حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

شويكار لـ «الشرق الأوسط»: تكريمي الحقيقي أن أرى مصر في أفضل حال

رفضت تكريمها بمهرجان الإسكندرية واعترفت بأن سيرتها الذاتية لا تصلح لعمل درامي

سها الشرقاوي

هي إحدى نجمات زمن الفن الجميل، برزت أوائل الستينات عندما قدمها المخرج المصري الكبير فطين عبد الوهاب لأول مرة وفتح أمامها أبواب السينما والمسرح، ولكنها بخفة ظلها وحضورها الطاغي استطاعت أن تحجز لها مقعدا وسط النجوم في فضاء السينما والمسرح، وأصبحت الفنانة شويكار في فترة وجيزة ظاهرة فنية غير عادية، وفتح لها أسلوبها الخاص قلوب المشاهدين، ولكنها لا تزال تخطف الأبصار بثقافتها وأدبها واحترامها للمواعيد لتضرب مثلا يحتذي في الالتزام والانضباط لنجوم حاليين لم يصلوا لما وصلت هي إليه.. «الشرق الأوسط» التقت الفنانة شويكار وتحدثت معها عن ظروف حياتها الآن وعلاقتها بنجوم الزمن الجميل، واختلاف أجواء السينما والمسرح بين اليوم والأمس وكيف ترى نجوم السينما في مصر الآن.. وهنا نص الحوار:

·         لماذا ابتعدت عن الفن والسينما لفترة طويلة؟

- لا.. لم أنقطع عن الفن، فأنا موجودة، ولكن بعد فترة زمنية من العمل وبكبر السن، بدأت العروض تقل، وهذا شيء طبيعي، وانصرف الكتاب عن الاهتمام بأدواري حاليا، لأن مثل هذه السن بعيدة عن محور أو مركز الأحداث داخل العمل، فكان كل ما يعرض علي لا يحترم تاريخي الفني، فكنت أرفض هذه العروض احتراما لتاريخي واسمي الفني.

·         هل معنى هذا أن الفن في مصر لا يحترم الفنان عندما يتقدم به العمر؟

- في كثير من الأحيان لا يكون هناك احترام لتاريخ أي فنان من حيث الاهتمام به، فلا نحاول أن نقدم له ما يوازي تاريخه الطويل ويجعله لا يحتاج لتقديم أعمال رديئة لا يرضى عنها كي يستطيع أن يعيش فقط، وكذلك الكتاب الذين يظلمون هذا الفنان ويضعونه في دائرة صغيرة وغير محورية لا تتناسب مع تاريخه الفني، ولا يوجد أي اهتمام بالعمل سوى لتلميع البطل والبطلة فقط، وهذا خطأ كبير وعيب أن نركز كل جهود المسلسل أو العمل كي يخدم البطل أو البطلة، فلا بد من وجود أدوار محورية يقوم عليها العمل الدرامي بعيدا عن البطل أو البطلة، لذلك رفضت أكثر من أربعين مسلسلا في عام واحد، لأني أحترم اسمي وتاريخي الفني، وكذلك احترامي كإنسانة، فالمسألة ليست ماديات فقط؛ ففي الخليج مثلا يحترمون كبار الفنانين ويقدرونهم، وهذا ما يحب أن يحدث في مصر.

·         من المسؤول عن الاهتمام بالفنانين الكبار؟

- نقابتا المهن التمثيلية والسينمائية لا بد أن تتحدا حتى تحافظا على رموز السينما المصرية وحق الأداء العلني لكي لا يضطر الفنان الكبير في هذا السن أن ينزل ويعمل في عمل لا يرضى عنه، فمعاش الفنان في النقابة نحو 400 جنيه فقط!! فلا بد من المحافظة على كرامة الفنان، لأنه الواجهة المشرفة لأي بلد، ففي الخارج يقولون أنت من بلد الممثل فلان، فهم يعبرون عن الفنان أكثر مما يقولون أنت من بلد الرئيس فلان؛ بل يتحدثون عن ممثل كبير مشهور يكون واجهة لهذه الدولة أكثر من رئيس الدولة نفسها.

