أول الواصلين إلى الليدو كان هو: صبي السينما الأميركية المشاكس الذي يبدو
أنه
بلغ الرشد فالتزم الدور ويُتوقّع أنه لن يشذّ عنه طيلة أيام
المهرجان الاثني عشر.
كينتين تارانتينو بدا كما لو أنه راعي بقر حقيقي بقميصه الملوّن بالمربّعات
الزرقاء
والبيضاء وقبعته الواسعة لتحميه من شمس الظهيرة.
بدت الصورة وكأنّ
تارانتينو اتفق مع صديقه روبيرت رودريغيز أن يعتمرا القبعة نفسها ويرتديا
الزي ذاته
لتأكيد صداقتهما. كون الصديقين وصلا معاً لن يثير أي سجال لأن رودريغيز
يعرض فيلمه
«ماتشيتي»
من بطولة جيسّيكا آلبا ودينّي تريخو خارج المسابقة الرسمية. وقد وصل بطلا
الفيلم برفقة المخرج وأثار جمال جيسّيكا آلبا صراخ المصوّرين الذين
احتُشدوا عند
مرسى الزوارق الصغيرة قبالة مدخل فندق الإكسيلسيور.
تارانتينو، الذي كان
تحدى مجتمع المحافظين في بلده ومنح مواطنه مايكل مور السعفة الذهبية في
مهرجان كان
السينمائي الدولي قبل بضع سنوات عن فيلمه «١١ - ٩ فهرنهايت»،
يُتوقّع منه أن يضع
بصمته المشاكسة على النتائج التي ستُعلن في الليدو مساء السبت الحادي عشر
من هذا
الشهر.
بنّاهي الغائب الحاضر أبداً
ووصلت أيضاً ناتالي
بورتمان بطلة فيلم الافتتاح «البجعة السوداء» من إخراج دارين آرونوفسكي.
نجوم كثر
سيحضرون لكن ما هو مؤكد هو أن السلطات الإيرانية حالت للمرة الثانية خلال
أقل من
أربعة أشهر دون أن يتمكّن المخرج جعفر بنّاهي من الاشتراك في
مهرجان سينمائي كبير
وأن يحتفل في فينيسيا بالذكرى السنوية لحصوله على جائزة الأسد الذهبي عن
فيلمه
الرائع «الدائرة». وكان يُنتظر أن يرافق بنّاهي فيلمه القصير «الأكورديون»
الذي
سيُعرض ضمن برنامج «أيام المخرجين في فينيسيا» الذي يوازي
برنامج نصف شهر المخرجين
في مهرجان «كان» ويعدّه وينظمه اتحاد المخرجين السينمائيين
الإيطاليين.
مقرّبون إلى بنّاهي أكدوا لـ «الحياة» أن «السلطات الإيرانية
رفضت إعادة جواز سفر بنّاهي ورفضت التصريح له بمغادرة البلاد»
وهكذا سيتكرر المشهد
ذاته الذي حدث في الدورة السابقة من مهرجان «كان» عندما اتخذت السلطات
الإيرانية ضد
بنّاهي الموقف نفسه وحالت دون اشتراكه في لجنة التحكيم الدولية للمهرجان،
بعد أن
كانت حملة تضامن عالمية تمكّنت من إقناع السلطات الإيرانية
بإخلاء سبيله بعد شهور
من التوقيف القسري لتُهَم لم تتضح معالمها ولم تتمكن السلطات نفسها من
إثباتها ضد
المخرج المبدع. لكن، وكما هو الصمت أبلغ وأوقع صدى من الصراخ، فإن التغييب
القسري
لبنّاهي عن المهرجان سيثير الكثير من النقاشات والاحتجاجات لا
سيما أن عدداً من
الفنانين الإيرانيين، ومن بينهم المخرج عباس كيارستمي والمخرج مُصدّق طيّبي
والفنانة والمخرجة شيرين نشأت، سيكونون في المهرجان.
