تُعلن الصبية ري دولّي (17
عاماً)، بطلة فيلم المخرجة الأميركية ديبرا جرانيك «عظم شتوي»، المأخوذ عن
رواية الكاتب دانيال وودريل الصادرة في العام 2006، محنتها وهي
تنزف دم الـ«ترهيب»
الذي قامت به عليها المجموعة الريفية: «لديّ شقيقان صغيران عليّ إطعامهما،
وأم
عليلة، ستبقى مريضة إلى النهاية. ورجل قانون يسعى إلى مصادرة منزلنا ورمينا
إلى
العراء لنعيش مثل الكلاب»، لتتمّ فكرة الفيلم ذي الهاجس النسوي،
والمفعم بالسودواية
حول الخيار الشخصي، ومحنة البحث عن منافذ العاطفة والالتزام الجماعي.
إن عزلة
العائلة الصغيرة بين غابات «أوزاركس» التابعة لـ«أركنساه» وأهوارها وجبالها
تُشكِّل
قيمة أنثروبولوجية في المقام الأول (تصوير قدير لمايكل ماكدنوف)، إذ تعكس
برّية
المكان النوعية المميّزة لحيوات البشر القاطنين في أرجائها،
التي تمتاز بيُبْس
العيش والكتم والنأي والوَحْشَة. أما التمدين الأميركي فلا يُشار إليه إلاّ
كموبق
اجتماعي، يتمثّل بمخدرات ومواد إدمان تقود والد الصبية ري دولّي إلى حتفه
الغامض.
لا تناقش جرانيك ظروف ميتته، فهي غير معنية، كما الرواية الأصلية، بملابسات
سفك
دمه، بل تقارب الخيارات العائلية لبطلتها، التي تدفعها إلى التفكير بأقصى
الحلول
راديكالية، وفي مقدمتها اختراق حصانة السرّ الذي جعل ألسنة
الجيران معقودة على
الخوف من انتقام غامض (تقف الصبية أمام منزل محترق كشاهد على إرهاب الفرقة
السرية،
مدّعية بأنه مكان موت والدها). ري دولّي (أداء قدير لجنيفير لورنس، التي
تألّقت في
«البَسيطَة
المشتعلة» الذي أنجزه المخرج وكاتب السيناريو المكسيكي غاليرمو أرياغا
في العام 2009) صبورة بحكمتها، وسليطة بشجاعتها، وفَطِنة بخبرة أمومتها
المفروضة
عليها، وهذه كلّها مكامن قوّتها على الرغم من صغر سنها، والتي
تُفكِّك لاحقاً
المعرقلات لوصولها إلى الحقيقة، والكشف عن جثّة والدها الذي صُفِّي بقرار
من بطريرك
الممنوعات في المنطقة إثر خيانته وتهديده الـ«بزنس». بيد أن الأمور ليست
بالسهولة
التي يتقبّلها البالغون. فعلى ري دولّي الانصياع إلى واقع
يفاعتها، التي يجب ألاّ
تُهدِّد خيارات عالم «جبابرة مجتمع الممنوعات». تقول البطلة بلوعة، قبل أن
تعي أنها
وحيدة: «أليس يُفترض بنا أن نكون جميعنا من ذوي القربى». لكنها تشهد نكران
عمّها
المدمن على الكوكايين لها ولإخوتها الصغار. ويكشف عنف ردّة
أفعاله حجم الخراب الذي
طال العائلة وشتتها (يتهكّم أحدهم عليه أمام الصبية قائلا: «أليس هو من
أطلق النار
على والدك ذات مرّة»)، كما أجبر والدتها على خرسها الإرادي، بينما يُداري
الآخرون
سرّ الأب الخائن ـ الغائب، الذي نراه عبر صُوَر ألبوم العائلة،
وتُحمَد ذكراه
باللُعب التي تركها لأيتامه. يلفّ ضمير ري دولّي الضَّيْم من صدود الجيران،
وبرودة
تجاوبهم مع محنتها، في اقتراب خسرانها الدار الريفي، الأمر الذي يدفعها إلى
توجيه
توبيخها إلى شقيقها الصغير: «لا تسأل عن الإحسان»، وهو يرى
الذبيحة الدسمة التي
يجزرها الجار معلّقة كمناكدة لجوعهم. فكرامتهم واجب وحصانة.
