يصفه البعض بالأب الروحى ومؤسس السينما الفلسطينية.. يحلم دوما بالغوص
داخل أعماق النفس البشرية بحثا عن حرية افتقدها فى بلاده المحتلة.. المخرج
والكاتب الفلسطينى ميشيل خليفى، الذى التقيناه مع عرض فيلمه «زنديق» ضمن
فاعليات بانوراما السينما الأوروبية، تحدث لـ«الشروق» عن رؤيته لواقع
السينما الفلسطينية فى ظل الاحتلال وتطرق إلى الحديث عن مشروعه السينمائى
فى السابق والحاضر وكذلك المستقبل.
·
هل يمثل «زنديق» رحلة للتحرر أم
عودة مخرج لأرضه؟
ــ المشكلة هى أن كل إنسان فى حاجة للتحرر لأن الحياة اليومية والعامة التى
نعيشها والتراكمية من هذا النوع تجعله منتسبا دوما لعائلة أو اسم أو دين أو
حزب وهو شىء به ضياع للإنسانية وأنا قمت بـ«أنسنة» المخرج وأنسنة المجتمع
الفلسطينى الذى ما زال حيا داخل قوقعة الاحتلال.
·
هناك جملة ترددت كثيرا بالفيلم..
فكلما سأل الطفل أبويه عما حدث فى 1948 أجاباه دعنا ننساها.. وهو شىء غير
مفهوم لكونها المأساة الأكبر والأهم فى التاريخ الفلسطينى المعاصر؟
ــ لا، هو كان كلما سألهم يبدون كأنهم لا يتذكرون وهو شىء من نوعية البناء
المستمد من علم النفس فكل شخص يتعرض لصدمة كبيرة تجده طوال حياته يحاول
نسيانها وهو يحيدها ويكمل حياته وفى بعض الأحيان تعود له وكثير من
المحاربين القدامى لا يتحدثون عن الحرب ولكن المؤكد أنك أمام واقع مأساوى
سببه الاحتلال الصهيونى وأنا هنا أحكى القصة الفردية من خلال صدمة الفرد
التى تقدم لنا حكاية مجتمعه.
·
هل تعنى أن البطل هنا هو أسطورى
ينتمى للأساطير الأغريقية؟
ــ ممكن ومن ناحية كتابة السيناريو.. إن كتبته عن شخص يأتى لمكان ما وتبدأ
الأحداث وهى تثبت أن فلسطين أصبحت بداخلنا ماضيا وحاضرا ومستقبلا وهى رؤية
وثيقة للواقع.
·
الفيلم يؤكد أن إسرائيل هى أصل
كل الشرور؟
ــ بالمشاهد الثلاثة التى أحكى فيها عن إسرائيل أؤكد أنها محتل لكننى أؤكد
أن قوة إسرائيل تأتى من ضعفنا.. وضعفنا يأتى من خلال مجتمعاتنا.
·
هل كنت تقصد منذ البداية أن
يشاركك المشاهد اللعبة نفسها داخل الأحداث؟
ــ بالطبع والفيلم له جهتان واقعية ومادية وفى الوقت ذاته داخل متاهة ذهنية
كلنا ضائعون داخلها.
·
الشخصية تعكس جرأة منك خاصة فى
ربط الحادث بين بطل فيلمك وبين شخصيتك الحقيقية؟
ــ هى سذاجة ممن يربط بينى وبين البطل وهو توءم لى لكنه ليس أنا.. هو
يشبهنى لكنه ليس شخصى هو فى عالم مختلف عنى قد يكون متقاطعا مع عالمى وكل
ما أضعه فى فيلمى هو لطرح التساؤلات وسأعطيك مثلا لو ذهبت لشرم الشيخ فسترى
لعبة الشهوة بين العرب والإسرائيليين وفى أوروبا علاقات مشابهة ودورى أن
أكسر المرآة التى فرضوها علينا من خلال الصهيونى ونصهين أفكارنا وأن نرى
أنفسنا من خلال مرآتنا.
·
النهاية مفتوحة لخيال المشاهد..
