السيناريست والمخرج عصام الشماع يجمع بين مدرستي الفانتازيا
والواقعية، فهو صاحب سيناريو فيلم "كابوريا" الذي عالج قضية صراع الطبقات
بطريقة أشبه بالفانتازيا، وأطلق العنان للمتلقي ليشاهد فنه ورؤاه من خلال
فيلم "الأراجوز" والعديد والعديد من أعماله السينمائية، وحتي تجاربه
التليفزيونية والتي يعتبر من أشهرها "رجل في زمن العولمة" بجزءيه و"نافذة
علي العالم" كان يغلف القضايا الفكرية والسياسية بقالب درامي يميل أحيانا
إلي الكوميديا وأحيانا أخري إلي
التراجيديا، عندما
يقف خلف الكاميرا تشعر أنك أمام
مخرج
يملك أدواته.
غاب
عن
السينما
حوالي
عشر
سنوات ليتفرغ لأعماله التليفزيونية، وغاب عامين
ليجهز
لعمل مهم وهو "الفاجومي "
وفي
حوارنا
معه :
·
"الفاجومي"
عمل خارج
السياق وأن يتحمس
لتقديمه
مجموعة العمل هذه مسألة قد تبدو غير مألوفة فمن له الفضل في تقديم عمل
كهذا؟
دائما أحب أن أقدم أعمالا خارج السرب، والتوفيق حالفني عندما وجدت
المنتج حسين ماهر الذي اهتم بأن يشتري مذكرات "الفاجومي" من الشاعر أحمد
فؤاد نجم منذ عشر سنوات، والعمل بالمناسبة أول انتاج له ولن يكون الأخير،
فأنا أري ان لديه وعيا مبكرا لأنه أصر علي تقديم هذا العمل، وأنا اعترف بأن
له فضل كبير في ان يخرج الفيلم إلي النور واننا نتعشم ونأمل أن يجد الفيلم
صدي جماهيري علي قدر اجتهادنا فيه سواء أنا أو المنتج حسين ماهر وخالد
الصاوي وكل فريق العمل حتي نستطيع ان نجذب
الاجيال الجديدة
إلي
سينما مختلفة سينما مغايرة عن السائد، ولأن
تاريخ مصر
لابد من التنوير عنه
بالاضافة إلي الاشارة إلي الشباب الذين خرجوا في عام
72
يطالبون
بالحرب قبل 73 ومن حقهم علينا ان نلقي
الضوء عليهم لأن هذا الجيل من اهم واعظم الاجيال في
مصر
.
·
وما الاسباب التي دعتك لتقديم
قصة حياة شاعر ومطرب علي شاشة السينما؟
إن ظاهرة نجم والشيخ امام ظاهرة غنائية شعبية كانت تعبر عن مواقف
سياسية في زمن لم يكن به أحزاب ولا ديمقراطية ولا جرائد، لأنهما كانا
يمثلان صوت الشعب في ذلك الوقت حيث عبرا عن آلام وأحلام
شعبهما من خلال الغناء وهما أول اثنين سجنا لقيامهما بالغناء ليس لأنهما
كونا تنظيما بل لأن الغناء كان تهمة وجريمة في زمن ما، وهذا الكلام كان في
الستينات والسبعينات، وما يجذب في هذه المنطقة أنها منطقة لم نتطرق اليها
بافلامنا ولا في الدراما وانا من جيل الستينات طفلا والسبعينات شاباً وما
جذبني
بشدة اني
اعبر عن
جيلي
وعن انكسار 67
ثم انتصار
73
من خلال هذه الظاهرة
الغنائية الشعبية التلقائية.
·
وكم
استغرق وقت كتابة الفيلم ؟
اكثر من سنة كتابة وتنقيح
وفحص ما كتب
ومن
خلال مذكرات الشاعر احمد
فؤاد نجم ومن خلال مقابلتي
الشخصية معه وظهر الفيلم عندما وجدنا انتاجا يتحمس لتقديم هذا النوع من
السينما غير السائدة .
·
ولِمَ لم يتم تقديم العمل في شكل
أوسع
من
خلال عمل درامي؟
لأنه وثيقة تاريخية ويجب ان يكون وثيقة سينمائية ولا استطيع ان اضعه
في مسلسل درامي لأنه وثيقة ويجب أن توضع كما هي.
·
وما الرسالة التي توجهها
للجمهور من خلال "الفاجومي"؟
ان يري الجمهور شباب السبعينات وماذا قدموا فهو جيل لبس ملون وخنافس
ومع ذلك كان لديه وعي سياسي ووعي بقضايا وطنية ووعي بلحظته التاريخية
واستطاع ان يكون مساهماً في قرار الحرب
.
>
وما اصعب المشاهد التي
قمت بتصويرها خلال الفترة الماضية؟
في
الفترة الماضية كانت من خلال جمع المثقفين والسياسين والغناء
وكيف نصل معهم للحظة
حميمية وهي
لحظة
حقيقية في
اغان قديمة
وغير متداولة وهذا كان الامر الاصعب كيف
يكون هذا التجمع بين مثقفين وطلبة ولست اقصد
بالصعوبة هنا في
التصوير بل كيف نعمل اكسسوار وكيف نجعل
الفنان يعيش الحالة التي يتكلم فيها بشكل الستينات والسبعينات وفي الشكل
والملابس
·
وهل وجدت اعتراضا من قبل الرقابة
؟
لا لم اجد اي اعتراض فالاستاذ سيد خطاب متفهم جداً ومتعاون معنا .