ولئن عاندت بطلة «عظم شتوي» (جائزة لجنة تحكيم «مهرجان
صاندانس» الأميركي في كانون الثاني 2010)
قدرها في العقاب الذي يُمارس عليها بسبب دأبها للوصول إلى حقيقة موت الأب،
وإثبات
حقّ عائلتها بالدار والمال الذي أمّنه لدى غريب، تكون اقتربت بشكل نادر من
الحقّ
الأخلاقي لنظيرتها البالغة راي إيدي (ماليسا لو)، بطلة فيلم
المخرجة كورتني هنت «نهر
متجمّد» (2008)، التي تُجاهد في تأمين استقرار عائلتها وطفليها في غياب
الأب
الذي اختفى بمال أقساط بيتهم الخشبي. إن الثنائي ري ـ راي يشترك في قراره
«قتل»
الخوف: الأولى بإيصال الأخوات ميلتون في النهاية إلى قرارهن الحاسم
بمرافقتهن إلى
موقع «طمر» الجثة التي رُبطت إلى قعر الهور، ومساعدتها في قطع عظمتي اليدين
باعتبارهما الدليل على غياب الأب. بينما تصل الثانية إلى حسمها
الأخلاقي، بأن
تورُّطَها في تهريب الآسيويين من كندا إلى الولايات المتحدّة الأميركية،
وتوابعه في
قتل رضيع زوجين شابين سهواً إثر مطاردة الشرطة لها ولرفيقتها ذات الأصول
«الهندية
الحمراء»، يجب أن يُعاقبه القانون قبل أن تتدخّل القبيلة
المتحصّنة بمحميتها لإقناع
الأم الهندية الحمراء الشابة بتسليم نفسها لضمان مستقبل وليدها.
يمكن اعتبار «عظم شتوي» و«نهر متجمّد» ترتيلتين
سوداويتين عن الحدود بين الإيمان الفردي بالخيار
الصائب (كما لدى ري دولّي)، والإثم الفردي نتيجة الظنّ بالفشل
وغربة الآخرين (كما
في حكاية راي أيدي). إلى ذلك، فإن حدود الأرض تجمع المحنتين كونهما رهاني
إيمان،
حيث الأقدار تُصنَع بالعزم لا بالتخاتل واللؤم. تُحاط ري دولّي بخالات
وعمّات
وأقرباء وجيران. بيد أنهم في الغالب وحوش بشرية تتحصّن بالجرود
والغابات القصية
والخيانات والرعب الدفين والظِّنَّة، بينما تجد بطلة «نهر متجمّد» نفسها في
إقصاء
ذاتي، يوصلها إلى القرار الخطأ بارتكاب جريمة التهريب ومقتل الرضيع. إنها
امرأة
تسعى إلى التوبة، عبر الرضوخ لعقاب القانون. أما الصبية، فإن
نجاحها في حمل الكيس
الحاوي على عظمتي يدي والدها إيذانٌ بإحقاق الحقّ القانوني للحفاظ على
العائلة
الصغيرة.
هذان العملان رمزان للخوارج السينمائية عن هوليوود. أنفاسهما
التعبيرية قائمة على سوداوية بليغة (يمكن اعتبارها سُبّة
سينمائية) للتغريب
الاجتماعي في مجتمع سريع وديناميكي داخل حواضره، حيث يُربط الإيمان بالحظ،
والأحلام
بالاستعباد إلى نظام يطلب الحنكة والمهارة. وآخر بطيء وكُظوم وملعون في
أقاليمه
البرّية، حيث الفردانية صنو للعزلات والمسافات، وحيث البقاء
مرتهنٌ بفهم فطري لنظم
الطبيعة وقوانينها السماوية التي تطلب، في أقصى درجاتها، الفطنة والجَلَد.
