يمكن القول إن الفيلم السوري "دمشق مع حبي"، وهو
العمل الروائي الطويل الثاني للمخرج محمد عبد العزيز، بعد فيلمه الأول
البديع "نصف
ميلليغرام نيكوتين"، أحد أجمل الأفلام التي أنتجت عن مدينة دمشق، بل وعن
المدينة
عموما في السينما، دون أن يكون "سحر المدينة" مقحما، أو مفروضا فرضا من
خارج
الفيلم، ودون خلل بالتوازن العام للفيلم، أو طغيان الصور الوثائقية على
الجوانب
الدرامية.
إن السينمائي هنا، يعبر بحب ودفء وشفافية، عن علاقته بمدينته، عن
إحساسه الشخصي بها، وعن رؤيته لجمالها الكامن الخفي، وتأمله في دروبها،
ولكن ليس
بعيدا عن ناسها، عن تلك الشخصيات البسيطة الآسرة التي تمتليء
بها المدينة ويمتليء
بها الفيلم، ضمن الرغبة في تصوير ذلك الطابع الحميمي للعلاقات، بين البشر
والمكان،
وبين الجماعات البشرية المتجاورة التي يجمعها المكان.
ولعله يمكن القول أيضا إن
الفيلم هو أحد الأفلام القليلة في السينما العربية التي تقدم
صورة "مختلفة" للشخصية
اليهودية المحلية (أي السورية)، وهي صورة إنسانية، يغلب عليها جانب
الانتماء،اي
فكرة العلاقة مع المكان، مع الذاكرة، ويؤكد على انتماء تلك الفئة، لأرضها،
ولتراثها
الثقافي رغم اختلاف الأديان، ورغم كل حديث عن "الكراهية".
وفيلم "دمشق مع حبي" بهذا
المعنى يصبح أيضا فيلما عن الحب، تماما كما هو فيلم عن الذاكرة.
فيلم
طريق...
يختار محمد عبد العزيز (كاتب سيناريو الفيلم
ومخرجه) أسلوب فيلم الرحلة، أو بالأحرى، فيلم الطريق road movie،
لكي يتيح للشخصيته
الرئيسية، "هالة"، اليهودية الحسناء التي ترفض الهجرة إلى إيطاليا مع
والدها المقعد "ألبرت"،
وتقرر العودة إلى دمشق القديمة للبحث عن حبيبها الذي انقطعت أخباره عنها
منذ عشرين سنة، يتيح لها الفرصة للتفتيش المضني في الذكرة، ويؤدي بحثها
الشاق في
الأماكن، إلى استعادة علاقتها الوثيقة بالمكان الذي لم تستطع
أن تفارقه أبدا رغم
أنها حاولت.
ويعبر الفيلم عن روح التعايش بين مختلف الديانات والثقافات في دمشق
القديمة، من خلال بحث "اليهودية" عن حبيبها "المسيحي"، بمساعدة الأصدقاء
المسلمين.
ومن اللقطة الأولى يعبر الفيلم عن فكرة "الابتعاد" عن المكان من خلال
لقطة لسيارة تغادر على الطريق، إلى المطار، وفي اللقطات التالية مباشرة نرى
لعب
أطفال معلقة (تشي بالذاكرة) ثم لقطة قريبة ليد ألبرت مزراحي، والد هالة
المقعد الذي
يتحرك على مقعد للمعاقين، وهي تمسح برفق وحزن على جدار مدينة دمشق القديمة.
ونراه
في المطار بعد ذلك مباشرة، وإن كنا نعود إليه وهو يتطلع بصورة واضحة الى
احدى
الحارات الدمشقية القديمة. وعندما يصل ألبرت إلى إيطاليا للحاق
بأفراد أسرته من
اليهود الدمشقيين الذين سبقوه إليها، يبدو منذ لحظة وصوله وهو يتحدث مع
زوجة شقيقه
في السيارة التي تنقله من المطار، عن سحر دمشق، وعن الذاكرة خصوصا، عن
عرايش العنب،
ورائحة التراب، التي تختلط، كما يقول، برائحة التاريخ ورائحة
الياسمين، والليمون..
