إلى مبدعه يُنسب الأثر ومنه يستحضر المتقبل صورة
للحظة الإنشاء وما يحفّ بها من الوضعيات ومن الخلفيات الجماليّة والفكرية
فيفعّل
وفقها الكثير من دلالاته. ولئن ينسب الفيلم إلى مخرجه، دونا عن غيره،
باعتباره
منسّقه العام وصاحب ما فيه من تصوّر جمالي ينتظم مجمل الأثر فذلك لا يطمس
دور
الممثل، باعتباره أحد هذه عناصره الفاعلة ومركز الجذب من
الصورة السينمائيّة. فعلى
كيفيّة حضوره أيقونيا مدار جماليّة الفيلم وفي كيفيّة أدائه للحركة وإلقائه
للنصّ
ملتقى إسهامات مختلف الأطراف المشاركة في تشكيله. ومن ثمة بات البحث في صيغ
أدائه
مدخلا مهما لمقاربة جماليّة الأثر السينمائي ولرصد مسالك
المعنى فيه.
تحتفظ
خزانة الأفلام العربيّة بفيلم مميّز يوظّف بكثير من الإتقان أداء الممثل
ويجعله
منطقة تتجوهر عندها الدلالة ومنها تشعّ هو "أسد الصحراء " للمخرج السوري
مصطفى
العقاد . ونقدّر أن البحث في أداء أنطوني كوين لهذا الدور وفي تجسيده
لشخصية عمر
المختار وفي سياسة المخرج في توجيه ممثليه كفيلان بأن يدفعا
دلالات كثيرة، إلى
السّطح وأن يفعّلاها دورا وشخصيّة وممثلا بعد أن ظلت طويلا طيّ الكمون.
الدور وجها بلاغيّا أثيرا وسلطةً ضاغطةً
يتعلّق الدور
بعرض سير الزعماء الأفذاذ ممن أسهموا بفاعليّة في قيادة أممهم وفي دفعها
إلى تجاوز
المحن العظام بما لهم من دور قيادي يقتضي خلالا كثيرة منها الذهنيّ
كالإبداع وسرعة
البديهة الكافلة لاتخاذ القرار الحكيم والقدرة على فهم نفسيّة
المحيطين بهم وتقدير
الطريقة المثلى لدفعهم إلى العمل بروح فريق واحد. ومن هذه الخلال ما هو
نفسي كالجلد
والصبر على الشدائد ومنها ما هو إنسانيّ أخلاقي كالعدل والصدق.. ثم إنّ
هؤلاء
الأبطال يواجهون أقدارهم ويسعون إلى غايتهم ويبذلون النفس في
سبيلها مما يجعل موتهم
الماديّ في سبيل تحقيق غاياتهم انتصارا معنويّا يغرس الفيلم ضمن عمق
تراجيدي ثاو
متحكّم. ويظلّ هذا الدور محكوما بانتظارات متفرّج ينزع إلى أسطرة الشخصيّة
التاريخيّة فيضفي عليها هالة من القدرة والإعجاز والقداسة
وممّا يجعل كل تهاون من
الممثل في الأداء وكلّ خلل في إدارة الممثل من المخرج مصدرا لخيبة
الانتظارات وسببا
لفشل الفيلم فنيّا أو تجاريّا.
الشخصيّة عمر المختار والعمق
الإنسانيّ
يتفاعل ما يأتي عمر المختار من الأفعال مع ما يتميّز به من
السمات والأحوال لتحديد شخصيّة "أسد الصحراء" في الفيلم.
فتعليمه للصبْية، ضمن أولى
مشاهد الفيلم، في كثير من الحنوّ، يجسّد صبرا على تشاقيهم وتفهّما لحاجتهم
إلى
المرح والعبث. أما لحاقه بهم بعد هربهم من حلقة الدرس إلى حفل زفاف،
ومشاركتهم على
استحياء رقصهم فيمنح هذه الشخصيّة عمقا إنسانيّا يجمع الالتزام
والورع إلى الإقبال
على الحياة والرغبة فيها. وقيادته لفصول حربه الطويلة على الاستعمار بين
مواجهات
ومناورات ومفاوضات ترسخ صلابته وحنكته وقدرته لا على مقاومة المستعمر فحسب
وإنما
على مقاومة كل صنوف الإغراء. ولمآثره النفسيّة والروحيّة نصيب
في إجلاء هذه
الشخصيّة بين ورع ومواجهة لأعتى المحن بصبر المؤمنين وتوازن لا تهزّه
الشدائد أو
تنكيل المستعمر بالنسل والحرث.
وتمثل صلة هذه الشخصيّة بمحيطها عمقا يفعّل هذه
السمات. فتتوزع بين محورين، علاقة بالأهل عنوانها الحنو والأبوّة وأخرى
بالغزاة
عمادها المواجهة والمقاومة. وعلى ما في الظروف الحادة من قسوة لا يخرج عن
سماته هذه
وعلى ما بين المحورين من الاختلاف يكسب احترام الجميع.
لقد منحت شخصيّة عمر
المختار السينما العالميّة فرصة الانفتاح على السياق التاريخي للمقاومة
الليبية
للاستعمار الإيطالي في الثلث الأول من القرن العشرين وتسليط حزمة ضوء على
سياقها
الحضاري والثقافي، فجعلتها مقاومة تلقائيّة وعنوانا لرفض
الإنسان للاضطهاد وتمسكه
الفطري بالوطن فقد " كان من الممكن تقديم عمر المختار لأول مرّة وهو يقاتل
أعداء
بلاده. ولكنّ تقديمه وهو يعلّم القرآن الكريم يؤكد أنّ القتال ليس مهنته.
ويعني أنّ
القتال الذي يخوضه إنما هو واجب على كل المواطنين إزاء الغزو
الأجنبي" .
