بعد أسابيع قليلة، يبدأ الممثل المخرج جورج كلوني تصوير فيلمه الرابع منذ
أن أخذ مكانه وراء الكاميرا لأوّل مرة حينما أخرج فيلمه الجيّد “اعترافات
عقل خطير” سنة 2002 . بعده أخرج “ليلة طيّبة وحظ حسن” (2005) ثم “لذرهيدز”
(2008) وكلّها عكست اهتمامات جادّة سواء أبحثت في عمليات الـ “سي آي إيه”،
كما في الفيلم الأول، أو حالة الخوف المفتعلة التي تسبب فيها اليمين
الأمريكي في الخمسينيات من القرن الماضي، كما في الفيلم الثاني، أو حول
فريق كرة القدم الأمريكي ومحاولة أفراده البحث عن مستقبل آخر بعدما أدركوا
أن مصيرهم التقاعد (الفيلم الثالث) .
The Ides of March هو عنوان الفيلم الجديد الذي سيقوم بإخراجه
ومأخوذ عن تسمية ذات أصل إغريقي كانت تطلق على الخامس عشر من شهر مارس/
آذار . أما الفيلم نفسه فمأخوذ عن رواية لثورنتون وايلدر نشرت سنة 1948 .
على عكس الأعمال السابقة التي استرعت انتباه المخرج، يذهب هذا الفيلم إلى
حكاية تاريخية تتعلّق بالأيام الأخيرة من حياة جوليوس سيزار . الأكثر
تعقيداً هنا، هو أن كلوني سيواجه تحدّياً فنيّاً كبيراً ناتجاً عن حقيقة أن
الرواية ظهرت في أربعة كتب، وكل كتاب كان يبدأ من نقطة تعود إلى ما قبل
نهاية الكتاب السابق (من دون أن ترد فيه) وتنتقل إلى ما بعد بداية الكتاب
التالي (من دون أي تكرار لاحق) .
ثم لديه ذلك الفيلم الذي تحدّث عنه مع هذا الناقد قبل نحو سنة وعنوانه
“حمدان ضد رامسفيلد” ويدور حول الدور الذي لعبه دونالد رمسفيلد، لجانب بوش
وتشيني، في عملية إرساء التبريرات الكاذبة لاحتلال العراق . ومن هنا بدأ
الحوار معه .
·
أين أصبح هذا المشروع؟ لقد
حدّثتني عنه خلال حضورك مهرجان فنيسيا سنة 2009؟
- لا يزال في التحضير . هذا ليس فيلماً يمكن إنجازه عن قريب . الأفلام
الأخرى التي تناولت حرب العراق، بما فيها فيلمي السابق “المحدّقون بالماعز”
لم تحقق نجاحاً . قررت عوض ذلك تقديم “الخامس عشر من مارس” عليه .
·
ألا يزال مطروحاً؟
- بلى، لا أزال مقتنعاً بضرورة إنتاجه وتقديمه للمشاهدين لكي يدركوا
كيف سارت الأمور هنا ودور رمسفيلد، ليس في الحرب ذاتها، بل في تبعاتها
وعمليات السجن للمتّهمين العرب والمسلمين في غوانتانامو .
·
فيلمك الأخير “الأمريكي” أنجز
نجاحاً معتدلاً جدّاً أيضاً . ما السبب في نظرك؟
- لا تستطيع أن تنظر إلى الإيرادات الأمريكية لكي تحكم على نجاحه .
انظر إلى ايراداته العالمية . تكلّف أقل من عشرين مليون دولار، وهذا بات
نادراً لفيلم أمريكي، لكنه حقق قرابة السبعين مليون دولار حول العالم . هذا
ليس نجاحاً معتدلاً، بل جيّداً . طبعاً ليس مثل نجاح الأفلام التي تقصد أن
تكون جماهيرية، لكنه لا ينتمي إلى هذه الأفلام أساساً .