بل إنه جاء معه أيضا بحفنة من تراب المدينة.
يلخص البرت علاقته بالمكان عندما
يقول في بلاغة: إن الإنسان الذي يفقد مكانه يتخلى عن ذاكرته.
والذاكرة عنده هي
البيوت، والمحلات، الشجر والناس، والأماكن. لذلك يكون وصوله إلى الأرض
الغريبة
إيذانا بوفاته. لكن الأسرة تصر على تنفيذ وصيته، أي دفن جثمانه في دمشق.
وهناك
تستمر "هالة" في رحلة البحث عن "نبيل" الغائب المفقود منذ ذهابه الى لبنان
مجندا في
الجيش إبان الحرب الأهلية اللبنانية.
لا تألو هالة جهدا في بحثها عن نبيل، الذي
هو في حقيقته بحث في ذاكرتها، في هويتها، في معنى العلاقة مع
المكان
والبشر.
إنها تذهب في البحث بمساعدة زميل نبيل السابق في الجيش "كميل" الذي
فقد
ساقه في الحرب اللبنانية، لكي تطرق أبواب الشرطة والجوازات والوفيات
والتجنيد،
وتلتقي بصاحبة بيت أسرة نبيل القديم وهي أرمينية عجوز لاتزال تحافظ على
ذاكرتها.
وتتوصل بعد رحلة تخرج فيها الكاميرا إلى المناظر الطبيعية الخلابة خارج
دمشق، الى
أن نبيل يمكن أن يكون قد أصبح راهبا والتحق بأحد الأديرة الكائنة في
الصحراء.
خبايا
الأسلوب
فكرة البحث عن الغائب، وهي فكرة موجودة بقوة في الأدب،
تبدو هنا وسيلة للكشف عن أسرار الأماكن البديعة التي تتوقف أمامها كاميرا
محمد عبد
العزيز مع اهتمامه الكبير بتفاصيل المكان، بالقيم التشكيلية في
اختياره زوايا
اللقطات والاضاءة، وحركة الكاميرا، ومزج لقطاته بموسيقى تبدو كما لو كانت
نابعة من
الروح، مزيج من التراتيل الدينية والأدعية، والموسيقى الناعمة التي تخفي
توترا
ما.
نبيل الذي لم يمت ويظهر في اللقطات الأخيرة من الفيلم لنراه بعد أن
كبر
وأصبح هو الآخر مقعدا، يجلس على مقعد متحرك، يمكن أن يكون خيالا أو حقيقة:
لم يعد
هذا مهما، لأن الفيلم لا يقطع أبدا بوجوده الحقيقي بل ولا يضيف
بعد ظهوره أمام
هالة، ثم اختفاء الاثنين من المشهد، أي شيء يوحي باستكمال الحدث. فالحدث
ليس هو
المهم، ونبيل قد يكون حقيقة أو رمزا، لكنه البحث، الرحلة، التفتيش في
الذاكرة،
محاولة فك الغاز المكان، أسرار أبواب دمشق السبعة التي يتردد
صداها في الفيلم
كثيرا، بل ان الفيلم ينتهي عند أحد أشهر تلك الأبواب التاريخية وهو الباب
الشرقي (أو باب شرقي الذي يعود الى العصر الروماني
والذي نزل عنده صلاح الدين الأيوبي موحد
مصر والشام).
يمد محمد عبد العزيز هنا أسلوبه المميز في فيلمه السابق على
استقامته، ويبدو أكثر تحكما في المونتاج، وفي استخدام أسلوب التداعيات، أي
تلك
الانتقالات التي تقفز فوق حدود الزمان والمكان، تقدم وتؤخر، في
سياق سردي غير
تقليدي، يتميز بالحيوية الشديدة، لكي يبقي على المشاهد يقظا، دون ارهاق، بل
تصبح
رحلة المشاهدة أيضا نوعا من المغامرة تماما مثل مغامرة البحث عن الماضي،
والتفتيش
في خبايا الذاكرة والمكان، التي تقوم بها "هالة" وتصحبنا فيها
معها.
