ستون فيلماً هي حصيلة الإختيارات التي رسا عليها منظمو "مهرجان الفيلم
اللبناني" لتعرض خلال فترة انعقاد دورته التاسعة بين 19 و23 آب/أغسطس. في
موعده السنوي، انطلق المهرجان مساء أمس في صالتي متروبوليس أمبير - صوفيل،
واعداً جمهوره بتقديم أحدث الإنتاجات اللبنانية خلال الأيام الخمسة المقبلة
من روائي قصير وطويل ووثائقي وتجريبي وتحريك وفيديو كليب.
لا شيء أفضل من الجلوس في صالة سينمائية مبرّدة وسط موجات الحر
المتلاحقة التي تجتاح صيف لبنان هذا العام. ولكن ذلك الإعتبار - المشروع -
ليس الدافع الى ارتياد الجمهور فعاليات مهرجان الفيلم اللبناني. ذلك ان ما
يدأب المهرجان الفتي على تكريسه عاماً بعد عام "إقناع" الجمهور المحلي
بامكانية اقامة مهرجان خاص بالافلام اللبنانية على اختلاف مشاربها
وباستحقاق تلك التجارب مساحة للتواصل والتلاقي مع جمهورها الطبيعي. ولاشك
في ان المهرجان نجح الى حد كبير في إرساء تلك الأهداف بدليل امتلاء العروض
عن آخرها بالمشاهدين وافتراش بعضهم الممرات والسلالم حين تضيق المقاعد بهم.
والجمهور هنا، بخلافه في عروض الأفلام التجارية، مؤشر الى نجاح أي مهرجان
والى قدرته على التجذّر في محيطه. وقد يُقال هنا ان لا غرو ان يستقطب
مهرجان لبناني جمهوراً لبنانياً، بما هي مقولة صحيحة في المبدأ. ولكن
الإستناد الى تاريخ العلاقة بين المشاهد اللبناني والسينما اللبنانية تطيح
بديهية القول وتؤكد ان لا شيء "طبيعياً" او مسلماً به في نظرة المشاهد
اللبناني الى نتاج سينماه او صورته. انها علاقة شائكة، يحكمها تراث ولا
ترتد الى مرجعية. لذلك ربما تشكّل المهرجانات السينمائية المقامة في لبنان،
وتحديداً تلك التي نجحت في استقطاب الجمهور، حالة استثنائية، أعادت وصل بعض
ما انقطع بين المشاهد والسينما اللبنانية، من دون أن تصلحه تماماً. ذلك ان
جمهور هذه المهرجانات لا يشكّل في أي حال من الأحوال شريحة كبيرة او متنوعة
من المجتمع. هو جمهور صغير على مقياس الجمهور العريض، يتحرّك في الدوائر
المغلقة للمشهد السينمائي والثقافي اللبناني، وقد يختلف بين مهرجان وآخر.
لذلك ربما لا يحدث هذا الجمهور فرقاً كبيراً في أرقام شبّاك التذاكر لفيلم
لبناني، وجد طريقه بالصدفة او بطلوع الروح الى شاشة العرض التجارية. فللعرض
التجاري الناجح مقاييس مختلفة، تفيض عن قدرة جمهور المهرجانات ملاقاتها.