·
ما أقصده هو أن نجاحه في
الولايات المتحدة كان محدوداً نظراً لأن معالجته كانت أوربية ولم تكن كما
اعتاد الجمهور الأمريكي مشاهدته من أفلام .
- صحيح . لكن الكثير من أفلامي الأخيرة هي كذلك . والبعض ينجح أكثر من
بعضها الآخر .
·
أفلامك لها حس أوروبي .
- نعم .
·
ما الفارق في رأيك بين المعالجة
الأوروبية والأمريكية تحديداً؟
- هناك فوارق عديدة وأعتقد أنها جميعاً تنبع من اختلاف الثقافة
والعادات والممارسات الاجتماعية . الأوروبي لا يزال يعيش حالة أكثر حضارية
من الأمريكي . تدرك ذلك في الطريقة التي يعامل فيها الأوروبي نفسه . حين
يجلس لكي يأكل غذاءه، فإنه لا يعمل، ولا شيء يستطيع أن يجعله ينشغل عما
يقوم به وهو الأكل . هذا يقول الكثير عنه كيفية التفكير والنظر إلى الحياة
. طبعاً هناك الظواهر الأخرى في المجالات كافة، الأفلام الأوروبية ولا أقصد
التعميم لكن أقصد تلك الأفلام الفنية، مشغولة بذات الرغبة في التأني
وتتحدّث عن الناس أكثر مما تفعل السينما الأمريكية التي تحركها القصص .
·
معروف عنك مواقفك المعادية
للفترة الرئاسية السابقة وما نتج عنها؟ كيف ترى إدارة أوباما اليوم؟
- آلت إلى أوباما كل تلك المشكلات التي يحاول معالجتها اليوم . كغيري
ربما تصوّرت أنه سيكون أسرع وأكثر حسماً، لكن الفترة التي مرّت على حكمه
للآن أكدت كم من الصعوبة بمكان إحداث تغيير سريع، بينما يحاول الطرف الذي
تسبب في كل هذه المشكلات الداخلية والخارجية وضع العصا أمامه .
·
أين وقفت من مسألة المسجد في
نيويورك مثلاً؟
- ما حدث سخيف جداً . لا يمكن تصوّر أننا مستعدون للتخلّي عن قيمنا
والانطواء على أنفسنا على هذا النحو . محافظ مدينة نيويورك (بلومبيرغ) ليس
يسارياً، لكنه وقف إلى جانب بناء المسجد انطلاقاً من المبدأ الذي أؤمن به،
حرية المعتقد وعدم المساس بالمباديء الإنسانية لأي مواطن .
معالجة جزائرية لموضوع إيراني في فيلم
أمريكي
انطلقت أعمال دورة جديدة لمهرجان سندانس السينمائي، ذاك الذي كان أسسه
الممثل والمخرج روبرت ردفورد قبل ثلاثين سنة ليصون به السينما المستقلة في
مواجهة التمدد الهوليوودي الذي كان ردفورد نفسه أحد أكثر المشتغلين تحت
غطائه . في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين ظهر ردفورد في العديد
من الأفلام التي موّلتها الشركات الكبيرة مكوّناً هالته ونجوميّته بفضل
أفلام مثل “بوتش كاسيدي وسندانس كِد”، “الجوهرة الساخنة”، “جيرومايا
جونسون”، “كيف كنّا”، “اللدغة”، “غاتسبي العظيم” والعديد من الأفلام
الكبيرة والناجحة . ورغم ذلك، بقي قلب ردفورد في الجانب الآخر من السينما،
تلك التي لم يمثّل فيها أو يتبنّاها خلال سنوات نجوميّته، بل أصبح أكثر
اهتماماً بها وبرسالتها فيما بعد . وإذ أسس هذا المهرجان القائم في مرتفعات
ولاية يوتاه، حدده من البداية كشاشة لعرض الأفلام التي تُنتج من دون تمويل
هوليوودي . صحيح أن هوليوود تدخل في اللعبة لاحقاً فتحضر المهرجان وتشتري
من أفلامه ما تريد، إلا أن المبدأ يبقى أن الإنتاج بحد ذاته تم بعيداً عنها
.