احتفاءات
شيرين
نشأت ستترأس لجنة تحكيم الأفلام المشاركة في برنامج «آفاق» وسترافقها في
هذه المهمة
المخرجة التونسية رجاء عمّاري، التي كانت شاركت العام الماضي
في مسابقة البرنامج
نفسه بفيلمها الأخير «دوّاحة» أو «أسرار دفينة».
وعلى رغم أن منطقة المهرجان
بجزيرة الليدو موقع عمل متواصل لإنشاء قصر السينما الجديد، فإن من المتوقّع
أن يحقق
البرنامج الذي صاغه ماركو موللر نجاحاً كبيراً، فالأفلام، على الورق، تبدو
كبيرة
ومهمة. وتزخـر هذه الدورة أيضاً باحتفاءات كثيرة من بينها
الاحتفاء بالذكرى العاشرة
لرحيل نجم السينما الإيطالية
فيتوريو غاسمان والذكرى العشرين لرحيل زميله أوغو تونياتسي، وهما كانا لوقت
طويل
أهم نجمين في سينما الكوميديا الإيطالية.
استعادة أخرى أنجزها المخرج
غابرييلي سلفاتوريس (الحائز على الأوسكار عن فيلمه «المتوسّط» في عام ٢٠٠٠).
فبفيلمه المعنون «١٩٦٠» يستعيد سلفاتوريس
إحدى أهم الحقب الإيطالية ما بعد الحرب
العالمية الثانية والتي عُدّت منعطفاً مهماً في تاريخ إيطاليا
الحديث، لانتقالها من
مجتمع زراعي فلاحي إلى مجتمع صناعي متطوّر.
فيلم سلفاتوريس «1960» سيُعرض
خارج المسابقة الرسمية كون سلفاتوريس نفسه عضواً في لجنة التحكيم الدولية
للمسابقة
الرسمية. يعتمد الفيلم على المادة التاريخية التي تُكتنز بها أرشيفات
التلفزيون
الرسمي الإيطالي «راي» ويروي رحلة هجرة الشاب روزاريو من
الجنوب إلى ميلانو. ففي
الرسائل التي يكتبها روزاريو لشقيقه الأصغر عام 1960، يتحدث عن الحياة
الجديدة،
الحرية والأصدقاء. يكتب عن عالم ساحر وخيالي حيث ينال كل شخص ما يروم إليه.
تظهر
ميلانو كمدينة ألعاب، نوع من أرض موعودة. لكن تلك الرسائل
نفسها تثير الاضطراب لدى
الأسرة: فروزاريو يبدو وكأنه تغير، حتى أنه نسي الوعد الذي قطعه بالزواج
بروزالبا،
الفتاة الريفية التي تحبه وتنتظره. لذا تعتقد العائلة أن عليها أن تفعل
شيئاً،
فتنطلق الأسرة لتعيد الابن إلى البيت. رحلة طويلة تحمل الأسرة
والمُشاهد معاً عبر
إيطاليا لاكتشاف بلد يتغير بفضل الازدهار الاقتصادي. وتتحول الرحلة الى نوع
من
الحلم تتخلله عجائب نابولي وروما، دورة الألعاب الأوليمبية التي أقيمت في
روما في
عام ١٩٦٠، والحياة الحلوة لفلليني، مدينة ريميني الساحلية وعلاقات الحب
الصيفية.
لكن الهدف النهائي للعائلة يبقى لقاء روزاريو الذي يظل مختبئاً. لا أثر له
في
ميلانو. وفي عاصمة المعجزة الاقتصادية، يكتشفون الحقيقة: روزاريو يعمل في
نفق مونتي
بيانكو حاله حال الكثير من مهاجري الجنوب الإيطالي. وتكتشف العائلة بأن
رسائله كانت
كاذبة، كتبها لشقيقه الأصغر ليخفي عنه قسوة الحياة اليومية
ومأساة الهجرة. لكن تلك
الأكاذيب أتاحت لبطل الفيلم أن يعيش أجمل سنة في حياته، حيث جعلته تلك
السنة أن
يفهم أن من حق البشر أن يؤمنوا بالحلم.
