يعمل الممثل الأميركي ريشارد جنكينز في السينما الهوليوودية منذ أكثر
من ربع
قرن، متخصصاً في الأدوار التي تطلق عليها هوليوود اسم «المساندة»، بمعنى
أنه ليس
ذلك الشاب الوسيم الذي يحطم قلوب بطلات الأفلام بل الزوج الذي تغادره
الشخصية
النسائية الرئيسة لمصلحة حبيب أصغر منه في العمر، أو الصديق
الحميم أو الأب الحنون
أو الشرير الذي يلقى حتفه على يد البطل. وحصل جنكينز عبر مسيرته على العديد
من
الجوائز الفنية كما رشح لجائزة الأوسكار عن دوره الرئيسي الأول في فيلم
«الزائر»
الذي تقاسم بطولته المطلقة مع النجمة الفلسطينية هيام عباس، وها هو الآن
يشارك
جوليا روبرتس بطولة فيلم «كُلْ وصلّ وحبْ» المصور بين روما وبالي ودلهي،
غير
مشاركته في فيلم مخيف وفعال جداً عنوانه «إسمح لي بالدخول».
زار جنكينز باريس ليروج لهذين العملين فالتقته «الحياة» وحاورته.
·
كيف عشت التصوير إلى جوار جوليا
روبرتس؟
-
وافقت على العمل في هذا الفيلم لأنني علمت بأن روبرتس هي بطلته
وإلا لما
أعطيتُ موافقتي بهذه السهولة ومنحتُ نفسي مهلة للتفكير مثلما أفعل عادة حيث
أطلب من
زوجتي أن تقرأ السيناريوات من بعدي ونتناقش فيها قبل أن أعطي قراري
النهائي. هذه
المرة فوجئت زوجتي بسرعة ردي على المنتجين حتى قبل أن أستشيرها، وقلت لها
إنني لا
أستطيع رفض أي عمل يسمح لي بمجاورة جوليا روبرتس.
وللرد على سؤالك لقد دار التصوير في ظروف مثالية لأن روبرتس أخذته على
عاتقها من
الألف إلى الياء وحرصت على أن يشعر الفريق العامل فيه من ممثلين وتقنيين
براحة بال
كاملة سمحت له بالتفرغ الأمثل للمسؤولية التي كانت من نصيب كل فرد. وأنا
أعني أن
البطلة عندما تكون بمستوى روبرتس من الشعبية هي التي تتحكم
بالعمل، وإذا كانت صعبة
المزاج، وهو شيء يحدث مع بعض الممثلات والممثلين، يترتب على ذلك فساد الجو
العام
وبالتالي تأتي النتيجة النهائية دون المستوى المطلوب.
·
ماذا كنت فعلت لو كان هذا ما حدث
مع روبرتس؟
-
كنت شعرت بخيبة أمل كبيرة جداً لكنني لم أتوقع ولو للحظة واحدة
أن يحدث مثل
هذا الشيء مع روبرتس.
·
أنت في الوقت نفسه تروّج لفيلم
من النوع المخيف، وهذه هي المرة الأولى التي
نراك في مثل هذا اللون السينمائي، فما الذي جذبك في السيناريو؟
-
قرأته زوجتي مثل العادة وقالت لي أنه يتميز بنوعية متفوقة
وأنني من المفروض أن
أفكر جدياً في قبوله. لأنني كنت قد أعطيتها إياه من دون أن ألقي ولو نظرة
عليه
مقتنعاً بأنها ستتصفحه في ربع ساعة وتنصحني بنسيانه. وعندما عبّرت لي عن
رأيها
الإيجابي قرأته بدوري واكتشفت أنه ذو فعالية كبيرة على الأقل
في الكتابة وطلبت لقاء
المخرج حتى أقف على نياته حول أسلوب إخراج الفيلم. ووجدت نفسي في مواجهة
شاب لا
يزيد عمره عن 27 أو 28 سنة يحب السينما إلى حد الجنون ويتمتع بأفكار في
الإخراج
تضارع تلك التي أسمعها من العمالقة الذين تعدوا الستين.