إلى ذلك، وبعد نجاح الدورات العشرين السابقة، أخذ المهرجان بالسعي أكثر
لتوسيع الرقعة بحيث لا يكون اهتمامه منحصراً بالسينما الأمريكية المستقلّة
وحدها، بل أينما وُجدت . في هذا السياق، تم استحداث مسابقتين، واحدة عالمية
والأخرى أمريكية، وهذا ما أمد المهرجان بمزيد من الأهمية معززاً بذلك
مكانته كأحد أهم المهرجانات المتخصصة حول العالم وكأحد أهم المهرجانات
عالمياً في الوقت ذاته.
هذا العام هناك ثلاثة عشر فيلماً في مسابقة الفيلم الروائي العالمي تم
اختيارها من بين 1073 فيلماً ترشّحت للمناسبة .
ليس معروفاً كم فيلماً عربياً تقدم إلى هذه المسابقة، لكن المؤكد وجود فيلم
جزائري (من تمويل مشترك مع فرنسا) للمخرج عامور حكّار عنوانه “أيام قليلة
من التأجيل” وهو المشروع الذي من المؤكد سيثير بعض الضجّة، على الأقل،
لسببين: إنه يتعاطى الحرية الشخصية التي يفتقدها شابّان إيرانيان في
بلدهما، والثاني أن هذين الشابّين مع ما سيحمله هذا الشأن من إثارة اهتمام
للرأي العام الغربي على الأقل . هذان الصديقان ينجحان في الهرب واللجوء إلى
فرنسا حيث ينتهيان إلى بيت ريفي تعيش فيه إمرأة وحيدة تؤديها نجمة الأمس
مارينا فلادي .
من الأفلام اللافتة الأخرى، “أبراكساس” للمخرج الياباني داي ساكو عن لقاء
بين ناسك وعازف “روك أند رول” يختلفان في كل شيء إلى أن يقتنع الناسك بأن
للموسيقا ذات التأثير الروحي .
ومن أيرلندا فيلم يزداد الحديث الإيجابي عنه بعنوان “الحارس” أخرجه جون
مايكل مكدوناف حول شرطي أيرلندي يجد لزاماً عليه التعامل مع تحرٍ أمريكي ضد
عصابات المخدّرات .
كذلك فيلم رواندي يبحث في العلاقة بين المسلمين والمسيحيين بعنوان “كينيا
رواندا” . الأحداث تقع خلال الكارثة الإنسانية التي شهدتها رواندا قبل
سنوات خلال الحرب الأهلية، وكيف استضاف المسلمون المسيحيين الوافدين في
مساجدهم . الفيلم من إخراج ألريك براون .
وفي الشأن الإفريقي فيلم من إنتاج مشترك بين غينيا وسويسرا والولايات
المتحدة بعنوان “انتخابات إفريقية” حول تلك التي جرت سنة 2008 في غينيا .
الفيلم يفتتح مسابقة الأفلام الوثائقية العالمية، وهي مسابقة منفصلة قوامها
هذه السنة اثنا عشر فيلماً تم اختيارها من بين 796 فيلماً تقدّم طالباً
الاشتراك .
أوراق ناقد
الفنان والقضية
من المؤسف أن معظم الفنانين العرب، كما معظم المثقّفين العرب، لا يتعاملون
إلا في أحيان متباعدة، وفي حالات نادرة، مع القضايا المُثارة في عالمنا
العربي أو حول أركان الأرض .
قبل المضي في إرساء بنود هذا الاتهام، لابد من القول إن أكثر من نصف
المثقّفين والفنانين العرب هم من المهمّشين حتى في مجالاتهم، وإن الكثير
منهم يبحثون ليل نهار عن الأعمال التي تقيهم الجوع والبرد وتضعهم وفواتير
الحياة على مستوى واحد، حتى لا نقول تأمين الغد أيضاً .
