حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

ياسمينة عدي تدون شهادة أخرى على جبين التاريخ

"هنا نُغرق الجزائريين".. أو السينما تقول ما لا تقوله السياسة

ساسية مسادي

تسعى المخرجة ياسمينة عدي من خلال فيلمها الوثائقي "هنا نغرق الجزائريين" أن تقدّم وثيقة تاريخية أقرب إلى الشهادة التي تعيد نفض الغبار مرة أخرى عن تفاصيل أحداث 17 أكتوبر 1961 في باريس، عدي قدمت إدانة صريحة لمجزرة ضد الإنسانية، ووضعت فرنسا وجها لوجه أمام ماضيها الدموي.

من ماي 45 إلى أكتوبر 61 ..فيلمان للمجزرتين

بدا واضحا من فيلم "هنا نُغرق الجزائريين" أن المخرجة ياسمينة عدي تخوض تجربة أعمق في عالم الفيلم الوثائقي؛ بعد تجربتها الأولى في الوثائقي "8 ماي 1945، الوجه الآخر" المنجز في 2009، والذي تطرق إلى مجازر 8 ماي 1945 التي هزت ولايات قالمة، خراطة وسطيف بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.

وكانت المخرجة قد سعت في تعاملها مع موضوع أحداث 8 ماي 1945 إلى توظيف رؤى الجانبين الجزائري والفرنسي، من خلال شهادات جزائريين وفرنسيين عاشوا الحدث، إضافة إلى صور من الأرشيف غير أن الصور التي استعملت كانت سطحية التقطت لسجون فرنسية من الخارج، أو لمحتشدات الجزائريين الذين اخرجوا من ديارهم مرغمين، وأفلام مصورة لجنود أفارقة زجت بهم القوات الفرنسية في الأحداث، وصور وأفلام لميلشيات فرنسية مسلحة. وفي الوقت الذي لم تظهر فيه ولا صورة عن المجزرة وعن جثث الجزائريين، تضمن العمل صورا لمعمر أوربي في المستشفى بيد مبتورة، تلتها ملصقات من صحف فرنسية تتحدث عن الضحية وما لحق بمعمرين آخرين، ثم تصريحات لشهود معمرين يتحدثون عن مدى الخوف الذي كانوا يعيشونه إبان الأحداث، وما قد يلحق بهم من قبل الجزائريين الحاملين للسلاح، فيبررون أن تكوين الميليشيات المسلحة من المدنين كان أمرا ضروريا للدفاع عن النفس.

ياسمينة عدي لا تنظر إلى هذه الملاحظات كنقائص سجلت على مستوى فيلمها الأول لأنها تعتبر أن شهادة الجزائريين الذين عايشوا تلك الأحداث أهم من كل ما عرض من صور لم تجد منها ما يكفي لنقل الحقيقة التي أرادت إيصالها، على حد تعبيرها، مؤكدة أن الكلمة أيضا لها تأثيرها وترى أن فيلمها الأول عمل متكامل ومعمق، وأنه كان نافذة بالنسبة لها لتتعرف على موضوع آخر وحقيقة أخرى حاولت فرنسا التعتيم عنها ألا وهي "أحداث 17 أكتوبر 1961".

من خلال إعلان في الجرائد الفرنسية وجدت المخرجة الشهود الذين أرادوا الإدلاء بشاهدتهم عن الحدث التاريخي من فرنسيين وجزائريين كانوا في وقت ما متخوفين من الحديث عن الأمر، في الوقت ذاته سعت المخرجة إلى الولوج إلى الأرشيف الوطني الفرنسي وهي أصعب خطوة في العمل استطاعت تحقيقها بعد سلسة من الاستجوابات خضعت لها صاحبة العمل للتأكد من دوافعها وراء انجاز الفيلم وكيف ستوظف المادة الأرشيفية من صور فوتوغرافية، وأشرطة فيلمية وصوتية، عملت ياسمينة عدي على استغلالها الجيد لتنجز بعد عامين فيلمها الذي يعد وثيقة تاريخية على فرنسا، التي لا تحسن التعامل مع تاريخها وماضيها، الوقوف عندها مطولا.

