ثلاث قارات. مدن تبدو في حضارة اليوم وكأنها علامات. أحداث وشخصيات يبدو
للوهلة
الأولى وكأن لا جامع بينها. وقائع مستقاة من المجرى الراهن
للتاريخ الحقيقي. أفلا
يخيل للمرء هنا اننا انما نمهد للحديث عن فيلم مثل «بابل» للمكسيكي
اليخاندرو
ايتناريتو؟ مَن شاهد «بابل» وقرأ عنه، سيبدو له هذا منطقياً. ومع هذا نحن
نتحدث هنا
عن الفيلم الجديد لمخرج لا علاقة لسينماه، عادة، بسينما ايناريتو. نتحدث عن
«الماوراء»،
أحدث أفلام كلينت ايستوود وهو، بالتحديد، فيلم لا يكون في وسع المرء
أول الأمر تخيُّل انه ينتمي الى سينما ايستوود. غير ان هذا الانطباع الأولي
سرعان
ما يختفي بعد التفاعل التدريجي مع الفيلم والتقاط بعض سماته
الأساسية، ولا سيما
منها السمتان الأكثر قدرة على الطغيان التدريجي على مجرى الفيلم: الموت
والطفولة.
وقبل الحديث عن هذا، لا بد من الإشارة بشكل مباشر الى انه يصعب حقاً اعتبار
«الماوراء»
فيلماً كبيراً من أفلام ايستوود. ذلك انه لن يكون عدلاً لأفلام
ايستوودية مثل «طفلة المليون دولار» و «نهر المستيك» و «غران تورينو» -
ناهيك
بالثنائي «رايات آبائنا» و «رسائل من أيوجيما» -، أن نضع «الماوراء»
في مستوى واحد
معها، من حيث النتيجة، وبشكل أكثر تحديداً من حيث النهاية المفتعلة للفيلم،
والتي
تحوله الى عمل ميلودرامي، هو الذي كان يعصى أول الأمر على أي تصنيف. إذ،
حتى ما
يوحي به عنوانه من غرائبية، لن يكون واضحاً طالماً أن «المشاهد» الغرائبية
فيه،
وعددها ستة مشاهد لا يتعدى مجموعها الزمني الدقيقة الواحدة،
ولا ندركها إلا من خلال
رؤية جورج (مات ديمون) بطل الفيلم، الذي يقدم الينا على أنه ذو موهبة خارقة
في
التواصل مع الموتى.
هنا، وقبل أن تختلط الأمور بين الفيلم ووصفنا له، وكي لا يخيّل الى القارئ
من
خلال هذا الوصف المتقطع، انه في ازاء فيلم تجريبي، نسارع لنقول
ان العكس هو الصحيح:
«الماوراء»
فيلم كلاسيكي. غرائبية ذهنية، ورسالته واضحة. وكيف لا يكون فيلم كهذا
مقتبساً عن سيناريو للكاتب بيتر مورغان، ارتبط اسمه أساساً بأفلام سياسية
كلاسيكية،
لعل أشهرها «الملكة» لستيفن فريرز؟
تواصل...
إذاً، لنوضح الأمور بعض الشيء: ينطلق «الماوراء» من كارثة تسونامي التي
حدثت عام
2004، ليستقر عند الصحافية الفرنسية ماري التي تكون
واحدة من ضحايا الدفق المائي
الهائل في مدينة آسيوية ساحلية. حينها وبعد موت محقق، تعود
ماري الى الحياة، وقد
خبرت تجربة الموت في رؤية مدهشة اثر مشهد ماري هذا، تنتقل الكاميرا الى لوس
انجلوس
حيث تتعرف إلى جورج، وهو عامل يريد قدر الإمكان الهرب من ممارسة موهبته في
التواصل
مع الأموات، ولا سيما من إلحاح أخيه عليه في أن يجعل تلك
الموهبة مهنة له. ثم من
المدينة الأميركية الى لندن، حيث يقتل أحد فتيين توأمين في حادث سيارة،
تاركاً أخاه
حزيناً يريد بأي ثمن أن يتواصل معه.
