بعد جولة على عدد من المهرجانات العربية والدولية وحصد عدد من جوائزها
(آخرها المهر الذهب لأفضل فيلم في المسابقة العربية من مهرجان دبي
السينمائي الدولي)، وصل الفيلم اللبناني "رصاصة طايشة" إلى الصالات
اللبنانية أمس، مقدّماً مخرجه جورج هاشم سينمائياً للمرة الأولى، بعد سنوات
طويلة من اشتغاله في المسرح. بخلاف المخرج، الفيلم ممهور بأسماء تمثيلية
معروفة في مقدمها ندين لبكي وتقلا شمعون وبديع أبو شقرا ونزيه يوسف وهند
طاهر، يجسّون حكاية تدور أحداثها في العام 1976 حول "نهى" التي تتخذ قراراً
بإلغاء زواجها قبل أسبوعين من الموعد المحدّد، بما سيجر الويلات عليها وعلى
محيطها.
المخرج جورج هاشم يتحدّث عن التجربة في هذا الحوار.
·
[ خلال لقائنا في مهرجان دبي
السينمائي، ذكرت لي أنك تحمل هذه الفكرة منذ سنين. هل قصدت فكرة إنجاز
فيلم؟ أم فكرة حكاية الفيلم؟
ـ حكاية الفيلم واحدة من حكايات كثيرة أحملها في ذاكرتي، شأن أي شخص
عامل في المجال الفني، حيث الإشتغال على نص ليس وظيفة بل تراكم تجربة. مع
تقدّم الفنان بالتجربة والعمر، يحمل معه من مرحلة إلى أخرى الحكايات
الأساسية التي علّمت في ذاكرته وتكوينه. وحكاية "رصاصة طايشة" أحملها منذ
زمنها الأصلي، أي منتصف السبعينات. ولكن السؤال الاساسي هنا ليس منذ متى
أحملها بل في تحوّلها شيئاً ملحّاً. ربما لو أنني قدّمت فيلمي الأول فور
تخرجي من الجامعة اللبنانية في العام 1983، لما وجدت هذه الحكاية طريقها
إلى السينما وقتذاك. صمودها في الذاكرة لسنوات طويلة هو الذي خمّرها ووضّح
معالمها وجعلها ملحّة.
·
[ كلامك يوحي بأنها قصة واقعية.
ـ ليس تماماً، لأن ما من شخصية في الفيلم مرجعها شخصية واحدة في
الواقع. ولكن احتمال الواقع والحقيقة في الشخصيات والأحداث، فضلاً عن
استلهام بيئة أعرفها تماماً، هو الذي يشكّل صلة قوية بين الفيلم والواقع.
·
[ يبدو لي أن الفيلم انطلق من
فكرة أكثر منها حكاية. الزواج هو الفكرة المحورية التي يطرحها الفيلم
بتنويعات مختلفة، بين زواج لم يتم وآخر مستحيل وثالث تحقّق...
ـ الزواج هو أحد الأقانيم الإجتماعية المسلّم بها لاسيما في حياة
المرأة. وكلّنا يطرح في مرحلة ما أسئلة مباشرة حول المسلّمات، رافضة وغير
منصاعة. هذا الإحتفال الذي يرافق مراسم الزواج يثيرني بمعانيه: هل هو فرح
أم نهاية الصبا؟ حتّى زمن قريب، كنّا نحتار بالمرأة التي لم تتزوج أو التي
تزوجت ولم تنجب، كأنها فقدت وظيفتها وجدواها. والنساء عندنا يخضعن في
الغالب لهذا التهميش ويتقوقعن داخله. الوضع لم يتغيّر اليوم كثيراً. خلال
تصوير الفيلم، تنقّلنا بين بيوت كثيرة، وكانت حكاية الفيلم تجد صداها
دائماً في شخصية حقيقية. هناك "تصفيات" يومية جائرة ومستمرّة من هذا النوع.
لا أملك إجابات ولكنها إشكالية جديرة بالطرح وسؤال حول كيفية استغلال
المجتمع القدر البيولوجي ليصير قدراً اجتماعياً. أردت من هذا المنطلق خلق
شخصية درامية في قلب المتخيّل. ماذا يحدث إذا شذّينا عن الواقع؟ هذه بداية
الشخصية الدرامية منذ التراجيديا الإغريقية: رفضها قبول المتعارف عليه
وخروجها عن الطريق المرسوم لها بما يؤجج الصراعات. وبرأيي هذا هو الفارق
الاساسي بين الفيلم الروائي والوثائقي: الأول ينطلق منه ليشذّ عنه فيضيئه
ويناقشه بطريقة خاصة والثاني ينطلق من الواقع ليرصده. لهذا لا أجد وصف "قصة
واقعية" ملائماً في فيلم روائي.
·
[على الرغم من القسوة التي تظلّل
حكاية الفيلم وتتحكّم بمصائر شخصياته، ثمة حنين دفين في إستعادة السبعينات
كمرحلة زمنية. فهل الحنين مسألة حتمية في استرجاع زمن مفقود؟
ـ الإشتغال الدقيق على إحياء تفاصيل مرحلة بهدف استعادة زمن ولّى
هدفها التغريب. من دون تغريب يمّحي الفاصل الزمني ويخسر الفيلم مصداقيته.
صحيح أن السبعينات ليست بعيدة ولكنّها في بلد مثل لبنان سريع التحوّل تبدو
لي بعيدة جداً. يهمّني أن يحافظ الفيلم على مسافة. عملية الإستعادة نفسها
مخاض، يستولد الذاكرة الشخصية لأن زمن الفيلم عشته. أما استعادة زمن لم
يعشه الكاتب فتعتمد على الكليشيه السائد عن تلك المرحلة. ولا بدّ من
التأكيد هنا على نقطة مهمّة هي أن استعادة السبيعنات في الفيلم شاعرية
وليست تحليلية. أوافق على أن الحنين جزء من هذه الإستعادة ليس بوصفه
اشتياقاً وإنما قلق، يرافق استعادة المرء طفولته واكتشافه تفاصيل منسية
مؤلمة في أحيان كثيرة.