وللمتفرّج أن يتساءل عن مأتى هذه المكانة. وإن لم
تسعفه كفايته الموسوعيّة بمعرفة تجربة عمر المختار الروحيّة والنضاليّة ،
لمّا سكت
الفيلم عن شبابه وعن كهولته وتركهما ضمن فراغات النص وسواده ، أسعفه
استدلاله لِما
في الأثر من الموجّهات إلى خلفيّة هذا الزعيم الروحيّة وشكل إقامته في
الوجود.
الممثل بين بساطة في الأداء وتكييف للشكل الخارجي لتجسيد
حالات الروح الباطنة:
نميّز من الممثل مستوى الكيان ونعني به شخصه
المادي بخصائصه الجسديّة وسيرته المهنيّة لأنه " وهو يجسّد شخصيّة معيّنة
في الفيلم
إنما هو يجسّد – عند المتقبل - الشّخصيّة المذكورة وكلّ الشّخصيات التي
أدّاها
سابقا. وعلى خلاف العلامة المعبّرة عن الشّخصيّة في الأثر
الأدبي يكون جسده موطنا
"لحركة قوية من التّناص" استند إليها العقّاد في اختياره لأنطوني كوين
لأداء
شخصيّة عمر المختار استثمارا لقدرته على أداء الشخصيات التاريخيّة عامة
ولنجاحه في
تقمص شخصيّة حمزة في النسخة العالميّة من فيلم الرسالة خاصّة
.
لقد تميّز أداء أنطوني كوين في الفيلم بقدر عظيم من
التحكّم في إيقاع النفس تجلى من خلال بساطة الحركة والاستغناء عن كل
التفاصيل غير
ذات الأهميّة. فقاوم تشنج عضلات الوجه أو النظرات الحادّة في التفاعل مع
الأحداث
العظام واختار بدلا من ذلك التّعبير بملامح ناعمة تشيع حالة من
الاسترخاء. وأبدى،
إذا ما تكلّم الطرف المقابل، إصغاء متفاعلا يساعد الشريك على الانخراط في
الدور
ويمنعه من كل أداء مرتبك أو متكلّف ويحفّزه على الانسيابيّة دون تكلّف.
فغلب
الإيقاع البطيء حركة أو تلفظا بما أشاع حالة من الهدوء وكيّف
الشّكل الخارجي ليعكس
حالات الرّوح الباطنة وليولّد طاقة تجذب إلى ذات الممثّل في ما يشبه
الامتصاص
وليقدّم عمرَ المختار نظيرا لصوت الحكمة والتّفكير الهادئ الرصين المتوازن
الصادر
عن الإيمان العميق بالقناعات. فيدور سؤال المتفرّج الضمني
عندئذ باستمرار حول ما
يفكّر به عمر المختار مستبقا ما يحدث بجملة من التوقّعات لا تخرج
سيناريوهاتها عن
الالتزام بالمبدإ وبأخلاق الحرب والصبر على الشدائد. فلمّا كان الجمع من
أصحابه
غداة محاصرة الإيطاليين للثوار في الجبل الأخضر يفكرون بالاستسلام نظرا
لنفاد المؤن
والسلاح كان هو يتابع الحوار مسندا ظهره إلى صخرة ويقرأ القرآن
في ثقة واطمئنان رغم
الخطر المحدّق به.
ولعلّ أن يكون العنوان "أسد الصحراء" أولى
العتبات المحددة لاستجابة المتفرّج فتوجهه ضمنا إلى أن يفعّل من "الأسد"
سيناريوهات
القوّة والصبر على الأذى والجوع لافتقاد الفرائس وتحمّل الهاجرة كما تفعّلُ
من
الصحراء معنى القسوة والخطر الكامن تحقيقا لاستجابة عاطفيّة لدى المتقبّل
مدارها
على الإعجاب بهذا البطل الفذّ الذي لا يأتي الأعمال الجبارة
خدمة لأمته فحسب وإنما
يروّض نفسه على التمرّس بالصحراء وتحمل إيذائها ويروّض الصحراء في آن حتى
تكون
ملاذه الآمن. أما المتن الفيلمي فكان امتدادا لهذه العتبة فقد كان أنطوني
كوين أوان
تجسيد الدور امتدادا للفضاء الصحراوي في بساطته وصمته وتواضعه
وامتداد أفق تفكيره
وفي قسوته على الأعداء مما خلق حالة من التوافق مع العالم لا تصدر إلاّ عن
نفس
متصالحة مع العالم نحو صوفيّ. فيغلب عليها هدوء يتجسّد في "الانسجام مع
الشكل
الخارجي، الحاجات الداخليّة، التعبير الصوتي، الإيماءة
الجسديّة، العلاقة مع البيئة
[كذا]"
فلم يكن أنطوني كوين يتقمّص الدور فينخرط في عالمه حتى التوحّد به وانتزاع
ذاته من "أناه" لتحل في "أنا" أخرى ليكون ممثلا شخصيّةً فحسب وإنما كان
يسيطر على
جسده ويكيّفه ضمن ما يصطلح عليه ستانلي كافال بشكل التحول الذاتي
(auto- métamorphose)
بحيث تخضع كل سمات المظاهر الجسديّة والسلوك
للتغيير ويتوارى الممثل
خلف الشخصيّة . وتعدّ ماري إلين أوبراين، هذا الضّرب من التّمثيل السينمائي
لغة
شكليّة تعبّر عن الرّوح الإنسانيّة ذات صلة بفلسفة الزن الياباني
.
ويختزل سمير
فريد ما نذهب إليه في لغة مكثّفة فيقول "لقد أعطى مخرجنا الممثّل الكبير
أنطوني
كوين دور حياته، حيث (كذا) تقمص عمر المختار بروحه قبل جسده وبعينيه قبل
يديه
وبصمته قبل كلامه، وسكونه قبل حركته. لقد كان أنطوني كوين
عملاقا وهو يتطلّع إلى
الجندي الإيطالي المذعور الذي قبض عليه، ثم وهو يواجه الجنرال جرزياتي،
وأخيرا وهو
يبتسم للطفل قبل إعدامه" .
