فى المشهد الأول من الفيلم يقدم لنا «أوليفر ستون» لقطة واحدة طويلة عن
عملية تسلم أحد المسجونين متعلقاته الشخصية من أمانات السجن يبدو عليها
القدم والكلاسيكية، وتنتهى اللقطة على تليفون محمول من الجيل الأول الضخم
لتنتقل الكاميرا إلى وجه السجين الذى هو «جوردن جيكو» – «مايكل دوجلاس» -
الذى ينظر إلى التليفون الضخم نظرة ذات مغزى.. حيث إنه أحد أبطال الجزء
الأول من الفيلم عام ١٩٨٧ وكان يدير منه أعماله.. وهو نفس التليفون الذى
قال من خلاله لتلميذه فوكس- «شارلى شين» أن المال لا ينام أبداً وهو عنوان
الجزء الجديد.. هكذا فى لقطة واحدة وبذكاء سينمائى يصل «ستون» ما انقطع من
فترة زمنية بين الفيلمين ومنذ المشهد الأول.
يلجأ «ستون» مباشرة إلى الجرافيك المتزن حيث يقوم برسم مؤشرات البورصة على
مبانى نيويورك – حيث يقع شارع وول ستريت- مازجا فى خباثة بين ارتباط هذه
المبانى ومؤشرات البورصة كنقطة هجوم بصرية.. فانهيار أسعار المبانى نتيجة
تضخم فوائد القروض عليها والعجز عن السداد هو السبب الرئيسى فى انهيار
البورصة الأمريكية ومن خلفها البورصات العالمية وحدوث الأزمة.. وتبدو خطة
«ستون» البصرية فى الفيلم واضحة من خلال هذا الاستخدام المحسوب للجرافيك..
فبعد مشاهد قليلة نتابع حواراً بين «لويس زيبل» أحد كبار وول ستريت مع
ربيبه «جاك» – الممثل «شيا لابوف» - حول التغيرات الاقتصادية والتكنولوجية
التى حدثت خلال السنوات القليلة الماضية.. حتى إن عالمهم كله أصبح ينبع
ويصب فى هذه «الشاشات» (شاشات الكمبيوتر التى تعرض مؤشرات البورصة وحركة
المعاملات فى كل العالم)..
من هذه الجملة يدخل ستون فى كثير من المشاهد إلى عمق هذا العالم الافتراضى
متجولا بين خطوط الاتصال وأرقام المؤشرات الملونة.. بل يضع الشاشات بنظام
المزج المونتاجى على وجوه الشخصيات أثناء حديثها عن عالم المال.. وكأن تلك
الشاشات انطبعت على الوجوه بل والحياة كلها.. هو ليس أسلوب بصرى جديد لكنه
شكل مناسب لموضوعه.
وكعادة «ستون» لا تتوقف الكاميرا عن الحركة ولا تطول اللقطات حتى فى أشد
اللحظات انفعالية.. رغم أن الصراع فى الفيلم يدور على أكثر من مستوى..
فلدينا المستوى الأول المباشر وهو الصراع بين تيكونات المال فى أمريكا
والذى يعتبر جزءاً من اسباب الأزمة من خلال المضاربات غير الشريفة وترويج
الشائعات وتمويل مشروعات قصيرة المدى غير مضمونة النتائج من أجل أرباح
كبيرة وسريعة..
هذا الصراع الذى يؤدى إلى انتحار «لويس زيبل» فى البداية وبالتالى محاولة
ربيبه «جاك مور» الانتقام عن طريق تحطيم من تسببوا فى ذلك.. والمستوى
الثانى هو محاولة «جيكو» استعادة علاقته بابنته «وينى» بعد خروجه من السجن
الذى دخله قبل سنوات بسبب فضيحة مالية.. ونكتشف أن «وينى» هى خطيبة «جاك»
وبالتالى تتداخل مستويات الصراع وتتصاعد خصوصا عندما نكتشف أن «جيكو» لم
يرد استعادة ابنته سوى للحصول على ١٠٠ مليون دولار قام بتهريبها إلى سويسرا
قبل سجنه..
وهنا يصبح «جيكو» رمزاً لكل ما هو مادى فى عصرنا الحديث.. بل يصبح هو
والمال - الذى لا ينام أبداً - شىء واحداً فهو لم ينم طوال تلك السنوات فى
السجن بل ظل مستيقظا منتظرا أن تأتى له الفرصة ليعود إلى اللعبة مرة أخرى-
على حد تعبيره- مستغلا الانهيار الاقتصادى ليقوم بشراء الشركات الخاسرة.