فهل هذا الفيلم ينتمى لنوعية «اللهم قد أخرجت وعلى المشاهد التفكير»؟
ــ هذا المشهد كان صغيرا داخل السيارة لكننى وأثناء التصوير قمت بتصويرها
كما شعرت بها وهى فرضت نفسها فى المونتاج والسينما تعبير شاعرى فالسينما
هنا صارت هى الأسطورة.
·
الزنديق فى اللغة العربية لها
معنى دينى فهل قصدت المعنى نفسه فى الفيلم؟
ــ لا، زنديق فى الاصل تعنى الصديق ثم تحورت إلى زنديق حينما تداولها
الزرادشت ببلاد فارس، حيث لا يمتلكون حرف الصاد.
وبعد فترة من الزمان انتشرت الكلمة بمعناها السيئ.
·
الجرأة مستمرة فى الفيلم كمشهد
لمخرج عربى عندما قال له الله معك فرد المخرج لا عليه معك.. فهل معناها كما
وصل للبعض دينى؟
ــ لا، هو ضد استعمال الكلمات غير الهينة فى الأمور الهينة.. فلا تستطيع أن
تذكر الله وأنت تكذب وتسرق وتقتل ولعلك تعرف النكتة الجديدة عن أن الشيطان
قرر ترك بلاد العرب قائلا أعطيتكم الفساد والكذب والسرقة وأنتم تفعلونها
معا وتحمدون الله. أنا سأترككم.. وحتى القائمين على الدين يقتلون باسم
الله.
·
محمد بكرى بطل فيلمك ما هى أسس
اختيارك له؟
ــ وجهه بكل تجاعيده وما يحمله كأنه صورة قديمة لفلسطين وهو ممثل جيد ورغم
كبره فى السن إلا أنك تشعر فى داخله بحيوية طفل صغير.
·
الخلفية المسرحية للمخرج.. هل
تفيده أحيانا رغم الصراع القائم بين المسرح والسينما؟
ــ المشكلة أن المسرح هو تيار من التيارات المؤسسة الكثيرة للسينما وربما
لأننى مخرج وثائقى أيضا فأنا أفضل أن آخذ من المسرح خيوطه الدرامية
وصرامته.. وأنا أنصح المخرجين الشبان بأن يتعلموا المسرح جيدا.. وللعلم أنا
تعلمت المسرح من مجلة مصرية قديمة تحمل الاسم ذاته كانت مهمة جدا فى
الستينيات.
·
أن تكون المخرج الأول هل يعطيك
انفرادا أم مصادفة تاريخية؟
ــ هى مصادفة تاريخية وأنا كمعلم للسينما فى بلجيكا فى السنة الثالثة أرى
كيف يحلم الطلاب بالانتقال من طفولة السينما لنضجها وهنا أقول لهم أصبحنا
زملاء وأعتبر نفسى مؤسس السينما الفلسطينية وأجمل شىء هو اننى سعيد بأن
رهانى قد نجح ووضعت أساس السينما الفلسطينية التى حلمت بها والتى صدقت بها
وعلينا ان نحلم جميعا.
·
يقول البعض لا توجد سينما
فلسطينية ولكن يوجد مخرجون فلسطينيون؟
ــ لأننا بلا قاعدة صناعية ولا تقنين ولا دور عرض وممكن نكون كأفراد قد
فرضنا هويتنا السينمائية وسواء أكانت سينما فلسطينية أو أفلاما فلسطينية
فأنا راض بالاثنين لوجود كلمة فلسطين وهذا هو أجمل شىء.
·
أنت ترفع مقولة سينما الفقراء؟
ــ نعم أنا منهم وأرفع مقولة سينما الفقراء وثقافتهم بدلا من الفقر السياسى
ويمكن لنا تعلم الحكمة من تراكمها لدى الناس الطيبين وأنا أخجل عندما يقول
رئيس الجمهورية إن الشعب أولاده وأقول لهم تعلموا منهم.
·
ما هو مشروعك القادم؟
ــ عدة مشاريع أقواها بالنسبة لى فيلم عن قصة حب فلسطينية قبل مجىء نابليون
وتنتهى مع قدومه لفلسطين.
