خالد أبوالنجا.. أحد الفنانين المهمومين بقضايا مجتمعه.. يسعي دائماً كما
يظهر من أعماله الي تقديم سينما جادة وهادفة.. ويفاجيء جمهوره بأعمال ذات
طبيعة خاصة.. تختلف عما يقدمه الكثيرون من أبناء جيله الذين يلهثون وراء
الإيرادات فقط.. دون الاهتمام بالمستوي الفني .. مؤخراً فاز فيلم
"ميكروفون" الذي قام ببطولته بالعديد من الجوائز.. بعد مشاركته في مهرجانات
دولية عديدة منها مهرجان تورنتو.. واستوكهولم.. كما حصد جائزة أحسن فيلم في
المسابقة العربية لمهرجان القاهرة السينمائي.
·
** ماذا تعني لك جائزة أحسن فيلم
في المسابقة العربية بمهرجان القاهرة السينمائي في دورته الأخيرة التي فاز
بها فيلمك "ميكروفون" ؟
* شعوري لا يوصف وهذا تكريم كبير جداً لي ولأسرة الفيلم كلها. واعتبرها
وساماً كبيراً علي صدري. ويكفي ان الفيلم اشاد به اثنان من أهم المخرجين
العالميين عند عرضه بالخارج.
·
** يقال بأن نجوم مصر يفضلون
مشاركة اعمالهم في مهرجانات دولية أكثر من مشاركتها في المهرجان الرسمي
لبلدهم وذلك سعياً وراء المال فما تعليقك؟
* أنا لا أعتقد ذلك وإن كنت أري أن من حق منتج العمل ان يبحث عن الربح لأنه
الممول الوحيد للفيلم وليس النجم. وبالنسبة لفيلمنا "ميكروفون" كنا قد
انتهينا من تصوير الفيلم منذ فترة طويلة وكان امامنا إما ان ننتظر مهرجان
القاهرة السينمائي. أو ان نشارك في مهرجانات دولية كبيرة بشرط ان تكون في
المسابقة الرسمية. وبعده نشارك في المسابقة العربية في مهرجان القاهرة
السينمائي. وكان الخيار الثاني هو الأمثل لأنني أري أن هذا انتشار لسينما
بلدي في الخارج ولو حدث ان أخذ الفيلم جائزة في مهرجان دولي فهذا يكون له
قيمة أكبر لأن الجمهور هناك يتعرف علي صناعتنا وقد شاركنا بميكروفون في
مهرجان تورنتو وتونس وسنشارك في مهرجانات أخري في اليونان والهند
واستراليا.
·
** هل نفهم من ذلك ان الفيلم لن
يعرض جماهيرياً قريباً؟
* بالطبع لا.. فالمهرجانات الرئيسية فقط هي التي تشترط عدم عرض الفيلم. وقد
شاركنا بمعظمها أما باقي المهرجانات التي سنشارك بها لا تشترط عدم عرضه
ولذلك من المتوقع ان يعرض العمل في إجازة نصف العام.
مقولة خاطئة
·
** وما رأيك في مقولة أن أفلام
المهرجانات والجوائز لا تحقق نجاحاً جماهيرياً؟
* هناك فعلاً افلام مهرجانات لا تحقق نجاحاً جماهيرياً لأنها تكون صعبة علي
الجمهور. وأنا كعضو في لجنة تحكيم في مهرجانات كثيرة عندما كنت أشاهد بعضها
كنت أري انها جيدة جداً ولكنها صعبة علي الجمهور ورغم هذا أري ان هناك خطأ
في هذه المقولة بدليل أن هناك أعمالاً كسرت القاعدة. فمثلاً "واحد صفر"
و"سهر الليالي" و"شقة مصر الجديدة" كلها أفلام شاركت في مهرجانات وفي نفس
الوقت حققت نجاحاً جماهيرياً كبيرا. وأراهن ان فيلم ميكروفون سيحقق نجاحاً
جماهيرياً كبيراً عند عرضه ولك ان تعلم ان حيثيات الجائزة في تونس كانت
لبساطة الفيلم.. فهو بسيط وعصري.