هذا الخوف الذي جعل الكثير من رجال الشرطة الفرنسية مجهولين يتصلون بالمخرجة للاستفسار عن دوافعها من انجاز هذا الشريط و ماذا سيتضمن كمادة أرشيفية؟ و ماذا سيحمل من حقائق حان وقت كشفها للعالم.

على ضفاف "السين" التاريخ بالصوت والصورة

ينطلق العمل من قطار يعبر بمحاذاة نهر السين، مقبرة ألاف الجزائريين، يحمل امرأة تحكي مع النهر الذي التهم زوجها في الـ 17 أكتوبر 1961 وترك لها أربعة أولاد، ترفع أمنيتها إلى السماء أن تجد جثته حتى تواريها في قبر تزوره وأولادها الذين لم يفقدوا الأمل في أن يكون والدهم على القيد الحياة بالرغم من مرور 50 سنة على غيابه.

يخرج فيلم "هنا تغرق الجزائريين" عن كلاسيكية العمل الوثائقي الأول لياسمينة عدي ويقترب أكثر إلى العاطفة والإنسانية؛ فبدت الشهادات أكثر عمقا وتأثيرا من خلال لمسة الحزن التي طغت على كلام الشهود الناجين من المجزرة التاريخية.

وفقت ياسمينة عدي في توظيف الأرشيف الذي تعاملت معه بذكاء فارضة ذلك التوازن بين الشهادات والأرشيف من جهة وبين شريط الصورة والشريط الصوتي للفيلم من جهة أخرى، فعلى صعيد الثنائية الأولى كانت ما توصلت إليه المخرجة من صور فوتوغرافية، ملصقات الصحف، أفلام تسجيلية وتقارير صوتية للبوليس في باريس آنذاك بمثابة الدليل على الشهادات المدرجة، إذ بعد كل شهادة تعرض الدليل على الكلام. ومن جهة الثنائية الثانية؛ فان المخرجة لم تترك المجال للصمت، كانت لحظة للبوح واستنطاق لكل الأدلة، حتى تلك الصور الفوتوغرافية الصامتة اعتمدت المخرجة على تقنيتي الميكساج والمونتاج لإنطاقها، فنجد مثلا أن صور فوتوغرافية أخذت للمتظاهرين في شوارع باريس كانت مرفوقة بأصوات للمتظاهرين أخذتها المخرجة من ربورتاجات صحفية نقلت عبر الكاميرا، تلك المظاهرات التي مارست الشرطة الباريسية كل القمع من أجل عدم تسرب أي صورة منها. كما نجد مثلا أن تقارير الشرطة التي كانت عبارة عن تقارير صوتية استعملتها عدي أثناء عرض صور لمكتب اتصالات في الشرطة. هذه الطريقة منحت الحياة للأدلة وأعطت فرصة للماضي ليتكلم بالصوت والصورة.

تحمل تقارير الشرطة أوامر بمحاصرة العمال المتظاهرين الذين لبوا نداء جبهة التحرير الوطني للخروج في مسيرات سليمة مطالبين باستقلال الجزائر، وبإلغاء قرار حضر التجول على الجزائريين في باريس وكل المدن الفرنسية، فتمت محاصرة كل محطات الميترو في باريس، كما تضمنت هذه التقارير أوامر بشأن منع الصحفيين من التقاط الصور والاقتراب من المتظاهرين، وتحدد لهم أماكن تجميع المتظاهرين الذين عوملوا كموقوفين وكان من هذه الأماكن قصر الرياضة الذي جمع آلاف الجزائريين، ويدلي أحد أطباء الجيش الفرنسي بشهادته في هذا الفيلم فيقول: "كنا ثلاث أطباء و كان المكان ممتلئ عن آخره، لم يتركونا نسعف المتظاهرين الذين كانوا في حالة يرثى لها، معظمهم كان يعاني من جروح وكسور الضرب، كانت معاملة وحشية من قبل الشرطة الفرنسية، لم يكن لدينا أسلحة كما لم يكن لدينا الشيء الكثير لنقدمه إلى هؤلاء...".