هناك
مشهد ذو دلالة في «عظم شتوي»، يثبت أن انتماء بطلته الصبية إلى هذا
«المجتمع
الغابي» يوقعها في اعتبارات غير عملية. ففي درجة من اليأس، نرى
ري دولّي في مكتب
للتطوّع العسكري، تُجيب عن رقم سنّها عندما يستفسر الضابط الشاب عنه،
فيُخبرها أن
يفاعتها مرتهنة بالصغيرين اللذين تعيلهما. أما الدولارات الأربعة آلاف، وهو
حقّ
التطوّع، فلن يكون من نصيبها، في إشارة إلى أن مؤسّسة الحروب الكونية لا
تحتاج إلى
التحوّل إلى إصلاحية قاصرين. يقول لها بحكمة: «لا تأخذي قرارك
بطيش، أو من أجل
المال. أنت تحتاجين إلى سبب واقعي كي تلتحقي (بالجيش)». وهي إشارة إلى
الخيار
المعقول الذي يرتّبه النظام إلى مواطنيه، عندما يحضرون إلى المساءلة. أما
مَنْ
تخفّوا في الأقاصي، فإنهم القمينون الوحيدون بترسّم خياراتهم
وبلائهم فيها.
يُشهّر فيلم ديبرا جرانيك بأنانية أولئك البريين، وسقوط اعتباراتهم التي
تحرسها
العطالة والإدمان والخديعة والفَزَع. لا تجد ري دولّي، حتّى من
رجل القانون، سنداً
أو عطفاً إنسانياً، وهو الذي يهدّدها إن أفشت جبنه وتراجعه، عندما لمح
بندقية عمّها
المدمن وهو في شاحنته ملوّث بهوس المخدِّر. إنها شخصية محاربة عزلاء تواجه
طامتين:
خَسة المحيطين بها، وعصي القدر الذي يمتحن شكيمتها حتى النهاية، ويُفرج عن
كربتها
العائلية. وهو ما يتحقّق بجماعيتها في المشهد الختامي، وقولها للصغيرين:
«سأضيع من
دون أن تكونا خلفي. لن أتخلّى عنكما».
)لندن(
السفير اللبنانية في
21/01/2011
«أبي من حيفا»..
بشار إبراهيم
إذا كان السيد «مسعود أمر الله آل علي»، المدير
الفني لمهرجان دبي السينمائي الدولي، قد وصف الدورة السابعة من المهرجان،
للعام 2010،
بأنها «دورة الاكتشافات»، فإن واحداً من أبرز تلك الاكتشافات، سيكون المخرج
الفلسطيني المدهش «عمر شرقاوي»، الذي جاء المهرجان، بفيلمه «أبي من حيفا»،
مشاركاً
في مسابقة «المهر العربي للأفلام الوثائقية»، فخرج منها متوجاً بجائزة لجنة
التحكيم
الخاصة، وكذلك بجائزة الجمهور، في بادرة لا تقل دهشة، والتي
تتمثل في أن يمنح
الجمهور جائزته لفيلم وثائقي، في مهرجان عامر بالأفلام الروائية الطويلة،
عربية
وغير عربية.
نكشتف المخرج عمر شرقاوي، ونسمع باسمه أول مرة في مهرجان دبي.
وسنكتشف بعد مشاهدة فيلمه، ولملمة ما تيسَّر لنا من معلومات، أنه مخرج
فلسطيني،
والدته دانمركية، وأنه ولد وعاش حياته في الدانمارك. بل سيضيف لنا الصديق
عروة
نيربية (مدير مهرجان سينما الواقع
Dox Box)
معلومات أكثر أهمية، خاصة وأن عروة
تعاون معه في إنتاج هذا الفيلم، فيؤكد لنا أن المخرج عمر
شرقاوي، تمكَّن من تحقيق
نجاحات متميزة، في الدانمارك، جلعت منه مخرجاً معروفاً في الدانمارك.
وأقول: لعل
هذا ما يفسر لنا، على الأقل، أن يأتي المخرج الفلسطيني عمر شرقاوي، بفيلم
من إنتاج
الدانمارك. وتعاونات إنتاجية متعددة.
«أبي
من حيفا»، للمخرج عمر شرقاوي، الفيلم
الوثائقي المتوسط الطول (مدته 53 دقيقة)، يشي بأنه يفضح نفسه تماماً، من
خلال
عنوانه القصير، والمباشر. عنوان تقريري، لا إنشاء فيه. لا لبس فيه، ولا
التباس. لا
رغبة للمناورة، ولا للمداورة. ومع هذا فإن أهم ما في الفيلم، ليس «ما
يقوله»، بل
«كيف
يقوله»!..
