حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

فيلم "بيبو وبشير"..

مازالت الكوميديا الرومانسية ممكنة

محمود عبد الشكور

أصبح العثور على فيلم مصرى جديد يندرج تحت نوع الكوميديا الرومانسية حدثاً يستحق الحفاوة والإحتفال بعد سنوات طويلة احتلت الساحة فيها أفلام لا علاقة لها بفن الكوميديا الصعب، ولا علاقة لها أيضا بالرومانسية، ولكنها مجرد إفيهات وضحكات تتخلّلها قصة حب باهتة وعشوائية.

ومن عجب أن الكوميديا الرومانسية ظلت منذ بدايات السينما المصرية إحدى أنواعها المتفوقة والمميزة، بل إنها ارتبطت بالآفلام الغنائية لكبار المطربين التى كان يندُر أن تتخذ قالبا غير الكوميديا الرومانسية، وحتى فى أفلام المأساة الغنائية كما فى فيلم الخطايا نستطيع أن نتذكر مشاهد كوميدية ورومانسية ناجحة جداً.

فجأة، إنقرض النوع تحت ضعط أفلام "ضحكة ورقصة ونجم" حتى عاد على استحياء فى تجارب معدودة لكاتبة السيناريو "زينب عزيز" كما فيلم "حريم كريم" ، أو فى محاولات  تامر حبيب  خاصة فى فيلم حب البنات.

من حقنا إذن أن نفرح بفيلم يقدم الكوميديا الرومانسية بصورة ناضجة ومبهجة ومتماسكة مثل فيلم بيبو وبشير، ورغم أن الفكرة مطروقة فى أفلام سابقة عربية وأمريكية (فتاة وشابة بينهما شقة مشتركة)، إلا أن فيلمنا المتميز ينجح فى تقديم معالجة مختلفة وذكية، كما يقدّم من خلال ممثّليه حالة ممتعة من التشخيص والحضور الواضح، ثم يضيف الى قائمة مخرجاتنا الموهوبات اسما جديدا هى مريم أبو عوف.

ورغم أن عنوان الفيلم الغريب يستدعى فى ذهن جمهور الكرة فى مصر اسمى اثنين من نجوم الأهلى والزمالك هما خالد بيبو وبشير التابعى المشاركين فى مباراة شهيرة هزم فيها الأهلى الزمالك بنتيجة 6/1 التاريخية.

إلا أن فيلمنا لا علاقة له بكرة القدم، هو فقط يقدم اسمى بطليه اللذين يعتبران من النماذج المختلفة فى الأفلام المصرية، يكفى أن تعرف أن بيبو اسم لفتاة بورسعية بمائة رجل اسمها الأصلى عبير تلعبها منّة شلبى، جاءت الى القاهرة مع فرقة موسيقية لتجرّب حظها فى مسابقة فنية.

ويكفى أن تعرف أن بشير الذى يلعبه بحضور فائق آسر ياسين هو شاب من أب مصرى وأم تنزانية، وهو أيضا مدرس للتربية الرياضية، ومترجم المدرب التنزانى لفريق مصر القومى لكرة السلة!

الإسمان مناسبان جدا للشخصيتين : فتاة قوية الشخصية تحمى نفسها فى مجتمع ذكورى فتحمل اسما ذكوريا متنازلة عن اسمها الأنثوى الجميل، وشاب أسمر يحمل اسما شائعاً للشخصيات السمراء فى أفلام الأبيض والأسود تعبيراً عن أصله الإفريقى ، والإسمان معا يحققان هدفاً تجارياً بجذب الجمهور الكروى.

لم يكن الفيلم فى حاجة الى هذه الخدعة التى أعطت انطباعاً غير صحيح عن الفيلم، ولكنى أردت أن أتوقف عندها للتأكيد على اهتمام كاتبى الفيلم كريم فهمى وهشام ماجد بالتفاصيل الصغيرة التى هى عماد الدراما الجيدة.

