وسط الصخب السينمائي المهرجاني السائد في هذه الايام يطل «الإسماعيلية
الدولي
للأفلام التسجيلية والقصيرة» بصوت خافت؛ لينطق بنبرة هادئة لغة سينمائية
غير
مألوفة، إذ يفتقر إلى كل ما يمكن المراهنة عليه، باستثناء المراهنة على فن
السينما.
والخصوصية هذه، التي يتحلى بها المهرجان،
تجلى في كل شيء بدءاً من مقر
إقامة الضيوف في القرية الأولمبية على ضفاف قناة السويس التي تعبره السفن
من جنسيات
مختلفة، لتصوغ مشهداً بصرياً يتقن السينمائيون تأويله، مروراً بنوعية
الأفلام
وخريطتها المتشعبة الممتدة من اليابان إلى كولومبيا، وصولاً
إلى طبيعة المدينة التي
تحتضن مهرجاناً يحمل اسمها. فمدينة الإسماعيلية الغارقة وسط غابة من أشجار
المانغا
والنخيل، لا تشجع على الاستنتاج بأنها مدينة مهتمة بالسينما، ولئن وجدتَ
اسم
«فيفيان
لي» مرفوعاً على يافطة تشير لمحل حلويات، في زاوية ما من المدينة، فإن هذا
الإسم السينمائي بامتياز لا يحيل إلى فيلم «ذهب مع الريح» في وجدان أهل هذه
المدينة، بقدر ما يحيل إلى ظاهرة انتشار أسماء ذات إيقاع أجنبي
راحت تزاحم مظاهر
التزمت الديني في أحياء المدينة الهادئة على نحو يحمل صفة التقليد أكثر من
أي شيء
آخر، والسعي إلى ملامسة قشور الحداثة، كما هي حال غالبية مدن الأطراف
العربية.
الفن والجمال
وبمعزل عما إذا كانت سياسة منظمي المهرجان
تهدف إلى ترجمة صفتي «الفن والجمال» الملتصقة، عادة، بهذه
المدينة، إلى حقيقة
ملموسة، فإن المؤكد أن السينما التسجيلية عاجزة عن جذب الجمهور، «ليس فقط
في العالم
العربي، بل حتى في الدول الأوربية»، كما يؤكد الناقد السينمائي عدنان
مدانات. من
الطبيعي، والحال كذلك، ألا يتمكن مهرجان الإسماعيلية من تحقيق
هذه الجماهيرية، ومع
ذلك فإن الجمهور الذي يتابع عروض المهرجان في قصر الثقافة، وإنْ بدا
قليلاً، يشكل
انتصاراً لسينما مختلفة تحل كضيف طارئ؛ خجول في كل خريف، إذ يتأهب كل طرف
لإشباع
فضول الآخر، الأمر الذي يجسد أحد بنود لائحة المهرجان:
«الارتقاء بالحوار بين
الثقافات لتعميق فهمنا للآخر، وتشجيع صناع هذه الأفلام على
الاستمرار».
وفقاً لما سبق، لم يكن غريباً أن يصل إلى إدارة المهرجان، قبل
انعقاد هذه الدورة، أكثر من ألف فيلم جرى اختيار نحو ثمانين فيلماً منها
للمنافسة
في المسابقات الخمس: التسجيلي الطويل والقصير، الروائي القصير،
التجريبي، وأفلام
التحريك، ويبدو أن هذا الإقبال المتزايد دفع وزير الثقافة المصري فاروق
حسني إلى
رفع قيمة الجوائز المرصودة للمهرجان قبيل بدء المهرجان بيومين فقط، إذ أعلن
رئيس
المهرجان علي أبو شادي في حفل الافتتاح أن القيمة المالية للجوائز ستكون
بدءاً من
هذه الدورة 150 ألف جنيه مصري، بدلاً من 60 ألف جنيه، يذهب
منها 25 ألف جنيه لأفضل
فيلم في المهرجان برمته، ويتوزع الباقي على أقسام المهرجان الخمسة، إلى
جانب جوائز
تمنحها جماعة السينمائيين التسجيليين المصريين، وجمعية نقاد السينما
المصريين،
وجوائز مركز وسائل الاتصال الملائمة من أجل التنمية (آكت).
وإلى جانب تباين
مستويات الأفلام من النواحي الفنية وطرق المعالجة، وزوايا الرؤية، فإن
مضامين هذه
الأفلام، كذلك، تتنوع وتتشعب على نحو يصعّب الجمع بين اهتمامات ومشاغل
المخرجين
الذين ينتمون إلى تيارات ومرجعيات سينمائية وجغرافيات مختلفة.