·
وكيف تم اختيار أبطال الفيلم ؟
لأنهم فنانون علي قدر من الوعي ومطلعون علي نجم وظاهرة الشيخ امام،
خالد الصاوي احد مثقفي مصرالمهتمين بكل ما يخص تاريخ مصر وصلاح عبد الله
لديه وعي سياسي وقاريء وكان احد المريدين للشيخ امام وجيهان فاضل سيدة
مهتمة بالسياسة ومن اسرة تجمعها بالشيخ امام ونجم صداقة وفرح
يوسف ايضاَ وكندا علوش وكل
فريق الفيلم
.
·
ولِمَ تم تغيير الأسماء الحقيقية
في الفيلم علي
الرغم من
أنها سيرة ذاتية ؟
حتي
لا ندخل في
مشاكل فرعية تبعدنا عن رسالتنا التي
نريد ان نوجهها للجمهور ولاننا
نحكي
عن
تاريخ مصر والفرد مهما
يكن المهم
كيف ساهم في
تاريخ مصر .
·
ما رأيك في حال السينما المصرية
في
الوقت الحالي ؟
السينما الآن بأحسن حال وبتنضج وبتكبر وهناك اعمال كثيرة متميزة وعلي
درجة كبيرة الرقي وتحمل مضمونا هادفا .
·
ومارأيك في بعض الافلام التي
تسيء إلي واقعنا المصري ؟
اعتقد ان السينما ينصلح من حالها بين حين وآخر فمثلا فيلم "حين ميسرة
"فيلم واع جدا وفيلم " هي فوضي " فيلم محترم ، وافلام خالد يوسف هي اهم
الافلام الموجودة بالاضافة الي ان هناك محاولات متميزة مثل فيلم " الفرح "
وهو فيلم ناضج نضوج كبير .
·
ما رأيك في بعض كتّاب السيناريو
الذين يرفضون تدخل المخرج ؟
انا اري
ان العمل السينمائي
او الدرامي
او الفيديو هو عمل جماعي
لا
نستطيع
ان نفصل
بين المخرج عن
السينارست
او الممثل عن المخرج فهو عمل جماعي
.
·
في
صدد مهرجان القاهرة السينمائي
الدولي
ما رأيك في دور المهرجانات
في
الارتقاء بواقع السينما العربية ؟
دور
المهرجانات مهم جداً لانها تعتبراحتفالية سينمائية من اجل القاء الضوء علي
الثقافة السينمائية في مصر وان صناعة السينما في مصر هي اقدم صناعة بالشرق
الاوسط فقد بدأنا هذه الصناعة بعد فرنسا التي بدأت هذه الصناعة عام 1895 مع
اول فيلم صامت ،اما مصر فبدأت هذه
الصناعة عام 1896 ثم قدمنا سينما صامتة روائية بدأت عام 1927 مع فيلم "
ليلي " وفيلم " قبلة في الصحراء " ثم نطقت السينما مع فيلم " اولاد الذوات
" عام 1935 وهذا تاريخ مهم جدا ولم يكن هناك فيلم تركي او ايراني بل كانت
فقط في فرنسا وهوليوود بدأت بعدنا ولكن للاسف هناك
الكثيرون لا
يعلمون كل هذا .
·
ما القضايا التي
تنوي
تناولها من خلال أعمالك القادمة ؟
أي
قصة جادة
فيها ثقافة وفهم
ووعي احب ان اقدمها .
·
في رأيك
هل الايرادات هي
المعيار
الحقيقي
لنجاح
الفيلم ؟
الايرادات ليست المعيار في
اي زمن واعظم افلامنا لم تنجح بل ان
اعظم ما صنعته السينما المصرية لم ينجح والذي اصبح تاريخها
الآن مثل " باب الحديد " و" الناصر صلاح الدين " و"الاختيار " و"بين السماء
والارض" لصلاح أبوسيف لم ينجح لأن الوعي السينمائي سابق للوعي الجماهيري
والافلام التي خاطبت شباك التذاكر كان مستواها الفني لم يكن بالقدر المتوقع
لها ولكن كان لها مستوي جماهيري
.
·
ما الجديد لدي المخرج عصام
الشماع ؟
لم اخطط بعد لاي عمل بعد فيلم "الفاجومي".
جريدة القاهرة في
21/12/2010
أفلام الكوميديا.. لم يضحك أحد
بقلم : د. وليد سيف
كان تاريخ عرض فيلم (إسماعيلية رايح جاي) في عام 1997 هوالحد الفاصل
بين زمن سينمائي وآخر في مصر، أوالإعلان الحقيقي عن ظهور مرحلة سيادة
الفيلم الكوميدي . فأصابت حمي الكوميديا الغالبية العظمي من إنتاج السينما
المصرية . وأصبح شرط الصعود إلي عرش النجومية هو امتلاك الموهبة الكوميدية
. والمؤسف أنه من بين كل أنواع الكوميديا كانت الهزلية هي الرائجة وإن كانت
هبطت في كثير من الأحيان عن الشروط الصحيحة للفيلم الهزلي نفسه كنوع من
الدراما له أصوله ونماذجه .