الشروق المصرية في
15/11/2010
المخرج التونسى ناصر خمير:
لا يوجد نجوم فى السينما وما نراه هى سوق عربية للسمسرة
دمشق ـ أحمد فاروق
أكد المخرج التونسى ناصر خمير معاناته من الحصول على تمويل لأفلامه وتوقع
أن هذا الحال سيستمر حتى رحيله، مشيرا إلى أن البعض يتعامل مع السينما
كصناعة وتجارة، والآخر يتعامل معها كفن، لكنها فى رأيى لغة تعطى صورة مهمة
عن كل حضارة ومجتمع، وبما أن مجتمعاتنا غير مهتمة بصورتها، فلا يمكن أن تجد
تمويلا لمثل نوعية الأفلام التى أقدمها.
وتابع: حتى التمويل الخارجى لا تهمه أفلامى لأنها تتحدث عن العرب، فكل
أفلامى سواء «بابا عزيز» أو «طوق الحمامة المفقود» أو «الهائمون» تبحث فى
الحضارة، لذلك تجد كل عربى يشعر أنها تتحدث عنه ولا يمكن أن تصنفها تونسية
أو مغربية أو مصرية، وإنما عربية.
ويكفينى أن يحب الناس أفلامى حتى اذا كانت بلغة فارسية، والسبب أنها تنطلق
من الإحساس مطعماً بالفكر، وأظن أن الإحساس بجماليات حضارتنا العربية
والإسلامية شىء نادر جدا، وهذه هى أزمتنا الكبرى.
فتجد كثيرا من الشباب لا يشعر بهذا الإحساس، رغم أن من يعرف ويشعر بحضارته
تكون له كل العزة، فنحن فى حاجة لتذكر حضارتنا خاصة فى ظل الإهانات التى
نتعرض لها ونقاسى منها فى كل مكان، واذا تحقق ذلك من خلال صورة فى فيلم
فهذا فى رأيى لا يقدر بمال.
وأوضح خمير الذى يكرمه مهرجان دمشق السينمائى أن الافلام التى يكتبها ليست
فقط هى التى قدمها عن الحضارات، وإنما هناك أعمال أخرى عن الحاضر، ولكنها
لم تخرج للنور، وأن ما تم تنفيذه من 30 سيناريو كتبها 3 أعمال فقط.
وتابع: لكنى لا أتوقف عن الكتابة والعمل، وأنا أشبه ما يحدث معى، بما تعرض
له قبلى المخرج والاستاذ الكبير شادى عبدالسلام، الذى لم يقدم فى مسيرته
سوى فيلم واحد «المومياء»، رغم أن مصر فى حاجة ملحة لمشروع فيلم «إخناتون»
الذى لم يكتمل نتيجة عدم وجود تمويل.
وأهمية هذا الفيلم نابعة من أنه أراد صناعة فيلم حضارى يدافع فيه عن
التوحيد، وأن فكرة الإله الواحد خرجت من مصر، ورغم أن تحضيرات هذا الفيلم
استمرت 18 عاما، لكن شادى توفى قبل إنجازه، وهذه خساره كبيرة. وهذا يدفعنى
لطرح سؤال لصناعة السينما المصرية هو: كم بدد من مال فيما لا يعنى، حتى لا
تساعدون هذا المشروع للخروج للنور ومصر فى أمس الحاجه اليه؟.
وعما اذا كان يرغب فى استكمال المشروع بعد وفاة شادى عبدالسلام خاصة مع
ظهور محاولات لانجازه الفترة الاخيرة قال: لا أحد فى مصر يستطيع تنفيذ هذا
المشروع، حتى أنا لا أصلح لتنفيذه، لأن هناك فرقا كبيرا بينى وبين الاستاذ،
فهو كانت مرجعيته وخلفيته وجمالياته فرعونية، أما أنا فليس لى علاقة
بالفراعنة ومرجعيتى وثقافتى إسلامية عربية، الشىء الوحيد الذى يجمعنا أنه
كان مهتم بالتدقيق فى كل شىء.
وأكد خمير على أن شادى عبدالسلام لم يقدره المصريون حتى بعد وفاته، وأنه لا
أحد حزين لافتقاد هذه القيمة الكبيرة، والدليل واضح أن من رمم المومياء هى
أمريكا وليس مصر.
وعن أسباب عدم تعاونه مع نجوم الممثلين قال منفعلا: ليس هناك نجوم ولا
شباك، وما يحدث لا يخرج عن كونه سوقا داخلية للسمسرة، بين سوريا ومصر
وتونس، فليس هناك نجم فى السينما.
