لما جمعت السينما بين الفن والصناعة بدت عميقة
التفاعل مع ما يطرأ من الاختراعات فتطورت من عرض الصور الصامتة إلى إدراج
الصوت ومن
الأبيض والأسود إلى اعتماد الألوان ومن اعتماد الشريط المغناطيسي إلى
اعتماد
الفيديو ثم غزتها المحامل الرقميّة, ولم تقتصر التحولات على
التقنيات وإنما شملت
المفاهيم والأجناس والتصورات الجماليّة في آن.
°
فيديو الجيب: قدرة فائقة على استباق
الحدث
وتصوير أخطر اللحظات (حرق محمد البوعزيزي
لنفسه، دهس سيارات الأمن
لمتظاهرين مصريين،
تدمير نصب الكتاب الأخضر في
بنغازي)
ولهذه التحولات وطأتها على كيفيّة ضبط الفيلم
لفاعليات فرجته وفتحوّل المتفرّج من متابع سلبيّ "يشاهد حدثا ما أو جريان
حركة
ويستغرق في تأملها بحيث يكون شاهد عيان"1 إلى المتفرّج المتفاعل الذي يحلّ
في
المركز من العمليّة الإبداعية بل أضحى يشارك فيها مشاركة
فعليّة في ما بات يعرف
بالسينما التفاعليّة بدءا من اختيار الفرجة فينتخب ما يشاهد من بين عشرات
الأفلام
المتاحة إلى التدخل بإضافة المؤثرات أو التعليقات التي تمثل خارطة فرجة
وسار تأويل
إلى النشر والإذاعة بين جمهور المتواصلين عبر هذه المواقع 2. ولئن ظل هذا
النمط
التفاعلي حبيس السينما التخييليّة فإن ظهور مواقع التواصل
الاجتماعي دفع بالفيديو
الوثائقي إلى نمط من التقبّل التفاعلي فواكب الثورات السياسيّة من تونس إلى
مصر إلى
ليبيا وعمل المتفرّجون على تبادلها والتعليق عليها والتّدخل فيها أحيانا
أخرى
بزيادة مشاهد أو الحذف أخرى فتجاوزت وظيفتها الإخباريّة إلى
التعبير عن الرأي
وإبداء الموقف النقدي من الفيلم نفسه. وأحلّه ضمن سينما الجيب.
فيديو الجيب فيلما
وثائقيّا
سينما الجيب (Cinéma de poche)
اصطلاح جديد وافد
على ساحة النقد السينمائي يخصّ تلك الفيديوهات التي يتم تصويرها من قبل
الشباب
الهواة غالبا بالحوامل الرقميّة البسيطة المتاحة لهم كالهواتف الجوّالة أو
المصورات
الرقميّة بغاية توثيق لحظة حميمة. لقد أضحت هذه السينما تغزو،
على أيامنا،
الفضائيات وتدير إليها رقاب ملايين الجماهير في كامل أنحاء المعمورة بما
ترصد من
حراك الشارع الثائر في البلدان العربيّة فتفرض على النقد تصنيفها ضمن
الأفلام
الوثائقيّة. وتكسب شرعيّة الانتماء هذا من قدرتها الفائقة على
توثيق الحقيقة وعلى
استباق الحدث بحيث تكون في اللحظة وفي المكان المناسبين لترصد اندلاع
احتجاج في
إقليم من الأقاليم أو سقوط متظاهر إثر طلق ناري أو دوسا تحت عجلات سيارة
قوات أمن
ترعب بدل توفر الأمن.
