لا يدّعي الفيلم اللبناني «رصاصة طايشة» تقديم دروس في التاريخ. ولا
يرفع شعارات رنانة أو يرجّح كفة فريق على فريق. يسرد سيرة عائلة يتآكلها
التفكك، وبالموازاة يقتنصّ سيرة وطن يسير نحو الانتحار.
«رصاصة طايشة» فيلم لإحياء الذاكرة. ذاكرة بلد لم يطو صفحة حرب أرهقته
سنوات. وذاكرة شعب وجد نفسه في غمرة أحداث مأسوية قادته إما الى مستشفى
الأمراض العقلية وإما الى الهجرة وإما الى الموت وإما الى المجهول.
فيلم يلعب القدر دوراً أساسياً في حبكته وأحداثه ومصير شخصياته. وربما
كان للقدر نفسه دور في توقيت عرضه في الصالات اللبنانية تزامناً والتطورات
الدراماتيكية التي يعيشها لبنان. فالفيلم الذي تدور أحداثه صيف 1976 في
فترة هدنة أعقبت حرب السنتين وسبقت الحروب الكثيرة المتعاقبة على لبنان،
يبدو وكأنه في توقيته هذا، يذكّر بالعبارة التي رددها ماركس يوماً نقلاً عن
هيغل قائلاً: «إن التاريخ يعيد نفسه، لكنه إذ يكون في المرة الأولى
تراجيدياً يصبح في التكرار هزلياً».
صحيح، لا يمكن تحميل فيلم جورج هاشم الروائي الطويل الأول هذا أكثر
مما يحتمل. وصحيح أيضاً ان صاحبه لم يكن في وارد تحقيق فيلم يدقّ ناقوس
الخطر إنما أراد ببساطة سرد قصة عائلة من زمن الحرب. ومع هذا لا يمكن
المرور على الفيلم من دون أن تطل لعبة المرايا بين أفلام الحرب والواقع.
«إنها الصدفة المأسوية»، يقول هاشم لـ «الحياة»، «ففي بلد، تصبح يومياته
أشبه بأرض ملغومة، قد يكون هناك أحداث تمثل انعكاس مرآة بين الفيلم
والواقع. وهذا أمر جيد للفيلم. ففي بلد مثل لبنان تتغير الأزمات ويتغير
الفرقاء السياسيون، لكن القلق وعدم الاستقرار ثابتان. وإن كان لهذا الفيلم
رسالة، مع العلم ان رسالته الأولى تقديم حكاية يتفاعل معها الناس، فهي ان
يقول ان بعض البلدان يسيّرها قدر لعين. فحين يكون الإنسان في مكان وزمان
مكتوب عليهما عدم الاستقرار، يصبح ممنوعاً عليه ان يعيش حياة كاملة،
وبالتالي يصبح كل شيء مرتهناً بفكرة عدم الاستقرار والقلق والخوف من الغد».
سينما الحرب
واضح ان الحرب اللبنانية لا تزال تدغدغ أحلام السينمائيين اللبنانيين
على رغم كل ما قيل عن ضرورة التطلع الى الزمن الراهن وتحقيق افلام من
الواقع. وليس «رصاصة طايشة» إلا نموذجاً. ومع هذا يصرّ مخرجه على عدم وضعه
في خانة أفلام الحرب مع ان كل ما فيه يشي بأننا امام فيلم من هذا النوع من
العنوان الى الإطار الجغرافي والتاريخي وصولاً الى الأحداث. ربما لأن هاشم
يعتقد أن الجمهور اللبناني لا يحب ان يعيش حرباً على الشاشات عاشها في
الواقع. وربما لأنه لا يريد لفيلمه ان يصنف بين أفلام لم تستفزه كمخرج. أو
ربما استجابة، ولو مواربة، لنداءات طالبت بالكفّ عن صنع أفلام عن الحرب.