وبالنسبة لمصر فمن هو الممثل الخارق للعادة، أو السيناريو العظيم، اعتقد أن
السينما المصرية انهارت بعد رحيل صلاح أبوسيف وجيل العمالقة، ومن يطلق
عليهم نجوم الآن هم حتى لا يعرفون كيف يرتدون ملابسهم.
ولكن يجب توضيح أن النجوم الموجودين حاليا هى نجوم فقط للمسلسلات وليس
للسينما، ومقتنع بأن العرب ليسوا فى حاجة للسينما، لأن علاقتهم بالصورة
تنحصر فى مشاهدة مسلسلات رمضان. فإذا بحثت عن النجم الحقيقى ستجده فى
المسلسلات أما السينما فليس بها نجوم، لأن جميعهم رحمة الله عليهم.
ويستطرد: وإن كنت أرى أن الأمل لا يزال موجودا لتصحيح هذا الوضع لأن يوجد
شباب سينمائى فاهم، ولكن البعض فى مصر لا يساعدوهم على الظهور حتى كأنصاف
نجوم. وقال إنه اقترب من الانتهاء من فيلمه الجديد الوثائقى «البحث عن
الشيخ محيى الدين» بتمويل من وزارة الثقافة التونسية مع المؤسسة العامة
للسينما فى سوريا، بالإضافة إلى بعض الإعانات من الخارج.
الشروق المصرية في
15/11/2010
وتمخّضت «غادة السمّان» عن... قبلة
دمشق ــ خليل صويلح
«حرّاس الصمت» محطّة أساسيّة في «مهرجان دمشق السينمائي» الذي اختتم مساء
السبت. لكن سمير ذكرى تشاغل بعقد الخمسينيات عن الغوص في سيرة الكاتبة
السوريّة المتمرّدة
تبدو المفارقة واضحة حقاً حين تتعلق المسألة بالسيرة الذاتية العربية. هناك
منطقة محظورة لجهة المكاشفة وهتك المستور، حتى لو كانت هذه السيرة لكاتبة
متمرّدة مثل غادة السمّان. «حرّاس الصمت» للمخرج سمير ذكرى (إنتاج المؤسسة
العامة للسينما) الذي عُرض ضمن «مهرجان دمشق السينمائي» (راجع الكادر)، وهو
مقتبس عن «الرواية المستحيلة: فسيفساء دمشقية» للكاتبة السورية المعروفة،
مثال حيوي على المخبوء والمضمر في طيات هذه السيرة. ويحضرنا فيلم
Hours
«الساعات» للبريطاني ستيفن دالدري الذي تناول سيرة فرجينيا وولف كنموذج
مضاد. تأتي مفردة التمرّد هنا في سياق يوميات مراهقة مشاكسة في محيطها
العائلي، بتحريض ومباركة من والدها المحامي الذي درس القانون في باريس
الأربعينيات. تسعى «زين الخيّال» إلى أن تصبح كاتبة على خطى والدتها هند
الرشيدي التي ماتت بسبب القيم البالية، لكنّنا بالكاد نعرف ماذا تكتب. هناك
إشارة إلى مقال منشور لها في مجلة «النقاد» الدمشقية. عدا ذلك، فالشريط يقع
في إعادة إنتاج حقبة الخمسينيات وأمواجها السياسية المتلاطمة، ليغرق في
تفاصيل بيئية لطالما استهلكتها أعمال تلفزيونية بالجملة. هكذا يمضي صاحب
«وقائع العام المقبل» بمشروعه السينمائي على أرضية فكرية أولاً، مهموماً
بأسئلة النهضة والتنوير باستشهادات من أقوال عبد الرحمن الكواكبي الذي أنجز
شريطاً عنه بعنوان «تراب الغرباء»، من دون اعتبارات جوهرية لبنية الفيلم
كسرد بصري أولاً. ستصادفنا مشاهد فولكلورية من الموروث الدمشقي بإطالات غير
مبررة مثل مشهدي الحمّام والمولوية. لكن ما يحسب للمخرج الذي كتب سيناريو
الفيلم بنفسه، قدرته على بناء سرد مواز للنص الأدبي عبر تقنية تعدد
الأصوات، إذ تنسحب الشخصية من الكادر لتروي وجهة نظرها بالحدث، فيما تهيمن
الراوية زين (نجلاء الخمري) على بقية تفاصيل الذاكرة. تحضر الطفلة بمشاهد
استرجاعية للطقوس العائلية التي نشأت فيها، والمراهقة وانخراطها في تحولات
الشارع السياسي.