وربما يكون
الجزء الأخير من الفيلم قد شابه بعض الاضطراب في السرد بسبب التوقف طويلا،
أكثر مما
يسمح السياق، أمام تلك الحالة "الكاريكاتورية" الخاصة لحبيبين تربطهما
علاقة شديدة
التوتر يمكن تلخصها في "الحب حتى الكراهية".. وهما امرأة، تريد الزواج من
رجل مشغول
بكرة القدم أكثر من انشغاله باتمام الزواج. وما ينشأ من مواقف طريفة عبثية
خارجة عن
أسلوب الفيلم، تصل الى حد تهديد المرأة باطلاق النار على نفسها.
وربما يكون
المخرج- المؤلف قد أراد بها اضفاء طابع طريف على الفيلم، لكني أعترف بأنني
لم أجد
لهذه المشاهد المتكررة علاقة عضوية بالنسيج الأساسي للفيلم، وكان يمكن
بالتأكيد
اختصارها كثيرا والتخلص من الاستطراردات على طاولة المونتاج.
يتميز أداء
الممثلين جميعا في هذا الفيلم، بالانسجام، وفي مقدمتهم دون شك، مرح جبر في
الدور
الرئيسي، أي دور هالة، بملامح وجهها الجميل مع مسحة خاصة من الحزن النبيل،
وقدرتها
علىالتقمص والتعبير الداخلي عن معاناة الشخصية التي تؤديها.
وكذلك يبرز أداء
خالد تاجا وفارس الحلو الذي يظهر هنا في دور صغير كضيف شرف لكنه حاضر بقوة
في
الفيلم، وأنطوانيت نجيب، ودانة جبر، وجهاد سعد، وسامر عمران، وباقي فريق
الطاقم
التمثيلي.
الجزيرة الوثائقية في
09/02/2011
حماية السينما المصرية، أم إفساد الذوق العام
صلاح سرميني ـ باريس
يُعتبر الكتيّب التوثيقيّ "تحت الضوء 2010، مُستجدات سوق السينما
العالمية" الذي
أصدره "سوق مهرجان دبي السينمائي" بالتعاون مع "سوق الفيلم لمهرجان كان"،
و"المرصد
الأوروبيّ للمواد السمعية/ البصرية"، مطبوعةً توثيقيّةً هامة، وضرورية في
تحليل
المشهد السينمائيّ العالميّ إنتاجاً، وتوزيعاً، تقودنا أرقامها، وبياناتها
إلى
التفكير بالواقع السينمائيّ العربي، ومنها تلك الدوائر
المُلونة المُصاحبة للتقارير
الخاصة بكلّ منطقةٍ جغرافية، وبلدٍ، يعلوها عنوان "الحصص السوقية في 2009" (والمقصود
بها حصة توزيع الأفلام الوطنية، والأجنبية في الصالات
التجارية).
للوهلة الأولى، لن تُلفت الانتباه، ولكن، بعد قراءة الكتيّب بكامله،
والتدقيق المُتفحص في معلوماته، سوف تكشف عن استنتاجاتٍ
مُفاجأة، منسيّة،
ومُتجاهلة، رُبما تكون من أسباب تدهور أحوال السينما العربية.
وهنا، سوف أستعير
بعضها، وأستخلص منها القليل من النتائج، وأدع الآخرين يحللونها بالطريقة
التي
يجدونها مناسبة.
حصة توزيع الأفلام الوطنية، والأجنبية في الصالات التجارية
ـ فرنسا: الأفلام المحلية 36.8% ـ الأفلام الأجنبية 63.2% (في عام
2009 بلغ عدد
الأفلام المحلية الإنتاج 230 فيلماً روائياً).