بداية، ليس ثمة ما يشير الى ان هذه الشخصيات الثلاث سوف تلتقي. ولكن من
الواضح
بالتدريج، ان الفيلم ينطلق منها للتفاعل مع ثلاثة من أحداث
التاريخ الراهن:
تسونامي، العمليات الإرهابية (في لندن)، والأزمة الاقتصادية العالمية (في
تأثيرها
على جورج إذ تفقده عمله). ولا يدعي «الماوراء» انه يحاول أن يحلل هذه
الأوضاع
الكونية. هو فقط ينطلق منها في بُعدها العولمي، الذي يكاد
بالنسبة الينا يبرر بدءنا
هذا المقال في الإشارة الى «بابل»، الفيلم العولمي بامتياز. بالنسبة الى
الفيلم،
تنتمي الأحداث الثلاثة معاً الى بوتقة تأثيرها المباشر على مسار الشخصيات
الرئيسة.
فكارثة تسونامي هي التي تقلب حياة ماري وتدفعها الى وضع كتاب عن «الماوراء»
بدل
كتاب كانت تعده عن فرانسوا ميتيران، ما يوصلها الى معرض الكتاب في لندن،
حيث تلتقي
أخيراً بجورج أمام ناظري الفتى ماركوس، الذي كان بدوره «يبحث» عن جورج،
بعدما تعرف
إليه عبر الانترنت، كي يوصله الى أخيه الراحل. وماركوس قبل ذلك
كان نجا من الموت في
انفجار قطار لندن، إذ تأخر عن ركوب المترو، لأن أخاه، الراحل (وكما سيخبره
لاحقاً)،
كان هو من انتزع عن رأسه القبعة المشتركة (التي لم تعد تغادر رأس لوكاس منذ
رحيل
أخيه) ليرميها فيبحث عنها لوكاس فيسير المترو وينفجر وينجو هو من الموت.
والأزمة
الاقتصادية هي التي تطرد جورج من عمله، مرسلة إياه الى لندن
«حيث يكون لقاؤه مع
لوكاس ثم مع ماري، فينتهي الفيلم تلك النهاية المفتعلة بعدما كانت وعوده
كثيرة
أولاً.
ليس مؤلفاً ولكن
هنا لا بد للمرء من أن يتساءل عمّا اجتذب كلينت ايستوود الى هذا السيناريو،
الذي
-
كما أشرنا أولاً - يصعب تصوّر انه ينتمي الى رؤاه السينمائية مهما كان
تنوعها.
وقبل محاولة الجواب عن هذا السؤال، لا بد هنا من توضيح. فكلينت ايستوود
الذي يعتبر
اليوم واحداً من ايقونات السينما الأميركية بدأبه المدهش على
تحقيق الفيلم اثر
الآخر على رغم عمره المتقدم جداً، والذي حقق خلال عقود نقلة مدهشة من تمثيل
أدوار
رعاة البقر والمفتشين الفاشيين، الى تحقيق أفلام تنتمي في معظمها الى
السياق
الإنساني، ايستوود هذا لا يمكن اعتباره مؤلفاً سينمائياً
بالمعنى الكلاسيكي للكلمة،
حيث انه لا يكتب سيناريواته بنفسه... بل انه غالباً ما لا يتدخل أي تدخل في
أي
سيناريو يحققه. غير ان هذا لم يمنع بعض أفلامه الرئيسة والكبرى من ان تحمل
مواضيع
متجانسة، بل حتى مواضيع، سرعان ما نرى في الأفلام انها مرتبطة
- أكثر مما نعتقد -
بحياة ايستوود أو نظرته الى الحياة. فالطفولة المنهكة والمغتصبة، تلعب في
بعض هذه
الأفلام دوراً رئيساً. وعلاقة الأب بالابن أو الابنة، تلعب دوراً أساسياً
أيضاً.