هذا وحده إدانة للآخرين من الفنانين والمثقّفين الذين يجنون ما يكفي لإثارة
الاهتمام بما يودّون إثارته . ربما هي قضيّة إنسانية معيّنة، أو قضيّة
اجتماعية عامّة . ربما هو موقف من المعاقين أو صندوق دعم للطفولة أو
للأيتام، أو للبحث في النواحي التي يتألف منها هذا العالم أجمع ويعانيه .
في الخضم الأول البيئة التي تجرف في تحوّلاتها الاستقرار وتعد بمزيد من
التطوّرات التي ستؤثر في البنيات الاقتصادية حول العالم . هناك مياه تجف،
وثلوج تذوب، وسماء تتلوّث، وبحار تتحوّل إلى صحاري لا ثروات مائية فيها .
عدد السكّان بات يفوق قدرات الأرض والبحار لا يمكن توزيع ثرواتها بالتساوي
. أسعار المؤن الغذائية ترتفع . تكاليف الحياة تتصاعد والحروب تحول دون
استعادة دول كثيرة لطاقاتها المهدورة وأراضيها المسلوبة أو ثرواتها
المنهوبة .
وسط ذلك، لم لا ينبري بعض كبار الفنانين العرب لتبنّي قضايا إنسانية على
نحو فاعل؟
من حين لآخر يتبادر إلى الأذهان أن هذا تم تعيينه سفيراً لنوايا حسنة . ما
هذه النوايا الحسنة؟ وهل هي نوايا حسنة فقط أم أفعال أيضاً؟ ثم هل على
الفنان المؤثر في محيطه العربي أن ينتظر تعيينه سفيراً ما، لكي ينبري للعمل
لمصلحة الإنسانية؟
ألا توجد مآس كبيرة في وطنه تحتاج إلى علاج؟ هل يرى أن المسؤولين في معظم
أنحاء العالم العربي ناجحون في معالجتها؟ أليسوا بحاجة إلى مساعدة القادرين
من رجال الأعمال والفنانين والقادرين عموماً؟ أين موقع الخلل حين يغلق
الفنان الكبير الباب على نفسه ويكتفي بالإطلال على شاشة التلفزيون؟
في أي لحظة من العمر، يقرر المرء عموماً والقادرون الممتنعون خصوصاً، إطفاء
زر تشغيل العقل واعتبار نفسه إما تحت المسؤولية ولا يستطيع حيالها شيئاً،
أو فوق المسؤولية ولا يمكن تحميله إياها؟ متى يقرر الفنّان أن كل ما يهمّه
من الناس هو تحلّقهم حول شخصيّته وألبوماته الغنائية وأفلامه السينمائية
وبرامجه التلفزيونية أو قراءة مشروعاته (وغالبها خيالي أو مفتعل أو كلاهما
معاً)؟ كل ما يعنيه الناس إليه هو إخلاصهم له وفي سبيل ذلك قد يصرف على
نفسه أكثر مما يجب وعلى الفقير والمحتاج لا شيء؟ متى يقرر الإنسان، أينما
كان وحل وبصرف النظر عن وظيفته، أنه لم يعد كذلك؟
المسألة في واقعها لا تتطلّب أكثر من العودة إلى الجذور الإنسانية ذاتها .
تلك التي علّمتنا أهمية أن نتعايش ونتكاتف ونساعد بعضنا بعضاً . تلك التي
نصّت، سواء عبر الرسالات السماوية أو بالعودة إلى المنطق والموضوعية، على
أن نفعل، كل بمحيطه وحجم قدراته، شيئاً ما حيال هذا العالم الذي نعيش فيه .
القضايا التي تواجهه كثيرة ومختلفة، وهذه تتطلّب اليوم وقفة حقيقية يستخدم
فيها القادرون على التغيير نحو الأفضل دورهم الأهم في الحياة .