لن يصعب على متابع للسينما الفلسطينية، خاصة، توقّع حول أي محور
سيدور الفيلم. هاهنا مخرج فلسطيني شاب. والده من حيفا، شهد
النكبة، وعرف تجربة
اللجوء. المخرج الشاب ينوي صناعة فيلم يحكي لنا قصة والده، ليجعل منه، ومن
حكايته
وذاكرته، نموذجاً لحكاية الشعب الفلسطيني، وسيرة ذاكرة النكبة. وإذا أمكن
لهذا
المخرج أن يذهب إلى بقايا القرية المهدمة، أو إلى البيت الذي
كان في المدينة
الفلسطينية، فسوف يفعل. قد يذهب برفقة والده، إن تمكن هو الآخر. أو قد
يصطحب من
أمكن له من أهالي القرية، أو أبناء المدينة.
حسناً. سيصحُّ هذا التوقع هنا. ولن
يبتعد فيلم «أبي من حيفا»، عن جوهر هذا الأمر، كثيراً. بل سنرى أن هذا
الموضوع،
وقريباً من السياق نفسه، سيكون متوفراً في ثنايا الفيلم، وموضوعاته، وقصصه،
وحكاياته.. ولكن هل هذا كل شيء؟.. طبعاً لا!!.. وإلا لما كان
لهذا الفيلم أن يكون
متميزاً، ولما كان لهذا المخرج أن يكون على هذا القدر من دهشة الاكتشاف،
ومتعته!..
امتياز فيلم «أبي من حيفا»، وتميزه، لا يأتي من باب موضوعه فقط، على
أهمية ما في هذا الموضوع. ولكن الامتياز والتميز يأتيان أولاً
وتالياً من طريقة
بناء الموضوع، وطريقة عرضه. يقول العالمون بشؤون النقد، ليس السينمائي فقط،
إنه ليس
من المهم فقط، «ماذا تقول»، بل أولاً «كيف تقول». وعلى الرغم من أن نفراً
من النقاد
العرب كانوا يتساهلون، خاصة في شأن السينما الفلسطينية، فيرفعون من قدر
«ماذا
تقول»، أولاً، وعلى حساب «كيف تقول»، إلا أن هذا كان في وقت
مضى، وصار الأمر، كما
نتمنى، يتمثل في أن يتمّ النظر إلى الفيلم الفلسطيني، باعتباره فيلماً،
أولاً؛ نصاً
إبداعياً، وإخضاعه للرؤية النقدية، كما ينبغي.
فيلم «أبي من حيفا» يلقننا درساً
وافياً في هذا المجال. إنه لا يتكئ على «ماذا يقول»، خاصة وهو يعرف أن على
هذه
الدرب مرت خطوات أفلام فلسطينية كثيرة؛ الروائي الطويل منها، كما الوثائقي،
والروائي القصير، أيضاً. ويعرف أن هذه التيمة (تيمة العودات
الفردية إلى فلسطين بعد
ستين عاماً، وبأساليب مختلفة)، ليست تيمة جديدة على الأفلام الفلسطينية،
أبداً.
وبالتالي لا فرداة على هذا المستوى.
الفرادة ستأتي من هناك، من «كيف
تقول».
المخرج الذكي، هو ذاك المخرج الذي يعرف أيَّ أسلوب للبناء والعرض يختاره.
كيف يتعامل مع الموضوع على مستوى المعالجة، لا على مستوى المقولات، أو
الخطاب.
المخرج الذكي، هو المخرج الذي يقرّر، بشكل
موفق إبداعياً، طبيعة اللقطات، وتضاريس
الصوت، وخطة المونتاج. أن يعرف أين يضع الكاميرا، ومتى يقرّر
حركتها، أو ثباتها،
وأين يقطع اللقطة، ومتى ينتقل إلى غيرها، وكيف يمزج الصورة بالصوت، وأي لون
يختار،
وكيف يجدل خيوط موضوعه، أو مواضيعه، ووفق أي سرد تتقدم. وأين ترسو.
قد تكون هذه،
بمجملها، تفاصيل خاصة بالمخرج، ولا تهمّ الناقد إلا من ناحية النتيجة
النهائية،
التي يراها على الشاشة. وقد يقول قائل إن ليس من المسموح
للناقد الدخول إلى مطبخ
المخرج، ولا التفتيش في أدواته. كل ما على الناقد أن يأكل الوجبة التي
أعدّها
المخرج، ويرى فيها رأياً، بغضّ النظر عن طريقة إعدادها، وبغضّ النظر عن
مفرداتها،
ومقاديرها.