غابت اللقطة المدروسة بإحكام لمصلحة حوارات طويلة لا تغني السرد
لكنّ الشريط الذي نال تنويهاً خاصاً من لجنة تحكيم المهرجان، سيبقى حذراً
في ملامسة جماليات المكان الخارجي لأسباب إنتاجية ربما. المكان يحضر في
الرواية الأصلية كمفصل أساسي في العمارة الدراميّة، فيما تذهب العدسة في
فيلم سمير ذكرى إلى تفاصيل البيت الدمشقي من الداخل. كأن هذا الخيار صورة
موازية لذاكرة الطفلة، ومحاولاتها المتكررة في الطيران خارج الأسوار
المغلقة، واللحاق بروح أمها التي يحضر شبحها في ثنايا الشريط كنموذج يحتذى
في التمرد. لكن هذا النموذج أتى قبل أوانه، فتدفع الأم حياتها ثمناً له، ما
يقود الابنة إلى إكمال سيرة والدتها كصورة أخرى عنها.
لا تكتفي زين بالطيران عبر أحلامها الليلية فقط، بل تحقق أمنيتها في
الواقع، عندما تتبرع بمرافقة طيار ألماني في رحلة تجريبية لإحدى الطائرات
الشراعية في دمشق، ثم تخضع لدورة في الطيران وتتمكن من قيادة الطائرة. في
المشهد الأول، تشهد الطفلة مقتل إحدى قريباتها بتهمة فقدان بكارتها، إذ
تُدبّر لها حادثة فتقع من أعلى السطح إلى الشارع للتخلص من «عارها». لكنّ
الطفلة ستطيّر جثمانها إلى السماء في ملاءة بيضاء مستعارة بوضوح من حادثة
اختفاء ريميديوس في رواية ماركيز «مئة عام من العزلة». هكذا يُغلق سمير
ذكرى القوس بين المشهدين الأول والأخير بحادثة طيران حقيقية، كأن زين
تجاوزت الأسوار الاجتماعية التي كانت تضغط على تطلعاتها في التمرد بجسد آخر
أكثر حريّة وانطلاقاً. ألم تخضع لدروس في الرقص؟ لكن هذه التحوّلات لم تجد
مسالك لها في محيطها العام، أو حتى في كتاباتها التي ظلت مجهولة، في محيط
غارق في الغيبيات والخوف والعزلة.
ساعتان ونصف ساعة أثقلت الشريط بتفاصيل جانبية، كان بالإمكان الاستغناء
عنها بمونتاج صارم، يخفّف من الإيقاع البطيء الذي أصاب مفاصل الحبكة بدروس
فكرية وإيديولوجية يُدرجها سمير ذكرى في أفلامه كلها. هكذا، تفلت منه
اللقطة المدروسة بإحكام، لمصلحة حوارات طويلة لا تغني السرد، بقدر ما تنهكه
بمطبات بصرية مثقلة بالرموز والمجازات الفائضة عن حاجة المتلقّي. نشير هنا
إلى الدجاجة المذبوحة ليلة العرس، بلقطات متناوبة مع صورة العروس، أو إلى
صور زعماء البلاد المرصوفة على جدار غرفة الجدة، خلال فترة الانقلابات،
وصولاً إلى عهد شكري القوتلي (1957)، المرحلة التي ينتهي عندها زمن
الأحداث، مع التطلع إلى وعد زعيم آخر هو جمال عبد الناصر. كأن هذه البلاد
منذورة للطغيان بكل أطيافه.
نخرج من الفيلم ونحن نتساءل: هل هذه صورة دمشق في الخمسينيات بكل غليانها؟
وهل هذه سيرة غادة السمّان حقاً؟ ذلك أنّ شحنة التمرّد بقيت مؤطرة عند حدود
قبلة مختلسة على خدّها من حبيبها الأول، وإذا بـ«القبيلة تستجوب القتيلة»
مرةً أخرى.
