بدايته مع فيلم «أوقات فراغ» أنبأت بولادة نجم جديد في عالم التمثيل،
وهذا ما
تأكد لاحقاً في فيلمَي «الماجيك» و{عائلة ميكي»، وصولاً إلى فيلمه الأخير
«إيه يو
سي»، الذي يُعرض راهناً في الصالات. إنه الممثل الشاب عمرو عابد.
عن الفيلم ورؤيته للمرحلة المقبلة كان اللقاء التالي معه.
·
فيلم «إيه يو سي» هو العمل
الثالث لك مع المؤلف عمرو جمال، والثاني مع المخرج
أكرم فريد، كيف ترى التعامل معهما؟
عمرو صديقي وأثق به تماماً، فهو مؤلف موهوب وسيناريست متميز وأمامه
مستقبل باهر،
أما أكرم فريد فقد سُعدت بالعمل معه ثانيةً بعد فيلم «عائلة ميكي» وقد طوّر
أدواته
خصوصاً في التكنيك، فـ{إيه يو سي» فيلم صعب لا سيما أنه من نوعية أفلام
المراهقين،
وقد نجح فريد في توظيف الإيقاع لخدمة الفيلم، كذلك استطاع مخاطبة هذه
المرحلة
العمرية باللغة التي تناسبها.
·
لكن «إيه يو سي» جاء أقل تماسكاً
من «عائلة ميكي»، وقد أكّد مؤلفه عدم مسؤوليته
عن الحوار والشخصيات.
الفيلم في النهاية عمل جماعي، وقد كان الجميع يتشاورون ليخرج العمل في
أحسن
صورة.
·
ما رأيك في الخلافات بين أكرم
فريد وعمرو جمال، خصوصاً أنك وافقت في البداية على
السيناريو الذي غيّره المخرج لاحقاً؟
لا أتعدى دوري كممثل، وأؤمن بأنه ليس من حقّي التدخّل بين المؤلف
والمخرج لا
سيما أن رب العمل هنا هو المخرج والمسؤول الأول عن الفيلم.
·
لكن أداءك جاء أقل بكثير من
المتوقّع، بخلاف أدوارك السابقة.
أوافقك الرأي تماماً، وأتحمل مسؤولية ذلك كاملاً. والسبب رغبتي في
التجريب
وتقديم شخصية مختلفة عما قدّمته سابقاً، ثم إنني ما زلت في بداية مشواري
ولا بد من
أن أقع في أخطاء لأتعلّم منها، يضاف إلى ذلك أن الشخصية نفسها لم تكن فيها
مساحات
تمثيلية كبيرة مثل الأدوار السابقة، وطبيعتها ليست ثرية.
·
هل يعني ذلك أنك راض عن «إيه يو
سي»؟
لا يمكنني تقييم الفيلم في هذه المرحلة، لأنني ما زلت أتابع رد فعل
الجمهور
عليه.
·
ألا ترى أن توقيت عرضه غير
مناسب، خصوصاً أن النماذج التي قدّمها لم تعد مقبولة
بعد الثورة؟
على العكس. يؤكد الفيلم أن النظرة إلى الشباب باعتبارهم شباباً فاشلاً
وتافهاً،
باتت نظرة خاطئة، فهم فشلوا في أوراق وزارة التربية والتعليم، لكن عندما
أتيحت لهم
الفرصة في تعليم جيد، أثبتوا نجاحهم وهذا ما حدث في الواقع، إذ أكد شباب
الثورة
أنهم مختلفون عن كل التصوّرات.
·
هل واجه الفيلم مشاكل مع
الرقابة؟
اعترضت الرقابة على مشهد يظهر فيه علم مصر أثناء حديث القاضي عن
الفشل، وقد تم
حذفه، وذلك برأيي تعسف لا مبرّر له.
·
إذاً أنت مع إلغاء الرقابة
وتحويلها الى جهة تصنيفية، كما يطالب البعض.