وبالتالي وافقت على
المشاركة في الفيلم وسمعت في ما بعد من الذين شاهدوه أنه ممتاز.
·
ألم تشاهده شخصياً؟
-
هل تصدقني إذا قلت لك إنني لا أرى الأفلام التي أشارك فيها
إطلاقاً؟
·
ولا حتى فيلمك مع روبرتس؟
-
رأيتها على الطبيعة فلماذا أتسرع لأراها في الفيلم؟ أما عن
نفسي فأرى وجهي في
المرآة كل صباح وهذا يكفيني من دون أن أحتاج إلى مشاهدة عيوبي مكبرة ومضخمة
فوق
شاشة سينما.
صداقة قوية
·
أنت كثيراً ما أديت الأدوار
المساندة مثلما يطلق عليها وفزت من أجلها
بجوائز، فهل ضايقك الأمر إلى حد ما أو جعلك تشعر بالغيرة تجاه
الممثلين الذين
يخطفون قلب البطلة في الأفلام؟
-
الغيرة ليست من الأحاسيس التي تنتابني في شكل عام، ولكنني
بالطبع أحببت أداء
أدوار البطولة الكلية بين حين وآخر مثلما فعلت في فيلم «الزائر» والآن مع
روبرتس.
وعندما أديت الشخصية الرجالية الرئيسية في
«الزائر» حصدت الجوائز أيضاً ورشحت
لأوسكار أفضل ممثل بمعنى أنني قادر تماماً على تحمل عبء البطولة المطلقة.
·
حدثنا عن «الزائر» بما أنك مثلت
فيه إلى جوار هيام عباس؟
-
أحلى ذكرياتي المهنية حتى الآن عشتها مع الممثلة الفلسطينية
هيام عباس، بمعنى
أننا كنا نتقاسم بطولة فيلم «الزائر» الدرامي إلى أبعد حد بما أنه يروي
حكاية رجل
أميركي وحيد لا يحب الاختلاط بالناس ويكتشف فجأة في نفسه صفة الكرم وحب
الغير عندما
يلتقي إمرأة عربية وإبنها ويفتح لهما بيته ويحميهما من سلطات الهجرة التي
تفتش
عنهما لطردهما من الولايات المتحدة بسبب عدم حصولهما على
الأوراق الرسمية التي تسمح
بالإقامة. ولم يمنعنا هذا السيناريو المأسوي في حد ذاته من الضحك مع بعضنا
البعض
خارج أوقات التصوير ومن نشوء صداقة قوية بيننا. لقد اتصلت بها فور وصولي
إلى باريس
لكنها أخبرتني بأنها تمثل في فيلم جديد في نيويورك، وبالتالي لن أراها في
الأيام
القليلة التي سأقضيها في فرنسا حيث تقيم هي في شكل دائم.
·
هل تختار أدوارك بشكل غريزي عفوي
أم بدافع أخر غير حكاية روبرتس طبعاً؟
-
أنا أقع في غرام السيناريو أولاً ثم في الدور المعروض علي،
فأنا أديت
المغامرات والفكاهة والشر من دون تفرقة. والآن أضيف الخوف إلى قائمتي. ثم
يلعب
المخرج المزعوم الورقة الأخيرة في عنصر قبولي أو رفضي المشاركة في الفيلم،
فإذا كنت
ملماً بأعماله السابقة لا أحتاج إلى مقابلته كي أتخذ قراري
النهائي، وإذا كنت لا
أعرفه لا بد إذاً من مواجهته والتحدث معه طويلاً بهدف فهم نظرته إلى
الشخصية التي
يرغب في منحها لي. صحيح أن مخرج الفيلم الذي تقاسمت بطولته مع روبرتس وهو
ريان كيلي
أفلت من القاعدة بفضل وجودها هي في الفيلم واتخاذي قراري على
أساسها.
