هشام الغانم أحد أهم موزعي الأفلام العربية في
الخليج والذي فتح قلبه «للقاهرة» وتحدث بصراحة شديدة عن الاخطار التي تواجه
السينما المصرية خلال السنوات القادمة وهناك الكثير والكثير الذي سنتعرف
عليه في السطور القادمة.
·
هل قلت إن
مستقبل السينما المصرية في خطر منذ عامين؟
-
أنا كنت أقول هذا الكلام
منذ عامين وأتنبأ بالذي سيحدث، وانا لست ساحرًا ولا عندي بلورة سحرية ولكن
المعطيات التي كانت أمامي وهي قلة في انتاج الافلام تجاه المنتجين اصحاب
الميزانيات المتوسطة، الاجور الكبيرة للفنانين المعتادين في السينما من
الصف الاول والثاني، ولا أتكلم حاليا، ولكن أنا اخاف من القادم 2011، ويارب
يخيب ظني ويكون إحساسي خطأ، ولكن الذي أراه الآن، أولا هناك شركات انتاج
ساهمت معنا، والنجوم بدأت في الاتجاه للدراما بسبب الأجور، وانتقل هذا
الأمر إلي
مصر، ونادرا ما يحدث في دولة مثل امريكا او الهند أو غيرها ان تكون 60%
من ميزانية الفيلم هو أجر ممثل وباقي الممثلين الآخرين هم الانتاج ، ماذا
نتوقع بعد ذلك من الكوايلتي والجودة، وفي نفس الوقت لا ألوم النجوم، لأن
مثلا أنا لو معروض علي فلوس هاقول لا، والمسألة عرض وطلب، ولكن الآن أصبحت
الامور سلبية، واتوقع حركة تغيير في اقل من عام، ورجوع الامور لوضعها
الطبيعي، وسوف نري وجوهًا جديدة علي الشاشة، وهذا شيء كويس، وسوف نعطيهم
الفرصة.
·
هل كانت
المشكلة تتعلق بالأجور؟
-
لا، عدم الالتزام في
العرف المتبع في الانتاج مثل الأجر عندما يأخذ 5 ملايين وعندما يأتي لي
يطلب 7 ملايين، طيب من أين أتت هذه الزيادة، وماذا سيطلب في الفيلم القادم،
خاصة لو نجح الفيلم، وانا اتكلم عن طفرة معينة.
·
هل المعادلة
صعبة عليك كموزع؟
-
هذا الجزء احب ان اتكلم
عنه، المشكلة في ارتفاع اسعار الافلام في
الخليج،
انا بادفع توزيع الخليج اقل حاجة 40 % للفيلم العربي من تكاليف انتاجه،
وكيف سٍأحقق هذه النسبة في الخليج، ومنذ عام 2004 ونحن نخسر في الافلام
العربية ماعدا اثنين علي ابعد تقدير، وجلست مع اخواني في القاهرة وطالبت
منهم ضرورة الاهتمام بجودة الأفلام.
·
هل يستطيع
الموزع الخارجي ان يفرض شيئًا علي طاقم العمل؟
-
لا، غير صحيح لان كل شخص
له اسلوبه واجندته، وهناك أناس عندهم أهداف محددة، ولا اريد ان ادخل في
موضوع التحليلات، لانني لا أحب ان أتكلم إلا بالحقائق، واعتقد ان هذا مقصود
100% لانني قضيت 7 سنوات في الكويت وأعلم ماذا افعل، وبالنسبة للفيلم
العربي في الكويت لا استطيع ان اعرض سوي فيلم واحد في الأسبوع، واذا كان
الفيلم كبيرًا، أعرض كل اسبوعين او ثلاثة فيلمًا، وعندي الآن زهايمر وأحمد
حلمي.
·
لماذا فيلم
واحد؟
-
السوق لا تستوعب لأن
سوقنا تختلف عن سوق مصر، سوق مصر 90%
عربي و10 % اجنبي والعكس في الخليج 70% اجنبي
و30% عربي.
·
ما الدول التي
تقوم بالتوزيع لها في منطقة الخليج؟
-
الكويت وعمان وقطر
والبحرين
·
هل الأربع دول
تمثل 40% من دخل الفيلم المصري؟
-
نعم وليس الآن ولكن من
زمان، لان اي منتج يعلم هذالكلام، ولكن المشكلة بعد ان توصلنا إلي سعر
عادل، وانا اعترف بنفسي ان في فترة من الفترات كنا ندفع أسعارًا غير عادلة،
وانا ملتزم بعدد السكان في الخليج وفوق كل هذا انا رفعت اسعاري بمعدل
ارتفاع السينمات وعدد السكان، واستطيع ان ازيد اكثر من ذلك، لانها ستكون
خسارة لا منطقية، بمعني أنني سأكون خسرانًا والمنتج ايضا والرابح في هذا
الموضوع هو صاحب العمل
.
