في دورته الثالثة ثبت مهرجان ابوظبي السينمائي برنامجا خاصا لدعم
الافلام التي يكون احد طرفيها على الاقل – المنتج او المخرج –
عربي الجنسية ، واطلق
على هذا البرناج اسم ( سند ) وهو يمنح دعما ماديا للمشروع الفائز بناء على
معايير
خاصة.
الوثائقية التقت رشا سلطي من فريق برنامج سند واستفسرت منها حول بعض
النقاط الخاصة به.
·
كيف تصفين لنا برنامج سند؟
(سند)
هو برنامج دعم
على شكل مادي يمنح على دورتين في السنة ويستهدف مشاريع سينمائية لمخرج او
منتج
عربي.
وهذه المنح تنقسم إلى نوعين، منح تعطى من اجل إتمام الفيلم مثلا في مرحلة
المونتاج، ومنح تعطى لتطوير الفيلم منذ البداية اي منذ كتابة
السيناريو.
·
كيف جاءت فكرة هذا البرنامج
الداعم؟
المتابع
للسينما العربية لديه اطلاع على همومها ومشاكلها ومتاعبها المختلفة، ونحن
من هذه
الفئة التي تتابع مسيرة السينما العربية، وقد قمنا السنة
الماضية بمحاولة البدء في
فكرة المنحة وانتقينا ثلاثة افلام واحد منها روائي وأثنان تسجيليين، حيث
اخترنا
فيلم " ابن بابل" و "ميناء الذاكرة" و "شيوعيون كنا" ، وأعتقد ان التجربة
كانت
ناجحة ومشجعة حيث تم اتمام الافلام الثلاثة وعرضها ، وأذكر بأن فيلم ابن
بابل مثلا
أخذ عدة جوائز وكذلك ميناء الذاكرة الذي فاز بالجائزة الأولى في مهرجان
سينما
الواقع بباريس.
المهم هذه الأفلام تعرضت لمتاعب عدة حتى وجدت الدعم، كما يحدث
عادة في السينما خاصة التسجيلية التي بها نوع من الذاتية
والتجريب السينمائي، وبعد
نجاح هذه التجربة اتخذ قرار هذا العام لعرض المنح بشكل واضح ومنظم وعلني عن
طريق
الترشيح وبعد مرورها بلجنة مشكلة لهذا الغرض.
·
كم منحة يوزع
البرنامج؟
البرنامج يعطي خمسة منح لإتمام الأفلام وتصل بعض هذه المنح
إلى 60 الف دولار، ونمنح ايضا عشرة منح للتطوير تصل إلى 20 الف
دولار.
·
وماهي المعايير التي يتم على
أساسها
الاختيار؟.
الجودة، بمعنى النضج الفني للمشروع، ثم إمكانية تنفيذ
المشروع واتمامه، ونفضل ان يكون الفيلم جرئيا فنيا ولانشترط مدة محددة
لزمنه ولا
إطار معين لمحتواه.
·
ولجنة الاختيار...؟.
- هناك
خمسة اسماء تكون هذه اللجنة وهي
بما فيها رئيس مهرجان ابوظبي السينمائي السيد بيتر سكارليت.
·
وكيف
يتواصل معكم أصحاب الأفكار والمشاريع ؟.
عبر موقع المهرجان، مهرجان
ابوظبي السينمائي، كما اننا نعلن عن ذلك في الصحف
.
·
كم تلقيتم طلبا
هذا العام؟.
تلقينا 47 طلبا لإتمام الفيلم و83 طلبا
للتطوير.
·
وكم عرض فيلم من برنامج سند هذه
الدورة؟.
خمسة
افلام.
الجزيرة الوثائقية في
25/11/2010
السينما المنسيّة، والأحلام المُعلقة
صلاح سرميني ـ حلب
تكتسبُ مدينة حلب مذاقاً خاصاً بعد سنواتٍ طويلة من
غربةٍ مُستديمة فرضتها المُغامرة الحياتية، والثقافية.
