تعتبر جنيفر أنيستون (41 سنة) الأميركية ذات الأصول اليونانية، من أكثر
نجمات
هوليوود شعبية على المستوى العالم.
واشتهرت أنيستون على رغم انها مثلت في التلفزيون والمسرح منذ صباها، بفضل
مشاركتها لسنوات طويلة في المسلسل التلفزيوني الناجح جداً
«أصدقاء»، الذي فتح
أمامها أبواب هوليوود والسينما واسعة وجعلها تتصدر أغلفة أشهر المجلات
النسائية
والفنية. ثم تزوجت أنيستون من براد بيت خاطفة إياه من خطيبته الممثلة
غوينيث
بالترو، الأمر الذي أضاف إلى نجوميتها نبرة مميزة حافظت عليها
رغم انفصالها عن بيت
في 2002.
جاءت النجمة التي أصبحت أيضاً منتجة في بعض الأحيان، إلى باريس للترويج
لفيلمها
الجديد «التبديل» للمخرجين جوش غوردون وويل سبيك والذي تتقاسم
بطولته مع جيزون
بيتمان، فالتقتها «الحياة» وحاورتها.
·
تبدين الآن في مرحلة متقدمة من
النضوج النفسي والعقلي، فهل أنت على دراية
بهذا الأمر؟
-
هذا ما يقال ويكتب عني فعلاً، على الأقل في ما يخص أدواري. والحقيقة أنني
مجرد
ممثلة أتقمص الدور المطروح علي. لست أدري ما الذي يجعل المخرجين يفكرون في
منحي مثل
هذا النوع من الشخصيات الناضجة عقلياً، فربما أنني أوحي اليهم بالجدية
والرصانة
وحسن إدراك مسؤوليات الحياة. لكن الطريف أن معظم أفلامي تنتمي
إلى اللون الخفيف ومع
ذلك فهي تقدم إلى الجمهور شخصيات نسائية قوية قادرة على تحمل مشقات الحياة
المهنية
والعاطفية، وأن كان الأمر تحت ستار الفكاهة والشاعرية. أعتقد بأن الجو
العام السائد
في أيامنا هذه يحبذ تسليط الضوء على المرأة الإيجابية وبالتالي فالسينما
تتبع
التيار. وأنا راضية عن ذلك وعن أدواري الخفيفة ظاهرياً
والعميقة في مضمونها الفعلي.
أما عني شخصياً في حياتي اليومية فلست في وضع يسمح لي بأن أحكم على
تصرفاتي، وأترك
هذه المهمة لغيري.
·
ما الذي جذبك في سيناريو فيلم
«التبديل» حتى توافقين على المشاركة فيه؟
-
جذبتني طرافة القصة وكونها حسب ما أعرف حدثت في الواقع، ثم قوة شخصية
البطلة
وإصرارها على تحقيق أهدافها وطموحها في الحصول على حياة كريمة مهما تطلب
الأمر من
تضحيات بالنسبة الى امرأة أربعينية مشغولة بحياتها المهنية وغير متزوجة
بعد. ويروي
الفيلم كيف تقرر امرأة الإنجاب بطريقة اصطناعية من دون أن ترتبط عاطفياً
برجل ما
لأنها في رأيها غير مستعدة لخوض تجربة الحياة المشتركة إضافة
إلى أنها بسبب
التزاماتها المهنية لا تملك الوقت لذلك. ولكن الحب هو الأقوى في النهاية
وهذا ما
تكتشفه بعد أن تعيش سلسلة من الأحداث والمطبات الساخنة الناتجة عن قرارها
الأساسي.
·
كيف بدأت في الفن وأنت لا تزالين
صبية؟
-
صودف انني شاركت في إعلان تلفزيوني لأن أمي كانت قد قرأت خبراً في شأن شركة
إنتاج كانت تفتش عن طفلة صغيرة فأخذتني من يدي حتى أجري الاختبار أمام
الكاميرا،
وقيل عني في ما بعد إنني موهوبة فحصلت على المشاركة في الإعلان
وعلى أدوار مسرحية
وتلفزيونية كثيرة من بعده.