·
لايوجد بيزنس
يقوم علي الخسارة؟
-
لا يقوم علي الربح
والخسارة، ولكن لايمكن ان تبيع لي فيلمًا بطولة مجموعة من الشباب بنفس سعر
فيلم بطولة عادل امام أو أحمد السقا مستحيل، لن يحقق اي مكسب، يقولون لك هذا حقق 7 ملايين في مصر، ولكن السوق الخليجية مختلفة.
·
البعض يقول إن
التوزيع الخارجي هو الذي يفتعل أزمة؟
-
بالعكس، عندما عملنا
اتفاقية في فترة من الفترات مع الشركة المتحدة وكنا وقتها في قمة الازمة
العالمية.
·
لماذا لا تدخل
شريكًا بالانتاج ويكون نصيبك الثلث؟
-
معك حق ولكن عندنا مبدأ
في الشركة وهو ان نكون خارج سوق الإنتاج، وهناك شركات غيرنا بدأت في هذا
المجال، و نعتقد ان هذه الشركات أخطأت عند دخولها مجال الانتاج، لان شركة
المنتج المصري في سوقه سوف تثير حساسية، وأنا من الذين يؤمنون بالتخصص،
وانا تخصصي توزيع وعرض سينمائي وليس انتاجًا سينمائيا، والوقت الذي أريد
فيه عمل إنتاج سينمائي، سوف أعمله بشكل شخصي، وليس من خلال الشركة الوطنية.
·
ما متطلبات
السوق بالنسبة لكم؟
-
السوق الخليجية تريد
الفيلم العربي الكوميدي أكثر من أي شيء
.
·
من رقم 1 في
الممثلين عندك
في التوزيع؟
-
لا استطيع الاجابة عن هذا
السؤال، ولن يفيد المشاهد في شيء، لكن علي المستوي الشخصي سوف ارد عليك
(احمد حلمي - عادل امام) ومحمد هنيدي ومحمد سعد وتامر حسني في فترة من
الفترات.
·
وبالنسبة
للبطولة النسائية؟
-
لا توجد عندنا بطولة
نسائية منفردة، الدور النسائي لابد ان يكون مساعدًا، ولكن ليس عندنا بطلة
بمعني كلمة بطلة .
·
مارأيك في
مقولة ان اصدقاء اليوم هم اعداء الغد، واعداء اليوم هم أصدقاء الغد، إلي أي
مدي ينطبق هذا عليك؟
-
علي المستوي الشخصي لا
ينطبق معي.
·
وعلي مستوي
العمل؟
-
قد يكون في فترة من
الفترات ولكن ليس بشكل استراتيجي.
·
إلي أي مدي وصل
الاتفاق الذي تم بين شركة جودنيوز وبين الشركة المتحدة والشركة الكويتية؟
-
بالنسبة لنا الالتزامات
إلي أقررناها حسب الاتفاقية لم نخل بها نهائيا.. ومازلنا ملتزمين بها،
والاتفاقية هي عبارة عن عائد شراء افلام، وليس مسألة احتكار كما يشاع
.
·
لماذا لم يتم
تفعيل الاتفاقية حتي الآن؟
-
لم يخل احد بالاتفاقية،
ولكن احد الاطراف مر بأزمة مالية، ماذا نفعل، وننتظر يمكن تدخل شركة غيرها.
·
ما اسم هذه
الشركة؟
-
لن اقول حتي لا أخسر
اصدقائي، ولكن أنا أقول عندما يحدث مشكلة لأحد الأطراف وتكون علاقتنا اكثر
من ممتازة علي المستوي الشخصي، هل المفروض في هذه الحالة ان ابعث بالعقد
الي المحكمة ام اقف بجانبه حتي تتحسن الامور وفي النهاية هذا ظرف يتعرض له
الجميع.
·
ما نوعية
المشاكل والعوائق التي تقابلك؟
-
بعض المنتجين لا توجد
لديه صورة واضحة عن الخليج، وكأنه يقوم ببيع بضاعة او قطن، مثلا لو حققت
100 ألف دينار في الخليج كويس، لماذا اطلب 250 ألف دينار، لماذا لا نكون
واضحين ومع فارق التشبيه ولكني مضطر ان اقوم بشراء افلام اجنبية وكل
اتفاقية تنتهي في 7 دقائق بدون اي مبالغة بسبب الشفافية في إعلان
ميزانيات الأفلام، ونحن مفتقدون هذا
.