جون وو أسد
ذهبي
احتفاء آخر، لكن للشرق الذي يحبه ماركو موللر وتخصص فيه وبسينماه.
فسيجرى الاحتفال اليوم (الجمعة ٣ سبتمبر) بمنح المخرج الصيني «جون وو»
جائرة الأسد
الذهبي للحياة الفنية تكريماً لإجمالي مسيرته السينمائية. وسيقام الاحتفال
في
الصالة الكبرى بقصر السينما، وقد سبق الاحتفال (يوم أمس الخميس
واليوم الجمعة) عرض
لفيلمين أولهما لجون وو نفسه، وهو «القاتل - (1989)»، الذي يُعدّ من بين
أشهر
أعماله، وسيُعرض بنسخته التي رممتها شركة فاينشتاين، وفيلم «موجيوكا»، وهو
فيلم
كوري مقتبس من الرائعة السينمائية «من أجل غد أفضل» والذي يقوم
باستكمال مراحله
الأخيرة في سيول حالياً المخرج هاي سونغ سونغ وسيلعب دور البطولة فيه نجوم
محليون
مثل ين مو يو وسيونغ هون سونغ وكانع وو كيم وهان سون يو.
وسيتبع حفل
التكريم أول عرض على الصعيد العالمي لفيلم «مملكة القتلة» الذي أخرجه سو
تشاو
-
بينغ تحت إشراف المخرج جون وو وهو من إنتاج تيرينس شانغ.
ويزخر فيلم «مملكة
القتلة» بمشاركة نخبة متنوعة من الممثلين إذ تعلب دور
البطولة فيه نجمة أفلام الأكشن الأسيوية، ميشيل يوه، وإلى جانبها الممثلة
الكورية
الشهيرة يونغ وو سونغ إضافة إلى نجوم صينيين وتايوانيين مثل باربي هسو وفان
كسويكي
وكيلي لين وأنجيلس وو.
«عندما
يجد الناقد نفسه إزاء أي من أعمال جون وو،
فإنه يجد نفسه مُجبراً على الإحجام عن التطرّق لنوعية النص
الأدبي الذي اقتُبس منه
العمل لأن شدة التركيز على المشاهد واللقطات والأماكن تناقض الكلمات
ويحرقها إلى
الأبد» هذا ما كتبه المدير الفني للمهرجان ماركو موللر في تقديمه في دليل
المهرجان
في دورته الـ ٦٧، ويُضيف «لا يهتم وو بترجمة تسلسل الأحداث إلى صور ولا
بوصف الحدث
بحد ذاته بل يركز بالدرجة الأولى على وتيرة الأحداث ووقعها
ويبحث عن تفصيل محدد
ليسلط الضوء عليه ليجعل الليريكية أكثر اشتعالاً وتوقّداً».
الحياة اللندنية في
03/09/2010
فن البصيرة الداخلية... العظمى
دمشق – فجر يعقوب
يأخذ فيلم «بقعة طين» للسورية الشابة رلى بريجاوي مشاهده نحو ما يمكن أن
يسمى
مجازاً «خدعة الكفيف»، أي السلاح السري الذي يلجأ إليه من فقد
بصره في مراوغة هذا
العالم من حوله إذا تجلى له قاسياً. فمنذ المشهد الأول تأبى بريجاوي أن
تكشف اللغز
من حول أبطالها. ها هنا ولد صغير يجيء من الضباب، والكاميرا تتبعه من
الخلف، وهو
يعبر ممراً طويلاً نسبياً ليصل إلى مجموعة من التلاميذ في مثل
عمره يشكلون مجموع
الأبطال الصغار الذين سيتوجه إليهم الفيلم التسجيلي القصير.