بالتأكيد، فالرقابة لا تهتم بحماية المجتمع كما يعتقد البعض، بل بوضع
ضوابط
رقابية تمنع الاقتراب من السياسة ومن الشرطة والجيش، وهذا ما شكّل محاذير
فرضت على
المبدعين نوعاً واحداً من الأفلام، لذا لا بد من إلغاء الرقابة ليتاح
للسينمائيين
تقديم ما يريدونه.
·
برأيك كفنان شاب، هل تساعدكم
الصحافة الفنية والنقد الفني في الارتقاء بمستواكم؟
يشوب الصحافة الفنية الاستسهال، لأن صحافيين كثراً لا يطوِّرون
ثقافتهم
السينمائية والفنية عموماً، ما ينعكس على المادة المقدَّمة، أما بالنسبة
الى النقد
الفني فثمة للأسف عدد قليل من الأسماء التي أستفيد من رأيها وأتعلم من
تحليلها
النقدي للعمل.
·
ما هي أمنياتك للسينما في
المرحلة المقبلة؟
أن تتوافر لدينا سينما مختلفة من حيث الأفكار والمواضيع المقدّمة،
وهذا التنوّع
سيجذب الجمهور ويعيده إلى دور العرض ثانيةً، فليس منطقياً برأيي، ألا يتعدى
رواد
السينما الثمانية ملايين فقط من أصل سكان مصر الذين يصل عددهم إلى 90
مليوناً.
·
كيف يمكن أن يتم ذلك، برأيك؟
يتمّ بتدخّل الدولة بشكل جاد، من خلال دعم السينما، سواء عن طريق
الإنتاج أو
الدعم المادي، وإقامة ورش للتدريب على التمثيل وكتابة السيناريو، لدعم
المواهب
وتنميتها.
·
هل أنت مع المطالبين بعدم عرض
أفلام أجنبية في مصر لإتاحة الفرصة للأفلام
المصرية؟
كلا، بل لا بد من الاستفادة من التطوّر السينمائي في العالم، ومشاهدة
الأفلام
الأجنبية، الأوروبية والآسيوية والأميركية، كي نطّلع على أنواع السينما
كافة. أما
في ما يخص المنافسة، فبالتأكيد لو أنتجنا أفلاماً جادة ومتميزة فلن تواجه
الأفلام
المصرية خطراً من الأفلام الأجنبية.
·
من اللافت أنك ما زلت تواظب على
التدريب في ورشة لإعداد الممثل على رغم أنك
أصبحت محترفاً.
أؤمن بضرورة الاستمرار في التدريب والتعلّم، وعلى الممثل، برأيي، ألا
يتوقّف عن
تطوير أدواته ليتمكّن من اكتشاف قدراته وتنميتها، وهذا ما يحرص عليه نجوم
عالميون
كثر.
·
ما رأيك في إلغاء المهرجانات هذا
العام؟
من الضروري تأجيل جميع المهرجانات كي لا نفاجأ بأي كارثة، خصوصاً مع
حالة
الانفلات الأمني التي تعيشها مصر راهناً، وقد يكون هذا التأجيل فرصة لإعادة
النظر
في الارتقاء بهذه المهرجانات وتطويرها، لا سيما أنها تحوّلت في
السنوات الأخيرة الى
مجرد احتفالات كرنفالية وسجادة حمراء.
·
برأيك، كيف يمكن تطوير هذه
المهرجانات؟
بالتنظيم الجيد واختيار لجان مشاهدة من سينمائيين متميزين، كي لا يتم
قبول أفلام
ضعيفة تسيء الى سمعة المهرجان، كذلك لا بد من اختيار لجان تحكيم نزيهة
وموضوعية
لتأتي الجوائز صادقة ومعبّرة، إضافة إلى الترويج الجيّد.
