الفنّ بالنسبة إلى صاحب «أسرار وأكاذيب» هو المرآة التي تعكس الواقع.
ولعلّ الانشغال برصد الجوانب الإنسانية والاجتماعية، برهافة موجعة غالباً،
جعل من المعلّم البريطاني أحد أشهر مخرجي الواقعيّة في أوروبا اليوم. «عام
آخر» جديده القريب من المسرح في مناخاته وبنيته الدراميّة، يحكي الحبّ
والفشل والعمر الهارب
يريد السينمائي البريطاني مايك لي (1943) أن يصنع أفلاماً تشبه
الحياة، لا يحب أن يخرج مشاهده من صالة السينما ويقع على عالم مغاير تماماً
لما قدّمه الفيلم. حين كان في الثانية عشرة في مانشستر، لم يكن قد أتيح له
إلا مشاهدة أفلام أميركية وإنكليزية من خمسينيات القرن الماضي. لندن ستفتح
أمامه بوابات السينما العالمية، ليجد سنده في الواقعية الإيطالية الجديدة،
ويقع في غرام الإيطالي فيتوريو دي سيكا، ويدهشه الهندي ساتياجيت راي.
جديده
Another Year
(عام آخر) الذي حملته الدورة الأخيرة من «مهرجان كان السينمائي» لن يفارق
الشخصيات التي خلقها على مدى مسيرته السينمائية الطويلة، وكانت رهانه
الأكبر. وقد كان رهاناً ناجحاً حين جعلها شخصيات لا تنسى، بينما كانت
الجوائز دوماً من نصيب مجسّديها من الممثلين. لنستعِد معاً جوني الهارب من
مانشستر إلى لندن في فيلم «عاري» الذي نال جائزة أفضل مخرج، وأفضل ممثّل
لديفيد ثوليس في «مهرجان كان 1993»... أو فيلم «فيرا دريك» (جائزة الأسد
الذهبي في «مهرجان البندقية» 2004 وجائزة أفضل ممثلة لإميلدا ستانتون)، حيث
تلك المرأة الطيبة بعد الحرب العالمية الثانية التي تفعل كل شيء لإسعاد
عائلتها والآخرين، إلى درجة تورطها في فعل تجده خيّراً، وهو «مساعدة
الشابات» على الإجهاض من دون مقابل مادي، وتمسي مأساتها في طيبتها، ما
يعيدنا أيضاً إلى أشهر أفلامه «أسرار وأكاذيب» (سعفة «كان» الذهبية 1996)
حيث روز (برندا بليثن نالت جائزة أفضل ممثلة في «كان») التي تعثر عليها
ابنتها بعدما تخلت عنها منذ أكثر من ثلاثين سنة... فإذا بها امرأة زنجية،
بينما روز لم تكن قد قابلت زنجياً أو زنجية في حياتها.
الحوار يمثّل إحدى الأدوات الرئيسة في عالم المخرج البريطاني
حقّق لي معظم أفلامه من دون سيناريو مكتوب. لدى التصوير يتبع مجموعة
تصورات وأحداث يعمل على تطويرها مع الممثلين عبر إحاطتهم بمناخ الفيلم.
ويؤسس لبيئة توظّف ردود فعل الممثلين وتصرفاتهم، وفق إملاءات الشخصية التي
يعيشونها، وذلك من خلال فترات تحضير طويلة سابقة للتصوير. والنتيجة أفلام
ترصد الحياة اليومية من دون انعطافات كبرى مختلقة، إذ يمكن ملعقةً يتعثر
بها آندي في «الحياة حلوة» (1990) أن تشكل نهاية الفيلم، ونحن نراه جالساً
في البيت وقد علّق الملعقة على الحائط.
في «أسرار وأكاذيب»، تمضي الحبكة جنباً إلى جنب مع الشخصيات في ثلاثة
خطوط درامية، سرعان ما تتشابك لتضيء على كل تلك الأسرار والأكاذيب التي
تستقر في حياة كل شخصية. ويجد مايك لي في «عام آخر» تقسيماً درامياً يتكئ
على الفصول التي سرعان ما تمسي فصول الفيلم والسنة أيضاً. ويقدم لنا في
النهاية عاماً كاملاً، ونقطة ارتكاز رئيسة تتمثل في عائلة توم (جيم
برودبنت) وجيري (روث شين)... من دون إحالة إلى شخصيتي توم وجيري في الرسوم
المتحركة الشهيرة إلا من باب المفارقة! فتوم وجيري في «عام آخر» هما مثال
التناغم والتفاهم، لا بل سيكونان حبل نجاة لكل من حولهما، وبر أمان لكل
الذين يتخبّطون بمصاعب الحياة.
