حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

لبكي في حرب أهلية و"عمر قتلني" بأموال فرنسية

لبنان والمغرب في منافسة شرسة على "أوسكار" الفيلم الأجنبي

محمد رُضا

بعد أيام قليلة من إعلان مركز السينما المغربي عن ترشيح فيلم “عمر قتلني” للمخرج رشدي زم ليمثّل السينما المغربية في مسابقة أوسكار أفضل فيلم أجنبي، أعلن عن ترشيح الفيلم اللبناني “هلأ لوين؟” للمخرجة نادين لبكي للمسابقة نفسها . وهما ليسا أوّل من رشح من أفلام أجنبية في مسابقة هي دائماً محط اهتمام الأوساط المختلفة، بل كانت النمسا وفنلندا وروسيا والمجر وإيران والنرويج وكوريا الجنوبية وتايوان أعلنت أيضاً عن الأفلام التي ترشّحها لهذه المسابقة . وخلال الأيام الثلاثة الأولى من الأسبوع الماضي، انضمت ألمانيا واليونان وبلجيكا وفرنسا وليتوانيا وهولندا والنرويج والفلبين وبولندا والبرتغال وصربيا والسويد وفنزويللا إلى القائمة التي ستستقبل المزيد من الترشيحات في هذا القسم حتى الأول من الشهر المقبل .

الفيلم اللبناني هو ثاني أعمال المخرجة نادين لبكي السينمائية التي كانت حققت قبل أربع سنوات “سكر بنات” كأول عمل روائي لها . لكن في حين دار “سكر بنات” أو “كاراميل” كما درج اسمه أيضاً، حول حياة وهموم أربع نساء يتشاركن العمل في صالون نسائي، لجانب شخصيات مساندة أخرى، عمد “هلأ لوين؟” إلى حكاية تقع في رحى حرب أهلية حيث تحاول نساء تجنيب القرية التي يعشن فيها نيران تلك الحرب عن طريق خطة إنقاذ تتداخل فيها عوامل كوميدية وعاطفية .

الفيلم المغربي هو “عمر قتلني” وهو فرنسي الإنتاج وأخرجه الممثل المغربي رشدي زم حول البستاني المغربي الذي سيق في أحد الأيام الى السجن ليقضي عقوبة مدّتها عشر سنوات بتهمة قتل سيّدة فرنسية علماً أنه بريء من التهمة المنسوبة إليه . دراما حول العنصرية التي تتقدّم على الدفاع والبراهين وما تقود إليه من سوء العدالة . كون الفيلم فرنسياً يجعل الترشيح المغربي له مجال تساؤل مهماً، فهل لم تنجز السينما المغربية ذاتها ما يدعو إلى تقديمه لمسابقة دولية كهذه؟

المتابعون يدركون أن هناك نهضة جيّدة في السينما المغربية كميّة أوّلاً، ونوعية ثانياً . وما استقبال مهرجان أبوظبي السينمائي قريباً لثلاثة أفلام مغربية، هي “موت للبيع” لفوزي بن سعيدي و”رجال أحرار” لاسماعيل فروخي و”أيدي خشنة” لمحمد عسلي، الا تأكيداً على أن هناك أفلاماً مغربية تستحق (أو يستحق أحدها على الأقل) اختياره لأجل مسابقة الأوسكار . لكن ما يبدو أنه رجّح تبني المغرب للفيلم الفرنسي هو عاملان: الموضوع يتعلّق بشخصية مغربية، وهذا ليس تبريراً على الإطلاق، وحقيقة أن الفيلم نال إقبالاً كبيراً في الأسواق الفرنسية حين هبطت العروض قبل شهرين .

طلقة خاسرة

هذا العامل الثاني، وهو أيضاً ليس مبرراً عملياً، هو ما دفع السينما الفرنسية ذاتها إلى انتخاب فيلم جماهيري آخر لترشيحه لمسابقة الأوسكار المقبلة هو “إعلان حرب” للمخرجة فاليري دونزيللي التي تختار معالجة عاطفية- استعراضية ذات حس تراجيدي حول زوجين شابّين يفاجآن بأن طفلهما مصاب بورم خبيث في المخ .