رشيد بوشارب متوّجاً في دمشق
اختتم مساء السبت «مهرجان دمشق السينمائي الدولي» بدورته الـ18 مع توزيع
الجوائز. هكذا، انتزع الفيلم الجزائري «خارجون عن القانون» لرشيد بوشارب
جائزتين هما أفضل فيلم عربي، والجائزة الذهبية لمسابقة الأفلام الطويلة،
فيما نال الفيلم الإيراني «يرجى عدم الإزعاج» الجائزة الفضية للأفلام
الطويلة، والفيلم السوري «مطر أيلول» البرونزية.
وفي الأفلام القصيرة، نال الفيلم البلجيكي «الأرجوحة» الجائزة الذهبية،
والفضية للفيلم السلوفاكي «حجارة»، والجائزة البرونزية للفيلم التونسي
«موجة».
وحظي جورج بستلينو بجائزة أفضل ممثل عن دوره في الفيلم الروماني «إذا أردت
أن أصفر فسأفعل»، فيما كانت جائزة أفضل ممثلة من نصيب غابريلا شمايتي عن
دورها في الفيلم الألماني «مصففة الشعر». أما «جائزة مصطفى العقاد» لأفضل
إخراج، فذهبت إلى إريها إيرود عن الفيلم التركي «كوزموس».
الأخبار اللبنانية في
15/11/2010
سميح قبلان أوغلو «شاعر» السينما التركيّة الجديدة
زياد عبد الله
فيلمه «عسل» الذي افتتح «مهرجان دمشق»، حلقة أخيرة من ثلاثية بدأت مع «بيض»
(2007)، وتواصلت مع «حليب» (2008). مناسبة لاكتشاف السينمائي التركي الذي
ينتمي إلى جيل يراهن على بلاغية الصورة
تمضي الحياة معكوسة أو مستعادة، ويمكن البيْض أن يكون مجازاً عن منتصف
العمر، بينما تمسي المراهقة بيضاء كالحليب، إلى أن نبلغ عسل الطفولة. بهذا
الاختزال يمكن توصيف ثلاثية السينمائي التركي سميح قبلان أوغلو (1963):
«بيض» (2007)، و«حليب» (2008)، و«عسل» (2010) الذي افتتح «مهرجان دمشق
السينمائي»، ونال قبل ذلك جائزة «الدب الذهبي» في «مهرجان برلين السينمائي»
الأخير.
يحضر الاسترسال بقوة في العوالم التي يقدمها أوغلو في ثلاثيته. وينطبق ذلك
على أعمال مخرج بحجم نوري جيلان الذي يمثّل مع أوغلو أبرز السينمائيين
الأتراك حالياً، ومعهما جيل جديد يجتمع على حساسيات متناغمة ومتشابهة
تستثمر في البيئات وتنويعاتها العرقية والمناخية، والإيقاع البطيء واللقطات
الطويلة، والرهان على المشهدية وبلاغيات الصورة مع التقشف في الحوار.
هذه الخصائص يمكن تتبعها في تجارب إخراجية ظهرت في السنتين الأخيرتين، مثل
أوزغان ألبير في باكورته «خريف» الذي يروي قصة معتقل سياسي يعود إلى قريته،
وفيلم ييشيم أوسطا أوغلو «صندوق باندورا» الذي يحكي رحلة بحث الأبناء
الثلاثة عن أمهم المفقودة، وبدرجات أقل في فيلم بيلين إسمر «10 حتى 11» حيث
الرهان هنا على مصير مدحت المحاصر بالتذكارات، وكذلك الأمر مع فيلم
«المسبحة الخطأ» لمحمود كوشكان حيث يقع مؤذن شاب في غرام امرأة كاثوليكية.
مع سميح قبلان أوغلو، يمكن الحديث عن الفيلم القصيدة. التوصيف الذي يميل
إليه أوغلو نفسه وهو يرى في الفيلم حساسية شبيهة بالقصيدة، يمكن لفاصلة في
غير مكانها أن تسيء إليها. وفي تتبع ذلك عبر ثلاثيته، فإنّ التكثيف
والاختزال سيكونان عنصرين حاسمين في السرد البصري، ودائماً مع لقطة
افتتاحية طويلة.
