منذ مشاركته في تظاهرة «أسبوع النقاد» في مهرجان «كان» 2009، وفيلم «همس
الريح»
للمخرج الإيراني شهرام أليدي لا يتوقف عن التجوال في المهرجانات السينمائية
معرفاً
شعوب العالم بواحدة من أفظع المجازر التي ارتكبت بحق البشرية في القرن
العشرين:
مجزرة الأنفال.
ومجزرة الأنفال لمن لا يعرف، لا تعود الى زمن
غابر عاشت فيه النزعات القومية مرحلة من الازدهار والزهو، إنما هي مجزرة
حديثة
العهد، تعود لعام 1988 فقط، وراح ضحيتها 182 ألف كردي على يد نظام صدام
حسين.
رقم مخيف لا يمكن الا ان يحرّك مخرجاً ملتزماً قضايا الإنسان مثل
شهرام أليدي، فكان ان حمل كاميراه وجال بها على الحدود
الإيرانية - العراقية
مستمعاً الى قصص ضحايا الاضطهاد وأخبار الانتهاكات... وهكذا أبصر النور
«جنينه»
الأول، كما يحب أليدي ان يسمي فيلمه
الروائي الطويل الأول «همس الريح»، وبدأ معه
السجال حول دور الفن في فضح السياسة.
لكنّ أهمية هذا الفيلم لا تكمن في
تصويره مجزرة الأنفال، إنما في قول كل ما يمكن ان يقال حولها من دون مشاهد
عنف
ودماء. من هنا اتكأ المخرج على صورة شاعرية توصل الرسالة من دون اي توابل
من خلال
حبكة ذكية تدور حول ساعي بريد، يسافر إلى القرى الجبلية الكردستانية، ليسلم
رسائل
صوتية عن أخبار البلاد والعباد. حياة هانئة يعيشها بطلنا، الى
ان يطلب منه أحد
القادة العكسريين الذهاب إلى قريته وتسجيل صوت طفله الرضيع. هنا تبدأ رحلة
من نوع
آخر. رحلة تُعري الانتهاكات التي ارتكبها نظام صدام حسين ضد الأكراد، وتفضح
سكوت
المجتمع الدولي.
عن هذا الفيلم والصعوبات التي تواجهها السينما الإيرانية
سألت «الحياة» شهرام أليدي أثناء مشاركته أخيراً في مهرجان «آمال» للفيلم
الأوروبي -
العربي في إسبانيا حيث نال جائزة «أفضل
فيلم روائي طويل»، فكان هذا
الحوار:
>
لماذا حرصت ان يكون فيلمك الروائي الأول عن مجزرة الأنفال التي
ارتكبها نظام صدام حسين ضد الأكراد، خصوصاً ان تاريخ الأكراد
وإيران، الدولة التي
تنتمي اليها، لم يكن يوماً مفروشاً بالورود؟
-
كل الانتهاكات التي يرتكبها
شعب ضد شعب آخر، تحرّك السينمائي في داخلي، وتحضّه على فعل امر قد يساعد
هؤلاء
المظلومين. في فيلمي القصير «القرية التائهة الأخيرة» تحدثت عن قرية لا
يوجد
إحصاءات عن عدد مواطنيها. وغالباً ما يسألني المقربون مني لمَ
أُحَمّل مواضيعي
أفكاراً تؤرق المشاهد. باختصار لأن المنسيين هم موضوعي وليس فقط الأكراد.
لماذا
اخترت الأنفال؟ لأنني اردت ان أصنع فيلماً يذكّر بما حدث. في القرآن الكريم
وسواه
من الكتب السماوية، كلمة «تذكّر» مهمة جداً. للأسف الناس
يحكمون ولا يتذكرون. من
هنا دوري كسينمائي ان أسلط الضوء على التاريخ. أريد ان أقول للبشر لا
تقتلوا أخاكم.
لا تتقاتلوا في ما بينكم. أنظروا الى ما
جرى عبر التاريخ وخذوا العبر.