الأداء الانعكاسي السلوكي نظيرا لفلسفة
الزن:
يتقابل أداء أنطوني كوين مع أداء رود ستيجر في دور جوهريّا
فموسيليني لا يكاد يظهر في الفيلم إلاّ ذارعا للمكان جيئة وذهابا في جو من
التوتّر
وسط جمود تام لجميع أعضاده من القادة العسكريين مجسدا الشخصية
الديكتاتوريّة التي
تستغرق بعنفها وصلفها كامل الفضاء وتطمس حضور جميع من فيه. ولعلّ خروجه من
المجلس
أول الفيلم، صائحا في انتفاضة وشده لقبضة اليد قائلا "لا..
المنطق العسكري الفاشي
لن يقبل بهذا" ثم ضربه على الأرض بقدميه قبل أن يتمالك أمره ويثوب إلى رشده
أن
يعكسا حالة التّشنج التي يعيشها. ثم إن نظره عندئذ إلى القائد قراتسي وإلى
جندي
الحراسة في ارتباك مدركا ما أصابه من تهوّر تجسيد بصري لما
يخفيه الصلف والقوة
المادية من تهافت روحي وإنساني. وعلى هذا النحو كان أداء أوليفر ريد لدور
قراتسي
فتميّز بالإيماءة العريضة التي تنطلق من الداخل وتندفع إلى الخارج في
مبالغة تقترب
من الأداء المسرحي وبالملمح الحاد، في شدّة وانقباض ويقلصان عضلات الوجه
وبالنّبرات
المتفاوتة في الصوت بين ارتفاع وانخفاض فكان جماع ذلك صدى
لحركة الرّوح الباطنة
المفتقدة للهدوء والاتزان . يصطلح فرنسوا البيرتا
(François Albera,)
على هذا الضرب
من الأداء بالبعد الانعكاسي السلوكي
(la dimension reflexe behaviouriste)
لأداء
الممثل أو لتصرّف الشخصية ويفصّله استنادا إلى مقالة لاراقون
"تستهوي آثار الجمهور
بشكل غامض من بينها تلك المكتوبة أساسا للسينما، كما الشّأن بالنسبة إلى
حكايات فار
واست . غالبا ما ترُد شهرتها إلى سباقات الخيل وتوابعها المألوفة، ولكن
هذه
العناصر غير كافية لتمنحها [تلك الشهرة] فثمة سبب أكثر حميميّة
هو قصدية ردود أفعال
الشخصيات وعنفها. فهؤلاء المخصوصون بنزعة فطريّة بدائيّة يردون الفعل آنيّا
وبطريقة
مباشرة حينما تتغيّر ظروف حياتهم. فيعقبون بحركة مشبعة متواصلة تصدر لا
إراديّا لا
تمهل المتفرّج وقتا حتى يضجر أو يسخر. ومأتى هذه الحركة ردّة
الفعل اللاّإرادية
وتصدر، في الواقع، عن الشخصيات الفظّة"
.
ينسحب هذا التّقابل في الأداء بين توظيف تقنيات
الزن أو اعتماد أداء انعكاسي سلوكي على مجمل لقطات الفيلم ويوزع تجسيم
الأدوار إلى
قطبين، قطب أوّل يمثّله الأهالي قوامه بساطة في الأداء تسلم من كل تكلّف أو
تصنّع
وتعرض حياة زاهدة متناغمة مع محيطها الطبيعي على قسوته فإذا
العرس في مستهلّ الفيلم
احتفال بالحياة أكثر ممّا هو إحياء لحدث زواج. ويتجسّم هذا الحب الفطري
للحياة في
الدّفاع التلقائي عن الوطن وكرامة الإنسان فيه. ومن ثمة لم يجاروا
الإيطاليين في
غطرستهم ولم يبادلوهم جرائم الحرب مثلا بمثل. فكانوا يخوضون
معاركهم بشرف ويحسنون
معاملة الأسير. أما القطب الثاني فتغلب عليه الحركة المتشنّجة والإشارة
الحادّة
ويجسّده فاشيون يضلون طريقهم فيبحثون عن مجد روما الغابر في صحراء ليبيا
ويجعلونها
موطنا لقسوة عنصريّة تهين الإنسان والإنسانيّة وتسيء إلى
الحياة على حدّ سواء
فيمتهنون الأرض ويحرقونها بعلّة قطع المؤونة على المتمرّدين ويغتصبون
النساء
وينكّلون بالأهالي ويحوّلون امتداد الصحراء إلى سجن يتكتّم على أنفاسهم أو
يكتمون
هذه الأنفاس بالغازات الكيمياويّة وأسلحة الدّمار الشامل.
لقد رسّخت سينما
هوليود فكرة المخرج التقنيّ الذي يقود مجموعة تنفّذ السيناريو " ولكنّ
مصطفى العقاد
في "عمر المختار" لم يكن مجرّد قائد ماهر لمجموعة عمل فحسب، وما يميّزه عن
غيره أنه
صاحب وجهة نظر من أول لقطة في الفيلم إلى آخر لقطة. وأنّ وجهة نظره هذه
انعكست في
أدقّ التفاصيل. ورغم إثارته العواطف إلاّ أنه لم يجعلنا ننفعل
مع كل شخصية أو ضدها
فرحا أو ذرفا للدموع في كل موقف، وإنما دفع جمهوره إلى التأمل العميق في
أحيان
كثيرة" مما يجعله أقرب إلى المخرج المؤلف منه إلى المخرج التقنيّ
.
