اختلفت الأفلام التي تعرّضت للحروب المتوالية في الخليج (بدءاً بالحرب
العراقية - الإيرانية وصولاً إلى حرب العراق، مروراً بحرب الخليج سنة 1990)
عن أفلام الحروب الغابرة، تلك التي قدّمتها السينمات الأوروبية الشرقية
والغربية والأمريكية حول الحربين العالمية الأولى والثانية، كما حروب جنوب
شرق آسيا، وهي الحروب الأمريكية ضد اليابان وكوريا وفيتنام .
أوجه الاختلاف تكشف عن الاختلاف في آليات الحرب ذاتها، كما في أخلاقيّاتها
. حين يذكر المرء، على سبيل المثال، أفلام أندريه بوندراتشوك “حاربوا لأجل
وطنهم” (1975) ولويس مايلستون “كل شيء هادئ على الجبهة الغربية” (1930)
و”رسائل إيوا جيما” لكلينت ايستوود (6200) ومقارنها بالأفلام التي تم
تحقيقها عن الحروب الحديثة، سيلحظ اختلافات جوهرية بعضها، وربما أهمّها،
متأتٍ من اختلاف وسائل الحرب ذاتها .
فيلم الروسي بوندراتشوك دار عن الحرب العالمية الثانية . فيلم لويس
مايلستون تحدث عن الحرب العالمية الأولى، أما فيلم ايستوود فعاد الى الحرب
الأمريكية - اليابانية مستمداً مادّته من التاريخ حسبما سطّره اليابانيون
أنفسهم عما حدث فوق جزيرة إيوا جيما .
في المقابل، أي ثلاثة أفلام تدور عن الحروب الحديثة في الخليج ستلتقي بأنها
لم تعد تتحدّث عن الحرب إلا من خلال أشلائها وجزئياتها . على سبيل المثال
فقط، هناك “جار هَد” (لسام مندَز- 2005) عن حرب الخليج الأولى، و”ثلاثة
ملوك” (ديفيد أو راسل- 1999) عن ذات الحرب، و”خزنة الألم” لكاثرين بيغلو عن
حرب العراق .
كل واحد من هذه الأفلام نجده اختزل القتال في مشاهد قليلة وتمحور في الأساس
حول مصير المقاتلين في جزئيات واقعهم على أرض المعركة . في “جار هَد” رسم
المخرج كوميديا سوداء حول مفهوم البطولة، مكتفياً بمعركة واحدة قرب نهايته
. “ثلاثة ملوك” مهد بمواقع قتال محدودة ثم انصرف ليتحدّث عن أبطاله الثلاثة
الراغبين بمساعدة العراقيين بعدما خدعتهم الولايات المتحدة فأسهموا في
مجهود الغزو الأمريكي للعراق ثم تُركوا لمواجهة قوّات صدام حسين المنتقمة .
“خزنة الألم” عن تلك النخبة من مفككي المتفجرات والألغام ويوميات حياتهم في
بغداد . موقعة قتالية واحدة تبدو دخلية في ذلك الفيلم (لكنها ليست كذلك)
نراها تقع في خارج العاصمة العراقية، أما باقي الفيلم فهو عن عناصر وأجزاء
. هو نفسه، تحت إدارة وتنفيذ مخرجة ماهرة، مُصاغ بنفس أسلوب القصّة . هو
أيضاً غير مترابط الأجزاء على نحو قصصي مستمر، بل ينتقل بين مشاهده بتركيبة
فصلية ذات قريبة من الريبورتاج (مع كتابات على الشاشة ولجوء الى الأسلوب
الرقمي لا للتصوير فقط، بل لمنح الفيلم بصمة إخبارية) .
الفاصل الشديد بين المجموعتين يتجاوز السينما إلى الحروب ذاتها، فالحروب
السابقة اعتمدت على العنصر البشري فتم إقحام الدبّابات والمدافع الثقيلة
والطائرات والبوارج الحربية الضخمة والغوّاصات . الحروب الحديثة تُدار
بالأقمار الصناعية والعنصر البشري فيها يتجزّأ على نحو تفاصيل ومهام
محدودة، وحتى هذه تتكّل على معدّات تكنولوجية بالغة التقدّم تجعل السلاح
الناري مجرّد آلة محدودة الأثر من دون سواها من الآلات .
المطبوع على الشاشة مستلهم من ذلك الاختلاف بدوره: أفلام الحروب السابقة
حشدت مئات الكومبارس واحتوت على مشاهد كثيرة من القتال لكي يكون تعاطيها مع
الحرب واقعياً، وأفلام الحروب الحديثة خلت من مشاهد المجاميع الكبيرة .