·
[ هل من "اخلاقيّات" ضرورية تحكم
هذه العملية؟
ـ مسألة الأخلاقيات شخصية وفردية. في هذا الفيلم، أردت تظهير مرحلة
عشتها بدلالات غير مستهلكة. مرجعيّتي هي ذاكرتي بالدرجة الأولى ومحيطي
الإجتماعي، نساء ورجال عرفتهم وصور كانت هي الطاغية. اتّفقت مع مديرة
التصوير موريال أبو الروس على تقنية بصرية تمنح الفيلم إحساساً بأنه فيلم
قديم كان مفقوداً وعُثرعليه. الصورة التي كانت سائدة في لبنان السبعينات هي
صورة التلفزيون، تلفزيون لبنان. منه استوحيت التصوير الداخلي. ومن هناك،
بدأت استعادات أخرى تجد طريقها إلى الفيلم من دون تخطيط. فعندما أطلّت ندين
لبكي بأكسسوارات شخصية "نهى"، اي ملابسها وتسريحة شعرها، تنبّهنا إلى الشبه
الذي تحمله للممثلة الراحلة هند أبي اللمع. الإستعادة في هذا الفيلم مبنية
في طبقات والشاشة أقرب إلى بلورة تظهّر زمناً كأنّه رؤية تتّضح شيئاً
فشيئاً.
·
[ بهذا المعنى، ما هي الإضافة
التي تشكّلها خلفية الحرب على قصة تمتلك كل عناصر الدراما الاساسية
والضرورية من دون الحاجة إلى عوامل تحريضية خارجية؟
ـ أشدّد أولاً على أن خلفية الحرب محدّدة في الفيلم بالمرحلة التي تلت
حرب السنتين مباشرة. العلاقة عضوية بين الحكاية والحرب وأرضيتها المشتركة
هي النسيج الإجتماعي الذي تقلقه شخصية مثل "نهى" وتجادله كما تفعل الحرب
به. الحرب تقلب كل ما هو ثابت، تطيح به إلى غير عودة. يتبدّى هذا في
التناقض البيّن بين بربرية الحرب في الشارع والتمسّك بالتقاليد والقواعد
والأصول داخل البيوت. الأخيرة تصير زائفة غير قابلة للتطبيق والدليل أن
الطبقة الوسطى التي تدور أحداث الفيلم في فضائها اضمحّلت بفعل الحرب وزالت.
وهذا بالضرورة يولّد نموذجاً جديداً بأفكار وتقاليد مختلفة كالتي تمثّلها
شخصية "كوليت" في الفيلم. أما قمّة الخبث فهي الإصرار على بيع قيم قديمة في
عصر جديد.
"نهى"، في المقابل، تمثّل نموذجاً مختلفاً في الفيلم ولكن الثمن الذي
تدفعه كبير جداً، يتمثّل في فقدانها سويّتها.
هل تعتقدين ذلك؟ أنا أرى العكس. "نهى" تحرّرت والثمن الذي دفعته أقل
بكثير من ذاك الذي سيدفعه لبنان والمشاركون في الحرب. "نهى" برأيي ليست
نموذجاً عاماً، فما يحدث لها ليس نتيجة أكيدة لسبب واحد واضح. لعلّها كانت
تملك الجهوزية لتتأثر بشكل مختلف. ولكنني أردت من خلالها أن أقول أن
الإنسان يمكن أن يختل بلحظة تماماً كما يمكن أن يصاب بجلطة في لحظة. تكفي
حادثة رعب واحدة ليقول المرء كفى. أما نحن فاستنسخنا العنف والرعب لأكثر من
عقد ونصف العقد وهذا لا يمر من دون ثمن. التماهي بين مصير "نهى" ومصير
البلد يكمن في كيفية ذهاب كل منهما إلى أقصى الدراما وربما الميلودراما
وبشكل غير متوقع.
·
[ من دون أن نكشف عن نهاية
الفيلم، ثمة تحوّل كبير في الثلث الأخير منه في اتجاه الصمت والفراغ
والغياب والمساحات المفتوحة. وهناك إحساس أيضاً باختلاف الزمن، كأنه زمن
افتراضي لا نعرف تماماً ما إذا كان ماضياً أو مستقبلاً.
ـ عندما ينتهي هذا النهار التراجيدي الذي هو زمن الفيلم، يدخل الفيلم
كما البلد في مرحلة جديدة، تنتهي أحداث الفيلم هناك أما البلد فيغرق من
جديد.
·
[ ليس عبثاً "تهميش" شخصيات
الرجال في الفيلم. الفيلم عن المرأة وربما هو احتفال بها.
ـ في الموروث الأدبي والسينمائي للمجتمعات المتوسطية، المرأة هي أساس
التحوّلات. سلطة الرجل تمنحها المرأة أو تحجبها عنه. علاقة الإبن والأم
اساسية هنا: "الأم" أعطت السلطة لـ"عسّاف" والأم الأخرى حجبتها عن "جوزيف"
والخطيبة "كوليت" هي السلطة الجديدة.
ثمة تشديد في الفيلم على الحوار. والأخير، على الرّغم من دقّته
ومتانته، يبدو أحياناً زائداً، كأنّه تعليق من خارج عالم الفيلم، أو رد على
إشكالية الحوار في السينما اللبنانية- وحتى الدراما التلفزيونية-التي يكثر
الحديث عنها.
ثمّة مسلّمات في التحليل الفني لا أوافق عليها. كأن يكون الحوار في
فيلم سينمائي أو المونولوغ مسرحة. العمل الفني الناضج برأيي مرجعيته الفنون
كلها. بل إن متعة خلق عمل فني بالنسبة إلي تكمن في "اللّعب" بتلك المرجعيات
حسب الضرورة. يروي "رصاصة طايشة" حكاية شخصيات عديدة، ماضيها يتحكّم
بمصائرها وبسير الأحداث، وفي وحدة زمنية محدّدة. البناء الدرامي في
السينما، كما في المسرح، يمكنه عبور الحوار ليبني عمق الشخصيات وسيرتها.