يقول: «أصرّ على القول ان الحرب في خلفية الفيلم، لكنها خلفية لا يمكن ان
نبدّلها، ذلك ان القصة تدور عام 1976 في ضواحي بيروت الشرقية، وأي خروج عن
خلفية الحرب، يحرّف الفيلم الى طريق أخرى. هناك علاقة عضوية بين هذه
الخلفية والأحداث، خصوصاً ان أصداء الحرب في ضمائر الشخصيات. في المقابل لم
أصوّر فيلماً عن المعارك، إنما اردت ان أسلط الضوء على أبشع نتائج الحرب:
تفتيت نسيج القيم لمجتمع ولطبقة معينة. عنيت الطبقة الوسطى التي دمرتها
الحرب. لا يمكن ان ندخل في نفق من التصرفات البهيمية ولا نزال متعلقين
بتقاليد وأقانيم وكأننا في مجتمع رخاء ورقي. هذه الازدواجية لم تدم طويلاً.
هناك طبقة كاملة مع أقانيمها سقطت. فتتتها الحرب بينما لا يزال المجتمع
اللبناني الى اليوم متمسكاً بأقانيم وأخلاقيات هذه الطبقة تمسكاً صورياً
مضحكاً مبكياً».
ولكن، أليس هذا شكلاً من أشكال أفلام الحرب؟ ثم هل صار عيباً ان تصنع
أفلاماً عن تلك المرحلة المأسوية من تاريخ لبنان؟
«أبداً، حقنا الشرعي ان نصنع افلاماً عن الحرب. كما لا يمكن ان نتعاطى
مع هذا الموضوع كمحرم. أفهم اللبنانيين ان كانت في رؤوسهم فكرة انهم لا
يريدون ان يعيشوا الحرب في السينما بعدما عاشوا مرارة التجربة، وهذا حقهم.
ولكن يجب الا يقف هذا عائقاً امامي كفنان، خصوصاً ان دوري يتمثل في إبقاء
الذاكرة حية. المسألة في رأيي هي في كيفية التعاطي مع الموضوع. هي مسألة
لغة سينمائية. فلكل حكاية زمان ومكان. وعندما تكون القصة في زمن معالمه
مؤذية وتحرّك الجرح، تتضاعف مهمة السينمائي لإيجاد لغة سينمائية تقرّب
الجمهور من الفيلم وتجعله يتماهى معه».
فماذا عن قصة «رصاصة طايشة»؟
دراما... عائلية
«نهى» (نادين لبكي) فتاة ثلاثينية على حافة الزواج برجل لا تكنّ له
أية مشاعر حب بعد فشلها في الاقتران بمن تحب بعد معارضة والدته بسبب فارق
السن. قبل اسبوعين فقط من زفافها تقرر بطلتنا ان تلتقي حبيبها السابق علّه
يتخذ موقفاً شجاعاً. وبالفعل يحدث اللقاء الذي يفتح الباب واسعاً على بشاعة
الحرب اللبنانية وعمليات الاختطاف والتصفية على الهوية، ما سيغير سيرورة
الأحداث قبل ان تحدث الانعطافة الكبيرة بفعل رصاصة طائشة.
ولعل ابرز ما يميز هذا الفيلم تسمية الأمور بأسمائها وعدم الخوف من
التكلم بلغة شارع مسيحي من زمن السبعينات مُعبّأ ضد المخيمات الفلسطينية
وسكانها. «غالباً ينتظر من الفيلم اللبناني ان يقول كل شيء، وكأنه واجب على
الفنان ان يخضع لقاعدة 6 و6 مكرر (المحاصصة بين المسيحيين والمسلمين). لكنّ
أحد اهم شروطي عندما صنعت هذا الفيلم كان ان اتناول البيئة التي أعرفها.
وفي رأيي الحكاية الجيدة هي التي تدور في مكان وزمان محددين». ولعل هذا
الخيار بالذات لم يفهمه عدد من الحضور في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي
ممن هالهم أن يسمعوا في الفيلم عبارات شتائم قاسية ضد الفلسطينيين، ما دفع
بعضهم الى انتقاد المخرج. اما هاشم فيردّ على هؤلاء قائلاً: «ساذج من يعتقد
أن الحروب البشعة التي اندلعت بين فئات من اللبنانيين والفلسطينيين تمت من
دون ان يكره الناس بعضهم بعضاً. لو لم تثر غرائز الحقد لما حدث كل هذا
الصراع. في الفيلم نوع من مواجهة الذات. فالحكاية تدور في يوم واحد في
مناطق مسيحية. بالتالي على الحكاية ان تكون دقيقة وموثقة وواقعية في هذا
الزمان والمكان. وبرأيي أفضل طريقة لنخدم القضية الفلسطينية هو ان نسلم
الكلام عنها والنضال فيها الى أهلها. وثانياً ان نوقف التعامل معها
انطلاقاً من مقولة من الحب ما قتل».