بين المهرجانات المحلية، يتميّز "مهرجان الفيلم اللبناني" بكونه لقاء
محلياً حميماً، بما ينسحب على الحكم على اختياراته وأدائه. فهو ليس مطالباً
بالكثير مادامت اختياراته لصيقة بعنوانه وتوجّهاته. وغالب الظن ان غربلته
للأفلام المئة والستين التي تقدّمت للعرض قائمة على اعتبارات خاصة بمساحة
العرض وأيامه المحدودة. هنالك بالطبع معيار الجودة ولكن السّمة الغالبة
تبقى نذر المهرجان أيامه لأكبر عدد من الأعمال الفيلمية اللبنانية التي
يتّضح من البرنامج انها تطغى على ما سواها عاماً بعد عام. فها هو المهرجان
يستغني في دورته التاسعة عن فئة "المهرجان الضيف" التي استضافت في الأعوام
السابقة شخصيات وأفلاماً من مهرجانات أجنبية. بينما يقلّص أفلام "نظرة
أجنبية على لبنان" التي حملت العام الفائت اسم "مخرجون لبنانيون من الخارج"
الى عدد قليل جداً من الإفلام. ويختار المزج بين فئتي "إرث السينما"
و"سينما الأمس" واختزالهما بفيلم واحد هو "مئة وجه لعام واحد"، التجربة
الوثائقية الإبتكارية التي وقّعها كريستيان غازي في العام 1972، مع العلم
ان الفيلم تم تداوله بكثرة خلال السنوات الأخيرة. يغيب عن الدورة التاسعة
أيضاً الفيديو المنزلي الذي احتل هامشاً خلال الدورات السابقة، باعثاً
صوراً سينمائية من مناسبات اجتماعية وسياسية وثقافية ويوميات صوّرها
مجهولون وعثر عليها أصحاب المهرجان غالباً في سوق الأحد (الافت أن ملصق
المهرجان هذا العام مستوحى من تلك الأفلام المنزلية بما يتناقض مع غيابها
عن البرمجة). لعلّ في هذا الحضور المتذبذب لبعض الفئات والأفلام ما يجد
تفسيره في الإنتاج الفيلمي اللبناني المتفاوت هو الآخر بين عام وعام. هكذا
تطفو الفئات الموازية في الدورات التي تعاني قصوراً في كم الافلام
اللبنانية وتتراجع في الأخرى التي تشهد حركة ناشطة.
وتكمّل هذا العام الجائزة التي استحدثت العام الفائت لتمنح أفضل فيلم
عبر كل الفئات. بل إن الجائزة اصبحت اثنتين وتضاعفت قيمتها هذا العام مع
الإشارة الى انها تحمل اسم بنك عودة أحد شركاء المهرجان والمساهم فيه بقيمة
الجائزة. هذا العام، تُخصص الجائزة الأولى (3 آلاف دولار أميركي) لمخرج
أفضل فيلم تختاره لجنة التحكيم (لم يُعلن عن أسماء أعضائها قبل المهرجان)
بينما تمنح الجائزة الثانية (1500 دولار أميركي) لأفضل فيلم أول. ويتنافس
على الجائزة الأولى أصحاب الأفلام الراغبين في إشراك أفلامهم في المسابقة.
الأفلام
يقدم المهرجان هذا العام عشرين فيلماً قصيراً، يعود من خلالها بعض
المخرجين الى عرض أفلامه في المهرجان بعد ان استضافهم في تجارب سابقة: رامي
قديح الذي سبق له عرض "حكاية شهرزاد" يعود بفيلم "المثانة" حول علاقة بين
صديقين تتكشف جوانب أخرى منها خلال رحلة يقومان بها؛ أكرم الزعتري يقدم مع
ليلان جيرودون انطباعاته عن مدينة طنجة حول السينما والشعر والمدينة
والصداقات في
Les Arabes aiment les Chats
بعد ان عرض قبل أكثر من سبعة أعوام فيلمه الطويل "اليوم"؛ روي عريضة بفيلمي
"الأعشاب الهوجاء" الذي تدور أحداثه في أجواء الحرب بين قناصين و"الأنقاض"
حول شخصية متخيلة لمقاتل ميلشياوي ابان الحرب؛ كريستوف كاراباش يعرض
Tout Va Mieux. من الأفلام القصيرة الأخرى:
Beirut, Hide &
Seek لدارين حطيط،
November
لميريللا سلام، 10
beiruti
Minutes لأشرف مطاوع،
Au Milieu des Autres
لرينيه عويط،
Les Aiguilles لجيسي مسلم،
Quite Quiet
لمارك أبيض،
DRU لجيهان شعيب،
Hinkerort Zorasune
لفاتشيه بولغورجيان،
Bel sama لتانيا شويري، "ذاكرة قصيرة" لمروان خنيصر، "كل
العصافير بتصوفر" لروي خليل،
Hollow Mirrors لوسيم طانيوس، "آخ أورسولا آخ" للوسيان بورجيلي، "يا محلا النواوي"
لغابرييل زرازير،
My Statusلناتالي
سجعان،
Para La Eternidad
لإيلي لمع.