·
أنت ممثل مسرحي في الأساس، فهل
لا تزال تمارس هذا النشاط الآن؟
-
السينما تأخذ كل وقتي وبالتالي تجعلني أبتعد إلى حد ما عن
المسرح، وأعترف لك
بأنني لست على استعداد للتضحية بالأجر المطروح علي لقاء أي دور سينمائي
أمثله
لمصلحة أجر مسرحي ضئيل نسبياً مهما كان مرتفعاً في حد ذاته. لكنني بدأت في
المسرح
مثلما تذكر، وكنت أدير فرقة وأخرج بعض الأعمال التي كنا نقدمها
وأمثل فيها أيضاً.
أنها تجربة علمتني الكثير حتى بالنسبة الى ما أقدمه في السينما الآن.
·
ما نوع المسرحيات التي كنت
تقدمها في إطار الفرقة؟
-
كنا نقدم كل شيء من الكلاسيكي مثل شكسبير إلى الحديث جداً ومن
الهزلي إلى
الدرامي مروراً بالبوليسي وغيره، واعتبرت الفرقة بمثابة سلة يمكن أن يوضع
فيها كل
أنواع الفاكهة من دون أن تطغى الواحدة على غيرها. فعلنا كل ما كان يمكن
فعله
ومارسنا كل الألوان المسرحية بلا تمييز. والفرقة لا تزال
موجودة لكنني لا أعمل معها
الآن.
·
معظم نجوم السينما يقيمون في لوس
أنجليس قرب هوليوود، لكنك لست من
بينهم؟
-
المجانين فقط هم الذين يقيمون هناك. أنا أقيم في جزيرة صغيرة
قرب نيويورك وهو
المكان الذي كبرت فيه وعملت في المسرح فيه وتزوجت فيه قبل أربعين سنة ولا
أقدر على
فراقه. لكنني أسافر كثيراً للمشاركة في الأفلام الهوليوودية. فمثلاً سافرت
إلى
الهند للعمل في الفيلم مع روبرتس غير أنني أطوف أوروبا الآن
للترويج لفيلمين. أنا
أسافر كثيراً بحكم مهنتي ولا أرتاح كلياً إلا عندما أعود إلى عشي مع زوجتي.
أما
أولادنا فكبروا وصاروا يقيمون في نيويورك.
·
عملتَ مع عمالقة من طراز وودي
آلن وجويل وإيثان كوين، فهل لديك رغبات في
شأن التمثيل بإدارة بعض كبار هوليوود غير هؤلاء المذكورين؟
-
طبعاً مثل أي ممثل غيري، فأنا أحلم بالعمل مع مارتن سكورسيزي
وستيفن سبيلبرغ
ودافيد فينشر وأخرين، لكنني أترك هذه المسألة للحظ بما أنني لست من النوع
الذي يكتب
للمخرجين ويعبر لهم عن إعجابه بهم. أنا كسول ولا أحب الكتابة وبالتالي إذا
حدثت
الأمور فلتحدث وإلا سأكتفي بما يأتيني.
وعن وودي آلن دعني أقل لك أنه لا يتكلم بالمرة مع ممثليه ويكتفي
بالإشارة إليهم
وبكلمات قليلة جداً من نوع «تكلم وتكلم وارتجل طالما أنني لم أقل ستوب»
وهذا
بالتحديد ما قاله لي عشرات المرات طوال فترة عملي معه لكنني لم أسمعه
يعطيني أي
تعليمات ثانية أبداً. ويبدو أن الطريقة مجزية بما أن أفلامه
تأتي عظيمة في
النهاية.
وعن جويل وإيثان كوين فهما طلبا مني إجراء الاختبارات أمام الكاميرا
في حوالى
خمسة من أفلامهم من دون أن أحصل على الدور في أي منها إلى أن رفضت في يوم
ما التردد
إلى الاختبار مقتنعاً بأنني بأي حال من الأحوال لن أفوز بالدور. وفوجئت في
هذه
المرة السادسة بأنهما اتصلا بي وأعلنا عن منحهما الدور لي حتى
من دون المرور بمرحلة
الاختبار. هذه التجربة تدل على أن المخرجين مثل النساء إذا قلت لهم «لا»
يركضون
وراءك.