إنها طلقة خاسرة، في الغالب، للسينما الفرنسية كون الأفلام القادمة من بلدان أخرى حتى الآن، أقوى موضوعاً ومعالجة . مشاهدة فيلم “بينا” الألماني لفيم فندرز في الدورة الأخيرة من مهرجان برلين جعلتنا ندرك أن الأبعاد الثلاثة تستطيع أن تلعب دوراً فنياً أيضاً وليس تقنياً بغاية جذب الجمهور .

وفي مهرجان برلين أيضاً تم عرض الفيلم المجري “حصان تورينو” لبيلا تار ويقدم سينما بسيطة التأليف مبهرة الوقع من مخرج حريص على أسلوبه المنفرد .

هذان الفيلمان مرشّحان أيضاً جنباً لجنب مع أعمال أخرى ذات أهمية من بينها “في العتمة” للمخرجة البولندية المخضرمة أنجييسكا هولاند البالغة من العمر 62 سنة . و”حرقته الشمس- 2” للروسي نيكيتا ميخالكوف (أقدم هذه الأفلام عمراً إذ عرضه “كان” في العام الأسبق) و”سعيدة، سعيدة” للمخرجة النرويجية آن سيوتسكي السعيدة بجولات فيلمها في العديد من المهرجانات حالياً (يعرض في “زيورخ” ومنه إلى “أبوظبي” بعد أن عرض في “تورنتو” .

الفيلم الفرنسي لن يقف وحده بين الأعمال التي تثير التساؤلات حول أحقيّتها . هناك الفيلم التايواني الجديد “رجال حقيقيون” الذي يدور حول مقاومة التايوانيين الأصليين للاستعمار الياباني مطلع القرن الماضي، وهو فيلم عرضه مهرجان فنيسيا في دورته الماضية . 

سائق سيارة لصوص البنوك بمواصفات خاصة

كل من يفكّر في سرقة مصرف يحتاج إليه . هناك العصابة التي سيقتحم أفرادها البنك فيتوزّعون في أرجائه شاهرين أسلحتهم على الموظّفين والزبائن معاً، وهؤلاء سينقسمون إلى فريقين: فريق يراقب حركة الناس ويرهبهم طالباً منهم الانبطاح أرضاً، وفريق سينشغل بالسطو على المال وربما الخزينة بكاملها . الشخص الذي لا غنى عنه، يبقى خارج المصرف وراء مقود السيارة التي ستقل الغنيمة . السيارة في وضع الاستعداد وعيناه تراقبان كل شيء ثم حال خروج العصابة من المصرف يهرعون إليه وقد بدأ ينطلق وتسمع رئيسهم يأمره قائلاً له: Go . . . go . . . . go

إنه ليس أي سائق، بل واحد ماهر في الهرب لأن الشرطة ستكون في أعقاب العصابة سريعاً والشهود سيصفون نوع السيارة وعلى السائق أن يتحاشى الحواجز ولكي يفعل ذلك عليه أن يعرف الطرق، وأن يكون ماهراً في سرعته وليس متهوّراً . وعادة ما يتم تعيينه لهذه الصفات، فيسأل رئيس العصابة فريقه: “نريد سائقاً . . . هل تعرفون أحداً يصلح للمهمّة؟” فينبري أحدهم ويقترح فلاناً .

في “درايف”، الفيلم الذي يقوم ببطولته رايان غوزلينغ كشخصية بلا اسم (يسمّونه في الفيلم باسم مهنته) هناك هذا الشاب المطلوب وراء المقود لمهاراته، ليس فقط للمهام الخارجة عن القانون، بل لكونه يعمل في النهار ممثلاً بديلاً، ينفّذ المشاهد التي لا يعرف البطل تنفيذها مثل قيادة السيارات بمهارة . في الليل وأوقات الفراغ يعمل “سائق” عصابات وسيارته المستخدمة عادية جداً ولسبب مهم: إذا كنت في سيارة عادية سوف لن تجتذب النظر . تصوّر لو كنت سائقاً تنتظر العصابة لكي تملأ أكياسها بالمسروقات وسيارتك فاخرة والناس تمر من أمامك تنظر إليك وإليها بإعجاب شديد . هذا آخر ما تودّه لأنه ما أن يروا أفراد العصابة وهي تغادر المصرف حتى تحفر السيارة في عقولهم عميقاً لتستقر .