لا يمكن اكتشاف أن هؤلاء الصبية هم في الواقع مجموعة من المكفوفين للوهلة
الأولى، فالولد الذي يقود الكاميرا في المشهد الآنف الذكر لا
يكشف لنا الطريقة التي
يتبصر فيها طريقه، إذ يبدو طبيعياً تماماً، وهو هنا يخلق فضولاً إضافياً
لمعرفة
وتبيان بقية خطواته وإلى أين ستفضي في المشاهد التالية، وهذا ما تنجح
المخرجة في
إبرازه في شكل وثيق.
تقطع المخرجة بريجاوي بعد ذلك على المكفوفين، وهم يلقون بالطين الطري على
طاولة
خشبية، كتلك التي يستخدمونها في صناعة الخزف والأواني الطينية.
رمي الطين يخلق
إيقاعاً خاصاً في الفيلم يكثف من جوهر وجود هؤلاء الصبية في هذا المكان، إذ
سرعان
ما سنكتشف أن من يقوم بذلك هم طلاب فن يجمع بينهم، فقدان البصر وحب العمل
على
الطين... والحديث عن الحب.
الحب بالطبع من وجهة نظر كفيف مسألة شائكة ومعقدة لا يمكن فهمها بسهولة.
يقول
أحد هؤلاء الصبية وهو يكشف عن إحساسه بنصفه الثاني: «عندما
أجلس إلى صبية أبدأ
بتخيلها من خلال حديثها وصوتها لأعرف ما إذا كانت قبيحة أو حلوة». فتى آخر
مشغول
بتلوين قطعة خزف منتهية باللون الكحلي يوجه سؤالاً إلى معلمته عن أحواله هو
بالذات
في حال مرافقته لفتاة يرتاح إليها و «عما إذا كان سيقفز قلبي
من صدري في مثل هذه
الحالة؟».
يعيد الطين بناء عوالم هؤلاء المكفوفين، وهو طين لين عركه سهل. أما الحب،
أو
الأسئلة المتعلقة به فشرك حياتي أكثر تعقيداً منها. تؤكد صبية
كفيفة ضاحكة: «الحب
حلو وقد أحببنا كثيراً». ربما تجيء جملة زميل لها لتعارض تصريحها: «المكفوف
لا ينجح
في الحب».
يشكل الطين هنا مادة مغرية لإعادة تشكيل هذه الأسئلة. بعض هؤلاء المكفوفين
لم ير
النور إطلاقاً، وبعضهم الآخر فقد بصره في سنوات بعد الولادة.
أحد هؤلاء يقول بحرقة
كلاماً عميقاً لا يتناسب مع سنواته الغضة: «وعيت الدنيا عندما عميت، ولم
أعها قبل
أن أعمى». تستطيع المخرجة رلى بريجاوي أن تؤكد أن حساسية فيلمها تقف عند
هذا الحد،
فالصبي هنا يستقوي ببصيرته الداخلية. ربما أراد اكتشاف عالم من الكلمات قبل
كل شيء،
فالعالم الذي ينوي تشكيله بهذه المادة الطرية يجيء مختلفاً هذه المرة. لا
يمكن
الجزم بذلك بالطبع، إلا أن بعض الوجوه الطينية تكشف عن مسارات
مختلفة في عالم معقد
لا يدرك كنهه سوى المكفوفين حصراً، وعلى رأسهم هذا الفتى الذي اجتذبه العمى
ليبدأ
رحلته المبكرة في الظلام بحثاً عن مادة الوعي. زميلة أخرى تشدد على نباهته
الكلية
من خلال انشغالها برسم حدود عالم لا يبدو مختلفاً، فهم
يعيّرونها بكونها عمياء في
الضيعة. لكن هذا يشكل بالنسبة اليها قوة إضافية غير ملحوظة من المبصرين:
«هم لا
يستطيعون إنجاز ما أقوم أنا به».
