتهم ومصلحتهم فقط.

بعد أن تأزمت الأمور يقرر رجل الأعمال الاعتذار عما بدر منه فى قناته، ولكن بعد فوات الأوان. حتى السحر استعمله أهل المدينة لإعادة المهاجرين إليها، ليكتشف رجل الأعمال أن ابنته تحمل فى أحشائها طفلا أسود لأب من المهاجرين، وقبل نهاية الفيلم بقليل نسمع ضحكة رقيعة من زوجته وهى تسأله: هل تعرف ما الذى يحمله بطن ابنتك؟

قصد الفيلم بالتأكيد نبذ العنصرية وتقبل الآخر فى المجتمعات الأوروبية التى تواجه فعلا أزمة الهجرة غير الشرعية، وكان مشهد الطفل فى المدرسة وهو يحكى للمدرِّسة كيف أن صديقه الأسود محمد كان يصبغ وجهه بالطباشير ليصبح مثله بديعا حقا ومؤلما جدا، لكن الفيلم كان مثل الدبة التى قتلت قضيتها، فمعالجته للعنصرية كانت شديدة العنصرية. الفيلم ببساطة يقول إن الشعوب الأوروبية لا بد أن تتقبل المهاجرين بينها لأن الأوروبيين لا يجيدون الأعمال الصغيرة. ابتهج المخرج بأن جعل بطلة فيلمه تحمل من مهاجر أسود، معتبرا أن هذه قمة المساواة وأبرز معالم الفوضى التى حلت بالمدينة الإيطالية بعد اختفاء المهاجرين، لكنه كان فوقيا ومتعاليا فى توضيح دور المهاجرين فى كنس شوارع أوروبا وخدمة أسيادهم من الأوروبيين. رغب المخرج فى نبذ العنصرية، لكنه ظل موصوما بها طوال أحداث الفيلم. كانت نية الفيلم سليمة، لكن النيات السليمة قد تفسد القيم كلها.

ومن فيلم إيطالى حاول نبذ العنصرية فنجح دون قصد فى تشويه معالم القضية كلها، إلى فيلم تركى نجح بجدارة فى إثبات نجاح البشر فى تشويه الطبيعة التى وهبها لنا الخالق. الفيلم التركى «Home» المعروض ضمن أفلام المسابقة الرسمية لمهرجان طوكيو والذى ينافس على جائزة ساكورا، يسأل سؤالا واضحا ومباشرا دون فجاجة: كيف يعبد الناس الله ويصْدُقون فى عبادته، بينما يخرِّبون طبيعته وخلقه بهذا الشكل؟!

سؤال مخرج الفيلم التركى المقصود به الطبيعة بمعناها المجرد.. الجبال والأنهار والوديان، لا نفوس الناس، وإن انسحب الفيلم إلى فساد نفوس الناس أيضا، فمن يفسدون الأرض، لا بد أنهم فاسدون.

الفيلم يحكى عن مهندس تركى يصاب بالانهيار بسبب ضغط العمل، فينصحه طبيبه بإجازة يقضيها فى قريته ليبعد عن صخب المدينة، يذهب هناك ويجد أن قريته تعانى من نفس مصائب المدن. لم تعد بريئة كما كانت، فحتى المياه فيها تلوثت ولم يعد السمك طبيعيا، فالمزارِع السمكية تفى بالغرض. انتهك البشر حُرمة الطبيعة وتلاعبوا بها وأهملها بعضهم، فعاقبتهم بالقلق الأبدى، ولن يفيد ذهاب البطل إلى مكان منعزل حيث الطبيعة البِكْر، فهو شخصيا سيشارك يوما فى تدميرها بصمته وتواطئه.

كان فريدا أيضا أن يكون بطلا الفيلم الإيرانى «Mourning» المشارك فى مسابقة «رياح آسيا» لا يتكلمان ولا يسمعان، فى فيلم من أفلام الطريق لزوجين يتجهان من قريتهما إلى طهران مع طفل فقد أبويه. رحلة مدهشة مليئة بالسخرية والكوميديا الموجعة لرحلة اثنين من الخرس والطرش مع طفل يتيم فى بلد مخيف.

المخرج مرتضى فرشباف يقدم فى الفيلم تجربته الأولى من خلال ورشة المخرج الإيرانى الكبير عباس كيروستامى، كما أن بطلى الفيلم هما زوجان حقيقيان ويقفان أمام الكاميرا لأول مرة.