·         ولماذا تقدمت باعتذار عن تكريمك في مهرجان الإسكندرية الذي يقام حاليا؟

- أنا أعتقد أن هذا الوقت ليس وقتا لتكريم الفنانات، ولكنه وقت العمل من أجل أن نعبر هذه المرحلة الحرجة، والجو العام في مصر لا يسمح بالتحدث في أي مهرجانات أو تكريمات، وإذا كان مهرجان القاهرة السينمائي الذي يمثل أكبر مهرجان لن يقام هذا العام، فلماذا نقيم نحن مهرجان الإسكندرية الأقل أهمية بالنسبة للمهرجانات الأخرى الآن وفي هذه الظروف، كما إنني ما زلت احتفظ بالعديد من الجوائز، ولست في حاجة إلى جائزة أخرى أو تكريم، ولكن تكريمي الحقيقي في أن أرى مصر في أفضل حال.

·         لماذا تعارضين فكرة إقامة مهرجان الإسكندرية في الوقت الراهن؟

- أنا ضد إقامة المهرجان الآن، حيث إننا يمكن أن نستغل هذا الوقت من خلال عمل اجتماعات مع المنتجين وبحث المشكلات التي تحدث الآن للدراما المصرية، وتسخير ميزانية هذا المهرجان في عمل درامي جيد، أو في حل مشكلات المنتجين مع الأعمال الدرامية بعد الثورة، أو في الأوضاع السائدة في مصر الآن، أو البحث عن سيناريو جيد لكي يقدم الآن، فهناك الكثير في مجال الفن يحتاج إلى ثورة من أجل تصحيح الأوضاع، وإلا سنظل كما كنا.

·         بمناسبة الحديث عن السيناريوهات الجديدة، ما آخر أخبار العمل الدرامي «أهل الهوى»؟

- الحقيقية أخباره انقطعت بعد ثورة «25 يناير (كانون الثاني)»، ولكن قبل الثورة قمت بقراءة 15 حلقة منه للكاتب محفوظ عبد الرحمن، وهذا العمل كان من المفترض أن تقوم بإنتاجه جهة حكومية، ولكن الآن لا أعرف عنه شيئا، ولكن لو عاد المشروع مرة أخرى فسوف أشارك فيه، لأنه عمل درامي جيد ويقدم فكرة جيدة للمشاهد، وأتمنى أن أشارك فيه.

·         ما الأعمال الفنية التي تندمين على المشاركة فيها؟

- لم أندم على الإطلاق على أي عمل فني شاركت فيه، لأني لا أقوم بأي عمل إلا وأنا راضية عنه تماما، ولم أقم بأي عمل ضد رغبتي، لأننا في ذلك الوقت كان لنا أسلوب جديد في التمثيل وطريقة أداء مختلفة وخفة دم غائبة في هذا الوقت، فكنا نعمل بأخلاقنا، وهذه الأخلاق تتماشى مع أخلاق العمل وقراءتي وثقافتي الفنية، فكل هذه التوليفة تجعل الفنان يركز جيدا في اختيار أعماله ويتقنها بعناية.

·         ماذا عن فيلم «كلمني شكرا» للمخرج خالد يوسف الذي شاركت فيه، هل كان الدور بحجم تاريخك الكبير؟

- أنا كنت أريد أن أعمل مع الشباب، كما أن الدور أعجبني ولم يكن سيئا على الإطلاق، وأنا أعشق خالد يوسف، وكنت أريد أن أقوم بأي دور في عمل من إخراجه، وأنا معجبة بطريقته في التفكير، وكذلك أفلامه جيدة وناجحة، ومن الممكن أن أعمل معه أفلاما أخرى إذا عرض علي ذلك.