·
** وما الذي شجعك علي المشاركة
في إنتاج هذا الفيلم؟
* في الحقيقة فكرة المشاركة في الإنتاج بدأت تشغلني منذ فيلم "هليوبوليس"
حينما وجدت افلاماً تعرض عليّ وللأسف صناعها لم يجدوا من يشجعهم لأن معظم
المنتجين لا يبحثون إلا عن الأفلام المضمونة.
·
** وما هو مضمون الفيلم؟
* الفيلم مبني علي مجموعة قصص واقعية أبطالها فنانون من الاسكندرية يقدمون
فنهم بطريقة مستقلة في أماكن مثل بحيرة المنزلة أو الجراج أو السطوح
والفيلم بدأ بفكرة صغيرة وهي اننا نتابع الناس التي تحب الأغاني والموسيقي
وكيف يقدمون فنهم بشكل مختلف وتطور الموضوع وقمنا بعمل ورشة لكتابة
السيناريو.
·
** وما طبيعة دورك في الفيلم؟
* أنا جسدت شخصية "خالد" الذي سافر للدراسة للخارج - دوري كتب ايضا وفقا
لشيء حدث لي - وبعد عودته يجد كل شيء تغير حتي علاقته بوالدته وحبيبته .
السينما والدراما
·
** في رأيك ما السبب في اتجاه
نجوم السينما للدراما التليفزيونية وانت واحد منهم؟
* بالفعل قدمت مسلسل "مجنون ليلي" العام الماضي مع النجمة ليلي علوي وأري
ان هناك ظروفاً معينة هي التي أدت الي هذا الاتجاه أهمها ان صناعة السينما
تقلصت الي حد كبير. بسبب وجود أزمات إنتاجية كما ان المنتج أصبح يفكر بشكل
جديد في صناعة الأفلام التي ربما لا تتناسب مع معظمنا.
·
** ولكن ما يقال ان هذا سببه ان
الأجر في الدراما يكون أعلي بكثير؟
* إطلاقاً.. والبعض ينظر الي الموضوع من الخارج. ونسوا ان المسلسل مدته قد
تتخطي "40" ساعة بينما مدة الفيلم ساعتان فقط.. إذن مجهود المسلسل الواحد
يعادل تصوير خمسة أفلام فبالتالي الأجر مناسب جداً وكذلك الأعمال الدرامية
تعتمد علي الإعلانات التي تدر دخلاً كبيراً علي جهة الإنتاج فالمسألة نسبة
وتناسب.
·
** وما رأيك في حال السينما
المستقلة الآن؟
* هي حركة سينمائية واضحة جداً وبدأ يستجيب إليها الموزعون والمنتجون وهذا
شيء صحي ومعظم الأفلام التي تخرج "خارج" مصر ويكون لها وجود وتأخذ جوائز
وتنجح جماهيرياً يكون كتابها ومؤلفوها يكتبون لأول مرة. وأنا اسميها
السينما ذات الباسبور التي تستطيع ان تسافر وتمثل مصر. وهذا لا يحدث مع
أفلامنا المحلية التجارية لأنها محدودة جداً ومصنوعة لجمهور محلي جداً وبها
أخطاء ممكن ان يتسامح معها الجمهور.. لكن العالم لا يسامح عليها ولا يمكن
ان تمثل مصر في الخارج وللأسف طريقة الطرح والفكر الموجود الآن عند الكتاب
عفا عليها الزمن.
·
** معروف عنك ان لك آراء سياسية:
لماذا لم ترشح نفسك لمجلس الشعب مثلاً ؟
* ليست لي توجهات سياسية. وتوجهاتي كلها اجتماعية وكل الذي أنادي به ان
يكون هناك عدالة اجتماعية. وهذه العدالة لن تتحقق إلا إذا حدث الكثير من
الاصلاحات.
ولا شك ان الاحباط في الشارع نتج من وجود الفوارق الاجتماعية الكبيرة وهذه
نكبة.. ونحن نرجع للوراء بسبب عدم وجود عدالة اجتماعية.