الدستور المصرية في

30/10/2011

 

دعاء سلطان تكتب: رسالة مهرجان طوكيو السينمائي

اليابان فقدت 10 آلاف شخص فى كارثة طبيعية فأقامت مهرجان سينما للجهاد من أجلهم.. وفقدنا أكثر من ألف شهيد فأقمنا سيرك «توك شو» لتشويههم

فى الحادى عشر من فبراير الماضى تنحى مبارك، مخلفا وراءه أكثر من ألف شهيد وآلافا من المصابين.. يتناوب مذيعو التوك شو على لحمهم دون رحمة، بل يعلون شأن من ينهش فى لحمهم بشكل أرخص.. أطلقوا فلول الماضى على شهداء حريتنا!

فى الحادى عشر من مارس الماضى حلت على اليابان كارثة طبيعية تسببت فى وفاة أكثر من 10 آلاف شخص بخلاف 17 ألفا راحوا فى عداد المفقودين.. يبحث كل طفل فى اليابان عن كيفية إحياء ذكراهم.

هل تجوز المقارنة بين كارثة صنعها رجل عجوز تمسك بالسلطة وكان يرغب فى تحدى قوانين الطبيعة، مختبرا إرادة شعبه، فقتل زهرة شباب الوطن، بكارثة طبيعية جدا -بالنسبة لمجموعة جزر نشأت فى حزام الزلازل والبراكين- صنعها الخالق عز وجل لاختبار إرادة البشر؟!

الحقيقة.. المقارنة تجوز جدا.. فالله خلقنا جميعا كأسنان المشط.. لا فضل لعربى على أعجمى إلا بالتقوى، وقياسا على الحديث الشريف، فإنه لا فضل ليابانى على مصرى إلا بالتقوى.

كم كنت فى حاجة ماسة إلى مثل هذه الدعوة من مهرجان طوكيو السينمائى الدولى فى دورته الرابعة والعشرين.. كم كان مهما أن أشاهد بشرا مروا بكارثة إنسانية فقدوا خلالها أحباءهم، لأعرف كيف يستكمل الحياة من فقد ذويه.. هل لهذا الأمر علاقة بمثلنا المدهش: «الحى أبقى من الميت» أم أن للأمر علاقة بالمثل اليابانى الذى سمعته كثيرا كلما سألت أحدهم عن قدرة اليابانيين على البدء من الصفر أو تحته أو قبله: «البداية أهم من النهاية».

وماذا عن النهاية إذن؟ سيقولون لك: أن ترضى عن نفسك وأن تقوم بواجبك، فليس مهما شكل النهاية!

التجربة اليابانية تستحق فعلا أن نعيرها كثيرا من الاهتمام.. تستحق أن ندرسها ونفكر فيها بدلا من تفرق دمائنا بين التجربة التركية والإيرانية والماليزية والعراقية أيضا.. التجربة اليابانية جديرة بالدراسة، كما أننا لم نختبر التجربة المصرية بعد، فلنثق فى أنفسنا بعض الشىء.

فقدت اليابان أكثر من نصف المليون شخص فى كوارث حلت عليها منذ القرن الماضى وحتى الآن، وتستعد اليابان، حكومة وشعبا، لكوارث جديدة بنفس روح البدايات.. حماس ودأب ورغبة فى الإنجاز، ونحن فى بلد فقد أعز رجاله ونسائه وشبابه فى جهاد ضد مستعمر وحروب مع عدو، وفقد أكثر منهم بسبب إهمال وفساد من تولى أمره منذ القرن الماضى وحتى الآن، ولم يصل عدد ضحايا كوارثنا منذ القرن الحالى حتى اليوم إلى المليون ضحية.. نحن نصرخ ونلطم ونستعذب فكرة أننا ضحينا بالغالى والنفيس.. نحن ما زلنا منتشين فرحين كوننا بلدا قدم شهداء! كل بلاد العالم قدمت شهداء للإنسانية.. المهم: كيف نفهم الفرق بين الشهادتين.. من مات إثر كارثة طبيعية، ولم تبخل دولته فى ضمان حقه حيا وميتا.. وبين من مات إثر خرطوش غادر أو طلقة رصاص حى مستهترة أو إثر دهسه بمدرعة جندى مجند مهمل يستحق الإعدام لإهماله فى حماية ملكية مدرعة ندفع جميعنا ثمنها من لحمنا الحى.