·
واضح انك تنساق الى سينما
القضية؟
-
ليست السينما فقط فن، إنما هي أيضاً
سياسة واقتصاد وسيكولوجيا. السينما تساعد الناس على معرفة ما يحدث من
حولهم،
وتساعدهم في عملية التثقيف، وكيف ينظر بعضهم الى الآخر. أنا كسينمائي من
الشرق
الأوسط لا يمكن ان أحقق أفلاماً بمعزل عن قضايانا. نعيش وسط
وضع معقد جداً. علينا
ان نكون مثل الميزان، بهدف الوصول الى حياة أفضل. الثقافة تغير المجتمعات.
إذا
قرأنا التاريخ نتعلم دروساً كثيرة في هذا المجال. الثقافة في استطاعتها ان
توقف
حروباً. من هنا الأساسي، عندي، هو الابتعاد عن الأفكار
المسبقة، وعدم إطلاق
الأحكام... عليك ان تسلطي الضوء على ما يحدث فحسب. لا انكر ان هذا الأمر
صعب جداً،
لكنّ واقع الفنان في الشرق الأوسط خاص جداً.
·
إذاً، تعرّف نفسك بأنك
سينمائي سياسي؟
-
شئت ام أبيت حين تعيشين في منطقتنا تصبحين ملتزمة السياسة.
ولكن، بداية يجب ان نتفق على كيفية تعريف السياسة. إذا كانت السياسة نمط
حياة
وأسلوب عيش، اعتقد ان السينما مادة خصبة لهذا الموضوع. اما إذا كانت
السياسة
انتخابات وتوازن قوى، فحينها لا اكون مخرجاً سياسياً. باختصار
السينما التي احبها
هي التي تحمل رؤية من دون عنف او بروباغندا او أحكام مسبقة. من هنا أردت
فيلمي ان
يكون جسراً للسلام. وحاولت قدر الإمكان الا ارجح كفة طرف على آخر، خصوصاً
ان إيران
والعراق، كان لديهما مشكلة كبيرة في ما بينهما حول هذه الحرب. من هنا، كان
عليّ ان
اجد صيغة ترضي الجميع. وليس سهلاً ان تبقي سالمة حين تختاري ان تدخلي في
هكذا
لعبة.
·
لكنّ الميزان في الفيلم يرجّح
كفة الأكراد، لا العراق ولا
ايران؟
-
الفيلم يرجح كفة الإنسان لا أي شيء آخر. من هنا هربت من بعض مصادر
التمويل لأنها أرادتني ان أقوم ببعض التنازلات. ولذا بقيت أربع
سنوات وأنا انتظر
تحقيق الفيلم.
·
لكنّ فيلمك مموّل من وزارة
الثقافة في إقليم
كردستان؟
-
بالفعل وزراة الثقافة موّلت الفيلم، لكنني لم أقم بأي تنازل إذ
كان على رأس الحكومة في تلك الفترة نيجيرفان برزاني، وهو شخص
مثقف ويحب السينما.
وهنا اتمنى ان يقتدي السياسيون في الشرق الأوسط بهذا الرجل ويسخّروا
السياسة في
خدمة الثقافة.
·
وماذا عن واقع الفنان في إيران،
خصوصاً ان فيلمك هذا، لم
يكن ليبصر النور لو لم تخرج به من ايران الى العراق؟
-
تجربتي السينمائية في
إيران لا تحمل ذكرى جيدة. فأن تبقي أربع سنوات عاجزة عن تحقيق فيلمك ليس
بالأمر
السهل. خسرت اربع سنوات من عمري. ولا يمكنني ان أغفر لمن ساهم في ذلك. ولا
أخفي
سراً ان قلت لك ان شخصيات من مستوى رفيع في السلطة، هنأتني على
الفيلم، ومع هذا لم
أحصل على إذن للعرض في إيران.