·
** وما رأيك في تناول الإعلام
للقضايا السياسية والأحداث المهمة داخل مصر؟
* الإعلام في وطننا العربي كله وليس في مصر فقط للأسف يساعد علي إشعال
الفتن في حين ان الإعلام المستنير يقوم علي توحيد الناس وتقريبهم من بعض.
وعامة أري ان دور الفنون التقريب بين الناس لأنها تتكلم بلغة المشاعر
الإنسانية. والفيلم المصري عندما يكون جاداً وصادقاً يسافر كل البلاد
والسينما تعبر كل الحدود.
شاشتي المصرية في
20/01/2011
"فرحانين" بشعبهم.. و"خايفين" علي وطنهم
فنانوا تونس: الخضراء في القلب.. وما حدث "غمة وانزاحت"
يقدمه:وصفي أبوالعزم
الفنانون التونسيون لم يكونوا بعيدين عما حديث ويحدث في بلادهم من تطورات
سريعة ومفاجأة بل وصادمة أدت إلي رحيل الرئيس السابق زين العابدين بن علي.
نجوم تونس عبروا عن غضبهم لما يحدث في أرضهم الخضراء من عنف وتدمير ورفضهم
محاولات بعض الأيادي الخفية التي تسعي إلي تعميم الخراب في وطنهم وأكدوا
فخرهم بشعبهم الذي عبر بكل قوة وشجاعة عن مطالبهم ولم يتراجعوا حتي اللحظات
الأخيرة. متمنين أن تعم الطمأنينة والأمان بلدهم وأن يتسم النظام الجديد
بالديمقراطية الحقيقية وأكدوا انهم يعيشون الآن ما بعد الأزمة التي وصفوها
بأنها "غمة وانزاحت".
الفنان صابر الرباعي في تصريح خاص لـ "شاشتي" أكد انه يعيش حالة انهيار
نفسي لما حدث في بلده خلال المحنة التي مر بها مستنكرا العنف والتدمير
والأيادي التي سعت لتعميم الخراب في البلاد وأكد ان ما حدث في تونس جعله
يلغي حفلا غنائيا كان من المقرر ان يحييه في الثالث من هذا الشهر للمعاقين
بمصر واعتذر لرئيس التليفزيون المصري نادية حليم عن الحفل لأنه لا يمكنه
الغناء وهو في هذه الحالة فأهله وأصحابه وأقاربه يعيشون لحظات صعبة تمني أن
تمر بسلام معبرا عن أمنيته في أن يتجاوز الشعب التونسي الأزمة سريعا وأشار
إلي أنه يفكر في مستقبل ابنه إسلام وابنته صفاء وان خوفه علي أهله اختلط
بالخوف علي البلاد داعيا الله أن يعم السلام والطمأنينة كل شبر في تونس.
لا تطلقوا النار
وتحت عنوان "لا تطلقوا النار" كتبت الفنانة هند صبري علي صفحتها علي الـ
"فيس بوك" "نحن تونسيون في الخارج. نعيش ملتصقين أمام شاشات التلفاز منذ
عدة أيام لنشاهد المأساة التي يعيشها اخواننا منهم المنتحرون والشهداء من
جراء الرصاصات الحقيقية التي يطلقها افراد الشرطة أو الجيش لا تطلقوا
النار. شبابا وخريجون.
وتابعت: في كل مرة نعود فيها إلي الوطن نلاحظ ازدياد فقر الطبقات المتوسطة
التي كانت ولزمن طويل الطبقة التونسية المتميزة وظهور طبقة "الأغنياء
الجدد" التي تزهو بحساباتها البنكية علي حساب الانجاز الاكاديمي كما أننا
نلاحظ اتساع الهوة بين الطبقات مما يؤدي إلي انتشار شعور المرارة واليأس
والبحث عن الخروج إلي أماكن أخري تتيح الفرصة أمام الحراك الاجتماعي واشارت
هند إلي أن كل مطالب الشعب التونسي هي أن يحصل علي قليل من المساواة وتوزيع
الثروة كما يرغب في احترامه والاستماع إليه.