فكيف إذا كانت هذه الشخصيات منتمية إلى مجتمع لا يقوم على الصمت؟ بل إن
المجتمع اللبناني قائم برأيي على مناجاة النفس، بما هو أمر ظاهر في كيفية
تكرار الأحاديث العامة نفسها وكبت القصص الشخصية واختزال الشخصيات بحكاية
واحدة تصير أسطورتها، تردّدها في كل مناسبة. أسطورة "ليلى" (تقلا شمعون) في
الفيلم هي حكاية عرسها الذي لم يتم وأسطورة "كوليت" استشهاد أخيها وقصة
"نهى" طردها من بيت حبيبها السابق... كثرة الكلام هي أحد ملامح هذا المجتمع
الذي يصوّره الفيلم وطابع محيطه. من هنا تعاملت مع الحوار في الفيلم كمادة
حية، تخبّر قصص الشخصيات وتكشف أنواع العلاقات في ما بينها. الحوار ليس
وسيلة لتمرير أفكار المخرج ولا لوعظ من اي نوع. إنه إشارة إلى المجتمع
والزمن، مادة مثل الهواء. يكتسب الحوار بعداً إضافياً إذا أخذنا في
الإعتبار أن الشخصية الرئيسية في الفيلم ("نهى" تؤديها ندين لبكي) صامتة.
عندها يتحوّل الحوار عنصراً خانقاً ويتماهى المشاهد مع "نهى" الصامتة
والمستمعة.
·
[الأداء التمثيلي لافت في
الفيلم. الحوار الأشبه بطابة "بينغ-بونغ" تتقاذفها الشخصيات لا يلغي أبداً
الإنفعالات الداخلية، بل إنه يتحوّل في أحيانٍ كثيرة إلى واجهة لا تعبّر
عما في دواخل الشخصيات. كيف اشتغلت مع الممثّلين؟
ـ أولاً دعيني أقول إن "الكاستينغ"، أو اختيار الممثلين، عملية مصيرية
في السينما أكثر منها في المسرح، لضيق وقت التنفيذ في الأولى بشكل اساسي،
فضلاً عن أن عملية بناء الشخصية في المسرح جزء من الدراما بينما في السينما
نشاهد النتيجة النهائية فقط على الشاشة. من هنا، أعتبر أن اختيار الممثل
جزء اساسي من البناء الدرامي للشخصية ومعياري الأول إلى ذلك الإختيار
إحساسي بأن الممثل يملك داخلاً غنياً، يمكن استدراجه وتحفيزه. لا أؤمن
بالتحضير قبل التصوير. جلسات العمل تقتصر على أحاديث لا علاقة لها بالنص
وخلق صلة إنسانية. خلال التصوير، يجري التمرين على البلاتوه. لا أعطي
السيناريو إلا للممثلين الرئيسيين، أما البقية فأخبرهم القصة ونشتغل على
المشهد فقط كلحظة حيّة، هم أبطالها، لا تقوم على تفسير أو تخطيط. لا أحبّذ
إعادة تصوير المشاهد مراراً وتكراراً لأن ذلك يستهلك روح الممثل. دوري
كمخرج أن أقوده بسرعة إلى المكان الذي يجب أن يكون فيه من دون استهلاكه. كل
هذا لا يمكن أن يتم من دون ثقة متبادلة. ومعرفة الممثل أنني أحبّ الممثل
تريحه كثيراً.
·
[هذا المشروع كان مقدّراً له في
البداية أن يكون وسطياً بين فيلمين قصيرين ولكنّه خرج كفيلم مستقل. فماذا
حدث لتلك الفكرة الأوّلية؟
ـ لم تتحقّق لأسباب إنتاجية بالدرجة الأولى ولا أعتبر أن عدم تحقّقها
ينتقص من الفيلم الحالي. الفكرة الاساسية كانت تقديم شكل سردي مختلف،
مترابط ومستقل في الوقت عينه. ثلاث قصص تقع أحداثها في 1941 و1976 و1983
تباعاً. الرابط عضوي فضلاً عن أن محور القصص الثلاث نساء وشكل السرد خلال
يوم واحد هو نهار الأحد.
أنهيت الفيلم القصير الأول وأتمنى أن أنجز الآخر.
·
[ لماذا يوم الأحد؟ أهي إشارة
إلى أنه يوم ذهاب الناس إلى القدّاس واجتماع العائلة وكيفية تناقض كل ذلك
مع تحول الأحداث مأساة؟
ـ ربما لأن أيام الآحاد هي تلك التي نتخيّلها هادئة، لا شيء يحدث
فيها، فإذا بالدراما تقع كأنما في غفلة عنا، أثناء قيلولة بعد الظهر. الحرب
في لبنان بدأت يوم أحد أيضاً.
·
[الحرب شكّلت مادة لمعظم إن لم
نقل لكل الأفلام التي أبصرت النور منذ منتصف التسعينات. أين يقع "رصاصة
طايشة" برأيك في هذا الموزاييك؟
ـ لا أحبّذ الحديث عن قيمة نظرية للفيلم بل أعتقد أن قيمته الحقيقية
في حسّيّته. إنه سينما بالدرجة الأولى، لا تهدف إلى إثبات شيء أو إلى وعظ.
على الصعيد الشخصي، أعتز بكون هذا الفيلم وجد بنفس الحرية الشعرية التي
تنوجد بها القصيدة. المسافة بين الإلهام وعملية الخلق والنتيجة قليلة جداً.
·
[هل انت مدين للمنتج بذلك؟
ـ أنا مدين بذلك لكل الناس السينمائيين الذين اشتغلوا معي وللمنتج
جورج شقير بالطبع الذي ساند منذ البداية السيناريو وفكرة إنجاز فيلم ذي
سوية سينمائية عالية بموازنة صغيرة. أنا مدين لرغبة كل الناس بالسينما التي
أتاحت للمشروع أن يتحقق. ففي معظم الحالات، يلعب الإنتاج، لاسيما الأجنبي،
دوراً سلبياً في عملية الخلق لأن انتظاراته وتوقيته وضروراته لا تشبه
بالضرورة إلحاح السينمائي واعتباراته.
هل تتوقّع أن يثير الفيلم ببعض حواراته الصادمة ردود فعل سلبية عند
المشاهدين؟
الفيلم وسيلة تواصل بين السينمائي والمشاهد، وسيلة تكشف عن الإثنين.
وبقدر ما يعبّر العمل الفني عن صاحبه، تعبّر كيفية تلقيه عن المتلقي.
الفيلم هدية، قد يعتبرها البعض مسمّمة، أرسلها إلى اللبنانيين لأرى أين
يقفون اليوم.