·
هل يتم البيع
عن طريق اسم الفنان؟
-
لا، هذا لا يحدث.. يقومون
ببيع ميزانية وليس اسمًا إلا نادرا في بعض الاوقات، وممكن تكون الميزانيات
ضخمة والفيلم لا يحقق إيرادات.
·
وهل نسيت عائد
الضرائب؟
-
أنا ضد موضوع التهرب
الضريبي، واطالب الكل بأن يكون هناك شفافية، وبكل امانة الحكومة المصرية
قدرت وضع الضرائب وتقوم بالتخفيض في بعض الاحيان، وهناك التزام من الجميع
تجاه القوانين.
وبعد كل ذلك نواجه اتهامًا من الجهات المنافسة
بالاحتكار، مع ان هذا يحدث في امريكا وانجلترا،واتحدي لو وجدت فيلمًا
مكررًا في أكثر من سينما، لان القانون يمنع ذلك، مثلا انا عندي فيلم تكلفته
5 ملايين جنيه، أعمل له كم نسخة 100 نسخة، طيب ليه، هو فيلم لعادل إمام أو
أحمد حلمي، هذا من رابع المستحيلات، واين مصلحة المنتج من كل هذا، وبعد
ذلك يقع اللوم علي المنتج أو التوزيع
.
·
ما مدة عرض
الفيلم ؟
-
حسب الفيلم، يوجد فيلم
يعرض اسبوع .. وآخر 8 أسابيع.
·
لماذا دول مثل
الإمارات وقطر تقوم بعرض فيلم كل 4 أيام؟
- كل دولة حسب سوقها او افلام كبيرة يعني مثلا
فيلم 8 جيجا حتي الآن لم ينزل السوق وافلام كثيرة مما يحقق خسائر للمنتجين
ولنا بطبيعة الحال.
·
لماذا شركات
التوزيع قللت من شراء الافلام في الفترة الأخيرة؟
-
هذا صحيح لسبب بسيط هو أن الإنتاج أصبح قليلاً، مثلاً فيلم ولاد العم تكلف
30 مليون جنيه، كيف ادفع ذلك، وأنا عندي سقف معين لا أستطيع ان اتعداه بأي
صورة.
·
هل شركات
التوزيع تقسم النجوم لشرائح؟
-
بالطبع هذا لا يحدث لأن
كل يوم هناك نجم جديد، والنجوم فيلم طالع وآخر نازل، ولكن حصل هذا في فترة
من الفترات عندما أردنا عقد اتفاقية، واسباب تأخر نجاح الأفلام في الخليج
يرجع إلي تأخير العرض، مثلا الممثل أحمد مكي نجحت افلامه في مصر، نزل
فيلمه في
الخليج بعد عرضه في مصر بأكثر من عام، هل أحد يتصور ذلك؟، وبعدها
بأسبوعين نزل فيلمه الجديد، لمصلحة مَنْ كل هذا؟
·
لماذا الفيلم
الأجنبي يأخذ 70% من الحصة الخليجية؟
-
تعودوا علي ذلك، ونحن في
الكويت ننزل الفيلم الأجنبي قبل اوروبا بثلاثة شهور، وساعد علي ذلك ان اغلب
النجوم اتجهوا للدراما، لان الدراما بتدفع أكثر من السينما، ولا يوجد غير
الوجوه الآن .
·
اتجهوا
للدراما، ولكن النجوم المخضرمين هم الذين انتقلوا إلي التيلفزيون، وليس
معظم نجوم السينما؟
-
مفيش غير تامر حسني وعادل
إمام وكريم عبد العزيز وهنيدي وأحمد السقا.
·
ما الحلول التي
تراها من وجهة نظرك ممكن ان تساعد علي إنقاذ السينما المصرية؟
-
في مرة من المرات وأنا
اقوم بقراءة روزاليوسف شاهدت بالصدفة صورتي موجودة ومكتوب تحتها هشام
الغانم مفتاح المعادلة وتضايقت لسببين الاول انني لا استحق ان اكون انا
مفتاح المعادلة في السينما المصرية، ثانيا مسئولية لا استطيع
تحملها، ولكن أود أن أقول: توجد مشكلة داخلية تخص الانتاج السينمائي في مصر
وبالتالي سوف تنعكس علي التوزيع الخارجي، مصر نفذت خطوات رائعة في عام 2005
حتي عام 2008 وصلت الي قمتها، ولكن للاسف لم تستمر الأمور بعد ذلك.
