بدأت
تباشير مهرجان سينما DOX BOX
في دمشق لهذا
العام بعرض سلسلة من أفلام المخرج الألماني فرنر هيرتسوغ
Werner Herzog
بدأ عرضها
من 9 يناير وهو مستمر حتى 27 فبراير هيرتسوغ المولود في ميونخ1942 بدأ
حياته
السينمائية في 1962 منجزاً على مدى عشرات السنين ما يربو على ستين فيلماً.
لحسن
الحظ كان من بين الأفلام المعروضة أفلام عن هيرتسوغ ونشاطه التسجيلي... ما
يضيف
وثائق هامة إلى هذه التظاهرة ترصد وتشرح مدى أهمية هذا المخرج
(السوبر).. نكاد نكون
أمام صورة "مثالية" قد يخالها البعض شبه مستحيلة، صورة تعيد طرح مسألة هامة
حول ما
يمكن أن يعنيه المخرج التسجيلي بوصفه إنسان يتابع "ما يجري" وموقفه مما
يجري... ومن
جهة أخرى: مدى الاحتمالات الممكنة واتساع الرؤية ومن ثم الأمداء التي
تعنيها عبارة "ما
يجري": نحن هنا أمام مخرج "انتحاري" وفي نفس الوقت إنسان يشغل مجساته
ومستشعراته بأقصى الطاقات الممكنة متجاوزاً بحساسيته الحدود الوطنية
والإقليمية
وحتى القارية ببحث معرفي يفتح الآفاق أيضاً على كل ما تعنيه كلمة إنسان بل
وبنظرة
تتجاوز الإنسان نحو رؤى كونية تعبر أول ما تعبر عن حرية قل
نظيرها تسمح لصاحبها
بالانطلاق نحو كل صوب.
في فيلم "السوفرير" (1977) الذي انطلق فيه إلى
جزيرة في المحيط الهندي يرصد هيرتسوغ حالة بركان موشك على
الانفجار... وقد حذر
العلماء والأخصائيين أنه سينفجر لا محالة بقوة قنابل نووية ستطيح بكل
شيء... أخليت
الجزيرة من سكانها... في ذلك المكان الذي يبدو وكأنه من كوكب آخر يصدمنا
هيرتسوغ
بوجود لم نعتد عليه... وجود يكاد يضعنا في مواجهة مباشرة مع
العدم عينه... نشاهد
جثث الكلاب والحيوانات الأليفة مبعثرة في الشوارع الخاوية وقد نفقت بعد
"نفوق"
القمامة التي كان السكان يتركونها أمام منازلهم... إشارات المرور لا تزال
تعمل في
شوارع خالية من السيارات... هناك شيء وحيد يوحي بالحركة في
مكان كان عامراً
بسكانه.. البركان فقط وقمته النافثة للغازات القاتلة والحرارة التي تكاد
تزلزل
الأرض تحت أقدام طاقم التصوير... ولكن من قال أن هذا المكان خالٍ من البشر؟
ها هي
كاميرا هيرتسوغ تجد شخصاً مستلقياً نائماً وبجواره قطة في ذلك
المكان المهول وكأنه
مخلوق غريب لا ندرك طبيعته نحن البشر... إنه ينتظر هنا،بين لحظة وأخرى،
القدرَ
مطمئناً يساعده في ذلك فقره وإيمانه العميق بالله. يبدو هيرتسوغ مندهشاً
مما وجد
ولكن ما يلفتنا هنا تشابه الاثنين وتوحدهم في حالة واحدة؛
هيرتسوغ هنا "كشخصية" في
الفيلم يمثل الغرابة عينها بالنسبة إلينا، ويعيدنا إلى ما يعنيه (التسجيلي)
مجدداً،
إنما المخرج هنا على عكس الشخصية المرصودة في الفيلم؛ يضع نفسه عنوة في
المكان
معتمداً قدريته الخاصة.