النتيجة القاطعة، التي يثبتها فيلم «أبي من حيفا»، أننا أمام مخرج
ذكي، مبدع، فعلاً. مخرج عرف كيف يتعامل مع موضوعه. كيف يختار
أسلوبه، وإيقاعه،
وطريقة عرضه، وتقديمه.. والأهم من ذلك كيفية الإمساك بموضوعه، فنراه يفتته
تارة،
ويشظيه، وينثره على مدى الفيلم.. تماماً كما نراه يجدل خيوط موضوعه، بتداخل
مؤثر
وفاعل، ليخرج في النهاية بفيلم قوي الموضوع، متماسك البناء،
بديع السرد. يمتلك
نكهته الخاصة، ومشهدياته المختلفة.
يتبدى ذكاء المخرج، بداية، من خلال تعامله مع
موضوعه، والهدف الرئيسي منه، وهو القايم برحلة عودة مع والده، بعد غياب
قسري دام
قرابة ستين سنة، عن حيفا، وعن البيت الذي ولد الأب فيه، وعاش طفولته
الأولى، وسنوات
مدرسته الابتدائية. يتعامل المخرج مع هذا الخيط الدرامي الوثائقي بطريقة
مركبة،
تماماً كما هي الحياة، وكما هي العلاقات الإنسانية، حتى في
إطار الأسرة
ذاتها.
في غير هذا الفيلم. في فيلم أقلّ ذكاء. كان من الممكن أن نعرف منذ
اللحظات الأولى نية الرحلة هذه، ووجهتها، ومنعطفاتها، ومآلها،
فنرى التحضيرات لها،
ومن ثم الانخراط فيها، إلى لحظة الوصول إلى البيت. وفي الطريق سنسمع قصصاً
من ذاكرة
الوالد، في فلسطين، قبل النكبة، وفي بلدان اللجوء والشتات، بعد النكبة. ولن
نعدم
سماع آراء الأب القاطعة، تجاه كل شيء، من السياسة إلى
الاقتصاد، وتحليل الواقع
الفلسطيني والعربي، واقتراح الحلّ.
عمر شرقاوي، ينجو بنفسه، وبفيلمه، من هذه
السطحية بالتفكير، أو البناء، ويغوص عميقاً في جوانيات والده، الذي قارب
السبعين من
عمره، أمضى نصفها الأول، راحلاً من فلسطين النكبة، إلى ذل اللجوء والتشرد
في
المخيمات، ومن ثم الانتساب للثورة، ومغادرتها خائباً. بينما
أمضى نصفها الثاني في
بلاد المهجر، في الدانمارك. حيث تزوج فتاة دانماركية، وأنجب منه ثلاثة
أولاد، قبل
أن يفترقا بالطلاق، بعد ذلك. ويبقيان دونما زواج آخر، طيلة قرابة ثلاثين
سنة مضت.
وقد باتا الآن جدّين.
أهمية الفيلم الوثائقي تنبع من أنه لا يقول الأشياء، بل
يتأملها. أن ينسجها، قبل أن يعرضها. أن يخضعها لمبضع التشريح، والعين
الثاقبة،
المتبصرة عميقاً، وأن يضعها في ميزان النقد. وفيلم «أبي من حيفا»، يفعل هذا
بقدرة
متميزة. إنه يأخذ من موضوع الرحلة المزمع القيام بها إلى حيفا،
ذريعة درامية، حتى
لو كانت هدفاً حياتياً، فيضع من خلالها والده في بؤرة المجهر السينمائي،
ويكتشف
حقيقة نفسه، في لحظة اكتشاف معدن والده، تماماً.
تناثرات متفرقة من أقوال ومواقف
الأب، تكشف عن جوانب أولية، من طبيعة هذا الرجل: نزقه، وغضبه، ونفوره،
وكذلك
كهولته، ومرضه (في القلب، والرئتين)، وعلاقاته بكل من طليقته، وأولاده،
وحتى
جيرانه، وليس انتهاء بمواقفه وآرائه تجاه كل ما جرى، ويجري..
سيكون هذا الخيط
الدرامي الأول، الذي سينجدل بخيط درامي ثان هو الابن (المخرج نفسه).
