يُمكن القول، ببساطة،
إن السياسة وتداعيات حرب الخليج الثانية والأكاذيب التي روّجتها الإدارتان
الأميركية والبريطانية ضد العراق تمهيداً لاحتلاله، اجتمعت
كلّها في خلفية منح فيلم
«الكاتب
الشبح» لرومان بولانسكي أربع جوائز «سيزار». يُمكن القول، أيضاً، إن آثار
الإقامة الجبرية التي فُرضت على بولانسكي في سويسرا، في ظلّ مفاوضات صعبة
أُقيمت
بين هذا البلد والقضاء الأميركي المستمرّ في مطاردة المخرج،
بسبب تهمة ممارسة الجنس
مع قاصرة قبل نحو ثلاثين عاماً، بدت جزءاً من الاحتفال بالفيلم ومخرجه، بعد
إطلاق
سراحه من المنتجع السويسري «غشتاد». ذلك أن «الكاتب الشبح»، على الرغم من
أهميته
الدرامية في مقاربة تفاصيل السيرة الذاتية لرئيس وزراء بريطاني، من خلال
«كاتب شبح»
طُلب منه كتابة هذه التفاصيل، لا يُعتبر من
أفضل أفلام رومان بولانسكي (مواليد
باريس، 18 آب 1933)، أو أهمّها أو أجملها. علماً أن فيلماً
سابقاً له بعنوان «عازف
البيانو» مثلاً، الفائز بجائزة «سيزار» أفضل فيلم فرنسي في دورة العام
2003، شكّل
محطة لافتة للانتباه في سيرة المخرج، لجمالياته المتفرّقة في الكتابة
والمعالجة
والأداء (خصوصاً أدريان برودي) والاشتغالات الفنية، الخاصّة
كلّها بحكاية عازف
بيانو يهودي بولوني يُدعى فلاديسلاف زبيلمان، يواجه قدره أثناء الحرب
العالمية
الثانية ومعسكرات المحرقة النازية.
بعيداً من السياسة وأكاذيبها، وفنون «الكتابة
الشبحية» ومتاهاتها الغارقة في الجريمة والعنف المبطّن وألاعيب أجهزة
الاستخبارات الغربية، منحت «أكاديمية فنون السينما وتقنياتها»، المؤسَّسة
الفرنسية
المشابهة لـ«أكاديمية الفنون والعلوم السينمائية» الهوليوودية
مانحة جوائز «أوسكار»،
في دورتها السادسة والثلاثين، أربع جوائز «سيزار» لفيلم «الكاتب الشبح»
أهمّها في فئة أفضل إخراج، إلى جانب فئات أفضل اقتباس قام به المخرج
متعاوناً مع
روبرت هاريس عن كتاب لهذا الأخير، وأفضل موسيقى مؤلَّفة خصّيصاً بالفيلم
وضعها
ألكسندر ديبلات، وأفضل مونتاج لإيرفي دو لوز.
مفاجأة
غير أن المفاجئ كامنٌ
في فوز فيلمين فرنسيين شكلاً ومضموناً وإنتاجاً بثلاث جوائز فقط لكل واحد
منهما.
المفاجئ كامنٌ، أيضاً، في أن هذين الفيلمين يُعتبران، نقدياً، أهمّ من
«الكاتب
الشبح»، وأفضل اشتغالاً فنياً وتقنياً ودرامياً، وأقدر على إثارة سجال
ثقافي
وأخلاقي وإنساني، داخل فرنسا وخارجها. ذلك أن «رجال وآلهة»
لكزافييه بوفوا، الذي
استعاد حكاية الجريمة الغامضة والملتبسة التي ذهب ضحيتها سبعة رهبان
فرنسيين، نحرهم
أصوليون إسلاميون في جزائر الحرب الأهلية البشعة في تسعينيات القرن
المنصرم، بنى
حبكته الدرامية على إعادة خلق المناخ السابق للجريمة، في لحظة
انكشاف معلومات سرية
أفادت أن الجيش الجزائري ارتكب المجزرة بحقّ الرهبان، إما خطأ وإما بهدف
توريط
جماعات أصولية متطرّفة. في حين أن «غاينسبور، حياة بطولية» لجوان سْفار غاص
في
المسارات المتعرّجة للحياة الصاخبة التي أمضاها الفنان سيرج
غاينسبور، وللفضائح
التي صنعها، وللقدرة الذاتية الفائقة على صناعة التمرّد الخالص على السائد.