الحياة اللندنية في
22/10/2010
الكشف عن الجذور «الحقيقية» لظاهرة
العنوسة
القاهرة - فريال كامل
في «بنتين من مصر» للمخرج المؤلف محمد أمين الذي جابهته إشادة نقدية
واسعة، حتى
اعتبره بعض النقاد أهم فيلم مصري تم عرضه في الموسم السينمائي الحالي،
يتعرف
الجمهور الى مخرج جاد، واعٍ بقدر ما هو موهوب. غير أن البطل الحقيقي للعمل
هو
الشركة المنتجة للفيلم، والتي غامرت بإنتاجه عن ظاهرة اجتماعية
ذات أبعاد سياسية،
ذلك من دون أدنى عناصر جذب للجماهير، كالمطاردات والمعارك أو المشاهد
الساخنة، أما
البطل الآخر للعمل هو الرقابة على المصنفات الفنية التي مررت فيلماً يشير
بالإدانة
للاختراق الأمني للمواطن في كل المجالات وإحكام قبضته على
ألسنة المواطنين وأقلامهم
وحتى مصائرهم، الأمر الذي يعد محفزاً يستنهض الهمم للتحرر وتحطيم الأغلال.
المخرج محمد أمين مُقِلٌّ في أعماله فقد أخرج فيلمين منذ بداياته
اتسما بالجرأة
والخروج عن السائد هما الفيلم الكوميدي «فيلم ثقافي» (2000) و «ليلة سقوط
بغداد» (2005)،
والأخير يدور في إطار فانتازي، وفي «بنتين من مصر» يتخلى أمين عن الكوميديا
والفانتازيا ليقترب من الواقع المعاش حين يعالج ظاهرة العنوسة التي تؤرق
المجتمع.
تناول أمين موضوعه بجدية فلم يكتف بالطفو
على السطح أو استغلاله لتحقيق مكاسب
تجارية. ويتعقب المخرج أصول الظاهرة ليكشف عن جذورها السياسية والثقافية
وهو بذلك
يتجاوز الأغلب الأعم من الدراسات الاجتماعية والمغالاة الصحافية التي توجز
العلاج
في بعض نصائح بعدم المغالات في متطلبات الزواج.
شخصيات
يستند المخرج في «بنتين من مصر» إلى معالجة درامية رصينة تتميز بالصدق
في
المواقف النابعة من التقاليد والروح المصرية. مواقف إنسانية مؤثرة تخلقها
شخصيات
متمايزة، منحوتة بمهارة وتنبض بالحياة، نجح في تجسيدها فريق من الفنانين
يعكسون
دواخلها المشحونة بالأحزان والفياضة بالأحلام.
استهل الفيلم بمشهد محيّر لموقع غامض تتدفق من أحد جوانبه شرارة
نارية. ذلك
المشهد الذي عنى المخرج بتكراره خلال السياق ما يمثل النذير حتى يكتشف
المشاهد في
الختام أن الموقع لحجرة التشغيل في قاع أحد القوارب الغارقة.
في مقدمة السرد يعرفنا المخرج الى شخصيتين غير غريبتين عنا، حنان
(الفنانة زينة)
والدكتورة داليا (الفنانة الأردنية صبا مبارك) وهما شابتان على درجة ملحوظة
من
الحسن والوسامة تنتميان إلى الطبقة المتوسطة وتشغلان وظيفتين محترمتين.
وتمنح حنان
لقب الموظفة المثالية في مكتبة الجامعة ويمنح العميد لداليا
طالبة الماجستير مهلة
لتسليم الرسالة، فهل تنجز الرسالة في الموعد مع عدم عضويتها بحزب الغالبية؟.
تجاوزت كل من حنان وداليا سن الثلاثين من دون ارتباط بالزواج أو إقامة
علاقة مع
الجنس الآخر. الشابتان محتشمتان تحترمان التقاليد وتقدسان تعاليم الدين.