°
فيديو الجيب: قدرة فائقة على استباق الحدث وتصوير أخطر
اللحظات (حرق محمد البوعزيزي لنفسه، دهس سيارات الأمن
لمتظاهرين مصريين، تدمير نصب
الكتاب الأخضر في بنغازي)
وما يكسب هذا الانتماء شرعيّته اشتمال هذه الأفلام على
خصائص فنيّة مميّزة إذ تتم دون إعداد مسبق أو سيناريوهات جاهزة ما قبليّا
وفق بناء
نمطيّ مما يمنحه قدرا كبيرا من العفويّة والتلقائيّة ويدرجها ضمن نمط
الدّراسة
الوثائقيّة
(L’essai documentaire)
التي تسعى إلى التقاط وجوه من الحقيقة متجاهلة
وجود الكاميرا بغاية تحقيق عرض يضمن قدرا وافرا من واقعيّة الأحداث
وتلقائيتها.
وغالبا ما تصاحب هذه الأفلام بصوت من خارج
الإطار ليشرح المشهد أو يعلّق عليه حتى
ينزّله ضمن سياقه الاجتماعي والتاريخي وظروف تصويره. وتنزع هذه
الأفلام إلى الزهد
في المونتاج. ولما كانت تلتقط بواسطة كاميرا خفيفة محمولة أمكنها أن تلاحق
الحدث في
فضاءاته المختلفة ضمن لقطات متوالية (Des plan- séquences).
كما تميل إلى الأنماط
الوجيزة فلا تتجاوز غالبا الدقيقتين أو الثلاث مما يمنحها تكثيفا دلاليّا
كبيرا.
وثائقي الجيب: من الممتع إلى
المفيد
السينما خطاب جماليّ أساسا قوامه اعتماد طاقات الصورة
التشكيليّة والتعبيريّة لتجسيد الفكرة وإبداء الرأي وكثيرا ما تكون هذه
المقاربة
الجماليّة أهم من الفكرة نفسها، يقول ريجيس ديبراي "أما جواب عصر الشاشة
فهو عدم
الثقة أبدا في الأفكار وما همّ المنهج والمسطرة والبركار.
المهم هو أن تكون الصور
جيّدة أن صور ما تكون أكثر قابليّة للتصديق من وجه معين وشريط فيديو جيّد
أكثر من
خطاب بليغ"3. غير أنّ وثائقيات الجيب هذه كسرت القواعد السائدة جذريّا
فتدفعت بالهم
الجماليّ إلى الخلف وهمشته فلم تعوّل على خبراء الإضاءة ولم تحفل بتكوين
الصورة ولا
بطريقة تأطيرها فلم تكن تقسمها إلى قطاعات بين واجهة وخلفيّة وقطاع أوسط
ولم توظف
تقنيّة عمق المجال ولم تأبه بقاعدة الأثلاث الثلاثة ولم تتحاشى
الأخطاء التقنيّة
البدائيّة كالقفز على المحور (saut d’axe)
أو حركيّة الكاميرا أثناء التصوير هذا
فضلا عن اعتمادها أجهزة هاوية تحدّ من جودة الصورة. ومقابل تهميش الجمالي
استمدت
هذه الأفلام قيمتها من عظمة اللحظة التي توثقها ومدارها على شعوب تهب لتخلع
حكاما
فاسدين ولتتحرر من الدكتاتوريّة في زمن تراجعت فيه الحريات
عالميّا بسبب ما تسميه
أمريكا بحربها على الإرهاب وانحسرت الثورات بعد أن أضحى النظام العالمي
أحادي القطب
واستتب الأمر لليبراليّة متوحّشة في الغرب تنحرف أكثر نحو اليمين وجمهوريات
في
العالم العربي تتخذ من التوريث بديلا عن التداول السلمي على
السلطة. وتعدّ الوظيفة
التأثيريّة التحريضيّة إحدى مصادر هذه القيمة. فقد اتخذت شعوب تونس ومصر
وليبيا من
مواقع التواصل الاجتماعي بديلا إعلاميّا يكسر الطوق الذي ضربته حكوماتهم
على
المعلومة. ويمنح عزلتهم القسريّة خلف شاشات الحواسيب روح
المجموعة ذات اللغة
المشتركة والأهداف ذاتها بما حوّل وهن الفرقة إلى الشعور المتعاظم بقدرة
الاتحاد
على تغيير المصير الجماعيّ.