الجريدة الكويتية في
22/04/2011
أزياء النجمات في الأفلام... بين المبالغة
والمصداقيَّة
هند موسى
أحدثت ثورة 25 يناير، كما بات معروفاً، تغييراً في جوانب كثيرة متعلقة
بالدراما سواء السينمائية أو التلفزيونية، فهل تنطبق الحال على أزياء
النجمات في
الأفلام السينمائية بحيث تتوافق مع الشخصيات اللاتي يجسّدنها؟
هل سيتمتع مصممو الأزياء بمزيد من الحرية أم ستستمرّ النجمات بارتداء
ما يحلو
لهن من أزياء حتى لو لم تكن مناسبة للشخصيات التي عهد إليهن بتجسيدها؟
ترى مصممة الأزياء مونيا فتح الباب أنه لا يجوز التعميم عند الحديث عن
مبالغة
النجمات في ملابسهن في الأعمال الفنية، لأن لكل ممثلة الـ{ستايلست» الخاص
بها والذي
يختار لها الأزياء بعد مشورة المخرج، فهو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة لأنه
يملك
رؤية خاصة يريد طرحها في العمل الفني.
تعزو مونيا المبالغة في الأزياء إلى سببين: الأول إذا كان الدور نفسه
يتطلب ظهور
الشخصية بشكل مبالغ فيه، الثاني إذا كانت الممثلة نفسها ترغب في عدم الظهور
بشكل
بسيط، «عموماً يرجع الأمر إلى شخصية المخرج، فإما أن يفرض سيطرته على رغبات
الفنانة
أو يتركها تفعل ما تريد ما يؤدي إلى فشل العمل».
تكشف مونيا مراحل رسم التصوّر لأزياء الشخصية، تقول: «بعد قراءة
السيناريو
وتحديد ملامح الشخصية أرسم صورة لشكلها الخارجي، ثم أعرضها على المخرج الذي
يوافق
عليها أو يعترض، المهم أن نحاول توحيد الرؤية بيننا، فمثلاً في فيلم
«الشوق» اتفقت
مع المخرج على أن ترتدي الشخصيات أزياء بسيطة لأن مستواها
الاجتماعي لا يتيح لها
شراء ملابس كثيرة».
وعن الصعوبات التي تواجهها مصممة الأزياء، توضح مونيا: «أصبح فن تصميم
الأزياء
مهنة من لا مهنة له، فالبعض يظن أنه طالما يستطيع اختيار ملابس وأكسسوارات
مناسبة
مع بعضها بإمكانه تصميم الأزياء، في حين أن الموضوع أكبر من ذلك، إذ يجب
دراسة
الشخصية جيداً مع فهم دراما العمل الفني وتركيب الألوان بشكل
يتلاءم مع الفترة
التاريخية التي يتم تصوير الفيلم فيها، ما يعني أن تصميم الأزياء ليس مجرد
ملابس
وإنما يحتاج إلى مجهود كبير».
سيطرة المخرج
توضح الـ «ستايلست» ريم العدل أنها تضع تصميمها لأزياء الشخصية بعد
قراءتها
السيناريو، ثم تعرض التصميم على المخرج بعيداً عن النجمة التي ستؤدي هذه
الشخصية،
للتوصل إلى الشكل الذي يريده وبعد ذلك يُعرض على الممثلة لتلتزم به.
تضيف ريم: «إذا كانت النجمة تحترم عملها تستجيب لاختيارات المخرج، فلا
يجوز لأي
فنانة تشارك في فيلم تجري أحداثه في فترة ماضية، أن ترفض ارتداء ملابس
ملائمة لتلك
الفترة بحجّة أنها غير أنيقة، مثلما حدث في فيلم «سمير وشهير وبهير»، الذي
دارت
أحداثه في السبعينيات وفُرض على الممثلين والممثلات ارتداء
ملابس تلك الفترة حتى لو
لم تعجبهم، وهذا ما يسمى بمقتضيات العمل الفني».