ـ ألمانيا : الأفلام المحلية
27.4%
ـ الأفلام الأجنبية 72.6% (في عام 2009 بلغ عدد الأفلام المحلية
الإنتاج 220
فيلماً روائياً).
ـ إسبانيا : الأفلام المحلية 16%ـ الأفلام الأجنبية 84% (في
عام 2009 بلغ عدد الأفلام المحلية الإنتاج 186 فيلماً روائياً).
تُوضح الأرقام
أعلاه (والقائمة في نهاية هذه القراءة)، بأنّ حصة توزيع الأفلام المحلية في
الصالات
التجارية أقلّ بكثيرٍ من الأفلام الأجنبية.
وهذا يعني، بأنّ كلّ بلدٍ تعرض
أفلامها في صالاتها مهما كان عددها، وتترك النسبة الباقية ـ
الأعلى ـ لأفلامٍ قادمة
من بلدانٍ أخرى، وخاصةً "الولايات المُتحدة الأمريكية" التي تحظى على أكبر
حصة،
ونسبة مشاهدة، وهي عملياً، تجني أعلى الإيرادات التي يستفيد منها
المُنتجون،
المُوزعون، أصحاب الصالات، والكثير من المهن المُوازية، ولكنّ
بعض البلدان
الأوروبية، وخاصةً فرنسا، تستفيد منها باستقطاع نسبةٍ بسيطة من ثمن كلّ
تذكرة
مُباعة، تضخها في صناديق دعم السينما المحلية، والإنتاج المُشترك مع بلدانٍ
أخرى.
وعلى الرغم من الحصة الكبرى للأفلام الأمريكية، أو الأوروبية
باستثماراتٍ
أمريكية التي تُعرض في الصالات الفرنسية، إلاّ أنّ الأفلام الفرنسية مُتاحة
للجمهور، ولمدة عرضٍ تُحددها الإيرادات التي يُنتجها كلّ فيلم.
بالمُقابل، لم
تستغني دورة التوزيع التجارية عن أهمّ الأفلام الأخرى القادمة من جميع
أنحاء
العالم، مع التأكيد بانّ المتفرج الفرنسيّ لن يشاهد ـ على سبيل المثال ـ
كلّ
الأفلام المصرية المُنتجة في مصر(35 فيلماً في عام 2009)، ولن
يصل الحال بالمُوزعين
الفرنسيينّ إلى حدّ الهبل بعرضها، لأنّ هذا الأمر الخياليّ سوف يُصيبهم
بالإفلاس،
وربما يُحدث انتفاضةً جماهيرية تُطالب بحماية الذوق العام، ولكنهم لن
يترددوا حتماً
بعرض فيلم لـ "يسري نصر الله"(مع أنّ عرضاً استثنائياً لـ 35 فيلماً مصرياً
بمُبادرةٍ مصرية ليس أمراً مستحيلاً في فرنسا، وهو موضوع قراءة
أخرى).
وهي نفس
الآليات الإنتاجية، والتوزيعية التي تُطبقها دورة التوزيع التجارية
الفرنسية مع
الأفلام الأجنبية من جنسياتٍ أخرى، وهذا يؤكد طبيعتها الانتقائية المُرتكزة
على
الإيرادات التي تجلبها الأفلام الأمريكية، الفرنسية،
والأوروبية، وبالآن ذاته،
تُشرع أبوابها أمام السينمات الوطنية الأخرى، وهذا ما يمنح المشهد
السينمائي
الفرنسيّ فرادته، تنوّعه، وتعدديته.
وبالتوازي، تقدم مصادر الثقافة السينمائية
المختلفة أفلاماً لا يجدها المتفرج الفرنسي في الصالات
التجارية.
