هناك رقعة من مدينة لوس أنجليس تعودت زيارتها منذ أول مرة وطأت قدماي
المدينة. الرقعة هي حي اسمه وستوود فيلاج ذكرني أول ما توجهت إليه بشارع
الحمرا ومنطقة رأس بيروت في مدينتي الأولى، إذ فيه جامعة، وفيه مستشفى وفيه
مطاعم وصالات سينما ودكاكين ملابس ومكتبات. الحي كان مدينة ديزني بالنسبة
لي ولمن يعشق السينما مثلي، فقد توزعت في أرجائه إحدى عشرة صالة بعضها حمل
أكثر من شاشة وكان في الثمانينات المكان الذي يفضله الرواد كبارا وصغارا.
ثم نبعت في منطقة ليست بعيدة اسمها سنتشري بلازا مجمعات فيها كل ما في الحي
من وسائل تبضع وترفيه بما في ذلك سينمات كبيرة وحدثت في التسعينات جريمة
قتل مروعة في أحد شوارع وستوود فيلاج ما قضى على نسبة ارتياده. الآن، هو
شبح لمدينة سابقة. لا أقصد أنه بلا زوار أو قاطنين، لكن معظم صالات السينما
فيه أغلقت أبوابها، ونصف محلات الشوارع مقفل بانتظار من يستأجرها.
على ذلك، ما زلت أقصد الحي وأفضل مشاهدة أفلامي فيه. نوع من ربط الماضي
بالحاضر وتبادل الحديث مع ذلك الأميركي الذي يبيع الصحف ويعرف عدة كلمات
عربية علمته نصفها، مثل المرور بجانب العمارة التي كانت يوما عبارة عن «داينر»
(مطعم) يفتح 24 ساعة في اليوم ويبيع أطيب همبرغر. كنت آكل هناك وأتخيل نفسي
شخصية من فيلم بوليسي. لعلي كنت كذلك فعلا والمطعم، بالتالي، من خيالي.
* شنت كريستينا أغويليرا نحو خمس عشرة غارة على السينما ما بين عام 1989
والسنة الماضية، لكنها هذا العام تحتل، وللمرة الأولى، موقعا حقيقيا
كممثلة. المرات السابقة كلها كانت من خلال كتابتها مقطوعات موسيقية أو
السماح بشراء أغنيات لها وإعادة بثها في أفلام مثل «مولان روج» و«سبانغليش»
إلى جانب أفلام وثائقية قامت بالغناء فيها وتوجهت أساسا إلى سوق
الأسطوانات.
هذه المرة مختلفة. الفيلم روائي وهي بطلته الأولى ومحور أحداثه. وهي تريد
من المشاهدين قبولها كممثلة وليس فقط كنجمة غناء. تريد من جمهورها أن يعتبر
هذه النقلة بداية جديدة. منعطفا مختلفا وفاصلا لما قبلها وبعدها على نحو
كريستينا قبل هذا الفيلم وكريستينا بعده.
الفيلم بعنوان «بيرليسك» وقد خرج هذا الأسبوع إلى صالات السينما جنبا إلى
جنب «هاري بوتر والمقدسات المميتة». ومع أنه لا يوجد فيلم يستطيع أن يقاوم
سيادة جزء جديد من السلسلة الفانتازية في شباك التذاكر، فإن لفيلم
«بيرليسك» جمهوره المختلف وعليه تتطلع كريستينا إلى التجربة على أساس أنها
رابحة حتى ولو جاء الفيلم في مركز ثان أو ثالث.
القصة مليئة بالكليشيهات: فتاة جميلة وطيبة القلب تريد أن ترقص وتغني على
مسرح أحد الملاهي الليلية، لكنها تجد نفسها تعمل نادلة فيه. هذا إلى أن
تتاح لها الفرصة حين تغيب بطلة المسرحية الغنائية عن الحضور فتتصدى للفكرة
وتقنع صاحبة الفرقة الاستعراضية بصلاحيتها. وهي لا تنجح فقط في البرهنة على
موهبتها صوتا وأداء وجمالا، بل تصبح الفنانة الأولى في الفرقة.
رغم الكليشيهات هناك قدر من الجاذبية الخاصة لهذا الفيلم تجسد كريستينا
نصفها ويتوزع النصف الثاني على المواهب المشتركة معها ومنهم المغنية شير
التي تبدو كما لو كانت لا تزال في الأربعين من عمرها، منذ عشرين سنة.
·
هذا الفيلم عن منح الإنسان
الموهبة الفرصة الأولى.هل لك أن تخبرينا من منحك فرصتك الأولى؟
- هذا سؤال مثير يعود بي إلى حين كنت في السادسة من عمري. كان هناك برنامج
تلفزيوني ناجح أعتقد أن اسمه كان «ستار سيرتش».. تستطيع أن تقول إنه سبق
«أميركان أيدول» الحالي وقد اكتشف موهبتي في الغناء مبرمج مواهب قدمني في
إحدى الحلقات وبعد ذلك عدت إلى حلقات أكثر واستمددت من نجاحي المبكر الرغبة
في ممارسة فن الغناء حين كبرت. طبعا هذا لم يكن من دون مساعدة شخص آخر أصبح
مدير أعمالي في ذلك الحين ووجهني تبعا لاتصالاته ورعايته. كانت المهنة
حينها حافلة بالقيم الاجتماعية والأخلاقية والفنانون كانوا مثل عائلة
واحدة. هذا ما أذكره.