ما بقي واحداً، هو الرسالات التي تضمنتها الأفلام القتالية . هناك أفلام ضد
الحرب، أي حرب بصرف النظر عن القائم بها كما حال “كل شيء هادئ على الجبهة
الغربية” و”سترة معدنية كاملة” لستانلي كوبريك (1987) و”سفر الرؤيا الآن”
لفرنسيس فورد كوبولا، وأفلام مع القوّة العسكرية المحرّكة مادامت موجّهة ضد
الأعداء، كما فيلم جون واين “القبّعات الخضر” و”مفجّرو السدود” للبريطاني
مايكل أندرسون (1965) وأفلام حول الفرد في المواجهة، كما الحال مع معظم
الأفلام التي تناولت الحرب العراقية، حيث غاب التحليل السياسي لدى معظمها،
وما وجد كان بالنتيجة معادياً لتلك الحرب .
كذلك فإن قسماً كبيراً من أفلام الحروب الخليجية دارت حول من عاد إلى بلاده
من الجنود الأمريكيين وكيف واجه الحياة هناك حين عاد، وكيف فضّل بعد ذلك
العودة الى جبهات القتال فقد أصبح أكثر تآلفاً معها .
غيبسون المهمّة الصعبة أمام جودي
فوستر
بسبب ما حدث من المشكلات التي أثارها ميل غيبسون بتصرّفاته وسلوكيّاته منذ
عامين وحتى حين قريب، تعرّض فيلم “القنفذ” الذي يقوم ببطولته لمشكلات .
كانت هناك مشادّته مع رجال الشرطة وهجومه على اليهود واصفاً إياهم
بالمتسببين في إثارة الحروب حول العالم، وصولاً الى مشادّاته مع المرأة
التي كان يعيش معها وتهديداته لها ما أثار حفيظة فئات كثيرة من الرأي العام
ضدّه .
“هوليوود” نفسها حذرت من نجمها الذي كان يكمن في الصف الرئيسي حتى حين ليس
بالبعيد، ولو أن تحذيرها منه كان نابعاً، على نحو أساسي، من تصريحاته
المعادية لليهود، على الرغم من قصر عمرها وتأثيرها . حتى هذا الحذر كان
يمكن أن يتبدّل إلى ترحيب تدريجي لو أن أفلام غيبسون الأخيرة حققت إيرادات
شبيهة بتلك التي حققته سابقاً، أو لو أن الجمهور العام لم يقفز إلى الوراء
حين بلغته التهديدات اللفظية التي أطلقها على صديقة الأمس .
الآن، يصل كلاهما ميل غيبسون و”هوليوود” الى المحطّة الحاسمة في علاقة كل
منهما بالآخر . “هوليوود”، ممثّلة بشركة الإنتاج والتوزيع لديها فيلم
غيبسون الأخير “القنفذ”، وهو لديه تلك الفرصة السينمائية الوحيدة لاستعادة
مكانته، أو جزء منها إذا استطاع .
إذا ما نجح الفيلم الذي شهد عرضه الأول في مهرجان أوستن قبل أيام ويتوجّه
لعروضه التجارية في مطلع شهر أيار/ مايو المقبل، فإن كليهما يربح فرصة
تحقيق بداية جديدة مع الآخر . أما إذا ما خسر الفيلم على نحو ملحوظ، فإن
سنوات صعبة بانتظار علاقة كل منهما بالآخر .
والطرف الثالث الوسيط بين هذين الطرفين ليس سوى مخرجة الفيلم جودي فوستر
التي كانت باشرت تحضير الفيلم في نهاية 2008 وصوّرته في منتصف 2009 ثم
جهّزته للعرض مع نهاية ذلك العام، أي في الفترة التي فقد فيها غيبسون وعيه
فآثر الجميع التريّث قبل إطلاق الفيلم . من عام 2009 إلى العام الحالي
سنتان من الانتظار لعل ما طفح كيل غيبسون به قد خمد والناس نسيت قدر
المستطاع المشاغب في شخصيّته واشتاقت الى جانبه الفني .
جودي تدرك كل ماسبق، وتعلم أنها تواجه وضعاً حرجاً كون الفيلم فيلمها ولا
تريد له أن يفشل، لذلك توجّهت إلى الجمهور الحاشد الذي حضر العرض في مهرجان
أوستن وحادثته قبل بدء الفيلم قائلة: “لدي سؤال لكم: هل تستطيعون مشاهدة
الممثل غيبسون من دون تذكّر تصرّفاته؟ هل تستطيعون مراقبة تمثيله وقدراته
الأدائية الممتازة لاعباً شخصية الأب والزوج اليائس؟ أنا واثقة من أن أداء
غيبسون الخارق للعادة لن يجعلكم تغادرون هذه القاعة من دون أن يمس مشاعركم
الإنسانية” .