لقد
مثلت مواقع التواصل وسائط تقنيّة لنشر هذه السينما فأنشأت معها تفاعلا
مخصبا كسر عن
العالم الافتراضي عزلته وجرّد الحكام الدكتاتوريين من استئثارهم بوسائل
الاتصال ومن
تحكّمهم في مصائر الشعوب كما أفقد المقولات التي تؤبد خنوع
العرب واختزالهم في
ظواهر لغويّة أرضيتها الصلبة أما على المستوى الجمالي فقد قلب الموازين
فدفع
بالمضمون إلى الواجهة مقارنة بالمقاربات الشكليّة التي هيمنت على تقبل
السينما لزمن
طويل. فنسف ما ارتقى حتى الأمس القريب إلى مصاف المصادرات التي تنظر بعين
الريبة
إلى هذه المواقع وإلى وسائط الاتصال عامّة فقد دأبت الفلسفة
المعاصرة على التنبيه
إلى مخاطر الوسائط الحديثة إذ "تمثل وسائل الاتصال مصدر انعزال" ويجد علماء
الاجتماع "4 مجتمع الانترنت حيث يتحدث كل إلى الآخر عبر حاسوب متصل، غير
مؤنس ومن
مؤثرات هذه الوضعيّة تحريف الحياة وتوليد ضرب من العزلة كان مجهولا إلى
الأمس" 5
وتتحول إلى ملاذ لمراهقين لفظتهم عزلة الحياة المعاصرة وزجت بهم في المنازل
لــ"
يتوجهوا فطريّا تقريبا إلى الانترنت وإلى منتديات النقاش والحوار حيث
يتبادلون
الرسائل" 6 ومن هنا كان تحميلها مسؤولية تعميق استلاب الإنسان واتهامها
بتمييع
الشباب وهدر طاقاته في تسليّة مشبوهة توفّر للاستخبارات
الأمريكيّة والإسرائيلية
قواعد بيانات واسعة عن المجتمعات العربيّة وتتيح لهم تجنيد الجواسيس بكل
يسر.
الهوامش:
1 .Catherine Guéneau, Du spectateur à
l’interacteur ?, in Médiamorphoses - 2006 - n.18, P68
2 .تحاول
الباحثة كاترين قينو(Catherine Guéneau)
أن تعيد التفكير
في مفهوم المتفرج في ضوء ما ترسّخ من محامل رقميّة جديدة شأن ألعاب الفيديو
والأقراص المضغوطة (CD ROM)
ومواقع الاتصال الاجتماعيّة في الإنترنات فترصد نزعتها
إلى الدّفع به باستمرار من هامش العمليّة الإبداعيّة إلى
المشاركة الفاعلة فيها.
فهو من يختار موقع الإبحار ومن يختار اللقطة ليعاود مشاهدتها أو إرسالها
إلى
أصدقائه دونا عن عامة الفيلم بما يشبه الأبيات الشوارد من القصيدة. وهو من
يختار
طبيعة اللّعبة و درجة صلابة المنافس والخلفيات والديكورات في
ألعاب الفيديو التي
تأخذه إلى عالم المغامرات المتخيّل. وهذا ما أدى إلى نشأة نمط جديد من
الأفلام
التفاعليّة التي يتولى المتفرّج فيها الضغط على نواحي من الصورة ليشاهد
أحداثا
معينة أو يستمع إلى مؤثرات صوتيّة محدّدة تنتخب من بين قائمة
من الاحتمالات. ورغم
أن هذه الأفلام لا بتدو مؤهلة حاليّا للعرض في القاعات فإنها تبشّر بمتفرّج
لا
يساهم في فهم الأحداث فحسب وإنما في كتابة سيناريو الحكاية وإخراجها من
خلال تحديد
مسار نموّها وتشكيل أحداثها. وتورد الباحثة ما تقترحه قناة arte
على موقعها
الالكتروني من هذه الأفلام التفاعليّة نموذجا لذلك ولنا أن نضيف ما يورد
على أيامنا
في مواقع المؤسسات الاقتصادية من مسابقات تستدعي من المتفرّج التوليف، من
خلال عمل
المونتاج، بين لقطات مقترحة لابتكار عمل إشهاري لمنتوج بعينه لكزيد من
التوسع أنظر Catherine Guéneau, Du spectateur à l’interacteur ?