·
هذا أول فيلم روائي لك، وهو جديد
كتجربة ليس فقط من حيث قيامك بالتمثيل بل أيضا من حيث إنك أنت منتجة
أعمالك. هنا أنت تحت إدارة آخرين. كيف تجدين الفارق؟
- الفارق كبير جدا. لقد اعتبرت نفسي مثل الإسفنجة. أردت أن أتعلم كل شيء
وطلبت من الجميع أن لا يوفر نقدا أو ملاحظة لأنني أعرف قيمة الخبرة. لا
أقول إنني كنت وجلة من التجربة التي أقدمت عليها، لكني كنت في وضع أراقب
فيه نفسي جيدا وأحاول أن أستشف مواقع الصدق فيما أمثله. والحقيقة لم يكن
هذا صعبا لأن الدور ينص على أنني في الفيلم مغنية وهذا بالفعل ما أنا عليه.
·
كيف يختلف الأمر عن تمثيلك فيلما
من أعمالك الموسيقية؟
- في تلك الأفلام أقوم بتمثيل نفسي. هنا مثلت دور مغنية من المفترض أنها
ليست أنا، إلا حين يربط المشاهد الشخصية بي وهذا خارج عن نطاقي. لكنه دور
مختلف لشخصية مختلفة. هذا تمثيل فيه دراما وفيه كوميديا وبعض المواقف
العاطفية. أفلام الغناء الأخرى هي كريستينا تغني وكريستينا تمثل. كل شيء هو
كريستينا. حين قبلت تمثيل هذا الدور قلت للمخرج ستيف أستين: لا تبخل علي
بملاحظاتك. عاملني كمبتدئة. كنت أريد لكل شيء أن يبدو حقيقيا وخصوصا مشاعري
وانفعالاتي. وأساسا كنت أريد الانفصال عن كريستينا أغويليرا وأصبح الفتاة
التي في الفيلم رغم صعوبة ذلك في الواقع.
·
كيف وجدت شير عن كثب؟ هل تحدثتما
كثيرا حول عملكما في هذا الفيلم؟
- لم نتحدث كثيرا حول الفيلم لكننا تحدثنا كثيرا عن حياتنا المهنية والخاصة
بشكل عام. شير واحدة من أيقونات الغناء والتمثيل في العالم وكنت سعيدة
للغاية لهذه الفرصة التي جمعتنا. لكن علي أن أقول لك إننا لم نلتق في هذا
الفيلم إلا بعد تصوير نصف مشاهدي. لقد بدأنا بمشاهدي على المسرح. تلك
المشاهد الاستعراضية المختلفة ولم تكن شير هناك. ثم انتقلنا بعد ذلك إلى
المشاهد التي كنت أمثل فيها وتلك التي مثلتها أمام شير. لقد علمتني الكثير.
أيضا استفدت من خبرة ستانلي توشي ونصائحه.
·
إذن تكلمتم عن دورك أو شخصيتك في
الفيلم؟
- المراقبة كانت العامل الأساسي. لقد تابعت تمثيل ستانلي وشير عن كثب. كنت
حاضرة في معظم المشاهد التي تم تصويرها لهما حتى وإن لم يكن وجودي مطلوبا.
هذا ما أعنيه بأني كنت مثل إسفنجة. كنت هناك لامتص كل شيء.
·
هل تحبين السينما أم تحبين هذه
الفرصة لتمثيل هذا الفيلم؟
- أنا فعلا واقعة في حب السينما منذ أن كنت طفلة. شاهدت ووالدتي الكثير من
الأفلام حين كنت صغيرة. ودائما ما أتابع الأفلام الجديدة. كل فيلم أسمع أنه
جدير بالمشاهدة لا أتأخر عن مشاهدته. هل يجعلني ذلك عاشقة للسينما؟ أعتقد
أن الجواب نعم.
·
طبعا. لكن ماذا عن ممثلاتك
المفضلات؟
- أحب تمثيل كيت بلانشيت وكيت وينسلت. أحب أن أمثل في المستقبل أدوارا
درامية من دون غناء وأن أذهب بتلك الأدوار إلى حيث تمضيان. إنهما يسحبان
المشاهد في شخصياتهما ودائما الشخصيات جديدة بحيث تستطيع أن تنسى أنك
تتابعهما وتندمج في شخصياتهما المختلفة. أعتقد أني أحب أي ممثل يحقق عملية
الانتقال من شخصيته المعروفة إلى شخصية جديدة. لذلك أحببت جدا أنجلينا جولي
حين لعبت كانت جديدة ورائعة.