·
ما أزمة الفيلم
المصري خارج الحدود العربية؟
-
سيناريو، وعدم الاهتمام
بثقافة الدول الأخري، مثلا عمارة يعقوبيان كان سيناريو رائع ولذلك طلع
للخارج، ولكن كام مرة تستطيع ان تقدم عملاً مثل عمارة يعقوبيان
.
·
هل هناك تواجد
لأفلام اخري غير الفيلم المصري؟
-
بشكل واقعي لا، اوقات
نعرض فيلمًا لبنانيا اوخليجيا، لكن كسوق هو الفيلم المصري.
·
هل يمكن في
الفترة القادم أن نري أفلامًا خليجية في السوق؟
-
صعب، أو سيكون علي مستوي
الخليج فقط، بسبب عائق اللغة، اللهجة المصرية سهلة والسورية سهلة ايضا
ومقبولة، لكن الخليجية فيها
شيء من الصعوبة.
جريدة الثاهرة في
18/01/2011
«678»..
التحرش الجنسي بين الفن
والرقابة
بقلم: د.وليد سيف
ومن هنا كانت حملة الهجوم
عليه واتهامه بالإساءة لسمعة مصر ، ممن يرون أن التصدي لأي قضية تكشف عن
أمراض اجتماعية يعد إهانة لهذا الوطن الكبير . بل راح البعض يؤكد أن الفيلم
يدعي وجود ظاهرة ليس لها وجود فعلي. بينما راح آخرون يهاجمونه بضراوة بل
ويطالبون بمنعه ، باعتباره يدعو من خلال أحداثه الفتيات لمقاومة التحرش
باغتيال عضوالذكورة . فهل تستحق الظاهرة كل هذه المناقشات وهل يستحق الفيلم
كل هذا الاهتمام ؟
بداية لا أعتقد أن هذا
الفيلم كما يزعم صناعه ، وكما يؤكد أيضا معارضيه والمطالبين بمنعه هو أول
عمل يتناول هذه الظاهرة بجوانبها المتنوعة التي أبرزها. فمصطلح التحرش
الجنسي هو مصطلح لم ينتشر ضمن مفرداتنا اللغوية الشائعة إلا بعد قصة بيل
كلينتون الشهيرة مع سكرتيرته غير الحسناء مونيكا . ولكن فيلم 678 يتعامل مع
مدلول هذه الكلمة
أوإطار الظاهرة لتشمل الإغتصاب الجماعي والمغازلات التليفونية ، فضلا عن
موضوعه الرئيسي وهومجرد الملامسة والاحتكاك بالإناث سواءا في الأتوبيسات
العامة ، أو المناطق المنعزلة أو بالإعتداء الخاطف بالحافلات المتحركة علي
السائرات علي الاقدام .
مدلول المصطلح
وفي الحقيقة أن لفظ التحرش في اللغة قد يتضمن كل
هذه المعاني . والتحرش الجنسي هو أي قول أو فعل يحمل دلالات جنسية تجاه شخص
آخر يتأذي من ذلك ولا يرغب فيه. والتعريف بهذا الشكل يجمع بين الرغبة
الجنسية والعدوان من طرف إلي طرف بغير تراض . وطبقا لهذا المفهوم يمكننا
اعتبار كل الأفلام التي تدور حول الاغتصاب تعبر عن جانبا من هذه الظاهرة
ومنها : ( الثأر ) و( الأوباش ) و(اغتصاب ) و(المغتصبون) . ومعظم هذه
الأفلام جاءت كرد فعل أوتسجيل لحوادث هتك عرض فعلية ومن أشهرها حادث فتاة
العتبة الشهير الذي وقع في بداية الثمانينات . لكن الذي
لاشك فيه هو أن 678 هوأكثر الأفلام إحاطة بالقضية من مختلف جوانبها...
وأكثرها عرضا لحوادث حقيقة استنادا علي ملفات وقضايا ، وبمنهج يمزج بين
الأسلوب الدرامي والتسجيلي
.
وبينما يري البعض أن
الفيلم لا يلتزم الحقيقة ويعبر عن واقع غير حقيقي ، فإن مشكلة الفيلم في
رأيي أنه يتعامل مع المسألة بروح البحث . ولا يسعي لأن يحقق إطارا محددا
لرؤيته التي يوسعها باتساع مدلول الكلمة حتي لو تعارض هذا الاتساع مع
المصداقية . فالالتزام بالواقع الحقيقي لا يعني بالضرورة تحقيق دراما قوية
ومقنعة . فكثيرة هي الأحداث الواقعية التي تبدوأقرب للخيال ، أو التي لا
تعبر عن حالات جماعية بقدر عرضها لحالات فردية . وفي هذا الإطار يبدو من
غير المناسب التصدي لمشكلة فتاة الاتصالات التي تلعب دورها ناهد السباعي.