على جدول الأفلام القصيرة أيضاً (فئة النظرة الأجنبية) فيلم من إنتاج
مؤسسة "..نما في بيروت" في عنوان
Le Temps de la Balle لهيرفي جاكوبوفيكس. وهناك فيلم الختام الروائي الطويل
Domaine للمخرج اللبناني المقيم في فرنسا باتريك شيحا من بطولة بياتريس دال
ويدور حول علاقة بين امرأة متوسطة العمر تعبت من الحياة وشاب في مقتبلها.
تجدر الغشارة الى انه الفيلم الروائي الطويل الوحيد في المهرجان على الرغم
من وجود أفلام لبنانية طويلة أخرى منجزة بما يطرح التساؤل حول تاثير انعقاد
"أيام بيروت السينمائية" بعد أقل من شهر على عدم اجتذاب المهرجان للأفلام
الطويلة (حفلت الدورة الفائتة بعدد من الأفلام اللبنانية لمخرجين محترفين
حيث لم ينافس مهرجان الفيلم اللبناني عليها الأيام التي تنعقد كل عامين).
تضم الدورة التاسعة اثني عشر فيلماً وثائقياً أبرزها: "هش" لرين متري،
Love Talk 1&2
لسيرين فتوح،
Au
Pays qui te Ressemble لمايا عبد الملك،
Back to the Roots
لسامر غريب،
Little
Stones لتمارا ستيبانيان،
Essay from a Room
لرنا سالم، "زهرة المنسية" لريهام عاصي، "وادي خالد" لكريستوف كاراباش، "شو
صار؟" لديغول عيد، "أمي، لبنان وأنا" لأولغا النقاش و"كما قال الشاعر"
للفلسطيني نصري حجّاج المصنف في خانة "النظرة الأجنبية على لبنان".
الى تلك الأفلام، يعرض المهرجان ثمانية أفلام تجريبية وأربعة تحريك
(من بينها
Conversations with Changes لشيرين أبو شقرا التي فازت العام الفائت بجائزة أفضل فيلم عن عملها
"لحظة ايها المجد") و13 فيديو كليب فضلاً عن استضافة عرض للمخرج الايراني
الكردي بهمان غوبادي صاحب "لا أحد يعرف شيئاً عن القطط الفارسية" بالتعاون
مع مؤسسة "هيومن رايتس ووتش"، يليه نقاش حول دور الفن في مواجهة قمع
السلطات. والمعروف ان الفيلم يتناول حركة سفلية لموسيقى فرق شبابية في
طهران.
المستقبل اللبنانية في
20/08/2010
عن فيلمه "نسخة مصدّقة" الذي تم تصويره في إيطاليا مع
جولييت بينوش
عباس كياروستامي: الحقيقة احتمال.. أما الواقع فلا يهم
كثيراً
عندما عُرض فيلم عباس كياروستامي الأخير "نسخة مصدّقة" (Certified
Copy) في مسابقة مهرجان كان السينمائي في أيار الماضي، تمحور النقاش كما
الكتابات حول ثلاثة اعتبارات: اختلاف الفيلم عن أعمال كياروستامي السابقة،
التجربة الروائية الأولى للمخرج التي تُصوّر خارج إيران وتعاونه الأول من
خلالها مع نجمة سينمائية. ولكن المتابع عن كثب لأعماله سيكتشف انه سبق
للسينمائي أن عمل خارج وطنه الأم إيران في الوثائقي
A.B.C. Africa
وفي الفيلم الجماعي "تذاكر" (Tickets)
مع الايطالي ارمانو اولمي والبريطاني كين لوتش الذي صُور في إيطاليا. ولا
ننسى فيلمه "خمسة" (Five) التحية الى المخرج الياباني أوزو ياسيجيرو الذي صور بين النسما
واسبانيا ومساهمته بمقطع صوره بنفسه في الوثائقي "بيير ريسيان: رجل
السينما" لتود مكارثي. أما النجمة التي تلعب الدور الرئيسي فهي الفرنسية
جولييت بينوش الباحثة باستمرار عن العمل مع سينمائيين مبدعين ومغامرين من
الطراز الأول. وبقدر ما قيل وكتب عن الجانب "الكوميدي الرومنسي ذي الإختلاف"،
فإن الإختلاف يدلل على اختلاف كياروستامي عن سواه أكثر مما يوصّف اختلاف
التجربة عن أفلامه السابقة. ذلك ان "نسخة مصدّقة" كأي عمل لصاحبه يصعب
تخيّله بالشكل الذي خرج فيه موقعاً باسم آخر غير عباس كياروستامي. إنه بهذا
المعنى فيلم اصيل ينتمي الى صانعه لاسيما بتداوله بعناوين كياروستامي
الأثيرة من مثل العلاقات، الحياة والفن، الحضور والغياب، الواقع
والتمثيل...