وحول ما إذا كان ثمة اهتمام خاص بالأبطال أكثر من بقية الممثلين
المشاركين في
الفيلم، تؤكد ريم أنها لا تتبع هذه القاعدة في عملها وتقول: «تتساوى
الشخصيات،
بالنسبة إلي، في الأهمية، لا سيما أن التركيز على شخصيات من دون أخرى يؤدي
إلى
تفاوت كبير بينها، لذلك أعتني بالتفاصيل التي تحقق راحة للممثل ونجاح العمل
في
الوقت نفسه».
ترى ريم أن تصميم أزياء النجوم والنجمات في أي عمل درامي مهمة تحتاج
إلى تركيز
شديد، إذ لا تقتصر المسألة على تصميم الأزياء والإشراف على تنفيذها، بل
تتعدى ذلك
إلى متابعة التصوير يومياً لضمان توافق التصميم مع الماكياج وتسريحة الشعر
والأكسسوار.
تفاوت ومصداقيّة
تشير الناقدة خيرية البشلاوي إلى أن تصميم الأزياء نسيجٌ عضوي يدعم
مصداقية
العمل الفني، وتذكر: «نلاحظ في أعمال فنية كثيرة اختلاف أزياء النجوم مع
الفترة
الزمنية التي يفترض أن العمل يدور خلالها، فمثلاً ثمة فنانات يضعن رموشاً
اصطناعية
وشعراً مستعاراً، وهذا ما لا يتناسب مع تلك الفترة».
تضيف البشلاوي: «يتوقف اختيار الملابس والأكسسوارات على طبيعة العمل،
سواء كان
تاريخياً أو استعراضياً أو غيرهما، وعلى الطبقة الاجتماعية التي تنتمي
إليها
الشخصية، وهذا ما نتمنى على مصممي الأزياء والمخرجين، بالمشاركة مع النجوم،
الالتزام به لدعم مصداقية العمل الفني».
مبالغة في الأزياء
أما الناقد د. رفيق الصبان فيرى أن المخرج هو الذي يحدّد الأزياء التي
سيظهر
فيها الممثلون في العمل الفني، وعلى المصمم تنفيذ وجهة نظر المخرج، لكن
للأسف نجد
أن الممثل، في أعمال كثيرة، يفرض وجهة نظره في الملابس على المخرج والمصمّم.
في السياق نفسه، يعلّق المخرج داود عبد السيد: «لا أشاهد الأعمال
الفنية كافة
لذلك يصعب عليّ الحكم على أزياء النجمات. عموماً تتحدد الأزياء، حسب العمل،
وبناء
على اختيار الـ «ستايلست» للملابس بما يتوافق وصفات الشخصية والعصر الذي
تنتمي
إليه».
يضيف عبد السيّد: «في النهاية قرار الأزياء يكون للمخرج
والـ «ستايلست» معاً
ولا ينفرد به أحد، ولا يفرض أحدهما سيطرته على الآخر، وعلى الممثلة
الالتزام به
والاقتناع بأن الأزياء التي تم اختيارها ستحقق نجاح الفيلم،
ولا يحق لها الاعتراض
لأن العمل في النهاية هو رؤية مخرج».
يوضح عبد السيد أن مصمم الأزياء يؤدي دوراً مهماً في نجاح الفيلم، إذ
يقع على
عاتقه إظهار تطور الشخصية في مراحلها المختلفة، ويصفه بالجندي المجهول الذي
يقف خلف
الكاميرا ويساهم في تشكيل الصورة الأجمل التي يسعى إليها أي عمل درامي.
الجريدة الكويتية في
22/04/2011
موجة الواقعيّة الجديدة... 30 سنة
محمد بدر الدين
نستكمل، في مقال ثانٍ، الحديث عن «كوكبة الثمانية: المسار والمصير»،
وهم
المخرجون الثمانية، الذين قادوا حركة تجديد السينما المصرية منذ بدايات
الثمانينيات
الماضية والتي عُرفت بـ «سينما الثمانينيات»، أو موجة «الواقعية الجديدة»
وغيرها من
تسميات (يمرّ على مولدها هذا العام 30 عاماً).
