فى الأسبوع الماضى كانت من أهم الملحوظات التى خرجنا بها
من قائمة العشرة أفلام الأهم فى العشر سنوات الأخيرة هى وجو 3 أفلام لمخرج
واحد هو «داوود عبدالسيد» وهذا لا يعنى سوى شىء واحد
وهو أن «داوود» كمخرج وكمفكر قادر على
تطوير مشروعه السينمائى باستمرار وضخ أفكاره وهمومه فيه بشكل
عميق وثرى بصريا ومن
هنا تجىء أهميته.
عندما رتبنا للحوار كان فى ذهننا أن تكون أسئلتنا متعلقة
فى الأساس بذلك المشروع السينمائى ولكن التفجيرات المفزعة التى شهدتها مصر
فى
الليلة الأخيرة من2010 وضعتنا أمام تساؤلات كثيرة عن العنف، الطائفية،
والتحولات
الاجتماعية الكثيرة التى نشهدها مؤخرا، ولأن هذه الأسئلة فى
النهاية هموم تشغل
المفكر السينمائى طوال الوقت وتلح عليه طرحناها على «داوود عبدالسيد» فكان
هذا
الحوار:
·
فى فيلمك الأخير «رسائل البحر»
لعبت الإسكندرية دور
البطولة، ولكنها لم تكن الإسكندرية التى نعرفها. فقدت الكثير من تحررها
وملامحها،
والمفارقة أن نفس المدينة كانت بطلة أحداث العنف الطائفى والإرهاب أخيرا..
من وجهة
نظرك ما الذى حدث للإسكندرية؟
- «دعنى
أقل لك أن الإسكندرية لم
تفقد روحها، ولا تجعل الصورة التى تراها أمامك تخدعك، أنا أتصور أنه مازال
هناك
الكثير من مظاهر التحرر فى الإسكندرية، مازال هناك نفس الذوق ونفس الوعى
ولكن فى
نفس الوقت علينا الاعتراف بأن هناك تياراً سلفياً قوياً
بالإسكندرية. ذلك التيار هو
الذى جعلك تتصور أن الإسكندرية فقدت ملامحها.
مازلت أذكر أثناء تصوير «رسائل البحر» صادفت الكثير من الملصقات على
الصخور المواجهة للبحر مليئة بتوجيهات
أخلاقية تحجم العلاقة بين الولد والبنت، ولكن فى الوقت نفسه
كنت أصادف كثيرا من
الردود التى كتبها هؤلاء الشباب ردا على تلك الملصقات. أى أنك فى
الإسكندرية تستطيع
أن تجد المحافظة الشديدة وفى مواجهتها المقاومة العنيفة».
·
ولكن لماذا تغيرت الإسكندرية؟
-
الإسكندرية كمدينة شهدت على مدار عقود طويلة وجود أعراق وديانات وجنسيات
مختلفة
وهذا هو الأمر الذى منحها طابع التحرر الذى طالما اتسمت به ولكن هذا التنوع
قد
انتهى تقريبا، وبالتالى اختفى المناخ الذى كان داعما لقبول
الآخر والتفتح وبذلك
وصلنا إلى ما نراه اليوم.
أذكر أننى عندما ذهبت إلى شاطىء المنتزه منذ15
عاماً مثلا لم تستطع زوجتى النزول إلى البحر لأنه ببساطة لم تكن هناك أى
امرأة
مرتدية «المايوه»، وهذا لم يكن الوضع قديما مثلا.
علينا الاعتراف بأن هناك
تياراً سلفياً قوياً فى مصر الآن، ونعم لقد نجح هذا التيار فى فرض
نفسه.
·
ولكن لماذا أصبحت الناس مهيأة
بذلك الشكل للخطاب الدينى
السلفى أو التحريضى؟
- «إذا
أغلقت أبواب العقول فحرض كيفما تشاء.
لأنه ببساطة الشىء الوحيد القادر على وقف العملية التعبوية هو وجود عقل
ناقد.
وللأسف الشديد لم يعد هناك الآن الكثير من
العقول الناقدة والباحثة أو المفكرة
القادرة على الوقوف فى مواجهة عملية التحريض».
·
إذن ما الذى أغلق العقول؟
-
عدة أشياء
أولها هزيمة 67 التى كانت هزيمة لعدد من الشعوب فى آن واحد فشعر الجميع أن
المعبد
قد تهدم وبالتالى أصبحت الفكرة الملحة على الجميع هى اللجوء إلى الله، أى
أن التيار
القومى تراجع وحل بدلا منه التيار الدينى. يجىء بعد ذلك موت
عبدالناصر ثم تولى
السادات الحكم والذى لعب لعبة سياسية نتج عنها أن أصبح الإسلام السياسى
مسيطرا على
كل مجالات الحياة.
بعد مقتل السادات أصبحت اللعبة مختلفة. حيث أصبح اللعب
بمنطق «لا يفل الحديد إلا الحديد» وهنا بدأ السماح أكثر للإخوان المسلمين
فى مواجهة
التيارات الدينية. أضف إلى ذلك أن الناس فى مصر بفطرتها تميل إلى التوجه
نحو الدين
خاصة عندما يكون هناك معاناة من أزمة سياسية واقتصادية بل
واجتماعية وهو ببساطة وضع
المجتمع المصرى الآن.
دعنا لا ننسى أيضا عاملاً آخر مهماً وهو وجود إسرائيل
لأنه ببساطة وجود كيان دينى معاد يستدعى بالضرورة الكيان الدينى الآخر.
وبالطبع ساعد على كل ذلك أن معظم الخطاب الدينى الموجود الآن خطاب متخلف
ولا يعبر عن اتجاه دينى حقيقى ولذا يفترض أن الآخر هو عدوه.