تدور أحداث الشريط في "توسكانة" وتسجل تفاصيل يوم واحد في حياة مالكة
معرض تحف قديمة فرنسية الأصل وكاتب انكليزي، يزور ايطاليا بهدف الترويج
لكتابه حول الأصل والتقليد في الفن. بعد أن يلقي محاضرة قصيرة، يزورها في
معرضها ويذهبان معاً الى قرية مجاورة حيث يتناقشان في أشياء كثيرة: الفن،
العمل، الأولاد، النساء، الرجال، الحب، السعادة وغيرها. تعتقد صاحبة المقهى
ان الكاتب الانكليزي زوجها. فإلى أي حد سيكون اعتقادها صائباً؟
في عددها الأخير، نشرت مجلة "سايت أند ساوند" حواراً مع عباس
كياروستامي حول فيلمه "نسخة مصدّقة"، أجراه الصحافي والناقد جيوف أندرو.
هنا ترجمة لبعض المقاطع.
لقد ذكرت ان لقاء واقعياً كان الملهم خلف الفيلم. ولكنّك لم توضّح إذا
كنت طرفاً فيه أم لا...
في الواقع، الفيلم مبني على شيء حدث معي قبل 10، 15 أو 20 سنة، لم يعد لدي
إحساس حقيقي بالزمن. ولست أكيداً مما إذا كانت المرأة التي قابلتها ستتمكن
من رؤية نفسها إذا ما شاهدت الفيلم. أم ان الأمر لا يعدو الذكرى التي
احتفظت بها من ذاك اللقاء. فقد أمضينا يوماً واحداً فقط معاً وحدث ان
رأيتها مرة ثانية بين أفراد الجمهور خلال مؤتمر صحافي لأحد أفلامي. أومأت
لها في محاولة لقول "أراك لاحقاً" ولكن سرعان ما اقتادني أحدهم الى الخارج
ولم اشاهدها مرة ثانية.
·
ما الذي أردت قوله تحديداً من
خلال أفلمة هذه الحكاية؟
من الطريف انني لم أعد أذكر لماذا أخبرت جولييت (بينوش) هذه القصة
عندما جاءت الى طهران. ولكن تعابيرها وتفاعلها مع القصة كان لافتاً. بمعنى
ما، التعابير التي تراها في الفيلم تشبه الى حد بعيد تفاعلها مع القصة
عندما رويتها لها. الأمر أشبه برد الفعل على رد الفعل. أي انني إزاء
انفعالاتها بالقصة، قدمت لها المزيد فأصبحت القصة أقرب الى سيناريو. ربما
لو انني رويتها لشخص آخر لما شعرت انه من الممكن ان تتحول فيلماً. هناك
قصيدة فارسية تقول ما معناه ان "المستمع أثار حماسة المتحدّث". أهمية ما
نقوله تعتمد بشكل أو بآخر على المستمع ورد فعله.