·
من تلوم تحديداً في إيران؟
-
لا
اريد ان اسمي اشخاصاً. ولكن، من حقي ان أصنع أفلاماً في إيران. أحب ان أحقق
أفلامي
في بلدي. لكن الظروف تعاكس المرء أحياناً. من هنا احمل مشروعين
جديدين. أحدهما
إيراني والثاني يدور حول العالم العربي. قد تسألينني، لماذا مشروعان في وقت
واحد،
وجوابي لأنني لا اريد أن أخسر اربع سنوات أخرى من عمري... فتجربتي
الإيرانية لم تكن
مشجعة، لذا أعوّل على المشروع الآخر، وهو كوميديا عن السلام
يدور حول الطعام
والحرب. واعتقد ان على الناس في هذه الألفية ان يتعرفوا أكثر الى اذواق
الشعوب،
وأنا كفنان دوري ان اعمل على حضّ الناس على رؤية التفاصيل.
·
الى اي
مرحلة وصل هذا الفيلم؟
-
قبل وصولي الى مهرجان «آمال» كنت انتهيت من كتابة
السيناريو. وبعد المهرجان سأتوجه مباشرة الى باريس بحثاً عن
منتج فرنسي. كما آمل
بأن اجد منتجاً من العالم العربي، لأنه يهمني ان أوزّع فيلمي هناك. وعموماً
سيكون
الفيلم بثلاث لغات: العربية والكردية والفرنسية أو الإنكليزية.
·
كيف
ترى السينما الإيرانية اليوم؟
-
بعد الثورة فتحت الأبواب امام السينما
الإيرانية، إذ بدأت تلقى الدعم الرسمي في محاولة لكسر احتكار السينما
الهوليوودية.
ولعل ما يميز هذه السينما مواضيعها، إذ
تسلط الضوء على العائلة وكيفية حمايتها
وسواها من امور تهمّ الإنسان. ولكن في السنوات الخمس الأخيرة
بدأت العوائق تواجهها،
وبدأت الحواجز توضع امامها.
·
حدثنا عن تجربتك في مهرجان
«كان»؟
-
عند انتهاء تصوير فيلم «همس الريح» بدأت المشاكل. فالموازنة لم تكن كافية،
ومدير
التصوير حاول ان يعيق ارسال الفيلم الى «كان». لكنني ظللت أقاوم لشهرين، ثم
سافرت
بالفيلم على نفقتي الخاصة. ولكن، ما ان وصلت الى «كان»، ذاك
المحيط الكبير من
السينما، حتى نسيت كل ما عانيته. وقد تجاوب الحضور والصحافة مع الفيلم في
شكل رائع،
وحصدت ثلاث جوائز من أصل اربع في تظاهرة «أسبوع النقاد».
·
وماذا عن
الجائزة الأخيرة التي نلتها في مهرجان «آمال»؟
-
وصلتني جائزتي يوم عرض
الفيلم في
مهرجان «آمال» لا في ليلة الاختتام. ذلك ان الجمهور الحاضر والأسئلة التي
طرحها حول
الفيلم كانا كفيلين بمنحي تلك الجرعة من الثقة والاعتزاز بالنفس. ولا شك في
انه
جمهور مثقف يعكس ثقافة مدينة سانتياغو دي كومبوستولا الرائعة
بمبانيها وهندستها.
وبرأيي المهندسون لم يبنوا هذه المدينة، إنما الثقافة هي التي بنتها.
·
بعدما عرض فيلمك الروائي الأول
في مهرجان «كان»، هل سيشكل ذلك عائقاً امام فيلمك
الثاني؟
-
عندما عرض الفيلم في «كان»، كانت سعادتي لا توصف، لأنني تجاوزت كل
المحاولات التي أرادت إعاقة عرض الفيلم، وعرضته في اعرق
مهرجانات العالم. حينها قلت
لنفسي، «ان كنت عاجزاً عن صنع فيلمك الثاني في ايران، لديك خيارات أخرى
متاحة
أمامك»، وأنا سعيد بهذه الخيارات، وما من شيء سيقف في طريقي.
الحياة اللندنية في
12/11/2010
«خارجون
عن القانون»: نقاشات واتهامات...