·
هل كنت كطفلة مقتنعة بالأمر أو
أنك كنت تطيعين والدتك وحسب؟
-
اعتبرتُ الحكاية مثل اللعبة وقررت في كل مرة أن أكون أحسن لاعبة فتفوقت في
أدائي وحصلت على كل الأدوار التي رشحت لها. كنت مقتنعة جداً من دون أن أدري
إنني
كنت أمارس مهنة حقيقية لا لعبة أطفال.
·
أنت من أصل يوناني فهل تتكلمين
اللغة اليونانية؟
-
لا، فأنا كبرت في نيويورك ولم أعش أكثر من سنة واحدة في اليونان عندما كنت
صغيرة جداً. لم أتعلم هذه اللغة إطلاقاً، ربما لأن والدي غادر بيت الزوجية
وتم
الطلاق بينه وبين أمي التي ربتني. وهي لا تتكلم اليونانية بما
انها نصف إيطالية
ونصف ارلاندية.
·
يقال أنك على خصام مع والدتك،
فهل هذا صحيح؟
-
لقد أنا بقيت غاضبة ضدها فترة لا بأس بها إلى درجة أنني لم أرغب في أن تحضر
حفل زفافي من براد بيت. ولكن الوقت مضى وعادت المياه إلى مجاريها بعض
الشيء، إلا
أنني لا أزال أحمل في قلبي حكاية مهاجمتي في حديث أعطته لمجلة
معروفة مدعية أنني
أتصرف بطريقة خاطئة في ظروف كثيرة من حياتي. أنها تحب معاملتي دائماً كأنني
لا أزال
صبية في العاشرة من عمري، وهذا ما لا أتحمله.
·
تمارسين الإنتاج، فهل تفضلينه
نوعاً ما على التمثيل؟
-
انني في حاجة إليه لأنه يناسب شخصيتي، وكي أفسر كلامي دعني أقول أنني أعشق
تحمل المسؤوليات الكبيرة ولا أعتبر التمثيل مسؤولية ضخمة في
النهاية لأن المخرج هو
الذي يراقب كل التفاصيل ويحمل الفيلم فوق كتفيه من ألفه الى يائه، ويتعاطى
في كل
صغيرة وكبيرة مع المنتج الذي يمثل السلطة العليا
في المشروع ككل، بينما ليس على
الممثل أكثر من إتقان دوره لقطة بعد لقطة وهذا أمر سهل في نظري إذا كان
الشخص يتمتع
ولو بذرة من الموهبة.
أنني أحقق ذاتي في الإنتاج وأحب التدخل في تفاصيل تحضير الفيلم ثم مباشرة
الترويج له في النهاية وانتظار حكم الجمهور عليه يوم نزوله إلى
الصالات. إنها عملية
مثيرة لا أتخيل نفسي أعيش من دونها الآن، إلا إنني من ناحية ثانية أحتاج
إلى
التمثيل وإلى نزوات النجومية.
·
هل كانت علاقتك جيدة بزميلك
جيزون بيتمان في أثناء تصوير «التبديل»؟
-
نتقاسم أنا وبيتمان هواية واحدة هي حب مدينة نيويورك، وهذه نقطة إيجابية
ربطت
بيننا وسهلت علاقتنا من أول لقاء في الأستوديو، خصوصاً أن أحداث الفيلم
صورت هناك،
والذي حدث بعد ذلك هو أننا تمتعنا إلى أبعد حد بتمثيل كل
اللقطات الخطرة نوعاً ما
التي دارت في شوارع نيويورك مثل المطاردات بالسيارات أو على الأقدام. لقد
أنجزت
بنفسي كل المواقف الصعبة ورفضت اللجوء إلى بديلة، وذلك فور سماعي خبر
اشتراط بيتمان
تأدية كل المشاهد التي خصته بنفسه. فلم أسمح لنفسي بأن أكون
أقل منه شجاعة أو كفاءة
في عملي.