·
هل
نستطيع أن نقول أن التعليم ساهم فى ذلك؟
-
التعليم والإعلام على
حد سواء وهذا أمر واقع منذ أيام الرئيس السادات وحتى الآن. فإذا تحدثنا عن
الإعلام
تحضرنى هنا واقعة ما تخص مسلسلاً تاريخياً دينياً كان يعرض فى بداية
الثمانينيات
والذى كان يصور فرعون الكافر وكيف أنزل الله عليه غضبه.
وبالمناسبة هذا المسلسل كان
يذاع على التليفزيون المصرى. وكان التليفزيون يقدم مسلسلا معاديا لتاريخه
ويصفنا
بأننا أحفاد الكفرة. أى أن المصريين هم «أحفاد الكفرة».
·
هل القنوات الدينية مثلا لعبت
دورا فى إشعال
الأمور؟
-
إلى حد ما ولكنى سأسرد لك واقعة ليست لها علاقة
بالقنوات الدينية. حوار سليم العوا مثلا والذى كان على قناة
الجزيرة والذى تحدث فيه
عن الكنيسة وعن ترسانة الأسلحة التى تملكها وما إلى ذلك. دعنى أقل لك إن
ذلك الحوار
كان خطاباً تحريضياً سافراً من مقدمه وضيفه.
ولكن علينا الاعتراف بأن هذه
النغمة ليست السائدة بالإعلام الخاص.
·
وماذا عن الإعلام المصرى أو
التليفزيون المصرى؟
-
لست ممن يهوون مشاهدة أو تصديق الإعلام
المصرى أو بالتحديد الإعلام الحكومى لأنى لا أثق دائما فيما يقدم. ولأنى
مقتنع أن
الإعلام المصرى «الحكومى» يعمل لصالح الدولة الدينية.
·
كيف؟
-لأنك
ببساطة كنت ومازلت أمام
محاولة لأسلمة معظم المضامين التى تقدم لدرجة أن تصل إلى اللحظة التى تحاول
فيها أن
تثبت أن كل كشف علمى كان موجوداً فى القرآن. حدث ذلك من خلال «زغلول
النجار» ومن
قبله «مصطفى محمود» وبالتالى عندما تقدم هذا الفكر طوال الوقت
إذا أنت بذلك تعمل
لصالح الدولة الدينية ولصالح إضفاء الصبغة الدينية على كل ما يقدم.
وهذا
ليس فقط فى الإعلام وإنما ما يحدث فى المجتمع الآن حيث الصفة الدينية هى
المسيطرة
وناهيك عن أن الدستور نفسه متأرجح ما بين الدولة الدينية والدولة المدنية.
أو ليس
هذا كله لصالح الدولة الدينية؟.
صدقنى أنا لست أتحدث
كـ«مسيحى»
وإنما كمواطن مصرى لذا تستوقفنى ظواهر
كثيرة مثل أن يعفى القانون كل من يبنى زاوية
أو مصلى من الضرائب.
أنا إنسان محب للعمارة وصدقنى عندما أقول لك إنى أعشق
المسجد الذى له قيمة معمارية وجمالية ولذا أحزن عندما تختفى هذه القيم
المعمارية من «الزوايا».
وأيضا كمواطن مصرى أتساءل كيف تستطيع بناء زاوية بسهولة فى
الوقت نفسه الذى لا يستطيع فيه شخص آخر بناء كنيسة.. أفلا يخلق
هذا نوعا من
الاحتقان؟.
·
ولكن لماذا اشتد الاحتقان
الطائفى الآن.. هل له علاقة
بالأزمة الاقتصادية مثلا؟
-
لأن الأزمة تخلق مناخاً تنافسياً
وطائفياً. فمثلا إذا تصورنا أن هناك وظيفة يتقدم لها4 أشخاص بالطبع سأختار
فى مثل
تلك الظروف من ينتمى إلى دينى.
نعم الفكر الطائفى ينتعش فى الوقت الذى تشتد
فيه الأزمات الاقتصادية وعندما يكون الإنسان مأزوماً فيجد من يحاول أن
يقنعه طوال
الوقت أنه الأعظم وأن ما يملكه وينتمى إليه هو الأفضل ويصيغ له ذلك الوهم
حتى يصدقه
وحينها يراوده إحساس بالتفوق الزائف. ولكن لماذا نتجاهل أيضا
الوضع السياسى القائم؟
علينا الاعتراف بأننا عندما نلغى السياسة والانتماءات السياسية لا يصبح
لدينا ما ننتمى إليه سوى الدين والذى يغلى كل ما عداه خاصة
عندما تكون العقول كما
أشرت من قبل مغلقة الأبواب بل وتعيش فى جهل.
وأعود مرة أخرى لأكرر أن هذه
خطيئة الدولة التى حاولت استغلال الدين لأسباب سياسية وبالتالى كان ما
فعلته سببا
منطقيا لاختفاء السياسة من حياة المجتمع المصرى.
إذا عدت بذهنك إلى
الأربعينيات والثلاثينيات مثلا تجد أن الوفد قام على وجود العنصرين المسلم
والمسيحى. والحركة الشيوعية ضمت عناصر مسلمة، مسيحية بل ويهودية
أيضا.
·
ما الذى يلح على مشروع «داوود
عبدالسيد» السينمائى الآن؟
-
شخصيا أستطيع أن أقول أن الفكرة الصوفية تراودنى بشدة هذه
الأيام وربما يكون ذلك بفعل السن أما إذا كنا نتحدث عن البعد
الاجتماعى فأتصور أن
فكرة الانتظار هى الملحة الآن.