فالفتاة التي تعمل في مجال الترويج للمبيعات عبر التليفون، هي بالتأكيد
مدربة علي مواجهة مثل
هذا النوع من المواقف أوالشخصيات اللزجة التي تسعي لإقامة علاقة مع أي
صوت نسائي يرد إلي سمعها . وعلاوة علي هذا فالشخصية التي يقدمها الفيلم هي
علي قدر من الذكاء والجرأة واللباقة تدفعها لمواجهة جمهور من المتفرجين
عندما تسعي للعمل كممثلة ستاند أب كوميدي . أي أنها تتجاوز بكثير تلك
الحالة من العجز علي مواجهة مواقف مثل هذه . كما أن المغازلات السمجة من
هذا النوع وإن كانت قد تندرج في المعني الاصطلاحي لكلمة تحرش إلا أنها تحدث
في العديد من المجتمعات دون أن تجرمها الكثير من القوانين ، بل إن اعتبارها
نوعا من التحرش في مجتمعات مثل مجتمعاتنا تهبط بالمدلول الواقعي للكلمة إلي
أدني مستوياتها وتضع من تشكو منها في خانة المرفهات . وتضعف من قيمة القضية
التي يطرحها الفيلم وتفتح مجالا للسخرية من موضوعيته وجديته التي لا شك
فيها.
حالات فردية
وعلي جانب آخر تأتي بعض الحالات كحوادث فردية
لها خصوصيتها ويصعب تعميمها ويصعب ربطها بالظاهرة العامة مثل الزوجة
صبا التي قامت بدورها نيللي كريم والتي وقعت ضحية للاغتصاب في زحام ليلة
الاحتفال بالفوز علي الجزائر . ومن هنا يصبح الربط بين الحالات هو ربط
تعسفي بين مجموعة من النساء لم يقعن ضحية لظاهرة وإنما لظروف خاصة . ولا
يربط بينهن عوامل اجتماعية أو ظروف اقتصادية ، بل يبدو أن المسألة هي أقرب
لتحالف ثلاثة من النساء أصبن بحالة من المرض النفسي . الأولي نتيجة تعرضها
لحادث اغتصاب جماعي وتخلي زوجها عنها والثانية نتيجة لتربيتها المرفهة
وضيقها من مجرد معاكسات تليفونية . وحتي الثالثة فايزة - بشري - التي كان
يمكن اعتبارها حالة عامة كضحية لأمراض وأخلاق الزحمة في الأتوبيسات العامة
، إلا أنها تتحول أيضا إلي مريضة نفسيا تستمتع بطعن الرجال في الزحام بمدية
في أعضائهم الذكرية ، حتي ولو لم يتحرشوا بها.
وعلي الرغم من هذا فإن الفيلم بأسلوبيته التسجيلية التي تضفي قدرا من
المصداقية والشمول ، وببنائه البصري الذي تتسع وتمتد أفاقه ، وبمونتاجه
المؤثر والمعبر يتمكن من التوليف بين الشخصيات والوقائع ، ويجعلها في حالة
من التواصل والامتزاج. أي أن التعبير السينمائي يتمكن من التغطية علي بعض
القصور في البناء الدرامي وهي مسألة تحسب لمخرج في عمله الأول . والمفترض
أنه قادم إلي عالم السينما من بوابة كتابة السيناريو. ولا أعتقد أن الفيلم
كان يمكن تمريره رقابيا لو لم تكن هذه الشخصيات والأزمات بهذا الطابع من
الخصوصية .
وعلي الرغم من هذا فإن فيلم كهذا كان لا يمكن أن
يخرج إلي النور لولا الطفرة التي يعيشها حاليا جهاز الرقابة في فكره
وأسلوبه المتطور في التعامل مع الأعمال الفنية التي تناقش مشكلات المجتمع
بجرأة . يتحقق هذا بعد القفزة التي حققها الفنان مدكور ثابت بما أضافه إلي
الجهاز من لمسة أكاديمية وروح
ديمقراطية استنادا إلي مجلس شوري
النقاد الذي كانت تعرض عليه الموضوعات المثيرة للجدل . كما استطاع الناقد
علي أبوشادي أن يحل كثيرا من المشاكل بخبرته الإدارية وقدراته الدبلوماسية
. أما الدكتور سيد خطاب رئيس الجهاز الحالي فهو يضيف لمسة من روح الفنان
المتفهم لطبيعة العملية الفنية والباحث عن مخرج أووسيلة لمساعدة الفنان
لإخراج إبداعه إلي النور .. والمدرك حقيقة لدوره كمسئول ولواقع مجتمعه
ولظروفه ولحق الفنان في التعبير عن هذا الواقع بأسلوب فني. وبهذا الفكر
أصبحت الرقابة شريكا ومعاونا للعملية الفنية وليست خصما يلزم مواجهته
أوالتحايل عليه بالأساليب الملتوية
.