·
هناك مسألة تثير المقارنة. في
الفيلم تؤدين شخصية فتاة مضطرة لأن تعمل نادلة وتعيش في شقة صغيرة. إنها
فتاة عاملة بلا ريب. وأنا أعلم أنك جئت من خلفية متواضعة اقتصاديا. هل
استمددت بعض التجارب الواقعية أو بعض المشاعر الخاصة من خلفيتك لتمثيل هذا
الدور؟
- ملاحظتك صحيحة، لكن الفتاة آلي (في الفيلم) لديها خلفية تختلف بعض الشيء
عن خلفيتي الخاصة. في سنها لم أكن مستقلة تماما وأعيش في المدينة الكبيرة.
ولدت في بلدة صغيرة لعائلة متواضعة ووالدي كان عسكريا مما اقتضى انتقالنا
من مكان لآخر طوال الوقت. إذا ما كانت هناك مشاعر مشتركة استعرتها من
خلفيتي فهي مشاعر لم أقصد التعبير عنها. ربما تسللت ضمنيا إلى أدائي.
·
حتى من دون هذا الفيلم أنت نجمة
مشهورة لديك معجبون كُثر. كيف عالجت مسألة الشهرة؟ أسألك هذا لأن العديد من
النجوم ينزلقون أول ما يصبحون مشهورين.
- الفضل في ذلك لوالديّ. فأبي علمني النظام وتقدير الوقت وحثني على
الالتزام، وأمي علمتني أنني إذا ما قررت شق طريقي في مهنة ما فعلي أن أركز
جهدي ولا يشغلني شيء عن متابعة تلك المهنة. بتعبير آخر أن أكون جادة وأن
أجعل هدفي الذي وضعته نصب عيني الدافع الذي ينتقل بي إلى الأمام. بهذه
النصائح واجهت مراحل حياتي. لم أكن أريد أن أترك نفسي أتوه. دائما على
الخط. دائما مندفعة لتحقيق ما انطلقت من أجل إنجازه.
·
هل لديك مشروع فيلم جديد بعد هذا
الفيلم؟
- لا. لم أبحث عن مشاريع بعد. أريد أن أرى كيف سيستقبل هذا الفيلم. وأريد
فسحة من الوقت لكي تأتي اختياراتي مدروسة. هذا أهم عندي من استغلال الفرصة
للانتقال من فيلم إلى فيلم.
الشرق الأوسط في
26/11/2010
مهرجان القاهرة يهدي إليه دورته
محمود المليجي.. المواطن السينمائي الأول
القاهرة: طارق الشناوي
مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الذي يفتتح الثلاثاء المقبل يهدي دورته
رقم «34» إلى كل من محمود المليجي وأمينة رزق، بمناسبة عيد ميلادهما
المئوي.. ورغم العطاء الخصب لأمينة رزق التي تركت بصمة لا تمحى في الحياة
الفنية فإن اسم محمود المليجي يظل هو العنوان الأكثر تعبيرا عن التمثيل
السينمائي.. إنه الوجه الأكثر تكرارا وعمقا في السينما المصرية، يكفي أن
نذكر أنه قدم 700 فيلم روائي وهو ما يتجاوز 20% مما أنتجته السينما المصرية
طوال تاريخها، وهو رقم غير مسبوق إلا أن قيمة محمود المليجي تجاوزت الكم
إلى الكيف، فلا شك أنه ترك بصمات لا تمحى في تاريخنا السينمائي.. صحيح أنه
لم يكن طوال مشواره نجما للشباك، ولكنه بهذا التكريم الاستثنائي في هذه
الدورة أصبح هو النجم الأول.
التصق به لقب شرير السينما المصرية، ورغم ذلك فأنا أراه دائما يتجاوز
التعبير عن وجه واحد فقط من الإبداع، فهو أيضا من الممكن أن يصبح زعيما في
عالم الخير.. دولته الإبداعية امتدت تخومها إلى كل الأطياف الدرامية لتجده
وقد استقر رمزا لها، فأنت عندما تقول السينما المصرية، يقفز أمامك على
الفور اسم محمود المليجي.. إنه المواطن السينمائي الأول.. «آدم» السينما
المصرية!! أين يكمن سر وسحر محمود المليجي.. إن كل لمحة من إبداعه من
الممكن أن تقدم لنا مفتاحا وتكشف لنا لغزا.. محمود المليجي بحساب السنين
كان شاهد إثبات على بداية تاريخ السينما المصرية.. ثم إن محمود المليجي
صاحب مساحة عريضة امتدت نحو نصف قرن من الزمان لم يغادر خلالها موقعه في
البلاتوه ولم يسمح له الجمهور بأن يترك مكانته على الشاشة.. إنه بالأرقام -
كما سبق أن ذكرت - صاحب أعلى رقم عرفته السينما للنجوم حيث شارك في بطولة
700 فيلم أي نحو 20% من كل إنتاج السينما المصرية!! ولكن من قال إن الفن
بالحساب والعدد والأرقام فقط.. إن هذا يمثل بُعدا واحدا للصورة ويبقى الأهم
والأقوى تأثيرا من الحجم إنه العمق.. يبقى التنوع.. يبقى التأثير.. يبقى..
