بعد الإعلان عن بدء
استقبال طلبات الانتساب للدورة الثانية لمحترف كيف تكتب رواية، الذي أسستهُ
وتُديره
الروائية نجوى بركات، الذي لاقى نجاحاً طيباً في دورته الأولى
التي ظهّرت إنجازاً
روائياً لافتاً لكتّاب شباب في روايات ثلاث صدرت أولاها عن «دار الساقي»
بعنوان: «صابون» لرشا الأطرش، على أن تصدر روايتا
رنا نجار وهلال شومان عن المحترف بالشراكة
مع «دار الآداب» في بيروت في خريف 2010، في رغبة بركات توسيع
آفاق مشروعها عبر
تضمينه، إلى جانب الرواية، خوضين جديدين هما: ورشة الكتابة المسرحية، وورشة
الكتابة
السينمائية. عن التجربة وجديدها كان هذا الحوار مع بركات:
·
نرى الى رغبتك في
توسيع مشروعك، فمن محترف «كيف تكتب رواية؟»، الذي أرخى نتائج طيبة كشفت عن
روائيين
واعدين، وروائيات، إلى إعلانك الآن عن دورة ثانية للمحترف،
يُعنى، بالإضافة الى
الرواية، بالنصوص المسرحية والسينمائية. الى أين هذه المغامرة؟
^
لا بدّ لنا من
تأسيس نخبة ما. لا بد للنخبة من أن تكون مرجعاً ولو تكاثر من حولها ما
يناقضها
ويحفر لها قبراً. ولا بدّ من سقفٍ تقاس به الأمور. وإلا فسنبقى
خارج الزمن، نتغذى
من الفراغ وننتج للفراغ. حين أحكي هكذا أكون أفكّر في المستقبل، في كتّاب
الغد،
روائيين ومسرحيين وسينمائيين. ولا بد من أن يجري ذلك على صعيد المنطقة ككل.
عند
كل مشروع إبداعيّ جديد، يجد الكاتب نفسه بشكل عام، في مواجهة معضلة إبداعية
يكون
مجبراُ على حلّها بنفسه وكيفما اتفق، أي بالشكل الذي يراه هو
الأنسب. في المقابل،
هناك انتشار معارك الفوز بلقب «الأكبر»، أي أكبر شاعر، وأكبر روائي، وأكبر
سينمائي،
وأكبر... لقد بتنا ثقافة «استعراض»،
«show»
على الطريقة الأميركية بالمعنى السلبيّ
للكلمة، أي ريش وأضواء وجوائز وضجيج إعلاميّ وجماهيريّ ، الخ. والنتيجة؟
خواء على
فراغ على قحط.
هكذا ببساطة خطرت لي فكرة محترف «كيف تكتب رواية»، وقد كانت
كتابة نصوص مسرحية وسينمائية واردة في ذهني من الأصل. لكني كنت
أجده حلماً صعب
التحقيق، وهو لم يزل كذلك طالما لم أتمكّن من توفير دعم وتمويل كافيين
لتحويله إلى
ما يشبه «مؤسسة تعليمية» حرّة ودائمة. حالياً، أنا أخوض مغامرة أراهن وحيدة
عليها،
فإن نجحتْ في دورة أولى كما جرى هذا العام، وفي دورة ثانية كما
أتمنى أن يحصل
قريبا، فهذا لا يعني أني كسبت المعركة وأنّ الأمور قد انتظمت بشكل نهائيّ.
ترين
جيداً أني لست ممن يجيدون الترويج وجمع الأموال. بل إني حتى الآن دفعت من
جيبي
المثقوبة كي أؤمن شروط الاستمرار بالحدّ الأدنى. لكني حتما ممن
يجيدون العمل. لديّ
المؤهلات والكفاءة والحماسة. تبقى الأموال. فلعلّها تصل من جهات تقدّمت
منها أنا
ومن سيتم اختيار مشاريعهم للمشاركة، بطلب مساعدة. سوف نرى.
قلق وتساؤل
·
كيف
تفهمين العلاقة بين الكتابة الروائية وتلك المسرحية
والسينمائية؟
^
الرواية
والمسرح والسينما أعمال فنية تحتاج إلى ثقافة واسعة، ثقافة إنسانية بالمعنى
العميق
للكلمة، وثقافة فكرية وفنية أيضا. توجد عناصر كثيرة مشتركة في
ما بينها، كتطوير قصة
وشخصية وحدث ومكان. أضف إلى ذلك ضرورة احتوائها هي الثلاثة على بنية،
إيقاع، حوار،
أصوات، وحتى نبرة ما، وهو ما تتقاسمه الرواية والمسرحية والسيناريو. فكتابة
مسرحية
لا حوار فيها مثلا، أمر يدعو إلى القلق والتساؤل. هذا لا يعني
أن المونودراما يجب
أن تلغى أو أن تُحتقر، لكنها الاستثناء والتجريب لا القاعدة، ولا يمكن لها
أن تكون
هي المرجع والقياس. في السينما اللبنانية مثلا، هناك مشكلة العائد. السينما
اللبنانية كلها «تعود» من مكان ما, ربما لأن معظمها يصوَّر من
قبل مهاجرين عائدين،
أو لأننا ربما بالأساس، أصحاب ثقافة «القفشة». السينمات العربية الأخرى قد
تشكو من
الأدلجة، أو من الجمهور «عايز كدة». يوجد جيل من السينمائيين الشباب
يمتلكون لغة
بصرية ومعارف تقنية وكل ما يلزم. وربما كانوا أكثر تواضعا لجهة
الموضوعات وأحسوا
حاجتهم إلى العمل مع آخرين. السينما والمسرح أكثر من تقنيات وإمكانيات،
إنها رِؤية
إلى الشرط الإنساني عامة، وإلى واقع يتجاوز القشرة والظاهريّ إلى ما هو
أكثر عمقا
وتشعّباً ودقة. في الرواية والمسرحية والسيناريو، نحن بصدد
بناء عوالم وشخصيات بلحم
ودم. ما يجوز في الأدب، قد لا يجوز في المسرح أو في السينما. لكنّ اللبّ أو
الخلاصة
هي نفسها: شخصية في زمان ومكان معينين وفي ظرف معيّن، وثمة ما يحدث لها أو
معها أو
من حولها (والعكس صحيح). التجريبية والأساليب والمدارس على
اختلافها جائزة، إنما
القصة كلّها تبدأ من هنا. لذا، ليوجد السيناريو والمسرحية كنصوص، قبل أن
يوجدا
كأعمال مشهديّة. فربما خلق الأمر رغبةً في احتراف من نوع آخر، احتراف مهنة
الكتابة
المسرحية والكتابة السينمائية، وهو ما نفتقده وما نحن بأمسّ
الحاجة إليه.