أداء الممثل من تجسيد الدور إلى المضمون الإيديولوجي:
تحضر
شخصيّة المخرج الإبداعيّة في التّعامل مع التّاريخ بحرية فحوّل فن الأداء
إلى سبيل
يقارن من خلاله بين القوة المادية الخارجية ذات النزعة الاقتحاميّة التي
تدمر الأرض
باسم البناء وترتكب جرائم في حق الإنسان باسم نشر الحضارة فمثّلها بتشخيص
سلوكي
انعكاسي يتجه من داخل الممثل إلى الخارج عبر حركاته المتوتّرة
ويخفي وراءه وهنا
روحيا وحضاريا، والبعد الرّوحيّ من حضارة تكفل على بساطتها للإنسان تحقيق
الرضا عن
النفس والانسجام مع محيطه سلاحها الإيمان العميق والقوّة الروحيّة. وتتجاوز
هذه
المقارنة عرض سيرة مقاتل يدافع بوسائله البسيطة المتاحة غطرسة
الفاشية الإيطاليّة
إلى طرح حضاري متسائل عن مأتى سعادة الإنسان وسلامته، مدين للمنحى المادي
الجشع
الذي يحكم الحضارة الغربيّة ويخرّب من الإنسان إنسانيته. ولا تتجسّد هذه
الإدانة في
التّنكيل الذي يمارسه الجيش الإيطالي على البدو الأبرياء من تجريف للأراضي
أو حرق
للمؤن، على فظاعتها، بقدر ما تتجسّد في تدبير قراتسي لاغتيال
ذلك الشاب الإيطالي
الذي رفض قتل النساء. لقد أردك هذا الشاب حِلم عمر المختار لما ناوله علم
بلاده
وأطلق سراحه بدل أن يأسره محملا إياه رسالة إلى الإيطاليين أن ليست ليبيا
وطنهم
وأنّ عليهم أن يرحلوا منها بدل الفتك بالأهالي الأبرياء. ومن
خلاله وعبر قدرة
السينما على خلق التماهي بين المتفرّج والممثل يدرك الجمهور هذا الحلم كما
يجد في
نهايته مغتالا في ساحة الحرب برصاص إيطالي أمارة على التنكّر لمختلف القيم
في سبيل
إشباع الرغبة في الهيمنة وإخضاع الشعوب واستضعافها وفي سبيل
نهب ثرواتها.
إن
هذا المنحى البعيد من الفيلم ما يفسّر، في تقديرنا، المحاصرة
التي واجهها الفيلم في
الغرب رغم إعلانه لمعاداته للفاشيّة والعنصريّة، معتبرا إياه فيلم دعاية.
وهو ما
يثبت أن الأمر لا يتعلّق بعمل فنّي أو موقف نقدي فقط وإنما يتّسع ليشمل
الفكر
والسياسة ويثبت أن وظيفة الفنّ السينمائي تتجاوز في تقديرهم،
على خلاف ما يدّعون،
الترفيه والتسلية لتضطلع بوظائف حضاريّة وسياسيّة غير معلنة.
هوامش
1-
لا يفوتنا أن نسبة الفيلم إلى السينما العربيّة
تظل محلّ احتراز من قبل بعض النقّاد لمقاربة الجماليّة
الهوليوديّة أساسا.
2-
يعرض الفيلم سيرة القائد الليبي عمر المختار في مقاومته للاستعمار
الإيطالي. أخرجه
مصطفى العقاد وعرض للعموم ربيع 1981.
3-
سمير فريد، "عمر المختار"، ضمن "هوية
السينما العربيّة" بيروت 1988، ط 1 ص 38. ويقول أيضا " وكان من
الممكن اختيار سورة
أخرى من القرآن الكريم. ولكنّ سورة الرحمن تؤكد الرحمة عند المسلمين، وأنّ
الله
بالنسبة إليهم هو الذي وضع الميزان، والميزان يختل عندما يفرض على المؤمنين
القتال
ولا يقاتلون". ص 38.
4-
انتمى عمر المختار إلى الحركة السنوسية تلك الدعوة
الإسلامية الإصلاحية المشبعة بروح صوفيّة تدعو إلى الحكمة
والموعظة الحسنة
والابتعاد عن العنف وشارك فترة بقائه في الحرب الليبية الفرنسية في المناطق
الجنوبية من السودان ثم استقر فترة من الزمن في قرو مناضلاً ومقاتلاً, ثم
عين شيخاً
لزاوية (عين كلكه) ليقضي فترة من حياته معلماً ومبشراً
بالإسلام في تلك الأصقاع
النائية.
5-
يفيد إيكو من مفهوم الفراغ عند إيزر فيشير إلى أن الأثر يعهد
للمتقبّل بوظيفة تفعيل الدلالات الكامنة طيّه عبر التعاضد
التأويلي حتى يسدّ
فراغاته "فالنصّ إن هو إلا نسيج فتحات بيضاء وفرجات ينبغي ملؤها ومن يبثه
يتكهّن
بأنها فرجات ينبغي أن تملأ فيتركها بيضاء...." أمبرتو أيكو، القارئ في
الحكاية ص 63.
ولكن قياسا على بياض الصفحة ألا يمكننا أن نتحدّث عن السواد المحيط بالعرض
السينمائي؟
6-حمادي
كيروم، الاقتباس من المحكي الروائيّ إلى المحكيّ
الفيلمي، ص .173
7-
شارك أنطوني كوين سنة 1952 في "فيفا زاباتا" ولعب دور
اوفيميو زاباتا شقيق الثوري المكسيكي الشهير اميليانو " مارلون
براندو", وأظهر حسب
النقاد موهبة فذّة أو في فيلم "لورنس العرب" ذلك الملازم الذي يعمل،
مكلّفا من قبل
البريطانيين، على مساعدة العرب على الانفصال عن الخلافة العثمانية والذي
صنّف من
قبل معهد الفيلم الأمريكي بكونه
خامس فيلم في القرن العشرين, بعد
المواطن كين,
وكازابلانكا,
والعراب,
وذهب مع الريح كما جسّد باقتدار
شخصية حمزة في النسخة العالميّة من فيلم الرسالة.