أحببتُ أيضا لفت النظر الى أن الشخصيات كلها ، بما فيها الشخصيات الثانوية، رسمت ملامحها بإتقان كبير، وكلها شخصيات مختلفة عن الكليشيهات التقليدية لصورة الأب أو الأم أو الصديق.

عندما يتدخل صديق بيبو السئ الذى يلعبه ممثل شاب له مستقبل مميز هو محمد ممدوح، ويقوم بتوريط  بشير دون أن يدرى فى  استئجار شقة تشاركه فيها  بيبو القادمة من بورسعيد، وعندما تعتمد اللعبة على اختلاف مواعيد الطرفين، نقترب كثيراً من معالجة  فيلم مصرى شهير هو غريب فى بيتى المأخوذ عن الفيلم الأمريكى فتاة الوداع.

ولكن بيبو وبشير لا يجعل قصة الحب تنشأ بعد أن يكتشف كل طرف شريكه فى نفس الشقة، وإنما يجعل هذا الإكتشاف بعد نمو الحب إثر رحلة مشتركة قام بها فريق السلة المصرى الى بورسعيد مسقط رأس بيبو.

بدلا من ان تؤدى الشقة والنزاع حولها الى تقريب المسافات بين اثنين من الغرباء، فإنها ستلعب فى الربع الأخير من الفيلم دوراً عكسياً إذ سيحدث بينهما خلاف بعد أن اقترب حلمهما بالزواج وشروطه من التحقق مع توافر الشقة المشتركة.

لكن الوصول الى هذه البؤرة المتوقعة، لايتم فجأة وإنما عبر بناء درامى متماسك يسير فيه الخط الكوميدى بطريقة متضافرة مع الخط الرومانسى، وأساس البناء كله الطريقة التى رُسمت بها ملامح البطلين، عاطفياً نحن أمام فتاة عملية متحررة قوية الشخصية ترفض مخاوف أمها من العنوسة المنتظرة، وترفض التراجع أمام مجتمع ذكورى يندهش من وجود عازفة درامز أو طبّالة على حد تعبيرها.

أما بشير فهو أيضا مزيج غريب عربى إفريقى، فيه جانب الإنسان البدائى الفطرى وجانب الإنسان المتحضر معاً،  له علاقات نسائية ولكنه لم يعرف الحب، ويجمعه مع بيبو الحلم بالإستقلال عن الأهل، عن جيل الآباء، ولعل فكرة الإنفصال بين الجيلين ، والبحث عن الحرية بعيداً عن الآباء من أبرز خطوط الفيلم المستترة والذكية ، ولذلك ستأخذ الشقة فى الفيلم بُعداً رمزياً كعنوان لهذا الإستقلال.

ولكن الشخصيتين لا تعملان فى فراغ إذ تحيط بهما شخصيات واضحة المعالم رُسمت بصور غير نمطية ومختلفة مثل والد بيبو الظريف الذى لعبه بحضور وخفة ظل المخرج محمد خان، وهو رجل وديع يحب ابنته ويخاف من زوجته (سلوى محمد على)، ومثل والد بشير عالم الجيولوجيا الذى لعبه عزت ابو عوف، وهو شخص عاشق للحياة ويريد أن يسترجع شبابه من جديد.

هناك أيضا كوكى زوجة والد بشير الجديدة التى لعبتها صفية العمرى، وهى امرأة متصابية لها مطالب طفولية، ومثل حمادة صديق بشير الذى يفسد كل شئ فى كل مرة، والذى يتم عقابه بعنف بعد كل كارثة يتسبب فيها، ورغم انتهاريته إلا أنه يحب صديقه، وسيكون سبباً فى إصلاح ما أفسده فى النهاية.

حتى شخصية شفيق التى ظهرت فى مشهد واحد بأداء متفوق من باسم سمرة رُسمت ملامحها بطريقة مبتكرة وواضحة، رجل ريفى ثقيل يعتقد أنه محبوب، ويفرض نفسه على الآخرين فى كل مكان.