·
هل من
أسماء محترفة ومعروفة تنوين التعامل معها، فالمشروع المطروح
الآن غدا كبيراً ويحتاج
الى معارف شاملة، كما يحتاج الى تمويل. ما المتوفّر من هذه الاحتياجات؟
^
بالطبع، هناك أسماء محترفة ومعروفة أتمنى التعاون معها، لكن لا يمكنني
حاليا
مطالبتها بالمساهمة مجاناً. وطالما لا يوجد تمويل بالمعنى الرسميّ للكلمة،
أسعى
وحيدة إلى مواصلة العمل بالمحترفات وإلى الإشراف على التدريب
فيها. الحقيقة هي أني
أشعر في الوقت الحالي بأننا في حاجة لأن نبدأ كل شيء من جديد. وحتى من
الدرجة صفر.
يختلط عليّ أنا شخصياً كل شيء في عالمنا
العربيّ. أحسّ الأمور متداخلة في بعضها،
تائهة وغائمة وكأنها التقليد والمسودة، لا الأصل. شيء أشبه
بكبابة صوف محلولة
الألوان لا تعرفين رٍأسها من نهايتها. والأمر يصحّ في معظم نتاجنا، في ما
عدا
استثناءات قليلة طبعاً. حتى الكلمات كأنها باتت تحتاج إلى تعريفها في قاموس
جديد.
ضوضاء هائلة أو جداريّة عملاقة لا شكل لها يختلط فيها الحابل بالنابل.
والأمر
سواسية في جميع المجالات دونما استثناء. هذا ما يعذبني ككاتبة، وهو ربما
دافعي
العميق إلى تأسيس المحترف و«التطاول» على مجالي الكتابة
المسرحية والسينمائية إذا
صحّ التعبير، رغم أني كما تعرفين، قد درست المسرح والسينما وعملت في
المجالين
مهنياً ولسنوات. نحتاج إلى بادرة توضيب معمّمة، عملية تنظيف أو تفريغ
هائلة، لإعادة
الأمور إلى أماكنها وللإمساك بزمام الأمور من جديد. من هنا
فكرة التدريب على كتابة
نصوص مسرحية وسينمائية، ونشرها بغض النظر عن إنتاجها وإخراجها. تلك مراحل
أخرى لها
أهلها واختصاصيوها، من مخرجين ومنتجين. أما المحترف، فيبقى حتى إشعار آخر،
في مضمار
إنتاج النصوص ونشرها.
تراجع وانحدار
·
هل تتوفّر الكتابات والموضوعات
لمثل
مشروعك هذا، وهل يُشكلّ العمل الجماعي حلاً، أو بداية على طريق خلق تيار،
ومن ثم
ثقافة بالمعنى الشامل والجدّي؟
^
تقلقني قلة الموضوعات. كلما رأيت فيلما أو
مسرحية، أصاب بحزن عميق. هناك أفلام عربية تنال جوائز في مهرجانات عالمية
كمهرجان «كان» على سبيل المثال، لو رأيتها بالتتابع
لاكتشفت تراجعها وانحدار مستواها.
لماذا؟ لأن ليس كل مخرج هو كوروساوا أو باستر كيتون أو روسيلليني من الضربة
الأولى.
ربما أن المخرج السينمائي بالذات يتعذّب
لتحقيق فيلمه لدرجة تجعله لا يرغب في أن
يُنسب نجاحه لأي تعاون مع أيّ كان. أو أنه لا يثق ربما بقدرة
آخرين على التعاون
معه.. نحن لا نعرف تطوير صوت الفرد في حكاياتنا، في حين أننا ننتج كأفراد.
في الأمر
تناقض ينعكس على نتاجنا سلباً. أنا أتوجّه إلى جيل الشباب علّه يصبح أكثر
إيمانا
بالعمل الجماعيّ، لأنه في أساس خلق تيّار والتيّار في أساس خلق
ثقافة. أمّا
الجماعة، فهي برأيي تكتفي غالباً بالرقم اثنين.
السفير اللبنانية في
01/09/2010
«12
لبناني غاضب»
فيلم توثيقي لتجربة زينة دكّاش مع السجناء
«ريبورتاج»
جيّد
الصنعة
نديم جرجورة
يستحيل التغاضي عن
التجربة. العلاج بالدراما، الحاضر بفعالية مهمّة في بعض الغرب الأوروبي،
بات جزءاً
من العمل المدنيّ اللبناني. بات فاعلاً إلى حدّ ما. هناك إلحاحٌ على تطوير
الاشتغالات الإبداعية فيه. هناك حاجة إلى انفلاشه في البنى الحياتية
والمجتمعية
اللبنانية. ما فعلته زينه دكّاش، عبر «كتارسيس»، بات معروفاً. كُتب عن
التجربة
مراراً. اخترقت الممثلة الشابّة جدران سجن رومية. قدّمت فرصة للسجناء
للتحرّر،
قليلاً، من ألم الذاكرة وقسوة العيش في مكان كهذا. وافق البعض. انخرطوا
معها في
تدريب مهني طويل الأمد. وجدوا فيها متنفّساً. ساعدتهم هي على تخفيف حدّة
العزلة.