لماذا استشهد كل هؤلاء؟

بالتأكيد لأجل مصر حرة كريمة وعزيزة.

من الملام على إهدار دماء من استشهدوا؟

بالتأكيد هم أولو الأمر.

من المساهم إذن فى إهدار حقهم؟

كل من تعاون ولو بكلمة مع عسكر يحكمون وطنا، وأسهموا بكل ما يملكونه من أساليب فى انهيار كل ما كان ثوريا فى بداية 2011.

كانت تلك الإرهاصة، ضمن إرهاصات أخرى، سأدونها كلما شاءت الظروف عن بلد يقبع فى أقصى شرق العالم.. بلد ذو معالم واضحة.. صيفه صيف حقيقى وشتاؤه واضح المعالم لا يخيف أحدا، وخريفه وربيعه معتدل كما أهله فى تعاملهم مع الغرباء.. اليابانيون شعب ذو حضارة ضاربة بجذورها فى أعماق التاريخ، لكن الأمريكان أشطر فى تسويق حضارتهم المفزعة، تماما كما أن للعرب قضية واضحة المعالم يفسدها تسويق الصهاينة لقضيتهم المبهمة!

مهرجان طوكيو السينمائى الدولى فى دورته  الرابعة والعشرين ورغم مصرع ما يقرب من 10 آلاف شخص، لم تلغ دورة المهرجان لهذا العام.. لم يقرر القائمون على المهرجان إلغاءه بعد 24 عاما أصبح فيها مهرجانا دوليا، ولم ينزعج الشعب اليابانى من إقامة المهرجان رغم إعلان الدولة الحداد على أرواح من راحوا ضحية فى تسونامى، قالوا فى بيانهم الذى قرأته وأنا حزينة: كان من المقرر إلغاء هذه الدورة لمهرجان طوكيو السينمائى الدولى، ولكننا قررنا عقدها بالإجماع  إهداء لضحايا تسونامى.. هكذا نعزى أسر الضحايا.

بالفن قرروا مواجهة كارثة، وعندما ضحى شبابنا بحياته من أجلنا.. قررنا إلغاء مهرجان القاهرة السينمائى الدولى بعد 35 عاما من عمر المهرجان الدولى الذى يقبع فى مرتبة مهمة بين أحد عشر مهرجانا دوليا فى العالم.. الفرق الأهم بيننا وبينهم أنهم يعرفون الطريق لتغذية عقول وأرواح الناس، بينما أول ما نفكر فيه هو الاستغناء عن التفكير واستبدال قيمة المتعة، بقيم «العيشة والسلام»، لكن الفرق الأجل بيننا وبينهم، هو أنهم لم يلفقوا قضايا خيانة وعمالة لمن ماتوا، ولم يشكلوا لجنة لفرز من كان ضحية لزلزال تسونامى ومن كان جانيا وبلطجيا وقاتلا فى أثناء حدوثه.. هم يفخرون بأعداد ضحاياهم كى ينهضوا بهم ومعهم، ونحن أوشكنا أن نحاسب شهداءنا لأنهم استشهدوا فى سبيلنا! ما أتعسنا.. وما أسعد الشهداء بالجنة.

فى المسابقة الرسمية لمهرجان طوكيو السينمائى الدولى فى دورته الرابعة عرض الفيلم البريطانى الإيرلندى «Albert Nobbs»، فى المسابقة الرسمية ضمن 14 فيلما آخر، ولعل السؤال الذى يلقيه الممثل الأيرلندى بريندان جليسون فى نهاية الفيلم: «ما الذى يجعل أى كائن يعيش فى هذه الدنيا محتملا كل هذا القدر من التعاسة؟» يكون موجها لنا جميعا.. لكل إنسان.. صحيح.. لماذا نعيش تعساء هكذا؟!

للإجابة عن السؤال لا بد أن نعرف من هو ألبرت نوبز بطل الفيلم؟

إنه رجل أيرلندى يعمل كبيرا للخدم فى أحد الفنادق ببريطانيا فى بدايات القرن التاسع عشر.. محبوب.. متعاون، وصامت جدا.. بالصدفة نكتشف أنه مجرد امرأة، وبالصدفة نعرف أن من اكتشفت سره ليست سوى امرأة أخرى ترتدى ملابس الرجال وتتخلق بصفاتهم.. إنها الصورة الإيجابية لمستر ألبرت نوبز تماما، ولكنها تتبع نفس الأسلوب فى الإخفاء والمشى فى الحائط.. تختلف الأساليب والخوف واحد!