يبقى.. يبقى.. أشياء كثيرة تبقى نحاول الإمساك بها!! ولد محمود المليجي عام
1910 في حل المغربلين، وهو أحد الأحياء الشعبية بمدينة القاهرة.. كانت
أمنية محمود المليجي أن يصبح مطربا في المدرسة الخديوية الثانوية، غنى
وطرده أستاذ الموسيقى في تلك السنوات - نهاية العشرينات - الموسيقار محمد
عبد الوهاب لأن صوته نشاز.. ملحوظة نفس هذا الموقف تكرر مع الأخوين مصطفى
وعلي أمين والشاعر مأمون الشناوي والروائي إحسان عبد القدوس، كانوا جميعا
أصحاب الأصوات النشاز وطردهم عبد الوهاب من حصة الموسيقى ليصبحوا بعد ذلك
علامات في مجالات إبداعهم المختلفة!! بعد ذلك عرف المليجي طريقه وهو
التمثيل، وبدأت حياته الفنية مثل الكثيرين مقلدا أساتذته في الفصل الدراسي،
سوف نلاحظ أن التقليد هو بداية أغلب الممثلين، ومر زمن ليصبح المليجي هو
الهدف الأول للمقلدين، لما يتمتع به من ملامح صوتية وشكلية وأدائية مميزة،
وهكذا مثلا تعرف الناس على أحمد زكي لأول مرة عندما قلد المليجي في مسرحية
«هالو شلبي».. أول من تبناه فنيا هي الفنانة الرائدة فاطمة رشدي، حيث التحق
بفرقتها المسرحية منذ نهاية العشرينات وشاركها أول أفلامها «الزواج» عام
1933، هذا الفيلم بعد أن شاهدته فاطمة رشدي، لم يعجبها أداؤها وقامت بحرق
نسخة الفيلم الوحيدة، ولكنه ظل محتفظا بقيمته التاريخية، مشيرا إلى أنه أول
ظهور للمليجي سينمائيا.. التحق بفرقة إسماعيل ياسين المسرحية، وشارك في
كتابة عدد من الأفلام مثل «سجين أبو زعبل».. قال عنه يوسف وهبي، محمود
المليجي هو الممثل الوحيد الذي أستطيع أن أقول إنه أفضل من يوسف وهبي!!
عندما انتعشت السينما المصرية وبدأ الإنتاج السينمائي يزدهر في الأربعينات
كان الاتجاه المبدئي هو أن يتم تقسيم الممثلين إلى طيبين وأشرار.. الطيبون
ملامحهم هادئة ونظرتهم مستكينة، بينما الأشرار ملامحهم حادة ونظراتهم أكثر
حدة، وعلى هذا أصبح المليجي تبعا لهذه القسمة من الفريق الثاني، ويقف في
مقدمة الصف.. لم يقاوم المليجي، اعتبر هذه القسمة مثل القضاء والقدر، ورغم
ذلك استطاع أن يحتل مقدمة الطابور ويصبح «الألفة» بين الأشرار الذين بمجرد
أن ترى ملامحهم تتأكد أنهم سوف يدبرون الجريمة، فكان المليجي هو الشرير
الأول والمجرم الدائم على شاشة السينما، رغم أن كل من عرفوه أكدوا أنه كان
يخاف من خياله!! هل كان محمود المليجي مجرد ملامح تنضح بالشر.. أم أنه
يمتلك شيئا أبعد؟ من المؤكد أن قوة التأثير عند الجمهور لا تخضع فقط لقسمات
الوجه ونبرات الصوت، إن هناك الإحساس والإشعاع اللامرئي بين الممثل
والجمهور، ومحمود المليجي كان لديه هذا الفيض من الجاذبية التي تتيح له أن
يمتلك مشاعر الناس.. وهكذا انطلق المليجي، في أفلام «غزل البنات»، «السجينة
رقم 17»، «أمير الانتقام»، و«من القلب للقلب»، و«البيت الكبير»، و«سجين أبو
زعبل»، و«الحب الضائع»!!
بمقياس شباك التذاكر لم يكن محمود المليجي نجما يقطع له الجمهور تذكرة
الدخول إلى دار العرض.. لقد عاصر محمد المليجي فترات ازدهار كل نجوم
السينما المصرية ومن كل الأجيال؛ يوسف وهبي، ونجيب الريحاني، وأنور وجدي،
ويحيى شاهين، وكمال الشناوي، وفريد شوقي، وعمر الشريف، ورشدي أباظة، ومحمود
ياسين، ونور الشريف، ومحمود عبد العزيز، وأحمد زكي.