8- ماري إلين أوبراين، التمثيل السينمائي، ترجمة عصمت رياض، سلسلة الفن
السّابع، منشورات وزارة الثقافة، المؤسسة العامة للسينما، دمشق 2001، ص
161, 162.
9-Stanley
Cavell,
Cinéma et philosophie, Éd Presses Sorbonne Nouvelle, janvier 2001, P
198.
10- تشرح ماري إلين أوبراين سمات فن الزن في التمثيل السينمائي نقلا عن
يورد مارفن فتبرز أنه يساعد على أن يكون المرء قادرا على استخدام جسده
وصوته وذاكرته العاطفيّة وقدراته الذهنيّة لبناء سمات إنسان متخيّل ويفيد
الزن في المساعدة على تحقيق قدر هائل من التركيز والاسترخاء في سيطرة
جسميّة وصوتيّة حتى لا نرى " في أي وقت من الأوقات أي توتر على الممثل خلف
ظاهر شخصيته، كما يجب [كذا] ألا نكون واعين في أي وقت من الأوقات أن الممثل
يشير إلى الأشياء.. بدلا من أن يمرّ بالتجربة بصورة مرئيّة". لمزيد من
التوسّع أنظر: التمثيل السينمائي، ترجمة عصمت رياض، سلسلة الفن السّابع،
منشورات وزارة الثقافة، المؤسسة العامة للسينما، دمشق 2001، ص ص 160، 162.
11- سمير فريد، "عمر المختار"، ضمن "هوية السينما العربيّة" ص 45.
12- "وأخيرا هناك رود ستيجر في دور موسيليني/ وقد سبق أن قام بهذا الدور
عدد من الممثلين، ولكن هذه المرّة هي الأولى التي يتجسّد فيها ديكتاتور
إيطاليا دون انفعالات أو حركات تشنجيّة، وإنما بتلك النظرات التي تعبّر عن
الثقة المجنونة بالنفس": سمير فريد، "عمر المختار"، ضمن "هوية السينما
العربيّة" ص 45.
13- يشير الكاتب إلى فيلم
Far West (Thunder Riders)
من إخراج
William
Wyler
سنة 1928 الذي يحمل اسم المدينة الأمريكيّة الأمريكيّة ومثل لاحقا بداية من
الأفلام التي تحمل العنوان نفسه.
14-
François Albera, De l’opinion publique a la
journaliste, In Autours de Lev Kouléchov,
Vers une théorie de l’acteur,
Actes de colloque de Lausanne, L’age de l’homme 58.
15- سمير فريد، "عمر المختار"، ضمن "هوية السينما العربيّة" ص 43.
16- مقابل السينما الاستهلاكيّة التي تمنح القصّة أهميّة قصوى تميل
السينما الأوروبيّة، وسينما المؤلف منها خاصّة، إلى منح المخرج سلطة مطلقة
تخوّل له أن يكون المسؤول الأول عن المقاربات الجماليّة بحيث يعمل جميع
المساهمين في الفيلم تحت إمرته ضمن تصوراته هو. يتساءل آلان سابا عن المؤلف
الحقيقي للفيلم ضمن منزع يميّز في الإخراج بين البعد التقني والإبداع
الفني، فينفي أن يكون كاتب السيناريو الذي يكتب بلغة أدبيّة منتهيا إلى
"المؤلف الحقيقي للفيلم هو الذي يدفع لغة الإخراج إلى درجة قصوى من الصفاء"
Alain Sebbah, « La
question de l’auteur au cinéma », in « L'auteur entre biographie et
mythographie », collectif, Éditeur Presses universitaires de Bordeaux,
2002, P
139. ويشرح قول قودار "أفضل سياسة المؤلفين على سياسة المخرجين فيقول "أظنّ
أنه يتعيّن علينا أن نفهم من هذه الأقوال أنه لا يمكن اختزال المؤلف في
الإخراج وبالنتيجة أنه يتعيّن علينا أن ننظر إلى الإخراج السينمائي على أنه
الأثر المقروء على الشاشة دائما، للعلاقة بين المخرج وممثليه" الأثر نفسه ص
139. ولكنّ إشارتنا إلى تصورات مصطفي العقاد لا يصل بنا إلى تصنيفه ضمن
تيّار سينما المؤلف ذات الخلفيات الجماليّة والفكريّة المتباينة جوهريّا مع
السينما الأمريكيّة وسينما مصطفى العقاد باعتبارها تفريعا عنها.
الجزيرة الوثائقية في
27/01/2011
مصطفى الحسناوي
بشار
إبراهيم
مات المخرج التونسي مصطفى الحسناوي. ربما من سوء
حظه أن رحيله جاء في خضم الأحداث العارمة التي كانت بلده؛ تونس، تشهدها
بصخب، فما
انتبه أحد، إلا أقل القليل. كانت الأعين مشدودة، والأبصار مشدوهة، والأفئدة
متلهفة،
والعقول منشغلة، بما يجري في تونس الخضراء، هناك حيث الشعب يعلن ثورته
العارمة،
ويخرج بغضب. وما كان من السهل الانتباه إلى رحيل مخرج سينمائي،
اختصّ لنفسه العمل
في سياق الأفلام الوثائقية.
كان الضجيج أعلى من أن يسمع أحد حشرجات الموت، وهي
تختطف آخر أنفاس هذا المخرج، الذي أقل ما يمكن أن يُوصف به أنه علم بارز في
صناعة
الفيلم الوثائقي العربي، خلال آخر عقدين، أو ثلاثة عقود، من الزمن. مخرج
استطاع أن
يرسم، ويحفر عميقاً، مسيرة مميزة لسينمائي باهر، منشغل بهموم
وطنه، وشعبه، وأمته،
ساعياً لالتقاط أبرز القضايا والهموم التي تشاغل الناس، في واقعهم اليوم،
وفي
حيواتهم، ومقاديرها، ومصائرها.