وحنان على
وجه الخصوص معجونة بخفة الظل والحيوية دأبت على رسم الخطط للفت منظر
الزملاء، فهي
تحتفظ في حقيبتها بقالب من الشيكولاته وشريط من اللادن، إضافة
الى قرص من شهد
الملكة لدعم التعارف بالزملاء. وهي تتعمد مصادقة زميلها المنقول حديثاً
للإدارة
فتهديه بضع نصائح من النت لمرضى قرحة المعدة. وكان قد أشار في موقف سابق
لآلام في
معدته. وحين يجمعهما أحد معسكرات الطلبة تختلق مكالمة هاتفية
لتُسمع الزميل آراءها
المناهضة لتحرر المرأة وإيمانها بطاعة الزوج لتنتهي الخطة بمفاجأة غير
متوقعة حين
يطلب ذات الزميل وساطتها لخطبة زميلة أخرى. لقد تملكت الشابة الثلاثينية
الرغبة في
الزواج من أجل إنجاب طفل فدأبت على شراء ملابس النوم الحريرية.
وفي موقف آخر من
أكثر المواقف إنسانية وتأثيراً تطلب من عاملة الشاي أن ترضع طفلها فتفيض
عيناها
بالدموع وهي تلقم الرضيع ثديها.
كل الأبواب
تطرق «حنان» كل الأبواب من دون كلل فتحضر جلسات العلاج الجماعي في
عيادة طبيبة
نفسية وتسجل بياناتها في مكتب للتزويج وقد دأبت على الاتصال بالمكتب لتعديل
بياناتها بما يمثل تنازلاً في مواصفات العريس أو متطلبات الزواج، وأخيراً
تعقد
خطبتها على مدرس جامعي (إياد نصار) غير أنه يعاني من الهواجس
في ما يخص عفة وطهارة
البنات فترضخ لإرادته – رغم معارضة المقربين – وتصحبه إلى طبيبة نسائية
لإثبات
عذريتها، غير أن هواجسه المريضة تغلب البرهان العلمي ويفك ارتباطه بها. على
مدار
السرد تجد حنان في أحلام اليقظة متنفساً لرغباتها فتعيش لحظات
وردية وأحياناً
كابوسية حين تتخيل يوم وفاتها والتفاف الجميع حول نعشها.
يعمد المخرج لتسمية الشبان الثلاثة التي ألتقت بهم الدكتورة داليا
خلال السرد
باسم جمال تيمناً باسم الزعيم الخالد وتعقباً لما ألم بالفكر والحلم
الناصري عبر
السنين. تشارك داليا في موقف احتجاجي ينظمه نادي الأطباء وهناك تلتقي بزميل
كان
قطباً بارزاً في اتحاد الطلبة واليوم هو مشارك فعال في
المعارضة فيتآلف قلباهما
ولكنها في اللحظة التي تدون فيها اعترافاً بحبه تكتشف أن الزميل مطارداً من
الأمن
على جبهة المعارضة وهنا في لقطة مصيرية تكور ورقة الاعتراف وتقذف بها إلى
الطريق.
وتتعرف داليا على «النت» الى «جمال» آخر (الفنان أحمد وفيق) يلقب نفسه
باللامنتمي حيث أنه مطارد من الأمن لموقفه الناقد للفساد وتردي الأحوال
فيعتكف في
بيته ويتواصل مع العالم بالنت. تجد داليا راحة نفسية في تواجد شخصية تهتم
بها لدرجة
أنه ينهرها في حالة تقصيرها. ويكشف لها اللامنتمي عن آثار
التعذيب محفورة على ظهره
ويخبرها أنه يرفض فكرة الزواج حيث لا ضمان لحياة آمنة لزوجته وأولاده. ومن
أطرف
المشاهد في السياق حين يرتجلان عبر النت خناقة زوجية تشيع البسمة بضع لحظات
على
وجهيهما قبل أن يقبض عليه لنشره على مدونته مقالة نارية.