على ضوء هذه الرحابة
لـ «سينمائيين بلا حدود»، ستجد المخرج الإيراني علي رضا روفوجاران يقتفي
سيرة حياة
ومغامرات المناضل تشي غيفارا عبر فيلمه «مطاردة تشي»، في حين يصغي المخرج
الإسباني
خوسيه لويس بينيافويرتي من خلال فيلمه «طرق الذاكرة»، إلى بعض
ضحايا الدكتاتور
الإسباني فرانكو، أما التشيكي فيليب ريموندا فيتناول عبر فيلمه «سلام
التشيك» حكاية
الحرب الباردة والحرب على الإرهاب من خلال حكاية محلية عن رجل تشيكي يرفض
إقامة
قاعدة عسكرية أميركية جديدة قرب منزله، والمنحى ذاته يتكرر في
الفيلم البولندي «أميركي
في بولندا الشيوعية» الذي يحمل بعض المفارقات، من خلال سرده قصة زيارة
السيناتور الأميركي روبرت كنيدي إلى وارسو، ويذهب المخرج
الدنماركي مايكل مادسن عبر
فيلمه «نحو الخلود» ليبين تأثير المخلفات الإشعاعية على الطبيعة، وفي
السياق ذاته،
يعثر المخرج السويسري فرانك جاربلي من خلال فيلمه «جحيم في الجنة» على قصص
تراجيدية
تقع في غابات كولومبيا الممطرة، بينما تركز المخرجة البرازيلية كلوديا
نونيز على
مآسي أطفال الشوارع والعنف الذي يتعرضون له عبر فيلمها «الرقم
صفر»...
حكايات عابرة
إلى جانب هذه القضايا الكبرى، ثمة من يغامر
بعرض حكايات عابرة؛ بسيطة ومألوفة كما الحال بالنسبة للمخرجة
البلغارية مايا
فيتكوفا وفيلمها «ستانكا تذهب إلى البيت»، الذي يروي محنة سيدة مسنة تصل
المبنى
الذي تسكن أحد طوابقه العليا لتجد المصعد معطلاً!، وكذلك الأمر بالنسبة
للبرازيلي
سيرجيو اوكسمان الذي يبحث عن أشخاص يشبهون الكاتب الأميركي
ارنست همنغواي عبر فيلمه
«ملاحظات
على الآخر»، وكذلك تذهب المخرجة الكرواتية ارينا سكوريتش من خلال فيلمها «شيطان من كراجويفاك» إلى سوق السلع
المستعملة لتطرح سؤالاً حول مدى إمكانية سيارة
مشهورة، لكنها أصبحت قديمة، استعادة أسطورتها الآفلة.
وفي مقابل الحضور
العربي الضئيل المتمثل في «حكاية حرب» للأردنية بهية النمور، و «صمود»
الذي يمثل
فلسطين للمصري فيليب رزق، و «كل العصافير بتصوفر» للبناني روي خليل، نجد
مشاركة
مصرية واسعة تتمثل في فيلم «جيران» لتهاني راشد، و «النشوة
في نوفمبر» لعايدة
الكاشف، و «يا مسافر وحدك» لشادي حسين أبو شادي، و «أسطورة
النيل» لأيمن كامل،
و «آخر رنة» لمصطفى عبدالمنعم، و «أوقات»
لعبدالله الغالي، و «لعبة»
للسودانية،
المشاركة باسم مصر، مروة زين، و «متى المسكين» لإياد صالح، و «قطر الحياة» لشكري
ذكري، و «طبق الديابة» لمنى عراقي.
وللمرأة حضور لافت في هذه الدورة، تارة
كمتهمة، ومرة كضحية، وفي مرة ثالثة كمبدعة، ففيلم الافتتاح
«فاوست أميركي، من كوندي
إلى نيو كوندي» لسباستيان دوجارت أظهر حقائق مثيرة حول دور وزيرة الخارجية
الأميركية السابقة كوندوليزا رايس في صنع القرار الأميركي، ومدى قربها من
جورج بوش
الابن، وسلوكها الانتهازي لأجل الوصول إلى السلطة، وكذلك اظهر قدرتها
الاستثنائية
في تجاوز العراقيل التي واجهتها الإدارة الأميركية، وأثار الفيلم غضب بعض
النقاد
المصريين الذين
رأوا فيه شهادة براءة لإدارة بوش طالما أن الفيلم لمّح إلى أن تلك «المرأة
السوداء»
هي التي وقفت، غالباً، وراء السياسات
الأميركية الخاطئة تجاه منطقة الشرق الأوسط
والعالم.