المهمّة التي تطلبها فوستر ليست صعبة على المشاهدين . تلقائياً لابد أن يجد
المشاهد نفسه منساقاً الى متابعة الحكاية وممثليها ناسياً من هم في الحياة
العادية، لكن المهمّة التي تتوقّع أن يؤديها الفيلم على صعيد الإيرادات
وحجم الإقبال هي الصعبة . هناك في الأساس ذلك الجزء الضروري المسمّى
بالإعلام حول الفيلم، الذي يتعرّض للجذب بين محاولات “هوليوود” بيع فيلم
صعب (كهذا الفيلم) وبين احتمال ألا يعجب النقّاد فينضمّون إلى حملات
المعاداة . بعض هؤلاء قد يكون أقل وعياً من الجمهور ذاته، فلا يفرّق بين
الفيلم والممثل وموقفه الخاص منه، لكن جودي فنانّة عنيدة . أفلامها السابقة
كلّها لم تكن سهلة، ليس بالنسبة لتلك الأفلام التي اختارت إخراجها مثل هذا
الفيلم، بل أيضاً تلك التي اختارت تمثيلها مثل “نل” و”آنا والملك” و”غرفة
الفزع” من بين أخرى . هي تقول وتؤكد: “من اللحظة التي قابلت فيها غيبسون
لأول مرّة، أدركت أنني سأحبّه إلى الأبد” . ليس الحب العاطفي، بل حب
الإيمان به ممثلاً وإنساناً .
الخليج الإماراتية في
20/03/2011
حديث حول فيلم مع مايك لي
مخرج
«عام
آخر» يتحدّث عن أسلوب عمله وكيفية اختياره ممثليه
محمد
رُضا
مايك لي أسم كبير بين مخرجي اليوم ولأسباب لا علاقة لها
بالنجاحات التجارية. إنه ليس ستيفن سبيلبرغ زمنه ولا جيمس كاميرون عصره.
وإن سألته
سيقول لك أنه لا يريد أن يكون. حتى لو أراد لا يستطيع. لكل
مخرج رؤيته الخاصّة ليس
فقط للعالم الذي يعيش وينشط فيه بل، بالتالي، لدوره في الحياة وما يريد أن
يحققه
وكيف. المخرج البريطاني المولود قبل 67 سنة أنجز في سحابة 47 سنة من
العمل 16
فيلماً طويلاً وبضعة حلقات من مسلسلات تلفزيونية. درس المسرح أساساً ثم
انتقل الى
السينما مع مطلع السبعينات. فيلمه الأخير »عام آخر« عرف عرضه
الأول ربيع هذه السنة
ويعرضه مهرجان لندن السينمائي خلال دورته التي ستبدأ بعد أيام
بقدر ما فيلمك الجديد »عام آخر» داكن
في نظرته الى الحياة، بقدر ما فيلمك السابق"المحظوظون سعداء"
يحمل ملامح مختلفة.
إنه أكثر سعادة ...
هناك أشخاصاً مختلفين في هذا العالم الذي نعيش فيه.
هناك من هم أمثال أي من شخصيات هذا الفيلم
او من شخصيات الفيلم السابق. بوبي بطلة
»المحظوظون
سعداء« موجودة. إنسانة تعيش حالة إيجابية ولا يمكن معالجتها بغير ما
يناسب انطلاقها وحيويّتها. شخصيات «عام آخر« وأقول معظم أفلامي السابقة، هي
أيضاً
موجودة تنتمي الى عالم داكن ومحبط بسبب ما نفعله حيال العالم وما نصنعه كل
للآخر
·
سالي هوكنز تمنح فيلمك السابق
حيوية
مناسبة بسبب تمثيلها للدور. ربما تفهّمها له على نحو كامل. هل
توافق؟
نعم- هذا هو الواقع فعلاً. إنها تقوم بما يتطلّبه العمل على خير
وجه، لكنها هي ذاتها الممثلة التي لعبت في فيلمين سابقين لي دورين مختلفين
هما «كل
شيء او لا شيء» و»فيرا درايك« وهما داكنين كما تقول. أريد أن أقول أن
المسألة دكانة
الموضوع او عدم دكانته . أفلامي ليست عن سعادة او حزن الشخصيات
بل عن شخصيات مختلفة
تعيش أوضاعا تختلف مسبباتها وظروفها من فيلم لآخر. لدي سبب مهم أن أكون
أكثر
تصويراً لشخصيات لا تشعر بالسعادة وأحياناً من دون أن تعرف ذلك كما شخصيتي
جيم
برودبنت وروث شين في »عام آخر«. تطلّب الأمر ملاحظة شخصيات
أخرى قريبة منهما ليدركا
حقيقة حياتهما.