·         القراءة والثقافة من الأمور المهمة لأي فنان، ولكن الآن نرى العديد من الفنانين لا يهتمون بمثل هذه الأمور؟

- القراءة مهمة جدا وهي أمر حتمي للفنان، فهو لا يقرأ السيناريو فقط، ولكن يجب عليه الاستفادة مما كتب من قبل؛ فنجيب محفوظ ويوسف إدريس كل منهما قدم أعمالا كبيرة، فمن ذا الذي لا يقرأها ويستفيد بما قدمه هؤلاء العباقرة من فن جيد، فمن يرد أن يبدع في عمله، عليه أن يقرأ لهم الكثير، كما يجب على الفنان أن ينال قسطا من الثقافة العامة كي يستفيد بها في عمله، وأنا أتحدث عن نفسي وليس لي دخل بغيري، فأنا أحب القراءة باللغة الفرنسية والعربية، وأعتقد أنها شكلت شيئا جيدا في شخصيتي الفنية.

·         كم سيناريو كتب خصيصا للفنانة شويكار؟

- أنا الممثلة الأولى التي تم كتابة روايات خاصة بها، وكانت أبرز هذه الروايات «حواء الساعة 12»، و«سيدتي الجميلة». وكان السبب في ذلك، شعبيتي الكبيرة التي ظهرت عندما بدأت، وكانت في هذا الوقت موضة وحالة خاصة ومختلفة، وكان المشاهدون يقطعون التذاكر لكي يروا أعمالي، فقد كنت نجمة شباك يحب أن يراها الجمهور.

·         هل شعرت باختلاف بين العمل هذه الأيام والعمل أيام زمن الفن الجميل؟

- على الرغم من أن البلاتوه واحد في أي زمن، فإن السلوك هو الذي تغير، فأصبح أسرع، والناس أصبحت عصبية أكثر من زمان، وكذلك أغلب الفنانين متشابهون في أشكالهم، فبعضهم يشبه الآخر، ولا يختلف إلا أداء الفنان. أما من حيث الشكل الخارجي أو اللبس أو طريقة الكلام، فكلهم متشابهون من وجهة نظري، وما يفرق بينهم هو الموهبة والأداء الجيد من فنان لآخر. أما زمان، فكان لكل ممثل شخصية معينة، وكلام معين، ولبس مختلف، وطريقة معينة تلمسها، وكان كل فنان مختلفا عن الآخر رغم أنهم كلهم كانوا نجوما كبارا جدا.

·         هل طريقة الحديث والملابس هما الاختلاف الوحيد؟

- ليس فقط ذلك.. لكن كنا من جيل «اربطوا الحزام».. «الحيطان ليها ودان»، ونحن تربينا على هذه المقولة، وكان أغلب جيلي يتعامل مع هذه المقولة، وأنا على المستوى الشخصي أتعامل بها، وكان ذلك كارثة وخطأ كبيرا أننا تعلمنا على هذه المقولة، حيث إننا فضلنا رابطين الحزام لحد ما وسطنا اتقطع، ومش بنقدر نتكلم ولا نتنفس.

·         هل تقصدين أنكم كنتم لا تتحدثون في السياسة؟

- أنا لا أفهم في السياسة، ولا أتكلم فيها، ولا أحب أن أتكلم فيها. ولكن كنا رابطين الحزام في كل شيء، وكنا مشغولين بحياتنا الخاصة وحفلاتنا في بيوتنا، ولم نكن نهتم بالكلام في أي شيء خارجي. لذلك، فلا أقصد السياسة بوجه خاص، ولكن أنا محظوظة بدخولي العمل الفني بشكل جيد وظهوري بهذا الشكل، فهذا سهل علي كثيرا، فأنا لم أكن محتاجة لأن أتحدث في السياسة أو شيء آخر حتى أكمل مسيرتي الفنية.

·         برأيك، لماذا قلت الأعمال المسرحية الجيدة في الوقت الراهن؟

- الفنانون أصبحوا بعيدين عن المسرح؛ فنحن ليس لدينا فنانون يحبون المسرح في الوقت الراهن، ففي الماضي عندما قمنا بعمل مسرحيات كنا نعشق المسرح ونعطي له كل مجهودنا، أما الآن، فلم أجد هذا الاهتمام من الفنانين بالعمل في المسرح، على الرغم من وجود فنانين كوميديين جيدين في الوقت الحال، ومن الممكن أن يقوموا بأدوار مسرحية جيدة، ولكن نتيجة لعدم الاهتمام بالمسرح، لا نشاهد أعمالا مسرحية قوية.