اما الردّ الأبلغ على هذه الانتقادات، فكانت أولاً بمنح المهرجان
القاهري فيلم هاشم جائزة أفضل سيناريو، والأهم بمنح المخرج الفلسطيني
المخضرم ميشال خليفة وزملائه في لجنة تحكيم «المهر العربي للأفلام الروائية
الطويلة» «رصاصة طايشة» جائزة مهرجان دبي. ولم يكتف الفيلم اللبناني بجولة
المهرجانات العربية إنما كانت له محطات في مهرجانات دولية مثل جائزة أفضل
صورة في المهرجان الدولي للفيلم الفرنكوفوني في نامور (بلجيكا)، وجائزة
أفضل تعبير فني في مهرجان «ميدفيلم» لأفلام بلدان المتوسط في روما.
ثلاثة أقانيم
ربما يكون في الأمر صدفة ان تتقاطع عناصر الفيلم الرئيسة (العائلة،
الوطن، الله)، وان اختلف الترتيب، مع شعار حزب «الكتائب» الذي من المرجح ان
العائلة التي يصوّرها تنتمي إليه. وربما كان هذا الأمر منذ البداية في بال
المخرج الذي اراد أن يرصد كيفية تطبيق الشعار على ارض الواقع. وفي الحالين
عرف المخرج كيف يعبّر بواقعية عن بيئة مسيحية يعرفها عن قرب بأسلوب أقرب
الى الحسّ الأنثوي العابق بالأحاسيس. «لا أدري ما المقصود في الحسّ
الأنثوي. فإذا اعتبرت المرجعيات والكليشيهات ان الفيلم الذكوري هو الفيلم
المباشر الذي يتعاطى مع أمور ذهنية ويقدم رسالة مقتضبة وصريحة، يمكن اعتبار
فيلمي فيلماً أنثوياً لأنه فيلم حساس وحسي في الوقت ذاته. وقد يكون من احد
الأسباب ان مديرة التصوير امرأة، كما انه، وبإيحاء مني ومن السيناريو، كنا
في سعي لاهث إلى تصوير الطبيعة، والتوقف عند التفاصيل».
«رصاصة طايشة» بهذا المعنى إذاً فيلم أنثوي، وهو أيضاً كذلك لأنه يعطي
المرأة الدور الأبرز ويجعلها تتمرد على واقعها وكأنها صدى لحكايات التحرر
التي سطرتها نساء في العالم الغربي في سنوات الستينات. يقول هاشم: «قد يكون
تمرد «نهى» في مكان ما صدى لترددات كثيرة لأفكار تحررية عاشها العالم في
الستينات. ولكن هذا امر جانبي لأن شخصية «نهى» كان يمكن ان تكون في اي زمان
ومكان. كما ان توقها للاستقلال ليس مظهراً من شعارات زمن معين وكأنها تريد
أن تساير الموضة، إنما هو قرار دفين. إنها شخصية نسائية صامتة تكبت
مشاعرها، لكنها عنيدة في الوقت ذاته. شخصية صادقة مع نفسها، من هنا لا تجد
مكاناً في المجتمع المحافظ الذي تعيش فيه». شخصية صعبة تألقت في أدائها
نادين لبكي، تماماً كما تألق ممثلون آخرون ليسوا نجوماً سينمائيين حكماً،
فبعضهم له تجارب في المسرح وبعضهم في التلفزيون وبعضهم ممثلون غير محترفين،
ما يحيلنا الى إدارة تمثيل محترفة. «في فيلم بناؤه السردي يعتمد على عدد من
الشخصيات يصبح اختيار الممثلين أمراً مهماً جداً لأنك توكلين إليهم المهمة
الأساسية. وبمقدار ما يكون هناك تناغم في عملهم بمقدار ما ينجح الفيلم. ما
يهمني بصراحة روحية الممثل وطريقة تعامله مع العمل الفني والعلاقة الشخصية
بيننا اكثر من مدى جدارته او ما إذا كان ممثلاً قديراً أم لا. ولا أفشي
سراً ان نادين لبكي اتفقت معها قبل 8 سنوات على ان تكون بطلة فيلمي الأول.