على شيء من البوح. أخرجت منهم ما أخفوه في الباطن. رأوا أنها معبرٌ إلى
الذات، قبل
بلوغ الآخر. التجربة صعبة. الممثلة الكوميدية المعروفة لم تعد مجرّد صورة
تلفزيونية
عابرة. لم تعد مجرّد تمثيل لا يعلق في الذهن إلاّ قليلاً. ما فعلته داخل
سجن رومية
تحوّل، سريعاً، إلى جزء من الحياة المدنية والأهلية. ما فعله السجناء،
الموافقون
على الذهاب معها بعيداً في التجربة، بات أساسياً في المشهد الإنساني
والحالة
الأخلاقية اللبنانية، على الرغم من الحصار البشع الذي أقاموا فيه. وهو حصار
متنوّع:
الجرائم المرتكبة من جهة أولى، النبذ الاجتماعي من جهة ثانية، اللامبالاة
القاتلة
لهم من قِبَل المسؤولين من جهة ثالثة.
اختبار
ليس دفاعاً عن مرتكبي جرائم.
لكن الجانب الإنساني أساسي. إنه غائبٌ في سجن رومية، وعنه. ما
فعلته زينة دكّاش،
باستخدامها تقنيات العلاج بالدراما،
اختراقٌ حادّ لبشاعة العزلة الخانقة التي تسيّج
جدران السجن والعوالم الفردية والجماعية للسجناء. بعض هؤلاء مرتكبو جرائم
متفرّقة:
قتل. اغتصاب. تجارة مخدرات أو تعاطيها. سرقة. إطلاق نار على رجال أمن...
إلخ. مع
زينة دكّاش، اكتشفوا أن فيهم شيئاً إنسانياً مفقوداً، أو مغيّباً في
ذواتهم، أو
مطروداً منهم. الأسباب كثيرة. لكن المجال لا يختصّ بتحليل أفعال هؤلاء، بل
بمقاربة
التجربة التي أفضت إلى إنجاز عمل مسرحي بعنوان «12 لبناني غاضب»، وتقديمه
داخل
السجن أمام مسؤولين ومشاهدين ومهتمّين. السجناء كتبوا وألّفوا الموسيقى
والأغاني.
مثّلوا أيضاً، واهتمّوا بتقنيات وأشياء مكمّلة لتقديم العمل المسرحي في
أجمل حلّة
ممكنة. زينة دكّاش حاضرة معهم. أرشدتهم. نبّهتهم. قالت لهم طرقاً للبوح
الذاتي.
أفسحت مجالاً أمامهم للبحث عمّا فيهم، تمهيداً لإخراجه إلى العلن. ليس
العلن
الخارجي فقط، لأن الأهم هو العلن الذاتي. أي إن ما فعله السجناء ذهب إليهم
أولاً،
قبل أن يُشاهده الآخرون. أعلنوه أمام أنفسهم أولاً، قبل أن يقفوا أمام
الآخرين
ويقولوا بوحهم ووجعهم وآمالهم وخيباتهم و.. ندمهم ربما. كأنهم أرادوا تأكيد
مسلّمة
بديهية نسوها، أو تناسوها، أو أُجبروا على نسيانها: ان فيهم شيئاً إنسانياً
رائعاً،
على الرغم من وحشية الجرائم وبشاعاتها. وتقديم مسرحية «12 لبناني غاضب»
داخل القاعة
الأساسية الخاصّة بهم في سجن رومية، تمّ أمام أنفسهم أولاً، قبل أن يتدفّق
جمهورٌ
معني بالسجناء، وبما فعلوه من إنجاز إنساني وثقافي، لمشاهدتها ثانياً.
المسرحية
تشبههم أصلاً. ليس لأنها خرجت من نفوسهم وأفكارهم وانفعالاتهم فقط، بل
لأنها روت
حكاياتهم. كأنهم وجدوا فيها متنفّساً من نوع آخر. رووا قصصهم. صرخوا
وغضبوا. لعنوا
وشتموا. الغضب قاتل، لكنهم حوّلوه إلى عمل مسرحي عكس صُورهم، شكلاً
ومضموناً. لم
يمثّلوا، لأنهم قدّموا أنفسهم. لم يتباهوا بأداء رفيع المستوى، لأنهم كانوا
أنفسهم.
هنا مكمن الحكاية كلّها. العلاج بالدراما جعلهم يغوصون في أعماق ذواتهم، كي
يُدركوا
ما فيها من حقائق مخفية عنهم. هنا مكمن الحكاية كلّها. التدريب الذي خضعوا
له مع
زينة دكّاش نبّههم إلى هذه الحقائق. أو إلى بعضها، على الأقلّ. والمسرحية
جزء بسيط
مما لا يزال مخفياً فيهم.
لم تكتف زينة دكّاش بالتدريب المسرحي، المنبثق من
تقنيات العلاج بالدراما. أنشأت للسجناء
نادياً للسينما، عُرضت فيه أفلام لنصري
حجّاج وزياد الدويري وفيليب عرقتنجي. شاهد
السجناء الأفلام. ناقشوها. طرحوا أسئلتهم
الصعبة، أحياناً. بحثوا عن أجوبة أصعب، أحياناً أخرى. خصوصاً أن المواضيع
المطروحة
فيها مرتبطة بهم، بطريقة أو بأخرى. مرتبطة بهم كبشر عاشوا الحرب الأهلية
اللبنانية
وأهوالها، أو شاركوا فيها. أو كأناس عرفوا بعض خفايا تلك المواضيع، أو
أدركوا بعضها
الآخر. لم تكتف زينة دكّاش بهذا كلّه. بالتعاون مع جوسلين أبي جبرايل،
صوّرت تفاصيل
شتّى رافقت عملية الإعداد للمسرحية. صوّرت مقتطفات من المسرحية. التقت بعض
ممثليها.