سيرج
غاينسبور جزءٌ أساسي من التاريخ الفرنسي الحديث. من الثقافة المتفلّتة من
أي قيد.
من الجنون الذاهب بصاحبه إلى أجمل السلوك والإبداع.
هذان فيلمان فرنسيان.
استلاّ قصّتهما من التاريخ الحديث لفرنسا.
أو من التاريخ المعاصر. أعادا رسم صورة
مرحلة ومناخ. شخصيات عرفتها فرنسا فأثير حولها سجال لا يهدأ.
بعض هذه الشخصيات
مرتبط بالجماعة. بالصراع المستمرّ بين المستعمِر ومستعمرته القديمة. بين
دينين
سماويين. أو بين جماعات متناحرة في حرب أهلية داخلية، قبل أن تجد هذه
الشخصيات
نفسها في أتون النار التي ضربت بلداً أرادته الشخصيات الدينية
المسيحية امتداداً
لتربيتها الناشئة من الحبّ والغفران والمصالحة. أما شخصية الفنان غاينسبور
فمختلفة:
التمرّد على السائد. لكن التمرّد على الذات
أيضاً. الإبداع دربٌ إلى سرد الحكاية.
والاشتغال الفني بديعٌ في إعادة صوغ الشخصيات والحالات والفضاء والنزاع
الذاتيّ
الداخلي المرير.
في الحفلة المُقامة مساء الجمعة الفائت في «مسرح شاتلي» في
باريس، مُنح «رجال وآلهة» ثلاث جوائز «سيزار» في فئات أفضل فيلم للمنتجين
باسكال
كوشوتو وغريغوار سورلا وإتيان كومار، وأفضل ممثل في دور ثانٍ لميكايل
لوندال، وأفضل
تصوير لكارولين شانبوتييه. كما مُنح «غاينسبور، حياة بطولية»
ثلاث جوائز «سيزار»
أيضاً، في فئات أفضل ممثل لإيريك إلموسنينو، وأفضل صوت لدانيال سوبرينو
وجان غودييه
وسيريل أولتز، وأفضل أول فيلم للمنتِجَين مارك دو بونتافيس وديدييه لوبفر.
جوائز متفرّقة
إلى ذلك، فاز «اسم الناس» لميشال لوكليرك (عُرض في «أسبوع
النقّاد» في الدورة الثالثة والستين لمهرجان «كان» السينمائي
في أيار الفائت)،
بجائزتي «سيزار» في فئتي أفضل ممثلة لساره فورستييه وأفضل سيناريو أصلي
لبايا كاسمي
وميشال لوكليرك: يروي الفيلم حكاية امرأة تمارس الحبّ مع رجال يمينيين
لتبديل
آرائهم السياسية والاجتماعية، قبل أن تلتقي أحدهم تُصنّفه
سريعاً في خانة الفاشيّ
المتزمّت، فتبدأ مرحلة جديدة من حياتها. وذهبت «سيزار» أفضل ممثلة عن دور
ثان لآن
آلفارو عن تمثيلها في «ضجيج مكعّبات الثلج» لبرتران بلييه: حكاية رجل يُصاب
بمرض
سرطاني، فإذا بالسرطان يرغب في التعرّف إليه. وفاز «كل ما
يلمع»، الروائي الطويل
الأول لجيرالدين نقّاش وإيرفي ميمران، بـ«سيزار» أفضل أمل تمثيلي نسائي
ذهبت لليلى
بختي: صديقتان تسعيان إلى الاندماج في المجتمع المخملي الباريسي، وتلتقيان
نساء
تحاولان إقناعهنّ بأنهما منتميتان إلى طبقة أرقى. وحصل
«كارلوس» لأوليفييه أساياس
على «سيزار» أفضل أمل تمثيلي رجالي نالها إدغار راميرز، عن تأديته دور
الإرهابي
الأممي كارلوس. أما جديد برتران تافرنييه «أميرة مونبونسييه»، المقتبس عن
قصّة
لمدام دو لا فاييت تدور أحداثها في العام 1562 أثناء حكم الملك
شارل التاسع والحروب
الدينية بين الكاثوليك والبروتستانت، ففاز بـ«سيزار» أفضل أزياء نالتها
كارولين دو
فيفاز. في حين أن «سيزار» أفضل ديكور كانت من نصيب هوغ تيسّاندييه، عن
اشتغاله في «المغامرات الخارقة لأديل بلان ـ سك» للوك
بوسّون، الذي رافق الصحافية أديل في
مغامراتها المتنوّعة في العام 1912، في مناخ بوليسي تشويقي خيالي، جعلها
تواجه
مومياءات فرعونية، بينما باريس تعاني حضوراً غريباً لكائنات غير بشرية.