هذا الرسم الجيد للشخصيات وملامحها سهّل كثيراً من ابتكار الحوار المناسب، كما أتاح الفرصة لنسج مواقف كوميدية لامعة سواء داخل الشقة أو خارجها، ولكن لم يفلت أبداً لا الخيط الرومانسى ولا الخيط الكوميدى من مؤلفى الفيلم رغم التأثرات الواضحة بالأفلام الأمريكية.

ربما كان الفيلم محتاجا فى ربعه الأخير، وخاصة بعد ابتعاد بيبو وعودتها الى بورسعيد، الى اختزال بعض التفاصيل لكى نصل بسرعة الى النهاية، ولكن النتيجة عموما كانت جيدة ومتماسكة، بل إن مراحل البناء كانت واضحة. 

فمن تقديم البطلين انتقلنا الى عملية استئجار كل منهما للشقة، ثم تحولنا الى نمو قصة الحب فى رحلة بورسعيد واستكمالها فى القاهرة بعد العودة ثم لحظة الإكتشاق والإنفصال وأخيراً تحقُق بيبو مع فرقتها ، وتحقُق بيشير مع فريق السلة القومى الذى تأهل على يديه الى كأس العالم بعد انسحاب المدرب التنزانى.

يبدو هذه الكلام فى حكم البديهيّات بالنسبة لأى سيناريو سينمائى، ولكن منْ يشاهد الأفلام المصرية التى يطلق عليها ظلماً وعدواناً تعبير "الكوميدية" يعرف تماماً أن البدهيّات تحولت اليوم الى ومعجزات تستأهل الإشادة والتنويه.

لابد من الإشارة أيضا الى أن تفصيلات لعبة الظهور والإختفاء بين بيبو وبشير داخل الشقة كانت جيدة جداً اعتماداً على أن بيبو تعزف طوال الليل ولا تعود إلا صباحاً، وأن بشير يعمل طوال النهار فى المدرسة أو مع فريق السلة، ولايعود إلا فى نهاية الليل، وقد أفرزت اللعبة مشاهد كوميدية معتبرة وناجحة.

كل الممثلين كانوا فى أدوارهم ، وكلهم نجحوا فى إضحكنا رغم أن أيا منهم لا يصنف على أنه كوميديان، الثنائى منّة شلبى وآسر ياسين كانا رائعين سواء فى مشاهدهما المشتركة أو فى مشاهدهما المتباعدة، واعتقد أنهما يمكن أن يقدّما أعمالا قادمة كدويتو متجانس الموهبة والحضور.

محمد ممدوح أيضاً كان اكتشافا فى دور حمادة صديق بشير الذى يحرّك ويفسد كل الأشياء، ممثل يؤدى بثقة وبساطة وبدون استظراف ، كما أنه أثار التعاطف وهو يحاول إصلاح ما أفسده، حتى عزت أبو عوف وصفية العمرى كانا ثنائياً جميلاً وهما يؤديان تصرفات أقرب ماتكون الى المراهقة المتأخرة.

فى تجربتها الأولى كمخرجة منفردة لفيلم طويل (قدّمت أحد أجزاء فيلم 18 يوم الذى لم يعرض بعد فى الصالات المصرية)، تبدو مريم أبو عوف مشروعاً لمخرجة مميزة وواعية سواء فى معرفتها بطبيعة النوع السينمائى الذى تقدّمه، أو فى إدارتها الجيدة لممثليها، أو قدرتها على ضبط وتنفيذ المشهد الضاحك بحيث يحقق التأثير المطلوب، لقد فعلت ذلك فى مشاهد كثيرة جيدة .