·
هل صحيح أنك تبدأ أفلامك بلا
سيناريو جاهز
بل تعمد لتأليف السيناريو خلال التصوير؟
أعتقد أن هذا غير صحيح. مُغالى
في وصفه. ذات مرّة سألوني ولا أذكر في أي فيلم عن السيناريو
فقلت أنني أحياناً ما
بدأت تصوير فيلمي بالعمل مع الممثلين على السيناريو الذي يتطوّر خلال
الجلسات. هناك
أساليب عمل كثيرة، ففي النهاية هذه هي الكاميرا وهؤلاء هم الممثلون وهناك
قصّة في
البال. كيف تكتبها او كيف تصوّرها يعود الى اختيارك. لو جاءني
مخرج شاب يريد أن
يعرف أفضل وسيلة للعمل لن أنصحه بأسلوبي طبعاً لأنه يتطلب قدراً كبيراً من
الثقة
بالمنهج وكيفية ممارسته. لكن حين أبدأ تصوير فيلم ما فأنا غالباً ما لدي
سيناريو
ولو كان قابلاً للتطوير وبل عليه أن يتطوّر خلال التصوير لأن
ما أحاول نقله الى
الشاشة هو حياة هؤلاء وليس قصّة. قصّتهم او اي قصّة أخرى.
·
اعتبر البعض أن في أسلوبك تأثّر
بالسينما
الوثائقية بسبب طريقة تصويرك ورصدك للحياة ولما تقوم به الشخصيات وبسبب
المشاهد
الطويلة. لكنك لم تحقق الكثير من الأفلام الوثائقية...
لا علاقة بين
أسلوبي وبين السينما الوثائقية. ليس هناك أي علاقة الا ما قد يلحظه بعض
النقاد في
هذا المجال. المسألة تبدو كذلك، معك حق، وهي تبدو كذلك لأنني أصوّر هذه
الشخصيات في
واقعها ولا يمكن أن تصوّر الواقع في زمن مختلق وإيقاع سريع. بطبيعة توجّهك
لهذا
الأسلوب تصبح طرفاً في مراقبته كما هو ولا تريد أن تفعل أي شيء
آخر
·
أفلامك، و»عام آخر« من بينها تجد
نفسها
دائما في بحث عن الذراع الإعلامية لتقديمها. طبعاً هذا منوال كل فيلم لكن
قدراً
أكبر من العناية مطلوب لترويج أفلامك. هل يعود ذلك الي أن
جمهورك
مختلف؟
طبعاً. ليس جمهوري وحده بل الجمهور حيال كل فيلم يختلف عن
الفيلم الذي يعرض في مئات الصالات حول العالم بينما هو يعرض في صالات
قليلة، هذا
إذا وجد التوزيع
·
أفلامك تجد التوزيع بسبب إسمك.
تقبل عليها
المهرجانات..
صحيح، لكن لا اسمي ولا المهرجانات يؤمن نجاحها في السوق
التجارية. ما يؤمّن نجاحها هو أنها مصنوعة بتكلفة رخيصة جدّاً بحيث يصبح
سهلاً
عليها تأمين عائدات (يضحك). هذا في مواجهة أفلام كبيرة
احتمالات عدم استردادها
تكلفتها أعلى.
·
ما رأيك بالنقد السينمائي
حيال أفلامك،
وما رأيك به عموماً؟
هذا سؤال يحمل في طيّاته حيلة خطيرة (يضحك).
الحقيقة أن النقد السينمائي يصبح ضرورياً لأمثالي من المخرجين ولمثل
الأفلام
الخاصّة التي نحققها. النقاد المثقّفون هم من يشكّلون حلقة للدفاع عن
أفلامنا
لإثارة الإهتمام بها. إنهم يدركون حقيقتها وبمجرد إبداء رأيهم
فيها يناقشون ما
تطرحه على نحو جدي يدفع الناس للإهتمام. طبعاً ليس كل الناس وطبعاً ليس كل
النقاد
أساساً
·
فيلمك الأخير »عام آخر« استقبل
جيّداً في
مهرجان كان حيث عُرض..