·
جولييت بينوش هي النجمة الأولى
التي تتعاون معها في أفلامك. هل أعطيتها الكثير من التوجيهات؟
كلا ليس تماماً، على الرغم من انها في البداية كانت مسكونة بأسئلة
كثيرة وببعض الشكوك. لذا تناقشنا في كيفية مقاربتها للشخصية. خلال
المحاولات الأولى، بدت وكأنها تستلهم مرجعيات مثل آنا مانياني ولكنني لم
أرغب في أن تكون هنالك أية مرجعية لذلك واظبت على قول التالي: "هذه المرأة
التي تجسدينها ليست سوى جولييت". ولكن ذلك لم ينجح مباشرة. فطلبت منها أن
تأتي إلي إذا ما شعرت بغربة عن جملة او مشهد. مع مرور الوقت، اعترفت بأنها
تلك المرأة التي تجسدها.
·
انها المرة الأولى التي تكتب
فيها سيناريو مفصلاً لأحد أفلامك.
نعم. فعلت ذلك لأتمكن من العثور على تمويل للفيلم. ولكنني شعرت
بالامتنان لذلك لأنني حصلت على شيء استطيع الاستناد اليه. فحتى وقت قريب
كنت منتج أفلامي وكنت متساهلاً جداً مع المخرج في داخلي. ربما من الآن
فصاعداً علي أن أكون مثل (المنتج) مارين (كارميتز) وأطالب بسيناريو!
بعد قراءتها السيناريو، أسرت لي جولييت بينوش انه ذكّرها بفيلم إنغمار
بيرغمن "مشاهد من حياة زوجية". وهي محقة لجهة ان هذا اليوم الذي يصوره
الفيلم في حياة امرأة ورجل يشبه علاقة كاملة، من الغزل الى النسيان، ومن
الضغينة الى الى التهام والاتهام المضاد.
هذا مثير للإهتمام. لم افكر بفيلم بيرغمن منذ سنوات طويلة. ولكنني
أتذكر انني عندما شاهدته للمرة الاولى قبل زمن طويل رغبت في مشاهدته مرة
ثانية. لعل تأثيره بقي في اللاوعي.
·
لماذا اخترت في بعض المشاهد لا
سيما في المقهى أن تجعل جولييت تخاطب الكاميرا؟
أعلم ان في ذلك الخيار مخاطرة أن تبدو الاشياء مصطنعة، ولكن على المرء
أن يخوضها. كان هدفي أن تتحدث جولييت مباشرة مع الرجل المشاهد وأن يتحدث
ويليام مع النساء بين الجمهور. لذلك اخترنا طاولة في المقهى لأربعة أشخاص
وأجلسنا جولييت وويليام متواجهين في خط مائل أو قطري. وثبت كاميرا لكل
منهما الى جانب الآخر. فبينما لم يستطع واحدهما النظر مباشرة في عيون الآخر
الا انهما كانا متقابلين واستطاعا أن يخوضا النقاش.
·
إن حقيقة علاقتهما تبقى غامضة
بالنسبة الى الجمهور. فهل تعرف تاريخ علاقتهما؟
كلا مازلت لا أعرف. الحقيقة احتمال. ولكن الواقع لا يهم كثيراً. ما
يهم هنا هو "أرجحية" انهما ثنائي. فهو يقول لها: "نشكل ثنائياً جيداً أليس
كذلك؟" ومادامت صاحبة المقهى تعتبرهما ثنائياً فإن ذلك يصبح على نحو ما
حقيقتهما بصرف النظر عما إذا كانا كذلك في الواقع.
·
بهذا المعنى، هل ننظر الى
الشخصيات الأخرى في الفيلم- الزوجان الجديدان، السياح والثنائي المسن-
كاحتمالات أخرى لعلاقة جولييت وويليام؟
هذا تفسيرك الخاص. أنا لم أفكر فيه. أردت من خلال الشخصيات الأخرى
تقديم أربعة أجيال كالفصول الأربعة.