رغم قلة عدد مشاهد «جيكو» بالمقارنة بالشخصيات الأخرى فإن شخصيته تتخذ أكثر
من دلالة خصوصاً عندما يقوم بتحليل الوضع الاقتصادى الأمريكى قبل الأزمة..
بل الوضع العالمى القائم على الاستهلاك وليس الإنتاج فى أحد أهم مشاهد
الفيلم.. ثم يعود ليعلق على إحدى حفلات أصحاب رؤوس الأموال قائلاً لو فجر
أحدهم هذه القاعة لن يجد العالم من يحكمه!
وينتهى هذا المشهد بدائرة سوداء تضيق على موائد الحاضرين حتى تظلم الشاشة
ثم تنتقل بنا كاميرا «ستون» إلى قمم ناطحات السحاب ثم تهبط بسرعة رهيبة
كتعبير بصرى عن انهيار أسعار العقارات وانهيار مؤشرات البورصة وبالتالى
حدوث الأزمة..
يعيب «ستون» فى هذا المشهد استخدامه لأكثر من استعارة بصرية حيث يمزج ما
بين لقطات الانهيار وبين صف من قطع الدومينو التى تقع بالتتابع وهى مبالغة
ساذجة وطفولية لا تليق بقامته..
وبما أن الأفلام الجيدة هى التى تجبرك على إعادة مشاهدتها مرة أخرى فقد ضم
الفيلم مستوى من التلقى يحتاج إلى مشاهد ذى عقلية فلسفية، فمن البداية وحتى
النهاية هناك خط فلسفى أو لنقل كونى له علاقة بالتطور البشرى عبر الزمن من
خلال فكرة الفقاعة التى نتجت عن الانفجار الكونى الكبير، والتى أدت إلى
ظهور الجنس البشرى على الأرض..
فـ«ستون» يستخدم هذا الرمز لقراءة عملية التطور الإنسانى حيث يعتبر أن كبار
رجال وول ستريت مثل الديناصورات التى حدثت لهم أزمة كونية فانقرضوا.. ولكن
ظهرت أجناس جديدة أقل حجماً وأسرع حركة وأكثر خطورة، وهو ما يرمز له بشخصية
«لويس زيبل» ديناصور ثم «بريتون جيمس» وأخيراً «جيكو» مرة أخرى، الذى كان
أحد هذه الديناصورات فى الماضى ثم اندثر وبُعث من جديد فى صورة أخرى تماما
مثل الطاقة التى لا تفنى.. ولكنها تنتقل من شكل إلى شكل.. هذا المستوى
الفلسفى يحتاج إلى إعادة مشاهدة الفيلم لتطبيقه على كل مستويات الصراع
الدائر خلال الأحداث.. لكن مما لا شك فيه أن الجزء الثانى من «وول ستريت»
من خلال عينى «أوليفر ستون» يدل على أنه إذا كان المال لا ينام أبداً،
فالسينما أيضاً لا تُغمض عدساتها.
ريفيو
الاسم الأصلى:
Wallstreet – money never sleeps
الاسم التجارى: وول ستريت ٢
سيناريو: آلان لوب – ستيفن شيف
إخراج: أوليفر ستون
بطولة: مايكل دوجلاس – شيا لابوف
مدة الفيلم: ١٣٣ ق
المصري اليوم في
03/10/2010
سمسار بورصة حقيقى طلب استثمار ٢ مليون دولار
فى شركته لمنح
السيناريست معلومات
كتب
ريهام جودة
«وول ستريت» اسم لشارع شهير فى مدينة «نيويورك» الأمريكية، يرمز إلى عالم
المال والمعاملات البنكية والاستثمارات فى البورصة، كما يضم عددا من كبريات
المؤسسات الاقتصادية فى أمريكا والعالم، وفى خضم هذا العالم، تتولد
الصراعات، التى لا تهدأ، طالما حركة المال لا تهدأ فيها، وفى هذا العالم،
تتكشف فطرة الإنسان وميله إلى الطمع والنهم نحو المال، الذى يجلب المزيد
منه الكثير من الرفاهية والسعادة المظهرية والمتع وأبرزها النساء، كما يجذب
مخرجا محترفا مثل «أوليفر ستون» ليقدم فيلمين عنه، الأول عام ١٩٨٧ باسم
«وول ستريت»،
وناقش من خلاله النماذج الفاسدة، التى حولت الحلم الأمريكى إلى منفعة
ذاتية، والثانى الذى يعرض حاليا فى عدد من دول العالم منها مصر ويحمل اسم
«وول ستريت.. المال لا ينام أبداً»، والذى يعود خلاله «ستون» بعد ٢٣ عاما
من الجزء الأول لكشف العالم السرى للبورصة والمضاربات المالية غير الشريفة،
التى كانت سبباً فى انهيار كبرى الشركات الاقتصادية الأمريكية، وبالتالى
حدوث الأزمة الاقتصادية العالمية قبل عامين.