بمعنى أن المجتمع الآن فى لحظة انتظار لكى
يحدث تغيير. وحتى الآن ليست هناك أى دلائل تشير إلى قرب حدوث هذا التغيير،
ولا أحد
يعرف ما إذا كان سيحدث الآن أم بعد سنوات. يمكنك القول إننا فى لحظة تجمد.
المجتمع بأكمله غير راض عن أى شىء أو عن النظام السياسى والاقتصادى ويحاول
تعويض عدم الرضا هذا بـ «شوية حاجات» كأن يفوز فى مباراة لكرة
القدم فيصبح فى حالة
هستيرية غير مبررة.
لم نعد راضين ولم نعد نعلم كيف نسير، لأنهم أخذوا منا
البوصلة والخريطة بل والعربة التى يمكنها أن تقلك إلى وجهة ما. وأصبحنا
كلنا واقفين
لا نعلم إلى أين نتجه.. بالضبط مثل نهاية رسائل البحر.
·
دعنا نعد
إلى «أرض الأحلام» وليس «رسائل البحر».. لو كانت «نرجس» موجودة
معنا الآن هل كان
قرارها سيكون الرفض لفكرة السفر؟
-
بالطبع.. لن تسافر نرجس ببساطة
لأن أرض الأحلام هى أرض أحلامك أنت.. وأرض أحلام «نرجس» هى مصر وليس
أمريكا. ولكن
الوضع ربما يكون مختلفا بالنسبة لشاب يشعر بأن كل الأبواب مغلقة أمامه
وبالتالى لا
يوجد أمل بالنسبة له سوى الهروب.
·
ولكن «فرانشيسكا» تركت مصر فى «رسائل البحر»؟
-
أبطال رسائل البحر لم يكن فى رغبتهم أن يتركوا
المدينة ولكن أزمتهم أن المجتمع أصبح طاردا وبالتالى هى لم
تهرب ولم تشأ أن تهاجر.
بل إن صراعها فى الفيلم منطلق من فكرة إصرارها على البقاء وليس الهجرة.
وللأسف الآن أصبح من السهل جدا بالنسبة للناس أن يتركوا المكان
ويرحلوا.
·
وما تفسيرك لهذا؟
-
لأن الناس لم تعد
تعرف كيف تتقدم وفى أى اتجاه وعدم الرضا أصبح هو محركها الأساسى. الوضع جعل
الشباب
غير راض بل وغير قادر أحيانا ثم إن هناك فئات عمرية وطبقية غير قادرة من
الأساس على
أن تعيش الحياة كيفما تريد. ثم دعنى أسألك أنا سؤالا: ما الذى يدفع إنسانا
أن ينفق
أموالا من أجل أن يصعد على مركب قد تكون وجهتها موته؟..
لذا استوقفنى مثلا
فيلم «أولاد العم» وجعلنى أتساءل وماذا عن المصريين المقيمين فى إسرائيل..؟
ما
حكاياتهم؟ هل هم خونة مثلا؟ هؤلاء المصريون الذين يريد البعض
أن يسحب منهم جنسيتهم
المصرية رغم أنهم ذهبوا إلى هناك بحثا عن حياة شبه كريمة لأنى مؤمن بأن
الحياة
الكريمة هى الحياة التى تعيشها فى بلدك كمواطن حر ومحترم.
مجلة روز اليوسف المصرية في
08/01/2011
فاروق حسنى لرئيس التحرير :
الثقافة.. أمن .. ماذا تفعل عشرات قصور الثقافة
أمام 120
ألف زاوية ومسجد؟
كتب
عبدالله كمال
اتصلت بالوزير فاروق حسنى. مازحته فى مناخ حزين.. قلت له: «هل أنت
على استعداد لماتش بوكس».. ثم شرحت: «أريد حوارا حول ما
يجرى».. وما هى مسئولية
الثقافة فيه؟.
فحدد لى موعدا. وعندما ذهبت إلى بيته الذى يقول عنه أنه «بيت
الدولة».. إذ قرر أن يوصى به للدولة بعد أن يغيب.. وقال هذا فى
أعقاب مقالات لى
تضمنت فى بعضها ما يخص بيته الرابض على ضفة نيل المنيب.. عندما ذهبت إلى
هناك كان
أن دار حوار بينى وبين فاروق حسنى المثقف أكبر من كونه حوارا مع وزير
الثقافة..
فبغض النظر عن اختلافاتى معه إلا أنى أراه مثقفا مهما وصاحب رؤية.. مع
تناقضى
أحيانا مع الوزير.
افتتح فاروق حسنى الجلسة بأن أهدانى كتابا رائعا مصورا
لمجموعة من اللوحات والوجوه القبطية.. وقلت له أن الآثار القبطية شهدت نهضة
فى
عصره.. ولكن هذا لاينفى أن التطرف قد انتشر فى السنوات الـ 32 التى كان
فيها وزيرا
للثقافة ولم يزل. ومن ثم كان أن بدأ الحوار:
·
روزاليوسف: سؤال
افتتاحى.. كيف ترى ما وقع فى الإسكندرية وتوابعه؟
الوزير: للأسف
المجتمع القبطى انصاع للخطة المرسومة.. خطة وجدت صداها عند المجتمع عموماً
والأقباط
خصوصاً.. هذه جريمة خسيسة جدا موجهة للوطن ككل.. هدفها كسر التوازن الذى
يربط بين
الإسلام والمسيحية فى مصر، وللأسف ردود الفعل القبطية العنيفة تؤكد نجاح
هذا المخطط
الخارجى.