م.ر
merci4404@earthlink.net
http://shadowsandphantoms.blogspot.com
الخليج الإماراتية في
23/01/2011
في علاقة الدين والسينما وكليهما مع الجمهور
محمد
رُضـــا
في "أفروديتي العظيمة" لوودي ألن (1995) مشهد يدور
بين وودي ألن، في دور الصحافي لَني، وشقيقته اليهودية
المتديّنة مع زوجها المحافظ.
يدور بينهما الحديث التالي:
هي: ينقصك أن تتعبّد. تفعل مثل زوجي
هو: لا
أستطيع. لا أؤمن بذلك
هي: كيف لا تؤمن بذلك؟
هو: فكّري، لو أن والدينا اعتنقا
المسيحية قبل ولادتك بنصف ساعة لنشأت مسيحية. المسألة كلها تبعية.
وهي الى حد
كبير علي هذا النحو.
يصل الدين الينا كسلالة. إذا ما سمح المرء لنفسه بالتعمّق
بتاريخه العائلي فإنه سيبلغ الحد الذي لا يستطيع بعده الذهاب الى ما هو
أبعد. ربما
يستطيع أن يتأكّد من أن جدّ أبيه كان على دينه هو اليوم، لذلك وُلد مسلماً
او
مسيحياً او يهودياً او منتم، لا بخياره أساساً، الى أي من
التديّنات الأخرى، لكن هل
يستطيع الذهاب بذات الثقة الى جد الجد؟ على نحو عام من حقّه، غالباً،
إعتبار نفسه
من سلالة لم تغيّر دينها منذ أن وُجد هذا الدين، لكنه لا يمكن أن يثق بذلك
مئة
بالمئة. ربما واحد في تلك السلالة اختلف، كان يهودياً وأسلم او
مسلماً وتحوّل الى
المسيحية او العكس. ربما أي شيء وكل شيء.
المعنى البسيط الذي ورد في فيلم ألن
ذاك ليس نتيجة حوار وجده مناسباً، بل نتيجة موقف من الدين اتّخذه ألن وعبّر
عنه
أكثر من مرّة. في نهاية فيلمه المبكر "سليبر" (1973) تسأله دايان كيتون:
"أنت لا
تؤمن بالله، أليس كذلك؟" يرد عليها: "لا. لكني أؤمن بالحب والموت"
لابد من القول
أن الدين شكّل في أفلام ألن مادّة مهمّة وإذا ما أراد المرء
اختزالها جميعاً في
فيلم واحد فسيكون هذا الفيلم هو "زَليغ" (1983). هناك استعار المخرج شكلاً
وثائقياً مفبركاً (بوضوح المخرج واختياره) ليسرد حكاية رجل أسمه ليونارد
زَليغ
(والكلمة
الثانية مستوحاة من الحرباء، ولو أن أصولها اللغوية جرمانية وتعني "مبارك")
ينتقل بين الأديان محاولاً البحث عن الذات الإلهية في كل منها. إذ ينتقل
بطلاقة بين الأديان نابذاً اليهودية الى المسيحية والمسيحية الى البوذية،
يدرك في
النهاية أنه على حق إذا لم يكن يؤمن بأي منها. وهو كان أفضل من صنع الضحك
الناتج عن
الضياع والحيرة: في "موز" (1971) شاهدناه النيويوركي الذي تجده
صديقته الملتزمة
يسارياً غير معني بما تؤمن فيه تتركه. ردّاً عليها يتظاهر
بتبنيه قضية سياسية ليجد
نفسه وقد أصبح قائد دولة موز لاتينية متمرّداً على اليمين، لكن من دون
إيمان لا
بمنطلقه ذاك ولا باليمين ذاته.
لامست أفلام أخرى كثيرة جوهر الإيمان من عدمه وفي
مجتمعات تنتمي سينماها الى الترفيه أساساً، كما الحال في السينمات الهندية
والمصرية
والأميركية، فإن الالتزام الديني مُصاغ حسب التعددية الشعبية لإتباع الدين
الواحد.