مصطفى الحسناوي، رحل. وترك لنا إرثاً من الأفلام
الوثائقية التي تتعدد أسماؤها، كما موضوعاتها، ومضامينها، وأمكنتها،
مسافراً
بأفلامه، عبر الحدود والحكايات والشخصيات، إلى غير بلد. من بلده الأم؛
تونس، وصولاً
إلى فرنسا، مروراً بمصر، بل وتوقفاً طويلاً عند سلسلة أفلام اهتمت بمصر.
تحديداً.
دون أن ننسى انشغاله بموضوعات تبدو فريدة، أو غريبة، على مخرج سينمائي
وثائقي عربي (مارغريت جارنر، ماكس دويتش).
وعلى الرغم من أنني رأيته أكثر من مرة، في غير
مهرجان سينمائي عربي، هنا وهناك، إلا أنني لم أتعرّف بشكل شخصي إلى هذه
المخرج،
الذي كنتُ أدرك أهميته وخصوصيته. كانت المرة الأولى التي أدخل فيها عالمه
السينمائي، عندما شاهدتُ فيلمه «مارغريت غارنر»، عام 2006، في
مهرجان الإسماعيلية
للأفلام التسجيلية والقصيرة. منذ الوهلة الأولى، يمكن للمرء الانتباه إلى
هذا الصوت
الوثائقي المتميز. إنه ينتمي إلى طابق خاص من المخرجين التسجيليين في
العالم
العربي، وفي العالم. لديه رصانته، وقوته التعبيرية، وانفتاحه
على موضوعات أوسع
إنسانياً من تلك الحارات الضيقة التي يلوب فيها كثير من صنّاع الفيلم
الوثائقي
العربي.
وفضلاً عن عدم معرفتي الشخصية، بهذا المخرج، الذي سأعتز يوماً بأنني
عاصرته، ينبغي لي أيضاً القول إنني لم أشاهد جميع أعماله، ولا
كافة أفلامه. ولا
أعتقد أنه سيكون حسبي من مُنجز هذه المخرج، مشاهدة فيلمين أو ثلاثة من
أفلامه. إنه
مخرج من ذاك الطراز الذي ينبئك فيلم له بضرورة العمل الجاد على مشاهدة
أعماله كافة،
والتوقف أمامها، وتأملها.
نبحث في المصادر، والمراجع، الورقي منها
والإلكتروني، لنقف على مدى بؤس الحالة النقدية العربية، إذ نجدها وقد
قصَّرت أيّما
تقصير بصدد هذه المخرج القدير. بل لعل من العسير، على المرء، الوقوع على
دراسات
وافية لأعماله؛ أفلامه، أو ثبتاً بأسمائها، عناوينها، تواريخ
إنتاجها، موضوعاتها،
والجوائز التي نالتها. إنه تقصير فظيع. قد يتحمّل نقاد تونس السينمائيين،
المسؤولية
الأولى عن هذا التقصير!.. ولكن هذا لن يبرئ النقاد السينمائيين العرب
عموماً، من
هكذا مسؤولية.
كيف يمكن لمخرج على هذا القدر من الجودة والتميز والاستثناء أن
يمرّ دون توقف متأن، متأمل، باحث، مجادل، أو معانق، لتجربته
السينمائية؟.. كيف
تتخلَّف الأقلام عن توثيق تجربته فيلماً فيلماً، مرحلة بعد أخرى، ومحطة تلو
غيرها؟..
لا أتنصل من المسؤولية أبداً. هذا إذا صحّ إنتمائي إلى فريق نقاد
السينما العرب!.. وإن كنتُ أجد العذر لنفسي في أنني قد عزمتُ،
منذ عقد ونصف من
الزمن، الاشتغال على السينما الفلسطينية، تاركاً لغيري الاشتغال على حقول
سينمائية «قُطْرية»، موازية، مما يتم إنتاجه في في
هذا البلد أو ذاك. إلا أنني اكتشفُ اليوم،
ومع رحيل المخرج مصطفى الحسناوي، أن ثمة ظلماً ما وقع، وربما
سيقع، مع انغلاق دائرة
كتاباتي على السينما الفلسطينية، أو تكاد.
لم أنتبه أبداً إلى أن المخرج مصطفى
الحسناوي قارب الشأن الفلسطيني، في أي من أفلامه، من قريب أو بعيد. ولعله
لم يفعل
ذلك، إلا مرة واحدة، ربما. ولكنني أنتبه تماماً إلى أن خروجي من دائرة
الكتابة عن
السينما الفلسطينية، مرات قليلة، إنما كان لتماس جغرافي،
واحتكاك مباشر. كأن أكتب
عن السينما السورية، وأنا من وُلد وعاش ودرس، في سوريا. أو أن أكتب أشياء
عن
السينما الإماراتية، والخليجية، وأنا من يقيم الآن ويعمل في دبي؛ جوهرة
الخليج
العربي.
دائماً بقيتْ ثمة مسافة منظورة، وملحوظة بالنسبة لي على الأقل، تفصلني
عن عالم المخرج التونسي مصطفى الحسناوي. مسافة لم تطوِها حقيقة
إدراكي أهمية هذا
المخرج، وعلو كعبه، وتميزه الإبداعي عن الكثير من أقرانه، سواء من مجايليه،
أو ممن
سبقوه، أو ممن لحقوه. مسافة لم تمحها حقيقة أنه ذاك المخرج السينمائي
العربي الذي
اختصّ السينما التسجيلية، وصناعة الأفلام الوثائقية، وبقي
وفياً مخلصاً لها، طيلة
تجربته. وهذا وحده ما كان كافياً عندي للاقتراب منه، ومن عالمه السينمائي،
والدخول
في أعماقه، والتورّط فيها متابعة وكتابة وتوثيقاً وأرشفةً!.. خاصة، وأن جلّ
همّي
واهتمامي إنما يتجه دائماً ناحية السينما التسجيلية، والأفلام
الوثائقية، وينفر من
الأفلام الروائية، خاصة الطويلة منها. بإيمان عميق مني أن السينما الحقيقية
إنما هي
السينما التسجيلية، والأفلام الوثائقية.