نعم وبعد كان أيضاً. أخذناه الى مهرجان تورنتو
وكان الإستقبال جيّداً. لكن الأمر لا يخلو من أشخاص لا تعجبهم
هذه الأفلام. لا
يطيقون الشخصيات التي أتعامل معها. حتى شخصية سالي هوكنز في فيلمي السابق
لم
تعجبهم. كانت بالنسبة إليهم شخصية قوية تختلف عن شخصيات أفلامي، لكن
شخصياتي
النسائية في معظم أفلامي، او في أفلامي التي تتناول شخصيات
نسائية، هن دوماً
قويّات. أين كان هؤلاء حين قدّمت »فيرا درايك« و»الحياة حلوة« و»أسرار
وأكاذيب«؟
·
في »عام آخر« لدينا هذه الشخصيات
يتقدّمها
الزوجان اللذان يتابعان ما يحدث مع أصدقاء ومعارف لهما. هل من بين أغراض
الفيلم
أن يبحث في شخصيات مسنّة ترقب حياة الآخرين من جيلين لاحقين؟
ليس
تماماً لكن من دون استبعاد هذه الناحية كليّاً. ليس غرضاً بحد ذاته لكن هذه
المراقبة موجودة. في الحقيقة كلما تقدّمنا في العمر كلّما أصبحنا أكثر قدرة
على
فهمها، وفي الوقت نفسه تصبح هي أكثر تعقيداً بسبب هذا الفهم
·
السر في كل أفلامك هو أنك تنصب
الكاميرا
على هذه الشخصيات بأسلوب من المتابعة الهادئة لكن عوض أن
تثير افلامك الملل
تثير الإهتمام. لماذا في رأيك؟
السر في بساطة يكمن في أننا نريد أن
نعرف هذه الشخصيات. هي قريبة منا الى حد أنها مثلنا. ليست هناك
حكاية مركّبة
بمفارقات غير منطقية او واقعية. مرّة ثانية لا تهمّنا القصّة بل الحياة.
هنا
تستطيع أن تلحظ المتابعة التسجيلية، لكن مع العلم أن أفلامي ليست تسجيلية
بل روائية
وهذا الفيلم الأخير »عام آخر« على الأخص فيه شغل بصري أكثر
من
سواه .
الجزيرة الوثائقية في
20/03/2011
في هوليوود إفريقيا: لقاءات تحت الخيم
محمد ولد ادوم - ورزازات
مائة وعشرون أستاذا وطالبا وسينمائيا من تسع
جنسيات، ومن أربع عشرة مدرسة ومعهدا للسينما في العالم، التقوا
في مدينة ورزازات
عاصمة السينما الإفريقية، في فعاليات النسخة الثانية من اللقاءات تحت
الخيمة التي
ينظمها "المعهد المتخصص في المهن السينمائية بالتعاون بين مكتب التكوين
المهني
وترقية العمل، مجموعة فيفندي وجمعية المتطوعين الفرنسيين. وذلك في الفترة
ما بين
التاسع والثاني عشر من شهر مارس الجاري.
اللقاءات تحت الخيمة هذه السنة شهدت عرض أكثر من
أربعين فلما قصيرا روائيا ووثائقيا ما بين فلم تخرج أو فلم نهاية تدريب.
وأغلبها
أفلام جماعية تم العمل عليها في مختلف المراحل من طرف مجموعة من الطلاب
بتأطير
ومتابعة من أساتذتهم.
وتم خلال اللقاءات تنظيم مجموعة من الورشات تناولت
مواضيع "قيادة الممثلين، الماكياج والملابس؛ الكتابة، تقنيات صناعة الأقنعة
العملاقة، صناعة الباروكات، المؤثرات الخاصة والإخراج والإنتاج.
زيارات ميدانية لبعض استديوهات مدينة ورزازات
المشهورة سينمائيا تم تنظيمها أيضا خلال أيام اللقاءات؛ تلك
الاستديوهات التي صورت
داخلها عشرات الأفلام الكبيرة مع كبار المخرجين وعملاقة الممثلين في أمريكا
وأروبا،
أماكن تصوير هذه الأفلام ما تزال شاهدة تعبق بالتاريخ والنوستالجيا، هذه
الأفلام من
الشهيرة كـ "لورانس العرب" بطولة الرائع عمر الشريف، "لؤلؤة
النيل" لمايكل دوغلاس
و"أستيريكس أوبليكس: مهمة كليوبترا" بطولة جمال دبوز إلى غير
ذلك من الأفلام
الكبيرة التي وجدت ضالتها في شمس ورزازات.
وقد تم توجيه الدعوة إلى كل من المعهد الوطني
للصورة والصوت بكيبك، كندا؛ مدرسة الفلم والتلفزيون بلوس
آنجلوس، الواليات المتحدة
الأمريكية؛ المدرسة العليا للسمعيات البصرية بتولوز، فرنسا؛ مدرسة المؤثرات
الخاصة
في السينما بمونبلييه، فرنسا؛ مدرسة الماكياج والحلاقة والمؤثرات الخاصة
بليون،
فرنسا؛ المدرسة العليا للسينما والسمعيات البصرية بكتالونيا،
اسبانيا؛ المدرسة
العليا الحرة ببروكسل، بلجيكا؛ المعهد العالي للصورة والصوت بواغادوغو،
بوركينا
فاسو؛ دار السينمائيين بنواكشوط، موريتانيا والمعهد العالي التابع لجامعه
القديس
جوزيف ببيروت، لبنان.. إضافة إلى خمس مدارس ومعاهد من المغرب
البلد المستضيف، وهي
المدرسة العليا للفنون البصرية بمراكش، معهد الدراسات السينمائية والسمعية
البصرية
بمراكش أيضا، الكلية متعددة التخصصات بورزازات التابعة لجامعة ابن زهر (قسم
السمعيات البصرية)، مدرسة فنون الميديا بالدار البيضاء فضلا
على المعهد المنظم
لللقاءات وهو المعهد المتخصص في المهن السينمائية.