نبش الشخصيات يأتي من باب عائلة توم وجيري، وفي شيء من مجاورة النجاح
والفشل، والاستقرار والقلق. توم وجيري ناجحان في زواجهما وعملهما، وأيضاً
في علاقتهما مع ابنهما الوحيد. هذا النجاح سيكون فاقعاً لا لشيء، إلا لما
يحيط بهما من فشل الأصدقاء، الذين يحاربون الوحدة والملل، والمصائر والقصص
التي لا تكتمل.
ماري (ليسيلي مانفيل) هي الشخصية الأكثر تعقيداً واضطراباً. إنها
المرأة الوحيدة والكحولية، الصاخبة والخرقاء، تنسج الأكاذيب، مليئة بالحسد
من دون أن يفارقها الحب. تتأرجح بين الخيبة والمسرة، والصعود والهبوط،
وتبحث عن الحب لتجده دائماً في الشخص الخاطئ، إلى درجة تفكر باتخاذ ابن توم
وجيري عشيقاً لها، وسرعان ما تتعرّف على حبيبته، فتهبط عليها الخيبة
مضاعفة، وتصل نهاية الفيلم وقد أصبح صخبها هدوءاً قاتلاً.
ومع كل فصل، هناك جديد يطرأ، شخصية جديدة تدخل معترك الفيلم من خلال
عائلة توم وجيري. وحدها ماري تبقى إلى النهاية. أما كين (بيتر وي) الأرمل
الذي لا يتوقف عن التدخين، وتتهرب منه ماري حين يسعى إليها، فسرعان ما
يفارق الفيلم ويعود إلى حياته المعطلة بعيداً عن توم وجيري. بينما يدخل في
الفصل الأخير روني (ديفيد برادلي) أخو توم العامل البسيط الذي يفقد زوجته
ويعاني من المشاكل مع ابنه المضطرب.
شخصيات كثيرة من لحم ودم، نعايشها من تصرفاتها وردود أفعالها، مع
الاستعانة الكبرى بالحوار الذي يمثّل واحدة من الأدوات الرئيسة في عالم لي
السينمائي، القادم من المسرح أيضاً. لا بل إن باكورته «لحظات كئيبة» (1971)
كتبها كمسرحية، وسرعان ما حوّلها إلى فيلم. وفي التناوب الفصلي في «عام
آخر» ما يشي بتقطيع مسرحي، واعتماد بيت العائلة كخشبة مسرحية، تكون الأحداث
التي تجري خارجها معدودة لا تتجاوز بعض مواقع تصوير، كما لو أنها أحداث من
خلف الكواليس!
الأخبار اللبنانية في
24/08/2010
ريم البيات في مواجهة الواقع السعودي
القطيف ــ مريم عبد الله
«دمية» هو عنوان العمل الثاني للسينمائيّة السعودية ريم البيات
(1982)، ويتناول الساعات الأخيرة التي تسبق زواج فتاة في الثانية عشرة.
الشريط الروائي القصير يفتح الباب الموصد على أصيلة، ويُسمعنا بكاءها
ونداءات الاسترحام إلى والديها، إذ ترجوهما عدم تسليمها إلى ذاك الرجل
المخيف.
لم تشأ المخرجة تصوير شخصية العريس وما إذا كان عشرينياً أو سبعينياً.
تقول ريم: «في الحالتين، أعدّ ذلك جريمةً بحق الطفولة التي يرونها جسداً
قابل للتشكيل حسب رغبات السلطة الذكوريّة». وتظهر الأم الثلاثينية القاسية
وهي تجبر ابنتها على الزواج، كأنها تعيد سيناريو حياتها حين زُوّجت برجل
يكبرها سناً.
دمى تتدلّى من السقف، لقد استسلمت أصيلة لمصيرها
«دمية» خرج قبل صدور قرار وزارة العدل في السعودية توزيع «عقود نكاح»
يُذكر فيها عمر الزوجة، في خطوة للحدّ من زواج القاصرات بعد فضيحة «بنت
بريدة» التي أجبرها أبوها على الزواج من رجل ثمانيني. هذا النوع من الزواج
لا تقتصر فضائحه على السعودية، بل يمتد إلى مصر حيث «زواج القاصرات
السياحي»، واليمن حيث هدّد الشيخ المعروف عبد المجيد الزنداني بخروج تظاهرة
مليونية ضد قرار الحكومة تحديد سن زواج الفتيات. ولا تنتهي هذه الظاهرة عند
العراق المحتلّ والأردن طبعاً.