في “الهروب” لسام بكنباه (1972) قامت آلي ماكغرو بهذا الدور . زوجها ستيف ماكوين ورفاقه في الجريمة دخلوا المصرف لسلبه والخطّة اقتضت الهرب بسيّارتين، لكنها حين خروج ماكوين بالغنيمة تعطيه مكانها وينطلق هارباً .

حظ وورن بايتي مع سائقه كان سيئاً في فيلم “بوني وكلايد” لآرثر بن (1967) . إذ أعطى الفرصة لمايكل ج . بولارد ليكون سائقه . لم يوصه أحد به، بل التقطه حين دخل بسيّارته (موديل الثلاثينات) من القرن الماضي إلى المرآب للغسل والتعبئة فوجده شاباً متلهّفاً للمغامرة فضمّه بايتي إلى عصابته المؤلّفة من صديقته فاي داناواي فقط . عندما حان موعد تنفيذ السرقة الأولى دخل بايتي وصديقته المصرف وبقي بولارد وراء المقود، لكن غلطته هي أنه قرر ركن السيارة جانباً حتى لا يخالف القوانين . حينما خرج الاثنان من المصرف وجداه غير قادر على الخروج من مكانه سريعاً وحين وصل إليهما لاحقته لعنات بايتي وشتائمه حتى ما بعد المشهد التالي .

كان موقفاً كوميدياً بقدر ما كان مشوّقاً  أما فيلم “درايفر” أو “سائق” الذي أخرجه وولتر هيل سنة 1978 فكان احتفاء كاملاً بصاحب هذه المهنة كما يؤديها رايان أونيل (أفضل دور للممثل الذي انطلق بفيلم “قصّة حب” قبل ثماني سنوات من ذلك التاريخ) . سنجد هذه الشخصية موزّعة في نحو 50 فيلماً على الأقل من بينها “تشارلي فاريك” و”زمن الهروب” و”المطاردة الكبرى” و”الجوهرة الساخنة” الخ . لكن لا بأس من تقديم أطرف طريقة للسرقة من دون مهارة قيادية: في فيلم ستانلي كوبريك “القتل” كانت الخطّة تقتضي دخول العصابة غرفة العمليات في الطابق العلوي من ميدان السباق وسرقة الأموال في كيس كبير . السائق سيقف تحت النافذة، فلا داعي لمغادرة المكان بسرعة وإحداث بلبلة أو التعرّض للحرس في الطابق السفلي . سيفتح سترلنغ هايدن النافذة ويرمي الكيس فيلتقطه السائق من الأرض ويضعه في السيارة وينطلق . والسائق (الممثل المساند تد ديكورسيا) زيادة في الضمانة ليس سوى رجل شرطة . 