الفيلم تأليف «ألان لوب» و«ستيفن شيف» ويلعب بطولته «مايكل دوجلاس»، الذى
يعود من خلاله بشخصية «جوردون جيكو»، التى فاز عنها بالأوسكار، إلى جانب
عدد من الممثلين منهم «شيا لابوف» و«سوزان ساراندون» و«فرانك لا نجيلا» و«جوش
برولين» و«كارى موليجان» و«فانيسا فيرليتو» و«أوستين بيندلتون»، وتجاوزت
تكلفته أكثر من ٧٠ مليون دولار، وتم تصويره فى جزيرة «مانهاتن» وتحديداً فى
شارع ٦١ الغربى فى البناية ١٦١، موقع وول ستريت الحقيقى ذاته، واستغرق
تصوير الفيلم ثلاثة أشهر، بدءاً من أوائل سبتمبر حتى أواخر نوفمبر ٢٠٠٩،
وتأجل موعد عرضه مرتين، حيث كان من المفترض عرضه فى فبراير الماضى، لكنه
أرجئ إلى شهر أبريل، ليعرض أواخر سبتمبر الماضى.
بدأ «ستون» التحضير للفيلم قبل ثلاث سنوات وتحديداً قبل عمله على فيلم
«بوش»، وكان يرغب فى تقديم الأحداث فى الصين، لكن ما طرأ من أحداث مالية
ساخنة بدأت بانهيار أكبر البنوك والشركات الاقتصادية فى نيويورك كان دافعا
لتقديم الأحداث فى أمريكا.
حين عرض «ستون» تقديم جزء ثان من الفيلم على «مايكل دوجلاس» لتقديم شخصية
«جوردون جيكو»، سمسار البورصة، الوسيط بين أباطرة المال والمستثمرين
مجدداً، أبلغه «دوجلاس» بأن موافقته تتوقف على قراءته السيناريو واقتناعه
به فى ظل المتغيرات، التى طرأت بعد ٢٣ عاما من تقديمه الشخصية، بعد أسابيع
أعلن «ستون» بدء التحضير لتصوير الفيلم، مشيراً إلى غياب بطلى الجزء الأول
«شارلى شين» – الذى جسد دور «بد فوكس» – و«داريل هانا» عن المشاركة فى
الجزء الثانى لأسباب غير معلنة، لكنه أكد أن «شين» سيظهر فى مشاهد قليلة فى
إشارة لدوره بالجزء الأول، وبالفعل تعاون «شين» مع أسرة الفيلم، لكنه كان
قد تناسى عددا كبيرا من الجمل المألوفة، التى كان يرددها فى الجزء الأول،
وكان مساعدو «ستون» يزودونه بتلك الجمل أولا بأول أثناء تصوير مشاهده
القليلة.
فى بداية التحضير للفيلم، التقى «ستون» و«مايكل دوجلاس» بـ«صامويل دى
واكسال»، مؤسس شركة «إيم كولون سيستمز» الطبية، الذى قضى خمس سنوات فى
السجن الفيدرالى الأمريكى بتهمة الاحتيال، للوقوف على الأجواء، التى عاشها
فى حبسه والظروف، التى قادته إلى ذلك، كما أجرى «ستون» و«بطل الفيلم «شيا
لابوف» لقاءات مع عدد من المختصين لدراسة وتحليل الانهيارات الاقتصادية،
التى عانى منها الاقتصاد العالمى خلال العامين الأخيرين، منهم «نوريل
روبينى»، أستاذ الاقتصاد بجامعة نيويورك، الذى كان من أوائل المحذرين من
وقوع كارثة اقتصادية فى الولايات المتحدة قبل ثلاث سنوات، فى حال استمرار
أزمة الرهن العقارى كما هى دون حل.