أخيراً،
لم يكن فوز «الشبكة الاجتماعية» للمخرج الأميركي ديفيد فينشر بـ«سيزار»
أفضل فيلم
أجنبي خارجاً عن المألوف. إذ إن هذا الفيلم بدأ يشقّ طريقه الخاصّة
بالجوائز، بعد
أسابيع قليلة على فوزه بأربع جوائز «غولدن غلوب» (الكرة الذهبية) مساء
السادس عشر
من كانون الثاني الفائت، أبرزها في فئتي أفضل فيلم درامي وأفضل
إخراج. وهذا يعني أن
إمكانية فوزه بجوائز «أوسكار»، التي يُفترض أن تُعلن مساء الأحد في السابع
والعشرين
من شباط الجاري بتوقيت هوليوود (فجر الاثنين بالتوقيت المحلي)، باتت كبيرة.
«الشبكة
الاجتماعية» تناول سيرة مؤسّسي «فايسبوك» بأسلوب فينشر الجامع
بين التشويق والتاريخ
ومرآة الزمن الراهن.
بالعودة إلى جوائز «سيزار»، فقد مُنح «لوغوراما» للثلاثي
فرنسوا آلو وإيرفي دو كريسي ولودفيك أوبلان بجائزة أفضل فيلم
قصير، ذهبت إلى المنتج
نيكولا شميركان، و«المُخادع» لسيلفان شومي بجائزة أفضل فيلم تحريك ذهبت إلى
المنتج
مارك لاكان، و«محيطات» لجاك بيران وجاك كلوزو بجائزة أفضل فيلم وثائقي ذهبت
للمنتِجَين بيران ونيكولا موفرني.
السفير اللبنانية في
28/02/2011
لوتشينو فيسكونتي سينمائي الزمن المفقود
يزن الأشقر
بيروت تحتفي بالمعلّم في ذكراه الخامسة والثلاثين الأرستقراطي الماركسي
الذي أسس للواقعيّة الجديدة، قبل أن يمضي إلى ذروة الجماليّة المشغولة
بعناية شبه مسرحيّة، عاش وأبدع عند الحد الفاصل بين عالم ينتهي وآخر يعيش
مخاضه الصاخب والمقلق. «متروبوليس» تستعيد أعماله التي تعدّ من روائع الفن
السابع
من المفرح أن تكون العاصمة اللبنانية جزءاً من خريطة الاحتفالات العالميّة
بالمعلّم الإيطالي في الذكرى الـ35 لرحيله.
لوتشينو فيسكونتي (1906ــ 1976)
سيحلّ ضيفاً على المدينة، إذ تحتفي
«متروبوليس أمبير صوفيل» والمركز
الثقافي الإيطالي، بصاحب «موت في البندقية». 11 فيلماً بعضها طبع تاريخ
الفنّ السابع يعيد اكتشافها الجمهور اللبناني بنسخ 35 ملم. السينمائي
الشهير الذي أبدع في مجالات المسرح والأوبرا، والأرستقراطي الذي بقي
ماركسياً حتى رحيله، والفنّان البروستي الذي جاهر بمثليّته الجنسيّة، يخيّم
طيفه تسعة أيّام على بيروت ابتداءً من الجمعة. يعدّ فيسكونتي أحد مؤسسي
تيار «الواقعية الجديدة» في السينما الإيطالية، علماً بأنّه أبحر إلى ضفاف
جماليّة وفكريّة تخصّه وحده. بعد انتشار أفلام البروباغندا في عهد
الديكتاتور موسوليني الذي أولى أهمية للسينما في نشر الفكر الفاشي، بدأت
تبزغ بوادر تيار جديد في السينما الإيطالية مع «أربع خطوات في الغيوم»
(1942) لأليساندرو بلاسيتي، و«هوس» (١٩٤٣) لفيسكونتي. تحت تأثير الواقعية
الشعرية الفرنسية والفكر الشيوعي والإنسانوية المسيحية، تحددت سمات
الواقعية الإيطالية الجديدة في الخمسينيات بأفلام تدور حول الطبقة العاملة
في إيطاليا الخارجة من الحرب العالمية الثانية.