"عندما تسقط النجوم" جديد رضا الباهي القديم عن براندو
أخيراً أنهى المخرج التونسي رضا الباهي تصوير مشروعه السينمائي "عندما
تسقط النجوم" المعروف سابقاً بعنوان "براندو وبراندو" بعد أكثر من سبع
سنوات من العمل الذي تعثّر مراراً. وتجربة الباهي في هذا المشروع جديرة
بالتفاتة لخصوصية المشروع وإصرار صاحبه على إنجازه. فالمعروف ان المخرج كان
في طريقه إلى لقاء مارلون براندو للقيام بالتحضيرات الأخيرة قبل التصوير
عندما توفي الممثل في الأول من تموز/يوليو 2004. قبلها، كان المخرج قد أمضى
سنة كاملة في المفاوضات واللقاءات التي أثمرت موافقة براندو على المشاركة
في المشروع بدوره الحقيقي في حكاية عن شاب تونسي يشبه براندو في شبابه
ويحلم بالسينما. والواقع ان هذا الشاب- الممثل أنيس الرعاش- كان من أوحى
للباهي في العام 2003 بكتابة سيناريو "براندو وبراندو"، مستوحياً احداثه من
لقائه شاباً تونسياً يشبه براندو كثيراً. لم يتردد المخرج في ارسال
السيناريو الى براندو مرفقاً بصور فوتوغرافية لشبيهه التونسي ونسخة من
فيلمه "شمس الضباع" ورسالة شخصية. لم يكن ذلك من قبيل المغامرة والجنون
وانما من باب التجربة. فالسيناريو كان سيُنجز سواءٌ أوافق براندو على
المشاركة فيه ام لم يفعل وعندها كان سيخضع لبعض التعديلات الذي يبقي براندو
في الفيلم اسماً وحلماً صعب المنال بالنسبة الى الشاب. من هنا لم يكن
مستغرباً أن يكمّل المشروع بعد وفاة براندو. ولكن الصعوبة كانت في تجاوز
الباهي التجربة الشخصية التي شكّلت رابطاً بينه وبين براندو. فكان من
المستحيل أن يعود الفيلم إلى شكله الأول المحتمل بدون براندو: "لقد تخطيت
مشروع الفيلم وما بقي من معايشتي لذلك العملاق خلال فترات لقائنا هو الاهم
بالنسبة الي". بين السيناريو المتخيل عن شبيه لبراندو يحلم بلقياه وتجربة
الباهي الشخصية في التحضير للفيلم وتقربه من براندو، اتخذ الفيلم بعيد وفاة
الاخير منحى "الدوكيودراما" اي المزيج من الوثائقي والمتخيل. في الجزء
المتخيل، تدور الأحداث حول شاب تونسي يغويه ممثل أميركي بالذهاب الى اميركا
بحثاً عن الشهرة التي يوفرها له شكله الجميل وشبهه الشديد بمارلون براندو.
ولدى وصوله، تبدأ رحلة المشقات بدءاً بملاحقة مكتب التحقيقات الفيدرالي له
وانتهاءً بعدم قدرته على مقابلة براندو الذي يتوفى قبل الموعد المحدد
بينهما. اما في الشق الوثائقي، فسيروي الباهي بصوته رحلة المشروع وكواليسه
وتجربته مع براندو. في حوار نشرته "الشروق" التونسية مع الباهي قبيل بدء
التصوير في آذار/مارس الفائت، لم يستبعد السينمائي إمكانية ظهور براندو في
الفيلم لدقائق قليلة من خلال مادة أرشيفية. ولكنّه كشف أن الأمر منوط
بورثته وبوساطة الممثل والمخرج الأميركي شون بن. الجدير بالذكر ان الباهي
يملك أشرطة مسجلة لأحاديثه مع براندو، وليس معروفاً ما إذا كانت هذه أيضاً،
مثل عنوان الفيلم، خاضعة لموافقة الورثة.
يعتبر "عندما تسقط النجوم" خطوة جديدة في مسار مخرجه الغائب عن
السينما منذ العام 2002 عندما أكمل "صندوق عجب" عام 2002 مؤفلماً فصولاً من
طفولته وتأثره بالسينما ولاحقاً شبابه. في معنى آخر، ختم "صندوق عجب" مرحلة
ما في حياة السينمائي ومهنته بعد مسيرة غنية حفلت بعدد من الافلام التي
تركت أثراً في محيطها التونسي والعربي وفي سينماهما ايضاً من مثل "شمس
الضباع" (1977) و"الملائكة" (1985). شكل "صندوق عجب" ذروة الحديث عن الذات
ليس من منظور استعادي فقط وانما نقدي ايضاً. كان بديهياً بعده أن يكون
المشروع التالي في مكانٍ آخر من الذات والفكر والاهتمام للمخرج. مشروع خليط
من النضج والجنون والثقة. من هناك خرج "براندو وبراندو" الذي صار لاحقاً
"المواطن براندو" قبل أن ينتهي إلى "عندما تسقط النجوم". فكيف سيروي الباهي
ويرى "الآخر" من خلال هذه التجربة؟
العثور على سيناريو سام بيكينباه المدفون
"الويسترن" نوع سينمائي يعاند الإنقراض أو الأفول.
هذا ما يثبته تاريخ السينما الشاهد على محطات كثيرة، أعادت إحياء فيلم "الويسترن"
مراراً بعد أفول نجمه. فبالتزامن مع خروج استعادة الأخوين إيثان وجويل كوين
لفيلم هنري هاثواي الويسترن "عزيمة حقيقية" (True Grit)
من إنتاج العام 1969، عثر المنتج الهوليوودي آل رودي ("العرّاب"، "طفلة
المليون دولار") قبل أيام على سيناريو للمخرج الراحل سام بيكينباه، كتبه في
مطلع الثمانينات قبل وفاته بسنوات قليلة ولكنّه كان مختفياً لأكثر من ربع
قرن خلا. وكشف رودي أنه وجد السيناريو في مكتبه عندما كان يقوم بجمع اشيائه
تمهيداً لفض شراكته الطويلة مع زميله المنتج أندريه مورغن. ويروي رودي كيف
أنه في أواخر السبعينات طلب من كاتب السيناريو جون ميليوس سيناريو "التكساسيون"
(The Texans)
قبل أن يصبح ميليوس مشهوراً بفضل "القيامة الآن". ولكن المنتج لم يُعجب
كثيراً بنسخة ميليوس فذهب إلى سام بيكينباه الذي كان يعاني من اسوأ تدهور
مهني في مسيرته بسبب فيلم "موكب" (Convoy) العام 1978 الذي تأخّر تصويره وتجاوز موازنته وفوق ذلك شتمه النقاد.