ولم يشكل لي اي عائق انها مثلت في أفلام أخرى، مع العلم انها اثبتت شغفها
بالتمثيل. ومنذ البداية كنت على يقين انها موهبة فذّة وممثلة سينمائية من
قماشة نادرة. هذا كان محفِّزاً لي أن أعمل معها ونأخذ تحدي تجسيدها شخصية
صعبة فيها تحولات كثيرة. وهنا يجب الا انسى بقية الممثلين من تقلا شمعون
الى بديع ابو شقرا الى نزيه يوسف وباتريسيا نمور وبولين حداد. ولعل هذا
المزيج من ممثلين آتين من آفاق متنوعة شكّل العملية الأكثر متعة في
الفيلم».
مسرحة السينما
إذا كان جورج هاشم عُرف في الأوساط المسرحية قبل ان يتجه الى السينما،
فإن المسرح لم يغب عن فيلمه الروائي الطويل الأول. يقول: «المسرح موجود،
أولاً، من حيث شكل الفيلم الذي يقوم على حكاية تدور في يوم واحد. ثانياً،
يلعب القدر في القصة دوراً كبيراً قريباً جداً من شكل المأساة الإغريقية.
وهذا من أساس المسرح. ثم ان تركيبة الفيلم ليست ذهنية إنما هو فيلم سردي
درامي يعتمد على الشخصيات، ويلعب فيه الحوار دوراً يقرِّبه الى المسرح
بمكان ما. اما إخراجياً، فهناك استعمال للتصوير المواجه، وكأن الشخصية على
منبر. وما يبرر هذا قوة الموقف التي تعطي طابع ما فوق المألوف. وهذا كله
يردنا الى المسرح الذي يسمح بالتعبير عما فوق المألوف. باختصار، عندما
تتناول السينما هذه المواضيع تصبح المسرحة أداة من أدوات الإخراج
السينمائي».
هاشم الذي ردّد أمام الجمهور البيروتي أثناء العرض الأول لفيلمه ان
أقصر طريق لتلقيه هو طريق القلب، يخشى ان يدخل المشاهد إليه بأفكار مسبقة،
«خصوصاً انها افكار مشوشة عن الحرب. فلو كانت هناك نظرة متعالية عند
اللبنانيين حول الأزمة لما كانت ذيولها مستمرة كل هذا الوقت».
الحياة اللندنية في
21/01/2011
مهرجان روتردام: 40 سنة من السينما
المجهولة
روتردام - محمد موسى
تؤكد أخبار مهرجان روتردام الدولي بأنه تجاوز ازمته المادية، التي كان
يتعثر بها
قبل انعقاد دورة العام الماضي، وبعد ان انسحب بعض الرعاة الكبار للمهرجان.
فقد
أعلنت إدارة المهرجان قبل ايام قليلة فقط بانه ضمن وللسنوات الأربع المقبلة
على دعم
اثنتين من اكبر الشركات في هولندا، هما شركة السكك الحديد الهولندية وإحدى
شركات
الاتصالات الكبرى في البلد. كذلك يبدو ايضاً أن خطط غلق بعض
الصالات السينمائية
الفنية القريبة من موقع المهرجان، والتي ترددت أخبارها في العامين الماضيين
قد
تأجلت، بل ان هناك صالة إضافية للسينما الفنية ايضاً قد فتحت أبوابها قبل
أيام
قليلة من بدء الدورة القادمة من المهرجان.
الصالات لن تكون ابداً مشكلة الدورة الأربعين من المهرجان والتي
ستنطلق من
السادس والعشرين من الشهر الجاري الى السادس من شباط (فبراير). فإدارة
المهرجان
والتي تعد لدورة احتفالية كبرى لهذا العام، أعلنت انها ستستعين بحوالى 40
مبنى من
المباني العامة، ومنها مبان ثقافية ومتاحف موجودة في مدينة روتردام،
لاستضافة
البرنامج الكبير لهذا العام. والذي يتميز بتنوعه وتوسعه. فعدد
العروض العالمية او
الدولية الأولى لهذه الدورة تجاوز السنوات الماضية، حيث أعلن ان تظاهرة
«مستقبل
واعد» والمخصصة للأفلام الأولى او الثانية للمخرجين ستضم هذا العام 82
فيلماً من 38
بلداً، اضافة الى 14 فيلماً أولاً او ثانياً تم اختيارها
لمسابقة الافلام الطويلة
للمهرجان والمعروفة بجوائز «النمر».