وغياب للمتفرجين
باريس - ندى الأزهري
الراغب في رؤية فيلم «خارجون عن القانون» للجزائري
الفرنسي رشيد بو شارب، الذي
يعرض في المسابقة الرسمية في مهرجان دمشق السينمائي، لن يكون
بمنأى عن كل ما صاحب
الفيلم من أحداث: إثارته للجدل وللاستنكار كما لبعض التجمعات الاحتجاجية
حين عرضه
في مهرجان كان الأخير وفي مدينة مرسيليا، الاتهامات بالاقتباس التي وجهت
إليه
مؤخراً، والنقد القاسي الذي تعرض له من قبل الصحافة الفرنسية،
وأخيراً لا بد أن
المتهم سيعقد المقارنة بينه وبين فيلم «رجال وآلهة» للفرنسي كزافييه بوفوا،
متذكراً
بقائه المحدود نسبياً في دور العرض الفرنسية مقارنة بهذا الفيلم بالذات.
لمَ «رجال وآلهة»؟ لأن الفيلمين عرضا معاً في كان،
وخرجا في وقت واحد تقريباً في
دور العرض الفرنسية. وهما، كل بأسلوبه ونظرته، يتعرضان للتاريخ الجزائري
الفرنسي
بكل تعقيداته، ويسردان وقائع ترتبط بهذا التاريخ، هذا ما يقوله بو شارب
نفسه عن
«خارجون
عن القانون» في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية «الفيلم قصتي، قصة عائلتي
وأصدقائي لقد عشت هذه الحرب (حرب الاستقلال) من خلالهم و(تاريخ) والديّ جزء
من
تاريخها وما زلت أذكر التفاصيل بوضوح». أما «رجال وآلهة»، الذي
نال جائزة لجنة
التحكيم في «كان» والذي لقي ترحاباً نقدياً كبيراً وإقبالاً جماهيرياً
واسعاً في
فرنسا، فيروي مجزرة الرهبان الفرنسيين عام 1996 في دير تبحرين في جبال
الأطلس
الجزائرية، رهبان راحوا ضحية إيمانهم وتعلقهم بالجزائر وأهلها
وتصميمهم على البقاء
هناك على رغم تهديدات المتطرفين والمسؤولين.
كاريكاتور... التاريخ
الجدل حول «خارجون عن القانون»، أثير من أطراف
كاليمين المتطرف وجماعة الأقدام
السوداء في فرنسا وأتى نتيجة رفضهم لرؤية بو شارب لهذه المرحلة الحساسة من
تاريخ
الجزائر ولا سيما أحداث سطيف عام 1945، واتهم هؤلاء المخرج بتزوير الحقائق
وبأنه
«ضد
فرنسا». اتهام جديد للفيلم برز مؤخراً ولكنه جاء هذه المرة من السيناريست
فريد
عفيري وشريكه في الكتابة أوليفييه لوريل اللذان اتهما بو شارب باستعارة
مقاطع من
قصة لهما وبسرقة أفكارهما وطالبا عبر القضاء الفرنسي بمنع
الشريط ودفع تعويض 750
ألف يورو، ما أثار غضب بو شارب الذي أنكر معرفته بالسيناريو مؤكداً أن
فيلمه» جزء
من التاريخ».
لم يثر الفيلم الجدل سياسياً وقضائياً فحسب بل
فنياً أيضاً، فقد اُتهم «بضعف
الإخراج» وبأنه يقدم نظرة كاريكاتورية للتاريخ الجزائري الفرنسي، «تقريبية»
ومن دون «مرجع تاريخي»، واتفقت صحيفتان فرنسيتان
(«لو فيغارو» و «لوموند»)
على وصفه بأنه
فيلم «مخيب للآمال» وبأن ثمة الكثير من الضجيج من أجل «لا شيء»، وبأن
أحداثه تدور
بطريقة مملة ومفككة. حتى أن «لوموند» وصمته بأنه «نصف فشل».