المفارقة أن الفيلم تحوّل الأكثر ربحاً من بين أفلام بيكينباه. بكلام آخر،
كان الأخير يائساً فوجد في سيناريو "التكساسيون" بصيص أمل يعيده إلى أمجاد
النوع الذي كان قد أعاد إحياءه قبل سنوات شبه منفرد. هكذا اشتغل على
السيناريو بحيوية ومتعة كبيرتين مسلماً نسخة أولى من 250 صفحة في تشرين
الثاني/نوفمبر 1980. من هناك، بدأ آل رودي يعمل على تطوير المشروع، واستمر
بسعيه ذاك حتى بعد وفاة بيكينباه في العام 1984 عن 59 عاماً فقط. بعد أكثر
من عشر سنوات، خرج فيلم رون أندروود الكوميدي الساخر
City Slickers (1991) المستوحى من شريط جون واين "رعاة البقر"
The Cowboys
إنما بأسلوب كوميدي ساخر. عندها شعر رودي، على حد تعبيره، أن المزاج العام
تغيّر وأن الوقت ليس وقت الويسترن، على الرغم من أن مطلع التسعينات شهدت
عودة قوية للنوع مع شريط كيفن كوسنر الشهير "الرقص مع الذئاب". هكذا وضع
رودي سيناريو "التكساسيون" في الدرج وأقفل عليه و... نسيه!
بعد العثور عليه من جديد، قرر المنتج المضي بإنتاج المشروع إنما بعد
أن يقوم صديقه القديم جيم بايرنز كاتب مسلسلات الويسترن التلفزيونية
باختصاره إلى 150 صفحة والعثور على كاتب ومخرج يهتم به.
في حين لم يشأ رودي الكشف عن تفاصيل السيناريو، وافق على نشر الصفحات
الخمس عشرة الأولى منه. ومن قراءتها، يتضح أن الكتابة تنتمي إلى الويسترن
الكلاسيكي على الرغم من سمعة بيكينباه المعروف بتناوله غير التقليدي
للويسترن مما أكسبه لقب "ولد الويسترن المشاغب". بدأ بيكينباه مسيرته في
التلفزيون في مسلسلات الويسترن قبل ان ينتقل إلى السينما بفيلمه
ride the high country العام 1962. كان موضع نقاش بين مخرجي جيله والنقاد بسبب أفلامه التي
لمّحت إلى موت الغرب وكان إلى جانب سيرجيو ليوني الرجل الذي أحيا الويسترن
في أواخر الستينات وإن بنعيه: أولاً من خلال فيلمه المذكور مع جويل ماكريا
وراندولف سكوت الذي اعتُبر مشهده الاخير اعلاناً صريحاً لموت الغرب حيث
يقول ماكريا: "كل ما اريده ان ادخل بيتي بريئاً." وثانياً وبشكل صريح في
فيلمه الآخر"الزمرة المتمردة"
The Wild Bunch عام 1969. بمشاهد المعارك المبطأة وبدمويته وعنفه، مهد الفيلم لأفلام
الجريمة التي ظهرت في السبعينات. حتى ان بعضهم اعتبر فيلم بيكينباه رمزاً
لحرب فييتنام.
ولكن على الرغم من ان أفلامه الاخيرة قدمت العنف، إلا أنه في الصميم
اعتُبر خلف جون فورد. من أفلامه: "اجلب لي رأس الفريدو غارسيا"، "كلاب
تائهة"، بات غارنيت وبيلي الولد".
الجدير بالذكر أيضاً أن المخرج رود لوري (أشهر أفلامه
The Contender عام 2000 مع جوان ألن) يحضر لاستعادة فيلم بيكينباه
Straw Dogs
العنيف من بطولة داستن هوفمن الذي أثار عرضه في العام 1971 إلى جانب
Clockwor Orange لستانلي كيوبريك وThe
French Connection لويليام فريدكن وDirty
Harry لدون سيغل جدلاً واسعاً جول اتجاه هوليوود إلى العنف.
المستقبل اللبنانية في
21/01/2011
وسام شاهين عضو لجنة التحكيم والأكاديمية في جوائز
Emmy
التلفزيونية العالمية:
من حلم الموسيقى الى عالم التلفزيون
حاورته: سحر طه
في البدء كانت الموسيقى.. حلمه الأول عازفاً على الغيتار وكاتباً
وملحناً لأغاني الأطفال، هو نفسه يقول بعد حين:
"...كنت محظوظاً لأعيش وأشهد على هذا الشرق الساحر، الذي مدنا
بالحكايات، هناك في تلك المنطقة من العالم حيث تحت كل حجر.. حكاية (...)".
بهذه الكلمات خاطب المخرج والمنتج وسام شاهين رفاقه في
Emmy، الاكاديمية الدولية لفنون وعلوم التلفزيون في نيويورك، رفاقه الذي
اختاروه لعضوية دائمة في الأكاديمية بعدما اختاروه عضواً في لجنة تحكيم
المهرجان الثامن والثلاثين لجوائز التلفزيون.
والموسيقى؟؟
"تواطؤ سري بين الجميع. نذكر من روائع السينما العالمية أكثر من القصة
والمشاهد والأداء، تلك الموسيقى التصويرية، مرآة الذاكرة، وجرعة الايقاظ.
في البرامج التلفزيونية تمثل الموسيقى "الماركة المسجلة" لكل فكرة
ونوع.. وتبقى ...
اعتقد ان العالم على تناقضاته، يجتمع على الموسيقى... ولو سلمت أزماته
للموسيقيين، لقدموا حلولاً لها في جلسة واحدة! ...".
سنة كاملة قضاها وسام شاهين في الاونة الاخيرة، كاستشاري في مشاريع
تلفزيونية بين أميركا والعالم العربي ضمن تحصيله الجامعي كدراسات عليا في
إدارة الإعلام المرئي والانتاج التلفزيوني والذي بدأه قبل سنوات في جامعة
نورث وسترن
North Western في شيكاغو،
Kellogg school of Management، وبعد خبرة مرت ب
ABC7 شيكاغو، و
Front line world سان فرانسسكو وWGBH بوسطن.