أوراق ومَشاهد

"نوسفيراتو" والآخرون

حينما امتنعت أرملة الكاتب برام ستوكر عن منح المخرج الألماني ف . و . مورنو حق صنع فيلم من رواية زوجها “دراكولا”، قام بابتكار مصّاص دماء باسم أورلوك مع تغيير الحكاية وأسماء شخصياتها . تم إسناد مهمّة السيناريو إلى الكاتب الألماني هنريك غالين، الذي سبق له أن وضع سيناريو حول وحش آخر قبل هذا الفيلم هو “غوليم”، وغوليم في “التلمود” هو مخلوق لم يكتمل وفي السينما استخدمه الألمان لينجزوا ما عُرف في مطلع القرن بالأدب الرومانسي- الداكن، وهو ذاك الذي يجمع معالم قصّة الحب بأحداث تخويفية . الفيلم الذي كتبه غالين كان “الغوليم” وقام كارل بويش وبول وَغنر بتحقيقه كفانتازيا مرعبة تقع أحداثها في القرن السادس عشر في العاصمة براغ حول حاخام يصنع مخلوقاً ضخماً سمّاه غوليم، وذلك بغية الدفاع عن اليهود المضطهدين ما يكشف عن سعي اليهود إلى استخدام ما انتشر من معاداة الأوروبيين لهم في بعض الأوساط المسيحية لإفراز مفاهيم تدعو للعنف . وهو المفهوم ذاته الذي لا يزال يسود الممارسة العدوانية للكيان العدو على أساس حماية “إسرائيل” من أعدائها وذلك بصرف النظر تماماً عما قامت ولا تزال تقوم به من ممارسات عدائية ليس أقلّها احتلال فلسطين بأسرها قبل نحو ستين سنة .

وهناك علاقة مقلوبة بين الغولم ومخلوق فرانكنستاين، كما وضعته الكاتبة ماري شيلي . د . فرانكنستاين، والاسم يقترح شخصية يهودية، جرّاح ماهر لكن طموحه هو “صنع” مخلوق حي باستخدام الطاقة الكهربائية، وهو يفعل ذلك بتجميع أعضاء وأطراف موتى وتأليف مخلوق متوحش . حسب الرواية، وبضعة أفلام التزمت بها، فإن المخلوق وجد نفسه فريداً واعتبر نفسه ضحية وليس قاتلاً، وهذا هو الاختلاف بينه وبين غوليم الذي كان عليه اصطياد المعادين لليهود وتصفيتهم برضاه الكامل .

“نوسفيراتو” اختلف عن كل ما سبق فهو لا علاقة له لا بالميثالوجيا ولا بالمفاهيم الدينية إلا من حيث الصراع بين الخير والشر على صعيد منفصل، شخصيات خيّرة (مثل الزوجة) وأخرى شريرة (أورلوك وصاحب مؤسسة عقارات اسمه نوك) وشخصيات يدخلها الخير وسوء التقدير عنوة (كما حال الزوج الذي لم يحسن الدفاع عن زوجته) .

الحكاية تضع الزوج المحب هاتر أمام واجب ترك زوجته وحيدة والسفر إلى جبال كارباتيان، تلك الجبال التي تسكن عند أحد سفوحها بلدة ترانسلفانيا لبيع أورلوك بناية تواجه منزله غير مدرك أنه يبيع العقار لمصاص دماء واضعاً زوجته تحت خطره .

“نوسفيراتو” لم يبلغ شأنه السينمائي الكلاسيكي بسبب حكايته، بل بسبب كيفية تنفيذ هذه الحكاية كما سنرى .

م.ر

merci4404@earthlink.net

http://shadowsandphantoms.blogspot.com

الخليج الإماراتية في

25/09/2011

 

فيلم مبني على كذبة

«الدين».. جمعية المـوساد للأعمال «البطولية»

زياد عبدالله 

مرحباً بكم في جمعية الموساد للأعمال البطولية يقول لنا فيلم The Debt (الدين)، المعروض حالياً في دور العرض المحلية، وأهلاً بكم في الوطن الإسرائيلي العظيم لنمضي بعد ذلك إلى ما يحمله هذا الفيلم من تشويق جاسوسي، لن تستطيع كمشاهد عربي أن تغالب طيلة فترة مشاهدته حقيقة أنه عن «الموساد»، بحيث تصير الكلمة المفتاح للمنغصات التي ترافقك بينما تتابع حبكة الفيلم وهو يسعى ليكون ماضياً في زمنين، ليسا بحال من الأحوال إلا إيفاء للدين عنوان الفيلم، الدين الذي على الموساد أن يسترده من النازيين، كما يخبرنا الفيلم، الدين الذي تم تحصيله من دم شعب آخر وتشريده وبناء وطن مزيف على جثث الآخرين، كما لا يخبرنا الفيلم.