وتتعرف داليا على (جمال) الثالث (الفنان طارق لطفي) في حجرة جرداء
بمكتب
التزويج. حصل جمال على قطعة أرض لاستصلاحها في إطار مشروع الحكومة لدعم
الشباب فكيف
كان ذلك الدعم؟ في اللقاء التالي يحمل به بشائر كدحه على مدار سنوات لإنتاج
طماطم
مدهشة كما اللآلئ ويصحبها مع شقيقتها إلى المشروع للتعرف على الظروف الخشنة
التي
يحياها من أجل أن ينتصر اللون الأخضر على الصحراء. وما أن تعقد الخطبة حتى
تفاجأ
بالحكم على جمال بالسجن لعدم وفائه بقرض الحكومة فيقرر الهرب
إلى مصير مجهول قبل
تنفيذ الحكم.
بات من الواضح بما لا يدعو إلى الشك أن وراء كل شخصية دراسة واعية
بأبعادها. وأن
المخرج لم يدخر وسعاً لإثراء الحبكة بروافد ثانوية غاية في التأثير. في ذلك
الإطار
تتخير الدكتورة هويدا زميلة داليا والتي تماثلها في العمر حلاً وسطاً حين
تقيم
علاقة سرية مع أحد الزملاء بعقد عرفي غير معلن «خشية غضب
الله». وتتوهج الفنانة
القديرة سلوى محمد علي في شخصية أبلة عايدة التي تمثل المستقبل القاتم
بالنسبة
للشابات. تعيش أبلة عايدة وحيدة وقد تقدم بها العمر من دون ونيس فيخاصمها
النعاس
وتلجأ إلى مقعد في حديقة لتأتنس بضجيج الأولاد. أما شقيق داليا
(وكان يتمنى هو
الآخر أن يحمل اسم جمال) فقد مر على تخرجه بضع سنوات من دون عمل. تتعاطف
معه شقيقته
وتهبه «تحويشة» عمرها من أجل عقد عمل في الخليج غير أن الشاب يغافلها ويدفع
بالمبلغ
لأحد سماسرة الموت فيكون أحد ضحايا عبارة. ويعود كسيحاً بصحبة
عشرات من الجثث
الطافية ويعد غرق القارب واحتشاد الأهالي التعساء على الميناء (وبينهم
داليا وحنان)
وما تبعه من استعراض الجثث في مشهد الذروة
في الفيلم. لا أن المخرج يحمل في جعبته
المزيد!!
فيلم «بنتين من مصر» لمخرجه محمد أمين عمل مركب تمت صياغته على عدة
مستويات
ويمكن مشاهدته من وجهات نظر عدة. ومن الواضح أن ظاهرة العنوسة فيه ليست سوى
قمة جبل
الجليد التي تطفو على السطح وإن امتدت قاعدته لأعماق سياسية واجتماعية.
استطاعت المونتيرة مها رشدي أن تجمع أطراف الدراما في نسق مشوق مشوب
بخفة الظل (رغم
ما أصاب المشاهد الختامية من ترهل) وزرعت عنصر المفاجأة خلال المعالجة
ومزجت
العام بالخاص. واللافت أن الوجود الأمني كان حاضراً في كل
المناحي، في المترو وفي
صفوف المعارضة وأيضاً في الرقابة على المدوّنات، ويفيض الكيل بالمشاهد. وقد
بات في
غير حاجة للمزيد حين يخلف أحد المهاجرين الشبان على طريق المغادرة في
المطار بصقة
يودعها صندوق المهملات، بينما ترتضي الشابتان مقابلة عابرة
لبضع دقائق في المطار مع
أحد العرسان، ذلك قبل عودته لعمله في الخليج لعله ينتقي واحدة منهما.
فيلم «بنتين من مصر» عمل درامي رصين ثمرة دراسة ووعي عني المخرج
الفنان بصياغته
في سلاسة ومن دون تعال أو افتعال، ما يعد علامة فارقة في الإنتاج السينمائي
المصري
بين أفلام الهزل والهروب من الواقع.
الحياة اللندنية في
22/10/2010 |