كان لكل مخرج فنان من هؤلاء شخصيّته الفنية السينمائية الجمالية
المستقلة، عالمه
الفني الخاص، لكن من دون أدنى تعارض مع وجود مشتركات تجمعهم وقسمات عامة
وقواسم
ومكوّنات تربط بين عالم كل منهم.
كانت كاميرا كل واحد منهم «قلماً» يعبّرون به بإخلاص عن آرائهم
وأحاسيسهم، إذا
استعرنا شعار «الموجة الجديدة» في السينما الفرنسية في الستينيات الماضية
«الكاميرا
ـ القلم»، أي أن الكاميرا في يد المخرج السينمائي مثل القلم في يد الكاتب
والريشة
في يد الرسام: تعبير وإبداع فردي حرّ وخاص عن رؤية الفنان. معادل الأديب أو
الرسام
أو الموسيقي في فن السينما هو المخرج، فهو «فنان الفيلم»، حتى إن لم يكتبه
بنفسه.
في هذا المقام، رأينا حالات كتب فيها المخرج أفلامه مثل: داود عبد
السيد الذي
كتب بتمكّن معظم أفلامه بنفسه، ورأفت الميهي، كاتب السيناريو أصلاً، الذي
كتب
أفلامه كافة...
ورأينا حالات أخرى مثل عاطف الطيّب الذي كتب له بشير الديك «سواق
الأتوبيس»
ووحيد حامد «البريء»، وهما من أحسن أفلامه، وقد عبرا عن موقف الطيب ذاته،
فليس
شرطاً، كي يعبر الفيلم عن رؤية مخرجه، أن يكتبه الأخير بنفسه.
كذلك كانت كاميرا، كوكبة الثمانية، طليقة وشغوفة تجوب الشوارع وتتأمل
الناس،
خصوصاً البسطاء، وتقترب منهم في حميمية وحنو وتفهّم جميل عميق، فشكّل
التصوير
الخارجي قاسماً مشتركاً في أفلامهم أيضاً، بالإضافة إلى الولع بتقديم
مؤثرات حقيقية
في شريط الصوت، فنحن نسمع «حركة الصباح»، إذا جاز التعبير، في
هذه الأفلام، من خلال
دبيب البشر الذين يستعدّون للسعي إلى الرزق، ونسمع معهم أغاني الصباح
والبرامج التي
اعتاد الراديو المصري تقديمها في تلك الفترة المبكرة، وهكذا.
كذلك نلمح، في مجمل أفلامهم، لمسات إنسانية شعرية، تتسم بها جماليات
الفيلم
وأحسب أن وصف أفلامهم بـ «الواقعية الشعرية» ربما كان أدقّ أو أكثر توفيقاً
من
وصفها بـ «الواقعية الجديدة».
ملمح آخر، هو السمة التسجيلية، التي سرت في البنية الدرامية في
أفلامهم وكان لا
مناص منها، خصوصاً في أفلام خيري بشارة وداود عبد السيد اللذين استهلا
مشوارهما
الإبداعي بإخراج أفلام تسجيلية متميزة، وحسناً فعلا بأنهما استفادا من هذه
الخبرة
التسجيلية التي أضفت على أفلامهما مذاقاً خاصاً محبباً.
أعظم ما اشترك فيه إبداع جيل حقبة الثمانينيات الذهبية، في السينما
المصرية،
الدقة في التعبير عن عصره وروحه، لأن هؤلاء المخرجين كانوا صادقين وموهوبين
حقيقيين
ومرهفين، فقدموا توثيقاً إبداعياً و{ديواناً» كاملاً نرى فيه شواغل الحياة
ودقائقها
في تلك الأيام، وأشواق الناس وأحلامهم، خصوصاً الناس العاديين
الذين يروق للبعض
وصفهم بـ «المهمشين»، ويمكن بتحريك بسيط للحروف أن نقول «المهشمين» أيضاً.