أنا بالتأكيد أتفهم وأتعاطف مع حالة الغضب القبطى التى توازيها
حالة حنق عامة يشعر بها المجتمع كله بعد أحداث الإسكندرية، لكن
نجاح الخطة أنها
استطاعت التأثير فى المجتمع بهذا الشكل.. ثم ماذا؟.. هل نترك لهذه الأفكار
أن تتحكم
فينا، خاصة أن هذا الأمر يتم استغلاله بشكل سيئ جدا فى الداخل أو الخارج من
أصحاب
النفوس الضعيفة.
·
نقلتنا إلى ردود فعل الشباب
القبطى، هل ترى تغيراً
طرأ على المجتمع القبطى؟
-
نعم بالتأكيد.. هذه الأشياء لم تكن
موجودة فى السابق مثل الاحتشاد بهذا العدد الكثيف، لأنك هكذا تخاطر بأن
يقابله
احتشاد آخر إسلامى وهو ما علينا منعه بكل قوة لأنه لو حدث احتشاد متبادل
ستكون
الكارثة كبرى.
لكن المسلمين لم يتظاهروا أو يحتشدوا رغم أن أحداً لم يمنعهم
ولم توجه لهم نداءات بعدم التجمهر.
-
هذا نتيجة أن المسلمين «زعلانين» مما
حدث.. المسلمون بكل تأكيد أبرياء من دماء الضحايا وهذا ما جعلهم يتعاطفون
ولايقابلون العنف بالعنف بسبب الإحساس العام بالمسئولية.
·
أريد ملاحظاتك كمثقف وليس كوزير:
ما الذى تغير فى
الشكل والمضمون العام لثقافة البلد؟
-
دائماً ما يكون الصعود
صعباً والهبوط سهلاً.. ما ألاحظه وجود حالة من الهبوط فى السلوك الاجتماعى
العام
بانحدار شديد حتى على مستوى التعاملات اليومية «المواصلات، البيع والشراء،
المشى فى
الشوارع» هناك تغير جذرى فى السلوك المصرى.. تراه عندما تقارن حالنا الآن
بما نراه
فى الأفلام القديمة.. ينقصنا جانب تربوى كبير علينا بثه من
المدرسة والبيت ووسائل
الإعلام والمسجد وقصر الثقافة، هذه هى العوامل التى تشكل الإنسان الذى
ننتظره،
فالجامعة مثلا ليست فقط مكانا للتعليم، بل هى بوتقة للتعريف بالحياة
والخبرات
والواجبات والفنون.. الجامعات الخاصة استعانت بى كى يقام بها
نوع من النشاط الثقافى
«ندوات
أو أفلام أو حفلات موسيقية أو معارض تشكيلية» بالاستعانة بالوزارة.
·
كيف حدث هذا الهبوط فى السلوك
المجتمعى.. ولماذا؟
-
كما قلت السبب هو التربية، ويدخل فى نطاقها التعليم والثقافة
وكل ما هو متصل بتوعية الإنسان.
إذن أنت لا تخلى مسئولية الدولة عن
هذا الهبوط؟
-
ما هى الدولة؟... الدولة هى المعاقل العلمية
والثقافية والإعلامية والمجتمع ككل.. لو تمت تربية الإنسان
جيدا فى كل هذه الأماكن
سينشأ بالشكل الذى نريده.. هناك موضوع تكلمت فيه كثيرا هو «انفصام
المجتمع»، وأقصد
به وجود طبقة من النخبة داخل تجمعات مغلقة compounds
يحيط بها سور كبير، فانسلخ
المجتمع الذى يعتبر المثل والنموذج وتقوقع داخل نفسه، بينما يتطور مجتمع
آخر بشكل
منفصل بعيدا عنه.. فى الماضى كانت العمارة يسكن فيها ابن الباشا والأفندى
والتاجر
ويتقابلون فى المصعد وعلى السلم وفى الشارع وعند البقال.. الآن
حالة الاستقطاب
الشديد جعلت المجتمع يكاد ينقسم إلى نصفين.
·
من المسئول عن حالة الاستقطاب
هذه؟ وكيف حدثت؟
-
المجتمع نفسه هو المسئول، وحدث هذا لأننا تغافلنا عن فكرة
الـcompounds
المغلق هذه التى تعزل مجتمعات داخل أسوار بمتاجرها
وأنديتها ومرافقها
بعيدا عن أى احتكاك أو تواؤم اجتماعى.
بعض الناس - وخاصة المعارضين
السياسيين - يحملون مسئولية هذا لنظام يوليو.
-
نظام يوليو كانوا مجموعة من
الشباب المهتم جدا بوطنه والذين يسابقون الزمن لتحقيق إنجاز.. صحيح أنهم
حققوا
انتصارات كثيرة «مجانية التعليم والمساواة والتقارب الطبقى» لكن ما آخذه
على نظام
يوليو هو ترسيخ مفهوم «الأقدمية» والذى أدى إلى عدم وجود ثواب
وعقاب.. حاليا أنت لا
تقدر على أن تفصل موظفا.. لو فصلته سيرجع بحكم قضائى.. لا تستطيع أن تعطيه
مكافأة
أو تمنحه ترقية إلا بترتيب الأقدمية.. هذا فى رأيى أسوأ شىء لأن الماء إذا
تركته
راكدا يعطن.. وهكذا فأنت تضيع فرصا لشباب يستطيع التفوق
والإبداع، للأسف نحن وارثون
كل هذا حتى الآن وهو ما صنع حالة السقوط هذه، لأن لا أحد قلق على مكانه،
وفى نفس
الوقت لا يشعر بالتحفيز لتحقيق إنجاز.. قد تصلح الأقدمية كمفهوم فى الجيش
أو
الأماكن العسكرية، لأن الكل بالأساس منتقون ومتقاربو الكفاءة
ولن يفرق بينهم إلا
السن، لكن فى المجتمع هذا مفهوم مضر يؤدى للتدهور.