بعد أيام من مكوثهم في القصر قرّرت الشرطة إخلاء المكان من الجزائريين ونقلهم إلى مكان آخر كان أشبه بالخيمة استطاع الأطباء الاقتراب منهم وإسعافهم ببعض الإسعافات الأولية، و يقول الطبيب الفرنسي أنه شاهد ست جثث للجزائريين في ذلك المخيم... و قال "أن هذه الجثث هي لبعض المتظاهرين اللذين كانوا مدونين في قائمة للأسماء نادت عليهم الشرطة و أخرجتهم من ملعب الرياضة ثم قتلتهم " .

كما تحدث أحد السائقين اللذين نقلوا الجزائريين الموقوفين إلى أماكن اعتقالهم عبر حافلات، كاشفا أن السائقين في ذلك الوقت كانوا فئتين الأولى كانت على علم بما سيحدث للجزائريين والتزمت الصمت، والأخرى لم تكن على علم و إنما نفذت طلب الشرطة في حاجتها إلى وسائل نقل لنقل المتظاهرين عبر هذه الحافلات التي غيّر الكثير منها اتجاههم نحو نهر السين أين رمي بآلاف الجزائريين فيه، كما غير الكثير منهم وجهتهم إلى مستشفى للأمراض العقيلة كانت الشرطة تنوي وضع الجزائريات المتظاهرات فيه بعد أن تجمعن في مسيرات سلمية يطالبن بالإفراج عن المتظاهرين، حسب شاهدة طبيب من تلك المستشفى، الذي عمل رفقة زملائه من أطباء و ممرضين على إخراج الجزائريات (كن حوالي 50 امرأة) من باب خلفي خفية عن الـ 20 شرطي كانوا ينتظرون أمام الباب الأمامي .

وفي الوقت الذي يتكلم فيه وزير الداخلية الفرنسي آنذاك "روجي فري" عن حصيلة قتيلين و136 جريح في صفوف الجزائريين تعرض المخرجة عشرات المقالات الصحفية والربورتاجات الإذاعية تتحدث عن آلاف الجثث للجزائريين مرمية في كل شوارع باريس.

شهادة أخرى على جبين التاريخ  

يحمل فيلم "هنا نغرق الجزائريين" جملة كتبها الفرنسيون على حافة أسوار نهر السين لتكون شاهدا على ما رأوه من أحداث فضيعة قام البوليس برمي الجزائريين في نهر السين، وتجرأ أحد المصورين الفرنسيين على التقاط تلك الجملة خفية عن البوليس. ويضاف هذا العمل إلى جملة الأعمال الوثائقية التي أرخت للتاريخ 17 أكتوبر 1961، ومنها "أكتوبر في باريس" لجاك بانيجال، كأول فيلم وثائقي حول الحدث، فيلم "الليل الأسود 17 أكتوبر 1961 للمخرج "ألان تاسما"، وفيلم "17 أكتوبر 1961.. التستر على مذبحة" للمخرج دانيال كوبفرستين، وفيلم "العيش في الجنة" للمخرج بوعلام جرجو، وفيلم "صمت النهر" لمهدي مهدي لعلاوي وآنيي دينيس.

دبي المحطة الأولى في رحلة الحقيقة

بمجرد أن عرض فيلم"هنا نغرق الجزائريين" في باريس الأربعاء الفارط حتى تلقت المخرجة دعوة للمشاركة في مهرجان دبي السينمائي شهر ديسمبر القادم في فئة الأفلام الوثائقية، لتكون أول محطة في رحلة الحقيقة عربية بعد أن زار العمل الجزائر منذ أيام وشهد عرضه الشرفي هناك بحضور كل من نائب الوزير الأول نور الدين يزيد زرهوني، وزيرة الثقافة الجزائرية خليدة تومي وكل الشهود الجزائريين والفرنسيين اللذين شاركوا في الفيلم.

لا تنتظر ياسمينة عدي من فيلمها "هنا نغرق الجزائريين" أن يؤثر على فرنسا وتعترف بما فعلته في حق المهاجرين الجزائريين في تاريخ الـ 17 أكتوبر 1961، مضيفة أن "الحكومة الفرنسية لو كانت تنوي الاعتراف بما حدث في هذا التاريخ لاعترفت به بعد الأحداث مباشرة ولن تنتظر كل هذا الوقت للقيام بهذه الخطوة".