إنهم
نتاج وضحايا ومقاومين، قدر الطاقة، لعصر الانفتاح الاقتصادي (منذ 1974)
وفساده
وانحرافاته المتزايدة التي بلغت ذروة غير مسبوقة مع انفجار
ثورة 25 يناير 2011،
ولعصر عزل مصر عن أمّتها وخضوع الساسة المهين لعدو هذه الأمة، من السادات
ورجاله
إلى مبارك ورجاله.
إلى جانب هذه المشتركات والقواسم وغيرها، وبالتقاطع معها، كانت لكل من
هؤلاء
خصوصية وعالم فني يهواه ويجذبه ويدفعه قدماً.
ما تلك «الخصوصيات؟ وماذا عن بقية التعرّض لسؤال المسار والمصير
بالنسبة إلى
كوكبة الثمانينيات؟ للبحث بقية.
الجريدة الكويتية في
22/04/2011
سينما مطرزة بالبراءة
ضمن أحدث إصدارات «المؤسسة العربية للدراسات والنشر» في مجال السينما،
إصدار
للكاتب والمترجم البحريني أمين صالح حول أعمال المخرج السينمائي عباس
كيارستمي
بعنوان «سينما مطرزة بالبراءة».
يقول أمين صالح: «هذا الكتاب أيضاً لا يعتمد على التحليل النقدي
لأعمال المخرج
الإيراني المشهور عباس كيارستمي – وهي مهمّة جوهرية، أساسية،
وضرورية. لكنني لا
أحسن القيام بها – بل يركز على ترجمة الحوارات التي أجريت مع هذا المخرج
المستمدة
والمجمعة من مصادر مختلفة ومتعددة، وهي موادّ خضعت للإعداد والترتيب
والتنظيم بحيث
تقدم نظرة بانورامية شاملة (أو هكذا تطمح وتحاول) لعالم المخرج الإيراني
الفذ من
وجهة نظره الخاصة. وهي تشتمل على أنشطته الفنية، آرائه، رؤاه،
أفكاره، تأثراته،
أساليبه، خلفيته الثقافية، تعدد طاقاته الإبداعية وتنوّع اهتماماته وأنشطته
الفنية
والأدبية، شعريته الطاغية، المحيط المحلي الذي يتحرك فيه ويسبره بعين
نافذة، فضلاً
عن الأبعاد الثقافية، والاجتماعية والسياسية التي تشكل ركائز أساسية في
تجربته
الإبداعية.
إضافة الى الحوارات، يحتوي الكتاب على استعراض لأفلام المخرج، مع
ترجمة لبعض
المقالات اللافتة التي كتبها نقاد بارزون، أرى أنها تسلط ضوءاً مهماً على
جوانب
مختلفة ومفيدة من التجربة السينمائية لكيارستمي الذي يعد واحداً من أهم
المخرجين
وأبرزهم في السينما العالمية المعاصرة، ويقرَ العديد من النقاد بنبوغ
كيارستمي
وعظمته كسينمائي متميز استطاع بفضل إبداعاته – مع إبداعات
سينمائيين إيرانيين لا
يقلّون أهمية – أن يضع الفيلم الإيراني على خارطة السينما العالمية، وأن
يجعل من
حضوره حدثاً ثقافياً مهماً».
الجريدة الكويتية في
22/04/2011
براءة التحديقة الأولى
قيس الزبيدي
في عام 1983 كان ثيو انجيلوبولوس يقيم في روما في المبنى ذاته مع
اندريه تاركوفسكي، الذي كان وقتئذ يصور فيلمه «نوستالجيا ـ حنين». وذات
مرّة تجادلا طويلاً حول أصل كلمة «حنين»، واعتقد اندريه أن أصل الكلمة
روسي، لكن ثيو شرح له أن الكلمة «nostos»
أصلها يوناني، وتعني العودة إلى الوطن. واعتذر اندريه قائلاً «لم أكن أعرف
أنها يونانية، بل ظننتها روسية، فـ«نوستالجيا» هي، على نحو عميق جداً، جزء
من حالة النفس والروح الروسية، إلى حد أني أشعر بأن من اخترع الكلمة هم
نحن.. الروس».