إيقاع بطيء، ولقطات طويلة، ورهان على المشهدية، وتقشّف في الحوار
في «بيض»، نرى امرأة عجوزاً قادمة من بعيد باتجاه الكاميرا، إلى أن يحتل
وجهها الكادر بأكمله. ثم تخرج من الكادر من دون قطع للقطة، ونشاهدها تعود
من طريق أخرى موازية للتي جاءت منها. بعد ذلك، سنعرف أنها أم يوسف التي
توفاها الأجل.
في «حليب»، رجل جالس إلى طاولة يكتب على دفتر صغير، ثم نراه يعلّق امرأة من
رجليها إلى شجرة، فيما هناك قدر تغلي تحتها. وبطريقة أشبه بتعزيمها
(الرقية)، تخرج أفعى من فمها. الأفعى التي سرعان ما تحضر في سياق الفيلم مع
أم يوسف، والرجل الذي يقوم بتعزيم المرأة هو المنقّب عن الآبار الذي يرافقه
يوسف، ونتعرف إلى ابنه في «بيض» الذي يكون عاشقاً لقريبة يوسف.
اللقطة الافتتاحية الأطول ستكون في «عسل» حيث والد يوسف مع حماره قادم من
بعيد. حالما يقترب، ينظر إلى أعلى ويبدأ بتسلق شجرة عالية بحبل سرعان ما
ينقطع فيبقى معلقاً بين الأرض والسماء إلى أن نعود إليه في الجزء الأخير من
الفيلم.
تنقلات يوسف في الأفلام الثلاثة هي تنقلات الشاعر. هو رجل في أواخر
الثلاثينيات في «بيض»، يعود إلى قريته ليشهد دفن أمه. يحمل بيضة حمامة في
راحة كفه سرعان ما تنكسر في أحد مناماته، بينما نجده في مشهد آخر عالقاً في
بئر يصرخ ولا أحد يسمعه، وإيلا الفتاة التي كانت تعتني بوالدته، لا تعثر
على بيضة في قنّ الدجاج إلا في نهاية الفيلم.
ستمر حياة يوسف كاملة وهو يمدد إقامته في القرية من أجل أضحية أوصت بها
أمه. تفاصيل حياته وإيلا، كلّ ذلك قد يُسرد بلقطة واحدة أو عبارة في حوار
مقتضب مع صديق قديم، كأن نتعرف إلى حبّه الأول، وإلى أنّه شاعر، ونعرف كل
ما خلّفه وراءه بعدما ذهب إلى إسطنبول ولم يزر قريته لأكثر من عشر سنوات.
أم يوسف المتوفاة في «بيض» تحضر أيضاً في «حليب»، وابنها غارق دوماً في
الكتب والكتابة. تفتش في أول قصيدة منشورة له عن الفتاة التي يحبها، وهو
يساعدها في أعمالها ويبيع الحليب. وسرعان ما تهمله أمه حين تقع في غرام
عامل محطة القطار، فيعيش يوسف سلسلة من الخيبات وصولاً إلى اكتشافه أنّه
مصاب بالصرع حين يُعفى من الخدمة العسكرية.
يوسف يتيم الأب في «حليب»، نتعرف إلى والده في «عسل»، وهو يجد صعوبة في
النطق، ولا يتكلم مع والده إلا همساً. ذلك أن الأحلام لا تروى إلا همساً.
ولعل الفيلم لا تفارقه للحظة الأجواء الحلمية. يوسف لا يقوى على حفظ شيء
إلا قصيدة يسمع فتاة في المدرسة ترددها. هو لصيق دوماً بوالده، يجد فيه كل
عالمه، بينما نسر أبيه يرافقه في طريقه إلى المدرسة، التي حالما يعود منها
يمضي مع والده ليساعده في أعماله. لكن الأب يمضي في رحلة بحث عن العسل ولا
يعود، إذ يسقط من الشجرة التي يتدلى منها في بداية الفيلم.