لا أميل إلى تحميل الفيلم ما لا يحمله، أو تقويله ذلك خارج سياق أحداثه كما حديثي عن ما لم يخبرنا به الفيلم، لكن هنا ومع هذا الفيلم يجب قول ذلك، خصوصا أن أحداث الفيلم تجري بشكل رئيس بين تل أبيب وبرلين، الفيلم أصلاً مأخوذ عن «بست سيلر» اسرائيلي، للفيلم كهيكل عام يقول لنا، إنه الدين النازي، المجزرة النازية ولا يتجاوز ما سيفعله عملاء الموساد الثلاثة مسألة «دين» عليهم أن يقوموا بتحصيله وذلك باختطاف طبيب نازي أجرى تجارب على الأطفال اليهود، تحصيل ذلك الدين يكون باختطافه ومحاكمته في «دولة القانون والعدالة اسرائيل».

لا أعرف ما الحكمة في عرض فيلم كهذا! ولعل هذا السؤال لن يكون وارداً أيضاً إن كان لأجواء التشويق والإثارة التي يؤسس لها الفيلم أن تجعلنا نمضي خلفها ونحن نتناسى ما تقدم، مع تأكيدي صعوبة ذلك حين يكون الحديث عن جهاز استخباراتي اسمه الموساد، وليس أي جهاز آخر، ولعل عبقرية هذا الجهاز تأتي من مكان واحد فقط، يتمثل في أنه جهاز فوق كل القوانين، ويستطيع أن يفعل أي شيء في أي مكان، وينجو من العقاب، جهاز مضمخ بدماء العرب.

أفلام الجاسوسية مغرية جداً بالمتابعة، ولعلها ارتبطت بأفلام ونتاج فني كامل تمحور حول كلمة الجاسوسية والأعمال الاستخباراتية، بحيث تتحول هذه الأعمال إلى مساحات للمغامرات والتشويق والحب والخيانة وغير ذلك، ويأتي هذا العالم كما لو أنه خارج من زمن سحري ربما للواقع أن يختلف كثيرا عنه. يرتبط لدي هذا النمط بالكاتب الانجليزي جون لوكاريه، سواء بأعماله الأدبية التي تصدر بمعدل عمل كل سنة وربما أكثر، أو من خلال الأفلام التي تم اقتباسها من رواياته، مع امتلاكه قدرة التنويع على التغيرات العالمية، بمعنى أنه كتب روايات في أجواء الحرب الباردة والصراع العربي الإسرائيلي، وصولاً إلى الشركات العابرة للقارات والحرب على الإرهاب، لكن وليبقى الأدب الجاسوسي هو نتاج الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، ويمكن اعتبارها الفترة الذهبية للجاسوسية، خصوصا تلك التي تجري أحداثها في برلين المنقسمة إلى شرقية وغربية.

فيلم «الدين» الذي أخرجه جون مادن قادم من تلك المساحة، وهو محمّل بالعمليات التجميلية التي تجري على العمل الاستخباراتي، لنكون في النهاية أمام قصة مشوقة، يأتي السرد فيها رهان الفيلم الرئيس، مع مسعى من الفيلم على تحقيق أكبر قدر من المفاجآت، بحيث يضعنا ومن البداية أمام حاضر محاصر بالماضي.

يروي الفيلم قصة تعود إلى ستينات القرن الماضي، وعلى اتصال بتسعيناته، نحن أمام أعضاء ثلاثة من فريق استخباراتي كانوا قد قاموا بعملية في برلين الشرقية، زمن الفيلم الحاضر هو عام ،1998 ولهذه العملية روايتان، الأولى الرواية الرسمية ونحن نرى راشيل (هيلن ميرن)، تشهد توقيع كتاب ألفته ابنتها عن هذه العملية التي اشتركت فيها أمها إلى جانب والدها ستيفن (توم ويلكنسون)، ومعهما ديفيد (كيرن هيندس)، الرواية الرسمية التي حملها الكتاب لها أن تضيء نجاح العملية ليس 100٪، لكن بما يضمن القضاء على الدكتور ديتر فوغل (غاسبار كريتنسن)، وأن يحظى الثلاثة بمجد البطولة، وما إلى هنالك، لكن في الفيلم ما يحملنا إلى رواية ثانية لها أن تختلف في النهاية فقط.