واختتمت: أكتب هذه الكلمات والخوف يعتريني. الخوف من ان أفهم خطأ. الخوف من
أن تتعرض أسرتي في تونس للمضايقات. الخوف من قدرتي علي العودة وذلك علي
الرغم انه لا يوجد شيء يشير إلي ما يسيء إلي الوطن بل علي العكس فهذه بادرة
حب للوطن الأكبر وطننا دون حقد وبكل الاحترام والمنطق بادرة يحلم بها
الملايين من الشباب ولهذا لما أخاف؟ فهذا الخوف يعرفه الشعب التونسي عز
المعرفة وقد آن الأوان أن نقول له جميعا وداعا حتي نتمكن من التقدم نحو
تونس أفضل وأكبر في قامة شعبها.
وقالت هند صبري في رسالتها التي كتبتها بالفرنسية والعربية بلهجة تونسية
محلية.. انها شخصيا تعرضت للترهيب من "الطرابلسية" عائلة زوجة الرئيس الذين
قام أحدهم بوضع اسمها علي بيان لمطالبة بن علي بترشيح نفسه لرئاسة خامسة
واتصل بها هاتفيا ليعلمها بأنه فعل ذلك وانه ليس من حقها الاعتراض وأضافت:
في أغسطس 2010 اتصل بي بلحسن الطرابلسي في القاهرة قائلا: نحن نجمع قائمة
بأسماء الفنانين لدعوة الرئيس لترشيح نفسه مجددا وأنا أعلمك لأنه لا يمكن
وضع اسمك دون علمك.
واعترفت ان الخوف انتابها وانها اتصلت به في وقت لاحق قائلة: لا أريد أن
يساء فهمي لكن أود البقاء بعيدا عن ذلك واعتقد جازمة ان الفنان يجب ان يظل
محايدا فأنا لا أمارس السياسة.. فقطع حديثها وقال: أولا فات الأوان وإلي
جانب ذلك ماذا يعني أن تبقي محايدة وتابعت هند: أشعر بخيبة أمل لأنني كنت
جبانة فلم أقل لا.. أنا ضد ولاية خامسة.. كفي.. ففي ذلك اليوم فقدت احترامي
لنفسي كفنانة باعتباري امرأة قانون خانت الدستور ولكن الآن الحمد لله لأننا
كنا في "غمة وانزاحت".
الأمل للشباب العربي
وفي السياق نفسه وجهت التونسية درة رسالة إلي التونسيين جاء فيها "إلي جميع
أبناء بلدي الذين يعيشون أوقات صعبة بوقت مبكر من هذا العام. اتوقع الأمل
لجميع الشباب العربي".
أكدت فيها فخرها لحملها الجنسية التونسية وانها تنتمي لهذا الشعب الذي عبر
بكل قوة وشجاعة ولم يتراجع عن طلباته حتي اللحظات الأخيرة وحيت الشعب علي
موقفه وصموده خلال المحنة التي يمر بها والتظاهرات التي قام بها لتغيير
أوضاع البلاد. وأضافت درة: ادعو الله أن يعم السلام والطمأنينة كل شبر في
تونس وأن يتسم النظام الجديد بالديمقراطية الحقيقية بعد "ثورة الياسمين
الشعبية".
وقالت درة: أنا مع رحيل الرئيس زين العابدين بالتأكيد لأنه مطلب الشعب وكان
يجب أن يحدث بشكل أو بآخر ولكن كنت أتمني أن يحدث ذلك بطريقة مدروسة أكثر
من خلال انتخابات مبكرة ويتم اختيار رئيس جديد بالانتخاب الحر وأشارت درة
إلي أن هناك تخوفا شديدا بسبب تضارب المشاعر فهناك فرحة غامرة لأن الشعب
استطاع ان يحقق النصر وفي الوقت نفسه هناك حزن عميق علي الأرواح التي
فقدناها والعنف والتدمير والأيادي الخفية التي استغلت هذا الخراب في
البلاد.