الفيلم الهندي سيتعامل واللغة الهندوسية
غالباً وما تحمله من تعاليم او شخصيات او
ميثالوجيات. السينما المصرية ستقدم علي التعامل مع الشيفرات
التي ترضي وتنال إعجاب
الغالبية المسلمة، ليس في مصر وحدها بل في أرجاء العالم العربي بأسره. أما
الأميركية فستتعامل مع الغالبية المسيحية التي كانت ولا تزال منشقّة على
نفسها بين
ليبرالية ومحافظة.
الاهتمام
بالجمهور السائد عدداً نتج عنه كل تلك الأفلام التي استنبطت من الإنجيل
او دارت
بوحي من ولادة المسيحية واليهودية من "بن حور" الصامت الأول (سيدني أولكوت-
1907)
الى "كو?اديس" (إنريكو غوازوني- 1913) ومن
"ملك الملوك" (سيسيل ب. د ميل- 1927)
حتى "الإنجيل" (جون هيوستون- 1966) و"العشاء الأخير" (مل غيبسون- 2004)
حيال
الكتاب المقدّس يظهر المحك الحقيقي للهوية التي سيحملها الفيلم ولأي غاية.
فالأفلام التقت مع الكنيسة حين أرادت وناقضتها حين رغبت. في الحالتين كان
الدافع
مزيجاً من التجارة والموقف حيال الدين او الكنيسة (حالتان منفصلتان).
فالأفلام
التوراتية الأولى مثل "الوصايا العشر" لسيسيل ب. دميل، سنة
1956 و"أعظم قصّة
مروية" الذي حققه جان نيغيلسكو وديفيد لين وجورج ستيفنز "ملك
الملوك" لنيكولاس
راي، لا تعرض نقداً للتوراة بل تروّج له. في حين أن أفلاماً
مثل "تيوريما" لبيير
باولو بازوليني (1968) و"عشاء المسيح الأخير" لمارتن سكورسيزي (1988) و"شيفرة
دافنشي" لرون هوارد (2006) بحثت في أوجه غير كنسية بما يتعلّق بالدين حتى
ولو طرحت
الكنيسة موضوعاً كما في الفيلم الثالث من هذه النماذج. الفوارق ليست محض
مواقف حيال
الدين (مع او ضد) بل هي في جوانب غالبة سياسية. الفيلم الديني
الملتزم بروايات
التوراة والإنجيل يدعو للإقتداء بها وقبولها والبحث عن المحبّة من خلالها
وإيصال
رسالة إيجابية تدفع المشاهد للإيمان بها، إن لم يكن مؤمناً بها من قبل، او
الحرص
على إيمانه. في هذا الشأن الحكمة الغالبة هي وقوف الدين ضد
التيارات الأيديولوجية
السياسية ليست الملحدة وحدها فقط، كالشيوعية، بل ضد سواها على امتداد
ثقافات الشعوب
الأخرى.
في علاقة السينما مع الدين وعلاقتهما معاً مع
الشعوب يمكن الحديث مطوّلاً عن المنهج الذي يتّبعه كل جانب مع الجانبين
الآخرين.
السينما بحاجة الى جمهور وذاك يقوده الى
موضوع الإيمان الذي هو الأكثر انتشاراً بين
مختلف شعوب الأرض. في الوقت ذاته يحتاج الدين الى مساعدة
السينما لكي يعزز تلك
العلاقة كما يحتاج المؤمن لكليهما لكي يشعر بتفوّقه وبأنه مُبارك ومنتقى.
الأمر
الوحيد غير المشترك هو أن الدين (مبدئيا وسابقاً قبل وجود الكنائس
الأميركية
المنشقّة) لم يدخل في محراب التجارة، والشعوب لا تحقق في
غالبيّتها أي مردود مادي
من الإيمان، لكن السينما، كما كل النتاجات السمعبصرية والإعلامية، هذا
ضروري سواء
أكان ضرورياً لمواصلة رسالة او ضرورياً للاستفادة من الرسالة.
الجزيرة الوثائقية في
23/01/2011 |