يرحل
المخرج مصطفى الحسناوي، وأبحث عما يمكن لي أن أجده من مصادر ومراجع، فلا
أجد إلا
القليل، وكان لمقالة جيدة ويتيمة (كتبتها أمال فلاح)، وبعض
الكتابات القليلة جداً
الأخرى، والمتفرقة، أن تعينني في رسم الخطوط العامة، غير الكاملة،
للفيلموغرافيا
التي خلفها لنا، والتي أوردها هنا، على الرغم من أنني أعلم بعدم باكتمالها،
وأنني
لا أثق بصحتها: فيلم «الكتابة بدون مجاملة»، عام.. «أحمد
الصياد»، عام 1993. «الكتابة
تحت الرقابة»، عام 1994. «الآداب الأجنبية، حالة فلسطين»، عام 1997. «ماكس
دويتش»، عام 1998. «فؤاد بلامين»، عام.. «أطفال شوارع»، عام.. «السمسمية»،
عام..
«القاهرة
الأم والإبن», عام 2000. «زمان رمضان», عام 2001. «عندما تغنّي المرأة»,
عام 2004. «مارغريت غارنر», عام 2006.
«ظلال»، عام 2010.
يرحل المخرج مصطفى
الحسناوي بعيداً عن وطنه، وفي خضم الضجيج الذي يلف بلده. علمتُ بذلك عن
طريق
المخرجة السورية الأنيقة هالة العبدالله، التي كان لها أن
تنعيه على صفحتها في
الشبكة الاجتماعية (فيس بوك)، في لفتة وفاء نبيلة منها، على الرغم من
انشغالاتها
الملحوظة بمتابعة ثورة الشعب التونسي.
يأتي خبر رحيل هذا المخرج الصموت،
مفاجئاً، ومفجعاً. لم نسمع من قبل عن مرضه. ربما شاء كتمان ذلك، ومصارعة
مقاديره
على الطريقة التي يشاء. ولن نسمع عن تشييعه، ولا العزاء، ولا تكريمه، ولا
الاحتفاء
به. ليس هو من طائفة النجوم، على الرغم من أهمية كل ما قدمه،
وبذله، وفكّر به،
وأرساه، وأنجزه، وتركه لنا، تراثاً سينمائياً. ربما هو قدر السينما
التسجيلية،
والأفلام الوثائقية، أنها قلّما تصنع نجوماً، وتشهرهم.
كأنني الآن أراه. ماراً
أمامي، مسرعاً في الممرّ الوثير. كانت المحطة الأخيرة، ما قبل الرحيل
الموجع، ليس
أبعد من شهر. كان ذلك في مهرجان دبي السينمائي الدولي، حيث أتى
المخرج التونسي
مصطفى الحسناوي، شريكاً للمخرجة المصرية ماريان خوري، في فيلمهما الوثائقي
«ظلال»،
الذي شارك في مسابقة «المهر العربي للأفلام الوثائقية»، وكان له أن فاز
بجائزة «الاتحاد الدولي لنقّاد السينما» للأفلام
الوثائقية.
ربما كانت تلك آخر الجوائز
السينمائية التي ينالها المخرج مصطفى الحسناوي في حياته!.. ولكن يقيني أن
الجوائز
الأهم التي ينبغي أن نمنحها لهذا المخرج المبدع، هو الوفاء له، على الأقل
من خلال
المبادرة إلى جمع تراثه؛ أفلامه، وتوثيقها، ونقدها، والكتابة
عنها، وتأملها.. وكذلك
توفيرها للمشاهد، سواء أكان هذا عبر مهرجان ما، أو عبر مؤسسة ما، حكومية
كانت أو
مستقلة، أو عبر شبكة ما، سينمائية أو تلفزيونية. دون أن نغفل عن حقيقة أنه
يستحق
تماماً إطلاق جائزة سينمائية تحمل اسمه.
مصطفى الحسناوي.. في حياتك، لم أبادلك
الكلام.. ولكن في رحيلك، اسمح لي أن أقول لك: وداعاً.. مع المحبة والتقدير.
الجزيرة الوثائقية في
27/01/2011
دكاش وبونزو يحضران لعمل ثاني بسجن رومية اللبناني
نقولا طعمة – بيروت
بعد النجاح الكبير الذي حققته مسرحية "12
لبناني غاضب" الذي أخرجته زينة دكاش من خلال تقنية علاج السجناء بالمسرح،
بدأت
التحضيرات لعمل مسرحي جديد مع فريق قديم مطعم بعناصر جديدة، يبلغ الخمسين،
لوضع
مسرحية جديدة اقتباسا من كتاب الكندي روبير غوريك "المشنوق".
وتأسيسا للمسرحية الجديدة، حضر شريك العمل أرماندو بونزو، المخرج الإيطالي
الذي
يتصدر تجربة المسرح مع السجناء، وأقام مع دكاش ورشة عمل مع السجناء
لتحضيرهم للعمل
الجديد.
يشغل بونزو العديد من المراكز الفنية، وهو حاليا مدير مجموعة فولتيرا في
توسكانة بإيطاليا، على ما أحب أن يختار تسميته في حديث
ل"الجزيرة دوك"، بادئا
بالقول أن "نتائج "12 لبناني غاضب" كانت ناجحة جدا، فمن خلال هذا العمل،
وتقنية
الدراما-ثيرابي التي تقوم بها زينة دكاش، يمكن فتح آفاق جديدة لدى
الممثلين، ومن
خلال التمثيل يمكن إحداث ما يفتح العقل أمام احتمالات أخرى في الحياة.