في الفيلم نحن أمام كذبة عمرها 30 سنة ستعود إلى الواجهة، وستكون كفيلة بتدمير حياة الثلاثة الذين شاركوا فيها، لكن بعد حدث أولي يتمثل في انتحار ديفيد في أول مشهد من الفيلم، فإن الفيلم سيكون محاولة للإجابة عن سؤال مفاده: لماذا انتحر ديفيد؟ ومن ثم نحظى برواية ما حصل مع الثلاثة في الستينات، الذي ينسجم مع الكتاب الذي ألفته ابنة راشيل، إذ يكون كل ما فيه صحيحاً عدا النهاية، وربما حب راشيل لديفيد بينما من تتزوجه يكون ستيفن. الفيلم متمركز حول حقيقة أن ديتر فوغل مازال حياً! والعملية لم تنجح لا في اختطافه ولا في قتله، وهو على حافة قبره ينوي أن يروي ما حصل معه، فماذا ستفعل راشيل وستيفن بهذا الخصوص، بعد أن حسم ديفيد أمره وانتحر، على اعتبار أن ديفيد قُدم بوصفه شخصية مأزومة قادمة من ماض قتل فيه جميع أفراد عائلته في المحـرقة النـازية، وكل ما فيـه مكـرس لذلك بما تسبب في إعاقته عن الحب، ونحن نراه غـير قـادر عـلى مبادلته إياه مع راشيل، رغم أن مشاعره واضحة في هذا الخصوص.

الفيلم وفيّ لملامح من الأفلام الجاسوسية الكلاسيكية المعنية أكثر بعوالم كل شخصية والعلاقات التي تنسجم في ما بينها، ولعل هذا النمط من الأفلام لا يجد من مساحة تاريخية أشد خصوبة من مرحلة الحرب الباردة أو ما بعد الحرب العالمية الثانية، وإن كان جدار برلين قد انهار فإن عاد من جديد في هذه الأفلام على هدي النوستالجيا للفترة الذهبية للجاسوسية.

في فيلمنا هذا كل الدراما تم بناؤها على كذبة، بما يشبه تماماً إسرائيل، ولعل الختام بذلك تأكيد أن الخروج عن سياق الفيلم ضروري.

الإمارات اليوم في

25/09/2011

 

«كسارة البندق بالأبعاد الثلاثة».. النازيون ومحرقة الدمى

زياد عبدالله 

ما أن يرد عنوان «كسارة البندق» حتى تصحو موسيقى تشايكوفسكي والباليه، لكن عند إيراد هذا العنوان الآن فإنه سيكون «كسارة البندق بالأبعاد الثلاثة» The Nutcracker in 3 المعروض حالياً في دور العرض المحلية، ولنا أن ننحي أولاً أي شيء على صلة بالباليه، كما أن موسيقى تشايكوفسكي تظهر وتغيب، بحيث تصبح «كسارة البندق» ليست أكثر من معبر إلى أشياء كثيرة يمضي إليها الفيلم ويأخذها في اسقاطات كثيرة لن توفر شيئا بالمتناول، بدءا من عيد ميلاد أينشتاين، والأغاني مروراً بشكسبير وغوستاف كليمت، وصولاً إلى الكائنات الخرافية والكلاب المعدنية والدراجات النارية العجيبة مع النازيين والمحرقة اليهودية، دون أن يتصادم ذلك مع الخيال المهيمن على أجواء الفيلم، فنحن حيال خلطة سينمائية لها أن تمضي خلف أغراض كثيرة، قد يكون من أولها تقديم فيلم للصغار له أن يلحق بأنه فيلم للكبار أيضاً.