3
ريجيس ديبراي، حياة
الصورة وموتها، ترجمة فريد الزاهي ، نشر إفريقيا الشرق 2002، ص ص 289-290.
4. Horkheimer et Adorno, La dialectique de la raison, Gallimard, 1983
P 36
5 Thérèse Nehr, L'âge de la maturité: essai, Editions L'harmattan,
Paris 2002, P 77.
6 Françoise de Panafieu, La solitude, pourquoi ?, les éditions de
l’atelier, Paris 2006, P 98.
الجزيرة الوثائقية في
13/04/2011
"أيام الوثائقي" في تونس
تظاهرة
جديدة تتحسس طريقها بعد ثورة الياسمين
مبروكة خذير- تونس
بدت قاعة سينما "أفريكا آرت" وسط تونس العاصمة
خالية إلا من مخرجين شبان وتونسيين يهتمون بشؤون الوثائقي،
جاؤوا لمواكبة النواة
الأولى من "أيام الوثائقي".أما جمهور السينما الذين تعودنا متابعته لمثل
هذه
التظاهرات فهو منشغل بما بعد ثورة 14 يناير التي أطاحت بالرئيس المخلوع زين
العابدين بن علي
.
"أيام
الوثائقي" عنوان تظاهرة سينمائية جديدة نظمها المخرج
التونسي هشام بن عمار من 9 إلى 11 أبريل الجاري. تظاهرة تطمح
لزرع ثقافة الانتاج
الوثائقي و التركيز على هذا النوع من الفن لما له من قيمة كبيرة تنقل
واقع
المجتمعات و ترصد تفاصيل حياة الناس .
لم يبد على المخرج التونسي هشام بن عمار
باعث هذه الأيام أي انزعاج من خواء القاعة وقلة المتابعين ل"أيام
الوثائقي" فهو
يدرك أن الوضع الأمني في تونس مازال يعيق عشاق الفن من العودة إلى القاعات
و متابعة
الجديد. لذلك أراد بن عمار أن تكون هذه المبادرة بمثابة ضخ
الروح في المشهد الثقافي
وعودة التونسي لقاعات السينما.
صراع الديني
و العلماني في "ايام الوثائقي"
تضمن برنامج "أيام الوثائقي"
عرض مجموعة من الأفلام الوثائقية حيث كانت الانطلاقة يوم 9 أبريل الجاري
بتقديم
فيلم " ظلال" و هو من إخراج مصطفى الحسناوي وماريان خوري. يتحدث الفيلم عن
رجال و
نساء أوصلتهم محن و هموم غير بعيدة عن الواقع المعيش إلى عوالم المستشفيات
النفسية
بالقاهرة. مرضى نفسيين بدوا كأنهم امتداد لحالة من الجنون
القائمة داخل المجتمع
المصري.
بالتوازي مع ذلك نال فيلم المخرجة كوثر بن هنية "الأئمة في المدرسة
"
إعجاب المشاهدين الذين رأوا في موضوع الفيلم طرافة غير معهودة وجرأة
تتوافق مع
متطورات الوضع في العديد من المدن العربية التي شهدت و تشهد ثوراتها من اجل
التحرر
والكرامة.