وقالت درة في مقابلة تليفزيونية مع برنامج الحياة اليوم انها اطمأنت علي
أسرتها وطلبت من والدتها ان تحضر إلي مصر في ظل المخاوف وبعض التجاوزات
الأمنية والاضطرابات التي تلت الانتفاضة الشعبية في تونس ولكن والدتها رفضت
وأكدت ضرورة تواجدها في تونس في هذا التوقيت المهم.
وقالت درة انها عبرت عن كل مشاعرها عبر صفحتها علي الفيس بوك حيث كتبت في
موقعها نعم للثورة لا للفوضي ونعم لجميع حقوق التونسيين الشرعية ولا
للتدمير ونعم لشعب تونسي حر ومسئول ولا للقهر.
التغيير للأفضل
بينما أكدت الفنانة ساندي التونسية قلقها الشديد علي شقيقيها حنان ومالك
بمدينة صفاقس واشارت إلي انها تشعر بالحزن الشديد علي أرواح الشهداء وتأمل
أن يكون التغيير الذي حدث مؤخرا بداية جديدة لحقن الدماء وعبرت عن أمنيتها
بأن يكون التغيير إلي الأفضل سواء بوجود النظام التونسي السابق أو تغيير
النظام فالأهم ان الشعب يجب أن يحدد مصيره بنفسه.
ربي يحمي تونس
علي الجانب الآخر أثار غياب الفنانة التونسية لطيفة عن المشهد التونسي
تساؤلات عديدة حول صمتها رغم تضامناتها الكثيرة مع ما يحدث في الأراضي
العربية لكن موقعها الالكتروني الرسمي أورد نقلا عنها جملة واحدة مقتضبة
نصها "تونس في القلب.. ربي يحمي تونس وأهلها"
وأكدت الفنانة التونسية فريال يوسف انها ستسافر إلي تونس في أقرب فرصة
ممكنة للمشاركة في الانتخابات المتوقعة خلال الايام المقبلة موضحة انها علي
مدار الأيام الماضية عاشت لحظات كانت الأصعب حيث كانت تقوم بالاتصال
بوالدتها كل عشر دقائق وخبرتها ان الميليشيات تحاصر المكان وان الأهالي
تأهبوا لحماية ذويهم من البلطجية الذين يستغلون سوء الأوضاع الأمنية للقيام
بالنهب والسلب وأكدت انها تشعر بالسعادة والفخر لأن الشعب التونسي استطاع
أخيرا التخلص من الديكتاتورية وتعتبر ما حدث خطوة تاريخية اثبتت ان ارادة
الشعوب اقوي من ارادة الحكام.
وقال المطرب التونسي الكبير لطفي بوشناق: ان تونس دخلت التاريخ من باب كبير
وسجلت اسمها بالذهب في تاريخ الإنسانية وهو انجاز كبير نعتز به ولكن ادعو
الشرفاء التونسيين ان يحافظوا علي هذه الصورة التي كلفتنا دماء نترحم علي
أرواحهم وعلينا ان نحافظ علي ممتلكاتنا وواجب علي كل مواطن تونسي أن يحرسها
ويتصدي للسرقات والنهب والحرق.
شاشتي المصرية في
20/01/2011
"إبن القنصل " و أوراقه المزيفة
بقلم: د. وليد سيف
في معظم الأعمال التي تنتمي إلي نوع كوميديا الألغاز فإنك تستمتع بمشاهدتها
لمرة واحدة و تفرغ منها تماما بعد أن كشفت السر و عرفت المفاجاة التي
أخفاها صناع الفيلم بمهارة حتي المشاهد الأخيرة . و لكن فيلم "إبن القنصل
"علي الرغم مما يدخره لك من مفاجآت إلا أنه من الأفلام التي يمكنك أن
تستمتع بمشاهدتها لأكثر من مرة . و تفرض عليك كل مشاهدة إكتشاف جوانب جديدة
من الفيلم لم تكن متاحة لك في المشاهدة السابقة لأنك تراه في كل مرة من
منظور مختلف و بإحساس جديد .