فى أثناء مشاهدة الفيلم كنت أنتظر اللحظة التى سنكتشف فيها أمر بطلته جلين كلوس، وكلما مرت أحداث الفيلم، اكتشفت أن هذه ليست المعضلة.. البطل، أو بالأحرى البطلة، لا ترغب فى أن تكون رجلا أو امرأة.. هى فقط ترغب فى أن تكون إنسانة.. جاءتها الفرصة خلال الأحداث أن تختار بين أن تكون رجلا كما فعلت أو أن تكون امرأة كما خلقها الله، لكنها اختارت الحيرة.. اختارت أن تموت مجهولة حتى عن أقرب من أحبت، حتى اكتشف الطبيب أن ألبرت نوبز ليس إلا شخصا تعيسا ارتدى ملابس الرجال لينال حقا امتنع عن النساء.. فلا نال هذا ولا ذاك.. فلا هو ذكر ولا هو أنثى.. ولا هو إنسان!  عاش فقيرا مشوها لديه أحلام كثيرة، ومات منسيا مجهولا لتسرق صاحبة الفندق عديمة القيمة كل ما عاش هذا الصامت من أجله ليتردد صدى السؤال ثانية: «ما الذى يجعل أى كائن يعيش فى هذه الدنيا محتملا كل هذا القدر من التعاسة؟».

فى فيلم ألبرت نوبز.. امتزجت الهويات.. رجل أم امرأة؟ وضاعت التفاصيل؟ من والد الطفل الذى نبت فى أحشاء الخادمة التى أحبها ألبرت وأحبها العامل الراغب فى الهجرة إلى أمريكا؟

الدستور المصرية في

29/10/2011

 

على الشاشات

فيلم فرنسى بطلاه عراقى وتونسية مخيِّب لآمال العرب.. وفيلم فرنسى يمحو آثار الإحباط

دعاء سلطان | المصدر : رسالة طوكيو  

هل يجوز التعامل مع القضية الفلسطينية العربية-الإسرائيلية، بمنطق التكافؤ مع العدو الصهيونى؟ هل يجوز أن يتساوى جرم المجرم، مع عدالة حجة ضحيته؟

الفيلم الفرنسى الألمانى البلجيكى المشترك للمخرج الفرنسى سليفيان استيبال، فعل ذلك بمنتهى الحرفية الفنية والشياكة البصرية!

فيلم «When pigs have wings» أو «عندما تملك الخنازير أجنحة»، واسمه بالفرنسية «Le cochon de Gaza» أو «خنزير غزة»، المعروض ضمن أفلام المسابقة الرسمية لمهرجان طوكيو فى دورته الرابعة والعشرين، فيلم بديع حقا من الناحية الفنية فى نصفه الأول، حيث يحكى فى إطار فنتازى قصة جعفر الصياد الفلسطينى من غزة سيئ الحظ حتى فى اصطياد الأسماك، كما أن جنود الاحتلال الإسرائيلى قد قرروا احتلال سطح منزله لمراقبة المدينة، وهم لا يخجلون أبدا فى استعمال حمامه.. إنه حقا رجل تعس.. يذهب جعفر كعادته للصيد، وتحدث المعجزة أخيرا.. شبكته التقطت صيدا ضخما.. لم يكن إلا خنزيرا أسود!

ومن النشوة بالأمل فى قمة درجاتها، إلى خيبة الأمل فى أقصى صورها.. ماذا سيفعل جعفر بخنزيره؟ فهو لن يتمكن حتى من بيعه للإسرائيليين، فهم أيضا يحرّمون لحم الخنزير على أنفسهم كالمسلمين.

ومن هذه النقطة تبدأ أحداث الفيلم فى السخونة، وتصل إلى قمة الكوميديا والهزل، عندما يحاول جعفر إخفاء أمر الخنزير حتى على زوجته.. يضعه فى البانيو ويُلبِسه فروة خروف ليخفيه عن الناس!