وجرح الماضي يلعب دوراً (وللدنو من هذا، حسْبنا هنا أن نذكّر بأفلام مثل
«طفلة
المليون دولار» و «التبديل» و «نهر المستيك» و «غران تورينو»، الذي يكاد
يختصر سيرة
ايستوود نفسه!). ويقيناً ان مشاهدة معمقة للفيلم الجديد «الماوراء» كفيلة
بأن تضعنا
مباشرة في هذا السياق، مفسرة السبب الرئيس - في اعتقادنا -
الذي دفع ايستوود الى
تحقيق هذا الفيلم، حيث ان الجانب المرتبط بالطفولة المعذبة فيه يدنو كثيراً
من هذا
الجانب، كما عبّر عنه في معظم أفلامه الكبرى (بما ذلك «أكاذيب حقيقية» و «هانكي
كونك»، بالنسبة الى علاقة الاب بالابن). فالحال أننا هنا في «الماوراء»،
ان
استثنينا شخصية ماري، التي تعيش تجربة الموت - منطلق الفيلم - بنفسها ولا
تكون لها
طفولة تحكى لنا في الفيلم (علماً بأنها حين تغرق و «تموت» تكون أولاً في
طريقها
لشراء هدايا لأطفال عشيقها، وثانياً في محاولة لإنقاذ الطفلة
البائعة من الموت تحت
وقع التسونامي)، ان استثنينا ماري، سنجد عذاب الطفولة (بل موتها بالنسبة
الى توأم
لوكاس) يلعب دوراً أساسياً في الفيلم: جورج حلّت عليه موهبة التواصل مع
الموتى (هو
يسميها نقمة) خلال عملية جراحية أجريت له في طفولته. ميلاني (الحسناء التي
تعرف
إليها جورج أولاً في لوس انجلس وقرأ طفولتها عبر لمس يدها)
اغتصبها والدها في
طفولتها وعاش حياته يستغفرها حتى موته، وها هو يفعل الآن بعد موته. جازون،
توأم
لوكاس، قتل بصدم سيارة له في محاولته الهرب من «زعران» أرادوا سرقة جهازه
الخليوي،
علماً بأنه وأخاه قدّما الينا ضحية للطلاق ولأم مدمنة يحبانها.
هنا، في هذا الإطار تحديداً، وجد كلينت ايستوود، في سيناريو بيتر مورغان
«العولمي»،
ما أغراه ودفعه الى تحقيق هذا الفيلم، الذي انطلاقاً من هنا يشكل، إضافة
الى عالمه السينمائي الذي - في تفاوته القيمي - يشكل متناً متكاملاً،
واضعاً هذا
المبدع التسعيني، في مكان متقدم بين سينمائيين لا بأس من أن
نقول إن أعمالهم
المتلاحقة قد تستمد قيمتها الأساس ليس تحديداً من ذاتها، وانما من موقعها
في هذا
المتن الذي نتحدث عنه.
الحياة اللندنية في
08/04/2011
المستشرق أندريه ميكيل و«العشيقة» غير
الوفية
باريس - ندى الازهري
حلم شاب يوماً بالضفة الأخرى للبحر، شغف باللغة والثقافة العربية بحيث جعل
منهما
تخصصه. بين السرد والحوار يقدم المخرج التونسي ناصر خمير شخصية
هذا الشاب في فيلم
تسجيلي حققه أخيراً عنوانه. «برفقة اندريه ميكيل». فيلم شهادة وتبادل،
الحديث فيه
عن الذات يمسي فضولاً لمعرفة الآخر.
«ثمة
أناس يقرّبون عبر أعمالهم بين
الضفاف، اندريه ميكيل هو أحدهم» يقول ناصر خمير. اندريه ميكيل، باحث
تاريخي، مترجم
وأديب، ينتمي لهذا الجيل من الفرنسيين الشغوفين بالعالم العربي والذين
انتهوا
«بالانتماء
إلى تاريخه، شعوبه وآدابه». ثمة وجوه متعددة غنية لهذا الرجل الذي وجد
في الثقافة والحضارة العربية «صدى وإجابات لكل ما يراوده من أسئلة وجودية».