من الافلام التي ستعرض في مسابقة المهرجان للسينما الروائية الطويلة:
المكسيكي «اليسيا،
الذهاب هناك» للمخرجة إليسيا ميلير في عملها الاول، والذي يقدم رحلة فتاة
من المكسيك الى الارجنتين من اجل تحقيق حلمها بالعمل كبهلوان،
وفيلم «كروميزيكيا»
للروسي فلادمير كوت، هو كوميديا من روسيا المعاصرة، ويقدم بشكل متوازي حياة
صديقين
قديمين من ايام المدرسة الابتدائية، فيلم «الفصول الممطرة» للإيراني مجيد
بارزقار،
ويقدم الفيلم الريف الايراني من طريق متاعب مراهق يجد نفسه
تائهاً بين مشاكله
الخاصة وتلك التي سببها طلاق والديه في بيئة محافظة، فيلم «السماء فوقنا»
للمخرج
البرازيلي سيرجو بورغوس، ويتبع الفيلم الذي يجمع بين التوثيق والدراما حياة
عاهرة
شابة في البرازيل، الفيلم السيرلانكي «السمكة الطائرة» للمخرج
سانجيوا بوشباكومورا،
ويقدم فيه الآثار النفسية التي تسببها الحروب الاهلية في البلد. وفيلم
«الشباب
الضائع» للمخرجين اليونانين ارغايز باباديميتريبولس ويان فوجيل. ويقدم هذا
الفيلم
والذي سيفتتح المهرجان يوميات مراهقين في العاصمة اليونانية أثينا خلال فصل
الصيف،
مع قصص صغيرة عن المجتمع اليوناني الحالية.
سمعة طليعية
هذا الاهتمام بالسينما الجديدة والذي تؤكده قائمة افلام هذا العام هو
الذي يمنح
مهرجان روتردام الذي يعد الأكبر في العالم للسينما المستقلة وسينمات العالم
الثالث،
تلك السمعة الطليعية المعروفة بين العديد من المخرجين الشباب في العالم،
فهذه
السينما «المجهولة» هي التي تشكل المتن في المهرجان ولجمهوره،
والذي تجاوز عدده في
العام الماضي 400 الف متفرج، ليضعه والى جانب مهرجان برلين السينمائي من
اكثر
المهرجانات الاوروبية في عدد الزوار، من هنا ليس غريباً ان تنجح دورة
المهرجان في
الحصول على العروض العالمية الاولى لثمانية عشر فيلماً، اضافة
الى 11 فيلماً في
عروضها الاوروبية الاولى. ومع عروض الأفلام الروائية الأفلام الاولى او
الثانية،
يواصل المهرجان تنظيم تظاهرة «سينييمارت» التي تجمع المخرجين والمنتجين
وشركات
الانتاج، اضافة الى تنظيم دورة «مختبر روتردام « والمخصصة
للمنتجين الشباب حول
العالم. وسيتم الاعلان وفي تقليد متبع منذ سنوات، عن اسماء المخرجين الذين
وقع
الاختيار عليهم لمنح صندوق دعم «هوبيرت بالس»، والذي ساهمت الاموال التي
منحها في
الاعوام القليلة الماضية في انتاج العديد من افلام الدورة
الاربعين.
ومن الافلام العربية الطويلة التي ستعرض في المهرجان: الفيلم العراقي
«كرنتينا»،
ويعرض الفيلم وهو الثاني للمخرج العراقي عدي رشيد ضمن تظاهرة «مستقبل
مشرق». وكان
الفيلم، والذي يتعرض لفترة العنف الذي اجتاح العراق في سنوات بعد حرب 2003
قد عرض
لاول مرة في الدورة الاخيرة لمهرجان ابو ظبي السينمائي. وفيلم
«الحاوي» للمخرج
المصري ابراهيم البطوط، والذي حصل مع اول عروضه العالمية في مهرجان
ترابيكيا في قطر
على جائزة افضل فيلم
عربي.