ويتطرق فيلم "الأئمة في المدرسة " لحكاية أئمة في
الجامع الكبير بباريس يتدربون ويتشبثون بالعلمانية وفقا لسياسة
تحديث الإسلام التي
تكرسها السلط العمومية في فرنسا .
أما المخرج اللبناني هادي زكاك فقد قدم "درس
في التاريخ" و هو فيلم تنطلق الحكاية فيه من طريقة تدريس مادة التاريخ
لمراهقين
يستعدون لنيل شهادة الإعدادية في خمس مدارس، في بيروت تنتمي إلى طوائف
مختلفة ،
لعرض رؤية حول قضايا الهوية و التاريخ و الحرب الأهلية .
و تواصلت عروض أفلام
أيام الوثائقي من فيلم "تقوى –كور" للمخرج عمر مجيد والذي قدم ظاهرة جديدة
لشباب
مسلمين أمريكيين يجمعون بين ثقافة البانك المعروفة بتمردها وثورتها وورعهم
الديني
من جهة ثانية
.
الأكاديمي الإسلامي المصري الراحل المثير للجدل كان هو الآخر
حلقة من حلقات الأفلام المعروضة في "أيام الوثائقي" إذ قدم
محمد علي الاتاسي اثنين
و ثمانين دقيقة عن حياة هذا الأكاديمي وصورا ما كان يتعرض له هذا المفكر من
تهديدات
بالقتل من الجماعات الإسلامية المتشددة مما اضطره إلى الرحيل مع زوجته عن
مصر إلى
هولندا .
ولعل المتأمل في مواضيع الأفلام الخمسة المعروضة في "أيام الوثائقي"
يدرك سريعا أن حلقة الوصل بينها هي الصراع بين الدين والعلمانية وهو إلى حد
ما يميز
الساحة السياسية والإيديولوجية في تونس.و من هنا كان سؤال الجزيرة
الوثائقية للمخرج
التونسي هشام بن عمار باعث هذه التظاهرة عن مدى اعتباطية الاختيارات
للأفلام
المعروضة فأجاب :"ليس هناك من شيء بريء او اعتباطي، الأكيد أن
هذه الاختيارات موجهة
ومدروسة بل هي امتداد لما تعيشه تونس حاليا من صراع بين الفكر الديني
والفكر
العلماني" وأضاف قائلا "أردنا من خلال هذه الأفلام استفزازا ايجابيا للعقول
وعرضا
لتجارب مختلفة يمكن أن نستأنس بها حتى يتسنى لنا مناقشة الأشياء في الاتجاه
الصحيح
وأخذ العبرة من ثقافات وأسس تربوية مختلفة."
و لم يفوت هشام بن عمار في هذا
السياق فرصة للتعبير عن استنكاره لما تعرض له المخرج التونسي النوري بوزيد
من
اعتداء بآلة حادة قد يكون له علاقة بالصراع بين ما هو ديني وعلماني بمعنى
إن: "هذه
الأفلام التي تتوحد في موضوع واحد هو الصراع بين الديني و العلماني، قد
يكون لها
امتداد حتى في الواقع اليومي المعيش و بالتالي يجب الخوض فيها
والاطلاع على تجارب
الآخرين بشانها" على حد تعبير هشام بن عمار
.
قافلة
الوثائقي تجوب البلاد التونسية
اختارت الدورة
الأولى من" أيام الوثائقي" تكريم المخرج التونسي مصطفي الحسناوي الذي
وافاه الأجل
يوم 15 يناير الفارط وذلك بحضور ابنته هند الحسناوي وقد كان فيلم "ظلال"
لمصطفى
حسناوي و مريان الخوري فاتحة ايام الوثائقي. كما ستكون هذه التظاهرة
مناسبة لإعلان
إحداث مهرجان سنوي تحت عنوان " قوافل وثائقية" الذي ينطلق خلال شهر اكتوبر
القادم
وسيجمع ثلة من المخرجين المستقلين سيعملون على مزيد التعريف بمكانة الفيلم
الوثائقي
في محيطه المتوسطي و العربي.