أما المرأة الضحية فقد حضرت في المهرجان من خلال البرنامج الخاص
الذي سمي «العنف ضد المرأة»، وعرض عبر هذا النشاط أفلام حول العنف النفسي
والجسدي
الذي يمارس ضد المرأة، هذا العنف الذي يتخطى الجغرافيات والثقافات
والمجتمعات،
ليأخذ تعبيرات وأشكالاً شتى، ترمز، في نهاية المطاف، إلى الغبن
والقهر الذي تعانيه
المرأة، ليكون العنف عنواناً مشتركاً لكل نساء الأرض، وكان الجمهور
والضيوف، هنا،
على موعد مع مجموعة من الأفلام المصرية من إنتاج مركز النديم للعلاج
والتأهيل
النفسي لضحايا العنف في مصر، لمخرجين شباب سعوا إلى تقديم
ومضات سينمائية خاطفة حول
فهمهم للعنف.
الحياة اللندنية في
08/09/2010
في عناق الشقيقتين
إبراهيم حاج عبدي
تظهر شارات كثير من الأفلام التسجيلية والقصيرة والتجريبية
والتحريـــك، التي
تــــــعرض خلال مهرجان الإسماعيلية السينمائي المقام حالياً في المدينة
التي منحت
المهرجان اسمها، مساهمة هذه القناة التلفزيونية أو تلك في الإنتاج، إلى
جانب شركات
وجهات رسمية أو أهلية. وهذه المساهمة ليست جديدة، بل الملاحظ
أنها راحت تتكرس
وتتعاظم، تدريجاً، عبر السنوات حتى غدت المصالحة بين الشاشتين الكبيرة
والصغيرة
أمراً واقعاً لا مفر منه، بعدما كانت ولسنوات طويلة، مستحيلة في نظر البعض،
أو صعبة
التحقيق لدى البعض الآخر؛ المتفائل.
لا يمكن أحداً أن يعـــترض على مثل هذه الشراكة، أولاً لأن الجهة
المنتجة لا
تدخل في حسابات تقويم الفيلم السينمائي. والأمر الآخر يتمثل في أن التلفزة،
على ما
يبدو، تحقق أرباحاً طائلة، وبدلاً من أن تسخر هذه الأموال في مواقع غير
مناسبة،
وإنتاج برامج بائسة، فإن من الأفضل أن تستثمر لمصلحة انتاجات
سينمائية تسجيلية
وقصيرة، بما ان الإنتاج الروائي الطويل يتطلب إمكانات مالية عالية قد لا
تقوى
التلفزة على المغامرة بها.
بهذا المعنى، فإن التـــقارب التلفــزيوني - الســـينمائي لم يعد
خفياً، فالهوة
تضيق شيئاً فشيئاً بينهما. فعلى رغم أن كثراً من المخرجين السينمائيين
ونجوم
السينما كانوا يتعففون عن العمل في التلفزيون، يبدو أنهم لم يصــمدوا
كثيراً، بعدما
وجدوا أن الخصومة المزعومة ليست سوى تنظيرات تدحضها صلة
القرابة البصرية بين
الوسيلتين. ولعل أكثرهم تزمتاً برر الأمر بأنه استعار لغة السينما لتوظيفها
في
الدراما التلفزيونية.
هذه المكابرة - الذريعة، لا تلغي حقيقة أن مجالات التعاون والتوأمة
تتوسع،
ففضلاً عن مساهمة التلفزيون الواسعة في الإنتاج السينمائي، وهذا يعد ركناً
رئيساً
لظهور أي فيلم، فإن التلفزيون يواكب شقيقته الكبرى في المهرجانات
السينمائية التي
تعج، عادة، بمراسلي الفضائيات، لتغطية الحدث من مختلف الجوانب. وهي تستثمر
هذا الجو
الكرنفالي من أجل دعاية مشروعة، بل انه لا تكاد تخلو شاشة فضائية من برنامج
سينمائي، ناهيك بالطبع عن تلك القنوات التي راحت تتخصص في عرض
الأفلام السينمائية
الطويلة الأجنبية والعربية. حتى الأفلام التسجيلية والقصيرة التي تصعب
مشاهدتها على
شاشة السينما ذاتها، فإن المجال الأنسب لتلك المشاهدة هي شاشة الفضائيات.