أيضاً في فيلم "دروس في الظلام" (1992) يلقي
هيرتسوغ بنفسه في مكان مهوول آخر لا تعود فيه وطأة البركان السابق تذكر
أمام جسامة
كارثة سببها الإنسان هذه المرة ضد الإنسان، والطبيعة. نحن في كويت ما بعد
حرب
الخليج مباشرة. وجحيم صنعه النفط وصنع به. يقسّم المخرج الفيلم
إلى مقاطع لكل منها
عنوان، وهو إذ يرصد في بعض المقاطع الكارثة التي حلت بالأرض وبالبيئة؛ نراه
في
مقاطع أخرى يقوم -بشكل موازٍ- بتتبع ما حل بالإنسان وقد أصبح هذا مجرد عنصر
ضئيل في
الحدث الكبير... مساحات على مد النظر.. ما كان سابقاً صحراء
أصبح مستنقعات هائلة
مترامية في كل الاتجاهات، قد يخدعك جمال المنظر وسحره، إلا أنه في الكويت
لا يوجد
ماء، بل هو النفط ما لفظته الأرض كالقيء، يغطي كل شيء، ينبثق بنوافير سوداء
إلى
السماء تصبح "أجمل" عندما تتوهج مشتعلة بلهيب يصلي كل ما هو حي.
في إحدى المقاطع
المعنون بـ"طفولة" أم تحمل طفلها الأبكم وتخبرنا أنه فقد القدرة والرغبة
بالنطق إثر
تعذيب الغزاة لوالده أمامه... كحال أم أخرى نشاهدها في الفيلم وقد اختفى
صوتها
تماماً تشرح بالإشارة كيف قتل أولادها الأربعة أمام ناظريها.
لم يحلل أو يسرد
هيرتسوغ لنا ماجرى وما الذي سبّب كل ذلك إثر حرب الخليج ولم يحفل به، ترك
بدلاً من
ذلك رعب الواقع يشرح نفسه بالصورة صاعداً بالتأمل وبالصورة
الجميلة المناقضة
لمحتواها لمعاينة مستقبل الإنسانية جمعاء.
في مقطع آخر بعنوان "الديناصورات"
مخلوقات ما قبل التاريخ؛ يناظر هيرتسوغ بصورة بليغة مستفيداً من الشبه بين
تلك
المخلوقات المنقرضة، والشاحنات الضخمة والجرافات آلات ذروة التطور
التكنولوجي
الحديثة كعودٍ على بدء.
الجزيرة الوثائقية في
17/02/2011
127" ساعة" كافية لمراجعة حساباتنا وتصحيح سلوكنا
لمى طيارة
أعترف انه كان من الصعوبة علي متابعة فيلم
يَعرض وبشكل تفصيلي لموقف إنساني شديد القوة كالذي شاهدته في فيلم" 127
ساعة"
،
وأعترف أيضا أنني في لحظات كثيرة من الفيلم كنت أحاول أن أغمض عيني خشية
أن يغمى
علي ، رغم أن مخرج الفيلم - على حد قوله - لم يكن مهتما بتوليد تلك الحالة
من
الرعب والفزع لدى المشاهد ، بل كان همه تقديم نوع من الدراما الراقية
.
تدور أحداث فيلم" 127 ساعة" عن قصة واقعية ،
استوحى فكرتها المخرج Danny Boyle
وكاتب السيناريوSimon Beaufoy
من مذكرات متسلق
الجبال " أرون رالستون" - الذي يلعب دوره James Franco -
في إحدى رحلاته الروتينية
والاعتيادية التي كان يمارس فيها هوايته . إلا أن هذه الرحلة التي بدأت
بتاريخ 26
ابريل ( نيسان) 2003 وانتهت بكارثة جسدية ، كانت سببا في تغيير مسار
وأسلوب حياته
فيما بعد ، حيث شاء له القدر أن يسقط في هوة عميقة ، وان تطبق على ذراعه
اليمنى
صخره كبيرة لم يستطع التخلص منها إلا عبر بتره ليده
.
رغم أن الفيلم لا
يحتوي سينمائيا أيا من مشاهد الاكشن التي اعتدناها في الأفلام الأمريكية أو
المصرية (المؤمركة) و التي تعني ( وجود بطل أو أبطال
في حالة صراع ) إلا انه صنف كفيلم
اكشن بامتياز، ويعود السبب في ذلك ، إلى أن بطل الفيلم الأوحد
يعيش فعليا حالة من
الصراع ولكنها حالة صراع مع الزمن الذي أصبح عدوا له، نظرا لنقص الماء
والطعام
مع كل دقيقة تمر عليه وهو محتجز .