خارج الموضة
إضافة الى السينما الجديدة، يقوم المهرجان بعرض العديد من افلام
المخرجين
المتمرسين في تظاهرة «الطيف» السنوية، إضافة الى عدة برامج لهذا العام هي:
خارج
الموضة، ويتضمن عدة عروض أزياء وأفلام إضافة الى ورش عمل تحاول
ان تقترب من علاقة
السينما بالموضة، وكيف تفاعلا طوال عمر السينما. وهناك تظاهرة «الغربي
الأحمر»
والتي تستعيد بعضاً من الأفلام التي تم
إنتاجها في الدول الشيوعية السابقة كرد على
افلام «الكابوي» الأميركية والتي رفضتها الشيوعية ليمينيّتها
وتمجيدها الأفكار
الأميركية الفردية. وفي محاولة للتقرب من ظاهرة الاستثمار الاقتصادي الصيني
والثقافي في القارة الأفريقية، كلف المهرجان سبعة مخرجين أفريقيين بالسفر
الى الصين
وإنجاز أعمال قصيرة عن البلد الآسيوي، الذي بدأ نفوذه بالتغلغل الى الحياة
اليومية
العادية في الدول الأفريقية. هذه الأفلام ستعرض ضمن تظاهرة
«مداهمة أفريقيا».
وتواصلاً مع اهتمام المهرجان بالقارة الآسيوية، ستخصص هذا العام تظاهرة
خاصة بفنون
القتال الصينية والتي ظهرت في أفلام آسيوية عديدة بخاصة في بداية السبعينات
من
القرن الماضي.
وتخصص الدورة الأربعين لمهرجان روتردام 3 برامج لعروض مخرجين «مدهولين»
هم:
الفرنسي أف. جي. اوسانغ والذي تميزت بعض أفلامه الماضية بتقديمها موضوع
الخيال
العلمي بسوداوية إضافة الى حضور الموسيقى وخاصة موسيقى البوب
الأوروبية في أفلام
المخرج، الإسباني اجستيه فيلارونجا، والذي يعرف عنه اهتمامه الشديد في
التفاصيل في
الأفلام التي تجمع قصص الرعب والقصص الإنسانية الخاصة، والأميركي ناثيل
دورسكي،
والذي يعتبر أحد ابرز المخرجين الطليعيين الأميركيين، وحصلت
أفلامه القصيرة على
تكريمات عدة مهرجانات سينمائية عالمية. كذلك وضمن الاحتفال بالدورة
الأربعين يخصص
المهرجان برنامج كامل بعنوان «اكس لارج» للأطفال حيث سيعرض العديد من
الأفلام
القصيرة وأفلام الرسوم المتحركة.
وفي تجربة جديدة في المهرجانات السينمائية، ينظم مهرجان روتردام مشروع
«إعادة
شحن السينما»، حيث سيكلف المشروع 3 مخرجين لتنفيذ أفلام قصيرة، ليقوم زوار
المهرجان
والمتابعين عبر موقع خاصة على شبكة الانترنيت بمتابعة مشاريع الأفلام
القصيرة التي
يقوم المخرجون بتحقيقها وإبداء آرائهم بالمشاريع، وأيضاً المساهمة في دعم
هذه
المشاريع ماديا، خاصة ان بعضها مازال ينتظر المال الكافي لبدء
العمل بها.
الحياة اللندنية في
21/01/2011
«خلطة»
سينمائية مصرية تستهدف
الطلاب
القاهرة - سعيد ياسين
تشهد إجازة نصف العام الدراسي في مصر منافسة بين عدد من الأفلام
السينمائية التي يراهن أصحابها بها على جيوب الطلبة لتحقيق أعلى إيرادات
ممكنة. وفي الوقت الذي طرح بعضهم أفلامه قبل أيام من الإجازة لكسب مزيد من
الوقت ودور عرض أكبر، استند بعضهم الآخر إلى ما حققته أفلامه من جوائز في
مهرجانات سينمائية. وتعيد هذه الأفلام نجوماً ومؤلفين إلى الساحة بعد غياب،
كما تتنوع مواضيعها ما بين الكوميدية والاستعراضية والجادة والبوليسية
والاستخباراتية.
زكريا مخرجاً
يأتي في مقدم هذه الأفلام «الفيل في المنديل» الذي كان يحمل عنوان
«سعيد حركات» ويلعب بطولته طلعت زكريا وحسن حسني وريم البارودي التي حلت في
اللحظات الأخيرة بدلاً من مي كساب. والفيلم من تأليف طلعت زكريا في أول
تجربة له مع التأليف وإخراج أحمد البدري، ويعيد الفيلم زكريا إلى السينما
بعد غياب منذ قدّم فيلم «طباخ الرئيس» أمام خالد زكي ومن إخراج سعيد حامد.