يضيف هشام بن عمار مدير "أيام الوثائقي " في
دورتها الأولى متحدثا للجزيرة الوثائقية :" أردنا من خلال هذا اللقاء الأول
بالمخرجين الشبان والمحترفين صياغة توجه ديمقراطي جديد للفيلم الوثائقي.
نريد جمع
السينمائيين حول فكرة القوافل الوثائقية التي تجوب البلاد وتصل الى داخل
الجمهورية
التونسية . فالسينما الوثائقية هي علاقة وثيقة بالواقع وفي
داخل البلاد وقائع كثيرة
يجب ان نسلط عليها الكاميرا قبل الثورة التونسية. فيما مضى لم نقم بواجبنا
كما
ينبغي أما الآن فنحن نملك كل آليات الإبداع في مجال الوثائقي".
"أيام
الوثائقي"
في دورتها الأولى الفقيرة إلى محبي الوثائقي والسينما الذين يغو صون اليوم
في امور
سياسية حياتية بدت هزيلة من حيث عدد الافلام المعروضة التي لم تتعد خمسة
افلام لكن
مديرها هشام بن عمار طموح الى ان تصبح مع الزمن مهرجانا
وثائقيا لانه يؤمن ان
المستقبل في المجال السمعي البصري هو مستقبل الوثائقي سيما في تونس بعد ان
زالت كل
عراقيل الابداع و رفعت الرقابة عن المخرجين .
الجزيرة الوثائقية في
13/04/2011
مهرجان الفيلم الوثائقي العراقي
بشير الماجد - بغداد
منذ .... ما بعد نيسان 2003 اقيمت في العراق عدة
مهرجانات ، لم يتسنى لاحدها ان يقيم دورته الثانية ، لظروف تتعلق بالدعم
مرّة ،
ومرات أخر بالوضع الأمني أو الوضع الثقافي بشكل عام. ولم يولد في العراق
أي مهرجان
سينمائي بشكل صحي قابل للحياة ، لا للفيلم العراقي او العربي والدولي، إلا
مهرجان "يتيم"
إقامته دائرة السينما والمسرح، سمي بمهرجان "دول الجوار" ولا اعرف لماذا “دول الجوار “ .. هل كان المهرجان مجاملة
سياسية لتلك الدول .. أم هناك مغزى اخر،
بينما كان حريا بدائرة السينما والمسرح أن تقيم مهرجان للفيلم
العراقي ، الذي يؤكد
حظوره عبر مهرجانات عربية وعالمية عديدة
.
وكان آخر مهرجان في بغداد “ مهرجان
الفيلم الوثائقي “ الذي اقيم في بغداد ليومي “ 2-3 نيسان” الجاري، وأرى أن
هذا
المهرجان اختلف عمن سبقه، في حيثيات بنائه. فهو "المهرجان" “بالألف ولام
التعريف”
آت من رحم “ كلية السينما والتلفزيون
المستقلة،
التي تأسست في
بغداد في 2004 بعد عودة كل من المخرج العراقي قاسم عبد والمخرجة ميسون
باججي من
خارج العراق. وقد حظيت المؤسسة بإقبال كبير، كونها غير حكومية وغير ربحية،
إلا أن
الكلية لم تقبل الا عددا محدود من الطلبة بعد اجتياز
الاختبار. لم يخل عمل الكلية
من مصاعب جمة تبعا للوضع المتأزم في بعد الحرب، كان آخرها اختطاف شقيق
المخرج "قاسم
عبد" وقتله، مما اضطر الاخير لايقاف عمل الكلية والعودة الى لندن ، لكنه
أكمل
مشاريع دورة طلابه الأولى في مرحلة مونتاج مشاريعهم في دمشق، ثم استأنفت
الكلية
عملها في 2007 ، لينجز الطلاب 16 فيلما وثائقيا هي نتاج
دورتين أعلن عنهما في
مهرجان خاص بها "مهرجان الفيلم الوثائقي"
.