ولأننا كمشاهدين علينا أن لا نتوقف عند هذا
المكان الذي هوى فيه البطل وان ننتظر لمدة 127 ساعة ( المدة التي احتاجها "
أرون
رالستون" ليتخلص من مأزقه) ، كان على المخرج وكاتب السيناريو أن يبتكرا
وسيلة
لإثراء هذا العمل وليكون الحل ليتعرف من خلاله المشاهد على حياة هذا
البطل وعن
ماضيه وعن عاداته و سلوكه ،وذلك عبر الكاميرا التي اعتاد " ارون رالستون"
اتخاذها
صديقا له ، لتسجل مغامرته ، وعبر تلك الايام والساعات من التسجيلات ، كنا
نتعرف
على جزء تلو الأخر عن حياته وطبيعته ، وعن علاقته بالأهل والأصدقاء، وعن
أنانيته
وعن الأسلوب الذي كان قد اتخذه في تعامله مع محيطه ، وخاصة فيما بتعلق
بعادته عدم
البوح للآخرين بمكانه ، نظرا لأنه كان متأكدا وهو الرياضي البطل من قوته
الكبيرة.
دون أن ينسى صناع الفيلم الإشارة إلى أن
هذا الرجل في النهاية هو بطل حقيقي صاحب
قلب حديدي ، استطاع عبر إرادته القوية وعبر رغبته بالحياة
والتمسك بها بكل ما تحمله
من حب ، سواء من الأهل أو الأحباء أن يتخلص من مأزقه وان ينجو من الموت
المؤكد .
اسباب نجاح الفيلم
تعود أسباب نجاح هذا الفيلم لعوامل كثيرة، ليس منها
فقط ماهو متعلق بالأمور الإنتاجية والتقنية، التي أصبحت ميزة في الإنتاج
العالمي
، وإنما لأسباب أخرى من أهمها أن أحداث الفيلم مأخوذة عن قصة وتجربة
إنسانية فريدة
من نوعها ، أضف الى ذلك أن المخرج المتميز " داني بويل" قام بإخراج تلك
الأحداث
الواقعية بطريقة أقرب للوثائقية حين حول تلك المذكرات الساكنة ،إلى عمل
واقعي
مؤثر ونابض وموثّق( فيلم داخل فيلم)، بل ومرعب في بعض مشاهده، إلى درجة أن
أحد
النقاد صنفها من أكثر مشاهد الرعب في تاريخ السينما، وقد سبق
لفيلمه الأكثر شهره
عربيا المليونير المتشرد (أن حاز على عدة جوائز في الأوسكار الفائت)، كما
لعب
الأداء المتميز لبطل الفيلم جيمس فرانكو دورا هاما في نجاحه، من حيث
تمكنه من
ادواته الفنية وتقيده بأدق التفاصيل ، التي كان من ضمنها قيامه بتمارين
لاستخدام
اليد اليسرى فقط ولفترة طويلة، مما عكس صورة واقعية صادقة. ومما يأتي في
مقدمة ما
ذكرناه، الموسيقى التصويرية المناسبة التي رافقت الفيلم، أو بمعنى أدق التي
رافقت
البطل لدرجة تم تصنيفها من قبل البعض بالبطل الآخر للفيلم، وهي للمؤلف
الموسيقي
الشهير، الهندي الأصل Rahman
،الذي سبق له أن حصل على اوسكار لأحسن موسيقى تصويرية
عن فيلم" المليونير المتشرد" ، فلعبت دورا هاما في نجاح الفيلم ، حيث قامت
بنقل
الضغط النفسي الذي يعيشه البطل، إلى المشاهد الجالس في قاعة السينما،
بالإضافة
طبعا للمؤثرات الصوتية المرافقة والتي استخدمت في أشد لحظات الفيلم
الإنسانية وذلك
أثناء عملية بتر اليد (صوت العظم وهو يتكسر، وصوت تمزُّق العصب واهتزازه) .
يبقى علينا أن نشير إلى أن فيلم "127ساعة" هو احد الافلام المرشحة بقوة
للاوسكار هذا العام ، فقد حصل بطله " جيمس فرانكو" على ترشيح لأفضل ممثل
رئيسي ،
كما حصل الفيلم على ترشيح لأفضل سيناريو، وأفضل موسيقى تصويرية
.