إحدى العلامات الفارقة في مسيرة فيسكونتي كانت استوديو
Cinecittà
الذي أسسه الديكتاتور الإيطالي خدمة للبروباغاندا الفاشية. هناك تعرّف إلى
روسيليني وفيلليني وجيوسيبي دي سانتيس، وكتب مع الأخير سيناريو باكورته
«هوس» اقتباساً عن رواية الأميركي جايمس كاين «ساعي البريد يدق دائماً
مرتين»، عن متشرّد يقيم علاقة مع امرأة صاحب مطعم.
في 1948، أنجز «الأرض تهتزّ» (5/3، س:7:00) عن معاناة صيادي الأسماك في
قرية
Aci Trezza
في الجنوب الإيطالي. وأتبعها بفيلم «رائعة الجمال»
Bellissima
(٦/٣، س: 8:00) الساخر عام 1951 عن عالم السينما وأوهامها في استوديوهات
«سينيتشيتا»... قبل أن يبتعد عن الواقعية الجديدة بـ
Senso («حسّ»، ١٩٥٤ ــ 7/3، س: 8:00) في اقتباس لرواية كاميلّو بواتو
القصيرة بالعنوان نفسه. تدور أحداث الفيلم الذي لقي استهجاناً نقدياً
لابتعاده عن الواقعية الجديدة، عام 1866 خلال الحرب بين إيطاليا والنمسا.
نحا فيسكونتي إلى الرومانسية في تصوير قصة كونتيسة إيطالية تخون بلدها مع
ضابط نمسوي. لكن فيسكونتي عاد بعدها إلى الواقعية الجديدة وشخصياته
المكافحة في «روكو وإخوته» (1960ـــــ9/3، س: 7:00). بعدها، صوّر «الفهد»
Il Gattopardo (١٩٦٣ ـــ 4/3، س: 7:00) الذي نال «سعفة كان الذهبية»، وتناول
الاضطرابات التي تواجه الطبقة الأرستقراطية في صقلية في الستينيات من القرن
التاسع عشر مع وصول جيش غاريبالدي. ومن خلاله ألقى المعلّم نظرته على طبقة
آفلة وزمن منته، عشيّة بروز عالم آخر بقيم وأنماط إنتاج مختلفة.
أما «موت في البندقية» (1971ـــــ 10/3، س: 8:00)، أحد أشهر روائع الفن
السابع، فاقتبسه عن رواية توماس مان القصيرة. صوّر ضياع كاتب عجوز في
متاهات المرض والموت والأفول، مطارداً طيف الفتى البولوني الذي يجسّد
الجمال البريء في متاهات البندقيّة على خلفيّة عالم ينهار. ويضيق المجال
هنا عن تناول تفصيلي لأفلام فيسكونتي الأخرى التي تعرضها «متروبوليس»، من
«الليالي البيضاء» (1957ـــ 8/3، س: 8:00)، إلى «لودفيغ» (1972ـــ 12/3، س:
7:00) الذي يقدّم قراءة مجازيّة من وحي حياة لويس الثاني ملك بافاريا الذي
يعالج وجعه الوجودي الدفين باللهو والمجون والفن العظيم. ونصل إلى «مشهد من
جلسة عائليّة» (1974ــ 11/3، س:8:00) الذي عُدّ فيلمه الوصيّة. ذلك
البروفسور في خريف عمره وقد اقتحمت حياته عائلة متحللة تحمل صخب الأزمنة
الحديثة، يحمل الكثير من ملامح السينمائي. وهناك طبعاً «البريئة» (١٩٧٦ــ
١٣/٣، س: 8:00) الذي رحل بعيد إنجازه، ويحمل بصمات حبّه الأوّل، أي
الأوبرا.