من البداية يحمل عنوان فيلم إبن القنصل خدعة كبيرة سوف يكشف عنها من أول
مشاهده فالقنصل أو خالد صالح الذي نراه في الفيلم هو ليس قنصل و لا يحزنون
و إنما هو مزور مشهور حصل علي هذا اللقب لمهارته الفائقة في تزوير جوازات
السفر و التأشيرات . و تبدأ أحداث الفيلم بإلقاء القبض عليه وإيداعه السجن
. و لكنه ينجح في إخفاء ثروته في مكان سري . تتوالي المشاهد الأولي بإيقاع
متدفق . و لا يكتفي المخرج عمرو عرفة بعناصر الدراما التشويقية و لكنه
يجتهد في صناعة الحالة السينمائية . فتلعب كاميرا محسن أحمد دورا كبيرا في
صنع الأجواء الملائمة بالضوء و اللون و التعبير عن التوقيت الزمني و
الإحساس النفسي و الجغرافي لكل مشهد . علي المقهي و في الزنزانة و علي
البحر و في المقابر .
فتاة الإنترنيت
وفي ظل أجواء الخداع الدرامي من الطبيعي أن يثور السؤال عند ظهور أحمد
السقا في دور إبن القنصل. هل هو إبنه فعلا ام أنه مزيف أيضا ؟ . ستتوالي
المفاجآت في هذا الفيلم و تتزايد مع ظهور شخصية عاهرة الإنترنيت التي
تلعبها ببراعة غادة عادل . و لن تتكشف ألاعيب الفيلم و أوراقه حتي مشاهد
النهاية . و لكن هل تكمن مهارة الفيلم وجاذبيته فقط في هذا الجانب . أي في
قدرته علي أن يحافظ علي أسراره و أن يخدع جمهوره معظم الوقت ؟ . و هل تمكن
المخرج من السيطرة علي أدواته لتحقيق أجواء الإثارة و المفاجأة بنفس
البراعة التي بدأت بها أحداث الفيلم ؟.
في الحقيقة أن المشاهد الخبير بهذا النوع من الأفلام سيمكنه أن يعرف من
البداية خدعة الفيلم الكبري. و سيساعده في هذا اداء احمد السقا الذي كشف
الشخصية للجوئه لأسلوب المبالغة الزائدة في مشاعره تجاه القنصل . ولم يكن
خالد صالح أيضا في أفضل حالاته فقد لجأ إلي الإفتعال و الإستعارة الصوتية
في كثير من مشاهده لنصدق أنه عجوز . و لكنه لم يحافظ علي وتيرة أداء تتناسب
مع مرحلة عمرية معينة لهذا العجوز . و لكن ربما تكمن المفاجأة في أن روعة
التمكن في الاداء هي التي تحققها غادة عادل . و هي تؤدي بشكل طبيعي آو
بمبالغة تتناسب مع الشخصية في حدود ما يمكن تصديقه ومع معايشه حقيقية لها
دون أن تتعامل معها بمنطق السخرية منها . و تلعب عناصر الإكسسوار والملابس
و الماكياج دورها في مساندة الشخصية . بل و في إضفاء مصداقية عامة علي
الشخصيات .
متعة أخري تتحقق في السيناريو الذي كتبه أيمن بهجت قمر . فإن أول ما يميزه
انه لا يطبق السياسة المعتادة في السينما المصرية التي تمنح النجم حق
البطولة المطلقة و فرض السيطرة التامة للشخصية التي يؤديها فتصبح هي محور
الأحداث من الألف إلي الياء . فنحن أمام سيناريو تسوق أحداثه الضرورة
الدرامية و تتولد مشاهده بفعل الحتمية و ليس من أجل زيادة مساحة الممثل
فلان أو صناعة موقف لإرضاء الفنانة علانة .
كوميديا ساخرة
و لكن علي الجانب الآخر فإن سيناريو أيمن بهجت قمر لا يخلص تماما لنوعه .