·
لماذا لم تتخذ
الحكومة قرارات لمواجهة هذه القواعد المتكلسة وتحفيز الناس؟
-
الدستور والقانون يمنعان. القانون يمكن تغييره.
-
حتى
لو حدث هذا فنحن نفتقر لشىء مهم لا نتعلمه فى المدارس والجامعات، ألا وهو
الخيال..
بدون خيال لا يوجد إنجاز.. الدول الخليجية الآن تعتمد على الخيال والاقتصاد
الابتكارى وليس التراكمى.. لا يهم أنشأت كم مصنعا أو مدرسة أو مشروعا، بل
عليك
البحث عن مجالات أخرى للابتكار، ومصر حقل خصب لهذه الأفكار.
·
هل من
الممكن أن تعطينى أمثلة لهذه الأفكار الابتكارية؟
-
مثلا فى مصر
منحنا الله 11 بحيرة، ومع هذا لا تجد دراسة جدوى واحدة لاستغلال هذه
البحيرات
سياحيا أو اقتصاديا أو تجاريا.. الساحل الشمالى الغربى الآن اكتمل ولن تجد
فيه
مجالا للتوسع، لكن هناك الساحل الشمالى الشرقى من دمياط إلى
رشيد والإسكندرية
ستتمتع ببحيرتين وفرعين للنيل وبحر متوسط ومساحات شاسعة تحتاج
عشرات المكاتب
الاستشارية الكبرى التى تضع خططا لمشروعات مبتكرة تستثمر هذه الأماكن، هذا
قد يدفع
الناس للهجرة إلى الساحل الشمالى الشرقى ويخفف الضغط السكانى.. الوادى
الجديد يشغل
46%
من مساحة مصر ويحيا فيه 180 ألف نسمة والإمكانات المتوافرة هناك لا
نهائية،
لكنها تحتاج إلى خيال واسع.
·
من المؤكد أنك عبرت عن هذا الطرح
سابقا، خصوصا فى مجلس الوزراء، ما الذى يعوق تنفيذ هذه الأفكار الابتكارية؟
-
هى مسألة ترتيب أولويات فنظرتى تختلف عن الآخرين، أنا بخيالى
أراها أولوية مطلقة بينما غيرى لا يرى ذلك.. أيضا هناك ندرة فى
الأفكار الطازجة
لأننا ننظر لبلدنا من الداخل، لو ظللت معتكفا فى بيتك ليل نهار لا تراه
بوضوح كما
يراه شخص من الخارج.. نحتاج إلى إسهامات خارجية تمنحنا وفرة فى الأفكار..
لو قسمت
خريطة مصر إلى مربعات وكان عندى 100 مليون دولار سأقوم بعمل 50
دراسة جدوى لمكاتب
استشارية عالمية تقترح استغلال كل جزء من مساحة مصر، وهكذا يكون لديك حشد
من دراسات
الجدوى فى وزارة الاستثمار جاهزة للاستغلال.. لكننا للأسف مولعون بالتقليد
ولا نتجه
نحو الابتكار، فلو افتتح أحدهم محل أحذية فعل الحى كله مثله.
·
لو
اخترت أحد هؤلاء الثلاثة لتحمل مسئولية هذا فمن يكون : النخبة
التى تفتقد للخيال -
الحكومة التى ترتب أولوياتها بشكل معاكس لما تعرضه أنت - المجتمع بقيوده
ومشاكله
وثقافته؟
-
النخبة المثقفة لا تفتقر للخيال، لكن كل إنسان له
أسلوبه فى العمل.. أنا عندما أصبحت وزيرا وضعت استراتيجية عمل
واضحة، فكرت أعمل
أكبر متحف فى العالم لأننا نملك أكبر مجموعة أثرية فى العالم، وعندما وجدت
الأمر
يتكلف مبلغا خياليا - 750 مليون دولار - وأنا أعرف جيدا أعباء الدولة، قمت
بعمل
دراسات جدوى لأطمئن أن المتحف الكبير سيظل مفيدا لمصر لمئات
السنين، هو والمشروعان
العملاقان الآخران : متحف الحضارة، والقاهرة التاريخية.
·
بالمناسبة من أين سيأتى تمويل
المتحف الكبير؟
-
نحن مقدرون لأعباء الدولة لهذا قمنا بتمويله ذاتيا بالاستعانة
بقرض من اليابان.
·
إجاباتك عن الأسئلة الأخيرة وحتى
قاموس مفرداتك
فيها بعيد عن الثقافة وأقرب إلى الاقتصاد، هل تضع الثقافة فى إطار مشروع
تنموى
شامل؟
-
عندما توليت منصبى اعتبرت أن الثقافة اقتصاد أساسا.
الآن أيضا أصبحت الثقافة أمنا، لأن الكثير من الناس تحيل مشكلة الإرهاب إلى
خلل فى ثقافة المجتمع.
-
هى كلها منظومة التربية كما قلت سابقا.. مصر دولة
ثقافة.. لسنا بدولة بترول أو دولة تكنولوجيا أو دولة صناعات
ثقيلة.. العتاد الأساسى
لدى مصر هو الثقافة وعلى هذا تستطيع أن تبنى اقتصادك.. والمناظر الطبيعية
المختلفة
عن أوروبا والتى يحبها الغربى.. أيضا لدى مشروع اسمه «النيل الجديد» وهو
طريق
high way
ينبع من الشمال ويصب فى الجنوب، وهو قادر على تغيير أسلوب السياحة فى
البلد من
سياحة المجموعات إلى الأفراد.. الخيال هو الرؤية المختلفة.. سيناء كانت
صحراء فى
البداية، انظر إليها الآن، حالة من الحياة الجديدة الرائعة صنعها الخيال.