كما شهدت اللقاءات إلقاء ثلاث محاضرات أولاها قدمها
الأستاذ محمد باكريم مدير التعاون والإعلام بالمركز السينماتوغرافي المغربي
تناولت
موضوع الإنتاج السينمائي في المغرب، فيما تناولت المحاضرة الثانية موضوع
آفاق ووعود
السينما ألقاها البروفسير غي شابوي الأستاذ بجامعة تولوز
والمدير السابق للمدرسة
العليا للسمعيات البصرية فيما تناولت المحاضرة الثالثة موضوع "تأثير تحولات
السوق
في التوزيع على الإنتاج" ألقاها السيد رودولف بويت المدير العام المساعد
لاستديو
كنال.
هذه التظاهرة السينمائية أراد لها منظموها أن تكون
موعدا سنويا تلتقي خلاله الوفود من مختلف المدارس والمعاهد السينمائية حول
العالم
لتبادل الأفكار والخبرات بين الأساتذة والإداريين من جهة و بين
الطلاب من جهة أخرى
بغية بناء جسور للتواصل وفضاءات للقاء بين من سيشكلون مستقبلا خارطة
السينما
العالمية.
الجزيرة الوثائقية في
20/03/2011
غزة.. قصيدة فلسطين
بشار إبراهيم
ربما هي المرة الأولى التي يتعامل فيها المخرج
الجزائري خير الدين مبروك، مع القضية الفلسطينية، من باب
السينما، ولكنها بالتأكيد
ليست المرة بالنسبة للمخرج المصري سمير عبدالله، الذي سبق أن رأينا له غير
فيلم
وثائقي أوقفه لتناول شؤوناً وجوانب من القضية الفلسطينية، كان من أهمها دون
شك فيلم «كتّاب الحدود»، عام 2004، الذي رافق فيه
مجموعة من كبار أدباء العالم (جلّهم من
حملة جائزة نوبل للآداب)، في زيارتهم إلى فلسطين.
هنا، ومن أجل تحقيق فيلم
وثائقي يرصد آثار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، نهاية العام
2008، مطلع العام
2009، تلك العملية الشهيرة التي أُسميت «عملية الرصاص
المصبوب»، سوف يحضر المخرجان
(سمير
عبد الله، وخير الدين مبروك)، دون تصورات محددة لما سيفعلانه، بل بفعل هاجس
محدد هو أن ينجزا فيلماً وثائقياً يمكن له أن يقدم مساهمة في فضح العدوان
الإسرائيلي، من خلال تسليط الضوء على الآثار الدامية والمدمرة
التي خلفها هذا
العدوان.
لا سيناريو محدداً، ولا خطة واضحة. الهدف والعنوان هو المحرك لهذه
الرحلة، التي ستسير بلا كثير من الهُدى، أو المنهجية. سنعرف بدايتها
زمانياً
ومكانياً: في اليوم الثاني من وقف العدوان (أُعلن وقف العدوان
يوم 18/1/2009). ومن
خلال معبر رفح (ممر العبور ما بين مصر وفلسطين)، يدخل المخرجان برفقة
دليلهما
الفلسطيني (عبد الحليم أبو سمرة)، وسيرافقهم (عوض الخوالدة)، أحد العاملين
في
«المركز
الفلسطيني لحقوق الإنسان».
فيلم «غزة.. قصيدة فلسطين»، هو إنتاج مشترك،
يحمل أسماء أربع دول، معاً، هي: مصر, فلسطين, فرنسا, الإمارات
العربية المتحدة.
تمَّ الإنتهاء من العمل فيه عام 2010، وكان له أن عُرض في مهرجان دبي
السينمائي
الدولي الأخير، نهاية العام 2010، مشاركاً في مسابقة «المهر
العربي للأفلام
الوثائقية»، حيث جرى عرض النسخة الكاملة منه، والتي تبلغ مدتها 98 دقيقة،
فيما
قرأنا عن وجود نسخة مختصرة، للعرض التلفزيوني، تبلغ مدتها 55 دقيقة، بل
قرأنا أن
النسخة تحمل عنواناً آخر، هو «قطاع غزة.. اليوم الموالي»!..
يقوم فيلم «غزة..