مهارة المخرجة أيضا ظهرت فى استغلال المناطق المفتوحة كما فى مشاهد بورسعيد أو فى حيوية مشاهد الشقة رغم محدودية المكان، وحيوية مشاهد مباراة السلة الأخيرة. العناصر الفنية عموماً كانت مميزة ولافتة خاصة موسيقى هانى عادل فى لحظات الكوميديا أو لحظات الرومانسية.

هناك أيضا كاميرا فيكتور كريدى التى ذكرتنا فى بعض المشاهد بحيوية الكاميرا وانطلاقها فى الأفلام المستقلة، وديكور محمد أمين للشقة، ومونتاج منى ريبع المتدفق خاصة فى الأجزاء الأولى من الفيلم .

فيلم بيبو وبشير يؤكد لنا أن صناعة كوميديا رومانسية مازال أمراً ممكناً وليس مستحيلاً ، ويؤكد أيضا أن صناعة فيلم كوميدى بدون ممثل كوميدى هو أيضاً أمر ممكن وإلا ما كان لدينا كوميديا رومانسية عظيمة قديمة مثل فيلم الأيدى الناعمة.

هذا فيلم ممتع وجيد الصنع وملئ بالمواهب، عمل يذكرنا من جديد بالقاعدة التى تقول أن الكوميديا لاتعنى الإستخفاف، بل إنها تحتاج أن تُكتب بجدية واهتمام أكثر بكثير  من أنواع الدراما الأخرى.

عين على السينما في

02/09/2011

 

الفيلم القصير"الحافلة": تصوير حالة بأسلوب بليغ

ممدوح شلبى 

منذ اللحظة الاولى ونحن نستكشف فيلما روائيا قصيرا بعنوان الحافلة، فاننا ندرك اننا ازاء فيلم كبير لسينمائى مخضرم.

يبدأ الفيلم بلقطة قريبة لمنبه ينطلق صوته فنرى يدا تدخل الكادر ثم تُوقف صوت المنبه. بعد ذلك تتابع لقطات قصيرة جدا يدوم كل منها ثانية واحدة او ثانيتين، تُلخص لنا طقس الاستيقاظ الذى نجربه نحن ايضا طوال حياتنا، فدخول الحمام ومياه الصنبور وكوب الشاى او القهوة  ثم اصطفاق باب الخروج وراءنا، هذه كلها طقوس يومية نعرفها ونحفظها جميعا عن ظهر قلب، ويتشارك فيها كل الناس سواء كانوا فى ألمانيا او ايطاليا او اليابان او مصر او اى مكان آخر.

يختزل المخرج كريم ابراهيم (أو كريم قنديل) طقوس الاستيقاظ فى ثوان قليلة وهو على ثقة من ان الاطالةاو الاسهاب سيُصيب جمهور فيلمه بالملل.

منذ اللحظة الاولى نحن امام مخرج يعى عصره ويعى تقاليد المشاهدة ويفهم جيدا ما هو الزمن الضعيف - كاصطلاح سينمائى -  والزمن القوى، ذلك الذى سوف نتعرف عليه مع هذا المخرج .

ان المخرج يختار لحظة اصطفاق الباب لتقديم عنوان الفيلم الذى نراه باللغة الالمانية واسفله بالعربية كلمة "الحافلة" حيث نستمع الى الموتيفة الموسيقية للفيلم والتى تعزفها  آلة وترية، وسوف تتكرر نفس الموتيفة طوال الفيلم فى لحظات يختارها كريم بعناية.

ثم نرى الكاميرا تستقبل بطلة الفيلم من خلال الباب الزجاجى لمدخل البيت، ونراها تقترب ثم تفتح الباب لنرى وجهها فى لقطة قريبة جدا، ونكتشف ايضا اننا امام ممثلة من الدرجة الاولى فاطلالتها والنفس الذى تستنشقه ونظرتها التى ترسم معنى الملل واليأس، هى امور لا تستطيع ممثلة هاوية ان تختزلها بمثل هذه البراعة، ونستمع الى صوتها من خارج الكادر باسلوب التعليق.