ما الذي كان ينقص محمود المليجي لكي يصبح نجما للشباك والاسم الأول على
الأفيش وفي التترات.. مهما حاولنا أن نعثر على أسباب منطقية لمقومات نجم
الشباك لن نستطيع سوى أن نحيلها إلى إرادة لا شعورية تتجمع في لحظة داخل
مجتمع فيتجهون إلى هذا الفنان ليصبح معبرا عنهم سواء كان مطربا أو ممثلا..
نجومية شباك التذاكر لم تكن هي المعبر عن الموهبة أو تفردها، وهكذا يعشق
الجمهور محمود المليجي، لكنه لو قرأ اسمه متصدرا التترات لا يقطع من أجله
تذكرة الدخول لدار العرض.. كان المليجي هو أستاذ فريد شوقي يكبره بنحو 12
عاما وعندما بدأ فريد في الأربعينات أداء دور الشرير على طريقة أستاذه
المليجي.. كان المنتجون يرون في فريد بديلا له، وهكذا كانت الأدوار تعرض
أولا على المليجي وعندما يرفضها يذهبون إلى فريد شوقي.. وبلغ تسامح المليجي
أنه كان بعد الرفض يسارع بالاتصال بفريد يؤكد له اعتذاره حتى يتمكن فريد من
رفع أجره لأنه لا بديل للبديل!! يمر زمن بعدها لا يتجاوز السنوات العشر
ويصبح فريد منذ مطلع الخمسينات نجما جماهيريا وسوبر ستار يقطع له الجمهور
تذكرة السينما، بينما أستاذه لم يتصدر اسمه الأفيش أبدا.. حتى فيلم «الأرض»
الذي ينسبه الجميع إلى محمود المليجي سوف تكتشف أن اسم نجوى إبراهيم كان
يسبقه على التترات؟! ولكن ما يتبقى مع مرور الزمن ليس التترات ولا الأفيشات
إنه الشريط السينمائي وهكذا ظل المليجي، هو الفنان الذي لا يمكن أن ننسى
إطلالته على الشاشة حتى لو جاء اسمه في المركز الثالث أو الثامن.. ودعونا
نتذكر بعض لمحات هذا الفنان الاستثنائي!! أحيانا تصبح قوة تأثير الفنان
أكبر من الدرجة المطلوبة وربما أدى ذلك إلى قدر من التعاطف مع الشخصية
الدرامية التي يؤديها الفنان تخصم من التأثير العام المطلوب من العمل
الفني.. لقد حدث ذلك مرة مع محمود المليجي في فيلم «غروب وشروق» وكادت
نظرات المليجي من فرط الصدق أن تؤدي إلى انقلاب في المعنى السياسي للفيلم
من الرفض للبوليس السياسي إلى التعاطف الإنساني مع رجل البوليس السياسي..
تم تشكيل لجنة متخصصة من مخرج الفيلم «كمال الشيخ» والمونتير «سعيد الشيخ»
كاتب سيناريو وحوار الفيلم «رأفت الميهي»، وكان السؤال لماذا انقلب الإحساس
من الرفض إلى التعاطف اكتشفوا أنها نظرات المليجي لسعاد حسني في المشهد
الأخير، وهكذا قرر الثلاثة اختصار زمن اللقطة!! لم يتوقف عطاء محمود
المليجي، عند جيل واحد فقط فلقد ساند الجميع.. طالما استشعر محمود المليجي
الموهبة عند أي فنان فهو يدفعه للمقدمة.. من المؤكد أن محمود المليجي كان
يشكل ليوسف شاهين حالة إبداعية خاصة.. لقد قال يوسف شاهين بعد رحيل محمود
المليجي، كنت أرى فيه صورة أبي.. إن العلاقة الفنية بينهما حملت قدرا من
الخصوصية ليست فقط الأبوة بمعناها المباشر بقدر ما هو الارتباط الذي يعني
امتزاج الدماء الفنية.. وهكذا كان المليجي يشكل الحالة الإبداعية التي يحلم
بها يوسف شاهين في أفلام مثل «ابن النيل»، و«جميلة»، و«حب للأبد»، و«الناصر
صلاح الدين»، و«الأرض»، و«الاختيار»، و«الناس والنيل»، و«العصفور»، و«عودة
الابن الضال»، و«إسكندرية ليه»، و«حدوته مصرية».. 11 فيلما أي نحو 30% من
أفلام يوسف شاهين، كان المليجي مشاركا في البطولة.. إنها كيميائية خاصة جدا
بينهما.. في تصريحات كثيرة ليوسف شاهين يؤكد أنه هو الذي صنع هذه الموهبة
والحقيقة أن بعض المواهب مثل محمود المليجي، تشبه الأوتار النادرة تحتاج
فقط إلى عازف يستطيع أن يستخرج منها أعظم الأنغام!! بأداء لا يزال يملك
الكثير من السحر قدم محمود المليجي دوره في فيلم «الأرض».. «محمد أبو
سويلم» في مشهد محاكمة الآخرين ومحاكمة النفس ومحاكمة التاريخ.. بكل
أستاذية كانت تتغير ملامحه ونبرات صوته وهو يواجه يحيى شاهين وعبد الرحمن