قصيدة فلسطين»، على رحلة طويلة يقوم بها المخرجان، برفقة الدليل، يتنقلون
خلالها في
أنحاء قطاع غزة. يبدأ الفيلم من لحظة عبور «معبر رفح»، ويكاد لا ينتهي، أو
من
الممكن أن ينتهي، في أي لحظة!.. خاصة وأن المخرجين لم يحددا،
أو لم يوضّحا، أي
منهجية، أو أسلوبية، أو تيمة، يمكن لها أن تكون ناظم هذه الرحلة، أو أداة
توجيهها،
سواء أكان من حيث ملاحقة موضوعات، أو أشخاص، أو حالات، أو وقائع.. أو أكان
من ناحية
الانتظام الجغرافي، عبر مسار ما، ذاك الذي يمكن له أن ينظم تلك
المحطات التي تنتقل
الرحلة عبرها، أو المواقع التي يتوقف عندها، أو النقطة التي ينتهي إليها!..
انعدام هذا الأمر، كان له بالضرورة أن يجعل من
الفيلم بنية مفتوحة، يمكن لك أن تضيف لها ما تريد، وتحذف منها
ما تريد. ولعل هذا هو
السبب الذي جعل من الممكن للمخرجين الحصول على نسختين من الفيلم ذاته، تكاد
النسخة
الأولى منهما تبلغ ضعف الثانية، من ناحية المدة الزمنية (الأولى 98 دقيقة،
الثانية
55
دقيقة)، وهو ما يعني القدرة على الاستغناء على الكثير مما مرّ على
مشاهد النسخة
الكاملة، دون أن يتخلخل بناء الفيلم، أو تتضعضع مقولته!..
نعتقد، جازمين، أن هذه
الملاحظة تبقى آفة أيّ «فيلم طريق»، خاصة إذا لم يتمّ ضبط «فيلم الطريق»
بما
يحدّده، كأن يكون واضحاً، على المستوى المكاني: من أين يبدأ، وإلى أين
ينتهي. أو أن
يكون واضحاً، على مستوى الموضوع، في إطار تيمة معينة، أو غاية
مقصودة. وهذا مما لم
يتوضّح في فيلم «غزة.. قصيدة فلسطين»، إذ أنه اكتفى بالغاية العليا،
والمقولة
العامة، وقام برحلته، بشكل يصعب، حتى على العارفين بقطاع غزة، وفق أي منهج
يتحرك،
وأي طريق يسلك!.. عزّز من ذلك أن الفيلم اقتصد جداً في استخدام
الغرافيك، فاكتفى في
البداية بتحديد مكان قطاع غزة بالنسبة لفلسطين عموماً، ولعل كان من المناسب
له ولنا
أن يستخدم الغرافيك لتوضيح معالم الرحلة واتجاهاتها ومحطاتها ومواقعها.
في
المقابل، فإن الفيلم، وفي الوقت الذي حرص على الاقتصاد الواضح بإظهار الصور
الدامية، وأشلاء الضحايا، خاصة وأن أحداثه تالية لوقف العدوان، وبالتالي
فإن ما ظهر
من مشاهد قصف وعدوان وسقوط شهداء وجرحى، إنما هي استعانات أرشيفية مما سبق
لكاميرات
أخرى أن صورته من قبل.. نقول: في هذا الوقت، تماماً، فإن الفيلم قد شاء
التركيز على
الشهادات والتصريحات التي سيدلي بها فلسطينيون كثر، كان للفيلم
نصيب مقابلتهم، أكثر
من التركيز والاشتغال على الصور، الأمر الذي ذهب بالفيلم إلى لحظات نافرة،
ليس من
كثرة الكلام، فقط، بل من وقوع الكلام في مطبّات الإرتجال حيناً، ومآزق
الخطابية
والإنشائية، في أحيان أخرى.
دقائق طويلة يمنحها الفيلم لهذا أو ذاك، ولهذه أو
تلك.. إنه يتركهم يتحدثون للكاميرا، دون توقّف، تارة فيما يخصّ شؤون
السياسة، وأخرى
بالتاريخ، وتالية فيما يخصّ صراع الحضارات، وغيرها الكثير مما يمكن أن يرد
على
ألسنة، ترتجل الحديث أمام كاميرا، بدت غير مستعجلة، ولا تأبه
للوقت!.. وإذا انتبهنا
إلى أن المتحدثين، في عمومهم، هم من الناس البسطاء العاديين، المحدودي
الثقافة،
فعلينا أن نتخيل ما الذي سيقوله الكثيرون منهم!..
بل إن الفيلم الذي شاء (دون أن ندري السبب، أو
المبرر) إيراد الكثير من المقاطع الصوتية لإلقاء الشاعر محمود
درويش مقاطع من
قصائده الشهيرة، سيمنح دقائق طويلة أيضاً من وقته لأحد الفلسطينيين، ذاك
الرجل الذي
سيقدم مداخلات مطوّلة في السياسة والتاريخ والفكر، لا يمكن الاعتداد أبداً
بحصافتها. وسوف يقرأ، ما بينها، بعضاً مما كتبه، باعتبارها
قصائد من نظمه، في الوقت
الذي يمكن ببساطة الانتباه إلى أنها لا تمتّ للشعر بصلة، ولا يمكن مقارنتها
مع ما
سمعناه من مقاطع درويش المنتخبة، في فارق مذهل الهوّة.