أمراض مستترة
وهكذا فإن صراع صناع فيلم 678 وصناع أي عمل فني
جاد يهدف إلي نقد المجتمع هو ليس صراعاً مع جهاز الرقابة وإنما مع تيار
رجعي من هذا المجتمع يسعي إلي التستر علي أمراضه . ولا يرفض فقط عرضها ولا
مناقشتها ولكن حتي مجرد التلميح لها أو الاقتراب منها . ففي دراسة للدكتور أحمد
عبد الله عام 2006" تبين أن أكثر من 60% من الفتيات يذكرن أنهن تعرضن
للتحرش خلال حياتهن. وفي دراسة للدكتور علي إسماعيل وآخرين (2006) علي
المرضي المترددين علي عيادة الأمراض النفسية بمستشفي الحسين الجامعي تبين
أن 9% من العينة قد عانوا من الانتهاك الجنسي في فترة من فترات حياتهم أو
حياتهن.وفي دراسات تمت في المجتمعات الغربية تبين تعرض الفتيات للانتهاك
الجنسي بنسبة 13% وتعرض الفتيان بنسبة 4%، والانتهاك هنا يتراوح بين هتك
العرض والزنا والاغتصاب. -الدكتور محمد المهدي/ استشاري الطب النفسي -
الموقع الاليكتروني بيوتنا ." وتعبر هذه الأرقام المتفاوتة والمثيرة للتعجب
بوضوح عن هذا التستر الغريب علي امراض مجتمعنا والذي يؤدي كثيرا إلي فشل
الإحصائيات أو استطلاعات الرأي البحثية في الوصول إلي نتائج صادقة ومعبرة
بصورة حقيقية عن مشكلاتنا
وهمومنا وأمراضنا .
وبذلك يصبح الفنان مضطرا
لأن يلعب أدوارا لا تخصه من المفترض ان تلعبها مؤسسات إجتماعية وتربوية
وإعلامية . ولهذا فإن أهم ما يحققه فيلم 678 هوحالة الحراك والنقاش والجدل
الذي يدور في قاعات العرض بين مؤيد لأحداث الفيلم ومعارض لها
.
جريدة الثاهرة في
18/01/2011
السينما المصرية..المحترفون
يتراجعون والبراعم تتقدم
بقلم: د.صبحي شفيق
السينما الآن في مفترق طريق: الطريق الذي سلكته
منذ أول آلة تصوير سينمائي، تلك التي ولدت في ورشة البصريات بمدينة سيتوتاس
عام 1895، انها سينما الإخوة لوميير، لا أحد منهما منتج أفلام، ولا أحد
منهما فكر في تجميع الرغبات المكبوتة لدي أبناء الشعب، ليجعلها تتفجر علي
شاشة العرض.
لم تكن لهما عقلية تاجر الفراء الأمريكي «ليميل»
ولا «مطبخ» سيسيل دي ميل، كان هدفهما هو تجميع جزئيات الواقع، لتعرض مكبرة
علي شاشة عرض، كي نتوقف أمام تفاصيل، إيقاع حياتنا فتتسع رؤيتنا لنا، ولمن
حولنا.
هذه السينما: «مصنع الأحلام» هي ما ثار عليها شباب
فرنسا في الخمسينات، وعبروا عن ثورتهم بتحليل ونقد أفلام هوليوود، واتخذوا
من مجلة «كاييه ديسينما» كراسات السينما» منبراً لهم وعلي صفحات هذه المجلة
كتب واحد من نقاد تلك الجماعة، هو «إلكسندر استروك»، مقالاً بعنوان: «الكاميرا، قلم»
وكان يقصد بذلك أننا نستطيع، بالتوقف أمام وضع إنسان في مكان ما، ووضع من
حوله، ونتبعه، لندرس سلوكه أو نتعرف لا علي نزعاته هو فحسب، بل علي نزعاتنا.
كان الهدف تكبير تفاصيل الواقع كي نراه، ونري ماذا
نفعل في دروبه المتفرعة يميناً ويساراً.