بعد ذاكَ الغياب الطويل،
لابدّ من زياراتٍ، ولقاءاتٍ مع أفراد العائلة من الجيل الأكبر سناً،
والتعرّف على
من كانوا فيما مضى أطفالاً صغاراً، وأصبحوا اليوم شباباً، وصبايا يجرجرون
وراءهم
أولادهم، بناتهم، وأحفادهم.
ولأول مرةٍ في حياتي، تسوقني قدمايّ لأداء واجبٍ
يفرض نفسه، زيارة الذين رحلوا، واستقروا إلى الأبد في المقبرة المُحاذية
للحيّ
الشعبي الذي كنتُ أعيش فيه يوماً .
وما بين دهشة لقاء الجيل الذي كبر، والكمّ
الهائل من الأطفال الجدد، والحزن المكتوم بافتقاد الراحلين، أدركتُ فجأةً
معنى
الزمن، وعدد السنوات الكثيرة التي مضت.
في الأيام التالية، وبعد التسكع في
الحارات، والأزقة الشعبية، أسترجعُ الماضي/الحاضر، وأستعذبُ نداءات الباعة
المُختلطة بالأغاني الصادرة من أجهزة الراديو، والتلفزيون، تملكتني رغبة
شديدة
بزيارة "الأماكن السحرية" التي تعرفت فيها على ما أثار مخيلتي
وقتذاك، وقادني يوماً
بعد يوم إلى عشق، وممارسة السينما بجانبيّها العمليّ، والنظريّ.
كنت أقرأ بين الحين، والآخر أخباراً عن صالات
السينما في حلب، وسورية بشكلٍ عام، حالها، وأحوالها، والأفلام التي تقدمها،
ولم يكن
ذلك يعني شيئاً بالنسبة لي.
خلال السنوات الدراسية التي قضيتها في مصر، نسيتُ،
أو تناسيتُ أماكن أحلامي القديمة، واعتبرتها مرحلةً تعود إلى زمنٍ مضى،
طالما
استبدلتها بصالاتٍ سينمائية أخرى انتشرت في أرجاء مدينة القاهرة، بالإضافة
لعروض
المراكز الثقافية الأجنبية، نادي السينما، جمعية الفيلم، جمعية نقاد
السينما
المصريين، وصالة "المعهد العالي للسينما" التي كانت تحتوي
طلابه لمُشاهدة "المدرعة
بوتمكين" لإيزنشتين، "المومياء" لشادي عبد السلام، وأفلاماً أخرى.
وعندما
استقبلتني باريس طالباً، ومن ثمّ مُقيماً دائماً، جعلتني أحلقُ في عوالم
جديدة من
المغامرات، والاكتشافات السينمائية، ولم تقتصر على صالاتها
الكثيرة العدد، بل
تعدتها إلى المدن الفرنسية، والأوروبية بمناسبة متابعتي بعض مهرجاناتها
السينمائية.
بالعودة إلى حلب، تفجر الماضي أمامي فجأةً، وأصبح واقعاً مُستعصياً
على الفهم، ما معنى رغبة البحث عن صالات السينما في مدينة
الطفولة، والتكوين ؟
وقبل أن أجد جواباً على استفساراتي تلك، وصلتُ إلى "باب النصر"، ووقفتُ
أمام
مبنى كان فيما مضى "سينما السعد" الصالة الأقرب إلى الحيّ الشعبي الذي كنتُ
أسكنه،
عشر دقائق رُبما بالطرماي (Tramway)
التي استبدلت فيما بعد بحافلةٍ عمومية أكثر
سرعةً، وأقلّ رومانسيةً، وقتذاك، كانت تلك الصالة الصغيرة، والرخيصة تحتضن
الأطفال
الذين لا يمتلكون أكثر من ربع، أو نصف ليرة سورية ـ لم أعد أذكر ـ ثمن
بطاقة الدخول
إليها لمُشاهدة أفلاماً عربية، وأجنبية، وفيها تعرّفت على
البطولات الثلاثية في
السينما المصرية (الأشقياء الثلاثة، المغامرون الثلاثة، ...)، والأفلام
الأجنبية
التي كانت تسبقها، أو تليها من نوعية زورو، وفانتوماس.