وتدور أحداث «الفيل في المنديل» حول شخصية فكهاني بسيط يدعى «سعيد» يتم
تكليفه بمهمة قومية من جهاز الاستخبارات، ويستطيع تنفيذها بنجاح يحوّله إلى
بطل قومي.
ونفى طلعت أن يسيء فيلمه الذي يدور في قالب كوميدي إلى دراما
الاستخبارات، قائلاً ان «الفيلم يواصل عرض الصور المشرّفة لبطولات عدد من
المصريين والتي رصدت تلفزيونياً وسينمائياً في الكثير من الأعمال، منها:
«الصعود إلى الهاوية» و «رأفت الهجان» و «دموع
في عيون وقحة» و «إعدام ميت» وغيرها، حيث نتناول فيه شخصية شاب تم
تجنيده للقيام بعملية لمصلحة البلد، مع انه أصلاً يصلح لهذا الأمر، ولكن
المسؤولين كانوا يعرفون الهدف من تجنيده. وهذا اللون الدرامي سيقدم للمرة
الأولى في شكل كوميدي من دون الإساءة إلى أحد».
أما فيلم «678» لبشرى ونيللي كريم وماجد الكدواني وأحمد الفيشاوي
وباسم سمرة وسوسن بدر وناهد السباعي ومن تأليف وإخراج محمد دياب في أول
تجربة إخراجية له، فاستغل أصحابه الضجة الكبيرة التي صاحبته، بخاصة أنه
يتناول قضية التحرش الجنسي التي يتعرض لها الكثير من الفتيات في الشارع
والعمل، من خلال ثلاثة نماذج صريحة لفتيات تعرضن للتحرش بأشكال مختلفة، إلى
جانب تحقيقه نجاحاً لافتاً في مهرجان دبي السينمائي الأخير وحصوله على أكثر
من جائزة.
وترى بشرى أن الفيلم يقدم شكلاً جديداً في السينما المصرية ويتميز
بالجرأة في الطرح بلا مشاهد خادشة، «فهو يتناول قضية التحرش بطريقة غير
تقليدية»، ودافعت عن الاتهامات التي وجهت اليها بالإساءة إلى سمعة مصر
قائلة ان هذا «الفيلم تصدى لمشكلة موجودة بالفعل سواء في مصر أو في الدول
العربية لأسباب اجتماعية واقتصادية كثيرة، وعلى الفن أن يتصدى لهذه
الظواهر».
وكان فيلم «بون سواريه» لغادة عبدالرازق وحسن حسني ومي كساب وطلعت
زكريا ونهلة زكي، من تأليف محمود أبو زيد الذي عاد من خلاله إلى السينما
بعد غياب طويل وإخراج أحمد عواض، من أوائل الأفلام التي تم طرحها، وتدور
أحداثه حول قضية الميراث من خلال ثلاث فتيات ووالدهن؛ حيث يرثن تركة كبيرة
عبارة عن «كباريه» وتتولى اثنتان منهن إدارته، ويحقق لهما نقلة نوعية على
المستوى المادي وسط اعتراضات ونصيحة أختهما الثالثة المتدينة، ولكنهما لا
تستجيبان لها وتصل الأمور بهما إلى تقديم فقرتين راقصتين فيه.
واعترضت غادة عبدالرازق على وصف الفيلم بأنه فيلم «اباحي»، قائلة: «لم
أؤد فيه أي مشاهد جنسية أو خادشة للحياء، والمشاهد المثيرة في التريلر
الخاص به فقط لجذب المشاهدين، حيث حرص المنتج محمد السبكي على جمع كل
المشاهد المثيرة للجدل ووضعها فيه، وهذا ليس عيباً لأنه في النهاية يريد
جذب الجمهور الى عمله».
سنة سعادة
ويعود أحمد عز إلى السينما بعد غياب بفيلم «365 يوم سعادة» الذي يلعب
بطولته أمام دنيا سمير غانم وصلاح عبدالله ومي كساب، ومن إخراج سعيد
الماروق في أول تجربة سينمائية له في مصر وتأليف يوسف معاطي وماجد مجدي
الذي كان رفع دعوى قضائية ضد معاطي على اعتبار أنه صاحب النص الأصلي، وبعد
شدٍّ وجذب طويل وتدخل نقابة المهن السينمائية، تم التراضي بين الاثنين
وكتبا اسميهما كتأليف مشترك، ويعود عز من خلال هذا الفيلم إلى تقديم أدوار
الهزل الخفيف في إطار من الرومانسية الشديدة.