ولكن، هل صحيح أن معرفة الفيلم «لن تغير حتى
الأفكار المسبقة عنه حين رؤيته»،
كما ذكرت « لوموند»؟
ليس ذلك بالأمر المؤكد... على رغم كل ما قيل وقد
يكون بسبب كل ما قيل، إذ يحسب
له تناوله لموضوع حساس لا يتطرق إليه إلا نادراً وهو حرب الجزائر، ولمواضيع
إنسانية
يعانيها الفرد في كل مكان وزمان كالانتقام والأخوة والكفاح السياسي والصراع
بين
الواجب والعواطف، ولو أن معالجته لها جاءت دون المتوقع.
يستهل الشريط بطرد عائلة فلاحين جزائريين من أرضها
لمصلحة المستعمر الفرنسي،
الأولاد الثلاثة تتحدد مصائرهم نتيجة ما جرى، فيقرر الأصغر الشقي سعيد
(جمال
ديبّوز) إقناع أمه بالهجرة إلى فرنسا بعد موت الأب لأنها الفرصة الوحيدة
للاجتماع
مع ولديها الآخرين. مسعود (رشدي زيم) المجند في الجيش الفرنسي في الهند
الصينية
وعبد القادر (سامي بو عجيلة) المعتقل في فرنسا. سينخرط مسعود
بعد عودته وعبد القادر
بعد خروجه تماماً، في الكفاح السري للجبهة الوطنية لتحرير الجزائر في
فرنسا، فيما
سيصبح سعيد مسؤولاً عن صالة ملاكمة وعن بار، وهو يكتفي من النضال بدفع
الضريبة
المتوجبة عليه للجبهة وبطريقة «مكره أخاك لا بطل».
تتابع الأحداث يبرز كيفية تجنيد أعضاء الجبهة وسير
التنظيم وعمليات الانتقام ضد
الجزائريين أنفسهم «الخونة» من أعضاء الحركة الوطنية الجزائرية، وضد
الفرنسيين،
لينتهي الفيلم عند مجزرة 1961 التي قتل فيها في باريس عشرات المتظاهرين
الجزائريين
المؤيدين للجبهة على يد الشرطة الباريسية.
لا يخلو الفيلم من التطويل (ساعتان) ولا ينجو
بالتالي من إعطاء مشاهده الإحساس
بالملل، كما أنه يتردد في النوع ويوحي بأفلام العصابات أكثر من أفلام
النضال
السياسي، التصوير شبه الكامل في الأستوديو صبغ الفيلم بأجواء خانقة، وبدت
شخصية
سعيد (ديبوز) أقرب إلى شخصيته الحقيقية منها إلى الشخصية التي
يجسدها، فيما كان
المظهر الخارجي الأنيق للأخوين على تناقض صارخ مع الأجواء المحيطة بهما في
مسكنهما
في الضاحية الباريسية نانتير وبيوتها التنكية. أما تاريخياً فيعيد الفيلم
الجدل حول
أحقية صانع العمل الفني بالتصرف «تاريخياً» أو بإلقاء نظرته الشخصية على
التاريخ،
ولا سيما حين يتعلق الأمر بحرب الجزائر التي لا تزال تثير
الكثير من النقاش والجدل
في جهتي المتوسط.
ولكن يحسب للمخرج انه لم يوفر أحداً في محاولته
لسرد «هذا الجزء من التاريخ» من
جبهة التحرير الوطنية إلى الحركة الوطنية الجزائرية فالجيش والأمن الفرنسي،
حيث مـر
على كل هؤلاء بنظرته المنتقدة مبيناً مثلاً الممارسات «القاسية»، كي لا
نستعمل
تعبيراً آخر أكثر قسوة، للأخوين المناضلين.
الحياة اللندنية في
12/11/2010
«عيد»
... المتاهة اللبنانية
بيروت - محمد غندور
ينتهي فيلم المخرجة اللبنانية ديمة الحر (38 سنة) «كل يوم عيد» حيث يبدأ.
أرادت
أن تقول وإن بصورة رمزية أن البداية في لبنان لا تختلف عن
النهاية، فهما وجهان
لعملة واحدة. في عملها الروائي الأول قررت الحر أن تخوض في سينما الإنسان،
وأن توغل
في الصراع مع الذات والأنا، بمشاهد سوداوية، حزينة وعبثية. لم ترد
لشخصياتها أن
تُعبّر عن دين أو لون طائفي، أرادت أن توصل الى المشاهد من
خلال لقطاتها
السوريالية، أن ثمة حرباً تحوم في الأفق، وأن الخطر قد يقع في أية لحظة.