قالوا بوحاً آخر أمام الكاميرا. بعضه أقسى مما قالوه في العمل المسرحي. خشي
أحدهم
من «ما بعد زينة دكّاش». سأل آخر عن مصيره داخل السجن، لأنه عرف بالعلاج
بالدراما
نوعاً من تطهّر روحي أراد استكماله.
توثيق
أنجزت زينة دكّاش فيلماً
توثيقياً حمل العنوان نفسه: «12 لبناني غاضب». التوثيق هنا أقرب إلى
التحقيق
المشغول بحرفية لافتة للانتباه. ليس ادّعاء سينمائياً. إنه اختبار من نوع
آخر، هدفه
استكمال الاختبار الأول: الاشتغال المسرحي وهوامشه (الأغاني، الموسيقى،
التقنيات).
الفيلم، باختصار، أقرب إلى ما يُعرف في الصناعة السينمائية بـ«ماكينغ أوف» (Making Off)
منه إلى أي شيء آخر: إنجاز شريط مصوّر عن مسار تحقيق الفيلم. ليس
انتقاصاً من
الجهد المبذول في إتمام العمل المذكور. ليس تغييباً للرغبة
الشخصية الخاصّة بزينة
دكّاش في تعميم التجربة، أو في نقل
الاختبار الإنساني للسجناء إلى خارج أسوار
المهانة والذلّ. لكن التعامل مع «12 لبناني غاضب» كفيلم سينمائي وثائقي،
يُلغي
حقيقة أن التجربة البصرية لا تعدو كونها أكثر من متابعة حسّية لمسار
الاشتغال
المسرحي.
في الدورة الستين (11 ـ 21 شباط 2010) لمهرجان برلين السينمائي
الدولي، عُرض فيلم روماني بعنوان «إذا
أردتُ أن أصفّر، فسأُصفّر». إنه الروائي
الطويل الأول لفلوران سربان. التشابه بينه وبين «12 لبناني غاضب» (المسرحية
والعمل
التوثيقي) كامنٌ في مسألتين اثنتين: العلاج بالدراما، والعمل مع سجناء. في
العمل
اللبناني، السجناء بالغون. في العمل الروماني، السجناء أحداث (باستثناء
الممثل
الرئيس، وهو يدعى جورج بيستيريانو). السجناء اللبنانيون نقلوا حكاياتهم
المتشابهة
بين بعضها البعض إلى العملين المسرحي (وهو أهم، فنياً ودرامياً وجمالياً)
والتوثيقي. الفيلم الروماني مبني على حكاية درامية بحتة «قد» تحدث مع أي
كان. الشاب
سيلفيو (بيستيريانو) يستعد لمغادرة السجن بعد أسبوعين. أمضى فيه أربعة
أعوام. إنه
متواضع وهادئ الطباع ومرح. لكن الأمور تنقلب رأساً على عقب، إثر زيارة
شقيقه
الصغير. يُخبره هذا أن الوالدة عادت من إيطاليا لتأخذه معه. يجنّ. تأتي
الأم
للتبرير. يقع المحظور. ينفّس سيلفيو غضبه بقوة. أمر واحد فقط أراده من هذا
كلّه: أن
يشرب فنجان قهوة مع شابّة جاءت السجن لعمل إنساني بحت. رفاق سيلفيو/
بيستيريانو في
السجن سجناء حقيقيون مقيمون في سجن خاص بالأحداث. وافقوا، هم أيضاً، على
المشاركة
بدورة علاج بالدراما. غير أن الفرق بين العملين كامنٌ في مسألة واحدة:
الفيلم
الروماني متمكّن من أدوات التعبير السينمائي. متفوّق في إدارة الممثلين.
بديع في
صورته واشتغاله التمثيلي، خصوصاً الشاب بيستيريانو (19 عاماً) والصبيّة آدا
كونديسكيو (21 عاماً)، التي أدّت دور آنا، العاملة الإنسانية. المسرحية
اللبنانية
نتاج عمل جماعي مهمّ وجميل. لكن العمل التوثيقي لم يخرج من إطار الريبورتاج
الجيّد
الصنعة، أو من تقنية «ماكينغ أوف».
يُعرض الفيلم في صالة «سينما متروبوليس/
أمبير صوفيل» في الأشرفية، بدءاً من اليوم الخميس ولغاية ١٥
ايلول
الجاري.
زينة دكاش ضيفة "شباب السفير"، لأسئلتكم زيارة الرابط التالي:
http://shabab.assafir.com/Interview/?InterviewID=34
كلاكيت
كتّاب
سيناريو؟
نديم جرجورة
هناك حاجة ملحّة
للتدريب العملي على الكتابة السينمائية. السيناريو مشكلة جوهرية في النتاج
السينمائي اللبناني. الجيل الشبابي واقعٌ في مأزق. لديه أفكار وهواجس، لكنه
عاجزٌ
عن تحويلها إلى نصوص سينمائية متكاملة، أو متينة البنية الدرامية والسردية،
أو
مكثّفة في رسمها الحالة أو الشخصية أو الفضاء أو القول. الجيل الشبابي
المتخرّج من
عدد لا يُحصى من المعاهد الجامعية والأكاديمية ناقص الدراية الكتابية
السليمة.
النقص منسحبٌ، أحياناً عدّة، على أمور تقنية وجمالية وفنية وفكرية أيضاً.