الخميسي وعزت العلايلي وحمدي أحمد.. ولأن الحوار الذي كتبه حسن فؤاد يملك
موسيقية الشعر فإنه في كل مقطع ينتهي إلى نفس اللازمة «كنا رجالة ووقفنا
وقفة رجالة».. كان المليجي في أدائه مثل ألوان «قوس قزح» تتكامل في هرمونية
تنتهي إلى نفس اللازمة.. إنها نظرة ساخرة تقول الكثير لكنها في نفس الوقت
تملك روح الإشفاق والتعاطف.. إنها تتهم وتلعب دور وكيل النيابة ثم تصبح
المحامي وتترك للمتفرج أن يلعب هو دور القاضي الذي يصدر الحكم.. مشهد ثان
في فيلم «إسكندرية ليه» ليوسف شاهين أشعر أيضا أنه أخذ نفس الإيقاع
الموسيقي الذي يعود دائما إلى نفس اللازمة حيث كتب السيناريو والحوار محسن
زايد، اللازمة هذه المرة هي كلمة «وعايزني أكسبها».. إنه هذه المرة المحامي
الذي يدين المجتمع.. نعم يعلم أن أحمد زكي لن ينجو من حكم جائر ولهذا تزداد
جرعة السخرية المشوبة بالمرارة وهو يكرر و«عايزني أكسبها»!! كان محمود
المليجي، يعلم أن قانون السينما لا يتيح له الكثير من الأدوار الجيدة وأن
المتاح أمامه من الفن الجميل قليل.. لكنه في نفس الوقت لا يرضى لنفسه أن
ينتظر في البيت حتى يأتي له دور مثل «محمد أو سويلم» ولهذا كان يقبل
الاشتراك في أفلام متوسطة فنيا وفي أدوار لا تتيح كل إمكانيات التعبير وكان
يبرر هذا الموقف قائلا أفضل أن أصبح جنديا صغيرا في الميدان على أن أكون
جنرالا متقاعدا خارج الخدمة.. وظل محمود المليجي في الميدان وحتى النفس
الأخير لم يترك موقعة.. وهكذا جاءت نهايته أمام الكاميرا جنديا وجنرالا في
الميدان في 7 يونيو (حزيران) عام 1983.. كان يشترك مع عمر الشريف في بطولة
فيلم «أيوب» وقبل أن يبدأ التصوير كان يتناول فنجان القهوة مع عمر الشريف
ثم نفذ السر الإلهي ليؤكد أن الأشجار العظيمة تموت واقفة!! تزوج محمود
المليجي من الفنانة العظيمة الراحلة علوية جميل.. كانت قادرة على احتوائه
عندما رحلت والدته ساندته ماديا وأدبيا، ولم ينس لها هذا الموقف ووجد نفسه
يتجه إليها لا يدري كيف احتوته ووصلت إلى حدود السيطرة.. ورغم ذلك تزوج
عليها مرتين الأولى لم تدم طويلا من فنانة مسرحية مغمورة، عندما علمت علوية
بهذه الزيجة قالت له طلقها يا محمود، وبالفعل ذهب إليها في المسرح ورمى
عليها يمين الطلاق.. سألته الممثلة لماذا؟! أجابها هذه أوامر علوية.. بعد
ذلك في نهاية السبعينات تزوج مرة أخرى من سناء يونس، التي يعتقد الكثيرون
أنها رحلت وهي عانس.. ظلت على ذمته حتى رحيله.. أتذكر أنني التقيتها بعد
رحيل المليجي وأجريت معها حوارا حكت فيه كل تفاصيل حياتها مع محمود المليجي،
ولكن قبل النشر اتصلت بي وطلبت مني ألا أكتب شيئا فلم ترض هي أيضا أن تغضب
زوجته علوية جميل، ولكن قبل رحيل سناء يونس التقيت بها وذكرتها بالشرط
فقالت لي «يا ريتك ماسمعتش كلامي وكنت نشرته»!! إن الشمس إذا غابت لا تأفل
ولكن تحتجب عن أعيننا وتظل في دورانها إلى الأبد، وكذلك الفنان إنه لا يذهب
عنا بالموت ولكنه يغيب ليتحول من مظهر في الحياة إلى جوهر للحياة.. وهكذا
محمود المليجي تجاوز مكانته ليتحول من مظهر للفنان إلى جوهر للفن ليحمل لقب
«آدم» السينما المصرية، فهو السينمائي المصري الأول الذي يستحق عن جدارة أن
يهدي إليه مهرجان القاهرة تلك الدورة ليصبح هذه المرة بلغة السينما هو نجم
الشباك!!
الشرق الأوسط في
26/11/2010
اغتيال الذاكرة الخصبة
د.حسن عطية
عندما يجتاح مرض الزهايمر عقول الكبار، يفقدهم الذاكرة الخصبة، ويعطل ملكات
تفكيرهم، ويلقي بهم خارج ساحات الإبداع، ويجعلهم عالة على المجتمع الذي قد
يحتويهم بوصفهم أبنائه الذين شاركوا في بنائه يوما ما، وقد يلفظهم ويرمي
بهم في بيوت المسنّين ينتظرون الموت القادم من وراء الأفق.