وربما لهبوط مستوي الفيلم الكوميدي
في
غالبية الأعمال وإنحداره عن أدني
مستويات الفن بل والذوق بدأت حالة التراجع
.
وبعد نجاح الفيلم
الاجتماعي (سهر الليالي)
2003
جاءت
مرحلة جديدة
أهم ما
يميزها فنيا هي
الديناميكية والتغير المستمر في
نوعية
الموضوعات
والأفلام وخريطة النجوم،
وتوجهات الجمهور التي
انقلبت في دورة شبه كاملة من سيطرة تامة للفيلم الكوميدي ونجومه إلي انقلاب
تام في الموازين والبحث عن معادلات البطولة الجماعية وتنويع الموضوعات إلي
حد غير مسبوق .
لكن الخطير أن حالة الفيلم الكوميدي تدهورت إلي
حد إصابتها بالهزال والأنيميا والجفاف . واعتقد أنه لولا انتعاشة مفاجئة
في آخر موسم، كادت الأمور تصل خلال العام الحالي إلي ما ينذر باختفاء هذا
النوع من علي خريطة أفلامنا
.
سيطرة الإفيه
استهل هذا العام أفلامه الضاحكة بشريط هزلي بعنوان (كلمني شكرا) كأول
بطولة لعمروعبد الجليل ومن إخراج خالد يوسف . في هذا
الفيلم شغلت
مساحات كبيرة
من السيناريوحكايات ومواقف الكومبارس
إبراهيم توشكا وسعيه الدءوب نحوكسب ملاليم تعينه علي
مواصلة الحياة وتحقيق حلمه الساذج بالنجومية . فهو
يشارك في
برامج التوك
شو كأحد أفراد الجمهور .
وهو
يستغل فرح
يقام بحارته للتصوير كمقدمة لمشاهد مزيفة لبرنامج مشبوه عن الدخلة البلدي .
وهو لا يتورع عن استغلال أمه لتمثيل مشهد ملفق لإثارة قضايا عن التعذيب
بأحد أقسام الشرطة . وهي مواقف كان بالإمكان أن تتصاعد وتصنع فيلما كاملا
في حد ذاتها، ولكن تتوه من خالد يوسف الفكرة في ظل استسلامه للإفيه الذي
لوكان تمكن من مقاومته لأفلح في تحقيق كوميديا سوداء عن تكنولوجيا العصر
التي يوظفها البعض كوسائل للانحدار إلي مزيد من التخلف والفشل والضياع
.
وإن كان المخرج قد اجتهد علي المستوي البصري في صنع صور صادقة وطريفة
مستعينا بكاميرا سمير بهزان تبرز عشوائية الشكل في البيوت
والملامح . وبديكورات
حامد حمدان الأقرب لواقع الحارة اليوم المختلف عن
الأكلاشيه
التقليدي
الذي
سئمناه
في
أفلامنا
.
فتختلط فيها
مظاهر الشعبية مع العشوائية وتلتف فيها أسلاك وصلات الدش المسروق
كما تلتف حبال التكنولوحيا حول أعناقنا . أما عمروعبد الجليل
في
أول
اختبار له كبطل كوميدي فيتمكن من تأكيد موهبته وتجسيد ملامح خاصة لإبراهيم
توشكا قد تتشابه مع شخصيات قدمها من قبل ولكنها تملك صفاتها المميزة .
فعمروصاحب موهبة كبيرة تنطلق بعد سنوات من الصبر والصقل ولا ينقصها سوي أن
توظف في إطار مناسب وفي شخصيات مرسومة بعناية.
ضياع الأسلوب
وجاء موسم الصيف بثلاث محاولات للكوميديا أولهم كانت مع أحمد حلمي في
(عسل إسود) والذي غلب علي كوميديته طابع القتامة . ولكن أخطر ما يعانيه
هذا الفيلم من بين معظم ما قدمه أحمد حلمي سابقا هو الخلط بين التهريج
والكوميديا . . أما محمد سعد في (اللمبي
8
جيجا)
فهويواصل مسيرة
انحداره بالكوميديا إلي
الهاوية
وهومصمم علي
أن
يظل حريصا علي
إصدار أشرطة التهريج التي
تسيء للكوميديا بدلا من أن تدفعها إلي
الأمام
علي
الرغم من طاقته الهائلة وإمكانياته الخارقة
في
الأداء صوتيا وحركيا
.
ثم جاء فيلم (لا تراجع ولا استسلام) كآخر أوراق النجوم السوبر في
كوميديا موسم الصيف، ليحقق تراجعا في أسهم أحمد مكي . وهويلعب في الفيلم
شخصيتين إحداهما مجرم والآخر ساذج سينتحل شخصيته للإيقاع بعصابته وهوموضوع
مكرر بطريقة مستفزة . ويبدو أن صناع هذا الفيلم كانوا يعتقدون أن
الكوميديا وحدها لا تكفي فراحوا يغلفوها بطابع مبالغ فيه من الحركة
والمطاردات التي أصبحت أفلامها موضة أكثر رواجا . وكان من الممكن إخضاع
مشاهد الحركة للطابع الكوميدي فيحافظ الفيلم علي اسلوبيته.