السينما عند فيسكونتي تتصف بجاذبية الصورة والمناخات البصريّة والديكور،
والاهتمام بالتفاصيل. اهتمامه بالفن وبالمسرح والأوبرا التي أخرج عدداً من
أعمالها، أسهم في منح صورته جماليات متعددة. حبكاته ميلودرامية «تقع عند
نقطة التقاء بين المسرح والحياة»، بتعبيره. يحافظ على البعد السيكولوجي
لشخصياته بلقطات طويلة. الواقعية الإيطالية الجديدة جعلته يهتم بإلقاء نظرة
تحليلية ماركسية على مشكلات الطبقة العاملة في أفلامه، ويبيّن صراعات
الطبقة الأرستقراطية وتناقضاتها. إنّه «سينمائي الوقت»، على حدّ تعبير جيل
دولوز، وأعماله محاولة للبحث في الزمن الضائع. كان قارئاً شغوفاً لتوماس
مان ومارسيل بروست الذي مات قبل نقل رائعته إلى الشاشة. عرف كيف يجمع
الأضداد: لغة صيادي الأسماك الصقليين وجمال التراجيديا الإغريقية في «الأرض
تهتزّ». كتب الناقد الفرنسي الراحل سيرج داني مرةً: «فيسكونتي مشهور بقدر
ما هو مجهول. صاحب لغة سينمائيّة مغلقة بإحكام، لا يضاهيها شيء في تاريخ
السينما».
من البرنامج
«الفهد» ـــ (1963)
4/3 < 07:00
نحن في صقلية عام 1860، مع ألان دولون، وبرت لانكاستر، وكلوديا
كاردينالي... أحد أبرز كلاسيكيات السينما الإيطالية، يسلّط الضوء على تهاوي
سلطة النبلاء، على وقع صعود البورجوازية. فهل ينسى أمير سالينا كبرياءه،
ويغيّر جلدته وفقاً للتحوّلات؟ وهل يقبل تزويج ابن أخيه المفضّل بشابة لا
تحمل الدم النبيل؟
«الأرض تهتزّ» (1948)
5/3 < 07:00
نحن في قرية صغيرة تقع شرق صقلية، في عشرينيات القرن الماضي. تتمحور الحبكة
حول عائلة من الصيادين، آل فالاسترو، يحاولون بشتى الوسائل مقاومة
الاستغلال، بقيادة انتوني الابن الأكبر. العمل المأخوذ عن رواية لجيوفاني
فرغا، ملحمة حول الصراعات الطبقيّة، وتحديات العمال والفقراء وهنا
الصيادين.
«موت في البندقيّة» (1971)
10/3 < 08:00
نحن في البندقيّة عام 1911، على عتبة الحرب العالمية الأولى، حين تحوّلت
المدينة العائمة إلى ملتقى للشباب البرجوازي اللامبالي. نلاحق هنا قصّة
مؤلف موسيقي عجوز، يقع في غرام مراهق، في وقت تدق فيه الكوليرا أبواب
المدينة. العمل اقتباس عن رواية توماس مان، وفيه حضور قوي لموسيقى مالر.
«الليالي البيضاء» (1957)
8/3 < 08:00
نحن في مدينة مجهولة، حيث يلتقي ماريو الوحيد والهائم على وجهه بنتاليا
الباكية. على الجسر، تنتظر نتاليا حبيبها منذ وقت طويل، لكنّ ماريو يقع في
غرامها، مواصلاً صد نساء أخريات يتقرّبن منه... العمل المأخوذ عن رواية
دوستويفسكي، يضع البطل في نهاية الشريط وجهاً لوجه مع أوهامه.
«روكو وإخوته» (1960)
9/3 < 07:00
نحن في ميلانو بعد الحرب العالميّة الثانية، نلتقي حول مأساة عائلة باروندي
وصراعاتها، على وقع بزوغ عصر جديد... رائعة فيسكونتي ترصد حياة عائلة
إيطالية ريفية تنزح إلى ميلانو، حيث روكو يدخل عالم المصارعة مرغماً، ويدخل
في حرب قسريّة مع أخيه، تنتهي بجريمة عاطفيّة.
«لودفيغ» (1972)
12/3 < 07:00
نحن في النمسا على عهد الملك لويس الثاني، ملك بافاريا... العمل أكثر من
استعادة تاريخية لسيرة الملك، منذ صعوده إلى العرش عام 1864 حتى موته عام
1886. إنّها قصّة جنون تام، ووثيقة سينمائية حيّة تتطرق إلى المثليّة، وإلى
علاقة الفنان بالسلطة وتشعباتها، من خلال شخصية الموسيقي الألماني ريتشارد
فاغنر.