سنكتشف طيلة
الفيلم، تناثرات من طبيعة العلاقة بين الأب والابن، ونظرة كل منهما إلى
الآخر،
وملابسات هذه العلاقة القائمة على التنافر حيناً، وعلى التجاذب
أحياناً. وستكون ثمة
حوارات لا تنتهي بينهما، وهما اللذان يبدوان في بعض الأحيان على طرفي نقيض،
بينما
هما في الحقيقة منجذبان بقوة إلى ما يحاولان إدراكه، طيلة الفيلم.
الخيط الدرامي
الثالث ستمثله الرحلة الموعدة، التي يودها الابن، ويحاول الأب التفلت منها،
في
لحظات إحباط، ويأس، وخيبة، بينما هو في أعماقه منشدٌّ لخوضها،
بكل ما فيه من ذاكرة،
وأحاسيس، ومشاعر، خاصة وأنه يقف على حافة النهاية، بعد هذا العمر، ومع هذا
المرض
الذي يبدو أنه يعشش في قلبه المنهك بمرور السنوات، والتدخين، وبمرارات
النكبة،
والتشرد واللجوء، وخيبات الثورة، وما ولدته من ذاكرات لا تكفّ
عن غزوه، في كل
حين.
ثلاثة خيوط درامية أساسية، تكاد تشكل عماد الفيلم، وبنيته الموضوعية، وفيما
بينها ثمة خيوط أخرى، داعمة، وذات أثر فاعل، بشكل آخر. الأم
والحفيدة، الجار أبو
مالك وأسرته، الجيران العرب منهم، والدانماركيون، الأقارب في مخيم اليرموك،
وفي
دمشق.. الأمكنة التي تحتفظ بحضورها. حيفا، جنين، بيروت، دمشق.. مقابر
الشهداء
وأضرحتهم، مثوى الجد.. الرحلات القسرية منها، والطوعية.
تأثيث غني للشخصيات والأمكنة. إنها عملية مستمرة
حتى اللحظة الأخيرة من الفيلم. في كل فصل من هذا الفيلم تجد نفسك أمام
إضافة رائقة،
وانعطافة جاذبة. حتى تلك التنافرات التي تكاد تبلغ حدّ العنف. أو التقييمات
التي
تكاد تبلغ حدّ اللعنة. أو الحوارات التي تكاد تبدو على هيئة
ثرثرات، لا أكثر!.. لن
تكون، في النهاية، إلا عوامل إضافية، ومساهمات ضافية، في عملية التأثيث
للشخصيات
والأمكنة.
وبمقدار الذكاء والبراعة في بناء الموضوع، وتشبيكه على هذا النحو..
والتحرك الابداعي فيما بين تفتيته، ومن ثم إعادة تجميعه. نثره، ومن ثم
لملمته.
إفلاته، ومن ثم العودة لإمساكه. يبدو تألق
المخرج، الأميز، فيما اختاره بصرياً
لمعالجة الأمر: اللقطات القريبة جداً. الكاميرا المائلة حيناً، والمرتجفة،
والرجراجة، حيناً آخر. الكادرات المقطوعة الجوانب، حتى لتبدو أنها مصورة
بطريقة
السرقة. اللقطات الأرشيفية (الإنسيرتات). المونتاج السريع،
بالتوافق مع ضربات
الصوت. قفز الصورة (الذي يعتبر عيباً حتماً، في غير هذا الفيلم، وبدون هذا
الأسلوب). الألوان الحارة حيناً، والألوان الباردة حيناً آخر. المؤثرات
البصرية
الغرافيكية والتحريكية منها..
هذه الأسلوبية التي اختارها المخرج، جعلت من فيلمه
قريباً جداً من الأفلام الروائية المستقلة، التي عرفناها في كبريات السينما
العالمية، وأهم أفلامها. حتى أننا سنسمع إحدى الشخصيات تقترح الاستعانة
بممثل،
بدلاً عن الأب، لحظة أن حرد هذا، ونفرَ من الذهاب في الرحلة.
هذه الأسلوبية وطدَّت
الروح السينمائية، والإحساس بها، مع كل لقطة، ومشهد. ومع كل انتقالة. روح
السينما
الحاضرة في هذا الفيلم، أنقذته من الوقوع في مطب التقرير التلفزيوني
الطويل، الذي
يطارد موضوعه، حتى يقبض عليه. ونكون نحن قد فعلنا ذلك قبله.