كان ذلك عام 1956، ان لم تخني الذاكرة، وهذا
المفهوم الجديد للسينما هو ما سيطر علي من وقتذاك إلي الآن، ولي دراسة
طويلة عن إلكسندر ستروك ودوره في انتقال السينما من سينما الحرفيين إلي
سينما الفنان، هو ما لخصه في عبارة: «سينما المؤلف».
الدراسة منشورة في عدد يناير 1968 بمجلة السينما،
وتداعيات الناقد المبدع سمير فريد نشرها في الكتاب الذي كرسه لتقديم
مختارات من مقالاتي ودراساتي السينمائية.
وأذكر ان أول مقال نشرته في الأهرام في أكتوبر
1962 فيما أذكر، كان بعنوان «السينما: ثقافة + كاميرا 16 مم».
وكاميرا 16 ملليمتر هي التي كانت متاحة وقتذاك
لصنع أفلام بعيدة عن «وصفة» الإنتاج التجاري.
أهم حدث
وحتي 1959، لم تكن هناك معاهد سينما في مصر، وكان
افتتاح المعهد العالي للسينما في أوائل أكتوبر 1959، أهم حدث ثقافي وقتذاك،
لأنه يضع الطالب أمام المفردات الحقيقية لإخراج فيلم ما: التشكيل،
الموسيقي، نظريات الضوء، جماليات الصوت، الإيقاع في المونتاج، إلخ.. إلخ.
نظرياً، كانت تلك هي المناهج الأولي للدراسة
بالمعهد العالي للسينما ولما كانت الدفعة الأولي ستتخرج عام 1993، فكان
أمامنا سؤال: هل نتركهم للسوق، لمنتجين من أصول الاستيراد والتوريد وأعمال
أخري؟
كان لابد من إنشاء وحدة تجريبية، وبدأت عملها
بإنتاج فيلمين لهما موضوع واحد: هو شنق زهران في مذبحة دنشواي الشهيرة، لم
يكن هناك حوار، بل قصيدة لصلاح عبدالصبور وتجريب تحويل مفردات الشعر إلي
مفردات بصرية سمعية لهو أول خطوة نحو خلق سينما خالصة،
موضوعها ينبع من مفرداتها.
وعهدنا إلي اثنين من خريجي الدفعة الأولي: ممدوح
شكري وناجي رياض، وكانت بداية رائعة.
ورشة إنتاج
إلا أن المعهد أصبح نقطة «نيشان» بالنسبة للإنتاج
التجاري، وقد تكاتف المخرجون الذين يلعقون ما يقع من جيوب المنتجين من
قروش، وسعوا إلي ان تصدر الدولة «فرمانا» يقضي بأن يعمل خريج معهد السينما
14 عاماً كمساعد ثان، ثم أول، حتي يصبح مخرجاً.
كان معني ذلك، ان تتحول السينما إلي ورشة إنتاج
بدلاً من ان تكون إبداعًا فنياً يعطينا مخرجوه رؤية لعالمنا، ولمن حولنا،
طوال 50 عاماً وأنا أكرر هذا الذي أقوله اليوم، فما كانت ثمرة ذلك؟
من الجنون أو البارانويا ان تتصور انك وحدك تستطيع
تغيير واقع ما، خاصة إذا كان مصدراً لملايين الجنيهات «بعملة ذلك الوقت»
ومصدرًا لخلق «معبودات»
«IDOLES»،
واحدة معبودة الجماهير، والثانية سيدة الشاشة العربية، والثالثة النجم
الأوحد.. إلخ.
كان لابد من إنشاء اتحاد لخريجي معهد السينما.
كان القانون يحرم إنشاء نقابات، أو اتحادات ماذا
نفعل؟
أبسط الأمور أن تنشيء جمعية، ذلك هو المتاح، وكأي
جمعية، مثل الجمعيات الخيرية، لابد من ان تخضع لوزارة الشئون الاجتماعية.
لا بأس
ليكن
السينما الجديدة
وفي عام 1968 كان ميلاد جماعة السينما الجديدة،
ولد بداخلها أهم نقاد في مصر، فتحي فرج، هاشم النحاس، خيري بشارة، «قبل ان
يصبح مخرجا» وبالطبع الأب الروحي سمير فريد.
وإلي الآن، كم يدرس ناقد أو يخرج بيان الجماعة،
فمازالت استراتيجيته صالحة للتطبيق إلي الآن.
والأهم من ذلك كله ظهور مخرجين جدد: ممدوح شكري،
أشرف فهمي، خيري بشارة، عاطف الطيب، وسمير سيف، وداود عبدالسيد، محمد
عبدالعزيز، وعلي بدرخان، كل منهم أخرج أول أفلامه الطويلة عقب تخرجه من
المعهد مباشرة، دون ان يقضي فترة العقوبة، أي 14 سنة.