·
هل تشعر بالمسئولية عن أى من
الأمراض الاجتماعية التى أصابت ثقافة
المجتمع فى العشرين سنة الأخيرة؟
-
طبعا، لا أنكر هذا.. لكن انظر
إلى عدد السكان وقتها وعدد السكان الآن، كيف تستطيع ملاحقة كل هؤلاء
الملايين.
·
ثقافة تنظيم الأسرة جزء من مهمة
الدولة ولا يتحمل الانفضاض عنها
المجتمع وحده؟!
-
أنا لى رأى فى هذه القضية يعترض عليه الكثيرون..
أنا أعتقد ضرورة وجود قوانين منظمة لعملية التناسل.. علينا أن نطرح كل
الأفكار ولا
نقول الدين يمنع كذا أو كذا، لأن الدين نفسه يقول أن نهضة الشعب مسئوليتك..
الزيادة
المضطردة فى السكان لا نستطيع مواجهتها وبالتالى يتفشى فى
المجتمع الجوع والجريمة
والقتل.. كيف ننقذ ذلك بدون حلول غير تقليدية؟
·
لماذا يستمع المجتمع
إلى رسائل المؤسسات الدينية المتطرفة، حتى لو بلغت حد العنف والتطرف، ولا
يستمع إلى
رسالة العقل والتنوير؟
-
هذا يعود أيضا إلى التعليم.. التعليم فى
الصغر كالنقش على الحجر، فما تعلمته وأنت طفل يرسخ ولا يمحى، ولو لم نتعلم
معانى
الوطن والحياة والعقل والقيم الجمالية كلها فى صبانا، فلن نستطيع التعامل
معها
عندما نكبر.
·
هل مشكلة التعليم أعاقت عملك
الثقافى؟
-
بلا شك.. الثقافة تختلف عن التعليم لأنك عندما تنشئ إنسانا
متعلما، فأنت تعطى الفرصة لأن يقرأ ويفكر ويتقبل طرحك أو
يرفضه، لأنه قادر على
استعمال عقله.. التعليم قبل الثقافة دائما، ولو حاولت أن أرفع من شأن شاب
عمره 25
عاما، فلن أنجح.. هذا إنسان قد تمت برمجته وتربيته وصار من العسير تغيير ما
تقولب
بداخله.. الصواب هو أن نتعامل مع أطفال اليوم بشكل صحيح حتى
يصبح عندك بعد 25 عاما
مواطن قابل لأن يكون مفكرا أو فنانا أو وزيرا.. علينا أن نضع الشتلات منذ
الآن
لقادة المستقبل.
·
ما الذى طرأ على المثقفين يا
سيادة الوزير خلال
هذه السنوات العشرين؟
-
رموز عظيمة غابت عنا، نجيب محفوظ، ويوسف
إدريس، وزكى نجيب محمود، وأحمد بهاء الدين وكثير من المفكرين وقادة المجتمع
مما أدى
لحدوث فجوة ثقافية بين الفترة الماضية والحالية.. لذلك استعنت بشباب كان
صغيرا
وقتها فى حدود الخامسة عشرة، هم من يدخلون الآن الحياة
الثقافية.
·
لماذا حدثت هذه الفجوة؟
-
لأن الإدارات السابقة
لم تعط فرصة للشباب.. عندما جئت وزيرا وجدت أن هناك غروبا للمفكرين.. إذن
نحتاج
رموزا جديدة.. بدأت أستفيد من الموجودين وقتها على الساحة وجعلت المجتمع
يستفيد
منهم.. كان رهانى دائما على الشباب فى كل المجالات وهم من
يملأون الساحة الآن،
وأؤكد لك أنك خلال سنوات قليلة ستجد طفرة فى المسرح والسينما والشعر والأدب
والفن
التشكيلى سببها هؤلاء الشباب.
·
هل تستطيع أن تمنحنى أمثلة
لأسماء
تتوقعها أن تكون نخبة وقادة رأى فى المجتمع بعد خمس سنوات؟
-
هناك
الكثيرون، ولا أريد أن أسمى أسماء كى لا يتضايق منى من نسيتهم، لكنك ستجد
فى
الأقاليم شعراء وأدباء ومسرحيين جددا.. اذهب إلى مسرح الطليعة
وانظر ما الذى فعله
الشباب هناك.. فى الموسيقى.. فى مراكز الإبداع.. اذهب إلى قصر الغورى ستجد
توليفة
تفتخر بها.. هكذا بدأ العقاد أو توفيق الحكيم أو طه حسين.
·
لكن النماذج التى
ذكرتها الآن عبرت فى سن مبكرة جدا عن أفكار شديدة الليبرالية والتحضر،
وطالبت فى كل
موقف بنهضة المجتمع.. أقصد الأساتذة محفوظ وإدريس ونجيب محمود؟!
-
الشباب
الجدد لدينا يقومون بنفس الشىء.
·
أختلف هنا معك، لكن لا بأس، دعنى
أسألك ما
هى المرتكزات التى اعتمدت عليها عندما بدأت عملك مع ثقافة المجتمع؟
-
اعتمدت على الحالة الاجتماعية التى كانت موجودة وقتها.. آنذاك كان التطرف
متوغلا فى
أغلب الأركان، وزير الثقافة وقتها كان يسمى «وزير الحرام» وكانت كل العوامل
ضده..
لم تكن هناك مكتبات كافية، حتى دار الكتب المصرية كانت فى هيئة الكتاب
كإدارة..