·         هل كانت تربطك علاقات صداقة بنجوم الزمن الجميل؟

- كل الفنانين الذين تعاملت معهم كانت علاقتي بهم جيدة جدا، ولكن أكثرهم قرابة مني هي الفنانة ميرفت أمين رغم أنها ظهرت بعدي بنحو 10 سنوات. وبشكل عام، لم تكن هناك صداقة كبيرة أو حقيقية في هذا الوقت، فأنا كنت أتعامل مع الفن كوظيفة؛ أقوم بدوري وعملي، ثم أذهب إلى بيتي وأقوم بدوري كأي زوجة، فلم أهتم كثيرا أن أقيم صداقات حميمة أو أن أقيم علاقات خارج نطاق العمل الذي أقوم به.

·         ماذا عن الفنانة سعاد حسني، هل تعرفت عليها عن قرب؟

- طبعا أعرفها جيدا كزميلة في الوسط، ولكن سعاد حسني لم يكن لديها أصدقاء من الوسط الفني، فكانت في حالها جدا، وذلك يرجع إلى عدم ثقتها في أحد، لكن هي داخل البلاتوه كانت جميلة جدا وممثلة رائعة وتتعامل بلطف مع كل الناس، ولكن خارج البلاتوه كانت واحدة تانية خالص.

·         كيف بدأت حكايتك مع الفنان فؤاد المهندس؟

- أنا لم أكن أعرفه قبل أن أعمل في الفن، ولكني تعرفت عليه عندما بدأت أعمل في المسرح، فتعاملت مع شخصية دمها خفيف جدا وبتضحك كتير، وبالنسبة لي، هذا أهم شيء في الرجل، وبالفعل، حدث بيننا تواصل غريب من أول تعامل، وبعدها بعام طلب يدي للزواج، وبالفعل، والحمد لله تزوجنا، وهو فنان محترم وإنسان محترم، فكان محترما على المستوى الشخصي كما كان على المستوى الفني.

·         وكيف حدث الانفصال بينكما بعد هذه السنوات الطويلة؟

- حتى الوقت الحالي، لا أعلم كيف تم هذا أو لماذا تطلقنا، ولكن هي قسمة ونصيب.. فجأة حدثت بيننا خلافات ولم نستطع أنا نتعامل معها، ولذلك أصبحنا غير قادرين على العيش مع بعضنا أو نكمل المشوار مع بعض.

·         وكيف كانت بداية تعاملك مع الموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب؟

- محمد عبد الوهاب كان معجب جدا.. بشغلي أنا وفؤاد المهندس، وكان كل يوم يتفرج على عمل من أعمالنا، وكان يتصل بنا ويهنئنا على هذه الأعمال، وكانت هناك أغنية في مسرحية «أنا وهو» اسمها «حضرتنا عظمتنا»، فاقترحت على فؤاد أن يكلم عبد الوهاب لكي يلحن هذه الأغنية، فرد علي وقال: لا هو مش هيوافق. ولكن عندما اتصلنا بعبد الوهاب وافق ورحب بشدة، فهو شخص بسيط جدا، ويحب شغله جدا، ويخلص له في المقام الأول، وهذا هو سبب نجاحه الكبير.. ومن هنا بدأ التعامل معه.