وهكذا، لن يشعر
أحدٌ بأنّ فرنسا مُنغلقة على سينماها (المُتنوّعة الجودة)، أو تسيطر عليها
السينما
الأمريكية (المُتنوّعة الجودة أيضاً)، أو سواها من السينمات (الهندية
مثلاً)، وإذا
لم يجد المتفرج الفرنسي ما يبحث عنه في هذا الكمّ الكبير من
الأفلام التي تُعرض في
الصالات التجارية، والمهرجانات، سوف يجدها حتماً في التظاهرات السينمائية
التي
تُنظمها المتاحف، السينماتيك، مُلتقى الصور، مركز جورج بومبيدو، والمراكز
الثقافية
الأجنبية الكثيرة العدد، ..وبفضلها تكتملُ الخريطة الجغرافية للعروض
السينمائية
التجارية، والثقافية كي تشمل كلّ البلدان، الأطوال الزمنية،
الأنواع، وتاريخ
الإنتاج،...
ديكتاتوريات السينما
وفي الوقت الذي تخيّرت بعض البلدان حصةً متساويةً تقريباً بين الأفلام
المحلية،
والأجنبية في صالاتها :
ـ جمهورية الصين : الأفلام المحلية 56.6% ـ الأفلام
الأجنبية 43.4%(في عام 2009 بلغ عدد الأفلام المحلية 456
فيلماً روائياً).
ـ
اليابان : الأفلام المحلية 56.9% ـ الأفلام الأجنبية 43.1% (في عام 2009
بلغ عدد
الأفلام المحلية 448 فيلماً روائياً).
ـ كوريا الجنوبية: الأفلام المحلية 48.8%
ـ الأفلام الأجنبية 51.2% (في عام 2009 بلغ عدد الأفلام المحلية 138 فيلماً
روائياً).
ـ تركيا : الأفلام المحلية 50.9% ـ الأفلام الأجنبية 49.1% (في عام 2009
بلغ عدد الأفلام المحلية 69 فيلماً روائياً).
بينما اختارت بلدان أخرى
سياسةً توزيعيةً في صالاتها مُناقضة تماماً، وتوجهت نحو أقصى
الانغلاق السينمائيّ،
والاكتفاء بأفلامها :
ـ الهند : الأفلام المحلية 92% ـ الأفلام الأجنبية 8% (في
عام 2009 بلغ عدد الأفلام المحلية 819 فيلماً روائياً).
ـ الولايات المتحدة
:
الأفلام المحلية 95% ـ الأفلام الأجنبية %5 (في عام 2009 بلغ عدد الأفلام
المحلية 677
فيلماً روائياً).
ـ مصر: الأفلام المحلية 80% ـ الأفلام الأجنبية 20% (في
عام 2009 بلغ عدد الأفلام المحلية 35 فيلماً روائياً).
وأعود إلى الكتيّب كي
أستعير منه الفقرة التالية :
"لا يمكن للمرء أن يجد صناعة سينمائية مهيكلة مبنية
على شبكات إستوديوهات الإنتاج، والتوزيع، وسلاسل العرض الموجودة، والتي
تضاهي
صناعات السينما الدولية إلا في جنوب أفريقيا، ومصر مع مبيعات
26 مليون تذكرة سينما
سنوياً،
...".
وعلى الرغم من هذه المكانة الاستثنائية التي تحظى بها مصر، تُشير
نفس المعلومات، بأنه "على الرغم من أن مصر قلصت إنتاجها السينمائي من 100
فيلم إلى 35
فيلماً كل عام، إلا أنها تبقى محور إنتاج
الأفلام الناطقة باللغة العربية، وتوزع
أفلامها في العالم العربي بالكامل،..".
هذا الانحدار الفظيع يدعو إلى التساؤل
حول حقيقة هذه الصناعة، هل هي موجودة فعلاً، أم أنها في طريقها
إلى الاندثار لصالح
المُنتجات التلفزيونية (إن لم تُنقذها ثورة سينمائية قادمة).