السيدة حرم الرئيس بدأت طريقا طويلا لإنشاء
المكتبات مثل عرب المحمدى وغيرها.. قصور
الثقافة كلها كانت فى حالة مهترئة.. لا يوجد سوى متاحف قليلة
فى دولة رأسمالها
الثقافة.. النشر محدود جدا، ولقاءات أدباء الأقاليم مع المسئولين كانت
شجارا
دائما.. أنا وجدت أن فى القرى جوعا شديدا لملء وقت الفراغ.. هذا الجوع
استغله
السلفيون وملأوه بكلام عن النظام الفاسد الذى يجب ألا نطيعه
الخ.. هنا فكرت فى
مشروعى القومى الخاص «بخلاف مشروع مصر القومى المتحف الكبير» مشروعى الخاص
هو
مكتبات القرى والنجوع.. الآن أصبحت لدينا حصيلة هائلة من المكتبات.. مشروع
مكتبة
مبارك والقراءة للجميع ومكتبة الأسرة «تحت رعاية السيدة حرم
الرئيس» أخذت شكلا آخر
ومعها المسرح والسينما والفنون.
لكن رغم كل هذه الإنجازات، فالمجتمع كما
ترى لا ترضى عنه أنت شخصيا، والتطرف الذى أسماك «وزير الحرام» يتوغل وينتشر
حتى
بلغنا جريمة الإسكندرية. - لا أعفى نفسى من المسئولية.
·
أنا لا أبحث عن
اعتراف، أنا فقط أناقش.. وفائدة النقاش الدائر الآن «فى المجتمع ككل وليس
بينى
وبينك» هو أن الجميع بدأوا يعطون الأولية للمثلث المهم جدا،
والذى كان يترك عادة فى
آخر سلم الأولويات : التعليم والإعلام والثقافة.. لا أريد اعترافا.. أريد
أن أعرف
لماذا انتصرت عليك مؤسسة التطرف؟!
-
سأرد عليك بسؤال : قل لى من الأقوى فى
المجتمع الخطيب الواقف على المنبر أم المفكر؟.. بعد هذه الإجابة سنتساءل كم
عدد
الدور الثقافية فى مصر وكم عدد المنابر، وكم من الشباب يذهب هنا وكم يذهب
هناك..
ماذا أفعل أمام 120 ألف زاوية وجامع؟ كيف أواجههما وبكم قصر ثقافة؟ ملاحظة
من
المحرر : العدد هو 106 آلاف مسجد وزاوية.. وهو ما لا يفرق كثيراً فى معنى
كلام
الوزير.
·
تعاملت مع أكثر من رئيس وزراء فى
حكومات متعاقبة، ألا يوجد
أى استماع لمثل هذه الأفكار؟
-
المشكلة لا تخصنى وحدى، بل تخص
الكثيرين.. مؤخرا فى آخر اجتماع لمجلس الوزراء طلب منا وضع تصورات وخطط
للكيفية
التى ستقوم بها هذه الوزارات متكاتفة بوضع فلسفة وسياسة تساعد على تطبيق ما
يطالب
به الكل : التنوير.. لكنى أعتبر وزارة الثقافية هى آخر حائط صد ضد المد
المتطرف.
·
وأنا لم أطلب هدم هذا الحائط،
لكنك جئت وزيرا ومؤسسة التطرف مسيطرة
وتعتبرك «وزير الحرام».. بماذا تصفك الآن؟
-
أيضا «وزير الحرام»..
ربما لأنى أنشأت 150 مكتبة و42 متحفا و38 قصر ثقافة وترجمنا 1800 كتاب من
كل أنحاء
العالم، وقمنا بعمل ممتاز فى ترميم الآثار التى تبنى الانتماء داخل الإنسان.
·
بشهادة الكل - المنحاز ضدك قبل
الموضوعى - فأنت قمت بعملية تطوير
ضخمة لآثار مصر حتى أصبحت محط أنظار الجميع، الوافد والمقيم والمواطن
والأجنبى، على
الرغم من هذا النجاح نشأ جيل كامل يرى أن الفراعنة كفار، ولا يجب أن ننتمى
إليهم؟!
-
لأن من علم هؤلاء الشباب لم يخبرهم أن القرآن عندما يصف فرعون
بأنه كان ظالما فهذا لا ينسحب على كل الفراعنة.. تدريس الدين
من عقول منفتحة مهم
جدا وإلا سينشأ لديك جيل منغلق يقول مثلما تقول ويطالب بالتنصل من الكفار..
وهم هنا
يقصد بهم الفراعنة.
·
كيف تفسر ما جرى فى الإسكندرية
تحديدا؟
-
ما حدث كان مخططا منذ فترة، وسمعنا أن القاعدة منذ شهرين قالت
بعد تفجير الكنيسة فى العراق أن الضربة القادمة فى مصر..
والتخطيط الشيطانى اختار
مكانا مكتظا بالناس أثناء القداس لإحداث أكبر قدر من الأضرار فى المدينة..
الإسكندرية كانت رائعة فى الماضى، لكنها الآن أصبحت أكثر تشددا من القاهرة.
·
لماذا تغيرت الإسكندرية ولم تعد
رائعة؟
-
الخلل
فى إدارة المدينة.. مجموعة من المحافظين السابقين لم ينظروا جيدا إلى
المدينة، لم
يبدأ ينتبه لهذا إلا المحافظ عبدالسلام المحجوب وبدأ العمل المطلوب لإعادة
هذه
المدينة إلى رونقها، واستكمل العمل بعده بكفاءة شديدة المحافظ
عادل لبيب، فمن ناحية
الشكل المدينة الآن مكتملة، وهذا يقلل من هجوم المتطرفين على الخدمات كى
يسىء الناس
الظن بالحكومة. المدينة تغيرت فعلا بعد هدم 120 ألف قصر وفيلا فى بداية عصر
الانفتاح.. لكى يبنى مكانها ما أسميه عشوائيات الأغنياء.. كل
هذه القصور خرجت تحفها
إلى أوروبا وأمريكا.. وأنا شاب كنت أركب الترام كى أشاهد جمال المدينة،
الآن أصبح
هناك قبح.