هنا تبدو المأساة في الأساس طبية، يشارك فيها مجتمع غير منتبه لأبنائه،
وغير مهتم إلا بمن يمتلك قوة العمل الشبابية، يستهلكها حتى تنفد، ثم يلقي
بصاحبها على الأرصفة يتضور جوعا وينزف كرامة، في واقع انتفت فيه قيمة البشر
"الإنسانية"، وتحولت إلى قيمة "نفعية" يبقى بها المواطن إنسانا حتى تتلاشى
قدراته المادية على العمل، دونما أي اهتمام بنضوج العقل وتوهجه، وبالخبرة
العملية التي تصقلها السنين، وبحكمة الأيام التي يمتلكها المرء حين يصل إلى
سن الشيخوخة.
إنها مأساة اجتماعية يلعب المرض غير القابل للعلاج دوره القاتل فيها. أما
المأساة الأكبر فهى تلك التي يُستخدم فيها هذا المرض اللعين عمدا ومع سبق
الإصرار والترصد بأيدي الأبناء وغيرهم لاغتيال عقول الآباء الكبار من أجل
الاستيلاء على أموالهم وإنجازاتهم وهم بعد أحياء، بتشويش عقولهم، وشل
قدراتهم على التفكير، وإظهارهم أمام المجتمع فاقدي الأهلية على حكم أنفسهم
والتصرف في أموالهم، مما يسهل حصول الأبناء عليها بحكم القانون.
حول هذه الفكرة اللامعة يقدم عادل إمام فيلمه الجديد "زهايمر"، لا لمجرد
صياغة فيلم إنساني راقٍ، يفجر الضحكات من تناقض الأفعال وكثرة "المقالب"
التي يصنعها الأب لأبنائه، بعد أن انقلب السحر على الساحر، كما يكشف
الفيلم، بل أيضا لطرح موضوع على جانب كبير من الأهمية في حياتنا المجتمعية
المعاصرة، التي صار فيها المال محور كل شيء، ودافع كل فعل، بصرف النظر عن
أية قيمة أخلاقية واجتماعية، حيث يبني السيناريست نادر صلاح الدين فيلمه
على "ثيمة" قيام شقيقين بتدبير عملية إيهام لأبيهما بأنه مصاب بالزهايمر،
وذلك بالاتفاق مع طبيب خائن للأمانة وممرضة مرتشية ومجموعة عاملين صغار في
"الفيلاّ"، لإقناعه أنه مصاب فعلا بالزهايمر منذ أكثر من عامين.
المسألة هنا أكبر من عقوق بنتَي الملك "لير" في رائعة شكسبير لأبيهما
العجوز، والاستيلاء بالكلمات المعسولة على ملْكه وثروته، بل إنها تدخل في
إطار الجريمة لو تحقق ما سعوا إليه وأصيب الأب بفقدان الذاكرة، الذي قد
يؤدي إلى فقدانه حياته، وهو ما تبدأ به وقائع الفيلم أمامنا بموقف درامي
شديد التكثيف، حيث يستيقظ الأب رجل الأعمال الثري "محمود شعيب" ذات صباح،
طليق الذقن، ليكتشف أن يوم استيقاظه هو الخميس، بينما يتذكر جيدا أنه نام
أمسه وكان الأحد، فيتحرك غير مصدّق لما يدور حوله، بينما الممرضة الحسناء
(نيللى كريم) والخادمة (إيمان السيد) والبستاني (محمد الصاوي) يثبتون له
عكس ذلك، وتؤكد له الممرضة أنه يعاني من المرض اللعين، وأن ما حدث له هو
نتيجة عدم تناوله الأدوية الخاصة بإنعاش الذاكرة منذ فترة.
يعبّر عادل إمام في هذا الجزء -الأول- من الفيلم، وبقدرة أدائية فائقة، عن
التمزق الذي يعانيه الأب الطيب بين ذاكرته الخصبة التي تؤكد له كذب الوقائع
والمعلومات المقدمة، وإجماع المحيطين به على صحة معلوماتهم، وهي الحقيقة
الغائبة حتى هذه اللحظة عن الجمهور المشاهد، مما يجعله يرتبك معه، ويميل
إلى تصديق المحيطين بالرجل، فالظواهر تشي بفقدانه الذاكرة، وأصدقاؤه ببهو
بيته يعلنون ذلك، والبنات اللائي يحدّثنه تليفونيا يخبرنه أنه قضى ليلاته
السابقة بين الأحد والأربعاء معهن، وأبناه "سامح" (فتحى عبد الوهاب)
و"كريم" (أحمد رزق) يأتيان من بيتيهما ليؤكدا صحة إصابته بالزهايمر منذ
زمن.