ولكن جاءت مشاهد البداية بعيدة تماما عن أجواء الكوميديا وكذلك جاءت
مشاهد مطاردة النهاية، التي
لا
يمكن إعتبار رداءة تنفيذها دافعا للسخرية من فقرنا
في
هذا
المجال،
لأنها
ببساطة
فكرة غير واردة
إلا
في
ذهن صناع
الفيلم .
وهنا بالتحديد يكمن
الفرق بين الفيلم الكوميدي
وبين نمر الضحك وبرامج
السيت كوم . ففي
الكوميديا
السينمائية من المفترض أن كل
تفصيله تعمل في خدمة إطار وبناء عام ورؤية وأسلوبية يحققها المخرج للوصول
لهدفه الذي صنع العمل من أجله وليس لمجرد إثارة الضحك . وهنا أيضا يكمن
تراجع الفيلم وإستسلامه لمفهوم ساذج للكوميديا .
علي الجانب الآخر لا يمكن إنكار ملامح ساخرة واجتهادات واضحة في اتجاه
الكوميديا في أفلام موسم العيد الصغير تفاوتت مستوياتها في النجاح والقدرة
علي الإضحاك بين أفلام (الثلاثة يشتغلونها) و(عائلة ميكي) و(سمير وشهير
وبهير) و(الرجل الغامض بسلامته) . ولكن هذه المحاولات والنجاحات المحدودة
لم تكن كافية لإنقاذ الفيلم الكوميدي وإعادة ثقة الجمهور إلي
مشاهدته والانتعاش
إلي
سوقه .
وجاء موسم العيد الكبير ليشهد إنفجارا كوميديا وانفرادا
شبه تام
لهذا النوع الذي
سيطر علي
الافلام الاربعة التي
تنافست علي
إيرادات
السوق . ولم يخرج عن سياق الافلام المرحة في
هذا الموسم
سوي
فيلم
(بصرة) للمخرج
أحمد رشوان . وهوفيلم علي الرغم من قيمته
الفنية
إلا
أنه لم يعرض إلا في شاشتين ولم يحظ بدعاية تذكر، فضلا عن طبيعة موضوعه
الجادة التي لا تناسب جمهور العيد ، فخرج سريعا من المنافسة .
ضحك أم كوميديا ؟
وتصادف في هذا الموسم أن يعود أحمد حلمي إلي مساره الكوميدي بعد غياب
في فيلم (بلبل حيران) وأن يوقف أحمد السقا سلسلة أفلام العنف في استراحة مع
فيلم مغامرات مرحة لا يخلو من نقد اجتماعي هو(ابن القنصل) . وكانت المفاجأة
أن ينضم محمد رجب إلي قافلة الكوميديا في (محترم إلا ربع) . وهونجم بدأ
مسيرته بأدوار الشر ثم اتجه إلي أفلام الحركة وها هويكشف عن قدرات كوميدية
خفية
.
أما
النجم الكبير عادل إمام فإنه علي
الرغم من طبيعة موضوعه المأساوية في
(زهايمر)
عن
جحود الأبناء إلا أنه يجتهد بخبرة ومهارة
في
أن
يغلفها بإطار
من الكوميديا .
بينما تاه أحمد حلمي
في (بلبل
حيران)
وحقق فشلا ذريعا في
رأيي نتيجة لعدم فهم كاتبه لطبيعة الفيلم الكوميدي العاطفي الذي له شروط
ومواصفات أخري تختلف تماما عن كوميديا الفارس . فأفسد الفيلم لجوءه إلي
الكوميديا اللفظية وغياب الحس العاطفي والإنساني وهي أهم شروط هذا النوع .
وربما لا يختلف الأمر كثيرا في تجربة محمد رجب ولكن يشفع له أنها أول
كوميديا صريحة يقدمها بعد نجاحه في الكوميديا الخفيفة التي قدمها في فيلمه
السابق (المشمهندس حسن) .
وتعد تجربة (ابن القنصل) للمخرج عمروعرفة
هي أنضج التجارب في رأيي فهوفيلم يعبر عن الفهم الصحيح للعمل السينمائي
باعتباره عملاً جماعياً يقوده مخرج لديه رؤية. وتتوزع مساحات أدواره تبعا
لأهميتها الدرامية وليس طبقا
لشروط النجم . مع ابن القنصل سوف
تعيش حالة من المرح وسوف تستمتع بذكاء الفيلم
.
وسوف تضحك بالتأكيد في
لحظات
كثيرة . ولكن هذا لا
يعني
انتماء الفيلم للكوميديا بشكل
مطلق، فهو فيلم مغامرات بالدرجة الأولي يعتمد علي جهل المشاهد والشخصيات
بالملعوب أوالمؤامرة التي يجري تدبيرها لإحدي الشخصيات . ومن هنا تغيب
الكوميديا للحظات كثيرة . ويقترب البناء من الشكل البوليسي ويبتعد عن الشكل
الكوميدي الذي يعتمد غالبا علي أن الجمهور يعرف تفاصيل المؤامرة ويعيش
لحظات طويلة من الضحك وهويشاهد ضحيتها وهويقع في شر اعماله .