كانت تستقبلنا تلك
الصالات عادةً في أيام الجمعة، والأعياد (العيد الصغير/الفطر، والعيد
الكبير/الأضحى)، وكانت، بالنسبة لنا، الوسيلة الترفيهية
الوحيدة لأطفالٍ مثلنا
بالتوازي مع قراءاتٍ "ثرية" لمجلات ميكي، سمير، سوبرمان، الوطواط، تان تان،
الشبكة،
الموعد،... التي كنا نشتريها من "سوق الجمعة"، أو من المحلات/الأقبية
المُتراصة في
شارع "بارون" بجانب "نادي الضباط"، والمُخصصة لبيع الكتب، والمجلات القديمة
الذي
يشبه قليلاً رصيف "الأزبكية" بالقاهرة قبل أن يختفي بدوره.
بجانب "المنشية" القديمة التي كانت المحطة
المركزية للحافلات العمومية، ما تزال "سينما ليلى" بمدخلها
الضيق، والتي تخصصت
بعروض أفلام هرقل، ماشيستي، وسبارتاكوس، وفيها استمتعنا بمُشاهدة بائع
"الكلاس"
الذي كان يرمي قطعها في الهواء عالياً، ويتلقاها مرةً أخرى بين أصابعه،
ليُثير
انتباهنا، دهشتنا، وشهيتنا، ويحصل على القروش القليلة
المُتبقية في جيوبنا.
كان
مئات من الصغار يتكوّمون في مقاعد صلبة بانتظار مشاهدة أبطالهم، وعندما
تسخن
الأجساد، تعرق الوجوه، وتفوح الروائح، يعبّر هؤلاء عن تذمرهم
صياحاً، وصفيراً
متتالياً، ومتناغماً :
ـ "هوّاية، هوّاية"...
حتى يستجيب تقنيّ العرض
لطلباتهم المُلحة، وعندما تنطلق زوابع هوائية من فتحاتٍ كبيرة في أرجاء
الصالة،
ترتسم البهجة على الوجوه، ويعاود بائع "الكلاس" نداءاته، وهو
يتجول في الممرات،
وإذا بدأ الفيلم بصورٍ غير واضحة، كانت الصيحات تعلو من جديد
:
ـ "بلورة، بلورة
يا جوز العورة"...
لمُشاهدة أبطال زمان، وفي حالة الزحام الشديد، ودائماً كان
الزحام شديداً، لم يكن لديّ من خيارٍ غير الجلوس مع آخرين فوق
منصة المسرح على بعد
أمتارٍ من الشاشة، وكان عليّ البقاء مرفوع الرأس محملقاً في الشاشة حتى وقت
الاستراحة، ومن ثمّ نهاية الفيلم، مما سببت لي تلك الوضعية بمتاعب، وآلام
في
الرقبة، أعالجها حالياً عند أحد المُتخصصين.
ولكنني فهمتُ اليوم لماذا أرفض
الجلوس في الصفوف الأمامية الأولى، وأتخيّر دائماً كرسياً في منتصف الصف
الأخر من
القاعة تفادياً لصداعٍ لن ينفعني "ماشيستي" من تخفيفه.
"باب
الفرج" ليس بعيداً
كثيراً عن "باب النصر"، كنا نقطع المسافة بينهما سيراً على الأقدام، أو
نتعلق
بالطرماي مغامرين بأجسادنا لتوفير ثمن تذكرة الركوب التي لم تكن أكثر من
فرنك سوريّ
على ما أتذكر.
هناك، وفي إحدى الزوايا تقع "سينما العباسية" التي أصبحت اليوم
صالة أفراح لحفلات الزواج، والليالي الملاح.