يتم تقديم الفيلم فى صيغة الراوى من خلال بطلة الفيلم التي يتداخل صوتها كراوية مع الحوار البليغ فى هذا الفيلم الفذ حيث نستمع اليها تقول لنا (انها السابعة) ونرى المخرج ينقلنا فى لقطة عامة لنرى بطلة الفيلم تقطع الطريق امام منزلها، لتظهر فى لقطة عامة اخرى يتصدرها قدم احد الاشخاص فى مقدم الكادر يقف على محطة حافلات، مع استمرار صوت التعليق لتخبرنا البطلة (لن اعاتد ابدا هذا الجو المظلم القاتم) .

وتواصل الكاميرا استقبالها للممثلة حتى تصل قرب الرجل فيقطع المخرج على لقطة عامة اخرى لمحطة الحافلات فى المواجهة.

زمان ومكان

لقد أسس المخرج فى هذه الثوانى القليلة مكان وزمان الفيلم والحالة النفسية لبطلته، ثم يقطع على نفس المكان ومن نفس الزاوية ولكنه يقترب اكثر، بينما نرى البطلة تتطلع الى جانب الطريق فى ترقب وانتظار للحافلة وتنظر الى ساعة يدها، ثم نستمع الى تعلقها من خارج الكادر (الساعة السابعة تماما فى يوم شتوى بارد) ثم تستدرك فى لقطة متوسطة جانبية من وجهة نظر رفيقها الذى ينتظر بدوره فى محطة الحافلات (اليوم مثل الامس مثل الغد) .

بتلك الكلمات سوف نتذكر مسرح العبث ولكننا الآن لسنا فى لحظة عبثية، انها لحظة من لحظات مواطنة تعاصرنا وتُمثلنا وتنطق بما يجول فى نفوسنا، حيث الفيلم كله ينتمى الى الزمن القوى - بالمعنى الدرامى الاصطلاحى – فكل تفصيلة وكل ثانية يتم وضعها بعناية لتثبيت حالة نفسية واحساس انسانى عام نتشارك جميعا فيه.

وبينما تواصل البطلة تعليقها نسمع صوت الشخص المجاور لها يقاطعها بالسؤال عن الساعة، لقد تم تقديم هذا الشخص من قبل فى اللقطة العامة لذلك فان المخرج ينقلنا اليه مباشرة فى لقطة قريبة، بينما البطلة تواصل تعليقها الذى يجعلنا نرى ما تراه فهى الآن اصبحت تعرف شيئا عن هذا الرجل بعد ان كان مجرد شخص، انها الآن تعرف كيف يلبس وماذا يحمل فى يده وتُعبر لنا عن انطباعاتها عنه.

أسلوب بليغ

ان هذا الاسلوب السينمائى البليغ لا يُقدمه الا مخرج يعرف كيف يقدم شخصيات فيلمه فى توقيتات مناسبة ليختصر ركاكة التطويل والاسهاب المرير الذى تعودنا عليه فى السينما المصرية واحيانا السينما العالمية، فقد اصبحنا الآن اكثر معرفة بالشخص لكن الفضول مازال يتملكنا مثل البطلة ، وهكدا يتقدم الفيلم فى انسيابية ولغة بليغة ماهرة.

ان الفيلم يبدأ من هذه اللحظة ، فالحوار بين الشخصتين لا يتعدى كونه مجرد سرد لتجربة هذا الرجل الحياتية النادرة، دون ان يحتوى الفيلم على تلك الضلالات التى تعلمناها فى دراستنا للفيلم الدرامى، فالفيلم لا يحتوى على ازمة، والازمة تتحول الى صراع يتطور حتى نصل الى ذروته لينتهى بانتصار احد الاطراف والتى غالبا ما تُرضينا.