أيضاً اجتمع «ستون» بـ«جيم تشانوس»، أحد مديرى صناديق القروض البارزين فى
أحد البنوك الأمريكية، الذى طلب منه التركيز بشكل أكبر على الأنظمة المتبعة
فى البنوك أكثر من تناول مشاكل القروض والرهن العقارى.
ودفع حرص «لابوف» على إتقان دوره فى التدرب فى أحد المكاتب المتخصصة
للسمسرة فى البورصة، لأن يقضى أسابيع طويلة للإمساك بمفردات الشخصية من
خلال الاحتكاك بسماسرة حقيقيين.
وربما لأن «ستون» يخوض بفيلمه أرضاً مليئة بصراع المال والجشع للحصول على
المزيد منه، فإن كاتب السيناريو «ألان لوب» أراد الاستفادة من خبرات صاحب
شركات «مادوف» المالية وتضمينها فى السيناريو أثناء كتابة النسخة الثانية،
وبالتالى ورود اسم الشركة فى النص، لكن الأخير طلب منه الاستثمار فى شركته
بنحو مليونى دولار لتقديم أى معلومات له.
مخرج الفيلم «أوليفر ستون» أكد أنه بعد ٢٣ عاما على تقديم الجزء الأول لم
تتغير قواعد اللعبة فى شارع المال الأمريكى «وول ستريت» وقال: اعتقدت أن
النظام كان سيتم تصحيحه، ولكن ذلك لم يحدث، كنت أود أن أشهد تعديلات مهمة،
لكننى لم أر سوى المشكلات الضخمة نفسها.
حكاية شارع
عرف شارع «وول ستريت» بهذا الاسم منذ القرن السابع عشر، حيث كانت «نيويورك»
مستوطنة هولندية، وعندما هاجم البريطانيون تلك المستوطنة، بنى الهولنديون
جدارا عاليا ارتفاعه ٤ أمتار، لحمايتها من القوات البريطانية، لكن ذلك لم
يمنع من سقوط المستوطنة فى يد البريطانيين، الذين هدموا الجدار عام ١٦٩٩
بمجرد استيلائهم على المستوطنة،
وعرف المكان منذ ذلك الوقت باسم «وول ستريت»، وارتاده التجار، الذين كانوا
يربطون حبالهم فى أشجار ضخمة لتأمين بضائعهم، كما شهد الشارع عددا من
الأحداث المهمة على مدى التاريخ الحديث منها وقوع انفجار كبير أمام مبنى «مورجان
هاوس» خلف ٣٨ قتيلا و٣٠٠ جريح، أيضاً انهيار مؤشر «داو جونز» الصناعى عام
١٩٢٩،
المعروف بالانهيار الكبير، الذى تسبب فى كساد كبير يعد الأضخم للاقتصاد
الأمريكى، وأعقبه انتعاش اقتصادى، لكن فى عام ١٩٨٧ حدث انهيار لمؤشر «داو
جونز» الصناعى مجددا بنسبة ٢٣% فى يوم واحد،
وهو أكبر هبوط فى تاريخ المؤشر، ثم وقعت أزمة الرهن العقارى عام ٢٠٠٧،
لتتسبب فى إفلاس أكبر البنوك والشركات المالية الأمريكية مثل «ليمان براذرز»
و«بير ستيرنز» و«واشنطن ميتيوال»، والتى أثرت على العالم بأسره، ولا تزال
توابعها مستمرة حتى الآن
المصري اليوم في
03/10/2010
سنتورين:ورطة امبراطورية
قيس
قاسم
مثل غيرها من الامبراطوريات القديمة اتسعت الرومانية خارج حدودها كثيرا،
فعبرت البحار ووصلت الى أقاصي الأرض. ومثل غيرهم واجه الرومان مقاومة
لنفوذهم وخروج عن ارادتهم في العديد من الأقاليم البعيدة والعصية على
السيطرة الكاملة. وكانت قبائل البيكتيس (سكنة أسكتلندا اليوم) من بين أشد
المعارضين لوجودها. كانوا، وبسبب بعدهم عن مركز القوات الرومانية، قادرين
على مهاجمة حصونها مستفيدين من طبيعة الغابات الانكليزية الباردة، مستخدمين
في معاركهم اسلوب الكر والفر الذي كان ينشر الذعر في صفوف القوات الرومانية
المتروكة وحدها وسط طبيعة باردة ومخيفة.