هذا جزء
من غياب التمرين الفعلي على الكتابة، وعلى التفتّح الثقافي والمعرفي على
أمور شتّى
في الحياة وما وراءها وما بعدها.
ليست المشكلة حكراً على الطلاّب الجامعيين.
الخطورة كامنة هنا أولاً، أي في المعاهد الجامعية والأكاديمية،
التي يُفترض بها أن
تُدرّب الطلاّب على الأصول الحقيقية
للمهنة. الخطورة كامنةٌ في ما بعد التخرّج
أيضاً. الكتابة السينمائية ليست سليمة دائماً. ركيكة هي. مُصابة بخلل
بنيوي، أو
بغياب القدرة على التعبير بالمفردات المستلّة من واقع الحال. لا تختلف
الحوارات عن
النصّ أو السيناريو، غالباً. هذه مشكلة أخرى: أين هم الكتاب البارعون
للحوارات؟ أين
هم المتمكّنون من تحويل اللهجات اللبنانية (أكاد أقول اللغات اللبنانية،
بالمعاني
السياسية والطائفية والاجتماعية والثقافية) إلى جزء أساسي وحقيقي من
السيناريو؟ كيف
يُعقل أن يغوص النصّ السينمائي في متاهة العيش اللبناني وآفاقه المسدودة
ومآزقه
المتشعّبة، في حين أن الحوار معلّقٌ بين كتابة أدبية منقوصة وبساطة معقودة
على
سذاجة وخفّة لا تُحتملان؟ أإلى هذا الحدّ بات الواقع المحلي عاجزاً عن خلق
كتّاب
سينمائيين، في بلد يشهد فورة في إنجاز الأفلام المختلفة، شكلاً ومضموناً
واختبارات (الفورة
هذه محتاجة إلى نقاش نقدي طويل، لتبيان الغثّ من السمين في إنجازاتها)؟
الواقع البصري اللبناني محتاجٌ إلى تفعيل الاختصاصات الأدبية والفنية في
العمل
السينمائي المحلي. الكتابة أساسية. إنها المنبت الأول للفيلم. هذه بديهيات
يُفترض
بها ألاّ تُقال. لكن المأزق خطِرٌ. أفلام كثيرة مشغولة بحرفية تقنية جدّية،
واقعةٌ
في فخّ التسطيح السيئ في كتابة سيناريو، أو في سرد حكاية، أو في صوغ حوار.
المعاهد
الجامعية مسؤولة. إنها تخرّج عاطلين عن العمل السينمائي. تُخرّج، أيضاً،
شباباً
متنبّهين إلى براعة الإبداع في صناعة الأفلام، لكنهم محتاجون إلى تمرين
كتابي أصيل.
الورشة التي أطلقتها نجوى بركات جديرة بالمتابعة النقدية. أثمرت، في دورتها
الأولى الخاصّة بالكتابة الروائية، اختباراً يجب أن يتطوّر. أضافت، في
دورتها
الثانية، تدريباً على الكتابتين المسرحية والسينمائية. هذا أمرٌ حسن. ورشات
العمل
ترتكز، غالباً، على تمرين جدّي ومفيد. تفضي، أحياناً، إلى اكتساب مهنة، أو
وعي
معرفي بمفرداتها وتقنياتها، على الأقلّ.
لكن، إلى أي مدى يُمكن لورشة كهذه أن
تُخرِّج كتّاب سيناريوهات سليمة وإبداعية؟ أم انها مجرّد
بداية؟
كتــاب
علاء السيّد: «الفيلم
بين اللغة والنصّ»
كثيرةٌ هي الكتابات
النقدية المتعلّقة بالسينما العالمية. بالنسبة إلى العربيّ، هذا أمر سهل،
لأن
الكتابة عن العموميات مندرجة في إطار سهل من التعاطي مع القضايا الفكرية
والمسائل
التقنية والفنية. فالعرب اعتادوا «الغوص» في العموميّ والفكريّ والنضالي،
وتجاهلوا
التقني والجمالي والدرامي، غالباً.
غير أن كتاب علاء عبد العزيز السيّد،
«الفيلم بين اللغة والنصّ، مقاربة منهجية في إنتاج المعنى
والدلالة السينمائية»
(سلسلة الفن السابع، الصادرة عن منشورات وزارة الثقافة
والمؤسّسة العامّة للسينما
في دمشق)، يحاول إيجاد مُعادل نظري للشأن
التقني والفني والجمالي، من خلال السعي
التحليلي إلى فهم العلاقة القائمة بين
اللغة والصورة: «اللغة الكلامية، في شقّيها
الشفهي والمكتوب، لديها القدرة على التعبير عن الإنسان، بل عن مكنونات
النفس
البشرية بدقّة ووضوح». إلاّ أن السينما، كما كتب السيّد في مقدّمة كتابه
هذا، لديها
هي الأخرى القدرة التعبيرية نفسها، ما يؤدّي إلى طرح السؤال الذي بدا أنه
ركيزة
الكتاب: هل تتساوى تعبيرية «الكلمة» مع تعبيرية «الصورة»؟
رحيل آلان كورنو
مخرج «السينما السوداء»
نديم جرجورة
لم يكن الفشل التجاري
لفيلمه الأول «فرنسا مجتمع محايد» (1974) عائقاً أمام استمراره في تحقيق
أفلام
روائية جعلته أحد أبرز السينمائيين الفرنسيين. فعلى الرغم من ميوله الفنية
إلى
موسيقى الجاز، انخرط آلان كورنو، الذي توفي أمس الأول عن سبعة وستين عاماً
إثر
إصابته بسرطان الرئة، في اللعبة البصرية إلى أقصى الحدود، مانحاً الشكل
السينمائي،
بعد دراسته الإخراج والتوليف في «معهد الدراسات السينمائية العليا (إيديك)»،
صورة
مختصرة عمّا يعتمل في أعماق البيئة والمجتمع والناس. ثم إن تنقّله بين
أنواع شتّى
لم يُقلّل من القيمة الدرامية والفعالية الجمالية اللتين وسمتا سيرته
المهنية.