انخفاض حجم الإنتاج
في مصنعٍ ما، يعني بالضرورة تقلص حجم الاستهلاك، الإيرادات، والأرباح،
باختصار، هذا
المصنع ينتظر إعلان إفلاسه (إن لم يكن قد أفلس فعلاً)، بديهيةٌ اقتصاديةٌ
لا تحتاج
إلى خبرةٍ معمّقة لرصدها.
في المُقابل، تُشير الإحصائيات المُتوفرة في الكتيّب،
بأنّ أعداد الجمهور في مصر خلال الفترة 2004-2008 لم تتغيّر تقريباً (حوالي
26
مليون متفرج).
إذاً، لماذا ينخفض حجم الإنتاج السينمائيّ في مصر ؟
في السابق،
كان هناك 26 مليون متفرج يشاهدون 100 فيلم مصري يُنتج سنوياً، وتتوزع
إيراداتها على 100
مؤسّسة إنتاجية.
حالياً، هناك 26 مليون متفرج يشاهدون 35 فيلماً، تتوزع
إيراداتها على 35 مؤسّسة إنتاجية.
لماذا تُرهق الصناعة السينمائية في مصر نفسها
لزيادة حجم الإنتاج طالما أنها تحصل على نفس الإيرادات
الإجمالية، وربما أكثر بسبب
ارتفاع أسعار التذاكر من عامٍ إلى آخر.
ومن هذه النتيجة الحسابية، أفترض رغبةً
ضمنيةً تتعمّد تقليص حجم الإنتاج السينمائيّ أكثر فأكثر كي
يحصل الفيلم الواحد (أيّ
المُؤسّسة الإنتاجية الواحدة) على نسبةٍ أعلى من الإيرادات (عندما لا يجد
المتفرج
المصري خياراتٍ عددية، ونوعية، لن يتردد في مشاهدة المُتاح من الأفلام
مرةً،
ومرتين).
وعلى الرغم من أعداد الجمهور المُستقرّة (26 مليون متفرج)، وهذا
القانون الغريب الذي يسمح بانتشار الأفلام المصرية في كلّ مكان، ويحدّ من
عرض
الأفلام الأجنبية )8 نسخ كحدٍّ أقصى من أيّ فيلم أجنبي)،
والأسواق العربية، وقنوات
التلفزيون الكثيرة العدد، ومبيعات الفيديو، يتقلص حجم الإنتاج بشكلٍ مروّع.
أين
تكمن المشكلة إذاً، وما هو هذا اللغز المُحيّر ؟
ببساطة، السياسة السينمائية
العرجاء التي تخيّرتها الصناعة السينمائية عن وعيٍّ، أو بدونه،
هي المسئولة عن
تدهور حجم الإنتاج، تدعمها قوانين غريبة تزيد من بشاعة المشهد، ولا توجد
إلا في
عددٍ من البلدان التي تحكمها ديكتاتوريات سينمائية.
ماذا
يعني الحدّ من توزيع الأفلام الأجنبية في مصر ؟
ـ إفساح المجال أمام معظم
الصالات السينمائية في مصر(400 صالة) بعرض الأفلام المصرية،
والتي يبلغ عددها
سنوياً حوالي 35 فيلماً فقط.
ـ تخدير المتفرج المصري بأفلامٍ رديئة
.
ـ إفساد
الذوق العام.
ـ إنتاج أفلام "مغشوشة" إذا اعتبرناها سلعة.
ـ حصار الأفلام
المصرية الخارجة عن المألوف، وتحميل المسئولية على رغبات المتفرج "الجمهور
عايز
كدة".
ـ نشر ثقافة سينمائية مُوحدة، ونمطية، وفرضها بقوانين متخلفة بحجة
حماية
الصناعة السينمائية المحلية.
ـ حرمان المتفرج من مشاهدة الأفلام الأجنبية،
واقتصارها على بعض الأفلام الأمريكية التي حققت رواجاً تجارياً
كبيراً في أسواق
أخرى (كم عدد الأفلام الأجنبية التي عُرضت في مصر خلال العام الفائت 2010؟).