معهد
العالم العربي في باريس خصص أمسية لعرض الشريط.
إذا كانت الفكرة تبدو
مطروقة، حيث أن تحقيق فيلم عن شخصية معروفة بارزة بفكرها وإبداعاتها، فكرة
تشبه ما
تبثه أي قناة تلفزيونية باستمرار عن الكثيرين، فثمة هنا شيء
جديد. لعلها بصمة هذا
المخرج المتميز الذي لم يتجاوز عدد الأفلام الروائية التي حققها الثلاثة.
لكن
الإبداع لا يقاس بالكم. ناصر خمير المنشغل بالتراث العربي دائماً وأبداً
كان قد أخذ
على عاتقه مهمة كشف الكنوز الدفينة لهذا التراث «الملقى
جانباً»، وهو هنا في فيلمه
الجديد يسعى للكشف عن «آخر» مثله، فالاثنان وقعا في شرك عشق واحد.
البيانو
والشعراء
العشق هو الكلمة التي تجمع بين ميكيل واللغة العربية، تمكن الخمير
من تمرير هذا الشعور عبر الكلمات التي اشتعلت صوراً في الخيال.
ميكيل يتحدث صوراً،
في اللغة العربية يرى «امرأة ردت على تغزله بها، فوهبته نفسها شيئاً
فشيئاً...»، في
الفيلم حين يتوقف ميكيل عن السرد، تنتقل العدسة بسلاسة إلى وجه شابة تعزف
على آلة
البيانو وتنشد بصوت عذب ولغة رقيقة أشعار الحمداني وابن زيدون
ومجنون ليلى وأبو
العتاهية « أنلهو ونلعب والموت لا يلعب؟ أيلهو ويلعب من نفسه تموت ومنزله
يخرب؟»...
حين يحكي ميكيل تبقى العدسة مركزة عليه، لا تلتقط من محيطه سوى
مكتبه حيث يجلس تحيطه الكتب ونافذة تتماوج عبرها وريقات خضراء.
كأن المخرج هنا يفرض
علينا الاستماع، لم يرد لتركيزنا أن يتشتت، يفضل أن نخلق صورنا بأنفسنا..
لم نمل
الاستماع، لم يتسرب الضجر إلينا فميكيل يجيد الكلام، والقصائد المنشدة مع
البيانو
كانت تجرنا نحو متعة أخرى وصانع العمل اعتمد البساطة المتقنة. لكن، ثمة
فسحة كانت
تنتظرنا في شوارع باريس الجميلة، كانت تلك تتسرب من خلال نافذة
سيارة ميكيل، يقودها
في صباح باريسي مشمس شديد البرودة، ويتابع الحديث عن ترجماته، وشخصياته
الأثيرة، «أسامة بن منقذ» أحدها. ميكيل الذي ترجم
كتاب «الاعتبار»، يصفه بأنه «كتاب فريد في
السيرة الذاتية وشخصية الأمير السوري أسامة مثال نادر في
الانفتاح على الآخر»
العدو»، أيام الصليبيين في القدس». يذكر أيضاً المأمون الذي حاول «التوحيد
بين
المذاهب الإسلامية بما فيها الشيعة والمعتزلة» ولو نجح - يقول ميكيل -
وأخرجها من
حالة التناحر لكانت نهضة العالم «قد كسبت قرنين على الأقل».
حكى ميكيل
علاقته الحميمة مع بعض الكلمات العربية التي تصعب ترجمتها «الحنين،
حِلم...»، شغلته
عبارة «دخلت الملوك» طويلاً، إذ كيف نضع فعل مفرد مؤنث أمام
جمع مذكر عاقل؟ تحدث عن
الشعر الأندلسي وصعوبة ترجمة الشعر العربي بسبب القافية، ليستنتج بعدها
مبتسما «قد
أكون أخطأت، لكن لا يهمني، فقد استمتعت»، هو الذي لا يجد أية لغة صعبة بل
«مختلفة».