كنا نتسابق على تحقيق أعلى نسبة من الحركات الجنونية أمام الكاميرا، وقد
أصبت
بكدمات في أكثر من مرة لكنني صمدت إلى النهاية على رغم أن شركة
التأمين نصحت المنتج
بمنعي كلياً من التعرض لمجاذفات قد تعرقل حسن سير التصوير في ما بعد. لكنني
نجمة
ومن أبرز مزايا النجومية قيام صاحبتها بفعل الشيء الذي يعجبها، وأنا فعلت
ما
أعجبني. وقد تسببت كل هذه التفاصيل في نشوء علاقة ممتازة بيننا
أنا وبيتمان، إذ
أننا من النوع المحب للحركة وللتحديات غير العاقلة.
في حبالها
·
من النادر جداً أن تظهري في
مشاهد إباحية في أفلامك، لذلك كانت المفاجأة
كبيرة حينما ظهرت في لقطة جريئة جداً من الفيلم الفكاهي
«الانفصال» قبل أربعة
أعوام، فما الذي جرى؟
-
أكره تمثيل المشاهد العاطفية الحميمة أو حتى التخلص من ثيابي أمام
الكاميرا،
وفي ما يخص فيلم «الانفصال» لم أستطع اطلاقاً رفض أداء تلك اللقطة نظراً
الى كونها
قد شكلت على رغم مدتها القصيرة جداً، أحد الأجزاء الرئيسة من السيناريو
المبني على
التصرفات التي تقوم بها الشخصية النسائية حتى تغري الرجل الذي
تحبه وتوقعه في
حبالها. لكنني مثلت المشهد وأنا مرتبكة جداً وكدت أن أختبئ تحت مقعدي في
صالة
السينما ليلة مشاهدتي الفيلم في عرضه الأول، إذ كان من الصعب جداً علي رؤية
نفسي
بلا ثياب بالحجم العريض فوق شاشة سينمائية ضخمة.
·
هل تضعين الماكياج في كل
المناسبات؟
-
نعم، أنا لا أتحمل الخروج من بيتي ولو للنزهة أو لشراء شيء معين من دون أن
أضع
الماكياج وكأنني خارجة لحضور حفلة توزيع جوائز الأوسكار. ويحدث أن أضع
الماكياج فوق
وجهي حتى إذا كنت لا أنوي الخروج، ولمجرد المتعة التي تجلبها
لي هذه العملية في حد
ذاتها.
·
وهل أنت رياضية؟
-
نعم وإلا لما أصررت على أداء المشاهد الخطرة بنفسي في فيلمي «التبديل» و
«صائد
الرؤوس» قبله. أجيد الألعاب الرياضية الآسيوية وقد علمتني إياها صديقتي
وشريكتي في
مسلسل «أصدقاء» كورتني كوكس، فهي خبيرة في الجودو والكاراتيه والتاي كويندو.
وغير
ذلك أسبح وأركب الدراجة وأحافظ على ليونة جسدي بتدريبات يومية.
الحياة اللندنية في
04/02/2011
الجائزتان الكبريان من نصيب «أشلاء»
و«حياة قصيرة»
طنجة (المغرب) - نور الدين محقق
أتت دورة هذا العام من هذه الأيام السينمائية تمنح الفرصة للفيلم السينمائي
المغربي بمختلف تجلياته الفنية والموضوعاتية للتعبير عن نفسه
سواء باللغة العربية
أو اللغة الأمازيغية أو اللغة الفرنسية أو حتى اللغة الانكليزية بطريقة
مباشرة أو
غير مباشرة من خلال الترجمة المصاحبة للفيلم.