وهكذا ورغما عن اجتهادات ونجاحات البعض وقدرة عدد من الأفلام علي إثارة
الضحك، إلا أن مدرسة الكوميديا لم ينجح فيها أحد . لأن الأفلام الكوميدية
إعتمدت علي النجم الأوحد وإيفيهاته، بينما الأفلام التي
أثارت الضحك بالفعل هي
أفلام لا تنتمي
إلي
النوع الكوميدي
بالأساس وإن كانت
تتمتع ببعض الملامح الكوميدية مثل
(زهايمر)
و(ابن
القنصل) .
أعتقد أن
الكوميديا سوف تظل في
خطر مع استمرار
سيطرة النجوم علي
مقدراتها واستسلام النص
لارتجالاته
وانصياع المخرج لشروطه .
وهوأمر مؤسف جدا للكوميديا السينمائية المصرية العريقة التي شهدت تفوقا
وتميزا كبيرا علي أيدي مخرجين كبار منذ فجر السينما وحتي الستينات مثل
نيازي مصطفي وفطين عبد الوهاب وعباس كامل الذين أخلصوا لها وأبدعوا روائعها
. واستسلم لشروطهم وتوجيهاتهم كبار نجومنا ومنهم رشدي أباظة وصلاح ذوالفقار
وشادية وعمر الشريف وسعاد حسني .
جريدة القاهرة في
21/12/2010
«ابن
بابل».. وحدائق الموت
المعلقة!
بقلم : هشام لاشين
يمكننا اعتبار هذا الفيلم هو الأكثر احتفاء في كل المهرجانات الدولية
والعربية.. فهو حاصد الجوائز الكبري بلا منازع.. في بروكسل نال الجائزة
الكبري للدورة الحادية عشرة من مهرجان سينما المتوسط.. وفي الدورة السابعة
لمهرجان "سيفيليا" الاسباني للسينما الاوروبية، أعلن المنظمون فوزه
بالجائزة الكبري للمهرجان، وهي جائزة "الجيرالدا الذهبية" وقالت اللجنة في
بيان اعلان الجوائز، ان الفيلم هو "اول فيلم طويل مهم عن العراق" لانه
"يحكي احدي التراجيديات الاكثر غموضا في عالم اليوم"،
كما أنه
يظهر "بلغة سينمائية خلاقة صورة الكارثة التي
حلت في
العراق" وكان لافتا
أن يحصل الفيلم علي كبري
جوائز مهرجان مخصص في
الاساس للسينما
الاوروبيةأما مهرجان برلين
السينمائي
فقد حصل
فيه الفيلم علي
جائزتين لعام 2010،
الجائزة
الأولي
هي
جائزة افضل فيلم من منظمة العفو الدولية، وجائزة الابداع
السينمائي. وقد خصص فريق انتاج الفيلم مبلغ الجائزتين وهو سبعة آلاف
وخمسمائة يورو لدعم حملة التوعية للمقابر الجماعية في العراق.أما مهرجان
أبوظبي السينمائي فقد أعلن عن اختيار المخرج العراقي محمد الدراجي من قبل
مجلة "فارييتي" للفوز بجائزة "مخرج الشرق الأوسط" التي تقدمها المجلة في كل
عام وقد وصفت مجلة "فارييتي" الدراجي بأنه "السينمائي الأكثر اجتهاداً في
المنطقة" وأشادت بتصويره الآسر للحياة في عراق ما بعد صدام، الموضوع الذي
تناوله في كلّ من أعماله الوثائقية والروائية. وقد تلقي فيلم "ابن
بابل" منحة مهرجان أبوظبي
السينمائي
وتم ترشيحه إلي
مسابقة جائزة الأوسكار للأفلام الأجنبية لعام 2011، وبهذا
يدخل التاريخ كأول فيلم عراقي يترشح لهذه الجائزة العالمية..
وعلي
الجانب الآخر فإن فيلم (ابن بابل)
شارك في
انتاجه عشرات الشركات الكبري
في
أمريكا وأوروبا والعالم العربي حيث يمثل "ابن بابل" تعاونًا عالميا؛ اجتمع
فيه عدد كبير من المنظمات ذات الثقل، وتشمل منظمات من المملكة المتحدة
وفرنسا وهولندا والولايات المتحدة، مثل
Sundance Institute
(الولايات المتحدة)، والمجلس السينمائي بالمملكة المتحدة، و
Screen Yorkshire (المملكة
المتحدة)، وCNC (فرنسا)، وHivos،
وDoen،
وصندوقي نيدرلاند وروتردام للسينما (هولندا)، بينما تولي المبيعات العالمية Roissy Film
فرنسا. ..كما شارك في إنتاجه صناع السينما مثل المخرج الفلسطيني رشيد
مشهراوي والمخرج اليمني بدر بن حرسي والمؤلف
الجزائري
كاد عشوري
والإعلامية
المصرية نشوي
الرويني ..