·
يلعب دور السائح كاتب السيناريو
المعروف جون-كلود كاريير. كيف حدث ذلك؟
نحن على علاقة جيدة منذ سنوات فطلبت منه أن يشارك في الفيلم. لم ارد
لحوار تلك الشخصية ان يحفظه ممثل ويؤديه. أردت شخصاً يلقي نظرة سريعة على
الشخصية ويجعل الدور خاص به وينقل بصوته تلك الجمل بأكبر نسبة من الصدقية.
وهذا شيء تعلمته في "طعم الكرز". الرجل العجوز الذي اخترته بالصدفة لنهاية
الفيلم كان هدية. بالكاد نظر الى الحوار ولكنه عرف بالفطرة ماذا يقول.
·
هل إنجاز "نسخة مصدّقة" في
إيطاليا بموازنة أكبر وفريق عمل أضخم غير أفكارك تجاه مشاريعك المستقبلية؟
يغريني أن أكرّر إجابة جولييت على سؤال طرحه عليها صحافي بعيد فوزها
بالاوسكار عن "المريض الإنكليزي". سألها: "أنت الآن مشهورة في هوليوود، فهل
ستنتقلين للعمل هناك؟" أجابته: "كلا. أريد أن أعمل مع عباس كياروستامي."
أكرّر إجابتها ليس من موقع الغرور وإنما لأنها تعكس تماماً تفكيري: أريد
العمل مع عباس كياروستامي في إيران. وأتمنى أن أبدأ التصوير في أيلول.
(مجلة "سايت أند ساوند"- عدد أيلول 2010)
المستقبل اللبنانية في
20/08/2010
السينما التسجيلية والقصيرة المصرية:
حل المعضلة في ايدي
المخرجين الشباب
الجمهور ينظر اليهم على أنهم
مبتدئون يقومون بأعمال غريبة
محمود عبد الرحيم
يعد العقد الأول من القرن الحادي والعشرين،
بمثابة محطة مهمة في مسار السينما التسجيلية والروائية القصيرة
في مصر، خاصة الخمس
سنوات الأخيرة، وما شهدته من مبادرات، ساهمت في فتح الباب واسعا أمام كثير
من
الشباب، للدخول إلى عالم الفن السابع بيسر، دون الحاجة إلى الدراسة
الأكاديمية،
التى لا تتوافر، إلا لأعداد محدودة، وذلك في إطار موجة السينما
المستقلة، والدور،
الذي لعبته في تشجيع الشباب، على خوض غمار صنع فيلم بتكلفة محدودة، والتعلم
من خلال
التجربة والخطأ، في ظل تحمس مؤسسات خاصة عديدة لهذه الموجة، والإسهام في
دعمها
بقوة، سواء ماديا أو فنيا، كـ'سيمات'، و'مدرسة سينما الجزويت'،
و'أكاديمية الميهي'،
على نحو خاص، وذلك جنبا إلى جنب، مع مشاريع تخرج شباب معهد
السينما، و التجارب،
التي يمولها المركز القومي للسينما، وبعض المراكز الثقافة الأجنبية، وعلى
خلفية
التطور التقني الرقمي في التصوير والمونتاج، بإمكانياته الهائلة، الأكثر
يسرا،
والأقل كلفة.
ولعل قيمة هذه الموجة تتجلى، في كونها كسرت الجمود، بدرجة ما، في
الوسط السينمائي، وضخت دماء جديدة في عروقه، وزادت من حجم إنتاج الفيلم
التسجيلي
والروائي القصير بصورة ملموسة، والأهم من ذلك، أنها زادت بقوة
من تواجد العنصر
النسائي إخراجيا، على نحو غير مسبوق.
ربما يكون مخرجو الأفلام الروائية القصيرة
والتسجيلية الآن أكثر حظا، من الأجيال السابقة، وإن كانت
لاتزال بعض الإشكاليات
الموروثة قائمة، دون حل، أو تصورات واضحة لحلول.