ثلاث نساء لا يعرفن بعضهن (هيام عباس، منال خضر وريا حيدر)، يستقلّن حافلة
واحدة
في اتجاه سجن الرجال الواقع في منطقة لبنانية نائية. الأولى
تزور زوجها الذي سجن
يوم زفافها، وللثانية هدف واحد ومحدد، أن تنتزع طلاقها من زوجها الذي يقضي
في السجن
فترة عقوبة طويلة، لتتحرر بعد طول انتظار. أما الثالثة فتخوض الرحلة مجبرة
متوجسة،
فتنقل في حقيبة يدها سلاح الخدمة الخاص بزوجها الذي يعمل حارساً في السجن.
يقع حادث يحوّر مسار الرحلة. تجد النساء الثلاث أنفسهن تائهات في اللامكان
فريسة
للقلق والأفكار الهوسية في أرض جافة قاحلة. ومن هنا تبدأ رحلة
كل منهن بحثاً عن
استقلالها الخاص.
فيلم نسائي جداً، يبدو الرجال فيه شبه غائبين، وعندما يحضرون يكون ذلك، إما
عبر
استذكار المفقودين أو كمصدر للتهديد. ابتعدت المخرجة في تصوير
أحداث عملها عن
المدينة وضوضائها وحداثتها وتطورها التكنولوجي، وتوغلت كاميرا الفيلم في
منطقة لم
تزرها عدسات المخرجين اللبنانيين إلا نادراً، على حد علمنا.
اختارت الصحراء حيث تبدأ المتاهة، لم تعرف النسوة بداية الطريق من نهايتها،
ولم
تفرقن بين الحلم والحقيقة. وجدن أنفسهن وسط الفراغ حيث لا
ماضٍِ ولا حاضر أو
مستقبل. ثمة مساحة فقط للتفكير، إما المضي قدماً، أو الاستسلام والهلاك.
فالوحدة
تعيد الإنسان الى داخله، والصحراء مكان يعرض فيه أحلامه وكوابيسه. وفيها
أماكن لا
نعرفها ولا تذكرنا بشيء. لم يبد أي تأثر أو خوف على وجوه
المسافرات، كن جامدات
وكأنهن اعتدن الحرب أو أدمنّ الضياع.
ثمة حماسة سرية في الفيلم، على رغم أنها لم تظهر، ولكن المتابع بدقة يشعر
بها.
هذا ما أرادته ديمة الحر: ان تقدم فيلماً إشكالياً رمزياً في صُوَرِه،
تاركة
للمشاهد استنباط ما تريد قوله. وعلى رغم جمالية الصورة التي تقدمها المخرجة
اللبنانية، وتبقى بعض المشاهد في الفيلم غامضة ومعلقة ومفتوحة
في أكثر من اتجاه.
يبدأ الفيلم في نفق وينتهي في نفق، وربما هذه هي الفكرة الأساس، أن لبنان
لن يخرج
من النفق المظلم بسهولة.
لافت ما فعلت مخرجة هذا الفيلم حين قررت أن تختار «كل يوم عيد» عنواناً
لفيلمها،
لتكمل ما بدأته في الفيلم من تهكم وسخرية على الحياة في لبنان،
خصوصاً أن الأحداث
المأسوية والأوضاع السياسية الصعبة هي «الأعياد» التي تتكلم عنها المخرجة.
كتبت ديمة الحر الفيلم بالتعاون مع الممثل والمخرج اللبناني ربيع مروة
المعروف
باعتماده الدعابة السوداء في أعماله التي تتناول التاريخ
اللبناني. وهي كانت أنجزت
مجموعة من الأفلام القصيرة شاركت في مهرجانات عدة وحصلت على جوائز، وهي
الآن، كما
تقول، في صدد كتابة سيناريو جديد تدور أحداثه في لبنان.
الحياة اللندنية في
12/11/2010 |