وهو فيلم
لايختلف علي روعته وشجنه وصدمته
اثنان وإن كان التحفظ الوحيد
هو عدم إدانته الواضحة
للاحتلال الأمريكي
للعراق.. علي
العكس فهو
يكاد
يرحب به
من وجهة نظر مشاركيين في إنتاجه وعلي
رأسهم أمريكا وإنجلترا
الضالعتان في اسقاط العراق.
بناء الشخصيات
تدور أحداث فيلم "ابن بابل" في شمال العراق، عام 2003، بعد مرور
ثلاثة أسابيع علي سقوط صدام حسين، حول أحمد الصبي الكردي الذي يبلغ من
العمر 12 عاما- ويعيش مع جدته، التي تسمع أن بعض أسري الحرب وجدوا أحياء في
الجنوب، فتقرر أن تعرف مصير ابنها المفقود (إبراهيم)، وهو نفسه والد أحمد،
الذي لم يعد إلي منزله منذ حرب الخليج عام 1991
وتمتد رحلة البحث التي تجمع الاثنان..الجدة والحفيد طوال أحداث الفيلم
حيث تذهب إلي بغداد ثم إلي الناصرية وبابل وفي الطريق تمتد المشاهدات ويحدث
التنوير لتكتشف أن الابن في
الغالب ضمن عشرات المشوهين والمدفونين في
مقابر جماعية تمتد
بطول الرحلة .
يستهل
الفيلم أحداثه
متسللا بنعومة، حيث تراقب الكاميرا
الطفل أحمد
يجري
في
صحراء العراق المترامية باتجاه سيارة نصف نقل
يقودها سائق أشعث ليستوقفه طالبا منه توصيله هو
وجدته إلي بغداد بينما يخبره السائق أن الأمر يحتاج إلي 500 دينار ليفاجأ
بثورة الطفل الذي يعتبره مستغلا.. لكن في المشهد التالي يكون الطفل وجدته
في داخل السيارة لنري أحمد يعزف علي الناي الذي كان يمتلكه والده كما نفهم
من الحوار الساخر حيث يطلب السائق من الطفل أن يعزف لمايكل جاكسون في إشارة
إلي الثقافة التي باتت تسيطر فيما بعد الإحتلال .. ويبدأ السيناريو في
الكشف التدريجي وبنفس البساطة والنعومة عن الشخصيات والمعلومات .. فالطفل
يتحدث عن أبيه الشجاع الذي أنقذ أصدقاؤه كما روت له جدته.. وهو يحلم بزيارة
حدائق بابل المعلقة التي
وعدته بها الجدة أيضا.. وهو فخور بوالده الذي
لم
يره منذ
ولادته ويصر علي ارتداء جاكت الجندية الذي
يمتلكه ابوه
وسط
توبيخ
الجدة ..أما
الجدة
نفسها
فهي
محطمة لكن الأمل
يحدوها أن
تصل
بالحفيد إلي
ابيه الذي
هو ابنها أيضا في
سلام.. وأن
تجده ولو في
سجن (الناصرية)، حيث تحتفظ بخطاب من أحد أصدقاء الابن يبلغها أنه تم القبض
عليه أثناء غزو الكويت بواسطة الامريكان وأنه موجود حاليا بهذا السجن..أما
السائق فهو يثرثر طول الرحلة بسخرية من التاريخ ومن صدام حسين الذي يذهب
لقضاء حاجته باسم مكالمة تليفونية معه يلعنه خلالها.. كما يغني أغنيات
كردية بصوت أجش يؤكد فيها حنينه وعشقه لهذا الوطن..والأهم أنه يقرر في إحدي
الدوريات التي تستوقف السيارة أن كلاب أمريكا أفضل منهم!! فهو مازال منبهرا
وسعيدا بدخول قوات الإحتلال علي مايبدو..ونكتشف أن السائق قد فقد بدوره
ابنته التي اختفت منذ عامين
بعد زواجها رغما عنها وعنه.. وحين
يسأله الطفل أحمد (من هم الأنفال) الذين
يذكرهم في
أغنياته
يخبره بأن صدام حسين
قد اتخذ
قرارا
بتدمير
العراق بدأه
بقتل الكردستانيين ثم العرب.. وأنه في
طريقه لذلك قام بتدمير المنازل والقري والأطفال والعائلات وهم
يسمون(الأنفال) .. هكذا يمهد السائق لمشاهدات الرحلة التي
سيتابعها الولد والجدة بعد انفصالهماعن السائق في بغداد وبعد أن تكون علاقة
إنسانية ما قد نبتت بين السائق وأحمد مما يدفع الاول لإعادة النقود له فيما
يناديه الثاني (بعمي).. خطوة إنسانية في اتجاه نضج الطفل التدريجي وبناء
الفيلم ذاته والذي يعتمد علي التراكم خلال هذه الرحلة الكاشفة والتي تقطر
مرارة وشجن ونبل إنساني .
رحلة البحث
وإذا كان هذا هو الامر فيما يخص الشخصيات فإن الرحلة ذاتها وسواء من
الشمال إلي بغداد أو بعد ذلك تكشف بدورهاعن أشلاء بلد.. حرائق في بعض
المباني وفوضي
وقذارة وكأننا عدنا للعصور الوسطي..