استخدمت المخرجة أربعة آلاف مشهد من أصل خمسة آلاف لقطة صُوّرت في
القطيف بتقنية التصوير الفوتوغرافي مع طاقم محلي سعودي بالكامل. موسيقى
الروك رافقت بكاء أصيلة وتزويجها، فيما ألبستها المخرجة طرحة سوداء. وجاءت
نهاية الشريط بمشهد يظهر دمى صغيرة تتدلّى من سقف الغرفة، في إشارة إلى
استسلام أصيلة لقدرها.
الفيلم الذي يستوحي قصصاً حقيقية، كتب له السيناريو أحمد الملا. وتؤدي
دور البطولة فيه الطفلة نور المشامع، وعبد الله الجفال، والفنانة شعاع
توفيق، فيما وضع الموسيقى التصويرية فواز الشواف وعصام الغامدي. وسيقدّم
الشريط في مهرجانات عربية ودولية، بعد مشاركة أولى في «مهرجان الخليج
السينمائي الثالث» في دبي، الذي احتضن فيلم ريم البيات الأول «ظلال». تقول
صاحبة «ظلال» و«دمية» التي درست التصوير الفوتوغرافي والإخراج في بريطانيا:
«أحاول إثبات حضوري في منطقتي، ولم أحاول الانطلاق من الخارج رغم أن الحركة
بالنسبة إلى امرأة مثلي تبقى محدودة في مجتمعنا. لكن ذلك لن يمنعني من
تحقيق مشروعي السينمائي، وانتظار الفرصة المؤاتية لفتح التجربة على آفاق
أوسع».
المخرجة العشرينية التي تحلم بالانضمام إلى مؤسسة محترفة في صناعة
الأفلام، وتأسيس معهد للسينما في المنطقة، تنتقد الأعمال الخليجية
السينمائية والدرامية، وترى أنّها غالباً «مفتعلة»، لا تعبّر عن مجتمعنا أو
حياتنا اليومية.
الأخبار اللبنانية في
23/08/2010
Grown Ups
أو سينما الانحطاط الأميركيّة:
آدم ساندلر «أبو ملحم» الهوليوودي
عماد خشان
فيلم «الكبار» يضمّ كل عناصر الخلطة التي تميّز نوعاً معيناً من
الأفلام السائدة... سذاجة وتبسيط ومواعظ، في خدمة خطاب رجعي بامتياز
قد تكون بلادنا أرض الأنبياء، لكنّ المؤكد أنّ الولايات المتحدة هي
بلاد المعجزات. خذ مثلاً مطاعم «ماكدونالدز» وطعامها الذي لا يؤكل، لكنّه
يدرّ أرباحاً هائلة. معجزة أخرى، سينمائية هذه المرة: آدم ساندلر ممثل
اسكتشات تلفزيونية سخيفة صار اليوم من أكبر الممثلين الكوميديين في أميركا
والعالم.
في فيلمه الجديد «الكبار»
Grown Ups
للمخرج دنيس دوغان، يحكي ساندلر حكاية خمسة أصدقاء فازوا ببطولة كرة السلة
حين كانوا طلاباً في القسم الثانوي. يفترق الأصدقاء بعدها ليلتقوا بعد
ثلاثين عاماً للمشاركة في مراسم تشييع مدربهم الرياضي أيام المدرسة.
النموذج الأنجح للأسرة يعود إلى... عام 1950
ليني (آدم ساندلر) صاحب الشخصية القوية والمندفعة والهجومية، صار
وكيلاً فنياً من أقوى رجالات هوليوود، وهو متزوج من مصممة الأزياء روكسان
(سلمى حايك). ثاني أفراد الشلّة هو اريك (كيفين جايمس) الذي يدّعي أنّه
شريك في مؤسسة للمفروشات، ومتزوج من سالي (ماريا بيلو). الصديق الثالث هو
روب (روب شنايدر) النباتي المسالم والمتزوج (بعد طلاقه الثالث) من امرأة
تكبره بثلاثين عاماً. الصديق الرابع هو كيرت ماكينزي (كريس روك)، الأميركي
الأفريقي المتزوج من دايان (مايا رودولف) التي تعمل فيما يبقى هو في المنزل
للاهتمام بالبيت والأطفال. الصديق الخامس هو ماركوس (دايفيد سبايد) الذي ما
زال عازباً يطارد النساء.