وحتى من الناحية التقنية الفنية، فإن المادة البصرية التي تنتج
للتلفزيون،
ومثيلتها المادة البصرية السينمائية تنتجان بكاميرا واحدة (ديجيتال)، لدرجة
أصبح
معها الحديث عن تفاوت وتباعد بين التلفزة والسينما ضرباً من العبث، وكم من
مادة
تلفزيونية أثارت الإعجاب في مقابل مادة سينمائية رديئة، والعكس
صحيح
بالطبع.
الحياة اللندنية في
07/09/2010
أطلبوا السينما ولو في ... الشام
بيروت - فيكي حبيب
فيما يتضاءل الإنتاج السينمائي في لبنان وتخبو احلام السينمائيين،
تكثر
المهرجانات الخاصة بالفن السابع وتتنوع وتتشعب. فبعد مهرجان «ولد في بيروت»
و «ايام
بيروت السينمائية»، ها هو «مهرجان بيروت السينمائي» يفتتح دورته العاشرة
ليل اول من
امس بحفلة صاخبة في قاعة «الأونيسكو» وبفيلم صوفيا كوبولا «في
مكان ما»، بعد فوزه
في «البندقية» وعروضه التجارية... ما يضعنا امام السؤال حول جدوى هذه
الوفرة
المهرجانية، وحول ما إذا كان يتوجب حقاً ان يكون مكان لهذا المهرجان
الإضافي؟
والجواب بسيط: هناك بالتأكيد مكان. بل من الصعب القول ان
«مهرجان بيروت» هذا، هو
«شيء
إضافي»... فالحقيقة ان هذا المهرجان إذ يحمل اسم عاصمة لبنان المهدد، تصبح
كل
تظاهرة فنية أمراً ضرورياً يجب تشجيعه لأنه -على الأقل- يتحول بسرعة الى
مكان
لاجتماع اللبنانيين. وفي هذا الإطار بالذات، لا شك في ان
مهرجان بيروت يبدو مميزاً،
ليس من ناحية كونه تظاهرة سينمائية حقيقية - فكل المهرجانات الأخرى في
لبنان صغيرة
كانت او كبيرة تتميز عليه في هذا السياق حتى وإن كانت أفقر منه بكثير او
أعجز من
أصحابه، وبعضهم من علية القوم الذين يحمد لهم هذا الاهتمام
بالفن السابع هم الآتون
من خارجه تماماً -، بل من ناحية قدرته على ان يقدم نفسه كظاهرة اجتماعية
وسياحية.
ويكفي المرء ان يشهد حفلة الافتتاح حتى
يتيقن من هذا.
ففي تلك الحفلة الصاخبة، برز البعد الاجتماعي وضاع السينمائيون
والصحافيون
والنقاد-الذين طلب إليهم في بطاقات الدعوة ان يرتدوا لباساً رسمياً، لكنهم
لم
يفعلوا بالطبع، فهم يعرفون انهم هنا ليسوا في «كان» ولا في كازينوهات مونت
كارلو-.
ضاع هؤلاء في زحام سيدات المجتمع المتأنقات والمحملات بالجواهر والأفكار
الغريبة
حول السينما وأهلها. واختلط الحابل بالنابل، فلم تعد السينما على الشاشة،
إنما في
الصالة والردهة الخارجية.
كل هذا طبيعي في هكذا احتفالات تذكّر بحفلات انتخاب ملكات الجمال،
رامية السينما
الى الأيام التالية حيث تعرض الأفلام المشاركة في المهرجان. وبعضها
بالتأكيد جيد،
حتى وإن كان المميز نادراً. فالمتابع لأخبار المهرجانات في العالم وحتى
لعروض
الصالات يدرك جيداً ان غالبية ما يقدمه هذا المهرجان اللبناني
«الطموح» سبق ان عرض
مراراً وتكراراً. ولكن مع مثل هذا المهرجان لا يعود هذا هو الأهم ولا حتى
مهماً.
المهم هنا هو السياق الاحتفالي الذي من
اجله يتمكن اصحاب المهرجان كل عام من تدبير
تمويل له تتشارك فيه مؤسسات وأفراد وشركات، يبدو جمعها على
ملصق واحد من قبيل
المعجزات... ومع هذا فعلها مهرجان بيروت، وحقق جمعاً لا يمكن ان تحققه عادة
إلا
نشاطات وتظاهرات تضحي بالمضمون و «الهوية» وثقافية المشروع، لمصلحة الشكل والاجماع.