وفي
بغداد
يجلس الثنائي (أحمد وجدته) في
المحطة الرئيسية بانتظار الحافلة المتجهة إلي الناصرية.. في
هذا اللوكيشن سوف نري
كل الجدران مشوهة بكتابات وشعارات مختلفة من
نوعية (يسقط البعث)
يبرز من بينها (مرحبا ببغداد صدام..
عاصمة العرب).. هكذا هي عاصمة العرب محتلة ومنكسرة ومشوهة.. الصورة تشي
بذلك بينما تجلس نساء عجائز يفترشن الارض بشكل قروي فوضوي.. وحين تأتي
الحافلة يتدافع الركاب في زحام غير آدمي بالمرة ويكاد يتوه الحفيد الذي
تدفع به الجدة من نافذة الحافلة للداخل وتفشل في اللحاق بها بعد التحرك
ليتوالي صراخ أحمد.. وينجح صديقه (قاسم )الذي تعرف عليه في ساحة انتظار
السيارات في إيقاف الحافلة وتسليم الحفيد للجدة الملتاعة.. لنري مشهدين
متتابعين لهما دلالة في اتجاه نفس التراكم الإنساني الذي يعتمد عليه بناء
الفيلم.. الأول لوداع أحمد لقاسم
رغم الدقائق القليلة التي
جمعتهما كصديقين والثاني
للفزع الرهيب الذي
سيطر
علي
الطفل
وكذلك الجدة عنما شعر كلاهما بإمكانية الافتراق عندما سارت الحافلة بعيدا..
فهناك خوف وارتباط ..فزع من
المجهول ومن تكرار اللوعة والاختطاف بعيدا.. وحين
يتقابلان مرة أخري
يرتميان في حضن طويل يكشف طول المشهد فيه وكذلك أداء الممثلين عن لحظة
مدهشة من الحميمية في مجتمع يفقد فيه الأحباء كل يوم دون عودة.. هاهي
الرحلة تكشف لأحمد عن عواطف جديدة وصداقات سوف تتصاعد قبل أن يحل الفراق
ودائما.. .
دلالات وقراءات
داخل الحافلة المتجهة للناصرية يحدث الصبي جدته عن خوفه من الموت..
فتروي له قصة سيدنا إبراهيم مع ذبح سيدنا إسماعيل.. ينام الصبي علي حكاية
الجدة دون أن يتوقع أن أول توقف للسيارة المتهالكة سوف يكون بجوار بيت أو
مقام كبير مكتوب عليه (بيت نبي الله إبراهيم ابو الانبياء) وحين يهرع ليزف
البشري
لجدته شبه النائمة بالحافلة (جدتي
..
إبرهيم ..
إبراهيم) فتسأله في
سذاجة(أبوك؟)
فيقول
لها( لا..
النبي)..
فتعاود
النوم في لامبالاة..وفي
الناصرية يبدأ
السؤال عن مكان السجن لنكتشف ومعنا ابطال الفيلم أن معظم ركاب الباص من
النساء متجهات إلي
هناك..ليبدأ فصل جديد من المأساة حين نكتشف أن المكان ماهو الا تجمع لإعلان
أسماء المفقودين في مدافن جماعية .. ونري نحيب النساء وغنائهن الفلكلوري
الحزين لرثاء شهدائهم.. الطفل الكردي الذي يفهم العربية يصرخ ويثور حين
لايجد اسم أبوه.. يجري في اتجاه الزنازين المهجورة.. يردد في هستيريا(
أبي.. أين أنت؟) يندفع للأسماء المعلقة علي الجدار عله يجد أي خبر عن الأب
دون جدوي.. وحين يلتفت لجدته يجدها منكبة فوق صورة الاب التي ترافقها داخل
برواز ملقي علي التراب .. وكأنها تشم رائحته في المكان وتقول للصبي( أبوك
هنا).. هذا المشهد يتكرر مع الجدة في كل
مرة
يذهبان
فيها للبحث عن مقبرة جماعية.. وهو مشهد
يريد به المخرج أن
يقول..
انه
ليس مهما أن
يكون إبراهيم في
مقبرة بعينها.. فهو مثل الألوف موجودا بأحدها..
وهذه الأماكن ماهي
إلا نصب تذكارية لمفقودين بنفس
الطريقة..
ولذلك تصر
قبل
مشهد النهاية علي
أن جثة ابنها التي صارت عظاما وجماجم هي جثة بعينها في أحد المقابر
الجماعية.. وحين يبدأ الحفيد في قراءة الاسماء المرفقة بكل جثة في المقبرة
لايكون الاب من بينها.. ويبلغ الجدة بذلك لكنها وبنفس الدلالة الرمزية تصر
علي أن إحداها هي للابن.. فأي جثة من هؤلاء يمكن أن تكون هي.. كما يكشف هذا
المشهد بدوره ومن خلال الاسماء التي يتلوها الحفيد أن كل الاعراق موجودة..
فالمقابر لم تفرق بين شيعي أو سني أو مسيحي أو كردي.. الجميع كانوا ضحايا
القتل الجماعي والدفن أحياء.. وهذا المعني في الحقيقة يمنح الفيلم ابعاداَ
إنسانية أكبر وأخطر.. فابن بابل
يمكن أن
يكون أي
عراقي..