ولكن أعمالا توثيقية من هذا القبيل تراها ياسمينة عدي ورقة ضغط على الحكومة الفرنسية للاعتراف ولمواجهة ماضيها "..وربما ستكون الاحتفالية بالذكرى الخمسين لاستقالا الجزائر العام القادم فرصة لتفعيل هذه الورقة والاستفادة منها بشكل جدي " تقول المخرجة المغتربة.

أدب فن في

27/10/2011

 

كيف صنع النظام النوفمبري هوةً وصراعاً بين السينمائي والشعب التونسي

د. أنور المبروكي 

تطرح مسألة الثقافة والإبداع اليوم وجوب إعادة نظر جديدة في عدة مفاهيم بعد أن عصف تيار الثورة التونسية على هيكل المنظومة السياسية الساسوية التي كانت تبني سياسة التجهيل الثقافي بالثقافة أو التجاهل التثاقفي بإبداع متسيس متسلط يأخذ الأفكار وفق منظور أحادي "متطرف"، إذ إستقطب هذا النظام سياسياً نوعاً آخر من أنواع الأنظمة المستبدة فكرياً ، فحول المنظور السارتري من الإزعاج إلى الإنزعاج بدحض القول القائل بوجوب أن يكون المفكر كائناً مزعجاً للسلطة. ففي النظام النوفمبري ذو العقدين من المغازلة أصبحت فئة كبيرة ممن يحتسبون على الثقافة والصورة بمثابة كائنات مرشدة للسلطة تحول بمقتضاها الإبداع على وتيرة إسلم تسلم بإتجاهها اليساري الذي تريده السلطة فنشأ بذلك نوع جديد من الابتداعات والتثاقفات بإسم صنم الفكر الأعظم المغتال.

لقد أنتجت سلطة السياسة على الثقافة في الساحة التونسية طيلة 23 سنة نوعان جديدان من "الإبداع" والإبداع. الأول ناكر لجميل السلطة مشهدياً لكن ولغريزة حب البقاء المفروضة فطرياً فهو لا يتردد في ترويض هذا المعبود شعبياً (بالقوة السياسية الفاشلة). أما الثاني فهو بمثابة الخادم الأبي مدفوع الأجر على وتيرة نظام لغوي يكسر فيه الجار مجروره بالمنظور النحوي المستبد سياسياً ، في هذا النوع الثاني تكون الثقافة بالأغلبية في التسلط فينتج حتماً نوعاً جديداً من "الإبداع" المبتدع ليسقط بعد 23 سنة من المماطلة على يد سلطة اسمها "الشعب يريد" ، لكن هذا النوع من التدرب على الإبداع الفاشل حاول بالمنظور اللنيني (بعد الثورة)، ببناء الجديد بحجارة قديمة ، فكان أن رفض مهندسوو الثورة إرتمتيقياً وبجبر المنطق ، هذا السيناريو الساسوي فكشفوا عن أديولجيا هذا الخبيث المتخفي وراء الصورة السينمائية التي ارادت نادية الفاني تصديرها بالتوريد نحو حيز جغرافي دنست فيه كل المفاهيم طيلة أكثر من عقدين فأصبح على السينمائي آنذاك ضرورة إنتاج أفلام حول الإرهاب الديني (بالمفهوم النوفمبري) وإلا فهو ملعون.

اصبح الفنان مقيماً جبرياً في "الفلاش باك" بما أن سلطة النظام النوفمبري فرضت عليه ذلك . هذا إذاً سبب فشل نادية الفاني في ترويج فيلمها السياسي الأخير في تونس الحديثة.