فالجيل الحالي محظوظ نسبيا،
لوجود زخم كبير في العروض، لم تكن متوافرة للجيل السابق، بفضل
النشاط الكبير
للمراكز الثقافية الأجنبية سينمائيا، التى يبدو أنها حرضت مؤسسات مصرية
رسمية، وغير
رسمية على تدشين مهرجانات، وعروض للأفلام القصيرة والتسجيلية، بحيث صار
بالإمكان
عرض فيلم أي وافد جديد إلى السينما، ما يزيد من 5 مرات على مدار العام.
فلم تعد
الفرصة متاحة فقط في نوافذ محدودة،، كمهرجان الاسماعيلية للأفلام التسجيلية
والقصيرة، أو في المهرجان القومي للسينما الذي صار يعطي أهمية لها، أو على
هامش
مهرجان الاسكندرية، أو القاهرة السينمائي، وانما صارت ثمة نوافذ أخرى،
كساقية
الصاوي، التي دخلت حلبة تنظم مهرجان سنوي للأفلام القصيرة، إلى
جانب العروض
المتتالية، على مدار العام بمركز الإبداع الفني التابع لصندوق التنمية
الثقافية،
وعروض كل من جمعية النقاد، والتسجيليين، ومركز الثقافة السينمائية، فضلا عن
مهرجان
معهد جوته للسينما المستقلة، وعروضه العديدة المنفصلة، بالتجاور مع أفلام
عربية أو
ألمانية، ومهرجان 'كارافان السينما العربية والأوروبية'، ومهرجان' سينما
المرأة
العربية واللاتنية'، إلى جانب فعاليات حديثة مثل مهرجان' التكعيبة للسينما
القصيرة'، ومهرجان أفلام اللاجئين، ومهرجان 'سينما حقوق
الإنسان'، ومهرجان 'الصورة'
الذي ينظمه المركز الثقافي الفرنسي، إلى جوار عروض فردية من وقت لآخر على
مدار
العام.
وإن كانت حدثت إنفراجة في العروض، إلا أن الفيلم القصير والتسجيلي، لا
يزال يعاني من مشكلتين رئيسيتين، أولهما صعوبة التمويل، الذي إن لم يتوافر
من وزارة
الثقافة، أو من جهة تمويل أجنبية، لعدد محدود من المخرجين، يجد
المرء نفسه في مأزق،
إما أن يمول من ماله الخاص فيلما، لن يعود عليه بربح، يغطي على الأقل تكلفة
إنتاجه،
أو ينتظر لسنوات بلا عمل.
والمشكلة الأصعب، والمرتبطة بشكل ما بأزمة التمويل،
تتمثل في غياب الشعبية، الناتجة بشكل رئيس من إحجام شركات التوزيع، عن كسر
نمط
المشاهدة، وإستسهال العروض الطويلة النمطية، ذات الجماهيرية
القائمة على الرهان على
نجوم الشباك حاصدي، وجالبي الملايين.
ما جعل السينما التسجيلية والقصيرة تعاني
حصارا تاريخيا، وتدور في دائرة المشاهدة الضيقة من جمهور خاص،
غالبا من المهتم
بالسينما، أو الذي على إتصال مباشر بها، كصناعها، أو بعض النقاد
والصحافيين.
الأمر الذي يصيب كثيرا من المخرجين بالإحباط، ويجعلهم يعزفون عن هذه
القوالب، والاتجاه سريعا بعد عمل، أو اثنين على أقصى تقدير، إلى السينما
التجارية،
باعتبار أن السينما القصيرة، ليست إلا بوابة للولوج إلى عالم
الأفلام الروائية
الطويلة، وأنها ليست سوى تجريب و تدريب على استيعاب التقنيات الإخراجية،
واكتساب
قدر من الخبرة، تؤهله أو تمنحه رخصة لقيادة عمل أكبر، بميزانيات أضخم،
وبقواعد أكثر
حرفية، بمعايير السوق، فيما المخرجون التسجيليون يركزون إما
على العمل ببعض القنوات
الفضائية، أو إنجاز أعمال يسهل تسويقها في هذه النوافذ المربحة.