الجميع ضحايا الفاشية والجبن..وحين
يلتقي
ثنائي
الفيلم
عبر رحلتهما (بموسي)
الذي
كان ضمن قوات الحرس
الجمهوري
التي
استخدمت
في
القتل دون
ذنب
يستمر الفيلم
في
بناء
الجدار الإنساني
الذي
يتصاعد.. ويسعي
موسي للتكفير عما اضطر إليه لتسامحه الجدة الرافضة له في النهاية.. فموسي
الذي قتل كان مثل نبي الله هو الآخر.. لقد تورط ثم تاب وبدأ في الإصلاح ..
تماما مثل إبراهيم الذي افتدي ابنه وكان الابن له من الصابرين مثلما كان
المبتلي من عبدة الأصنام بوضعه في حفرة حياً لحرقه.. فدلالات الاسماء ليست
ببعيدة كثيرا عن سياق الفيلم وبنائه الدرامي .. وربما كانت الجدة هي نفسها
سارة أو هاجر التي سارت الرحلة مع سيدنا إبراهيم بكل قسوتها ومعاناتها.
حدائق الموت
ويبدو استخدام الناي مع الحفيد وقراره بأنه يتمني أن يصبح موسيقيا
لاجنديا كما كان يتمني طول الفيلم بدوره يحمل ذلك
المعني
الشاعري
الحالم.. فالرصاص لن
يكون الامل لإنقاذ هذا المجتمع وإنما الناي
والحلم
والموسيقي..
إننا نكتشف أن
إبراهيم
ذاته لم يكن
يوما جنديا أو
قاتلا
وإنما موسيقي
حالم قضت نزوات الديكتاتورية علي
حلمه
بالمدينة الفاضلة.. أما الحفيد فهو
نسخة من هذا الأب ولذلك تناديه الجدة كثيرا بإسم إبراهيم بينما يبدو
مستغربا أحيانا..أن شخصية الجدة التي تبدو أنها قد بدأت تفقد صوابها يرسمها
السيناريو بأبعاد أخري يمكن أن تدلنا علي أنها في منتهي الحكمة.. بل هي
ضمير جيل كامل في هذا الفيلم .. جيل عاني الاضطهاد وسرق منه الامان ورغم
ذلك ظل متمسكا بالامل وبالحكمة.. الآن تمر حدائق بابل (التي كانت ذات يوم
حداق معلقة أو من عجائب الدنيا السبع فصارت حدائق للموت) أمام السيارة
التي يركبها الحفيد وجدته.. يبلغها في سعادة..( جدتي.. هاهي حدائق بابل..
جدتي..) لكن هيهات.. لقد آن أوان رحيلها هي الاخري..
لذلك لن ترد..بينما تنزل التترات لنقرأ علي
الشاشة أنه (خلال الأربعين
سنة
الماضية فقد العراق أكثر من
مليون شخص بين أطفال ونساء ورجال.. وحتي
إبريل 2009
اكتشف مايقارب من 300 مقبرة
جماعية تحتوي
مابين 150 إلي 250
ألف جثة.. الغالبية لاتزال مفقودة أو مجهولة الهوية) انها تراجيديا أواخر
القرن العشرين وبداية الحادي والعشرون.. ففيلم (ابنبابل) هو بكائية اللوع
والحرقة وإدانة كل النظم الفاشستية.. انه الفيلم الذي يعري الظلم والهمجية
أينما كانت ليبقي الموت الحقيقة الأزلية والحكمة الأبدية.. وهو نموذج
للبناء الدرامي الذي يمزج الواقعية بالسرد السينمائي المدهش في بساطة
وسلاسة.. انه نفس أسلوب محمد الدراجي في فيلمه الأول " أحلام " حيث حركة
الكاميرا الواسعة .. واللقطات الثابتة الطويلة والأحجام القريبة
والمتوسطة المجسدة لخلجات الممثلين والذين هم في الغالب من الناس العاديين
غير
المحترفين لتأكيد
النزعة الواقعية.. ولكن هيهات أن
يكون هؤلاء من غير المحترفيين.. فنحن أمام جدة تستحق الاوسكار بلا جدال عن
هذا
الأداء المدهش والذي
جسدته كما لو كانت بالفعل قد عاشت هذه المأساة.. والصبي
بدوره كارثة تمثيلية في
كل لفتاته وانحناءاته.. صراخه ودموعه.. كل شيء.. والحقيقة أنه
لولا وجود مخرج متمكن لما أمكن أن نحصل علي هذا الاداء العبقري.. انه
بالفعل العمل الفني الخارق بصدقه وإحكام بنائه وشمولية قضيته.. ربما لكل
هذه الاسباب وغيرها استحق كل الجوائز التي نالها والتي سيحصدها.. مثلما كان
جديرا به أن يشارك في إنتاجه كل هذه الشخصيات والمؤسسات.. فإذا كان (ابن
بابل) قد تم إهداؤه إلي كل مفقود.. وكل عراقي.. فإننا نراه جديرا أيضا أن
يهدي لكل طلبة معهد السينما في العالم.. فهو درس بليغ في الصدق والشجن
والمتعة.. حتي لحظات النهاية ومابعدها!!
جريدة القاهرة في
21/12/2010 |