تجلى التنوع أيضاً في انتماء هذه الأفلام إلى أنواع سينمائية مختلفة، حيث
تراوحت
الأفلام بين الروائي التخييلي ذي البينة البسيطة التي تحظى
بتجاوب الجمهور، وقد نجح
في هذا الصدد كل من فيلم «الخطاف» لسعيد الناصري وفيلم «خمم» لعبدالله
تكونة (فركوس)، بحيث استطاعا معاً إثارة إعجاب
الجمهور، (ومن المتوقع أن يحقق فيلم «خمم»
لعبدالله تكونة نجاحاً ملحوظاً حين يتم عرضه في القاعات السينمائية، كما
فعل فيلم «الخطاف» لسعيد الناصري)، وبين الفيلم ذي
البينة السينمائية التركيبية التي تحاول
الجمع بين تحقيق إعجاب الجمهور والمحافظة على النهج السينمائي
المركب عبر تقطيع
بنية التسلسل السردي وتفكيك بنياته. لوحظ ذلك في كل من فيلم «جناح الهوى»
لعبدالحي
العراقي، وفيلم «نساء في المرايا» لسعد الشرايبي. في حين تميزت أفلام أخرى
ببساطة
التعبير السينمائي وقوته في ذات الآن، نذكر هنا كل من فيلم
«الوتر الخامس» لسلمى
بركاش وفيلم «ماجد» لنسيم عباسي. وفيلم «ذاكرة الطين» لعبدالمجيد ارشيش،
وفيلم «العربي» لإدريس المريني.
في مقابل هذين النوعين من الأفلام كانت أفلام أخرى تسير في إطار التجديد
سواء
على مستوى الدخول إلى مناطق التعبير الجديدة كما هي الحال مع
حكيم بلعباس في فيلمه
الوثائقي الذي يمكن إدراجه في إطار السينما الذاتية، بحيث قدم لنا عالماً
يحكي فيه
سيرة حياته/ حياتنا في شكل سينمائي محكم سواء على مستوى البناء السينمائي
القوي أو
على مستوى التعبير «التيماتي» الوجداني. في حين تميز فيلم
«أيام الوهم» لطلال
سلهامي بحداثة سينمائية جديرة بالثناء، فمن طريق لعبة التصوير السينمائي
وقوة
التعبير للشخوص تمكن الفيلم من خلق عالم متاهات تتوالد إلى ما لا نهاية،
فكل متاهة
لا تنتهي إلا من خلال ظهور متاهة جديدة.
وتمثل النوع السينمائي الحداثي التفكيكي وهو يسعى لخلق تصور سينمائي مغاير
على
مستوى التعبير الشكلي من طريق لعبتي التفكيك وإعادة البناء، مع
جعل قصة الفيلم
تتنامى من طريق التجميع التركيبي وليس من طريق الربط التسلسلي في كل من
فيلم «النهاية» لهشام العسري و «فيلم» لمحمد
أشاور.
أما بخصوص الأفلام السينمائية القصيرة فقد تراوحت بين الفيلم الجيد المتحكم
في
أدواته التعبيرية السينمائية وبين الفيلم المتوسط الذي قد
يتميز بقوة الفكرة من دون
إمكانية الوصول إلى التعبير عنها سينمائياً.
فاز فيلم «أشلاء» لحكيم بلعباس بالجائزة الكبرى للمهرجان في صنف الفيلم
الطويل
في حين عادت جائزة لجنة التحكيم الى فيلم «النهاية» لهشام
العسري، وجائزة أول عمل
سينمائي الى فيلم «فيلم» لمحمد أشاور. كما حظي فيلم «ماجد» بجائزة
السيناريو. وقد
ذهبت جائزة أحسن دور نسائي للممثلة مريم الراوي عن دورها في فيلم «أيام
الوهم» في
حين حصل الممثل عمر لطفي على جائزة أحسن دور رجالي عن دوره في
فيلم «جناح الهوى».