وبالقرب من الأماكن القديمة لانطلاق
الحافلات الصغيرة المُوصلة إلى القرى، المدن، والدول المًجاورة، وعلى بعد
خطواتٍ من
برج الساعة الشهيرة التي كانت تتحرك عقاربها بالصدفة، ويقبع تحتها عشرات من
ماسحي
الأحذية يكسبون رزقهم، مازالت تستقر "سينما القاهرة" في ممرٍ
فرعيّ يزدحم بحوانيت
بائعي الفول، الحمص، والفلافل، ومحلات التصوير، وورش تصليح
السيارات.
من هناك
نلتفُ يميناً للوصول إلى "سينما فاروق"، إحدى الصالات الرائدة في تاريخ
اختفائها من
خريطة الصالات الحلبية (1975)، وتحوّلها إلى حانوتٍ لبيع قطع غيار
السيارات.
كانت تعتبر صالةً سيئة السمعة :
ـ "سينما فاروق، اللي بيدخلها صاغ،
بيطلع ...."ـ النقاط رقابة ذاتية ـ
.
ومع ذلك، لم يمنعنا ذاك التحذير الخطير من
ارتيادها بشكلٍ جماعيّ، ومشاهدة فيلم "جازون، والعمالقة" لمراتٍ كثيرة.
ويبدو
بأنها اكتسبت سمعتها السيئة من موقعها في منطقة "بستان كل آب" التي كانت
مُحتشدة
بالملاهي الليلية.
بالسير بضع خطوات، وبتجاوز شارع "بارون" الرئيسي، ما تزال
"سينما الحمراء" على حالها إلاّ من ملصقات أفلام كثيرة، ومثيرة تنتشر
على واجهتها،
وفي أرجاء مدخلها، هي التي كانت يوماً واحدةً من الصالات الراقية، تجذب
الصغار
الميسورين، والمراهقين، والشبان في حفلاتها الصباحية، وفي المساء تستقبل
عائلاتٍ من
كافة المستويات الاجتماعية لقضاء سهرة ممتعة بمُشاهدة فيلم
مصري، أو أجنبي حديث
الإنتاج "نسبيا".
"سينما
الكندي" ـ الشرق سابقاً ـ التابعة للمؤسسة العامة
للسينما، والمُغلقة حالياً، كانت فيما مضى مثالاً للصالة
النموذجية بعرضها مختاراتٍ
من الإنتاجات العالمية المهمة، وقد استقبلت لفترةٍ طويلة نشاطات "نادي
السينما"
بحلب (يوم الاثنين من كلّ أسبوع)، وعلى شاشتها تعرفتُ على بعض أفلام
بازوليني،
فلليني، داميانو دامياني، غودار، بريسون، ليلوش، وآخرين..
في مقهى "الفندق
السياحي" حكى لي الروائي "فيصل خرتش" كيف قادته الصدفة يوماً لمُشاهدة أحد
الأفلام
فيها، فوجد الفئران تتجول بحريةٍ بين مقاعدها، وعددها أكثر من المتفرجين
أنفسهم،
وكان عليه التزوّد ببطانيةٍ سميكة كي يتحمل الرطوبة، وتيارات
الهواء الباردة التي
تجتاحها من أماكن التهوية، والأبواب.
نفس الصالة التي شاهدنا فيها يوماً أفلاماً
مثل الإيطاليّ "أسباب الطلاق" لمارتشيلو فونداتو، السوفييتي "الثلوج
المُلتهبة"،
الفرنسي/الألماني "ساحرات سالم" عن مسرحية "البوتقة" لهنري
ميللر، الياباني "الفارس
الأعمى"،
....
ولم تصمد "سينما حلب" في وجه الاختفاء على الرغم من الملايين التي
دفعها صاحبها لإعادة شبابها، واليوم معروضة للبيع، وهي التي
كانت في الماضي تحظى
بتقديرنا، واحترامنا كإحدى الصالات المرموقة بأفلامها الفرنسية،
والإيطالية.