في
مواجهة هذا الواقع السينمائيّ المفروض(والذي يجب أن يتغير)، وفي غياب،
وتغيّيب
مصادر الثقافة السينمائية المُوازية، ماذا يفعل المتفرج المصري، والعربي
بشكلٍ
عام.
ـ مشاهدة المُتاح من الأفلام المُتواجدة في الصالات(حوالي 35 فيلماً).
ـ
التوّجه نحو قنوات التلفزيون، واستهلاك منتجاتها، والأفلام القديمة التي
تعرضها.
ـ التخلي عن متابعة القنوات المحلية، والانتقال إلى القنوات الأجنبية
لمُشاهدة ما تُقدمه من أفلام.
ـ تكريس عادة المُشاهدة المنزلية، والابتعاد عن
صالات السينما، وأيّ نشاطات سينمائية أخرى.
والأكثر خطورةً، وهو ما يحدث فعلاً
في كلّ البلدان العربية، ازدهار أسواق الأفلام المُقرصنة،
تجارةً، ومشاهدةً، وبعد
أن طالت الأفلام الأجنبية بحجة عدم توفرها في الصالات (بالإضافة إلى غلاء
أسعار
التذاكر، وتخلف ثقافة المُشاهدة)، سوف تطال الأفلام المصرية، والعربية، وفي
هذه
الحالة، يتقلص حجم الإنتاج، وأعداد الجمهور، والإيرادات أكثر
فأكثر، وتقفل الصالات
أبوابها، ويتواطئ الجميع في منح الشرعية للقرصنة.
وربما تُفاجئنا الأيام القادمة
بخروج طغاة السينما من أبراجهم المالية كي يقدموا للمُتفرج
تصريحاتٍ خشبية تُثير
الهلع في النفوس :
إما القبول بالواقع السينمائيّ الحالي(المُتخلف، المُذري،
والمُتدهور أصلاً، 35 فيلماً في العام، أو أقلّ)، واعتباره إنجازاتٍ،
وانتصاراتٍ،
أو التلويح بأخطار احتلال الأفلام الأمريكية، أو الهندية
لصالات السينما (الوطنية
جداً).
هامش
:
(كلّ
المعلومات الواردة في هذه القائمة مُستخلصة من
الكتيّب التوثيقيّ "تحت الضوء 2010، مُستجدات سوق السينما العالمية"، وهي
تخصّ دول
غرب، وشرق أوروبا فقط) .
حصة توزيع الأفلام الوطنية، والأجنبية في الصالات
التجارية :
(القائمة مُرتبة وُفق عدد الأفلام المحلية المُنتجة في عام 2009/أو 2008)
دول غرب أوروبا
:
ـ فرنسا: الأفلام المحلية 36.8% ـ الأفلام الأجنبية 63.2% (في
عام 2009 بلغ عدد الأفلام المحلية 230 فيلماً روائياً).
ـ ألمانيا
:
الأفلام المحلية 27.4% ـ الأفلام الأجنبية 72.6% (في عام 2009 بلغ عدد
الأفلام
المحلية 220 فيلماً روائياً).
ـ إسبانيا : الأفلام المحلية 16%ـ الأفلام
الأجنبية 84% (في عام 2009 بلغ عدد الأفلام المحلية 186 فيلماً روائياً).
ـ
إيطاليا : الأفلام المحلية 24.4% ـ الأفلام الأجنبية 75.6% (في عام 2009
بلغ عدد
الأفلام المحلية 133 فيلماً روائياً).
ـ المملكة المتحدة: الأفلام المحلية
16.5ٍ%
ـ الأفلام الأجنبية 83.5 % (في عام 2009 بلغ عدد الأفلام المحلية 116
فيلماً
روائياً).
ـ سويسرا: الأفلام المحلية 3.4% ـ الأفلام الأجنبية 96.6% (في عام 2009
بلغ عدد الأفلام المحلية 76 فيلماً روائياً).