«بقعة
الطين» فيلم تسجيلي قصير عن فن البصيرة الداخلية عند مجموعة من الفتية،
يمكنهم أن يجدوا في الطين كل مفردات الحب والصداقة والمودة، كما يعبر أحدهم
وهو
يلقي بكتلة منه على الطاولة ويصيخ السمع لرجع صوت الارتطام
بحثاً عن صوت مواز للّون
الذي سيخلفه على القطعة المنتهية.
الحياة اللندنية في
03/09/2010
فيلم «أوقات القاهرة» ... الشرق مكان
المتاعب
أمستردام - محمد موسى
بعد عرضه في بعض المهرجانات السينمائية في العام الماضي، وفوزه بجائزة أفضل
فيلم
في فئة الافلام الكندية في مهرجان تورنتو لعام 2009، تعرض
صالات هولندية وبلجيكية
منتخبة فيلم «اوقات القاهرة» للمخرجة الكندية السورية ربا ندا. الفيلم
الجديد
للمخرجة يأتي بعد فيلمها الطويل السابق «صباح»، والذي عرض في عام 2005،
وحصل وقتها
على اهتمام أكبر من الذي يحصل عليه فيلمها الاخير، بسبب
موضوعه، إذ يتحدث عن المرأة
العربية المسلمة والقيود التي ما زالت تعرقل حياتها وخياراتها على رغم
اقامتها في
الغرب. والتي تستاثر ومنذ أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) عام 2001 على
انتباه
الكثيرين.
يبتعد الفيلم الجديد للمخرجة السورية التي تبلغ من العمر 38 سنة، عن موضوع
المهاجريين العرب في كندا والتي هيمنت على أفلامها القصيرة
والطويلة السابقة. ففيلم
«اوقات
القاهرة» هو رحلة الى الشرق الاوسط، مصر تحديداً. ولأن المخرجة قامت أيضاً
بكتابة الفيلم، يبدو اختيارها موقع أحداث فيلمها الأخير مدروساً بعناية،
ولن يكون
البلد العربي «خلفية» فقط لقصة عادية عن سيدة أميركية تصل الى
مصر لمقابلة زوجها
الأميركي والذي يعمل في المنطقة.
يصور الفيلم بالكامل في مصر، هو يبدأ مع وصول البطلة الأميركية (تلعب الدور
الممثلة باتريشيا كلاركسون) الى مطار القاهرة لقضاء عطلة مع
زوجها الذي يعمل مع
الامم المتحدة في مدينة غزة الفلسطينية، لكن ظروف لها علاقة بالوضع الامني
في غزة
تعيق الزوج من الالتحاق بزوجته، لتبقى الاخيرة وحيدة في القاهرة، تحاول ان
تكتشف
المدينة. يرافقها في بعض جولاتها صديق زوجها العربي (يؤدي
الدور الممثل اسكندر
صدّيق) الذي يعيش في مصر.
تقاطع ناقص
لا توفر المشاهد الاولى من الفيلم انطباعاً واضحاً عن الوجهة التي ستأخذها
القصة، فباستثناء مصادفة بلهاء، عندما يقابل الصديق العربي
حبيبة سابقة له خارج
مطار القاهرة، كانت المقدمة تلك بداية مثالية لقصة كان ممكن ان تتجه الى
حافات حادة
مفاجئة، ومواجهات تبدو اساسية ومنتظرة من لقاء شرقي غربي بهذا النوع، لكن
الفيلم لن
يصل أبداً لتلك الحافات، فالبطلة يغويها الشرق ورجاله،
والمواجهة التي تفرضها ظروف
العالم السياسية لن تحدث أبداً، حتى القاهرة التي ظهرت في المشاهد الاولى
العريضة،
حية، منهكة، غير معتذرة، استبدلت القاهرة السياحية سريعاً بها بعد ذلك،
قاهرة
السياح الاجانب، ومقاهيهم ومحلات تحفهم.