أفلام المهرجان سبق وان شاهدنا بعضها في مهرجان
الخليج السينمائي في دورته الاولى 2008 والتي حصل فيها فيلم "الرحيل "
للمخرج
بهرام لزهيري على الجائزة الاولى لافلام الطلبة الوثائقية، وفيلم "شمعة
لمقهى
الشابندر" للمخرج “ عماد علي “ على الجائزة الثالثة لنفس الفئة
.
شهد اليوم
الأول للمهرجان – الذي أقيم على الصالة الكبرى في نادي العلوية – عرض 10
أفلام
واختتم المهرجان بفيلم “ مدرسة بغداد للسينما “ للمخرجة الهولندية “ شوشان
تان
“
الذي أنجزته عن المدرسة وظروف تأسيسها ومتابعة أعمالها . ثم تلى ذلك
مناقشة الافلام
مع المخرجين .
يمكن القول إن هذا المهرجان هو نتاج حراك فيلمي
اسسته مدرسة قاسم عبد ، وميسون باججي التي تخرج منها عشرات الطلبة، الذين
أنجزوا
عشرات الأفلام التي وجدت طريقها الى مهرجانات عربية ودولية حصد البعض منها
على
جوائز مهمة
.
وما يميز هذا المهرجان عمن سبقه، أن جميع أفلامه من منشأ واحد،
وليس كل فيلم لشخص أو شركة أو مؤسسة ، فانتاج “ 16 “ فيلما
وثائقيا بين طويل وقصير،
ومن مدرسة واحدة، لا يضاهي ذلك الا كليات الفنون الرسمية، والتي لديها من
الكوادر
التدريسية ما يفوق عشرات المرات كادر هذه المدرسة الذي اقتصر على اثنين
فقط. وكانت
الافلام تحمل مضامين انسانية مهمة من واقع العراق الذي تعرض
لهزات كبيرة ألقت
بظلالها على طبيعة عيش الفرد العراقي، واستخدام أساليب جديدة في طرح
القضايا
المهمة، هي نتاج دراسة الطلبة في هذة المدرسة التي فتحت منافذ جديدة لأحلام
المخرجين الشباب من جهة ، وحصولهم على كيان متخصص في الفيلم
الوثائقي، من جهة أخرى،
والذي بدأت ملامح صيرورته الحديثة تنطلق في العراق سيما بعد الاحداث التي
تلت نيسان 2003 –
وبعد هذا الانجاز المحفوف بالمخاطر والذي
زينه
الاصرار ، يمكن القول ان مدرسة “قاسم عبد ، وميسون باججي قد نجحت فلطالما
كان
سعيهم هو ترميم بيت الثقافة الداخلي ، الذي تعد السينما
العراقية إحدى حقوله ،
والأهم في هذا كله ، ان المدرسة مستقلة وكذلك أفلام طلبتها ، برغم
التجاذبات
السياسية والعنف الذي عصف بالعباد والبلاد لسنوات مضت، كان من يحمل فيها
كاميرا في
شارع، كأنه يصوب بفوهة مدفع، وقد نجح المهرجان في استقطاب أكبر
عدد من الجمهور
شهدته صالة لعرض الافلام
.
لكن رغم هذا النجاح إلا أن افتتاح المهرجان شهد عدة
كلمات القاها اشخاص قد لا يمتون للموضوع بصلة ومنهم سياسيون، حاولوا أن
يمتطوا نجاح
المهرجان والتجربة التي وثقت الكثير من العناء من صانعيها.
إذا قدّر لهذه
التجربة الاستمرار فسينشأ جيل من المخرجين الشباب يعلمون ماذا يصنعون،
وسيكون لهم
شأن في مستقبل الفيلم الوثائقي العراقي.
الجزيرة الوثائقية في
13/04/2011 |