العربية «مقاومة للزمن، غنية باشتقاقاتها
ولكن كم هي غير وفية!». يعترف ميكيل
«بمرور
الزمن، بقيت الإيطالية والألمانية معي ولكن العربية تبقى مغلقة أمامي بدون
معجم!»، هي كعشيقة «أعطتني الكثير ولكنها الآن وقد هرمت تتخلى عني. ولكن،
أليس الحب
المستحيل هو
الحب الوحيد الكامل؟».
أما صاحب «طوق الحمامة المفقود» ناصر خمير والذي لا
ينفك يستحضر التراث العربي الإسلامي في أعماله السينمائية والقصصية، يحزنه
هذا «التجاهل» لتراثنا العربي، جهل الناس الفاضح
به «فلا أعمال عنه في العمق». يفضل
خمير هذا الماضي الذي يرى في شخصياته حداثة مثيرة» أسامة بن
منقذ هو معاصر بمعنى
ما، صحيح أن الفيلم يستحضر الماضي وشخصياته ولكن تلك تبدو معاصرة في نظرتها
وفي
المشاكل التي انشغلت بها. والعالم العربي متأخر الآن عما كان عليه في عهد
المأمون»،
في تبريره لابتعاده عن المواضيع المعاصرة، يقول لنا «أحكي عما
أحب، وأسكت حين لا
أحب».
إنما ثمة تغيير...
«بفضل
كل ما
يجري في عالمنا العربي المعاصر -
يعلق ناصر خمير - الآن والآن فقط أستطيع الحديث عنه».
الحياة اللندنية في
08/04/2011
«رؤوس»
الجوائز الثلاث للبلد المضيف
تطوان (المغرب) – فجر يعقوب
اختتم مهرجان تطوان الدولي لسينما بلدان البحر المتوسط أعماله بتوزيع
الجوائز
على مستحقيها. وربما المفاجأة الكبرى من طريقة منح الجوائز،
فقد حصد البلد المضيف «رؤوس»
هذه الجوائز في المسابقات الثلاث. ففي مسابقة الفيلم الوثائقي التي ترأسها
الناقد المغربي مصطفى المسناوي فاز فيلم «السلاحف لا تموت بسبب الشيخوخة»
للمخرجين
المغربيين هند بنشقرون وسامي مرمر بجائزة مدينة تطوان الكبرى.
فيما ذهبت جائزة
العمل الأول إلى المخرج المصري الشاب فوزي صالح عن فيلم «جلد حي»، وجائزة
لجنة
التحكيم الخاصة إلى المخرج الفلسطيني محمد البكري عن فيلم «زهرة». أما في
مسابقة
الأفلام القصيرة فقد ذهبت الجائزة الكبرى إلى المخرجة المغربية
المقيمة في كندا
حليمة الورديغي عن فيلمها «مختار». ولم يخل الأمر من مفاجأة كبرى حين توج
فيلم «الجامع» للمخرج المغربي داوود اولاد السيد
بالجائزة الكبرى لمدينة تطوان وبجائزة
أفضل دور رجالي لممثله الرئيس عبدالحميد توهراش. فيما ذهبت
جائزة لجنة التحكيم
الخاصة إلى الفيلم الايطالي «الفصول الأربعة» للمخرج ميغيل أنجلو
فرامارتينو، وهو
فيلم مستغرق في لغة سينمائية صرفة يستحق الوقوف أمامه والتأمل فيه لجهة
الميتافيزيقيا البصرية التي أحكم المخرج وثاقها في فيلمه
البديع وجعل منها اللغة
التي يسرد من خلالها حكاية الناس ومكونات الطبيعة الملهمة، ومستغنياً عن
الحوارات
في شكل كامل وهو يقودنا إلى حكاية مصورة تفتح على الأخرى من دون الاستقواء
على
بعضها البعض بذرائع الكلام.كذلك حصل فيلم «الناموسية» للإسباني
اوغست فيلا على
جائزة محمد الركاب وجائزة أفضل ممثلة فيه لماريا غارسيا، والفيلم الجزائري
«الساحة»
للمخرج دحمان اوزيد حصل على تنويه خاص من
لجنة التحكيم التي ترأسها المخرج الروسي
المقيم في فرنسا ايغور ماناييف.