·
كيف يحدث تنسيق بينك وبين باقى
عناصر المنظومة :
الثقافة، التعليم، الإعلام، المؤسسة الدينية؟
-
لا أريد أن أكذب
عليك.. لا يوجد تنسيق بيننا.. بقدر الإمكانيات نحاول أن نتعاون ومن يجد
أمامه مشكلة
يحلها.. لكن تعاونى كبيرا مع وزارة الأوقاف فى عمليات الترميم.
·
فى
الشكل فقط إذن.
-
نعم.. لا أستطيع أن أصل للمضمون، وفى الماضى قلت
أنى أنوى إنشاء لجنة للثقافة الدينية فهوجمت هجوما شديدا، وهو
نفس ما ينادى به شيخ
الأزهر الآن.. هو نفسه مشروع بيت العائلة.
·
لم أر وزير ثقافة بهذا
القدر من الاستنارة فى تاريخ الدولة باستثناء ثروت عكاشة الذى ظهر دوره
كمثقف أكثر
بعد أن ترك الوزارة، ولكن لم حدثت هذه الفجوة؟
-
كى تسكن فى بيت
عليك أن تقيم أساساته، ولكى تصنع ثقافة عليك أن تقيم أساسات الثقافة، وهى
المعاقل
الثقافية القادرة على احتواء أفراد المجتمع، الشباب مثلا حاولت
جذبهم للمسرح
التجريبى الذى هاجمه الناس فى البداية، لكن مهرجان المسرح التجريبى أصبح
الآن حدثا
ثقافيا راسخا لا أستطيع أنا نفسى إلغاءه لأنه ملك الشباب..
فى الفن
التشكيلى بدأت بصمات المبدعين المصريين المبشرة تظهر عندما أعطيناهم
الحرية، رغم
شدة المنافسة مع الدول المحيطة بنا.. المتاحف الآن فى مصر
مكتظة بالزوار يوميا بشكل
يجعل التجول بداخلها عسيرا.. لو استطعنا نقل هذا النشاط الثقافى الزاخم إلى
داخل
المدارس والجامعات سننجح بالتأكيد، وهذا كان فحوى اتفاقى مع د.أحمد زكى بدر
لمحاولة
وضع بروتوكول تعاون مع وزارة التربية والتعليم كى يستمتع الطفل
بوقت فراغه.
تاريخ مصر الذى ندرسه الآن لا يقبله طفل أو شاب.. يجب أن يحتوى التاريخ على
الحكايات الجميلة التى تنمى مفهوم الانتماء للوطن كى لا يردد
أحدهم كلاما عن
الفراعنة الوثنيين، لأنه لو عرف الفن القديم أو قرأ لأدرك أن الديانة
المصرية
القديمة سبقت العالم كله بفكرة الحساب بعد الموت وأنها أقرب الديانات
للإسلام..
لكنك الآن تعلمه أسماء صعبة وتحكى له قصصا مملة فيخرج الطفل المصرى ساخطا
على تاريخ
بلده، بعكس الطفل الأوروبى الذى تعلم بشكل صحيح فوقع فى غرام مصر، وأصبح
مولعا بها
بعكس المواطن المصرى الرافض لها.
·
ما ملاحظتك على التوجه العام
للمثقفين من خلال جلساتك معهم؟
-
هناك مجموعة مثقفين جادين
ومدركين لهموم الوطن ومسئولياتهم تجاهه، وأغلبهم موجود فى المجلس الأعلى
للثقافة
وعددهم ما بين 500-,600 وهناك مجموعة تهتم بذاتها أكثر من الوطن باعتبارهم
فوق
الجميع، ويظلون ينتقدون بلا مبرر بشكل لا يمكن الاستفادة منه.
·
ماذا
عن مؤتمر المثقفين الذى طالبت به؟
-
يوم الاثنين القادم هناك
اجتماع فى المجلس الأعلى للثقافة كى نضع الخطط التى سنطرحها فى المؤتمر..
جاءتنا
أوراق كثيرة سنطرحها على المجلس وسنحاول أن نجعل المؤتمر ينعقد فى أسرع ما
يمكن،
ربما فى خلال شهر من الآن.
·
ما هو الاحتياج الثقافى الأكثر
إلحاحا
والذى يجب الانتباه إليه فورا باعتبار أن الثقافة صناعة طويلة أو متوسطة
المدى على
الأقل؟
-
الدولة ساعدتنى كثيرا فى تنفيذ
احتياجات ثقافية عديدة، لا يمكن فى عصر من العصور أن يتم إنجاز ما حدث فى
البنية
التحتية الثقافية.. الاحتياج الذى أطالب به الآن بمنتهى السرعة هو وجود
محركين
ثقافيين لقصور الثقافة، وقد قمنا بعمل إعلان لنختار منهم حوالى
40 رغم أن لدينا 540
قصر ثقافة.
·
ما هو دور المحرك الثقافى؟
-
هو
المبرمج الذى يصنع برنامج النشاط السنوى لقصر الثقافة مع المجتمع والقائمين
على
النشاط.. تجربتى كمدير قصر ثقافة أنه المحرك الأول، ويجب أن
يمتلك المعرفة والطاقة
والرؤية لكى يطور برامج قصور الثقافة، بشرط أن يترك للشباب حرية الإبداع
الكاملة
ولا يمنع طاقتهم من الخروج.
مجلة روز اليوسف المصرية في
08/01/2011 |