اكثر من عشرين عاماً في التلفزيون، ورصيد يزيد عن 9000 ساعة بث،
مخرجاً ومنتجاً وكاتباً. لم ترغب الأكاديمية الدولية لفنون وعلوم التلفزيون
في نيويورك بأكثر من ذلك لتختاره عضواً في لجنة التحكيم الخاصة بجوائز
Emmy التلفزيونية في المهرجان ال38 الذي قدم في نيويورك في تشرين الثاني
الماضي، ولم تتأخر خلال مشاركته جلسات التحكيم، في اختياره عضواً دائماً في
الأكاديمية.
وسام شاهين عودنا ان يعمل بصمت، في الاخراج والانتاج والكتابة،
للوثائقي الجذاب وصاحب البرامج التلفزيونية الفريدة والمخرج السبّاق الذي
قدم أول برنامج منوعات يصور بطريقة السينما. يتولى إدارة إعداد البرامج في
Orbit بيروت، ماذا يقول لجريدة "المستقبل" عن عضوية الأكاديمية الدولية
والتحكيم في جوائز
Emmy العالمية:
المهرجان ضم في العام 2010 اكثر من 1100 قطب ومؤسسة من أقطاب العالم
في البث التلفزيوني، وكبرى شركات الانتاج التلفزيوني حول العالم الى جانب
شخصيات اجتماعية عريقة ومجموعة من المشاهير من أكثر من 50 بلداً شاركوا
أيام المهرجان الذي تضمن حفل توزيع الجوائز وندوات ومحاضرات ولقاءات
وأبحاث.
التلفزيون ليس للترفيه هو مجتمع العائلة واحتفال بالحياة
المهم أن نكون في السوق العالمية منتجين ومبدعين وليس فقط مستهلكين
ولدينا الكثير لنقدمه عربياً
·
[ بمن جمعتك لجنة التحكيم في
أميركا؟
في عداد اللجنة أسماء عديدة وعريقة في بلادها. أذكر مثلاً المخرج
والمنتج السويدي، سورين ستارموزي
Soren Stormose
ونجم الدراما الألمانية العالمي سيباستيان كوخ والمنتجة الارجنتينية كارلا
استرادا. طبعاً حفل الجوائز نفسه وتوزيعها تولاه على على المسرح نجما
هوليوود الممثلان آليك بالدوين وإلي والاش وكرم المهرجان عضو لجنة التحكيم
في برامج الهواة البريطاني سيمون كويل حيث نال جائزة "المؤسسين" وتكريم
المقدم الكوميدي جيمي فولون.
·
[ التجربة الأكاديمية في أميركا،
كم اضافت الى خبرتك التلفزيونية؟
مستويات الجامعات الأميركية، العريقة معروف ولن أزيد في تعريف جامعات
مثل نورث وسترن أو هارفرد أو جامعة كاليفورنيا
Berkely. حيث في الأولى
Kellogg School of Management اختصاص جديد في إدارة الاعلام المرئي والانتاج
التلفزيوني. احكي عن التجربة الاهم، التواصل وتبادل الخبرات مع اكثر من
تلفزيون ومحطة محلية في ولاية او على مستوى الولايات المتحدة.
·
ماذا عن تجربتك الأكاديمية في
أميركا؟
من خلال البرنامج الجامعي كان عملي في البداية في برنامج "فرونت لاين"
على محطة "
WGBH"،
محطة محلية في بوسطن الخاصة بولاية ماساتشوستس والتي تنتج برامج القطاع
العام والتي تبث على المحطات الاميركية، مثل برنامج "نوفا" العلمي الشهير
و"أنتيك رود شو" وهو أيضاً برنامج معروف في أميركا، وكل من: "Frontline"
و "Frontline World"
والثاني وثائقي عن قصص من أنحاء العالم، وهذا الاخير هو الذي انضممت الى
فريق العمل فيه، في "جامعة كاليفورنيا بركلي" في سان فرنسسكو، حيث ورشة هذا
البرنامج والاستديو الذي ينفذ فيه الافلام الوثائقية، عملت هناك استشاري
لبعض افلام المخرجين الشباب. ايضاَ عشت التجربة في "
ABC7" في شيكاغو حيث شاركتهم برنامج "صباح الخير أميركا".
·
[ ماهو هدف "أكاديمية
Emmy" واهمية جوائزها للحائزين عليها؟ وهل حاز نتاج عربي على جائزة؟ وكيف
قسمت الجوائز؟
هدفها رفع مستوى الانتاج ونوعيته حول العالم. واهميتها تكمن في تبادل
الخبرات بين أفرادها وترشيد الانتاج التلفزيوني حول العالم ورفع درجة
الاحتراف. وهذا العام وزعت الجوائز ولم ينل اي انتاج عربي حظاً من الفوز
بجائزة. أتطلع اليوم الى تشجيع مخرجينا الشباب ومبدعينا للمشاركة وتقديم
مشاريع حتى تنال فرصتها من الفوز والخبرة.
لدينا الكثير من الفرص النائمة لأعمال موهوبة في الأدراج. هناك فرص
مفتوحة أمام الانتاج التلفزيوني العربي ليحتل مكانه، خاصة من نتاجات الشباب
والمواهب لكي يطلوا على خارطة العالم في الاحتراف، سواء في الأفلام
الوثائقية أو المسلسلات الدرامية او غيرها. الجوائز عادة توزع على عشر
فئات: فنون البرمجة، افضل ممثل، أفضل ممثلة، برامج الأطفال والشباب،
الكوميديا، الوثائقي، المسلسلات الدرامية، برامج التسلية والترفيه،
المسلسلات الطويلة، الفيلم التلفزيوني، المسلسل القصير. وهذ السنة (2010)
اضيفت اليها جائزة "المؤسسين" التي ذهبت الى سيمون كويل، وجائزة "السير
بيتر اوستينوف" لأفضل كاتب والتي ذهبت الى الأسترالي جايسون سبنسر.