الأخبار اللبنانية في
28/02/2011
وبلغ
Dox Box
شاطئ الأمان
سوريا تحتضن «أيام سينما الواقع»
أنس زرزر
الدورة الرابعة تمتدّ من الصين إلى بريطانيا، وتتوقّف عند هموم الشباب
والعنف ضدّ المرأة. بعد غد ينطلق هذا الموعد العربي المهمّ مع الفيلم
التسجيلي، تحت راية الثقافة المستقلّة
دمشق | قبل أربع سنوات، انطلقت الدورة الأولى من «مهرجان أيام سينما الواقع
ــــ دوكس بوكس». في ذلك الوقت تخوّف كثيرون من عدم استمرار التجربة التي
تعدّ من المبادرات الثقافية المستقلة في سوريا. لكن برنامج الدورة الرابعة
التي تفتتح بعد غد، يأتي ليؤكّد أن تلك المغامرة الشابيّة تدخل اليوم مرحلة
النضج.
المهرجان الذي يديره السينمائي عروة نيربيّة ورفاقه، بلغ شاطئ الأمان،
وتحوّل إلى أحد المواعيد الإقليمية المهمّة، لكونه الوحيد المعنيّ بتقديم
الفيلم التسجيلي في الشرق الأوسط. «الأهم هو خلق حدث سنوي في المنطقة
يقدِّم هذا النوع من الأفلام» على حد تعبير نيربيّة الذي أعلن خلال مؤتمر
عقده في سينما «الكندي» في دمشق، انضمام مدينة حلب إلى خريطة المهرجان، إلى
جانب طرطوس وحمص ودمشق طبعاً.
على البرنامج هذا العام عدد مدهش من الأعمال: 43 فيلماً، يتوزّع عرضها، بين
2 و10 آذار (مارس)، على ثلاث صالات هي «كندي» (دمر)، و«الزهراء» و«كندي»
(دمشق) التي تحتضن عرض الافتتاح مساء الأربعاء، وهو بعنوان «القطار الأخير
إلى المنزل»، ويحمل توقيع الصيني ليكسين فان. يعالج الفيلم أوضاع العمال
الصينيين أثناء هجرتهم الموسمية من الريف إلى المدينة التي تعدّ من أكبر
الهجرات البشرية في التاريخ المعاصر.
توزعت باقي العناوين على تظاهرات مختلفة، أولاها «المختارات الدولية» وتعرض
17 فيلماً، تتنافس على جائزة الجمهور الذي يصوّت عليها المشاهدون مباشرة
بعد انتهاء العرض. ثمانية من هذه الأفلام تقدّم للمرة الأولى في العالم
العربي. ولعل أهمها فيلم الختام «تصبح على خير، يا لا أحد» للسويسرية
جاكلين زوند. يغوص الفيلم في العوالم النفسية لأربع شخصيات من بلدان
مختلفة، تجمعهم معاناتهم من الأرق المزمن. وتستضيف تظاهرة «لقاء مع مخرج»
هذا العام، البريطانية كيم لونجينوتو التي تعدّ من أهم المخرجين
التسجيليين، وتعالج أعمالها واقع المرأة والقاصرين في مختلف المجتمعات.
فرصة نادرة أمام الجمهور السوري كي يكتشف أعمالها «الساري الوردي»، و«ضمني،
أفلتني» و«أخوات في القانون»، و«كبرياء المكان»... وهذا الأخير يقدّم في
عرضه العالمي الأول.