جعفر فشل فى التخلص من الخنزير حتى إنه غير قادر على قتله كى لا تلوث دماء هذا الكائن النجس يديه، لكنه مع ذلك يقبل التعامل مع إسرائيلية تفاوضه على السائل المنوى لخنزيره لإجراء تجارب الاستنساخ.

إلى هنا والفيلم لطيف ومُسَلٍّ ورائع، لكن فى النصف التالى تتوالى مهازل وسخافات وسذاجات الفيلم حتى يصل إلى ذروة استفزازه عند حشر الإسلاميين فى غزة وتوريط جعفر معهم فى عملية خلط مزعجة لجميع الأوراق.

الفيلم رائع بصريا طبعا وكوميدى ومضحك جدا، وقد تم تصوير كل مشاهده الخارجية فى مالطة على اعتبار أن شوارعها تشبه شوارع غزة، وصورت مشاهده الداخلية فى ألمانيا، لكن رغم اكتمال وتكامل عناصر الفيلم الفنية واستمتاعى بمشاهدته مع الجمهور اليابانى الذى أعجب به جدا. فإنى كنت أشعر بغصة فى حلقى وأنا أشاهد فيلما يساوى بين الضحية والجلاد، وشعرت بغصة أكبر عندما علمت أن بطل الفيلم جعفر عراقى الأصل (ساسان جاباى) وبطلته التى قدمت دور الإسرائيلية «يلينا» التى تعاملت مع جعفر لشراء السائل المنوى للخنزير تونسية الأصل (ميريام تقية).

قوة الفن ناعمة قد تفعل الكثير دون ضجيج، وقد تقنع العالم كله بأن السلام مع إسرائيل هو الحل الوحيد وأن إسرائيل هذا الكيان العنصرى البغيض المحتل لأرض فلسطين مثله مثل فلسطين، وأن الخصمين متعادلان، فالفيلم حقا حاول البحث عن حل للصراع العربى الإسرائيلى، لكنه تعامل مع القضية بمنطق فرض الأمر الواقع، ولم يطرح الحل الوحيد الذى يقبله العرب.. لا سلام مع كيان عنصرى مغتصب إلا بعد استرداد جميع الأراضى المحتلة.. فالفيلم تبنى الطرح الإسرائيلى لحل القضية، وتجاهل تماما الطرح العربى لها، مرتديا ثوب الإنسانية، بمنطق التعايش السلمى بين الطرفين، ومساويا بين الإسلاميين فى غزة وجنود جيش الاحتلال الإسرائيلى.. ليس إنسانا من يساوى بين الضحية والجلاد حتى لو صنع فيلما عظيما فنيا.

بعد مشاهدة الفيلم تساءلت: هل سيظل مكتوبا علينا أن لا نستمتع بالأفلام بسبب رسائلها الملتوية وبسبب قضايانا المعقدة التى لا تنتهى؟

نعم، نحن شعوب مكتوب عليها العذاب للأسف.

لكن المتعة الخالصة، والإنسانية فى أبهى صورها، تجلت فى الفيلم الفرنسى أيضا «Intouchables» أو «المنبوذون»، المعروض أيضا ضمن المسابقة الرسمية للمهرجان. تدور أحداث الفيلم حول شخصين من عالمين مختلفين كلية.. فيليب الثرى الوحيد، الذى يصاب بالشلل إثر حادث سقوطه بمظلته، ودريس الشاب الفقير الأسود الذى يعول عائلته كبيرة العدد.

تدور الأحداث فى قالب كوميدى مُسَلٍّ وممتع، بكل ما تحمله كلمة المتعة من معانٍ، فالبطلان كانا رائعين، كل منهما يمتلك أدوات شخصيته، كأنهما عاشا نفس ظروف الشخصيتين، فالفيلم مأخوذ عن قصة حقيقية.

لن تمنع نفسك بالتأكيد من تذكر فيلم «Scent of a Woman» للرائعين آل باتشينو وكريس أودنيل، ولكن العلاقة بين البطلين فى الفيلم الفرنسى كانت أكثر دفئا وجموحا، فبطل الفيلم الفرنسى «فيليب» كان لديه استعداد للانطلاق، عكس آل باتشينو فى الفيلم الأمريكى، كما أن الفرنسى عمر ساى، كان أكثر مرحا من كريس أودنيل.

فيلم «المنبوذون» بديع مبهج.. يحتفى بالحياة، وإن كانت قاسية وكئيبة.

التحرير المصرية في

30/10/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)