فالمسرح
وتقنيته تعتبر مصدرا كبيرا بهذا الاتجاه”.
أضاف: "إن عمل المسرح هنا يسير على نفس الخط الجاري في إيطاليا، وبالأهداف
عينها، وإن كان ذلك بتقنيات وأساليب مختلفة، لكن العمل يعطي
النتائج عينها، وهذا ما
أثبتته تجربة سجن رومية الأولى”.
وقال عن عمله: "أعمل في هذا المجال منذ 23 سنة، حيث
أقمت تجارب في سجن فولتيرا، وكانت النتائج جيدة ومشجعة، وهذا
ما يجري في تجربة
لبنان، حيث يمكن إحداث تغيير كبير وفعلي لأن التجربة تقتضي أن يأتي واحد من
خارج
السجن للعمل في السجن، فيترك ذلك أثرا هاما لدى السجناء".
وعن عمله في لبنان حاليا، قال: "أساعد بإتمام العمل
الجديد، وأعتقد أنها بحاجة لمساعدة، مع العلم أنها تستطيع
القيام بالعمل بصورة جيدة
جدا، لكن عملها صعب وشاق، ومن المفضل أن يساعدها أحد”.
وأعرب عن قناعته أنه "بعد عشرين سنة من التجربة،
أجد أن التقنية المسرحية في السجن هامة جدا، فهي أحدثت، وستظل تحدث نوعا من
التغيير، والتطور في حياة الناس، فهي ليست لتضييع الوقت كبرامج النكت
الجماعية،
وعندما كنا نقدم العروض في الأماكن العامة والشوارع أمام عامة
الناس، كانت الأمر
يحدث ما يشبه الثورة لدى السجناء”.
دكاش
أما زينة دكاش، فعرضت
المشروع الجديد وهو مسرحية يجري تحضيرها في سجن رومية، والعمل الجديد هو
الثاني عن
المسرح بعد العمل الأول الذي أعقبه العلاج بالدراما في جلسات مقفلة عن
الجمهور،
والآن نحن بصدد التحضير لهذا العمل الذي يتضمن كتابات لنصوص من
السجناء، وهناك
ارتجالات كثيرة ولا نلتزم بنص معين. والنص الذي أكثر ما نقتبس منه اسمه
"المشنوق"،
وهو لكاتب كندي اسمه روبير غوريك”.
وقالت أن "عنوان المسرحية قد لا يكون ذات
عنوان الكتاب، وأحداثها تجري في قرية في بلد غير معروف، تجري فيها أحداث،
ومع
أرماندو بدأنا الارتجالات الأولى من الناس الذين يسكنون هذا المكان. ما هي
مطالبهم؟
ماذا يغيرون؟ وماذا يفكر واحدهم؟ وما هي اهتماماتهم؟ وهل هناك نساء أم لا؟
كما
بدأنا تركيب الشخصيات مع أرماندو..”
وأفادت أن "عددا من فريق العمل هم من الذين
اشتغلوا في المسرحية السابقة -12 لبناني غاضب- وهناك عدد من الجدد، مع فارق
وجود
أعمار أصغر 19-20 سنة، ودخلوا السجن منذ عام، وكانوا يتابعون علاجا
بالدراما،
واليوم أصبحوا شركاء في المسرحية، وهناك من القدامى من انتهت
احكامهم وخرجوا من
السجن. أشعر بسعادة لخروجهم، وقد كانت تجربتي معهم جميلة وانسانية،
والطريقة أثبتت
فعاليتها، وبذلك نستطيع الاستمرار، والدلالة استمرار أرماندو بتجربته رغم
مرور 23
سنة”.
ورأت
أن "المساعدة التي نقدمها تهيء السجين لكي يفكر بماذا يجب أن يفعله، وأنه
بإمكانه
تحقيق شيء معين. وقد ثبت لدينا أنهم اكتسبوا قناعة أنهم ليسوا أناسا بلا
حاجة لهم.
فالسجين يشعر بالتهميش، وهناك ظروف دفعته لعمل معين، ومن هذه الأعمال ما
يشعره بعدم
الحاجة له. دورنا أن نتمم عمله وهو ليس سهلا”.
يذكر أن دكاش وضعت فيلما وثائقيا
عن مسرحية " 12 لبناني غاضب"، وكيف جرت التحضيرات والصعوبات والتقنيات، عرض
في عدد
من مهرجانات السينما المحلية والدولية، وقد أنزل للسوق على ديفيدي مدمج.
من هو أرماندو بونزو
فنان واسع
النشاط بحيث لا يستوعب عمله كتابة صفحة. بدأ نشاطه الفني المسرحي بعروض في
الشارع
في
نابولي سنة 1978، ثم انتقل إلى فولتيرا سنة 1983 حيث قاد مجموعة عمل دولية.
وأسس
المؤسسة الثقافية "كارت بلانش" سنة 1978 التي لا يزال مديرها.
بدأ عمله مع سجناء
سجن فولتيرا سنة 1989، وأسس "Compagnia della Fortezza“، ومنذ ذلك الحين أخرج ما لا
يقل عن عشرين مسرحية، قسم من تأليفه وآخر اقتباسا لكتاب عالميين ليس شكسبير
إلا
واحدا منهم. وتجول أعماله مع فرقته، وتعرض أعمالها في مختلف
مسارح إيطاليا،
واحتفالاتها منذ 2004، دون أن يقتصر نشاطه على سجن فولتيرا.
نال بونزو العديد من
الجوائز العالمية، ولطالما دعي لإقامة ورش عمل مسرحية، ومؤتمرات عن صناعة
أفلام
الفيديو، ومحاضرات عن تجربة فرقته، خصوصا مع السجناء، ومشروعه
المسرحي "مسرح
المستحيل " I Teatri dell’Impossibile“
في ثلاث سنوات.
الجزيرة الوثائقية في
26/01/2011 |