ضمن الفعاليات الموازية، ستقيم كيم لونجينوتو ورشة عمل مع السينمائيين
السورييين الشباب، علماً بأنّها تشارك أيضاً إلى جانب التشكيلي السوري أحمد
معلا، والمخرج الدنماركي تويه ستين موللر في لجنة تحكيم تظاهرة «أصوات من
سوريا». تتنافس في هذه المسابقة ستة أفلام أنجزها مخرجون سوريون شباب على
جائزة «دوكس بوكس ــــ صورة». ثلاثة من هذه الأفلام تُعرض للمرة الأولى هي
«الشعراني» لحازم الحموي، و«صفقة مع الشيطان» لأديب الصفدي، و«مدينة
الفراغ» لعلي الشيخ خضر. الأفلام الأخرى نالت جوائز في مهرجانات دولية
مختلفة: «سقف دمشق وحكايات من الجنة» لسؤدد كنعان فاز بالجائزة الثانية
لأفضل وثائقي عربي في «مهرجان دبي». يتناول الفيلم القصص الشعبية التي
يتناقلها الناس في دمشق، وما تمثّله من موروث شعبي يواجه خطر الاندثار في
وجه العولمة. أما «في انتظار أبو زيد» لمحمد علي أتاسي، فيقدم بورتريه
خاصاً للمفكر نصر حامد أبو زيد الذي غادرنا العام الماضي. وأخيراً، سنشاهد
«راقصون وجدران» للمخرج الشاب إياس مقداد الذي يقدم تفاصيل رحلة قامت بها
مجموعة من الراقصين العرب والأجانب إلى بيروت عام 2006. إضافة إلى
التظاهرات الجانبية، هناك تظاهرة «روائع المهرجانات» التي تحظى بمتابعة
استثنائية من الجمهور. وستعرض أربعة أفلام حازت جوائز عدة. لكن الأمور ليست
كلّها سهلة في
Dox Box.
سألنا عروة نيربية عن المشاكل التي يعانيها المهرجان، فتحدّث كالعادة عن
«غياب الجهات الراعية التي تقدم دعماً مادياً». وعن الرقابة التي ألغت عرض
بعض الأفلام العام الماضي، نفى نيربية تكرار ذلك هذه الدورة: «لم يحذف أي
من مشاهد أفلام هذا العام، لكن هناك دوماً بعض الأفلام التي تمنع الدوائر
المختصّة عرضها للأسف».
الأخبار اللبنانية في
28/02/2011
ماهر أبي سمرا: «شيوعيين كنّا»
بيار أبي صعب
أربعة رفاق قدامى، أحدهم صاحب الفيلم، يلتقون، بدعوة من هذا الأخير،
لاستحضار مرحلة مفصليّة في حياتهم الحزبيّة والشخصيّة. معهم يبني ماهر أبي
سمرا أحدث أفلامه «شيوعيين كنّا» (HDV، ٨٥ د) الذي تنطلق عروضه التجاريّة يوم ٣ آذار (مارس) المقبل في
بيروت. اجتمع هؤلاء، لفترة شريط سينمائي، كي يقيسوا المسافة الفاصلة بين
انهيار مشروع كان يجمعهم (النضال في صفوف الحزب الشيوعي خلال سنوات مفصليّة
من الحرب الأهليّة، وتحديداً مقاومة إسرائيل)، وصعود مشروع آخر يقفون منه
اليوم في مواقع مختلفة، تتراوح بين الخوف والرفض والشك والحيرة والتعاطف
وانتماء الأمر الواقع (المقاومة التي فرضتها سيرورة الصراع في لبنان
والمنطقة).
حسين أيوب وبشار عبد الصمد وإبراهيم الأمين وماهر أبي سمرا، انفضّوا عن
الحزب، وسلكوا دروباً مختلفة.
«الحزب الشيوعي اللبناني» خلفهم، و«حزب
الله» من أمامهم. فما العمل؟ يعيدون «تمثيل المعركة» ذات يوم من
شتاء ١٩٨٧، أرّخ للسيطرة السوريّة على لبنان. يراجعون تجربتهم، ويطرحون
أسئلتهم الحارقة. نكتشف مثلاً أن قيادات الحزب الشيوعي هي التي تخلّت عن
خيار «المقاومة». تعلق في آذاننا جمل كثيرة عن الحزب الشيوعي: «كان أداة
استعملتها الطوائف»، «كأنه صندوق أمانات، تترك فيه كل شيء، ثم تستعيد ما
تركته عندما تخرج». «أنتم تعودون إلى طوائفكم، نحن ليس لدينا مكان نعود
إليه».
يحقق ماهر أبي سمرا (1965) أحد أكثر أفلامه ذاتيّة وإثارة للجدل. تتقاطع
سيرته الخاصة مع السيرة الكبرى. مساره، أفلامه، شكوكه، مع تجارب الآخرين
وحكاياتهم. الفيلم يستند إلى بنية ديناميّة، تتجاور فيها المونولوغات ثم
تتشابك. لقطات طويلة لكلّ من الشخصيات الأربع في السيارة، خلال عودته إلى
القرية: الملاذ الوحيد الباقي، توازيها كاميرا ثابتة تترك الشخصيات تتحرّك
صوبها ببطء من بعيد. نشير إلى المؤثرات البصريّة والمسرحيّة المختلفة
(الحوار على الشموع، نساء يتحجّبن في لعبة المرايا...). وإلى مجاز الجنّ
الذي يعود إلى شبعا، قرية ماهر، في الختام.