آدم ساندلر هو ـــــ كالعادة ـــــ «أبو ملحم» السينما الأميركية:
هنا، تعثر على القصص الخفيفة النظيفة، والمواعظ الأخلاقية، والأصدقاء
المخلصين، والأشرار الخارجين من برامج الرسوم المتحركة. في الفيلم، يجتمع
الأصدقاء مع عائلاتهم ليشاركوا في مراسم الدفن، وينثروا رماد مدربهم في
البحيرة.
وبما أنّ تلك المناسبة الحزينة تتزامن مع اقتراب الاحتفالات من عيد
الاستقلال الأميركي في الرابع من تموز (يوليو)، يستأجر ليني منزلاً بمحاذاة
بحيرة ليقضي العطلة مع أصدقائه وأولادهم. وفي تلك العطلة، يكتشف الأهل
أهمية العناية بأولادهم، وتكتشف الزوجات أهمية الاعتناء بأولادهن وأزواجهن
بمقدار ما يعتنين بأعمالهن. جزء من رسالة ساندلر أنّ الأمهات والزوجات ما
عدن كما كنّا في الزمن القديم والجميل الذي يحلم به ليني...
وكي تكتمل القصة، لا بد من صراع. فإذا بليني يواجه لاعباً من الفريق
الذي غلبه مع رفاقه قبل ثلاثين عاماً ويدّعي ذلك اللاعب أنّ ليني قد غشّ في
تلك اللعبة. هكذا، وكما توقعتم، فإنّ الأصدقاء يقررون، أثناء حفلة شواء عيد
الاستقلال، أن يرفعوا التحدي الذي يطرحه خصمهم القديم، فإذا بالفريقين
يتباريان من جديد.
وينتهي فيلم «الكبار» على وقع الألعاب النارية التي تحتفي باستقلال
أميركا، وبصيرورتها دولة سيدة حرة مستقلة تصدّر نماذج على شكل آدم ساندلر
إلى العالم، على أنّه مثال النجاح الفذ والمعجزة الأميركية! تلك المعجزة
التي تعلمنا أنّ النموذج الأنجح للأسرة يعود إلى عام 1950، حين كان الأولاد
يلعبون في الشارع، والزوجة الحامل في معظم الأوقات تعمل في المطبخ، وتنتظر
زوجها كي يعود مساءً من عمله لتقدم له حذاءه المنزلي وعشاءه!
كل تلك الرجعية يقدّمها لنا ساندلر على خلفيّة يوم عيد الاستقلال،
بأسلوب ليس هو جدياً ولا هو مضحكاً، لكنّه خال، في كلّ الأحوال، من
الابتكار والإبداع. مع ذلك، فإن الشريط الذي يشبه نسخة سيّئة من أفلام
الكرتون، درّ خلال شهر ونصف ما يقارب مئتي مليون دولار، ليكون مدخول آدم
ساندلر منه خمسة وعشرين مليون دولار. ما همّ بعد ذلك إذا كان العمل لا يحمل
أية قيمة فنية، باستثناء تذكيرنا بأنّ أميركا هي فعلاً أرض المعجزات التي
تضع صور أنبيائها على أوراقها النقدية!
بريد نيويورك: في انتظار الذئاب
عماد خشان
تطلبون منّي أيّها الأصدقاء أن أكتب عن الحلقة الجديدة من سلسلة «وادي
الذئاب» التركيّة، وهي هذه المرّة مخصصة لفلسطين، بعد الاعتداء على «أسطول
الحريّة». وأنا أجيبكم: كيف للفيلم المذكور أن يبلغ هذي الشطآن؟ حرية
التعبير هنا لا تشمل رمي إسرائيل ولو بوردة، وفيلم مماثل سيُرشق فوراً
بتهمة «العداء للساميّة». لذا، فإن وصوله إلى القمر أسهل من وصوله إلى
نيويورك.