كما حصلت الممثلة نفيسة بنشهيدة على جائزة أحسن ثاني دور نسائي عن دورها في
فيلم «أكادير - بومباي» في حين حصل على نفس
الجائزة بالنسبة الى الرجال الممثل فهد
بنشمسي عن دوره في فيلم «فيلم». جائزة الصوت ذهبت إلى فيلم
«الوتر الخامس» وجائزة
المونتاج ذهبت إلى فيلم «أرضي» وجائزة الموسيقى حصل عليها فيلم «أرضي»
أيضاً، أما
جائزة التصوير فقد فاز بها فيلم «أيام الوهم». وقد نوهت لجنة التحكيم التي
ترأسها
أحمد الغزالي بفيلم «الوتر الخامس» وبالتشخيص الرائع لكل من
الطفلين إبراهيم
البقالي ولطفي صابر في فيلم «ماجد».
بالنسبة الى الأفلام القصيرة، التي ترأس لجنة التحكيم الخاصة بها المخرج
محمد
مفتكر، تم التنويه بفيلم «باسم والدي» لعبد الإله زيراط، في
حين فاز فيلم «حياة
قصيرة» لعادل الفاضلي بالجائزة الكبرى للمهرجان، كما نال فيلم «القرقوبي»
لقيس
زينون جائزة لجنة التحكيم، ونال فيلم «المنحوتة» ليونس الركاب جائزة
السيناريو الذي
كتبه مراد الخوضي.
أما جائزة النقد السينمائي التي ترأسها الناقد السينمائي أحمد فرتات والتي
حملت
هذه الدورة اسم الناقد السينمائي الراحل نور الدين كشطي، فقد ذهبت إلى فيلم
«أشلاء»
لحكيم بلعباس في صنف الفيلم الطويل، كما تم التنويه في نفس الصنف بفيلم
«النهاية»
لهشام العسري، في حين ذهبت الجائزة نفسها
في صنف الفيلم القصير إلى فيلم «حياة
قصيرة» لعادل الفاضلي.
الحياة اللندنية في
04/02/2011
«هنري
الخامس» للورانس اوليفييه:
توثيق
روائيّ للزمن الشكسبيري
ابراهيم العريس
المسرح وحده... السينما وحدها. المسرح يموت أمام السينما، أم المسرح
والسينما
معاً في حياة متجددة؟ كل هذه الفرضيات بحثت وأجريت سجالات
حولها منذ اخترع فن
السينما ورأى كثر انه الفن الأقرب إلى المسرح، فيما رأى آخرون أنه الفن
البديل لفن
المسرح. تنوعت الآراء، في هذا المجال، بتنوع أصحابها، وكانت الحماسة على
قدر حماسة
كل فنان لفنه. وطبعاً نعرف أن الشيء نفسه سيقال في صدد السينما
والتلفزة و «الصراع»
الذي يفترض انه قام بينهما منذ اختراع التلفزة وحلولها في عالم الصورة
المتحركة،
ولو جزئياً، مكان السينما.
>
غير انه كان هناك دائماً فنانون عرفوا كيف يمزجون بين الوسيلتين الفنيتين،
منطلقين أول الأمر في تحرك كان يبدو هرطوقياً، غير مقبول من
المتحمسين لكل واحد من
الفنين، واصلين في النهاية الى توطيد رأيهم. وفي مجال العلاقة بين المسرح
والسينما،
سار كثر على هذا المنوال، بحيث يمكن القول إن ثمة أفلاماً هي عبارة عن مسرح
مؤفلم،
كما أن ثمة مسرحاً لا يتوقف فن السينما عن أن يستخدم، وبإبداع غالباً، فيه.
لكن
النتاج الأفضل والاهم في هذا الإطار، يبقى مساهمات سير لورانس
اوليفييه في أفلمة
الأعمال الشكسبيرية، وعلى الأقل حتى ظهور اورسون ويلز، واشتغاله هو الآخر
على أعمال
شكسبير سينمائياً... في أعمال خالدة مثل «عطيل».