وبعد ثلاثة أعوام من المشاكل الإنتاجية يعرض فيلم «الوتر» من بطولة
مصطفى شعبان وغادة عادل وأحمد السعدني وأروى جودة. وهو من تأليف محمد ناير
وإخراج مجدي الهواري في ثاني تجاربه الإخراجية بعد «خليج نعمة». وتدور
أحداث الفيلم حول شقيقتين تعزفان على آلتي الكمان والتشيللو في أوركسترا
القاهرة السيمفوني ويتم اتهامهما في جريمة قتل موزع موسيقي. ويتولى
التحقيق فيها رائد بوليس يؤدي شعبان دوره.
وبعدما تأجل من موسم عيد الأضحى الماضي يُعرض فيلم «فاصل ونواصل» الذي
تغير عنوانه إلى «فاصل ونعود» لكريم عبدالعزيز والذي يعود من خلاله بعد
غياب عامين منذ قدم فيلم «ولاد العم» أمام منى زكي وشريف منير وإخراج شريف
عرفة. ويشارك في بطولة الفيلم الجديد كل من أحمد راتب ومحمد لطفي ودينا
فؤاد. وهو من تأليف أحمد فهمي وإخراج أحمد نادر جلال، ويجسد من خلاله كريم
شخصية سائق تاكسي لا يملك من الدنيا سوى صديقه وابنه الذي يحاول جده الحصول
على حق حضانته بعد وفاة والدته، فيكلف رجاله باختطاف الطفل، والاعتداء على
كريم ما يفقده الذاكرة. وكان الفيلم تعرض لسرقة النيغاتيف الخاص به عقب
الانتهاء من توليفه ومكساجه، إلا أنه تم القبض على مرتكبي الحادث وإنقاذ
الفيلم.
واستغل مسؤولو فيلم «الشوق» الفوز الذي حققه في مهرجان القاهرة
السينمائي الأخير لطرح الفيلم الذي تلعب بطولته سوسن بدر وروبي وشقيقتها
ميريهان وأحمد عزمي ومحمد رمضان وعدد من الوجوه الشابة. هو من تأليف سيد
رجب في أول تجربة له، وإخراج خالد الحجر. وتدور أحداثه حول أسرة فقيرة
تتكون من الزوجة والزوج وابنتين وابن وحيد مصاب بفشل كلوي، تعيش في إحدى
حارات مدينة الإسكندرية وتتعرض للكثير من أوجه القهر، ومن شدة الفقر يموت
الابن الوحيد، فتقرر الأم التسول في شوارع القاهرة في محاولة لانقاذ
ابنتيها من الفقر.
ويتكرر الأمر نفسه مع فيلم «ميكرفون» لخالد أبو النجا ويسرا اللوزي
وهو من تأليف وإخراج أحمد عبدالله وهو ينتمي إلى نوعية السينما المستقلة،
واستطاع الفيلم تحقيق نسب سمعة جيدة في المهرجانات التي شارك فيها، ومنها
مهرجان سالونيك السينمائي الدولي في اليونان حيث شارك في المسابقة الرسمية
في دورته الـ 51، ومهرجان دبي السينمائي الدولي السابع الذي حصل فيه
المونتير هشام صقر على جائزة أفضل مونتاج. وكان الفيلم حصل على جائزة
التانيت الذهبي في مهرجان قرطاج السينمائي الأخير، وجائزة أفضل فيلم عربي
في مهرجان القاهرة السينمائي الأخير.
نذكر أخيراً، أن خالد يوسف قرر تأجيل عرض فيلمه «كف القمر» لوفاء عامر
وسوسن بدر وجومانة مراد وحسن الرداد وهيثم أحمد زكي وصبري فواز وتأليف ناصر
عبدالرحمن، إلى شهر نيسان (أبريل) المقبل تضامناً مع ضحايا حادث كنيسة
القديسين الذي وقع في الإسكندرية مطلع العام الجديد.
الحياة اللندنية في
21/01/2011 |