ورغم هذا الميل من الجمهور المشاهد للاقتناع بالأمر، فإنه يظل غير مصدّق
لإصابة الأب بالخرف الشيخوخي، فالأداء الرائق الذي يبلغ به عادل إمام قمةَ
المأساة في صلب الموقف الكوميدي، يرتفع بالشخصية إلى قمة التمزق التراجيدي
الذي عاناه الملك "لير" في مشهد العاصفة الشهير، حيث كان من الصعب فيه
الإمساك بالحقيقة المختبئة بين ثنايا جنون الملك وغضبه العارم على بناته
العاقات، وحيث تجلى هنا –في الفيلم- بين وعي الأب بواقعه، وعدم إمكانيته
تكذيب الآخرين جمعيا.
وبصياغة مشهدية للمخرج عمرو عرفة، مهتمة بقيمة الفرد الضائع بين الجماعة
المتربصة به، وبكاميرا د.محسن أحمد الراصدة لعلاقة الإنسان بالمكان المحاصر
داخله، نجول مع الأب في حجرات الفيلا ونخرج منها معه وهو متشكك في ما يحدث
له، وفي ما يراه -ونراه- من مظاهر مرئية تكشف عن أعراض المرض: تشوش
التفكير، وعدم التذكر، مع عدوانية تتمثل في هياج حاد ضد المحيطين به، مما
يزيد الجمهور ارتباكا في موقفه من بطله، حتى يحسم عقله الواعي الأمر كله،
ونكتشف معه، مع ضغطه على رقبة الممرضة المرتشية، أن ثمة لعبة قاتلة مارسها
الابنان مع أبيهما، يُدَسّ له فيها دواء يجعل سلوكه أقرب إلى سلوك المصاب
بالزهايمر، وذلك بهدف عرضه على المحكمة التي رفعا أمامها دعوى للحجر على
ثروته الضخمة، وتعيينهما وصيَّين عليه، لإنقاذهما من ورطة مالية وقعا فيها.
يعرف الأب الحقيقة، فيلعب مع أبنائه لعبة تأديبهما واستعادتهما إليه من دون
أن يعرفا، ويسير الفيلم في ما بعد في طريق تذكرنا بمسرحية "بيرنداللو"
المعروفة (هنري الرابع)، يستعيد فيها البطل ذاكرته المفقودة، ليكتشف أن
الكل داخل "الفيلا" يكذب عليه، فيستمر في ارتداء ثوب الملك "هنري" مدعيا
عدم استعادته لذاكرته، بينما يتابع عقله الواعي كل ما يدور حوله، وهو ما
فعله الأب هنا، ونجح السيناريو في جذب جمهوره المشاهد نحو الأب والممرضة
التي اعترفت له بحقيقة الأمر، واشتركت معه ومع العاملين في "الفيلا" في خطة
تأديبه لابنيه واستعادته لهما، وتتفجر الكوميديا الراقية من هذه المواقف
التي نعرف مع البطل سر تلفيقها، بينما الشخصيات داخل الشاشة لا تعرف عنها
شيئا، بل وتتمادى فيها إلى درجة القبض عليها في مطار القاهرة وهي تحمل ما
تظنه مواد مخدرة (كوكايين)، تمثل حصتها في مال أبيها.
كوميديا غاية في الرقة، تحمل في أعماقها إحساسا تراجيديا حزينا على ما آل
إليه المجتمع من رغبة في الحصول على المال حتى باغتيال الآباء وذاكرتهم،
ويؤدي عادل إمام دورا يشع إنسانيةً ورقيا، ويجعلنا أداء نيللى كريم الهادئ
والقريب من رقة العصفور، نغفر لها قبولها الرشوة في البداية وسقوطها في
مؤامرة اغتيال عقل الرجل الطيب، وسرعان ما نتقبلها شريكة في عملية تأديب
الابنين. وقدم أحمد رزق وفتحي عبد الوهاب دوريهما بإتزان يوفق بين المظهر
والجوهر، خصوصا الأخير الذي ظل على نفاقه حتى ما بعد العودة، واهتم
باستخدام أدق إيماءات وجهه وحركات يديه في التعبير عن أحاسيس الشخصية
الداخلية. وجسدت رانيا يوسف شخصية زوجة الابن "كريم" بقدرة ممتازة على
التعبير عن تجرد هذه الشخصية من أي نوازع إنسانية تعرقل رغبتها في
الاستيلاء على مال والد زوجها بأية طريقة، وأكد د.هناء عبد الفتاح قدرته أن
يلمع على الشاشة، حتى وهو يؤدي دورا عابرا مثل دور الطبيب المتورط في عملية
إفقاد الأب لذاكرته، وأتاح الفيلم لإيمان السيد فرصة أن تعلن عن ميلاد نجمة
سينمائية كوميدية بوزن وداد حمدي، وإن يُخشى عليها الوقوع في النمطية التي
بدأت بها صياغة شخصيتها منذ ظهورها مسرحيا، ثم بلورتها في الأعمال المسرحية
والتليفزيونية.
الرأي الأردنية في
26/11/2010 |