*وإذا
كان فنانون كثر احتاروا متسائلين كيف يتوجب عليهم أن يدنوا سينمائياً من
فن شكسبير، فإن لورانس اوليفييه لم يبد أبداً مثل هذه الحيرة. فهو، منذ
البداية قرر
ألا يبتعد من المسرح كثيراً، وألا يضحّي بلغة المسرح لمصلحة
لغة السينما. بالنسبة
إليه ستقوم السينما بتصوير المسرح كمسرح، أي أنها لن تستعير النص والأجواء
لتحولهما
عملاً له لغة سينمائية خاصة، بل ستطلب من الكاميرا أن تصور ما تراه على
الخشبة
أمامها، من دون أي ألعاب أو خدع فنية... اللهم إلا حين تلتقط
الكاميرا، وسط مشهد
يقدم كما هو، مشاهد مقرّبة لوجوه معيّنة أو لتفاصيل ذات دلالة في خدمة النص
المسرحي
نفسه. وقد سمّي هذا الأسلوب، تحديداً، «المسرح المؤفلم» وأريد فيه ان تكون
الكاميرا
مجرد عين المتفرج المسرحي.
>
والحال ان لورانس اوليفييه وصل الى ذروة أسلوبه هذا، حين حقق للسينما، في
العام 1944 فيلماً عن مسرحية ويليام شكسبير «هنري الخامس»، وكان اوليفييه
عيّن في
ذلك الوقت بالذات مديراً لمسرح أولدفيك الشكسبيري اللندني
العريق، في وقت كان أغرم
فعلاً بفن السينما، الذي خاضه ممثلاً متفوقاً، ولكن مخرجاً أيضاً في بعض
الأحيان،
وكان سبق له ان خاض تجربتين أميركيتين، مسرحية وسينمائية لا بأس بهما. ومن
هنا كان
من أول نشاطاته حين أصبح مديراً للأولدفيك، أن يستخدم مهاراته السينمائية
المكتسبة
لخدمة المسرح. وكانت النتيجة، حرفياً، سينما تخدم المسرح
بالفعل.
>
كان الأساس بالنسبة إلى اوليفييه، إذاً، أن يصور مسرحية «هنري الخامس» وهي
تقدّم مسرحياً. ومن هنا بدلاً من أن يدفع كاميراه الى الغوص في أحداث
المسرحية
التاريخية، فضّل أن يوجهها، منذ بداية الفيلم، نحو مجموعة
مفترضة من ممثلي مسرح «الغلوب»
(مسرح شكسبير الشهير)، كما كانت حالهم في العصر الاليزابيثي عند نهاية
القرن السادس عشر، أيام كان شكسبير نفسه يكتب المسرحيات ويخرجها ويمثلها،
مركّزاً
اهتمامه خلال تلك الحقبة المبكرة على مسرحيات تروي فصولاً من
تاريخ انكلترا. إذاً،
ما لدينا منذ بداية هذا الفيلم، هو الإطار التاريخي للنشاط المسرحي
الشكسبيري، وليس
الإطار التاريخي لأحداث المسرحية نفسها. والكاميرا هنا، عند هذه البداية
تتوقف مع
الممثلين والتقنيين وهم يستعدّون لتقديم المسرحية، قبل أن تقدم
هذه الأخيرة بالفعل،
لتعود بنا الأحداث قروناً إلى الوراء، أي الى زمن هنري الخامس، وذلك حين
تصور لنا
الكاميرا راوياً يتولى رواية هذه الأحداث في صور متقاطعة مع الجمهور في
الصالة، ومع
ما يدور في كواليس المسرح، لنجد أنفسنا انطلاقاً من تلك
اللحظات داخل الفعل
التاريخي الذي يدعونا الراوي الى دخوله مستعينين بما لدينا من مخيلة.