القول إنه فيلم للكبار أيضاً قد يأتي بتوضيح لكل ما سأتناوله هنا، وما قدمه مخرج وكاتب الفيلم اندريه كونشلوفسكي، كونه سيأخذ بقصة «كسارة البندق» التي تكون صراعاً بين الدمى والجرذان لمساحات تحيل إلى النازية والهولوكوست، بحيث تصبح الرحلة السحرية التي تخوض غمارها في هذا الفيلم محملة بشتى أنواع الاقتباسات التاريخية، وتفصيل القصة على مقاسات كثيرة متعددة ومتنوعة لها أن ترضي كل ذوقٍ تاريخي متفق عليه، وبكلمات أخرى مجموعة من الوصفات الجاهزة التي لن تخـل فـي مسعـى القصة لأن تكون صـالحـة للصـغار أولاً وأخـيراً.

أحداث الفيلم تجري في عام 1920 بفيينا العاصمة النمساوية، ماري (ايلي فانينغ)، وأخوها ماكس (أرون دروزين)، يحظيان بهدية من عمهما ألبرت (ناثان لين)، في عيد الميلاد وهي بيت يحتوي على دمى، وإضافة إلى ذلك دمية كسارة البندق، العم ألبرت أشبه بأينشتاين وليس الشبه الظاهري للشخصية ما يخبرنا ذلك، بل الأغنية التي يغنيها عن النظرية النسبية، وليكون تطبيق هذه النظرية البنية الرئيسة لمنطق الفيلم، بمعنى أن الخيال نسبي والواقع أيضاً، وما سيحدث في أحلام ماري سيكون واقعياً والعكس صحيح، وهنا لن تشكل قصة «كسارة البندق» سوى خط بسيط من أحداث الفيلم، والمتمثل في أن لعبة كسارة البندق ليست إلا أميراً مسحوراً من قبل الجرذان الذين احتلوا مدينته، لكن في الفيلم سيكون الجرذان نازيين، وهم في هيئة أقرب للبشر عدا الوجه، وما يقومون به هو مصادرة كل الدمى في المدينة والقيام بحرقها، للحفاظ على غمامة سوداء تغطي المدينة بحيث تحجب الشمس، لأن الجرذان لا تستطيع العيش تحت رحمة الشمس.

وهنا سيكون على دمية كسارة البندق أن تتخلص من السحر، وشكل الدمية أشبه بنابليون، ولن يحدث ذلك إلا بمساعدة ماري التي تقول له إن ما عليهما فعله هو ايقاف حرق الدمى لتزول الغمامة السوداء، وبهذا سيقضون على الجرذان.

في ما تقدم خط الفيلم الرئيس، وما عدا ذلك فإن الباب سيكون مفتوحاً على مصراعيه لشتى أنواع الاستعارات، فمع كون الجرذان نازيين، فالدمى ستكون أيضاً استعارة واضحة وفاقعة للمحرقة اليهودية، وليؤكد ذلك فإن مخرج الفيلم كونشلوفسكي سيستعين بالفوتوغراف، كما أنه سيقطف من كل حقل زهرة، لكن ومع ذلك فليس هنا ما يمنع الصغار من التمتع بقصة خيالية، تبدأ من شجرة الميلاد التي تتحول إلى شجرة تكاد تصل السماء، مع أنها في الواقع شجرة منزلية، وفي رحلة صعود ماري لها ستتعرف إلى عوالم سحرية كثيرة، وفي الوقت نفسه سينجح الرهان على النسبية في جعل كل شيء نسبي، إذ سيمشي الخيالي والواقعي جنباً إلى جنب، مع التأكيد ختاماً أن الفيلم سواء كان ثلاثي الأبعاد أو ببعدين فالأمر سيان، كوننا لن نرى من الأبعاد الثلاثة سوى كوننا مضطرين لارتداء النظارات الخاصة بالأبعاد الثلاثة، لنتمكن من مشاهدة الفيلم.

الإمارات اليوم في

25/09/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)