يعود المخرج المغربي داوود أولاد السيد في فليمه «الجامع» إلى قرية زاغورا
التي
كان قد صور فيها فيلمه السابق «بانتظار بازوليني» بحثاً عن «موحا»
الذي لعب دور
كومبارس في الفيلم القديم. سنكتشف تباعاً أن موحا له مشكلة عويصة مع أهل
قريته
تتلخص ببناء ديكورات على أرضه المستأجرة من قبل طاقم الفيلم، وهي الديكورات
التي
هدمت بعد الانتهاء منه، فيما لم يتخذ القرار بهدم «ديكور»
الجامع، لا بل قام صديق
كومبارس له بتعيين نفسه إماماً لهذا الجامع، الأمر الذي يدفع موحا
للاستنجاد بفقيه
أحد الجوامع الذي ينهيه عن المطالبة بحقه، على رغم شرحه المطول والمقنع بأن
بقاء
الديكور على أرضه يهدد لقمة عيشه حيث لا معين له سوى هذه الأرض
ويحرم أطفاله من
العيش الكريم في بقعة جغرافية قاسية تعاني أصلاً من قسوة وشظف العيش. موحا
الموظف
السابق في وزارة الثقافة المغربية لا يعرف المهادنة ولا يتسلل اليأس إلى
قلبه،
فيتوجه إلى مسؤول محلي ينهيه بدوره عن القيام بذلك ومطالباً
اياه بإحضار رسالة من
المركز السينمائي المغربي يمكن أن ترد له حقه في الأرض اذا ما قرر المركز
التخلص من
الديكور المشيد على أرضه. موحا المغلوب على أمره لا يدرك امكانية الاتصال
بأي مسؤول
آخر سواه، فيقرر اللجوء إلى سائق جرافة مقتنع مثله بأن ديكور الجامع بني من
خلال
الاستيلاء على أرض غير شرعية، وأن سماحة الدين الاسلامي لا
تقبل هذا الظلم، وأن قطع
ديكور سينمائي يمكن تفكيكها وتركيبها من دون الحاجة إلى فتاوى من أي نوع،
وبخاصة أن
اتجاه القبلة فيه غير صحيح كما يبين السائق للمسؤول المحلي. تفشل محاولة
موحا في
استرجاع أرضه على رغم كل محاولاته شرح النفاق الديني الذي
يمارسه (الكومبارس) الذي
كان صديقاً له.
بالطبع لا يمكن قراءة فيلم «الجامع» من دون الرجوع إلى مكونات الفيلم
السابق
«بانتظار
بازوليني». في هذا الفيلم يقوم التهامي ببيع وتصليح الأطباق اللاقطة لسكان
قرية زاغورا والقرى المجاورة مؤكداً لهم في كل مرة أن المخرج الايطالي بيير
باولو –
بازوليني سيجيء لتصوير فيلم جديد، وهو الذي
سبق له وعمل معه ككومبارس في فيلمه
«أوديب
ملكاً» حين صوره في ستينيات القرن الماضي أجزاء منه حيث يقيم هؤلاء الناس
حالياً. ما يقوم به التهامي هو صناعة الأحلام لهؤلاء الفقراء من خلال
انتظار صناعة
فيلم، في مواجهة الحياة القاسية التي يعيشونها وفي مواجهة بطالة اجبارية
مهلكة، فكل
فيلم يصور هناك يعني عملاً لكثر مدة لا تقل عن ست شهور أو أكثر
أحياناً. يدرك أولاد
السيد في مواجهة هذا (التبئير) الدرامي، أنه عليه أن يجمع ما بين التهامي
بائع
الأحلام والأوهام الجميلة، للاستمرار بطاقة العيش على رغم فظاظة الحياة
نفسها، وبين
صاحب «أوديب ملكاً» في صورة من عهد تتخلخل فيه الحكايات أيضاً، فهو يعرف
بميتته
المأسوية منذ زمن، ولكنه ينقل إليهم أخبار وصوله لينعش فيهم
القدرة على الأمل وهو
لا يكتفي بذلك، بل يذهب إلى جمع أهل ورزازات، ليحاضر فيهم عن الممثل،
وأهميته في
الفيلم.