>
وهكذا، إذاً، نحن الآن في العام 1415، وفي بلاط انكلترا، حيث لدينا الملك
هنري الخامس وهو يستعد لشن الحرب ضد المملكة الفرنسية... ونعرف
هنا أن الأسطول
الإنكليزي يمخر عباب البحر في اتجاه مدينة هارفلور الساحلية الفرنسية. وهذه
المدينة
سرعان ما تستسلم... لتليها معركة آزنكور الشهيرة بين الانكليز والفرنسيين،
وهي
المعركة الضخمة التي تمكن فيها المشاة الإنكليز من دحر الخيالة
الفرنسيين على رغم
أن هؤلاء كانوا يفوقون أعداءهم عدداً. وتكون النتيجة أن ينتصر هنري الخامس
ليعلن
نفسه ملكاً على فرنسا، ويتزوج الحسناء كاترين... وإذ يتم للملك هذا، نعود
نحن
المتفرجين، على الشاشة، الى زمن إليزابيث الأولى، أي إلى زمن
شكسبير، لنكتشف أننا
إنما كنا نشاهد المسرحية... أما الكاميرا فتجول هنا من جديد بين الممثلين
والتقنيين، وفي أوساط الجمهور الجالس يتفرج في الصالة وقد استبدت به النشوة
وعلا
تصفيقه.
>
كان هذا هو الأسلوب الذي به اختار سير لورانس اوليفييه أن يمزج بين هواه
الأول والأكبر في حياته: المسرح الشكسبيري، وبين فن السينما
الذي كان من الذين
وجدوا لديه إمكانات تعبيرية كبيرة. ولسوف يقول اوليفييه لاحقاً انه إنما
شاء منذ
بداية تفكيره في المشروع، أن يقدم عملاً هو عبارة عن «فيلم وثائقي» يصوّر
كيفية
تقديم مسرحية تاريخية لشكسبير: فيلم عن الممثلين، وعن الألعاب المسرحية، عن
الجمهور
وعن المشاعر. والحقيقة انه نجح في هذا الى حد مدهش، بحيث إن الفيلم لا يزال
حياً
الى يومنا هذا. بل يقال عادة، انه لولا تدخلات اورسون ويلز
الشكسبيرية اللاحقة،
لكان من شأن لورانس اوليفييه أن يعتبر من أعظم ناقلي شكسبير الى شاشة
السينما،
خصوصاً انه شاء أن يتعامل معه ككاتب مسرحي، لا ككاتب سيناريو سينمائي (كما
ستكون
حال كثر، لاحقاً، من الذين اقتبسوا شكسبير سينمائياً). وقد اعتبر النقاد
دائماً أن
جرأة لورانس اوليفييه هي بالتحديد في اختياره أن يقدم العمل ككل بصفته
مسرحية تمثل
والكاميرا تصورها، ما مكنه من أن يحل التناقض الذي كان مفترضاً
وجوده بين ضرورة
الأداء المسرحي وإمكانية المرونة السينمائية. ومن هنا ما قاله الناقد
الفرنسي
اندريه بازان من أن جمال هذا العمل يكمن في أننا نحس بأن اوليفييه نقلنا
الى الزمن
الشكسبيري ليقدم عملاً وثائقياً عن ذلك الزمن، ما أدى إلى
إلغاء كل الإيهام بالواقع
ومخادعاته.
>
وسير لورانس اوليفييه، الشكسبيري الإنكليزي الأصل، عرف بأعماله المسرحية،
كما عرف كممثل سينمائي متميز نجده يلعب أدواراً أساسية في بعض
الأفلام الكلاسيكية
مثل «مرتفعات وذرنغ» و «ريبيكا» (من إخراج مواطنه ألفريد هتشكوك) و
«المخبر» لجوزف
آل مانكيفتش الذي كان من آخر أفلامه. أما كمخرج، فإنه نقل الى الشاشة
أعمالاً
شكسبيرية كبيرة، منها «هاملت» و «عطيل»، ولكن بخاصة هذا الفيلم
«هنري الخامس» الذي
يعتبر دائماً من كلاسيكيات السينما الإنكليزية... وواحداً من أفضل ما نقل
من أعمال
شكسبيرية على الشاشة.