إن عصر الإستبداد بالصورة الموهومة فلمياً قد تحول اليوم إلى سؤال يطرح على أكثر من صعيد على الساحة التونسية. فبعد 10 أشهر من الثورة لم يلد إلى حد الأن فيلماً تونسياً واحداً يعبر عن مشاغل ذالك الشعب الذي أراد ومازال يريد ، سوى ذالك الإنفلات في التوثيق. بعد 10 أشهر من الثورة مازال الإحتراز على أشده خاصةً بعد ذلك البث المتسيس لفيلم "بيرسيبوليس" الإيراني الذي كشف عن سذاجة في لغة الخطاب والتخاطب بين الفن والسياسة إلى حد يصبح فيه لا وعي المتفننين في الفتن بإسم الفن عاملاً أساسياً في تزايد منطق الإستنفار الأقصى بين السينمائي والجماهير، فتحول المشهد إذاً إلى ضرب من ضروب المطاردة بين من يريد ومن يريد. بين إرادة فن الدين وإرادة دين الفن ، بين إرادة سلطة العقل وإرادة عقل السلطة. والسؤال في ذلك من المسؤول حقاً عن هذه المؤامرة بإسم استيطيقا الجمال والدين معاً ؟

من المسؤول حقاً عن هذا التحالف في النزاع ؟ من هو المهندس الأول لسيناريو التوريث الاديولوجي المستبد الذي عصف بإرادة الشعب طيلة عقود ومازال يحاول العصف عليها إلى اليوم بإسم الفن ؟ هل هي الحداثة أم اديولوجيا الحداثة الموغلة في التهميش و الغربنة ؟

لا بد أن نقول وبصراحة أن تسييس السلطة للشأن اليومي التونسي منذ عقدين كان سبباً في عزوف وقتي أو كلي للعديد من جهابذة السينما التونسية اليوم عن التصوير مثل الناصر خمير ورضا الباهي ونوري بوزيد ومفيدة تلاتلي ،،، والقائمة تطول في هذا الإتجاة كما في نقيضه والسؤال مطروح مجدداً : من صنع هذا التنافر بين شعب يريد سينما جديدة دون أن يرى فيها نفسه وبين سينمائي يريد إقناع شعب يجب أن يرى نفسه ؟

من ورط طرفي النزاع في هذه اللعبة القذرة التي تسمى اليوم :"التطرف بالإبداع" في شكليه اليساري واليميني ؟ طبعاً وبدون أي شك لا بد أن تكون الإجابة اركيولوجية الثوب يصفها ميشال فوكو على أنها "القوة الموجودة في كل مناحي الحياة الإجتماعية ،،، والتي تمارس فعلها بأشكال متعددة" وهي التي يسميها ماكس فيبر بأنها "السعي بالقوة إلى النفوذ " ونسميها نحن بأنها أفيون الشعوب بالمنظور الماركسي للسياسة.

إن من واجب السلطة السياسية التي ستحكم البلاد اليوم أن تسعى جاهدة إلى إيجاد حل مرضي بين السينما والجمهور بل وأن تسعى إلى الكف عن التفنن في تسييس الفن كما فعل سلفها منذ عقود ، وأن ترفع ملف الدعم السينمائي إلى أطراف وشركات ذات رأس مال خاص خارجاً عن ميزانية وسلطة الدولة كي لا يكون الإنفلات المشهدي مستقبلاً ، وفي اتجاهيه اليساري واليمني ، سبباً في النزول إلى الشارع من جديد.

اننا ندعو إلى ولادة عصر سينمائي جديد تكون فيه الغلبة للحقيقة بالمعنى الجمالي للواجب ثم ائتلافاً سوسيولوجياً بين الفنان وجمهوره بالمعنى الحقيقي للجمال.

ندعو إلى إقامة دستور سينمائي جديد يقوم فيه بناء السيناريو والشخوص والأمكنة، على سلطة الحقيقة لا على سلطة الدينار الذي لم يدم لصناع القرار سابقاً.

ندعو إلى ولادة سينما تونسية مؤمنة بالمعنى الحقيقي لإرادة الشعوب تمجدها لا تهمشها وهي التي ستبقى دوماً تريد وتريد ،،،

لا بد أن تنزل الصورة السينمائية إلى الأرض مشياً على الأقدام لا افتراضية موغلة في مسائل طفولية يكون فيها المتفرج ناقلاً لعدوى السذاجة المعاصرة.