كانت السينما السياسية في الستينات تفرض حضورها وكان للتغريب البريشتي
تأثيره الواسع: فقد أظهر بريشت الوسيلة، ليس فقط لتحقيق أفلام بيانات
سياسية، لكن لتحقيقها سياسياً. وأصبح التأثير «البريشتي»، الذي كان جزءاً
متمماً لرؤية انجيلوبولوس الشخصية منذ إقامته في باريس، واضحاً وصريحاً في
أفلامه «كان عليّ أن أستخدم صيغ بريشت لتحقيق فيلم سياسي على الرغم من
الرقابة المشددة. النتيجة كانت نوعاً مختلفاً من اللغة السينمائية، من
المفهوم الجمالي، من الحديث بطريقة ملتوية غير مباشرة، التي قد تبدو، في
البداية، مُلغزة لكنها مع ذلك لا تستعصي على الفهم».
وعبر المظهر السياسي الصريح ذاته، سعى انجيلوبولوس وتحت تأثير ماركس
وفرويد أيضاً، إلى سبر الأوضاع الاجتماعية والسياسية عبر تناوله لتلك
الفترات التاريخية المهمة التي مرّت بها بلاده اليونان.
في فيلم «الإسكندر الأعظم» وهو تأمل فلسفي ـ سياسي في مسألة السلطة
ومعضلاتها «حاولت أن أصور مناضلاً من أجل الحرية ما ان يصل إلى السلطة حتى
يتحول إلى طاغية مستبد. لم أكن أشير إلى مثال أو نموذج محدد، بل إلى خطر
الفساد الذي يواجه كل شخص في السلطة».
أما بالنسبة إلى التأثير السينمائي وابتكار «ميزانسين» مكانه الخاص من
لقطات كانت غالباً تستغرق 10 دقائق تقريبا، فيعترف ثيو بأنه مستنبط من
أفلام أورسون ويلز، وبالتحديد من استخدامه اللقطة الطويلة وعمق المجال
البؤري والمونتاج الداخلي، ومن توظيف تلك العلاقة المتزامنة بين الزمان
والمكان،
وكما يقول الناقد وولفرام شوت كان: «وسط المخرج الشعري هو الزمن، الذي
يتيح للمتفرج أن يخلق صوره الخاصة مما يعرض على الشاشة،أريد من أفلامي أن
تعطي المتفرج الإحساس بكونه ذكياً ومتقد الذهن، أن تساعده على فهم وجوده
الخاص، أن تمنحه الأمل بمستقبل أفضل، أن تعلّمه كيف يحلم ثانية».
ويبدو من الكتاب، الذي ترجمه بسلاسة الناقد البحريني المعروف أمين
صالح وأعده بغنى لافت للنظر، ان المخرج اليوناني انشغل في اغلب أفلامه، كما
فعل المخرج الروسي نفسه، بتناول موضوعات ذات الصلة بالبحث عن الوطن، وعالج
فيها موضوعات فكرية وفلسفية عميقة تتصل بالحياة والموت، الذاكرة والندم،
التاريخ والهوية، الفن والغربة. ولعل أفكاره العميقة وأساليبه الخاصة،
جعلته ينتمي إلى كوكبة أولئك المخرجين«الصعبين»، ذوي الرؤى والأساليب التي
لا تتوافق مع الذوق العام السائد. ويدعونا المخرج اليوناني الكبير أخيراً
إلى ألا ننسى أن بعض الأفلام التي تكون ناجحة تجارياً بشكل ساحق، سرعان ما
تتعرّض للنسيان، بينما تترك أفلام أخرى، لا يشاهدها إلا جمهور قليل، بصمتها
على تاريخ السينما.
alzubaidi0@gmail.com
الإمارات اليوم
في
22/04/2011 |