وربما عدم إخلاص
كثير من المخرجين لهذه القوالب السينمائية، وراء فقدان الثقة بينهم وبين
الجمهور،
الذي ينظر إليهم على أنهم شباب مبتدئون، يقومون بأعمال هزيلة، أو غريبة،
وغير
مفهومة، ما ان يكتسبوا الحرفة، والخبرة، حتى يغادروا هذا
المكان لمكان آخر، أكثر
رحابة وربحية وشهرة.
وربما - أحيانا - لغياب رؤية لدى كثيرين من المخرجين
الشباب، أو موهبة حقيقية، وقلة الجيد من المعروض على كثرته، فضلا عن ضعف
الدعاية
لمثل هذه النوعية من العروض، وعزوف الإعلام والنقاد بشكل خاص، عن متابعة،
وتقييم
هذه التجارب، وتسليط الأضواء على الجيد منها، بالإضافة إلى
غياب التنظيم الجيد في
المهرجانات، وغلبة المجاملات في الاختيارات والجوائر، وسيادة ثقافة الكم
على
الكيف.
فكل هذه العوامل- بلا شك - كفيلة بإضعاف وضعية السينما التسجيلية
والقصيرة، مقارنة بالسينما الطويلة، وبقصر هذا القالب السينمائي، خاصة
القصير، على
المبتدئين، الذين لا يستطيعون، دون وجود دعم من مؤسسة ثقافية محلية أو
أجنبية، أن
ينتجوا أعمالا، فيتوقفون بعد عمل أو اثنين، ويذهبون إما
للسينما الطويلة، إذا كانوا
محظوظين، ولهم علاقات مع شركات إنتاج، أو العمل بمجال الإعلانات التجارية،
وأغاني
الفيديو كليب، أو الاعتزال مبكرا.
ربما الحل في رأيي، لهذه المعضلة يأتي من
الشباب أنفسهم، في ظل ضعف الدور الحكومي في دعم حقيقي وبارز
لهذه القوالب
السينمائية، وتخوف الموزعين، وأصحاب دور العرض السينمائية الكبرى، من خوض
مغامرة عمل عروض تجارية للسينما التسجيلية والقصيرة، وذلك عبر
مبادرة ذاتية تنهض
على تكوين كيان يتجمعون تحت لوائه، يساهم في الإشراف على إنتاج مشاريع
أفلام ذات
قيمة، وذات جودة عالية فكريا وفنيا، مع تأجير أوقات بقاعات العرض المختلفة،
أو
إنشاء قاعة خاصة بهم، وبدء حملة ترويج واسعة لهذا المشروع،
خاصة في أوساط الشباب،
الذي سيعتاد تدريجيا على مثل هذه العروض، وسيقبل عليها، اقتناعا أو إلحاحا،
مثلما
يقبل على عروض الأفلام الروائية الطويلة.
وربما هذا الكيان، الذي لا يهم، أن
يُسمى اتحادا، أو رابطة، يمكنه مع الوقت، أن يتفاوض مع موزعين
كبار، ودور عرض
تجارية، ويقنعهم بالفكرة، وإمكانية نجاحها، وربحيتها غير المستحيلة.
ولو بتنظيم
عروض قصيرة، تسبق العرض الطويل مرحليا، إلى أن يعتاد الجمهور عليها وحدها،
ويكون
مهيأ للذهاب إليها خصيصا.
وحينها سيمثل ذلك نقلة نوعية في مصير السينما
التسجيلية والروائية القصيرة، وسيتيح فرصا لآلاف المخرجين
الشباب لممارسة فنه،
والوصول إلى جمهور عريض، وربما يسهم العرض التليفزيوني الواسع لمثل هذه
القوالب،
وشراء مثل هذه الأفلام، فضلا عن تخصيص برامج تهتم بإبرازها، بالإضافة إلى
الحركة
النقدية النشطة، ودور كل منهم في خلق ذائقة جديدة لدى الجمهور
العام، تساهم في
اتساع دائرة المشاهدة، وإعطاء الزخم اللازم، لجماهيرية مفقودة ومرغوبة.
كاتب وناقد مصري
mabdelreheem@hotmail.com
المستقبل اللبنانية في
20/08/2010 |