·         هل شاهدت مسلسل «الشحرورة» الذي يحكي قصة الفنانة صباح وتم عرضه في رمضان الماضي؟

- طبعا شاهدته.. ولكن يا ساتر يا رب على الممثلة التي قامت بدور صباح كانت تكره الواحد في حياته، فصباح شيء كبير جدا، وهذه ليست قصة صباح الحقيقية، وهذا العمل أغفل أجزاء كثيرة من حياة صباح؛ كقصصها مع الوزراء والسفراء، وكذلك حياتها في لبنان ومصر، وأين تاريخ هذه البلاد في ذلك الوقت؟ فهل كل حياة الفنانة صباح أنها كانت تتزوج وتتطلق فقط؟ وأكيد صباح غير راضية تماما عن هذا العمل.. كذلك جاء مسلسل ليلى مراد ضعيفا ولا يعبر عن هذه الفنانة الكبيرة، فقد كانت الممثلة التي قامت بدورها «مسخة» ولم تكن تشبهها في شيء، أما المسلسل الذي كان جيدا من وجهة نظري فهو مسلسل «أسمهان» من حيث الفنانة التي قامت بدورها، فقد كان رائعا شكلا ومضمونا وإخراجا، وجاء معبرا عن هذه الفنانة الكبيرة فعلا.

·         هل تفكرين في كتابة سيرتك الذاتية الآن؟

- لا.. أنا ليس عندي سيرة ذاتية وليس عندي ما أكتبه، فأنا كنت ممثلة فقط، وبعيدا عن التمثيل، لم يكن عندي أسرار أو مغامرات تكتب في سيرة ذاتية، لذلك، فأنا ضد أن أكتب سيرتي الذاتية، وسيرتي الشخصية لا تصلح لعمل درامي، لأنني لم أعش مع أب يضربني أو كانت لدي أسرار كبيرة بعيدة عن كوني ممثلة، وليس في حياتي الشخصية شيء يمكن أن يكون دراما ناجحة.

الشرق الأوسط في

07/10/2011

 

«كف القمر» افتتح مهرجان الإسكندرية.. عندما تصنع الشعوب الديكتاتور

خالد يوسف وغادة عبد الرازق واللقاء الأخير

القاهرة: طارق الشناوي 

عندما تشاهد فيلما سينمائيا فمن المنطقي أن تستوقفك القصة وتتابع الأبطال على الشاشة وتنفعل.. تضحك، تبكي، تلهث معهم.. لكن بعض الأعمال الفنية لا تكتفي بهذا القدر، لكنها تطرح بين ثنايا العمل الفني رؤية أبعد من الخط الدرامي المباشر، ترى من خلالها واقعا تعيشه وأحداثا لا تزال تنبض بالحياة، وأتصور أن فيلم «كف القمر» من بين تلك الأفلام التي تمنحك مساحة زمنية ورحابة فكرية تدفعك لكي تتأمل ما تراه أمامك من خلال رؤية أوسع وأعمق تتجاوز مجرد متابعة الحدوتة.