الجزيرة الوثائقية في
17/02/2011
المنتج نبيل طعمة : كرة ثلج سينمائية سورية تتدحرج
فجر يعقوب
في السادس من شباط الجاري ، شهدت العاصمة السورية
حدثين سينمائيين مهمين ، فقد دشن وزير الثقافة السوري الدكتور رياض عصمت
صالة "كندي
دمر" ، وعرض فيها بهذه المناسبة الفيلم السوري الجديد " دمشق مع حبي"
للمخرج محمد
عبد العزيز في عرض أول له في دمشق . الفيلم يشكل حدثا بحد ذاته ، من خلال
سرد حكاية
هالة ألبير مزراحي وإصرارها على أن تعيش قصة حبها ( المفقودة )
بين حواري دمشق
العتيقة . وإن كانت قصة الفتاة اليهودية تقف عند هذه الأسوار الجديدة التي
يكشف
عنها عبد العزيز في فيلمه الروائي الطويل الثاني ، فإن حكاية أخرى يثيرها
الفيلم
، وهذه المرة من خلال المنتج السوري نبيل طعمة ، صاحب شركة الشرق للإنتاج
الفني ،
الذي يغامر هنا مغامرة سينمائية تحسب له من دون شك ، فالمغامرة التلفزيونية
استوفت
شروط البقاء والاستمرارية ، أما السينما ، فهي موضوع مختلف ، فالقطاع الخاص
السوري
ما يزال مستنكفا عن الخوض في إهاب هذه المغامرة الإنتاجية الخطرة ، أو هو
ما يزال
مترددا وغير متعجل ، وبخاصة أن تجربة ( ريل فيلم ) العائدة للمخرج هيثم حقي
توقفت
عن مغامرتها لأسباب لا تبدو لنا واضحة تماما . هنا حوار مع
الدكتور نبيل طعمة منتج
الفيلم السوري ( دمشق مع حبي ) دار معه على هامش العرض السوري الأول له في
ضاحية
دمر القريبة من دمشق
**********
·
*المشروع
السينمائي الذي تمضي به هل
هو بمعنى ما ( ورطة ) في بلد لاينتج سينما ؟
لا يمكن تعميم كلمة ورطة ،
فنحن نقول إن هناك مشروعا سينمائيا يجب العمل على إخراجه للنور ، كون
جغرافية
وطبيعة سوريا وإرثها الثقافي الكبير والمتنوع والمتعدد
والمؤّمن بفسيفسائية منقطعة
النظير تستحق مشروعا سينمائيا . الورطة نتداولها حينما ندخل في مشروع فاشل
لا يمتلك
معطيات ووجهة محددة ، ويمكن تعميم المصطلح حين يكون الاتجاه إلى فردية
معينة أو لون
واحد . نحن في عملنا من أنصار الجمع الذي يحدث ( اللمع ) لاالفرقة التي
تؤدي إلى
الورطات إن جاز استخدام التعبير . المشروع السينمائي تحت عنوان
كلمة مشروع هو حق
للجميع ومطلوب من الجميع ، وأقصد بالجميع كل مالكي الرؤى الإستراتيجية ولغة
الحب
والإمكانات المادية الذين يتوجب عليهم الإسهام بهذا المشروع السينمائي ،
فالسينما
أقوى وأهم من الدراما بكثير كونها تشكل ذاكرة إنسانية تعيش مديدا تحت مسمى
الرؤيا
البصرية ، وبما أنها حاضنة للفنون التي سبقتها ، فإنها تعني
التلوين ، ولهذا اتجهنا
في سعي المؤمن بأن ننتج سينما سورية حقيقية ، لا تشكل ورطة لأحد أبدا .
·
لماذا جرى كل هذا التأخر في
الانطلاق بهذا المشروع
؟
لم نتأخر ، وإنما كانت هناك محاولات ، وأنت تعرف جيدا أننا ننتج في
الدراما وحققنا من خلالها حضورا مهما من خلال أعمال مثل هولاكو
والشتات وغزلان في
غابة الذئاب ونزار قباني وأشواك ناعمة . وكنا في هذه الأثناء نتطلع إلى
السينما ،
حيث أنتجنا في 2004 فيلم ( الصورة ) عن فلسطين ، وأنتجنا في 2007 فيلما
اجتماعيا
تلفزيونيا قصيرا . ولكن المحاولات الحقيقية بدأت أيضا في 2007
، حينما أسهمنا
بإنتاج فيلم ( سبعة كيلو متر من القدس ) مع شركة ايطالية ، حيث صور منه
نسبة أربعين
في المائة في سوريا ، واعتبر الفيلم جسر ثقافة بين الشعوب ، وحصدنا من
خلاله جائزة
جان روش العالمية . وفي 2008 التقيت بالمخرج محمد عبد العزيز ،
المخرج الشاب الطموح
، وكان لقاؤنا فكريا وسينمائيا ، فأنجزنا فيلم ( نصف ملغ نيكوتين ) ،
والذي حصل على
جوائز مهرجان باري في ايطاليا متفوقا على مجموعة أفلام عالمية
أنتجت في دول حوض
البحر الأبيض المتوسط ، ومنها فيلم حديقة الليمون والرقص مع بشير الحاصلين
على
جوائز مهرجان برلين .