لكن لولا دعم الدولة لبراعم ذلك الوقت، لظل أغلبهم يعمل مساعداً للإخراج، فبفضل إيمان
رجل كالدكتور ثروت عكاشة وزير الثقافة وقتذاك، ومنشيء معاهد الأكاديمية،
كانت الستينات هي العصر الذهبي للثقافة عامة، وللإبداع السينمائي بصفة خاصة.
وتسأل: لماذا أقول هذا اليوم؟
أقوله بعد أن أصبحت السينما مادة إجبارية في نحو
مائة كلية ومعهد في مصر الآن، مادة إجبارية في شعب الإعلام بأقسام الاجتماع
بكليات الآداب، مادة إجبارية في كليات التربية النوعية، مادة إجبارية في
إنتاج برامج الفيديو والدراما المرئية والدراما المصورة.
أين مشروعات تخرجهم؟ أين تعرض؟
وأين يعمل الآن خريجو هذه الكليات؟
ولقد حرصنا، زملائي وأنا، بهيئة التدريس بجامعتي
الإسكندرية والمنوفية، حرصنا علي إدخال مادتي: «السينما التفاعلية»
والفيديو التفاعلي، وذلك منذ 1995، ولك ان تحصي عدد الخريجين في هذه المدة،
أين هم؟
شئنا أو لم نشأ، سيصبح الإرسال بالألياف الضوئية، لا دش ولا كابل، و لا ستالايت، تماماً كالإنترنت.
وتلك الدفعات هي وحدها القادرة علي مسايرة هذا
التطور، بينما كل مافي التليفزيون وستديوهات السينما الحالية سيقام له متحف
تاريخ البصريات والسمعيات ومع ذلك وجدت فجأة بعض عناصر إجابة.
كان ذلك بالإسكندرية وكنت أقوم بتدريس مادتي
المسرح المعاصر والسينوجرافيا بقسم المسرح بكلية الآداب، ودعاني عدد من
الطلبة لمشاهدة أعمال لزملاء لهم، شاركوا فيها بالتمثيل كان أهمها مجموعة
أفلام كتبها وأخرجها، وبعضها صورها عدد من خريجي كلية سان مارك، ثم أعمال
أخري من إنتاج استديو «شبابي» هو استديو غيج ليفي «أوراق التين»، ثم فيلم
شاعري للغاية مخرجه مصطفي العو علي وعي بأن السينما هي فن المكان، كيف يضغط
علينا، كيف نقاومه كيف نندمج أو تنفصل عمن حولنا، البناء دائري: المارة حول
ميدان، ومجموعة تذهب إلي ما لا ندري، وتحت تمثال يتوسط الميدان كفيف جالس
يمد يده، البعض يعطيه ما تجود به نفسه، والبعض الآخر يتصوره ممثلاً لدور
الأعمي، لكن في النهاية، ينهض الكفيف بعد ان احتوي المكان.
فيلم آخر علي أعلي مستوي من الوعي الاجتماعي-
السياسي، هو فيلم بعنوان «كلنا نريد» ومن السياق، نعرف معني كلنا نريد: إنه
السلام الشامل الدائم لكل شعوب العالم.
الفيلم مونولوج طويل، لا حوار هنا، بل شاب يريد
جهاز التليفزيون ليتابع نشرة الأخبار، فإذا بكل ما يشاهده شهداء في غزة،
أطفال معوقين، مدافع تقذف اللهب للقضاء علي حياة البشر، إنها نشرة كل يوم
وتضيق نفس الشاب بما يري فيتهيأ للخروج، هل يرتدي هذه الثياب؟ لا بعد تناول
القهوة؟.. لا، بعد ان يشاهد مرة أخري مصائر من يندرجون تحت تعريف: «الإنسان».
الفيلم مخرجه محمد الكاتب، هو أيضاً السيناريست،
أي انه المؤلف الكامل لعمله.
وحول هؤلاء «المؤلفين الكاملين» باقة من الممثلين
والمونتيرين والمصورين ومسجلي
الصوت، يبرز خلالها المصوران محمد سعد ومحمد معتمد بحركات كاميرا هي لمسة
فرشة رسام، كذلك الممثلون مصطفي الفقي وإسلام نجيب ومنذر الفخراني الذي قام
بأداء دور الأعمي في فيلم مصطفي العو «النهارده يوم جميل» وولدت براعم
جديدة في المونتاج الإيقاعي، في مقدمتهم أحمد طارق عبدالعزيز.
جريدة الثاهرة في
18/01/2011 |