أبدع كورنو في ترجمة تأثّره بالسينما الأميركية إلى أفلام بوليسية وأخرى
سوداء (فيلم
نوار) في بلده، وفي تحويل تدريباته العملية مع مخرجين مختلفين (أمثال روجر
كورمان وبرنار بول ومرسيل كامو وغوستا غافراس وخوسي جيوفاني)، إلى فضاءات
سينمائية
منحها شيئاً من لغته الخاصّة بمقاربة أحوال الدنيا وشؤون الناس. سُحِر
بالسينما
الأميركية. لكن عشقه الكبير لها لم يحل دون التقدّم بجرأة ووعي وثقافة
عميقة في
اتجاه البحث عن مفردات الصنيع السينمائي، المتمثّلة بميله الواضح إلى
التحليل
النفسي، مستنداً إلى ما يُشبه القناعة بأن مواجهة الآخر ومقاربة الثقافة
والسلوك
المجتمعي في بلدان أخرى تبقى أساس بحثه الدائم في مسألتي الهوية والذات.
الفشل
التجاري الأول تحوّل سريعاً إلى نجاح جماهيري ونقدي، باختياره النوع
البوليسي في
بحثه في علاقة الذات بالآخر. في هذا النوع السينمائي، غاص آلان كورنو في
لعبة بناء
درامي أرادها منفذاً إلى ترجمة تأثرّه بأفلام أميركية، فسعى إلى مزج البناء
الدرامي
للحبكة البوليسية بشيء فاقع وجميل من السوداوية الإنسانية، ما جعل بعض
أفلامه أقرب
إلى التحية الشخصية للفيلم الأميركي الأسود (لا يبلغ تعبير «أسود» هنا
المرتبة
الثقافية والنقدية المعطاة للكلمة الفرنسية: «نوار»)، من دون الابتعاد عن
التحليل
النفسي، محقّقاً نجاحاً لافتاً للانتباه، بإنجازه أول فيلم بوليسي «أسود»
بعنوان «بوليس
بايتون 357» عام 1976، دافعاً النوع هذا إلى مساحات أوسع ومعالجات أقوى في
مقاربة السلوك الفردي: «بهذا الفيلم، ظهر آلان كورنو واحداً من أساتذة
النوع
البوليسي هذا»، كما قيل مراراً عنه في معرض الاستعادات النقدية لسيرته
المهنية.
كرّر التجربة نفسها بإنجازه «التهديد» عام 1977 و«سلسلة سوداء» عام 1979.
غير أن
اختباراته البوليسية لم تكن ناجحة كلّها، ما دفعه إلى تمرين سينمائي مغاير،
فعاد
إلى الحقبة الاستعمارية في «ساغان القوي» (1984) قبل أن يُقدّم واحداً من
أجمل
الأفلام الموسيقية «كل صباحات العالم» (1991)، الذي نال بفضله جائزة
«سيزار» أفضل
مخرج.
لا يُمكن اختزال سيرته المهنية بكلمات قليلة. فآلان كورنو يبقى من أبرز
المخرجين الفرنسيين في مجال التحليل البصري للعلاقات القائمة بين النفس
البشرية
والتشويق البوليسي والسوداوية الإنسانية.
السفير اللبنانية في
02/09/2010
إطلاق مهرجان
البندقية السينمائي الـ67 بـ«البجعة السوداء» لآرنوفسكي
دورة «اصطياد»
الخيارات المميزة
زياد
الخزاعي
أن يحالف الحظ مدير «مهرجان البندقية السينمائي الدولي» ماركو
موللر هذا العام في «اصطياد» العناوين
العالمية المميزة، فهذا فأل حسن في إدارة الرجل المقاتل ضد
حفنة فاسدي نظام رئيس
الوزراء الإيطالي سيلفيو بيرلوسكوني، الذين يناصبون هذه الاحتفالية الأقدم
في
مشهدية المهرجانات الأوروبية العداء، ولا يفتؤون يشددون مضايقتهم المالية
لإدارته.
في كل عام، يكون على موللر، المتفتّح على
سينمات آسيا والعالم الثالث، أن يضمن جبهة
عروضه، وفي احايين كثيرة لا تصيب سهامه العناوين الأمثل. ذلك
أن شبح منافسه «كان»
الفرنسي وقوته التنظيمية يجعلان مهمة إقناع منتجي الأفلام ومخرجيها، الذين
يبدون
كأنهم مرغمون على الرضوخ لسطوة الـ«كروازيت»، عصيّة. وهي المعاناة نفسها
التي
يواجهها نظيره البرليني أيضاً.