هذه الصورة التاريخية وصفها لنا «سنتوريون» أحد قادة المعسكرات المحاصرة
وأسمه الكامل: سونتوريون كونيتوس دياس. وعبر مونولوغه الداخلي تتعاقب صور
دقيقة عن حالة حصار قواته وهبوط معنويات جنوده والمؤامرات التي كان يحوكها
قادتهم في المراكز البعيدة من دون علمهم. أسلوب سرد أحداث «سنتوريون» هو من
أكثر عناصر الفيلم جمالا، وبفضله تمكنا من معرفة تفاصيل الأحداث التي جرت
العام 117 ميلادية.
تبدأ القصة كما يخبرنا بها سنتوريون (الممثل ميشيل فاسبندر) من لحظة هروبه
ونجاته، باعجوبة، من موت مؤكد على أيدي قوات البيكتيس التي سيطرت على
معسكره، وقتلت جنوده. هذه المعركة وغيرها من المعارك والمطاردات رسمت لنا
مشهدا كاملا لطبيعة الصراع العسكري ووحشية المتصارعين في ذلك الزمان.
فمشاهد طعن الأجساد وتنافر الدماء وقطع الرؤوس قربتنا من ذلك التاريخ
الدموي للامبراطورية الرومانية وقربت بسببها الفيلم من فئة الرعب على ما
فيه من سرد تاريخي.
ويبدو أن المخرج نيل مارشال أراد ان يبقى وفيا للخط الذي انتهجه في فيلم
«جنود الكلب»، فجسد العنف والانتقام في أعلى تجلياته، وكرس السيناريو الذي
كتبه بنفسه لايصال هذه المرحلة من الصراع بين سكان مقاطعة اسكتلندا والجيش
الروماني بالصورة التي كانت عليها في الواقع. ومسار حكاية «سنتوريون»
يقودنا الى ما هو أبعد من الظاهر. فقادة روما أرادوا التفاهم مع القبائل
المهاجمة من دون أن يعلنوا ذلك صراحة أمام قادتهم الميدانيين. تركوا هؤلاء
يذهبون في اخلاصهم بعيدا لدرجة التضحية بأرواحهم من أجل روما.
كان القائد غراتوس (الممثل أندرياس وسنفيسكي) واحدا من بين هؤلاء، لذلك،
وفور سماعه بسقوط الحصن العسكري من سنتوريون جند قوة من وحدته التاسعة،
الأشهر بين الوحدات بقوتها وتماسكها، وذهب لاعادة القلعة بصحبة فتاة خرساء
اسمها ايتاين (الممثلة أولغا كوليرينكو) فرضها عليه قائده الكبير وأقنعه
بسماع كل ما تقوله أثناء طريقهم الى الغابة الغامضة فهي دليلة طريق وتعرف
المنطقة شبرا شبرا.
خيانة روما
في الطريق الى هناك حاصرتهم قوة من البيكتين ففرقت قوتهم وأخذت غراتوس
أسيرا. لقد وشت بهم الدليلة ايتاين وعادت لتحارب الى جانب قبيلتها
الحقيقية. عملت كجاسوسة أردات الانتقام من روما التي قطعت لسانها وهي طفلة
وقتلت عائلتها أثناء سيطرة جيوشها على قريتهم. بإعتقال ومقتل القائد غراتوس
وقعت مهمة اعادة ما بقي من جنوده الى معسكراتهم أحياء على عاتق «سنتوريون».
في المقابل وقعت مهمة تصفيتهم على عاتق الدليلة الشرسة ايتاين. المطاردة
بين الاثنين وعمليات الفر والكر في الطرق المثلجة سوف تعطي الشريط دفعا
دراميا كبيرا. ومن خلالها سنكتشف الكثير من الأسرار والمواقف التي أفرزهما
الخوف والترقب. ولعل أكثرها بشاعة عمليات تصفية المجموعات الفارة من الجنود
وقتل آخر واحد منهم على يد الجنود الرومانيين أنفسهم. لقد اتضحت
لـ«سنتوريون» الخديعة، فالقادة السياسيون كانوا يريدون التفاهم مع تلك
القبائل، مقابل الكف عن هجماتها.