جارتها "سينما فؤاد" بقيت مغلقة لسنواتٍ عديدة، وعانت طويلاً من
تعقيداتٍ إدارية بين من يريد لها البقاء صالةً شاهدة على زمنٍ
سينمائيّ مضى، ومن
يرغب بأن تتحول إلى مبنى تجاريّ، اليوم انقصف عمرها، وأصبحت خراباً على أمل
العودة
إلى الحياة من جديد، وتجد لها مكاناً في المركز التجاريّ المُزمع تشييده.
وأمام
أطلالها التاريخية، وجد الباعة المتجولين مستقراً مجانياً لهم، يفرشون
أمامها ما
تيّسر من البضائع المُهرّبة، والأقراص الرقمية المُقرصنة
لأفلام من كلّ نوع، بينما
يجلس الحالمون الباكون على الأطلال في "مقهى الموعد" المُواجه تماماً
للصالة،
يحتسون قهوة إيطالية مُركزة "كبسة"، ويدردشون في أمور الثقافة، والجهل، وما
بين
الحسرة، والأخرى، يلقون نظرةً مسرحية نحو الرصيف المُقابل حيث الفضاء الذي
خلفه
اختفاء الصالة، ويصدرون الآهات، والحسرات على زمنها، والأفلام
التي كانت تقدمها.
وعلى بعد خطواتٍ منها، ما تزال "سينما الأوبرا" مستقرةً في مكانها، لم
يتغير من
معالمها غير الأفلام، وملصقاتها المثيرة لانتباه متفرجين قادمين من القرى
القريبة،
أو البعيدة، والذين لم يتيّسر لهم بعد شراء جهازٍ لالتقاط
المسلسلات، والأفلام،
ونسيان السينما إلى الأبد.
بمُحاذاتها "سينما الأهلي" ـ الريّو سابقاً ـ التي
بدلت اسمها على مدى السنوات أكثر من مرة، ولكنها مغلقة هذه
المرة، وبجانبها "سينما
راميتا" ـ الأهرام سابقاً ـ تتبارى اليوم بعروض متواصلة لأفلام هندية،
وأمريكية
يتزعمها فان دام، وشاروخان.
"سينما
رمسيس" التي توقفت عن نشاطها في عام 1988
بقيت على حالها بدون ملصقاتٍ، أو شباك تذاكر في مدخلها، ولكن،
ما أن نعبر مدخلها
حتى نجد أنفسنا في مقهى، وقد أفهمني أحد العارفين عن السبب، بأن أصحابها
يمتثلون
للقانون السوريّ الذي يمنع هدم صالة سينمائية (يتبع).
الجزيرة الوثائقية في
25/11/2010
الموجز في تاريخ السينما 2/3
عدنان مدانات
في عام 1962 وأثناء انعقاد مهرجان اوبرهاوزن
للأفلام القصيرة في ألمانيا أصدر 26 مخرجا وفنانا وكاتبا سينمائيا ألمانيا
بيانا
عبروا فيه عن رغبتهم في خلق سينما روائية ألمانية ضمن حركة سينمائية جديدة
تعكس
قضايا الواقع الاجتماعي، متحررة من الاعتبارات التجارية وسيطرة
كبار الممولين. من
أجل تحقيق أهدافها ساعدت هذهالمبادرة على إيجاد مؤسسات جديدة للتمويل
تتجاوب مع
أهدافها. من اشهر مخرجي هذه الحركة راينر فاسبندر و فولكر شلندروف وويرنر
هيرتزغ
والذين صنعوا أفلاما تنتقد الروح البرجوازية التي بدأت تسود في
المجتمع بعد انتهاء
الحرب العالمية الثانية. ومن غرائب الأمور أن أفلام هذه الحركة لاقت صدى
عالميا
ونجحت خارج ألمانيا ولكن استقبالها من قبل الجمهور الألماني لم يكن بحجم
استقبالها
في الخارج.