فيلم «غزة.. قصيدة
فلسطين»، للمخرجين المصري سمير عبد الله، والجزائري خير الدين مبروك، هو
نموذج
لفيلم النوايا الحسنة. فيلم التضامن العاطفي الجارف، مع ضحايا العدوان
الإسرائيلي.
إنه نموذج للفيلم الاستقصائي، الذي ينطلق من رغبة مخرجيه، ومنتجيه، في
التعامل مع
قضية إنسانية وسياسية؛ قضية ينبغي لها أن تؤلم الضمير العالمي، وأن تحركه
من أجل
الوقوف والتصدي لهذه الممارسات الوحشية. ولكنه في الوقت نفسه،
هو نموذج الفيلم الذي
يتسامح بالكثير موضوعياً وفنياً، إلى حدّ الاسترسال، أو الاستسهال، وكأنما
دون كثير
من الاهتمام بالمنجز الفيلمي، الذي سبق أن تحقّق في هذا الصدد.
ومع فيض
الملاحظات هذه، لا بد لنا من القول إن هذا النوع من الأفلام، الذي ينتمي
إليها فيلم «غزة.. قصيدة فلسطين»، يمكن له أن يكون
قادراً على التوجه للرأي العام العالمي؛
مخاطبته، والتأثير في مشاعره، وربما اكتساب قدر كبير من
التعاطف، ولكن ذلك سيكون من
باب التعاطف مع ضحايا بسطاء!.. لن يقدّم الفيلم معرفة عميقة بقضيتهم، إلا
من ناحية
بُعدها الإنساني، وإن حاول تقديم أي معرفة، على ألسنة الضحايا أنفسهم،
فإنها لن
تكون معرفة جادة أو عميقة. إنها معرفة الارتجال السريع، والقول
الراهن
المسترسل.
كان الفيلم يحتاج للكثير من الضبط، وتحاشي الوقوع في مطبات الثرثرة،
التي لا طائل منها. كان عليه ضرورة التخلص من الشهادات المسرفة في كلامها
العادي،
سواء التي يقوم البعض بالحديث بلغة فصحى، ما فوق واقعية، حتى
تصل إلى درجة الخطابات
المثيرة للضحك. أو تلك التي يقوم المتحدثون خلالها التشدق بلغة أدبية، تتكئ
على
كنايات ودلالات، لا تتناسب مع واقعية الشهادات، ومواقع المتحدثين!..
كما كان على الفيلم ضرورة الابتعاد عن السخرية
الشوارعية من مفهوم الانتصار: «كمان انتصارين زي هيك، ما بيظلّ
ولا فلسطيني في
غزة»!.. هذه التي كرّرها الفيلم أكثر من مرة، بل إنه بدأ منها، في مشهد
خارج تماماً
عن بنية الفيلم، سابق على انطلاق أحداثه، بما لا يليق بفيلم سينمائي. وإلا
كيف يمكن
لنا قبول رؤية مشهد يأتي قبل انطلاق رحلة المخرجين، وقبل رؤية دخولهما قطاع
غزة،
يُقال فيه هذا الكلام، ومن ثم نعود، قبيل نهاية الفيلم، لرؤية
المشهد ذاته؟.. لا
أدري وفق أي منطق يمكن أن يكون ذلك؟.. أو كيف يمكن للمخرجين، أو المونتيرة
«كاهنة
عطية»، قبول ذلك؟..
بعيداً عن هذه الملاحظات جميعها، وعلى الرغم منها، لا بد من
ذكر أن فيلم «غزة.. قصيدة فلسطين»، للمخرجين المصري سمير عبد الله،
والجزائري خير
الدين مبروك، يبقى واحداً من الأفلام الوثائقية التي حظيت بإقبال شعبي،
وتكريم
رسمي، كان منها أن نال «جائزة فرانس تلفزيون الكبرى للفيلم
الوثائقي، والريبورتاج
المتوسطي للفيلم الوثائقي»، وورد في تقرير اللجنة أن «هذه الجائزة تكافئ
المخرجين،
اللذين تمكّنا من استجواب وعرض الأحداث، والإصغاء لضحايا الاعتداء
الإسرائيلي، الذي
استهدف السكان المدنيين». وفي هذا المجال هو حقّ لا جدال فيه.
الجزيرة الوثائقية في
20/03/2011
الجزيرة الوثائقية في
20/03/2011
|