هذه
الرؤيا اتضحت كثيرا بعد أن شعرنا بحجم
الاهتمام الرسمي والشعبي ولفت الأنظار عالميا إلى ما ينتج في سورية ، فكانت
الخطوة
الثابتة النهائية لصورة المشروع السينمائي مع فيلم (دمشق مع حبي ) . إذن هو
مشروع
يجيء ضمن الطموح بعودة السينما السورية بقوة كون سوريا تستحق
أن يكون لها سينما
حقيقية . سينما تتواصل مع الجماهير ولها أفكارها أيضا ، فنحن لسنا من أنصار
السينما
الشعبية ، وانما من أنصار السينما الجماهيرية ، وهناك فرق شاسع بين ما هو
شعبي ،
وما هو جماهيري كما أعتقد ، فلا يقال شعب سينمائي وإنما جمهور
سينمائي .
·
هناك دأب في القول يتردد في
أدبيات السينما السورية عن محاولات
استعادة الطقس السينمائي والجمهور والصالات ... ماذا تحملون أنتم أيضا في
هذا الصدد
؟
الخلل الحقيقي يكمن برأينا في ندرة الإنتاج , اذ لا يمكن أن تحمّل
الجمهور مسؤولية النهوض بالواقع السينمائي ، وإنما من يتحملها
هو الظروف المحيطة
بالعملية الإنتاجية ، أي وجود الصالات ، والرقابة السينمائية ، وبمعنى أدق
على
الرقيب هنا أن يتفهم هذه العملية ، أي أن لا يعمل على عرقلتهن ، فالسينما
الجماهيرية تحتاج إلى الانفتاح الفكري الكبير كي تعيش السينما
في الذاكرة . وتجيء
هنا اندفاعة المنتج وتحول قناعاته من تفكير مادي إلى تفكير إنتاجي خلاق يدر
عليه
أرباحا . وأنا اؤمن بحق المنتج بالربح ، ومؤمن بتقديم سينما حقيقية تحترم
جمهورها
.
وأعتقد ان هناك مشكلة مكرسة في التصور العربي للمنتج السينمائي ، بعكس
أوروبا وبقية
دول العالم حيث يكون المنتج أهم جزء في الفيلم ، فيما ينظر له في عالمنا
العربي
كونه حالة مادية لاأكثر . هذه خطيئة كبرى أسهم أيضا المنتجون العرب في
رسمها
والترويج لها . لسنا وحدنا الذين ننتج في سورية . نحن جزء من
عملية يجري التحضير
لها ، فهناك من سبقنا ، وكان له إسهامات حقيقية في صناعة السينما السورية .
صحيح
أن المؤسسة العامة للسينما تتمتع بميزات إنتاجية هائلة لكنها لم تنتج إلا
القليل .
تباطأت حركتها الإنتاجية في العشرين سنة
الأخيرة ، فيما اتجه كثر في ظل هذا الشحّ
الإنتاجي نحو صناعة الدراما التي حققت حضورا لافتا وحقيقيا على
مستوى العالم العربي
.
وأعتقد أن المحاولات التي اتسعت ضمن الشركات الإنتاجية لابد أن تثمر قريبا
عن
حضور سينمائي سوري فاعل على مستوى عربي وأوروبي ، فالطموحات في بدايتها
ويكفي توحيد
الجهود كي لا تبقى مجرد إحالات فردية وطفرات تشتعل جذوتها
وتخبو من حين لآخر ، ونحن
اليوم نقف ضمن هذه التركيبة الإنتاجية الجديدة
.
·
هناك محاولات
خاصة توقفت مثل مشروع هيثم حقي ، وهذا يعني أن هذه التركيبة
الإنتاجية الجديدة ما
تزال تعاني خلالا في مكان ما ؟
لا أعرف ما إذا توقف مشروع ريل فيلم ،
وما أعرفه أننا سعدنا حين وجدنا الأستاذ هيثم حقي يندفع نحو إنتاج أفلام
سينمائية ،
رغم الإدراك أنه لم يكن مشروعه الخاص ، وإنما مشروع جهات إنتاجية لها علاقة
بالتقدم
والتراجع والعائد والنجاح والفشل
.