دورة العام الجاري، المُقامة بين الأول والحادي
عشر من أيلول الجاري، حسمت الظنون والمخاوف من كبوة أخرى، شبيهة بدورة
العام
الفائت، التي عانت حصيلة مسابقتها الرسمية شحّة الأفلام المفاجئة، وبات
آنذاك على
«سجناء
جزيرة الليدو الموحشة»، من نقّاد وصحافيين، أن يلوكوا اللعنات والغمز
بـ«موت
البيناله» وتردي سمعتها. لم تُقنعهم الإعلانات الضخمة وبوادر البناء بأن
قصر
السينما الجديد وملحقاته ستجعل الدورات المقبلة أكثر شحناً
وأوسع قاعات. ذلك أن أهل
الإعلام لا تهمّهم الوعود، بل العروض وتمايزها. وهذه قضية، غالباً ما تهدر
حماستهم،
ما إن يُعلن موللر خياراته التي يتسابق المولعون بحسابات الغائبين من تعداد
عناوين
أفلامهم، والتبجّح بمعلومات سفيهة من قبيل «إسعاف الوقت» و«تفضيل مهرجان
آخر». علّة
البيناله الإيطالية أنها محاصرة بالتاريخ، باعتبارها خاتمة المهرجانات
الكبرى في
أوروبا، وصاحبة الجوائز المرموقة. فالاثنان الكبار («كان»
و«برلين») يستقطبان
الأمثل، وفي الوقت نفسه يتحتّم على أصحاب الأفلام المميّزة التريث حتى شباط
التالي،
لمعرفة حظوظهم مع الدورة الجديدة للـ«كروازيت». ويُصبح أمام ديتير كوسليك
قيصر
«البرليناله»
وموللر أن يُجالدا في تأمين حصصهما. يمكن القول، في حالة الأخير، أنه
اجتاز مع عناوين الدورة الحالية عتبة المراهنة، وضمن متنافسين متميّزين على
أسده
الذهبي، أجمعت غالبية العروض الصحافية العالمية المسبقة عن
رضاها للقوائم.
فلسطين
من محاسن الصدف، أن يكون «ميرال»، جديد مخرج «الفراشة وبذلة
الغطّاس» الفنان التشكيلي والمخرج السينمائي الأميركي جوليان شنايبل، في
مقدّم
المؤلّفين الكبار الذين يُتوقَّع أن تثير نصوصهم ضمن المسابقة الرسمية،
التي يرأس
لجنة تحكيمها المخرج الأميركي كوانتن تارانتينو، جدالاً
مُعتبراً يُحرّك الأجواء
الباهتة لـ«البيناله». اقتبس شانيبل حكاية المربية الفلسطينية هند الحسيني
(1961 – 1994)،
التي أسّست وأشرفت على «مؤسّسة دار الطفل العربي» في القدس في العام 1948،
وجمعت فيها بمساعدة المحسن والوجه الاجتماعي عدنان التميمي 55 يتيماً
ويتيمة من
ضحايا مجزرة دير ياسين، ووضعتهم في غرفتين في سوق الحصر بالبلدة القديمة،
قبل أن
يرتفع العدد إلى ألفين، لتكون نواة المؤسّسة التي تعد من
الواجهات التعليمية
الإحسانية الفلسطينية المشهود لها عالمياً. استند عمل شانيبل (تجدر الإشارة
إلى
الفيلم الوثائقي «كان في جعبتي 138 جنيها» الذي أخرجته الفلسطينية ساهرة
درباس في
العام الجاري، عن الحسيني، بمساعدة باحثتين من الجامعة
النروجية «بيرجن») على كتاب
الإعلامية الفلسطينية المقيمة في إيطاليا رولا جبريل (1973) «طريق ميرال
المزهر»،
الذي أصدرته في ميلانو في العام 2004، وفيه مسند وثائقي عايشته جبريل
باعتبارها
إحدى متخرجات المؤسّسة، ووضعت فيه التكوين الأول لحياة بطلتها ميرال، التي
تنضم إلى
الدار في عامها السابع بعد مقتل والديها في الأيام الأولى
للنكبة، وتواجه في سن
السابعة عشرة فهمها صراع شعبها عندما تعمل مُدرِّسة في أحد المخيمات، قبل
أن يمتحن
الحب موقفها حيال حياتها الشخصية ونضالها اليومي. الفيلم من أداء الهندية
فريدة
بنتو (اشتهرت بفضل «سلامدوغ مليونير» لداني بويل) والفلسطينية
هيام عباس والأميركي
ويليم دافو والبريطانية فانيسا ريدغريف.
عربياً، وضمن خانة «آفاق»، هناك النص
الوثائقي المشترك لماريان خوري ومصطفى الحسناوي «ضلال»: تسعون دقيقة من
البحث عن
معاني الجنون والحرية في مصحّين عقليين في مصر. ويقدّم اللبناني ماهر أبو
سمرا
وثائقياً جديداً بعنوان «شيوعيين كنّا» (85 دقيقة)، عن أربعة
أشخاص يعيدون تشكيل
حكايات الحرب الأهلية اللبنانية وساحات مواجهاتها وخيباتها السياسية
واستحقاقاتها
الإيديولوجية والاجتماعية. ويحضر العراق وحربه في فيلم الإيطالي أوريليانو
آميديي «عشرون سيجارة» (94 دقيقة)، حول تجربة
اليافع أوريليانو الذي يرافق مخرجاً يُصوِّر
فيلماً عن الجنود الإيطاليين المعسكرين في مدينة الناصرية جنوب
العراق، ويشهد
المجزرة الدموية التي راح ضحيتها تسعة عشر عسكرياً في تشرين الثاني 2003،
والتي نجا
فيها من الموت، ليجد نفسه بطلاً في بلده، حيث يحتفي به الساسة والعسكر،
ويطارده أهل
الصحافة والإعلام.