إن "انفلونزا الصورة" وفيروس الغربنة وحمى المطاردة بين السينما والجمهور إن لم تؤدي إلى إعادة النظر في جغرافية حدود الإبداع والحرية فإنها ستجرنا حتماً إلى نشأة نوع جديد من الثورات ربما قد نسميها "بالسينمافوبيا الثائرة" بإتجاهيها اليمني أو اليساري.

إن المعنى الحقيقي للديمقراطية في الفن السينمائي لهو الإيمان الحقيقي بمرارة نفس الديمقراطية التي قد تقصيه.

وإلا فوجب علينا الإنتظار.  

خاص "أدب فن"

أدب فن في

27/10/2011

 

يعرض ضمن مهرجان «نور» للثقافة العربية

«18 يوما».. لمحة عن حياة المصريين اليومية

لندن: شيماء بوعلي 

كان العرض الأول للفيلم المصري «18 يوما»، الذي يتكون من 10 أفلام قصيرة، في بريطانيا الليلة الماضية في إطار مهرجان «نور» الثاني السنوي في متحف «ليتون هاوس» في غرب لندن. وبغض النظر عن السياسة، تفاعل الجمهور المصري مع الفيلم بشكل كبير. ومدة عرض الفيلم 120 دقيقة بزيادة 20 دقيقة، لكن تنوع القصص في الفيلم ما بين الكوميديا والدراما ساعد على عدم شعور المشاهد بالملل. لم تتناول قصص الفيلم الثورة بشكل مباشر، بل كانت كل واحدة تقدم لمحة عن حياة المصريين اليومية خلال أسبوعين ونصف هما مدة الثورة التي بدأت في 25 يناير (كانون الثاني). ومع تشبع الجمهور بالصور التي ترد في النشرات الإخبارية والتي كانت دائما من وجهة نظر ميدان التحرير ومتجهة نحو الخارج، يقدم فيلم «18 يوما» وجهة نظر المحيط الذي يقع خارج التحرير. لقد عرض الفيلم علاقة الشخصيات بشكل غير واع وغير مباشر بالثورة التي تحدث في وسط البلد.

شارك في الفيلم أسماء لامعة مثل المخرج مروان حامد مخرج فيلم «عمارة يعقوبيان»، وأحمد عبد الله مخرج فيلم «ميكروفون»، وكاملة أبو ذكري مخرجة فيلم «واحد - صفر»، فضلا عن ممثلين مشهورين مثل أحمد حلمي وهند صبري ويسرا. كذلك لم يخل الفيلم من الشباب من خلال فيلم «إن جالك الطوفان» للمخرج محمد علي، وكوميديا تقدم بطريقة جافة ويتناول قصة زوجين محتالين يحاولان استغلال الثورة من خلال بيع الأعلام ولافتات مكتوب عليها «يسقط مبارك» وبهذا يصبحان من مؤيدي الثورة من خلال التجارة. يتناول فيلم «تحرير 2/2» لمريم أبو عوف، مؤيدي مبارك الذين استغلوا الثورة هم أيضا من خلال الحصول على أجر للمشاركة في المظاهرات المؤيدة لمبارك. يطرح هذا الفيلم، الذي مدته 13 دقيقة، تساؤلات حول السياسة وما يمكن أن يفعله المحتاجون من أجل الحصول على المال. وكان فيلم إيهاب الخوري هو الأقصر من بين هذه الأفلام، لكنه كان الأكثر تأثيرا، حيث يتناول قصة شابة تبيع الشاي على أحد الأرصفة ومنشغلة بحلم الزواج ولون شعرها، تشارك في مظاهرات ميدان التحرير، مما يغير حياتها تماما. وجاءت نهاية الفيلم مؤثرة حتى إن الجمهور شعر بها وصفق لها. لقد سلط الفيلم الضوء على الكثير من جوانب الثورة المصرية التي شعر الجمهور المصري بأنها إنسانية وتعبر عن تجاربهم. قال أحمد، أحد المصريين العاملين في لندن: «لقد أعجبني الفيلم جدا. لقد تأثرت به كثيرا». وقالت ثناء، طالبة مصرية - بريطانية: «إن القصص التي يعرضها الفيلم مألوفة للغاية، فنحن نسمع باستمرار عن أشخاص تركوا متاجرهم مفتوحة لمساعدة الجرحى والآخرين». وأشارت إلى نهاية الفيلم، وخاصة فيلم «أشرف سبرتو» للمخرج أحمد علاء الذي يحكي عن شخص يترك محل الحلاقة الخاص به مفتوحا ليكون مكانا لإسعاف الجرحى. وقالت صديقتها علياء: «كان خوف الناس واضحا، فهم ظلوا في منازلهم على الرغم من رغبتهم في المشاركة في الاحتجاجات. لم يكن أحد يعرف أن هذه الاحتجاجات والمظاهرات سوف تؤدي إلى هذا التغيير. لقد كانوا يخشون القبض عليهم إذا ما خرجوا». وتشير علياء هنا إلى فيلم «داخلي/خارجي» من إخراج يسري نصر الله، الذي يتناول قصة زوجة شابة تريد الاشتراك في المظاهرات، بينما يرفض زوجها بدافع قلقه عليها. تم عرض فيلم «18 يوما» للمرة الأولى عالميا في مهرجان «كان» في مايو (أيار) الماضي، الذي كانت فيه مصر أول ضيف شرف للمهرجان في تاريخه. وتكريما لمصر، حضر المخرجون العشرة للفيلم المهرجان. مع ذلك، واجه العرض انتقادات بسبب مشاركة المخرج مروان حامد وشريف عرفة اللذين عملا على حملة تلفزيونية مؤيدة لمبارك عام 2005. انتشر هذا الجدال بين «كان» والقاهرة من خلال دعوات لمقاطعة الحدث بسبب الخداع.