الفيلم مستفزّ أيضاً، إذ يسلّط الضوء على أزمة بعض النخب اليساريّة،
وتقاعسها عن اللحاق بحركة الواقع. منذ متى يملك اليساري ترف الحياد؟
الأخبار اللبنانية في
28/02/2011
يوم تاه الأخوان كوين في الغرب البعيد
يزن الأشقر
هوليوود مغرمة بإعادة إنتاج الأفلام. عموماً، تقوم هذه العلاقة بين الفيلم
الأصلي وإعادة إنتاجه بصورة جديدة، إما بناءً على رغبة تجارية، كإعادة
إنتاج فيلم أوروبي مع إضافة معادلات هوليوودية وهرمونات تضخيم تجارية، أو
بناءً على رغبة شخصية من المخرج ذاته لإعادة تقديم العمل الأصلي من وجهة
نظر أخرى. وفي الحالة الثانية، تندرج إعادة تقديم فيلم الويسترن الذي يحمل
توقيع الأخوين جويل وإيثن كوين
True
Grit (شجاعة حقيقيّة، عنوان أغنية لغلين كامبل
في الفيلم).
الشريط الذي أخرجه الأميركي هنري هاثاوي عام 1969 ولعب بطولته الممثل
القدير جون واين، أخذه السينمائيان الأميركيان المشاغبان، ووضعاه في قالب
حديث من بطولة جيف بريدجيز. الفكرة كانت أن يأتي الاقتباس الجديد لرواية
الأميركي تشارلز بورتيس، أكثر أمانة من نسخة هاثاوي الأصلية، وأن يكون
التركيز على الفتاة ماتي روس في صوت الحبكة الأصلي، على عكس النسخة
القديمة. لكن في ثاني أعمال الأخوين كوين المقتبسة عن رواية، يبدو العمل
السينمائي هنا ناقصاً عكس فيلمهما الجميل «لا بلد للعجائز» (2007).
تدور أحداث الرواية في الغرب الأميركي البعيد أو الـ
Far West،
بُعيد حرب الانفصال بين الشمال والجنوب في الولايات المتحدة. ويتناول قصة
ماتي روس (هايلي ستاينفيلد) ابنة الأربعة عشر عاماً التي تبحث عن توم تشيني
قاتل والدها في مزرعتهم في ولاية أركنساس. تستعين ماتي بالمارشال روبين
كوغبيرن (جيف بريدجيز) عارضةً عليه جائزة نقدية لقاء القبض على تشيني
وقتله. لاحقاً ينضمّ إليهما لوبوف (مات دايمون) أحد حرّاس تكساس، ليغادر
الثلاثة نحو أراضي الهنود، السكان الأصليين، بحثاً عن تشيني.
بعيداً عن المقارنة بين النسختين السينمائيتين، جاء فيلم الأخوين كوين
ضعيفاً. إعادة بعث أفلام الغرب الأميركي في السنوات الأخيرة لم تكن موفّقة
عموماً. وآخر مثال متميز على ذلك فيلم كلينت إيستوود
Unforgiven
(غير القابل للغفران ــــ 1992).
فيلم الأخوين كوين يحتوي على عناصر سينمائية تنتمي إلى أفلام «الويستيرن
المعدلة»، كمنح دور أكبر للمرأة، والاعتماد على الأنتي بطل كما رأيناه في
شخصية بريدجيز. لكن حالما نغادر المشاهد الأولى الجميلة التي يفتتح بها
الفيلم، نلاحظ أنّ الموسيقى التصويرية وُظِّفت بطريقة تستجدي العواطف.
ويبقى أداء هايلي ستاينفيلد والحوار أقوى عناصر الشريط، فيما ترنّح دور جيف
بريدجيز بين الجودة والتكلف. شخصية تشيني بدت بعيدة لا تحوي ذلك الزخم الذي
تتمتع به تلك الأدوار في أفلام الغرب الأميركي. باختصار، جاءت تجربة جويل
وإيثن كوين مع أفلام الويستيرن هوليوودية مشوّقة، لكن مع ضعف في البنية.
الأخبار اللبنانية في
28/02/2011 |