منذ أواخر الخمسينات والستينات انطلقت من فرنسا "موجة السينما
الجديدة " التي ضمت مخرجين، بعضهم جاء إلى الإخراج من حقل
النظرية، ولكل منهم
أسلوبه الخاص، لكن يجمعهم هاجس الحداثة والتجديد. وهذا ما أوضحه الناقد
والمخرج
فرانسوا تروفو في مقالة له بعنوان " اتجاهات واضحة في السينما الفرنسية "
نشرها في
مجلة " دفاتر السينما " التي كان يشرف عليها الباحث السينمائي أندري بازان،
الأب
الروحي لمخرجي الموجة الجديدة الفرنسية. لكن هذه الموجة أفرزت أهم تيارين
في
السينما الفرنسية والعالمية في تلك الأوقات، أولهما تيار
"سينما المؤلف" و يعود
الفضل لانتشاره للمخرج والكاتب الروائي والناقد السينمائي ألكسندر أستروك،
الذي
اعتبر في مقالة شهيرة له نشرها عام 1948 بعنوان " الكاميرا – القلم" أن: "
المخرج
المؤلف يكتب بالكاميرا مثلما يكتب الكاتب بالقلم".
إضافة إلى "سينما المؤلف"
أفرزت موجة السينما الجديدة مصطلح "سينما الحقيقة" أو "السينما المباشرة"،
وهما
مصطلحان استخدمهما النقاد لتفسير الاتجاه نحو المنهج التسجيلي عند بعض
المخرجين
الفرنسيين في تلك الفترة، وهو اتجاه يستخدم الكاميرا المحمولة الخفيفة
الوزن
وتقنيات تسجيل الصوت المباشر المتزامن، لتصوير الأحداث لحظة
حصولها في مكانها
الطبيعي بدون سيناريو مسبق. كانت نظرية المخرج السوفييتي التسجيلي دزيغا
فيرتوف حول
تصوير الحياة على حين غرة، التي أعلنها في أواسط عشرينات القرن العشرين هي
الملهم
لهذا الاتجاه.
أحدث التيارات السينمائية الأوروبية جماعة سينمائية تأسست في
الدانمارك في العام 1995 أعلنت عن نفسها عبر بيان سينمائي هام
تضمن قسما مميزا
يلتزم به أعضاء الحركة. هذه الجماعة هي " دوغما 95 " والتي لفتت أنظار
العالم إليها
بعد فوز اثنين من أفلام مخرجيها بجائزة مهرجان كان لعامين متتالين. الوجه
الأبرز من
بين أعضاء هذه الجماعة هو المخرج لارس فون تراير، والذي ابهر الناس بعد فوز
فيلمه
"
راقصة في الظلام " بجائزة مهرجان كان السينمائي.
برر مؤسسو الجماعة حركتهم التي تهدف إلى إنتاج
أفلام بميزانيات منخفضة التكاليف وبكاميرات الفيديو الرقمية، بأنها عملية
إنقاذ
للسينما عن طريق مقاومة التوجهات المهيمنة على السينما السائدة المعاصرة.
وتميز هذه
الجماعة نفسها عن حركة الموجة الجديدة التي برزت في فرنسا في
الستينات بأنها تملك،
بفضل الكاميرات الرقمية، الوسائل التي تساعدها على تحقيق أهدافها، في حين
أن حركة
الموجة الفرنسية الجديدة وضعت أهدافا صحيحة لها ولكن بدون توفر الوسائل
الملائمة
لتحقيق تلك الأهداف. وبعكس حركة الموجة الجديدة والتي دعت
لسينما المؤلف وأفلام
التعبير الذاتي، تسعى جماعة " دوغما 95 " للابتعاد عن الروح الفردية في
السينما بل
وتشترط أن لا تضم عناوين الفيلم أسم مخرج. وتعتبر الجماعة أن شعارات الحرية
والفردية التي انطلقت منها الموجة الجديدة الفرنسية أنتجت بعض
الأعمال الجيدة
ولكنها لم تتمكن من الاستمرار. أما جماعة " دوغما 95 " فقد حاولت الاستفادة
مما
سمته العاصفة التقنية الهائجة للوصول إلى سينما ديموقراطية، معتبرة أن
التقنيات
الحديثة باتت، ولأول مرة في التاريخ، تتيح الإمكانية لأي إنسان
لكي يصنع
فيلما.