alariss@alhayat.com
الحياة اللندنية في
04/02/2011
مدهوشة
إبراهيم العريس
يُقَدَّر لقناة «الجزيرة» عادة، مستواها المهني وكونها الأكثر سبقاً
والأكثر
حضوراً حتى في البلدان التي تقفل مكاتبها. ويُقَدَّر لقناة
«الجزيرة» مساهمات
أساسية، منها - على الأقل - فتح سجالات حادة، ومفيدة غالباً، حول قضايا
وأمور كانت
تشكل محظورات في سنوات سابقة. وكذلك يُقَدَّر لـ «الجزيرة» شعاراتها التي
تصدح بها
ليلاً نهاراً، مثل «الرأي والرأي الآخر» و «حوار مفتوح» وما
الى ذلك.
في اختصار، يُقَدَّر لـ «الجزيرة» ذكاؤها وذكاء القائمين عليها، بمن فيهم
المؤسسون، دولاً ومؤسسات تبدو أحياناً مثيرة للسجال، وعلى
رأسها تلك الإمارة
الصغيرة التي مكنتها «الجزيرة» وأموال الغاز من أن تسعى لأن تلعب في ملاعب
الكبار،
ونجحت أحياناً، فيما أخفقت في أحيان أخرى. ولأن هذا «الذكاء» يبدو دائماً
محل
تقدير، يدهش المرء حين تجري أمور تدهش «الجزيرة» وتجعلها
تتساءل بـ «حزن» و «أسى»
عما فعلت ليحدث لها هذا! فقبل سنوات عدة، على سبيل المثال، دهشت «الجزيرة»
حين لم
يجارها عدد كبير من رجال الإعلام العرب في احتجاجها على العدالة الإسبانية
حين
حاكمت مراسلها في إسبانيا وحكمت عليه. يومها احتجت «الجزيرة»
على الذين لم يحتجوا
معها، ناسية أن مراسلها لم يحاكم - ويُحكم - لأنه صحافي، أو لأن إسبانيا ضد
حرية
الرأي، بل لأن الرجل قام باتصالات ومهمات لا تمتّ الى الإعلام بصلة.
اليوم من جديد، تدهش «الجزيرة» لـ«المعاملة» التي تلقاها من حكومات عربية،
وأحياناً من قِبَل متظاهرين في شوارع عربية، وتحاول أن تجمع من
حولها من يشاركونها
دهشتها وغضبها... وهو مسعى عادل ومشروع، ولكن شرط أن تقول لنا «الجزيرة»:
هل هي
جهاز إعلام، أم جهاز تعبئة أيديولوجي وسياسي؟! على «الجزيرة» أن تفعل هذا
كي
نشاركها جميعاً وقفتها ضد هذا الإجرام في حق حرية التعبير.
وفي انتظار ذلك سنبقى مدهوشين نحن أنفسنا أمام محطة تلفزيونية تثير «زوبعة
في
فنجان» حين تنشر، مثلاً، «وثائق سرية» يبالغ البعض حين يقولون
إنها سربت إليها من
قبل جهات إسرائيلية، لتستخدمها في شتيمة السلطة الفلسطينية، منتقية منها ما
تشاء،
مغيِّرة في كلماتها، مستدعية «محللين» و «خبراء» معروفةً انتماءاتهم
وأدوارهم لـ
«التفسير»
والتحليل. ثم، حين يستدعي مذيع/ نجم فيها، المسؤولَ الفلسطيني صاحب
العلاقة، و«يحاوره» قرابة الساعة، طارحاً عليه أسئلة لا تنتهي تشبه اسئلة
محاكم
التفتيش، معتبراً إياه متهماً حتى يثبت العكس، ثم حين يحاول
الضيف أن يثبت العكس لا
يتركه المذيع/ النجم يكمل ولو جملة واحدة، ففي رأي هذا النجم، ليس المسؤول
هنا
للمحاورة، بل للتقريع... وما هذا سوى نموذج يصح أمامه أن نتساءل: لماذا
تبدو
«الجزيرة»
مدهوشة الى هذا الحد دائماً؟
الحياة اللندنية في
04/02/2011 |