·
[ وهل استثمرت خبرتك ورصيدك بشكل
فعال خلال هذه السنة؟
لاستكمال الدراسة العليا الجامعية تفرض المشاركة في إنشاء مشاريع
محطات تلفزيونية. وفي العام 2010 تسنت لي الفرصة من خلال البرنامج الجامعي
و
IREX واشنطن، وبتشجيع من "أوربت" وإدارتها المدير التنفيذي نيكولا صباغة
والمدير الإقليمي روبرت خليل حيث رافقت ولادة مشاريع تلفزيونية في العالم،
وايضاً في العالم العربي مثلاً، في الأردن، هناك "Youth Production House"
ينتج افلاماً وثائقية للمبدعين الشباب وكنت مستشاراً لبعض المشاريع
الشبابية من خلاله، أذكر من بينها كان مشروع للمخرجة اللبنانية لارا سابا،
الذي كنت استشارياً في تنفيذه ونال جوائز عدة. ونجح في دخول السوق التجاري
في أيام "كان" السينمائية 2010، والاهم كان مشروع "ألف ألف" في السعودية
والإمارات، أول تلفزيون ثقافي واول تلفزيون خاص، قيد الإنشاء، وكنت فيه
استشاري ورئيس إدارة الانتاج، وضعنا مخططات البنى التحتية والخطط الهيكلية
لإنشاء التلفزيون، والآن المشروع بات على السكة، وينتظر الترخيص لبدء
العمل، حيث كانت الرؤية لصاحب السمو الملكي الأمير الشاعر خالد الفيصل.
ايضاً شاركت في برلين بألمانيا، في مشروع يحمل عنوان "الأكاديمية الدولية
للدبلوماسية الثقافية" وهو ايضاً من بيوت الشباب ويقدم نشاطات سمعية وبصرية
محترفة. وكانت لي مشاركة في أكثر من ندوة ومحاضرة وتدريب.
·
[ ماذا لديكم في "أوربت" اليوم،
ماذا تعدون للمرحلة المقبلة؟
الفكرة الأكثر ترجيحاً لدى أسرة "OSN
Orbit Show time" اليوم، هي إطلاق محطة مفتوحة متخصصة بالبث الحي. وهي فكرة سباقة
للصديق والزميل نيكولا صباغة، المدير التنفيذي.
·
[ وأي توجه تحمله انت اليوم
للتلفزيون والعمل التلفزيوني؟
الفكرة الأم هي العودة الى الاساس طالما نتحدث عن عائلة ومشاهدين،
معنى ذلك، برمجة مختلفة ليست تلك التي يحب الناس رؤيتها بل ما نؤمن بوجوب
تقديمه من برامج ذات قيم معينة. السائد ان التلفزيون للترفيه، لكنه في
النهاية هو للعائلة، مجتمعة، التلفزيون معلومات وثقافة وطريقة حياة.
فالطريقة هي التي تخدم المشروع الاجتماعي في العالم العربي. علينا التفكير
بما يمكن ان نقدمه للعائلة لتستفيد منه وفي الوقت نفسه، لتستمتع وتسعد بما
نقدمه.
لدي رؤية خاصة بما يتعلق بالتلفزيون، وهي الاحتفال بالحياة، نحسن
نوعية الحياة من خلال الوقت الطويل الذي تقضيه العائلة على التلفزيون، اي
ترفيه وفي الوقت ذاته توجيه.
·
[ كنت من اوائل المعدين الذين
قدموا افكاراً جريئة ومتقدمة وأذكر ان ذلك أحدث بلبلة وضجة في التسعينات.
هل ما زلت تسير بالتوجه نفسه؟
البارز في صياغة هذه الأفكار، انها كانت جديدة يومها، وفيها جرأة كما
ذكرت لكن ايضاً، كان فيها براءة و"أنسنة" لما نقدمه.. تناول إنساني راق.
في "أيام وناس" مثلاً، برنامج المنوعات. كان يجمع أشخاصاً شديدي
التنوع من مثقفين وأدباء وايضاً متسع للحكايا والتراث، مثلاً حكايات صيدا
العتيقة وحارات طرابلس والناس البسطاء الطيبين من هذه القرى وفي الوقت نفسه
كان يمر النحات والشاعر والموسيقي والسياسي، وهم نماذج موجودة في بلادنا،
اضافة الى عنونة وتناول مصور بطريقة السينما فيها الجرأة والدخول على
الأشياء خارج العرف السائد في تلك الايام. ثدمنا الإعلامية مهى سلمى بطريقة
تفاعلية حيث تألقت في تقديم البرنامج. وايضاً في برنامج "سهرة غير شكل"
الحواري، حيث كرسنا لقاء الأضداد وجمعنا الناس على تناقض افكارهم حيث كان
لبنان خارجاً من حرب طويلة. قدمنا الحلقات الحوارية دون مقدم. وعدنا
واطلقنا "الليل المفتوح" بحلقات متجددة، ومن ثم "بعد سهار" على شاشة
"المستقبل". هنا أتكلم عن منوعات تحمل قيمة فنية، واذا قارنت ما كان يسمى
جرأة في تلك الايام، باتت اليوم وكأنها كلاسيكيات.
الى المنوعات عملنا على الوثائقيات مثل برنامج "شي تاني" على تلفزيون
لبنان، لم ينل ما يستحقه من شهرة واهتمام لأنه برنامج شهري، ولم يتم
الترويج له كما يتم الترويج لبرامج التسلية. تناولنا فيه قصصاً اساسية أذكر
منها "مملكة النور" حول حكاية الغجر في الشرق من الهند الى الشرق الاوسط.
و"جنود القبعات الزرق" حول جنود الأمم المتحدة في جنوب لبنان. و"الحمار
الأخير" الذي يؤرخ لمرحلة المجاعة في الحرب العالمية الثانية وغيرها من
الافلام الوثائقية النوعية.
باختصار حاولنا انتاج برامج بصيغة "السهل الممتنع" اي البرنامج الذي
نحمله مسؤولية أكبر مما هي في الظاهر، نضمنها مواضيع أهم وأكثر تنويعاً
وجدية. وصولاً الى محطة "أوربت" حين بدأنا قبل سنوات طويلة ببرنامج "عيون
بيروت" اليومي والمباشر، والفكرة جاء بها المخرج نيكولا صباغة من كندا حيث
تخصص في البث الحي. عملنا لبلورة الفكرة وكانت جديدة وما تزال حيوية حتى
اليوم. اضافة الى برامج اخرى مثل "كان زمان" حول الموسيقى التراثية و"ملفات
الشاشة" وغيرها. وطبعاً من خلال "مركز بيروت للانتاج" التابع لأوربت والذي
كان وراء انتاج البرامج الكبرى التي انتجت في العالم العربي، القاهرة،
الرياض، الكويت، اضافة الى بيروت، لم يكن الانتاج محلياً أو مكرراً.