وتعتبر الجماعة أن السينما السائدة اكتسبت
خلال مائة عام من عمر السينما الخبرة في
خداع الجمهور عن طريق استخدام التأثيرات العاطفية من اجل جعل
الجمهور يعيش في
الوهم، في حين أن الجماعة تريد أن تخلص السينما من الخداع والوهم، وبدلا من
استخدام
التقنيات الرقمية الحديثة في مزيد من الخداع والوهم، كما تفعل السينما
السائدة،
تسعى الجماعة للاستفادة من هذه التقنيات لإنتاج سينما مختلفة.
لم يقتصر ظهور الحركات والتيارات والمدارس
السينمائية ذات الخلفية الجمالية والفكرية على السينما في أوروبا، ففي
ستينات القرن
العشرين، و بعيدا عن هموم وتطلعات سينمائيي القارة الأوروبية، ظهرت في
البرازيل
حركة سينمائية شابة بدت متميزة في طروحاتها ذات الطابع الثوري وانتشرت عدوى
أفكارها
بسرعة بين سينمائيي العالم الثالث. تلك كانت حركة السينما
البرازيلية الجديدة،
المعروفة باسم " سينما نوفو "، ومن أبرز مخرجيها عالميا غلوبير روشا، وهي
كانت
الأكثر تعبيرا عن تطلعات سينمائيي الدول النامية اليسارية النزعة والأكثر
استيعابا
للظروف والشروط الإنتاجية التي تحيط بسينمائيي الدول الفقيرة
أو النامية. نشأت
حركة" سينما نوفو" نتيجة اهتمام عدد من المخرجين اليساريين البرازيليين من
الجيل
الشاب بالتعبير عن مشاكل التخلف في وطنهم نتيجة هيمنة الكولونيالية الجديدة
واهتمامهم بتنمية ثقافة وطنية وبالتزامن مع انتشار حركات
المقاومة الشعبية الفلاحية
المسلحة في العديد من أقطار أمريكا اللاتينية. وقد طالب أولئك السينمائيين
في بيان
لهم لاقى اهتماما واسعا في حينه بين سينمائيي العلم الثالث من الجيل الشاب
بتأسيس
سينما برازيلية ذات هوية وطنية تستطيع أن تلغي الطابع
الكولونيالي عن" لغة الفيلم"،
وتسعى للتعبير عن المشاكل الاجتماعية والاقتصادية للأمة، عن
تاريخها وعن
ثقافتها.
وتحت تأثير الواقعية الإيطالية الجديدة والموجة
الجديدة الفرنسية، رفض المخرجون البرازيليون نموذج الأفلام المنتجة داخل
الأستوديو
والتي تعتمد على التقنيات المتطورة المرتفعة الكلفة، وهو كان النموذج
المتبع في
الأفلام الهوليودية، كما رفعوا شعار " السينما الفقيرة "، أي السينما التي
لا تعتمد
على الإنتاج الضخم والتقنيات المتطورة للمؤثرات البصرية وغيرها. استمد
مخرجو تلك
الحركة مواضيع أفلامهم من الأحياء الفقيرة والأرياف وصوروا في الأماكن
الحقيقية.
كانت أفلامهم تنتج بشكل مستقل من منطلق فكري وسياسي وفني وليس لغرض تجاري.
في عام 1965
أصدر الناقد والمخرج غلوبير روشا بيانه الشهير المعنون " جماليات الجوع،
دعا
فيه زملاءه لصنع أفلام" بشعة، حزينة ومحبطة "، أفلام تضحي
باللمعان التقني وتلتزم
بكشف بؤس وفقر الشعب البرازيلي.
الجزيرة الوثائقية في
25/11/2010 |