من يصنع الديكتاتور؟ إنهم البشر الذين يبحثون عمن يتولى المسؤولية عنهم، ويخضعون له بالولاء المطلق.. في «كف القمر» مزج المخرج خالد يوسف بين أصابع الكف الخمسة واسم بطلة الفيلم «قمر» التي أدت دورها وفاء عامر.. وهذه الأصابع ترمز لأبنائها الخمسة الذين تولت هي المسؤولية الكاملة عنهم بعد مقتل الأب أثناء بحثه عن كنز الذهب، حيث دأب أهل القرية على الذهاب إلى أحد الجبال في أقاصي الصعيد.. ولأن العثور على الكبير هو الهاجس الدائم فينبغي أن تسلم مقاليد القيادة والحكم والسلطة إلى شخص واحد.. يصبح الأخ الأكبر الذي أدى دوره خالد صالح هو المسيطر على الجميع، الكل يقع تحت طائلة قانون العبودية لشخص يتحول إلى إله يأمر فيطاع، ويمارس هو تلك السطوة على الجميع باعتبارها حقا مطلقا له.. لقد صار هو الأب البديل!! الفيلم يناقش تلك المعضلة: هل نحاكم فقط الحاكم المستبد، أم أن من صنعوا استبداده يستحقون قبله العقاب لأنهم أيضا شاركوا بالخضوع والاستكانة فنصبوه طاغية عليهم؟!.. نحن نلوم الحاكم لأنه سرقنا، ولا نلوم أنفسنا لأننا سكتنا على السرقة. تمر علينا سنوات ونجن، نرى الفساد ونكتفي بإحصاء عدد سنواته، وبدلا من أن نقاومه نكتفي بالصمت.. الساكت عن الحق شيطان أخرس، من يرى ويغمي عينيه، ومن يسمع ويصم أذنيه، هو أيضا شيطان أخرس.. الشعوب المستكينة والقانعة ليسوا ملائكة يستحقون الشفقة، بل هم مذنبون يستحقون العقاب!! الأم «قمر» يتفرق أبناؤها في القاهرة، انتقلوا من أقاصي الصعيد بحثا عن لقمة العيش.. حرص الكاتب ناصر عبد الرحمن والمخرج خالد يوسف الذي شارك في كتابة السيناريو، على ألا يحدد المكان بأسلوب قطعي، فأنت ترى قرية في جنوب مصر لكنها لا تشير مباشرة إلى الموقع، وينتقل الأبناء الخمسة إلى القاهرة من دون أن يتم تحديد الزمان أيضا.. نعم أحداث الفيلم تشعرك بأننا نعيش هذه الأيام، ولكن لا أغنية حديثة، ولا جوال يقول إننا نتحدث مثلا عن السنوات العشر أو العشرين الأخيرة، لكن كل ذلك تراه في الفيلم، تعيش الزمن الحالي وتعيش أيضا ملامح مصر في نصف القرن الأخير.. إنها شهادة على زمن وليس فقط مرحلة زمنية! الشخصيات الخمس في الفيلم تعبر عن تباين في التكوين النفسي والفكري، يجمعهم الخضوع للأخ الأكبر الذي أدى دوره خالد صالح، إلا أن الأمر ظل يتباين بين الرغبة في التحرر خارج قيود السلطة الأبوية، والخوف من التحرر من تلك السلطة لأن هذا يعني أن الشعب امتلك إرادته.. أكثرهم جرأة في رفض القيود كان الشقيق الأصغر الذي أدى دوره هيثم زكي الذي توجه إلى حب الراقصة حورية فرغلي غير عابئ بتعارض ذلك مع القيم التي تربى عليها، وبعيدا عن الحكم الأخلاقي على هذا السلوك يظل المعنى الذي طرحه الفيلم هو التمرد باعتباره أحد دوافع رفض الخضوع، ولهذا نراه يرقص أمام حورية بالتنورة، لكنه يعيش الحياة التي يرى فيها نفسه، ثم ينتقل في لحظات عصيبة بعد أن أمسكت به المعوقات إلى الموالد ليشارك في الذكر الديني.. إنه لا يزال يبحث عن ذاته المنقسمة، نراه في لحظة مثلا يستجير بالجبل هاربا لكنه أيضا لا يترك الرقص بالتنورة.. وفي لحظة أخرى يتوجه إلى الموالد حيث الذكر الدائم لأولياء الله الصالحين يشعره في نهاية الأمر بالسعادة.. إنه لا يدري إلى أين ترسو روحه.

وصية الأم تبدأ بها الأحداث، حيث إن أكثر من 90 في المائة من زمن الفيلم هو «فلاش باك»، عودة للماضي، عندما تطلب الأم من ابنها الكبير أن يعيد إخوته إليها.. إنها تريد أن تعيش مرة أخرى وهي في إطار هذا الدفء الذي تبثه العائلة التي حرمت من تلاقيها مرة أخرى بعد أن تباعدت الأهداف والمشارب.