هذا الخلط بين ما هو متخيل وواقعي يكاد ينسحب أيضاً على فيلم «الجامع»،
فإذا
كانت السينما في «بانتظار بازوليني» لا تجيء في موعدها المحدد،
فإنها في فيلم
«الجامع»
تتشكل من السينما نفسها بمشاركة من أولاد السيد نفسه، الذي يقرر هنا البحث
عن (موحا)، ليمسك معه طرف الحكاية الجديدة المتمثلة ببناء ديكور يفترض
التخلص منه
مجرد الانتهاء من تصوير الفيلم، وبدلاً من ذلك يصبح ذريعة
لرواية فيلم آخر، وإن بدا
أن مشاركة أولاد السيد في المشاهد الأولى لم تكن ضرورة درامية مقنعة
بالكامل. موحا
يمثل الحالة الخاصة لهذا الفيلم القائم على رواية حقيقية دارت فصولها في
استوديوات
ورزازات وزاغورا. هنا يطيب للمخرج أولاد السيد صناعة فيلم من
داخل الفيلم نفسه في
لعبة سينمائية ذكية ليست من «اختراعه». ولكن ها هنا تأخذ منحى مختلفاً
بحاجة لاعادة
قراءة من عدة زوايا في آن، فـ (موحا) الذي يحظى بدور بطولة مطلقة في هذا
الفيلم، لن
يودع دور الكومبارس نهائياً، وهو يعرف ذلك، لأن الدور المنوط
به يجيء من الواقع،
فإن غادره في السينما، فلن يغادره في الواقع الذي يجيء منه، وهنا يكمن سحر
الدور
الذي يلعبه، فنحن سنقف معه في مواجهة لعبة الديكور السينمائية. الديكور
النفسي الذي
يتخذ منه داوود ذريعة لصناعة فيلمه الأول، سيصبح هنا عقبة كبرى
في حياة الكومبارس
السابق، بل سيصبح هو أساس اللعبة الجديدة. بهذا المعنى هل سيصبح (الجامع)
لعبة
ديكورات سينمائية لعبها سينمائيون آخرون من قبل، ربما بسبب أوضاع انتاجية،
وليست
ابداعية في المقام الأول، ولكنها أتت بنتائج فنية متقدمة، وهي
تتخذ منحى بالغ
الأهمية، يكون سببه هذه المرة الكشف عن امكانية استغلال الدين، والنفاق
الاجتماعي
الناشئ عن سوء استغلاله، وتصريف شؤونه بين الناس عن طريق التزوير
والخداع.
الحياة اللندنية في
08/04/2011
أفلام جديدة
(08-04-2011)
} «البيت
الصامت»
إخراج: غوستافو هرناندز ـ
تمثيل: فلورنسيا كولوتشي، غوستافو الوترو
>
لولا بعده التقني اللافت، والذي شكل مفاجأة إيجابية لكل الذين شاهدوه حتى
الآن، لما اعتبر هذا الفيلم أكثر من شريط رعب إضافي، من النوع الذي تجرى
أحداثه
المريعة وسط بيت معزول. هنا، كي يحول المخرج فيلمه الى ظاهرة،
جعله لقطة واحدة
مدتها 78 دقيقة، تواصل فيها كاميرا - صغيرة جداً، أي فوتوغرافية إنما تصور
الحركة -
تتبعها لأب وابنته وهما يعبران الغابات
والسهول حتى الوصول الى ذلك البيت الوحيد
الموحش الذي أرادا أن يجدا فيه مأوى لهما، لكنهما يفشلان، إذ
إن الرعب الذي
يجابههما داخل البيت تبدى أكثر كثيراً من الرعب خارجه.