ان فيلم "الحافلة" فيلم حداثي  كصيغة فنية اسست لها الموجة الجديدة فى فرنسا فى ستينيات القرن العشرين لتصل الى ذروة بريقها فى افلام عباس كياروستامى وخاصة فيلمه "طعم الكريز"الحاصل على سعفة كان الذهبية باستحقاق فى عام 1997 حيث البنية الفيلمية تختصر الحياة بالحياة نفسها لتضرب باساسيات الفيلم التقليدى عرض الحائط.

لغة الحوار

يحتوى الفيلم لغة حوار ادبية بليغة وخاصة فى مونولوج هذا الرجل الذى يتحدث عن عمله السابق كمصور حرب، وتجربتة النادرة وما حدث له ونهاية عمله ثم تسريحه من العمل.

ونتساءل هل هذا الرجل مجنون؟ ورغم ان المخرج يكشفه لنا ويُعريه تماما عندما نراه يتراجع فزعا ونكتشف بعد ذلك انه رأى مالم نره نحن، انه فعلا مجنون لكننا لا نتهمه، اننا ايضا لا نتعامل مع جنونه على انه مرض لاننا ايضا اشباه له.

كيف لنا ان نتهم بالجنون من يُلخص مواجعنا فى هذا الزمن الصعب؟ ان البطلة نفسها لا تنظر اليه على انه مجنون.

ان كريم ابراهيم هو من كتب هذا السيناريو عن قصة قصيرة ألفها بنفسه، لنرى تطبيقا عمليا لنظرية المخرج المؤلف، لكن هذه النظرية عند كريم ابراهيم تدخل الى مستوىجديد وزمن واعد حيث يستطيع اى اديب ان يصنع فيلمه وان يستثمر هذا الوسيط الجديد لاثراء تجربته الادبية، فالصورة تغنى عن ألف كلمة.

يتميز الفيلم بالحرفية العالية ولغة الحوار الادبية والدقيقة فى التعبير عن الشخصيات وحالتهم ، واستخدام الكاميرا المحمولة بديلا عن الكاميرا الثابتة وتوظيف الموسيقى بهذا القدر من البراعة من خلال موتيفة تتكرر دائما - كان كريم هو الذى ألفها او على الاقل اعدها - وبراعة تقديم الفيلم بهذه اللقطات القصيرة جدا والتى تدوم ثوان فتختصر بجزالة كل شئ وتُعبر عن شخصيتى الفيلم، ثم تقديم الفيلم فى صيغة الراوى.

كل هذه اللمسات تقدم لنا مخرجا من الطراز الاول، لا يمكن ان نعتبر فيلمه عملا للهواة، انه شديد الاحترافية يمتلك ادواته ويُشكل بها كل ما يريد ببلاغة وسهولة، اننا ازاء مخرج واعد ، نتمنى له الاستمرار وانا على ثقة من ان مخرجا فى مثل وزنه كفيل بان يُطهر نفوسنا من غثاثة ما علق بها من سينما هابطة.

والمخرج كريم ابراهيم هو ابن المسرحى السكندرى محمد ابراهيم، وهومن مواليد الاسكندرية فى عام 1981، حاصل على بكالوريوس العلوم من جامعة الاسكندرية، وقد شارك فى الحركة الفنية المسرحية منذ طفولته، فقد مثل فى مسرحية للاطفال بطولة ايمان الصيرفى وعزت الامام وجيهان نور ومن اخراج المخرج المسرحى صبحى يوسف.

وعمل كريم بالجرافيك فترة من الوقت فى مصر ثم سافر الى ألمانيا ليواصل عمله فى الجرافيك، وهو فى ألمانيا حاليا و يعمل فى شركة تستقبل طلبات الطلبة الوافدين.

انه لم يتعلم السينما بصورة احترافية لكن أثر فاسبندر وجودار وعباس كياروستامى واضحتماما فى فيلمه الذى يستحق الاشادة.

يمكن مشاهدة الفيلم على الرابط التالى :-

http://player.vimeo.com/video/28218530?title=0&byline=0&portrait=0&autoplay=1

عين على السينما في

02/09/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)