حرص السيناريو على تقديم الأب المقهور، أقصد الشقيق الأكبر الذي صار هو بديل الأب (خالد صالح)، وهو أيضا يعيش لحظات ضعف داخلية بعد أن أجبروه على أن يسلم زوجته غادة عبد الرازق وهي حامل.. قايضوه على أمه، إما أن يعيد ابنتهم أو عليه أن يتحمل في هذه الحالة فقدانه أمه.. إنه الذل في الحالتين، لكنه أمام قسوة الاختيار سلم زوجته وأعاد أمه.. تلك هي المشكلة التي يعيشها، فهو مهزوم ومجبر على الاستسلام، ولهذا يمارس القهر على أشقائه وكأنه يزيح القهر عن كاهله، وهو سارق ويتاجر في الممنوع ويحذر في الوقت نفسه إخوته من الوقوع في قبضة القانون، وهو يقيم علاقة جنسية مع فتاة منحرفة أدت دورها جومانة مراد وبالصدفة يكتشف أنها حبيبة شقيقه حسن الرداد، وعلى الرغم من ذلك فإنه كثيرا ما يحاسب أخواته أخلاقيا ويغض الطرف عن كل أخطائه الأخلاقية! محامي الشيطان الذي أدى دوره خالد طلعت يترافع عنه أمام الجهات المسؤولة، ويخرجه من تلك المآزق القانونية، الكل له دور يلعبه في هذا الفيلم، وهو في الحقيقة لا يلعبه فهناك دائما وجه آخر للصورة ينبغي أن نشاهده لنرى كيف تتواصل الحياة.. هل «قمر» أو وفاء عامر التي أدت دور الأم هي الوحيدة البريئة؟.. الحقيقة أنها أكثر الشخصيات، هي وابنها الأصغر، الذين نرى كيف أنهم حاولوا أن يصبحوا أنفسهم بتحدي النفس والإصرار على أن يكونوا فقط ما يريدونه في وقت يلعب فيه الكل دورا لكنهم يرتدون قناعا وثوبا آخر.. ورغم ذلك فإن الأم أيضا من زاوية أخرى هي التي فرضت على أبنائها هذا الطاغية عندما نصبته حاكما عليهم ومنحته السلطة المطلقة على أشقائه!! الأم فقدت يدها لإصابتها بالسكر بعد أن تحول الجرح إلى «غرغرينة» لا يمكن الشفاء منها إلا بالبتر، ورغم ذلك ظلت تنتظر أن تجتمع الأصابع الخمسة التي تعبر عن أبنائها الخمسة، فلم يتجمع أبناؤها إلا بعد أن أسلمت الروح، فالتقوا حول النعش كل منهم يحمله إلى مثواه الأخير، لا شيء آخر من الممكن أن يجمعهم سوى الموت.. قبلها بلحظات كان حسن الرداد (الشقيق الأوسط) يفكر في الهجرة إلى ليبيا، ويجبره الديكتاتور على أن يعود إلى الوطن بعد أن مزق جواز سفره أمام عينيه.. إنه يتجاوز كل القوانين لتحقيق إرادته ولا شيء من الممكن أن يردعه! إنهم يجبرونه على أن يخوض حربا ضد من أخذوا زوجته ورهنوا أمه، لكنه يرفض أن يشارك في حرب يدفع هو ثمنها.. تستطيع أن ترى الوطن وهو يتحرك أمامك في عناق بين التاريخ والجغرافيا، مصر والقائد الذي استسلمت له.. كانت النهاية السوداء بدفن الأم، وضياع الأم هو الذي ربما انتهى إليه الفيلم، لكن هذا يبدو لي أنه مجرد إحساس سيطر على صناع العمل عندما طرحت الثورات العربية أملا محتملا في غد يعاد فيه ترتيب العلاقات والأوراق، يحمل إرهاصة بأيام قادمة نحلم فيها بالديمقراطية بعد أن يتطهر الوطن من الطاغية.. لم يشأ المخرج أن يترك جمهوره وهو حزين لما آل إليه حال تلك الأسرة، وبأشعار فؤاد حداد وموسيقى أحمد إسماعيل يبدأ بناء البيت الذي كان يضم الأسرة وسرقه اللصوص ولم يتركوا شيئا، حتى الحيطان المهدمة أصروا على سرقتها، وكانت أغنية فؤاد حداد «طوبة حمرا» هي التي منحتنا هذا الأمل على الرغم من قتامة الأحداث.. ورغم ذلك كان هناك لون متفائل في نهاية الفيلم، الكل يبتسم، ويحصل خالد صالح مرة أخرى على زوجته غادة عبد الرازق ومعها أيضا ابنته وكأنها مكافأة من القدر بعد أن نجح في إعادة أشقائه ليشاركوا في بناء البيت مجددا! في أفلام خالد يوسف دائرة سياسية تستطيع أن تقرأها بوضوح، بدأت مع أول أفلامه «العاصفة» قبل عشر سنوات حيث كان يتناول الصراع العربي - العربي من خلال غزو العراق للكويت وتلك المدافع التي تنطلق من خلال شقيقين مصريين كل منهما يوجه مدفعيته تجاه شقيقه عامدا متعمدا، أحدهما في القوات التي انضمت لتحرير الكويت والآخر من العراق.. «خالد» يفضل المباشرة في التعبير، وتتقلص لديه مساحة الإيحاء، لا أدري هل يشك كثيرا في قدرة المتلقي على الاستيعاب إلى درجة أن يعيد أكثر من مرة المعلومة الدرامية خوفا من ألا يفك طلاسمها المتفرج رغم أنه بتلك المباشرة بدلا من يوصل إحساسه الفني للناس يثقل عليهم بهذا الإلحاح الذي يصل إلى حدود الغلظة.. كان «الريس عمر حرب» الذي كتبه هاني فوزي هو أكثر أفلامه قدرة على خلق عالم رمزي يحوي تلك الأفكار من دون أن يصرح أو يصرخ بها، بينما في أفلامه التي جمعته مع الكاتب ناصر عبد الرحمن كان أكثر مباشرة، بداية من «هي فوضى» الذي أخرجه مع أستاذه يوسف شاهين، مرورا بـ«حين ميسرة» و«دكان شحاتة»، حتى نصل إلى «كف القمر».. دائما ما يسعى خالد إلى تقديم حالة الوطن بمعناه المصري والعربي، وقد يرنو إلى الرؤية الكونية أيضا، وهو كثيرا ما يلجأ إلى أن تتناثر في جنبات فيلمه الفكرة مرة واثنتين وثلاثا.