هنا سنجد أن المخرج
عمر شرقاوي ينسج موضوعه بتأن. لم يكن مستعجلاً في أي لحظة. لا يطارد
موضوعه، حتى لو
وجد أن الرحلة ستفلت من يديه، تارة لأن الوالد غاضب، ونافر،
وتارة أخرى لعدم توفر
المال الكافي. لقطة تلو أخرى، حتى لو بدا للوهلة أن لا رابط بينها، يمضي
الفيلم.
ولن تمر الدقائق العشر الأولى، حتى يكون
المشاهد قد تورّط في الفيلم، ولن يتمكن من
الفرار. وسيمضي المشاهد مع الفيلم، في رحلته، حتى اللقطة
الأخيرة، دون أن يتوقع ما
الذي سيحصل في النهاية!..
أن تخيب توقّعات المشاهد، فما ذاك إلا واحدة من
علامات نجاح الفيلم، حتى لو كان وثائقياً. وفيلم «أبي من حيفا»، لم يقتصر
نجاحه على
هذا. إنه حزمة من نجاحات، تتوجها لذة الاكتشاف، ولسعته.
الجزيرة الوثائقية في
20/01/2011
«الساقية»
تصر علي منع تامر حسني من الغناء.. وتامر يرد:
قدمت الأغنية الجنسية في
عيد ميلاد ابنة الصاوي ولم يعترض
كتب
اسلام عبد
الوهاب
تصاعدت الأزمة المثارة مؤخراً بين كل من تامر حسني ومحمد دياب
مخرج فيلم «678» بعد دخول ساقية الصاوي فيها وإصرارها علي منع تامر من
الغناء علي
مسارحها بسبب أغنية «هي دي» التي وصفها دياب بالمحرضة للتحرش.
تامر من جهته
أعرب عن استيائه لهذا القرار الذي يصب في مصلحة شخص ضد الآخر.. في إشارة
لمحمد دياب
وقال الخلاف بيني وبين محمد دياب بسبب اساءته لي في فيلمه الأخير «678»
وسواء كنت
بصدد رفع دعوي قضائية ضده أم لا فهو أمر شخصي بحت وليس له دخل
بساقية الصاوي،
وأضافت أقدر محمد الصاوي وأوضحت له أن كلمات أغنية «هي دي» لا تحمل إيحاءات
جنسية
ولكن ليفهم كل شخص ما يشاء ويكفيني جمهوري العريض في الوطن العربي الذي
يأتي خلفي
في أي حفلة اقدمها.
وتساءل تامر عن تناقض موقف الساقية وقال: «إذا كانت «هي
دي» تدعو للتحرش فلماذا تم غناؤها في حفل عيد ميلاد ابنته!؟
وفي السياق
ذاته علمت روزاليوسف أن محمد الصاوي بصدد إصدار بيان يوضح فيه ملابسات
التصريحات
حيث يأتي في البيان أنه تم بالفعل منع تامر حسني من الغناء في الساقية لأن
كلمات
أغانيه تحمل إيحاءات جنسية، ولذلك اتخذت الساقية القرار وقال
الصاوي بعد أن شاهدنا
العديد من تصريحات تامر الخاصة بهذه الأغنية وأنه اعتذر عنها بالفعل في
العديد من
البرامج التليفزيونية وأنه لم يقصد أن تفهم أغنية بهذا المعني وبالتالي لم
تصبح
هناك مشكلة من جانب الساقية ضد وجود تامر بها طالما اعتذر عما
قدمه.
وحول
ما إذا كان مسموحاً له الغناء داخل الساقية أم لا قال الصاوي: جمهور تامر
أكبر من
سعة مسرح الساقية وبالتالي لن يستطيع الغناء بها ومرحب به زائراً!
من جانبه
أكد المخرج محمد دياب أنه كان في ندوة لصناع فيلم «678» داخل الساقية وتحدث
عن هذا
الأمر، ولكنه لم يكن يعلم أنه سيكون سبب حدوث كل هذه الأزمة وقال إنه مازال
عند
رأيه بأن أغنية تامر تحمل دعوة للتحرش ولذلك أوردها في فيلمه
الأخير باعتبارها
عاملاً أساسياً في زيادة التحرش الجنسي في مصر مشيراً إلي أن قرار منعه من
الغناء
في الساقية من عدمه هو شأن داخلي للساقية وليس له علاقة به.
روز اليوسف اليومية في
21/01/2011 |