الرقابة في بلادنا مزحة مقارنةً بالرقابة هنا. الرقيب الأميركي هنا هو
المشاهد ومجموعات الضغط وشركات الإعلانات. الرقيب هو رأس المال، وكل مَن
يثير غضب الأخ الأكبر، سيجد نفسه بلا عمل. الأستاذ الجامعي الذي ألّف
كتاباً عن دور اليهود في تجارة الرق، وجد نفسه منبوذاً. المحطة التي أرادت
عرض برنامج وثائقي عن حياة ياسر عرفات، هدّدها المشاهدون أنفسهم بوقف
الاشتراكات. وكان الحل أن تسبق البرنامج مقدمة «تحذّر» المشاهد من خطورة ما
سيشاهده، وتدعوه إلى عدم التعاطف مع عرفات.
فيلم «وادي الذئاب» التركي، وصوله إلى القمر أسهل من وصوله إلى بلاد العم
سام!
وقبل سنوات، حاولت فرقة «الحكواتي» المقدسية تقديم مسرحية في نيويورك،
فقامت قيامة المدينة وأهلها. وكان الحل أن تشارك، بموازاة «الحكواتي» التي
تحكي تاريخ فلسطين، فرقة إسرائيلية تحكي تاريخ إسرائيل.
لا شيء يرعب إسرائيل وجماعات الضغط الموالية لها في الولايات المتحدة
أكثر من منح العرب مجالاً لمخاطبة الجمهور الأميركي... لأنّها تعرف أنّ
جزءاً كبيراً من دعم المواطن الأميركي لإسرائيل يتوقف على جهله بحقيقة
الصراع وتاريخ المنطقة وأفعال إسرائيل. كيف ننتظر من الدولة المبنية على
كذبة أن تعطي لضحيتها حقّ الكلام؟
في أي وادٍ خفي من نيويورك سيعرض «وادي الذئاب» والحالة هذه؟ حتّى
فيلم «النمر والثلج» (2005) لروبيرتو بينيني عن حرب العراق، مرّ مرور
الكرام هنا، رغم شعبية صاحبه منذ تناول المحرقة في فيلمه الشهير «الحياة
حلوة».
أقول هذا متمنياً أن أعيش لأرى الولايات المتحدة تعود إلى المبادئ
التي قامت على أساسها، مثلما أحلم بيوم يصير فيه لبنان والبلدان العربية
دولاً يعامل فيها المواطنون جميعاً على قدم المساواة، بغض النظر عن دينهم
وطائفتهم وجنسهم. حتى ذلك الوقت، لا نملك سوى الحلم والانتظار. هل يصل فيلم
«وادي الذئاب ـــــ فلسطين» إلى أرض الحرية، حرية الفرد والرأي والتعبير؟
قولوا إن شاء الله!
الأخبار اللبنانية في
23/08/2010
سبايك لي يعود الى نيو أورلينز في الذكرى الخامسة لإعصار
"كاترينا"
بينما كان العالم يشاهد برعب شاشات التلفزة، كان إعصار كاترينا يضرب
نيو اورلينز في 29 آب/ أغسطس 2005. وبين من شاهدوا تداعيات الإعصار المخرج
سبايك لي الذي رُوِّع ليس من هول المصاب وحسب وإنما من ردود الفعل
المتباطئة والإجراءات غير المنظمة التي اتخذتها الجهات الرسمية. اندفع
المخرج السينمائي الى توثيق ما أسماه بالتراجيديا الأميركية المعاصرة
والمسرحية ذات المغزى الأخلاقي التي جرت تحت أعين العالم بأكمله. أثمرت تلك
الرغبة عملاً وثائقياً من أربعة أجزاء في عنوان "عندما انهارت السدود:
ترتيلة موت من اربعة فصول"
When the
Levees Broke: A Requiem in Four Acts
عرضته قناة "آي.بي.سي" الأميركية في الذكرى الأولى للإعصار عام 2006. اليوم
وبعد مرور خمس سنوات على تلك الكارثة، يعود المخرج بعمل وثائقي جديد في
عنوان "إذا أراد الله ولم يرتفع الخليج"If
God is Willing and
Da Creek Dont Rise المصنّف جزءاً ثانياً لعمله الأول الحائز جائزة "إيمي" عام 2006. في
أربع ساعات أيضاً، يرصد لي في عمله الجديد التحدّيات الاجتماعية والسياسية
والاقتصادية التي تعيق عملية تعافي نيو أورلينز من كارثة "إعصار كاترينا"
لا سيما مع كارثة التسرّب النفطي على ساحل لويزيانا. يتضمن الوثائقي أكثر
من 300 مقابلة مع ذوي الدخل المحدود والسياسيين والمشاهير من أمثال براد
بيت وشون بن.