·
ألا يوجد خشية من قبلكم بأن
يتوقف هذا المشروع أيضا لسبب أو لآخر ؟
طبيعي جدا أن نمتلك هذه الخشية
، وطبيعي أكثر الالتفات إلى دورة رأس المال في هذه العملية الإنتاجية
، كما هو
الحال مع الدراما . ولكن حين تقرر أن تتصدى لمشروع طموح مثل هذا المشروع ،
فإنك
تعني أيضا الإشارة إلى الدورة البطيئة للرأسمال المستثمر في هذه العملية
الإنتاجية
، فثمة سينما تدور على مدى سنوات وتحقق
عائدا ماليا جيدا وحضورا سينمائيا من خلال
الجوائز ، ومن لا يدرك ويهيئ الأسباب والبنى التحتية يخرج بسرعة . هناك كثر
حاولوا
إنتاج فيلم أو مسلسل باعتقادهم أنهم سيستردون رأس المال بسرعة
قياسية ، فلم ينجحوا
وخرجوا من المعادلة بأسرع مما يتوقعون ، وهذا كثيرا ما يحدث تحت مسمى
الإغراء
اللاواعي . العملية الإنتاجية في السينما تحتاج إلى تخطيط استراتيجي بعيدة
المدى ،
من لا يتسلح بهذه المعرفة أو يؤمن بها سيخرج مباشرة
.
·
بما أن قطار
الانتاج السينمائي السوري انطلق متخففا من أعباء كثيرة يشكلها
الماضي غير السعيد
الذي رافق بعض محطاته ، كيف سيتم التعاطي مع الأسماء السينمائية التي
تكرّست عبر
هذا الماضي؟
بالتأكيد سيتم انتقاء الأفضل ، ذلك انه لايمكن تجاهل
عطاءاتهم وإسهاماتهم ، والشباب الذين شاهدوا واطلعوا على تجارب ( الكبار )
تعلموا
من أخطائهم أيضا ، وهذا يفرض على الرواد الاستمرارية بالعطاء كي يتطور
الجيل الجديد
من ورائهم . السلسلة الإنتاجية لا تنجح إلا ضمن السياق الطبيعي
للحركة السينمائية
.
·
هناك آراء نقدية تفيد بان بعض
هؤلاء ( الكبار ) ساهموا بشكل أو
بآخر في أزمة السينما السورية .. إلى اي مدى يكون هذا الكلام صحيحا
؟
أنا لا أعتقد أن هناك من أسهم في تراجع السينما السورية ، نحن نتحاور
حول أزمات وجدت في العملية الإنتاجية وعرقلت المسيرة
السينمائية منها : أزمة النص
السينمائي ، أزمة الصالات ، الاتجاه نحو الانتاج التلفزيوني ، وأعتقد أن
الاندفاعة
الإنتاجية والانطلاقة بمخرجين شباب سيؤدي إلى مراجعة الكثير من الحسابات كي
تستعيد
السينما حضورها الحقيقي ، وينبغي على الجميع الانتباه إلى هذه
المعادلة ، وأنا
كثيرا ما قرأت عن فيديريكو فيلليني تعلمه من الأفكار الشابة والنظر إليها
بانبهار .
وهذا يدفع للقول إن دوران العجلة الإنتاجية
ضروري كي ينخرط الجميع فيها ، لأنها
تحتاج إلى سنوات كي تحدث فرقا نوعيا وكما سينمائيا يمكن أن
يشكّل حالة إبهار متقدمة
أيضا كما هو حال الدراما .
·
ما هي الآفاق الجديدة المتوفرة
أمام
هؤلاء الشباب ؟
أنا متفائل بشكل خاص بمستقبل السينما السورية مع هذه
الاندفاعة الشبابية و( رجولة ) الكبار ، فنحن نقف الآن أمام كرة ثلج
سينمائية في
سورية وهي تتدحرج وتكبر . وفيلم ( دمشق مع حبي ) الذي تم تبنيه من قبل
المسؤولين
الرسميين عن صناعة السينما ، وأقصد وزارة الثقافة والمؤسسة
العامة للسينما ، يمكن
اعتباره نموذجا للسينما الجامعة للجمهور والفكر ، فهو فيلم جماهيري وفكري
بامتياز .
·
هذا يعني أن ( دمشق مع حبي ) هو
مفتاح الحل أمام أزمة السينما السورية ؟
لا أقصد هذا بكلامي ، ولكنني
أعتبره لبنة حقيقية في المدماك الإنتاجي للسينما السورية ، ونحن جزء أساسي
من هذا
التكوين .
الجزيرة الوثائقية في
17/02/2011 |