يشار إلى الفيلم باعتباره «ضروريا» و«عاجلا»، حيث يقدم وجهات نظر متباينة عن الأحداث التي غيرت وجه مصر. ولم يتلق المشاركون في هذا المشروع مقابلا ماديا. وأعلن صناع الفيلم تخصيص كل أرباح الفيلم للتوعية السياسية في المناطق الريفية في مصر. الانتباه الذي جذبه فيلم «18 يوما»، سواء من خلال ما أثاره من جدل أو من خلال تقديمه لرؤية إنسانية لأحداث ثورة 25 يناير (كانون الثاني)، جعله متميزا سواء بالجهود التي بذلت لإخراجه إلى النور أو بالمواهب التي عرضها.

الشرق الأوسط في

27/10/2011

 

حملة في مسقط رأس شكسبير لمناهضة فيلم يشكك فيه

الفيلم يعيد فتح ملف الكاتب المجهول للمسرحيات

لندن: عبير مشخص


تحت الأضواء الساطعة ولمعات فلاش الكاميرات، مشى أبطال فيلم «أنونيماس» (مجهول)، أول من أمس، على البساط الأحمر الممتد أمام دار سينما في ليستر سكوير بوسط لندن، وانشغل أبطال الفيلم ريس إيفانز وجولي ريتشاردسون بالابتسام للجماهير، بينما تدور خلف الحفل والأضواء معركة على صفحات الجرائد وعلى شاشات التلفزيون حول مضمون هذا الفيلم. «أنونيماس» يعود إلى فكرة طرحت مرارا وتكرارا مفادها أن ويليام شكسبير ليس هو الكاتب الحقيقي لتلك الأعمال التي تحمل اسمه وخلدته كأهم كاتب باللغة الإنجليزية على مر العصور. الفيلم اختار أن يطرح فرضية أن يكون إدوارد دي فير إيرل أوف أكسفورد هو الكاتب الحقيقي لمسرحيات شكسبير الذي كان ممثلا بسيطا. ولكن تلك الفرضية التي انتقلت من صفحات الكتب الأكاديمية إلى شاشات السينما أثارت زوبعة بين أوساط محبي الكاتب وبين المؤيدين لفكرة أن هناك أسماء أخرى هي أولى من شكسبير بالمجد الذي يحمله اسمه.

وبمناسبة عرض الفيلم، قامت حركة احتجاج في مسقط رأس شكسبير في ستراتفورد أبون أفون للاعتراض على تجريد شكسبير من المكانة التي يحتلها في الأدب العالمي.