ركّز فيلمه الأول على الآثار المباشرة للإعصار واستند إلى شهادات
الذين بقوا أحياء ليرووا المأساة. خلف المأساة، قدّم لي بشراً مقاومين
مصرين على البقاء والأمل والانبعاث من الرماد من جديد. من بين حكايات
الفيلم الإنسانية التي يتخذها لي مثالاً على هول المصاب تخص رجلاً يتذكر
موت امه واضطراره الى تركها تحت ضغط إفراغ المدينة بما يدفعه الى ترك ورقة
عليها اسمه ورقم هاتفه بين أصابعها.
بعد ثلاثة أشهر على الاعصار، قام المخرج ومصوره كليف تشارلز وفريق عمل
صغير برحلة الى المنطقة كانت الأولى من بين ثماني زيارات استغرقها العمل
للتصوير وإجراء المقابلات. وقف المخرج أمام قصص كثيرة ووجهات نظر متعددة.
وكما يروي سام بولارد ، مونتيره منذ زمن بعيد ومنتج العمل، أراد لي تقديم
الموضوع من نواحي كثيرة، من خلال آراء الناس والدولة والناشطين وسواهم.
اختار الفريق قرابة مئة شخصية من خلفيات متعددة تمثل آراء واسعة وأجروا
مقابلاتهم معها. ولكن الجانب الأهم الذي عمل عليه لي هو الارث الثقافي
للمنطقة الذي كان بمثابة الخلفية الضرورية لرسم صورة نيو اورلينز وقتذاك.
استخدم عناصر من ذلك الارث الثقافي وجدها ذات معنى من المقابر فوق الارض
التي هي دليل تعايش اهلها مع الموت وموسيقى الجاز التي ترافق الجنازات
والتي هي نفسها تحتفي بالحياة. هكذا حاور المخرج عدداً من موسيقيي نيو
اورلينز من أمثال واينتن مارساليس وتيرينس بلانشارد.
ولكن نيو اورلينز تمثل بالنسبة الى سبايك لي أكثر من ارث ثقافي وأكثر
من منطقة منكوبة. انها منطقة معظم سكانها من الاميركيين السود وما حل بها
يستكمل مسلسل الظلم اللاحق بأولئك من التفرقة العنصرية التي يشدد عليها لي
في أفلامه. وما العنوان إلا مدخل الى نظرة لي النقدية حيث انه يشير الى ان
انهيار السدود هو الذي أغرق أكثر من 80% من المدينة وليس الاعصار نفسه بما
يجعل مسؤولية الدولة كبرى في ذلك. ومن جهة أخرى يشير المخرج في ذلك الحوار
وبسخرية مريرة الى تدخل الولايات المتحدة الاميركية بعد يومين من ضرب إعصار
لأندونيسيا!
كان سبايك لي عازماً على العودة الى نيو أورلينز لعلمه بأن المأساة لم
تنتهِ بل إنها ربما بدأت للتو. وهو إذ يتقصى في فيلمه الجديد الحقائق من
أكثر من مصدر، لا يخفي موقعه الإنساني ولا موقفه النقدي: "إنها مسألة عدالة
وصح وخطأ" يقول لي عن فيلمه الحالي مكمّلاً "أحب هذا البلد ولكن هؤلاء
الناس يعبثون به. هذا عار. الفيلم يشدّد على ان 11 شخصاً ماتوا من جراء هذا
التسرّب النفطي والسبب قرار الشركة قصّ الزوايا."
يصف لي عمليه الوثائقيين عن الإعصار بالوثيقة التاريخية المضادة
لإعادة التركيب البت غالباً ما تستخدم في استعادة الأحداث الواقعية. ويؤكد
المخرج ان الحكاية لم تنتهِ بعد في إشارة الى انه قد يعود الى نيو أورلينز
للمرة الثالثة.
على الرغم من شهرته في المجال الروائي، إلا أن للمخرج تجربة وثائقية
سابقة متعاوناً مرتين في السابق مع
HBO
لانتاج الوثائقي من خلال
Little Girls 4
عام 1998 وJim Brown:
All-American
عام 2002. في أفلامه الوثائقية لا يبتعد لي من اهتماماته السينمائية
السابقة والتي تتقاطع مع هواجسه الحياتية والانسانية. إنها العين نفسها على
الحياة وخلف عدسة الكاميرا الراصدة لشتى أنواع الظلم الاجتماعي والعنصرية
والطبقية المغلفة بمظاهر التسامح الكاذبة.
المستقبل اللبنانية في
24/08/2010 |