في المقابل، يعود مخرج «الكُسكُس بالسمك» التونسي عبد اللطيف
كشيش إلى الـ«ليدو» بعد حصوله على «الأسد الذهبي» في فئة
الفيلم الأول في العام
2000، مع جديده «فينوس السوداء» (166 دقيقة)، الذي
يقارب عبره «الانخطاف الأوروبي»
المتمثّل بباريس العام 1817، بـ«العيب الأفريقي» المتمثّل بجسد الشابة
الجنوب
أفريقية سارتيجي بارتمان (1789 – 1815) وخلقتها التي شبّهها أحد أعضاء
«الأكاديمية
الملكية الطبية» بالقرود، والتي سُمِّيَت لاحقاً بـ«فينوس
هوتنتوت»، التي استعبدها
هولندي وشحنها إلى لندن لعرضها كحيوان نادر، قبل أن تنتهي في العاصمة
الفرنسية عرضة
لاختبارات بيولوجيّة، حتى وفاتها عن خمسة وعشرين عاماً بمرض غامض. والحظ
سيُسعف
القادمين إلى البندقية لمشاهدة جديد الأميركية ابنة مخرج «العرّاب»
فرنسيس فورد
كوبولا، صوفيا كوبولا، وهو بعنوان «مكان ما»، الذي نعته البعض بأنه «ضاع في
الترجمة 2»،
بسبب إعادته أجواء الفيلم السابق الأثير. هذه المرّة، تدور الحكاية حول
انقلاب
حياة الممثل الشاب الأرعن جوني ماركو (ستيفن دورف)، عندما تفد ابنته كليو
(11
عاماً) إلى الفندق الفخم. وتحتفل الـ«ليدو» بعودة البولندي المخضرم جيرزي
سكوليموفيسكي ونصّه «قتل أصولي»، عن الأفغاني محمد الذي يُنقل
إلى معتقل أوروبي
سرّي من أفغانستان، فيجد نفسه فجأة حرّاً وسط عالم غريب، إثر محنة الشكوك
بانتمائه
إلى «القاعدة». والفيلم من أداء فنسنت غالو (يشترك في المسابقة الرسمية
بفيلم ثان
بعنوان «وعود مكتوبة على صفحة الماء») والفرنسية إيمانويل
سينييه. الفرنسيان كاترين
دونوف وجيرار دوبارديو يؤدّيان دوري زوجين في جديد المخرج فرانسوا أوزون «بوتشيه».
الرجل صاحب مصنع يُعامل مَن حوله بقسرية
مفرطة، يتعرّض بسببها إلى الاختطاف من
قِبَل العُمّال، قبل أن تتدخّل الزوجة وتعيد المصنع إلى عهده
قبل الاضطرابات.
ويُقدّم زميله أنتوني كورديير قصّة حب ناقصة، في «قلّة سعادة»، مع رشدي زيم
وإيلودي
بوشي.
تنويعات
إطلاق الدورة سيتمّ بعرض الفيلم الجديد «البجعة السوداء»
للأميركي دارين آرنوفسكي، الحائز «الأسد الذهبي» قبل عامين: عن صراع بين
راقصتين في
باليه نيويورك. والختام للمخرجة المميّزة جوليان تايمور، واقتباسها نص
شكسبير
«العاصفة».
بينهما، هناك عناوين عدّة في المسابقة الرسمية، كجديد مخرج «العطر»
الألماني توم تويكر «دري»، عن ورطة الحب
بين الشابين هانا وسيمون، قبل أن تقع
الأولى في وله آدم الذي يعشق الثاني في برلين الحداثة. وهذا في
الوقت الذي يشترك
فيه كل من داستن هوفمان وبول جياماتي في كوميديا «نسخة بارني»، عن الحياة
الغريبة
لرجل مزواج. ويذهب فيلم الروسي ألكسي فيدورشينكو «أرواح صامتة» إلى قبيلة
دارسة وسط
روسيا، موجّهاً عبر احتفائه بطقوس الموت لدى أفرادها تحية إلى
ثقافة مغيّبة. الفيلم
الأميركي «طريق إلى اللامكان» لمونتي هيلمان يصوغ جرائم الشابين فيلما وراف
عبر عين
مخرج سينمائي يقع في غرام ممثلته؛ ويتّخذ مواطنه كيلي ريخارت في «قطع ميك»
من عوالم
العام 1845 ليعرض الرحلة المضنية لثلاث عائلات تسعى إلى اختراق جبال كاسكيد؛
ويُصوِّر الإسباني ألكس ديل لاغليسيا تاريخاً دموياً للحرب
الأهلية وحكم فرانكو في
«أنشودة
البوق الحزين»، في أجواء غرائبية داخل سيرك. وعلى المنوال نفسه، يعرض
التشيلي بابلو لاريان في «بعد الوفاة» محن انقلاب العام 1973 داخل مشرحة؛
ويبقى
التاريخ وحروبه ساطِعة في فيلم الياباني المشاكس تاكاشي ميكي
«13 قاتلاً»، مع
مبارزات مقاتلي الساموراي وتكليفهم بتصفية أحد الزعماء؛ ويدور فيلم الصيني
هارك
تسوي «المفتش دي ولغز لهب الشبح» في عوالم سلالة تانغ، وصعود أول امبراطورة
على
العرش الصيني في العام 690 بعد الميلاد. إلى ذلك، يعرض المخرج
الفيتنامي آنه هونغ
تران، الذي ذاعت شهرته بفضل فيلمه الأخّاذ «عطر البابايا الخضراء» (1993)،
عمله
المدعوم يابانياً «الحديقة النروجية»، المقتبس عن رواية الكاتب هاروكي
موراكامي، عن
تهويمات الشاب واتنابي حول الموت والحب والجنس. بعد فيلمي «قد» (1994)
و«العمل
البطيء للذهاب» (2000)، ضمنت اليونانية الشابة أثينا راشيل
تزنغاري مكانها في
المسابقة الرسمية مع «أتنبره»، الذي يستعير اسم مقدِّم برامج الطبيعة
البريطاني
السير ديفيد أتنبره، شقيق المخرج ريتشارد (غاندي): يقارب الفيلم هوس بطلته
الشابة
مارينا بمحيطها، والأشخاص الثلاثة الذين يدورون في فلك
اهتماماتها الغرائبية.
للسينما الإيطالية ستة أفلام في المسابقة الرسمية، أهمها «عزلة الأعداد
الفردية» للمخرج الموهوب سافيريو كوستانزو، الذي قدّم سابقاً
فيلمه الإشكالي «جندي» (2004)، حول احتلال جنود اسرائيليين بيتا فلسطينيا (محمد بكري).
)البندقية(
السفير اللبنانية في
02/09/2010 |