ومن أجل التستر على خططها الجبانة قررت تصفية كل من يتكشف هذا السر، فكانت
الوحدة التاسعة وقادتها كبش فداء. ربما كانت هذه الفكرة وتفاصيلها المحور
المهم الذي حاول مخرجه نيل مارشال ابقاءه حاضرا بقوة في شريطه، لكن المعارك
وبشاعتها حرفت الانتباه عنه، فجاء «سنتوريون» كغيره من أفلام المغامرة؛
سالت فيه الدماء وعلت أصوات السيوف وهي تسحب من أغمادها وتطعن أجساد البشر
على غيرها من الأصوات وأنين الجرحى ما انقطع، فيما صوت حوافر الخيول يملأ
أرجاء الصالة. صحيح ان مشاهد الحروب ودمويتها متشابهة تقريبا، وأن دوافع
الحروب متقاربة الجوهر، وان اختلفت وسائلها وأساليبها، لكن السينما لها
وظيفة أخرى غير نقلها الى الشاشة. إنه الذهاب الى العمق مع الحفاظ على
مضمون الصورة لا على حرفيتها.
لص ويتيمات ثلاث
يتحفنا المخرجان بيار كوفين وكريس رينو بعمل لا يقل روعة عن الأعمال
الأخيرة لشركة «بيكسار» المختصة بانتاج أفلام الحركة «الأنيماشن». ويذهب
فيلمهما الجديد «أنا المغفل» في مسار جديد فيه الكوميديا حاضرة وقريبة من
مثيلتها في أفلام الكبار. الحوار والمفارقات اللغوية عمادها الأساس الى
جانب الحركة الهادئة، بما يتناسب طبعا وعقلية الأطفال وأهوائهم.
العنوان نفسه يوحي بالتميز والاختلاف، فحدته غير مألوفة وهو يحيلنا الى نوع
من الاعتراف والاقرار بالسوء، وهذا لا يتوافر في أفلام الصغار عادة، لأن
معظم عناوينها تذهب الى البطل أو العالم الذي ينتمي اليه مباشرة. أما صفة
السوء فلها حكاية تعود الى الرجل الغريب المظهر «غرو» (صوت الممثل ستيف
كاريل). ذاك الرجل كان يقيم في بيت مختلف عن غيره من بيوت تلك المنطقة
النظيفة والمحاطة بالورود من كل جانب. كان غريبا وبشعاً وخلف بابه الكبير
الكثير من الأسرار. قبل دخوله يعرض علينا الشريط مشهدا لطفل مشاكس عبر
الحواجز الموضوعة لفصل السياح عن الأهرامات المصرية. لقد أفلت طفل الصغير
من يد أمه ووقع من علو على أحد الأهرامات من دون أن يصاب بأذى، واكتشفت
الشرطة ان البناء الذي وقع عليه الطفل كان مصنوعا من البلاستيك وأن
الأهرامات الحقيقية قد سرقت! سرقة الأهرامات ستدفع غرو الى اعداد خطط
لسرقات تفوقها جرأة، ليصبح اسمه أكثر شهرة من اسم اللص الذي سرقها؛ فكتور
(صوت الممثل ياسون سيج)، والذي توصل أخيرا الى اختراع جهاز تصغير قادر على
اختزال أي جسم يتعرض لاشعته بما فيها القمر. لقد أوحى هذا الاختراع لغرو
بفكرة سرقة القمر ونقله الى الأرضى لينسى العالم سرقة الأهرامات تماما. في
ذلك البيت الغامض بدأ غرو باعداد الخطط للحصول على جهاز التصغير بأي شكل،
وكان جيش من المخلوقات الصغيرة التي صنعها بنفسه تساعده ليل نهار على تحقيق
مآربه. أما في أوقات فراغه فكان غرو يتسلى بأذى الآخرين، صغارا كانوا أم
كبارا. كان يظهر حقارته علنا ويشمت باخفاقات الآخرين.
وذات يوم خطرت له فكرة جاءت من وحي زيارة لثلاث فتيات يتيمات يسكن في دار
للايتام ويجمعن التبرعات للمحتاجين. قرر استغلالهن للحصول على ما يريد.
وبالفعل نجح في مسعاه لكنه من دون أن يشعر تعلق بهن كثيرا، لان قلبه صار
يشعر بمسؤولية كبيرة ازاءهن. لقد صار الحقير رجلا طيبا ولهذا ترك كل شيء،
بما فيه القمر، وتفرغ لهن. هذه القصة الرائعة نقلت الى الشاشة بطريقة رائعة
أيضا، ليبرهن فيلم الحركة عن قدرته الكبيرة على منافسة الأفلام العادية
ويتفوق على الكثير منها، و«أنا المغفل» واحد من الأمثلة القوية على قوة هذا
النوع من الأفلام ذات المستوى السينمائي المتطور.
الأسبوعية العراقية في
03/10/2010 |