ولكن حتى هذا لا يهم هنا حقاً. فالمضمون
والهوية والثقافة وما إلى ذلك، يمكن في
الظروف الراهنة، تركها لمهرجانات أكثر فقراً، بالتالي أقل
طموحاً من الناحية
السياحية والاجتماعية... مهرجانات ليس بين أصحابها علاة قوم او سيدات
مجتمع، بل
افراد نشطاء يحبون السينما ويفضلون ان تنصبّ جهودهم على إبرازها ودعمها. من
هنا
تكون القسمة عادلة، والفرز واضحاً. ومن هنا ايضاً، لا يعود من
المنطقي لـ «المصطادين
في الماء العكر» من الذين «لا يعجبهم العجب» ان يتساءلوا باستنكار عن
لزوم مثل هذا المهرجان. فما العيب ان تسعى تظاهرة ما، الى جمع
كل هذا الرهط من اهل
المال والمجتمع من حول فن من الفنون؟ إنه مكسب للسينما في الأحوال كافة،
لاسيما ان
تحقق يوماً ما يتمناه محبو لبنان والفن السابع فيه، من ان يتم الجمع بين
«اجتماعية»
و «سياحية» مهرجان بيروت هذا، وبين «فنية» و «ثقافية»
نصف دزينة من مهرجانات اخرى
ينظمها اهل سينما حقيقيون.
في انتظار ذلك، ولأن مهرجان بيروت الذي انطلق اول من امس احتفالياً،
وأمس «سينمائياً»،
هو الأغنى والأكثر قدرة على الوصول الى اموال الدولة والمؤسسات،
بالتالي الأكثر قدرة على الاستمرار، أو لن يكون من المفيد له -
وبخاصة بدلاً من
تخبّطه البيّن في العلاقة مع الصحافة والنقد وأهل السينما انفسهم - ان يكرس
في كل
عام جزءاً من موازنته الوفيرة، لإرسال أولئك الذين يعملون فيه، ولا سيما في
مجالات
التنظيم والعلاقات العامة وما شابه، كضيوف الى مهرجانات عربية
اخرى من نوع تلك التي
اشتهرت بجديتها واحترامها للفن السابع (ولا نقول هنا الى «كان» او «برلين»
او «البندقية» لأننا مهما حلمنا لن نصل
بأحلامنا الى هذا المستوى)، كي يتدربوا على
كيفية التعامل مع اهل السينما الحقيقيين من سينمائيين ونقاد
وصحافيين او هواة للفن
السابع. لو فعلوا لاكتشفوا مدى احترام مهرجانات مثل «ابو ظبي» و «مراكش»
و «الإسماعيلية»
و «الدوحة» و «طنجة»
وسواها، للنقاد وأهل السينما... ولرأوا كيف ان
اهل المهرجان، وهم عادة أهل السينما نفسها (بالإذن من الزميل
ابراهيم العريس الذي
يأخذ على المهرجانات عادة «توظيفها» للنقاد)، يتعاملون مع اهل المهنة
باحترام
وتقدير واضعين كل امكاناتهم وإمكانات مهرجاناتهم في خدمة النقد والصحافة،
متقبلين
بكل رحابة صدر الانتقادات، جاهدين كي يجعلوا منها درساً ووسيلة لتطوير
الدورات
المقبلة.
وإذا رأى اهل المهرجان «البيروتي» المزدهر ان السفر الى المغرب او
الخليج او مصر
مكلف، يمكنهم ان «يستقربوا» ويتوجهوا ضيوفاً مكرمين الى مهرجان دمشق...
ليتعلموا
أشياء كثيرة. هذا ما يُجمع عليه النقاد وأهل المهنة... ويضيفون ان الاحترام
الذي
يخص به مهرجان دمشق اهل السينما الحقيقيين يكاد يكون أسطورياً،
بل يكاد يجعل من هذا
المهرجان مهرجان نقاد ومثقفين على رغم ازدحام جمهوره.
في يقيننا ان مهرجان بيروت لو قام بمثل هذه الخطوة التدريبية وأضافها
الى رصيده «السياحي»
و«الاجتماعي» العامر وقدرته المدهشة على العلاقات العامة - وإن في غير
مكانها الصحيح سينمائياً على الأقل - لاستحق ان يصبح يوماً في
لبنان مهرجان
المهرجانات.
الحياة اللندنية في
08/09/2010 |