الأفلام الثلاثة متصلة ومنفصلة في آن، تجتمع على جماليات يتسيّدها السرد
البصري في غياب تام للموسيقى التصويرية. بل إن الدقائق العشرين الأخيرة من
«حليب» لا تحوي كلمة واحدة، إذ تتولى المشاهد سرد كل شيء، مستثمرةً الطبيعة
ونبضها المتناغم، ونبض الشخصيات، لنكون أمام ثلاثية الحياة في دورتها
الكاملة.
الأخبار اللبنانية في
15/11/2010
السينما السوريّة المستقلّة: نصف نجاح
دمشق ــ وسام كنعان، أنس زرزر
يحاول هيثم حقي دعم السينما السورية، عبر شركة «ريل فيلمز» التي يديرها.
هكذا شارك في «مهرجان دمشق» بفيلمين هما «مطر أيلول» لعبد اللطيف عبد
الحميد و«روداج» لنضال الدبس.
في «مطر أيلول» الذي نال الجائزة البرونزية في مسابقة الفيلم العربي، جاء
التعامل مع دمشق بعيداً عن الأرياف التي نسج منها عبد اللطيف عبد الحميد
حكايات العديد من أفلامه. يبدأ الشريط بالمقطوعة الشهيرة لـ«أمير البزق»
محمد عبد الكريم التي افتتح بها «إذاعة دمشق» ولا يزال السوريون يحفظونها.
حالات حب احتفالية ولّفها المخرج السوري بطريقة منسجمة، رغم غياب الرابط
المنطقي بينها.
نحن هنا أمام عائلة أحد أفرادها بائع بطيخ (يامن حجلي)، تدمى قدميه من
الجري تحت شباك عشيقته. بينما وجد الثاني (حازم زيدان) حلّاً يقترب فيه من
حبيبته عندما صار يغسل لها سياراتها في أجواء كرنفالية جذبت كل الجيران،
فراح يتلقّى أجرته بابتسامة ولمسة يد ناعمة. وهناك أيضاً الأب الأرمل (أيمن
زيدان) الذي عشق «الشغالة» (سمر سامي) على إيقاع مفاجآت أولاده. ورغم إقحام
عناصر تمثّل السلطة والأمن في الفيلم بطريقة غير مبرّرة، استطاع «مطر
أيلول» حبس أنفاس المشاهدين، وخصوصاً مع أداء سمر سامي وحضور أيمن زيدان.
أما «روداج» فيطرح قصة حب عادية تجمع جهاد (مهند قطيش) الذي يعمل ميكانيكي
سيارات، بحبيبته (قمر خلف). لكن سرعان ما تتحول هذه الحكاية إلى وسيلة
لتشريح خوف الإنسان، وتردده في الحصول على ما يرغب. يخرج جهاد مع حبيبته في
رحلة إلى الصحراء، هرباً من شقيقها ضابط الأمن المتنفذ. لكن حادث سير يقلب
حياة العاشقين. يعثر البدو على جهاد بعدما ترك حبيبته غائبة عن الوعي
لتختفي بطريقة غامضة. ثم يقوده القدر إلى أحضان العم محمود (سلوم حداد)
العسكري المتقاعد صاحب الشخصية المتناقضة الذي يعمل في التهريب وتحنيط
الطيور الكاسرة.
نكتشف مع النهاية أنّ العم محمود أخفى الفتاة في شقة زوجته المقعدة، ليعمل
على ترويض جهاد، وتخليصه من خوفه... محاولاً بذلك التعويض عن وقوعه في
الخطأ نفسه سابقاً، حين حاول التخلص من زوجته بافتعال حادث سير.
الشريط أثقلته الدلالات الرمزية، والتحليلات النفسية، للمشاعر الإنسانية
المتناقضة. بدوره، حاول الدبس إيجاد معادل بصري لمجمل الأفكار التي قدمها،
لكنه لم ينجح في مجاراتها بصرياً. هكذا، تكررت تفاصيل كثيرة على نحو مجاني،
وخصوصاً مشاهد الصحراء. كما فشل المخرج في تقليد الإيقاع البطيء التي تتميز
به السينما الروسية خصوصاً، إضافةً إلى الأداء الباهت لمهند قطيش وعجزه عن
ترجمة الصراعات التي تعيشها الشخصية. كل ذلك أسهم في تسرّب الملل والرتابة
إلى إيقاع الفيلم.
الأخبار اللبنانية في
15/11/2010 |