فأفلام كوميديا المؤامرة لا تكتفي فقط بالحفاظ بالسر الكبير للنهاية و
لكنها تحافظ دائما أيضا علي هدف يسعي الجميع للوصول إليه و يشغل إهتمام
المشاهد بنفس الدرجة . تماما علي نفس طريقة الحاوي أو الساحر الذي يوجه
نظرك لبعض الوقت إلي إتجاه بينما هو يصنع خدعته في إتجاه آخر . و لكن
السيناريو تشتت لبعض الوقت و إنشغل بامور متباعدة . فمسألة بحث القنصل عن
ثروته نسيناها أو كدنا نساها تماما و إنشغلنا في جرائم نصب و تزوير متعددة
. دون أن يتذكر الفيلم الهدف الذي عليه أن يضعه أمامه لكي يبقيك علي مقعدك
و لكن مسألة إبقائك علي مقعدك تولتها عناصر أخري . كان أولها هذا الحس
الفكه و الساخر المتمكن لدي أيمن بهجت قمر في صياغة الحوار الذكي بما يحمله
من دلالات . و شارك فيها ايضا هذه النظرة الجديدة و المتميزة التي حققها
الفيلم إلي عالمنا اليوم من وجهة نظر رجل غاب في السجن لمدة عشرين عام
ليفاجأ بكم المتغيرات الرهيبة التي نتعامل معها ببساطة دون أن ندرك أننا
أصبحنا نعيش في عالم سحري أقرب لألف ليلة بالنسبة لهؤلاء العائدين .و الأهم
من كل هذا فإن أفضل ما يطرحه الفيلم هو النقد و التشريح الإجتماعي الذكي و
الكشف عن مظاهر الخداع المحيط بنا في كل أمور حياتنا و التي أصبحنا نحن دون
أن ندري و رغما عن شركاء فيها و ضحايا لها .
هذه هي الفكرة هي التي تصنع قيمة لهذا الفيلم . وهي التي تحيل مسألة
المؤامرة و الخدع من مجرد غطاء ظاهري أو حدوته مسلية إلي نقد شامل لصميم
حياتنا و مفاهيمنا و بأسلوب شيق و جذاب بلا خطابية مباشرة و لا حنجورية
بلهاء و لا حتي إدعاء بالبطولة الوهمية في التلسين علي مسئول معين أو فساد
سياسي هنا أو هناك . إن الفيلم يتعرض ببساطة لأخطار و أمراض إجتماعية نشترك
جميعا في المسئولية عنها .
دعوة للحذر
وهكذا فإن إعتبار فيلم إبن القنصل مجرد كوميديا مؤامرة هو فهم قاصر لفيلم
شديد و الذكاء . وهو قد يتستر وراء أشكال او ألوان درامية لكنه لا يخلص لها
بقدر إخلاصه للتعبير عن واقع إجتماعي جديد ومتغير . وهو يوجه دعوة صريحة
بلغة فنية راقية للجميع أن ينتبهوا و أن يأخذوا حذرهم فواقعنا اليوم يختلف
عن الماضي تماما و النصاب القديم مهما كانت مهارته من السهل أن يقع ضحية في
يد نصاب اليوم . فالنصب أصبح جزءا من نظام عالمي جديد يفرض عليك منتجات من
الشرق و الغرب و ليس عليك سوي أن تأخذ حذرك .
حاولت خلال هذا المقال ومن باب الأمانة المهنية ان أحافظ علي أسرار الفيلم
. و هذا علي الرغم من ان صناعه أنفسهم كشفوا أسرارهم للمشاهد ليس من أول
مشهد فقط و لكن حتي من خلال ملصقات الدعاية . وعلي الرغم من هذا يحقق
الفيلم نجاحا فنيا و جماهيريا كبيرا ليس لتمكن مخرجه من تحقيق أسلوب
كوميديا المؤامرة . و لكن بفضل توظيفه لمختلف العناصر الفنية بإمتياز . و
أيضا من خلال صياغته المتقنة لرؤية ساخرة جميلة من واقع مصنوع و مزيف أصبح
العالم كله يعيشه . و لم يعد به أي شيء أصلي و إنما كله صيني حتي عربة
الفول التي أقف عليها و أنا أكتب هذا المقال .
شاشتي المصرية في
20/01/2011 |