ـ هولندة : الأفلام المحلية
17.4%
ـ الأفلام الأجنبية 82.6% (في عام 2009 بلغ عدد الأفلام المحلية 52
فيلماً
روائياً).
ـ السويد : الأفلام المحلية 32.7% ـ الأفلام الأجنبية 67.3% (في عام 2008
بلغ عدد الأفلام المحلية 36 فيلماً روائياً).
ـ إيرلندة : الأفلام المحلية
0.2%
ـ الأفلام الأجنبية 99.8% (في عام 2009 بلغ عدد الأفلام المحلية 34
فيلماً
روائياً).
ـ النمسا : الأفلام المحلية 8% ـ الأفلام الأجنبية 92% (في عام 2009
بلغ عدد الأفلام المحلية 33 فيلماً روائياً).
ـ الدانمارك : الأفلام المحلية
17.3%
ـ الأفلام الأجنبية 82.7% (في عام 2009 بلغ عدد الأفلام المحلية 30
فيلماً
روائياً).
ـ النرويج :الأفلام المحلية 20.6% ـ الأفلام الأجنبية 79.4% (في عام 2009
بلغ عدد الأفلام المحلية 27 فيلماً روائياً).
ـ فنلندة : الأفلام المحلية
15%
ـ الأفلام الأجنبية 85% (في عام 2009 بلغ عدد الأفلام المحلية 25
فيلماً
روائياً).
ـ بلجيكا : الأفلام المحلية 7.9% ـ الأفلام الأجنبية 92.10% (في عام 2009
بلغ عدد الأفلام المحلية 24 فيلماً روائياً).
ـ البرتغال : الأفلام المحلية
2.7%
ـ الأفلام الأجنبية 97.3% (في عام 2009 بلغ عدد الأفلام المحلية 23
فيلماً
روائياً).
ـ آيسلندة :الأفلام المحلية 10.3% ـ الأفلام الأجنبية 89.7% (في عام 2008
بلغ عدد الأفلام المحلية 8 أفلام روائية).
دول شرق أوروبا
:
ـ الإتحاد
الروسي : الأفلام المحلية 23.9% ـ الأفلام الأجنبية 76.1% ( في عام 2009
بلغ عدد
الأفلام المحلية 78 فيلماً روائياً).
ـ سلوفينيا : الأفلام المحلية 1.9% ـ
الأفلام الأجنبية98.1% (في عام 2009 بلغ عدد الأفلام المحلية
67 فيلماً
روائياً).
ـ التشيك : الأفلام المحلية 25.6% ـ الأفلام الأجنبية 74.4% (في عام 2009
بلغ عدد الأفلام المحلية 45 فيلماً روائياً).
ـ بولندة : الأفلام المحلية
21.5%
ـ الأفلام الأجنبية 78.5% (في عام 2009 بلغ عدد الأفلام المحلية 42
فيلماً
روائياً).
ـ هنغاريا : الأفلام المحلية 9.3% ـ الأفلام الأجنبية 90.7% (في عام 2009
بلغ عدد الأفلام المحلية 27 فيلماً روائياً).
ـ رومانيا : الأفلام المحلية
2.3%
ـ الأفلام الأجنبية 97.7% (في عام 2009 بلغ عدد الأفلام المحلية 19
فيلماً
روائياً).
ـ سلوفاكيا : الأفلام المحلية 12.4% ـ الأفلام الأجنبية 87.6% (في عام 2009
بلغ عدد الأفلام المحلية 18 فيلماً روائياً).
ـ كرواتيا: الأفلام المحلية
1.6%
ـ الأفلام الأجنبية 98.4% (في عام 2009 بلغ عدد الأفلام المحلية 13
فيلماً
روائياً).
ـ بلغاريا : الأفلام المحلية 1.6% ـ الأفلام الأجنبية 98.4% (في عام 2009
بلغ عدد الأفلام المحلية 11 فيلماً روائياً).
الجزيرة الوثائقية في
08/02/2011 |