} «جلالتك»
إخراج: دافيد غوردن غرين ـ تمثيل: ناتالي بورتمان، جيمس فرانكو
>
من ناحية مبدئية، لدينا هنا فيلم تاريخي فيه رحلات وبحث وحروب وصراعات
سلاحها السيف والرمح والقوس والنشاب وما شابه. كأننا، إذاً، في
عوالم تجمع بين «روبن
هود» و «سادة الخاتم» في بوتقة واحدة. لكن هذا ليس سوى ظاهر الأمور، لأننا
في
الحقيقة، مع هذا الفيلم الذي تبدأ عروضه العالمية هذه الأيام، أمام عمل
يحاول أن
يسخر من هذه النوعية التاريخية من الأفلام. وذلك من خلال
الأمير تاديوس الكسول،
الذي يكلف مع أخيه فابيوس إنقاذ ملك والدهما... فيبدآن في رحلة حافلة
بالصعاب،
تملأها المؤامرات والخطف... الى جانب سحر ناتالي بورتمان، خطيبة الأمير
التنبل،
والتي مثلت في هذا الفيلم قبل دورها الأوسكاري في «البجعة السوداء».
} «محامي
لنكولن»
إخراج: براد فورمان ـ تمثيل: ماثيو ماكنافي، ماريزا تومي
>
في هذا الفيلم يعود ماكنافي وتومي، الى الشاشة الكبيرة بعد غياب. ولئن كان
ماكنافي يلعب هنا دور محام لم يحقق في حياته حتى الآن أي نجاح كبير، فإن
حكاية
الفيلم تضعه أمام إمكانية مدهشة للتعويض عن الوقت الضائع. ذلك
أنه، بعدما خاض دعاوى
لا أهمية لها، يجد نفسه مكلفاً الدفاع عن شاب عابث من سكان بيفرلي هيلز،
يتمتع
بنفوذ أمه صاحبة الشركة العقارية الضخمة. أما الجريمة التي يجب على ماكنافي
أن
يرافع بشأنها والمتهم بها فتى بيفرلي هيلز المدلل، فهي ضرب
مومس، من مومسات المدينة
في شكل شديد العنف. فهل يكون النجاح حليف المحامي السيئ الحظ هذه المرة؟
} «رانغو»
إخراج: غور فربنسكي ـ تمثيل (أصوات): جوني ديب، إيلا فيشر...
>
المدينة اسمها «غبار» وهي مدينة بائسة تقع في سهوب ولاية نيفادا وتعيش
افتقاراً دائماً الى الماء وإلى الأبطال. من هنا يشعر بطلها، وهو حرباء ذكر
شديد
القبح، أن في إمكانه أن يلعب دور المنقذ. اسمه رانغو، وحين
يمثل يحب أن يمثل على
طريقة استوديو الممثل الشهيرة (مثل مارلون براندو، وبول نيومان)، إضافة الى
قسوة
غير محدودة، تفرضها عليه طبيعة المكان وطبيعة الأعداء اللتان تدفعانه الى
غزوات
ومعارك يخرج منها، دائماً، منتصراً، ولكن أكثر وأكثر قسوة.
وذلك حتى النهاية التي
تحمل، من الخبطات المسرحية ما لا يستحسن هنا كشفه، لعلمنا أن محبي هذا
النوع باتوا
كثراً في العالم.
الحياة اللندنية في
08/04/2011 |