وباستثناء علاقة البطلة بالرجل العربي، قدم الفيلم وعلى خلاف افلام الطريق
والذي
يمكن اعتبار ان الفيلم ينتمي اليها قصة واحدة فقط لتقاطع
البطلة مع عرب، لفلسطينية
كانت تجلس بالصدفة بجنب البطلة الاميركية، في الباص المتجه الى غزة، والتي
كانت
تدرس في مصر والتي تركتها بعد علاقة غرامية مع شاب مصري. لكن النمطية وسوء
أداء
الممثلة التي ادت دور الفتاة الفلسطينية عجلا كثيراً بتحديد
أثر القصة على المسار
العام للفيلم، والذي عاد سريعاً للاهتمام ببطلته الاساسية.
وحتى مع العلاقة الغرامية بين الاميركية والعربي والتي كانت تواجه معارضة
اخلاقية بسيطة من البطلة فقط، لم يقترب الفيلم ابدا لينضم الى
قائمة الافلام
الكبيرة التي قدمت القصة نفسها عن المراة المتزوجة والتي تقع في حب رجل
آخر،
والصراع النفسي الذي تسببه هكذا العلاقة، وربما كان هذا بسبب تمثيل
البطليين
الاساسيين اللذين كانا جيدين على طول الفيلم لكن ليس بشكل يكفي
لمنح القصة العاطفية
الذورة التي تشعلها حيرة النفس البشرية امام الحب الجارف والوفاء والذي تقف
خلفه
نظم اخلاقية راسخة.
يقدم الفيلم مشاهد جيدة وبعضها مبتكر للاهرامات، وذلك في مشاهد طويلة ومهمة
في
الفيلم، من دون ان تحمل بذاتها رمزية خاصة للابطال. على الجانب
الآخر سادت الفوضى
المشاهد التي صورت في أماكن عامة في القاهرة، والتي من المؤكد ان تنفيذها
في مدينة
مزدحمة مثل القاهرة كان كابوساً للمخرجة وفريقها الفني. في أحد مشاهد
القاهرة، كان
يمكن الرؤية بوضوح كيف ان بعض الكومبارس كان ينتظر اشارة من
المخرجة للدخول في
المشهد.
لكن المشاكل الكبرى في الفيلم
لم تكن فقط في تلك المشاهد، فهناك مشاكل جوهرية في
السيناريو نفسه، وعجزه عن تجسيد المناخ النفسي الحالي الذي
يحيط تلك المنطقة في
العالم، أو ان يقارب التعقيد الكبير للمظاهر الاجتماعية الشرقية، عوض ان
يختار
تقديمها بفجاجة ونمطية شديدة أحياناً. فمشاهد مثل تلك التي يتحرش فيها شباب
مصريون
بالبطلة التي تجاوزت الخمسين من العمر في شوارع القاهرة، كان
يمكن ان تكون مبررة،
وتكتسب صدقها المهم الخاص، لو قابلها تقديم معمق لشخصيات مصرية أخرى من
الفيلم.
والمفارقة ان الكثير من النقد الذي يوجه الى صور العرب النمطية في الافلام
السينما الامريكية، يركز على افلام الاستوديوات الكبيرة، ويغفل
افلام السينما
المستقلة، على رغم ان بعض افلام الاخيرة لا تقل اعتباطية وتساهلاً في تقديم
صورة
العربي فيها. والشيء المحزن ان نتاجات بعض المخرجيين من الاصول العربية،
تميل أيضاً
الى تأكيد الكليشيات المزمنة، بل ان بعضها، يفقتد التوازن والبحث الجدي
وأيضاً
الحب، والاخير يبدو مهما الآن وأكثر من أي زمن سابق.
الحياة اللندنية في
03/09/2010 |