في الفيلم رؤية بصرية وصوتية تصعد إلى الذروة في التعبير في بعض المشاهد، ثم تخبو عندما ترتكن إلى المباشرة في التعبير، وهذا يؤدي إلى ثقل إيقاع الفيلم.. وأتصور أن خالد عندما يرنو إلى الجمهور دائما ما يفكر هل الجمهور سوف يحب هذا المشهد أم لا.. المفروض أن السيناريو هو الذي يفرض مواقفه الدرامية، إلا أن «خالد» يشعرني في هذا الفيلم وغيره بأن معادلة الناس تسيطر عليه، ولهذا قد يسهب في تكرار عدد من المشاهد التي لا تحمل معلومة درامية جديدة لكنها تحمل بعدا تجاريا يفضله المشاهد! في الفيلم عناصر إيجابية على مستوى الأداء.. وفاء عامر، هيثم زكي، حسن الرداد، حورية فرغلي، والممثل الذي أدى دور المحامي «خالد طلعت».. كما لعبت غادة عبد الرازق دورها بدرجة عالية من الإحساس، ويبدو أن هذا هو اللقاء الأخير بينها وبين خالد يوسف بعد أن أصبح كل منهما بعد ثورة يناير في طريق.. كما أن أشعار جمال بخيت، وموسيقى أحمد سعد، وقدرات مدير التصوير رمسيس مرزوق في الإضاءة، قد لعبت هي أيضا دور البطولة.

الثورة منحت الفيلم أملا في القادم.. لم يشأ أن يظل السواد والضياع هو المسيطر.. لكن هل هذا هو الواقع، أم أنها أمنية تبدو الآن مستحيلة ونحن نرى أمامنا أن الديكتاتور لا يزال ديكتاتورا؟!

الشرق الأوسط في

07/10/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)