·
[ ما رأيك بالبرامج المستوردة
التي باتت تغزو شاشاتنا؟
كما ذكرت السائد اليوم في شاشاتنا صيغة الـ "Formats"، البرامج ذات الشكل الجاهز، الفكرة الجاهزة والتي تشتري القنوات
حقوقه انتاجها محلياً. ولا أجد مانعاً في انتاج برامج ذات شهرة عالمية
بصيغة محلية والانفتاح على العالم من خلالها، فالعالم كما بات يعرف "قرية
واحدة" والتلفزيون يتجه اليوم في ظل العولمة الى تبادل الافكار. لكن المهم
ان نكون في هذا السوق منتجين ايضاً ومبدعين وليس فقط مستهلكين. لدينا
الكثير مما يمكن ان نقدمه للعالم، والتلفزيون في بلادنا عريق.
·
[ لكن الا يعني اننا نعاني الان
نقصاً في الافكار الخاصة بنا، ومن ثم مادام العالم قرية واحدة صغيرة، أليس
من الممل ان يتكرر البرنامج بالشكل والمضمون نفسه وإن تغيرت اللغة حسب
البلد؟ لماذا نستورد حتى الافكار دون ان نصدرها؟
في الفنون لا نتكلم عن شرق وغرب او شمال وجنوب. التبادل ضروري، علينا
ان نأخذ ونعطي، ونرفد شاشاتنا بالتنوع، لكن المعملية آيلة اكثر نحو
الاستهلاك. وهنا يأتي دور الاشخاص المعنيين بشراء المواد والنتاجات
الغربية، وكيفية عقد صفقات الشراء وضمن اي شروط وضرورات التسويق والبيع
والعرض. كل ذلك خاضع لمبدأ "البزنس" واحياناً لا تكون الصفقات مدروسة لما
هو أبعد من الناحية التجارية.
من خلال تجربتي في ورشات عمل عديدة مع شباب، تسنت لي فرصة الاستماع عن
قرب ومشاهدة الكثير من اعمال متخرجين في العالم العربي. هناك تميز ومواهب
لم تفتح لها الابواب ونحن بحاجة الى قدر اكبر من الحرية والتجربة. وعلى
سبيل المثال، واحدة من الافكار الهامة حسب رأيي ان يكون هناك "بيت شباب" في
كل مؤسسة تلفزيونية للمتخرجين الاعلاميين، يكون "محترفاً لتبادل الافكار
والخبرات فيما بين الشباب في مجالات الابداع كافة، ادب، مسرح، تلفزيون،
سينما، موسيقى، وغيرها. على غرار تجربة رفيقنا علي جابر عند إطلاق "تلفزيون
المستقبل" في اوائل التسعينات حين استعان بطاقات المتخرجين الجدد مما رسم
بصمة شبابية خاصة ميزت التلفزيون في ذلك الوقت. التجربة قابلة
للتعميم..تماماً مثل المستشفيات الجامعية الكبرى في العالم، تتعاون مع
كليات الطب، كذلك التلفزيون بحاجة الى هذا النوع من التجربة والبحث العلمي
في محترف يجمع الشباب للنقاش والتجريب لكي تبصر افكارهم النور. والى جانب
"بيت الشباب" يجب ان يكون هناك لجان تحكيمية تضم اصحاب خبرات لتجيز الاعمال
او تقيم صلاحيتها وهذا ربما يجعلنا نتحول لاحقاً من مستهلكين الى مبدعين
ومصدرين لنسهم في الثورة الاعلامية العالمية.
·
[ الموضة الرائجة ايضاً تقديم
البرنامج الناجح في استقطاب الاعلان؟
في خوض التجربة كبث تلفزيوني يتوخى الربح والعمل التجاري، نعود الى ما
قلناه سابقاً: وهو سؤال اساسي هل علينا ان نقدم ما يرغب الناس بمشاهدته، أم
ما يجب مشاهدته؟؟
برأيي هنا يلعب التلفزيون دوراً لتقديم ما هو ضروري للمشاهد. وما هو
ضروري تقديمه، او ما نبني عليه ذائقة الجمهور التلفزيونية والبصرية للمشاهد
هي مسألة تراكم. على سبيل المثال ما نحن عليه اليوم من ذائقة هو نتيجة
تراكم ما شاهدناه بالمعايير التي كانت سائدة في جيلنا، من فنون الابداع،
واقصد ذائقتنا في الطرب الشرقي مثلاً، وفي المسرح والفنون تكونت ورسمت في
اذهاننا نتيجة توجيه ومعايير معينة قدمت لنا عبر السنوات.
·
[ لكن اليوم تغيرت المعايير. لم
تعد الكفاءة والجدية والشهادة هي معايير العمل الناجح، بل التسطيح
والتنفيعات والواسطات والفساد في كل مجال حتى الاعلام؟
هذا صحيح. وايضاً كأن الناس، او هكذا يوحى إلينا، لم يعودوا يتقبلون
المواد الجادة في الإعلام. وكأن المنتجين يقولون ان الثقافة والبرنامج
الجدي لا يجذب المشاهدين. وهذه فكرة خاطئة، فمن الممكن بل من الضروري ان
تكون المادة التلفزيونية جذابة شكلاً ومضموناً.
·
[ وأي مستقبل ينتظر البرامج
الجديدة؟
اعتقد ان مستقبل البث سيتغير بسرعة مذهلة سنشهدها قريباً في سنوات
قليلة من ناحية تقنيات التواصل. فالموبايل سيأخذ حيزاً كبيراً برأيي في
البث التفاعلي وهو بات موجوداً حيث بإمكان اي شخص اختيار المادة التي يريد
مشاهدتها في الوقت الذي يرغب فيه. ودخول تقنيات "آي بود" و"آي باد" مثلاً،
والسرعة في المعلومات. اليوم كل مشاهد هو مراسل يمتلك تقنيات التصوير
والمونتاج والبث.
على
Youtube
نشهد ولادة نجوم. خرج المشاهد من القمقم ولن يعود اليه. علينا مواكبته
واحترام ذكائه.
·
[ هل ستقدم مفاجآت قريبة كما
عودتنا في الماضي؟
ما زلت بنفس حماس البدايات، وربما اكثر شغباً. أحاول واتمنى النجاح.
المستقبل اللبنانية في
21/01/2011 |