وقد بدأ الجدل الأسبوع الماضي تحسبا لعرض الفيلم على هامش مهرجان لندن السينمائي هذا الأسبوع، وحملت الصحف مقالات مؤيدة ومعارضة لفرضية اختلف عليها الخبراء على مدى أجيال. ولكن سكان البلدة التي خرج منها شكسبير لم يخفوا امتعاضهم من الفيلم، فنظم صندوق «مسقط رأس شكسبير» احتجاجا لمدة 24 ساعة، قام أفراده بتغطية وإخفاء اسم شكسبير من على اللافتات الإرشادية على الطرق، كما قاموا بتغطية أجزاء من صور الكاتب المنتشرة على المباني والحانات في المدينة. ويرى المؤيدون لذلك الاعتراض أن الهدف هو تخيل الحياة في تلك البلدة لو لم يكن شكسبير.

ويبدو من الحملة غضب الكثيرين من ادعاء أن شكسبير لم يكن سوى ممثل شبه أمي وأن إيرل أوف أكسفورد هو العبقرية التي خطت تلك الأعمال التي دوت شهرتها في جميع أنحاء العالم وهو ما يشير إليه د. بول أدموندسون، أحد المسؤولين في إدارة الصندوق، «الفيلم يحاول نقض حقائق تاريخية واضحة، الخطر هنا هو أن يخدع ذلك الجماهير». ويرى إدموندسون أن الفرضية التي تبناها الفيلم، وهي فرضية رائجة ولها مؤيدوها، لا تستقيم مع الوقائع التاريخية، ومنها على سبيل المثال أن إدوارد دي فير توفي في عام 1604 قبل كتابة بعض المسرحيات مثل «العبرة بالخواتيم».

واتخذ رد فعل البعض ضد الفيلم اتجاها عدائيا، ظهر في المقالات التي حملتها الصحف وأيضا الرسائل الإلكترونية التي وجهت ضد أصحاب النظرية المخالفة مثل د. بيل ليهي رئيس قسم اللغة الإنجليزية بجامعة برونيل، الذي يرى أن المسرحيات تعاون على كتابتها أكثر من شخص. وحسب ما قال ليهي لصحيفة «الإندبندنت» «أعاني حاليا ازدياد رسائل الكراهية، وأكاد من اللهجة العنيفة أتوقع تهديدات بالقتل».

ولكن «الإندبندنت» تشير إلى أن العداء أيضا يوجه نحو أصحاب النظرية التقليدية التي تدافع عن مكانة شكسبير مثل لين بيدو من صندوق «مسقط رأس شكسبير»، الذي قال «لقد تلقيت شخصيا عددا من الرسائل الإلكترونية المسيئة وحدث نفس الشيء مع عدد من زملائي. أعتقد أن الموضوع يتعلق بما يصدقه الناس ويؤمنون به. وخلال التاريخ كان هناك ما يقارب 77 اسما طرحت على أنها للكتاب الأصليين للمسرحيات».

ويشير د.ليهي، الأستاذ بجامعة برونيل، إلى أن أعضاء صندوق «مسقط رأس شكسبير» استبقوا عرض الفيلم بعدائية شديدة: «أعتقد أنهم يضفون هالة من القدسية على شكسبير، فهو من الأمور التي لا يجب المساس بها بالنسبة لهم». ويشير مؤيدو نظرية وجود كاتب آخر له الفضل في كتابة روائع الأدب المسرحي إلى أنها تستحق التوقف عندها، حسب ما يذكر مارك أندرسون وهو مؤلف لكتاب «شكسبير باسم آخر» الذي يشير إلى أن الجمهور يجب أن يراجع نظرية قيام دي فير بكتابة المسرحيات «فهو أقرب إلى الدائرة والظروف التي كتبت فيها تلك المسرحيات»، ولكنه من جانب آخر لا يرى أن الفيلم يعتمد على حقائق تاريخية واضحة، «فيلم (أنونيماس) يتساهل مع الكثير من الحقائق التاريخية، ولكنه في النهاية يطرح تساؤلا، وأعتقد أن الأمر في النهاية متروك للمشاهد إذا أراد الإجابة عنها».

الشرق الأوسط في

27/10/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)