عندما قرر المخرج الفرنسي جان - لوك غودار، عقب الصخب السياسي والفني
الذي صاحب
أحداث «أيار 1968» في فرنسا وفي أنحاء عدة من العالم، ان يشكل مجموعة
سينمائية تعمل
وتحقّق الافلام في شكل مشترك، اذ خيّل اليه حينه أن عصر الإبداعات الفنية
الفردية
قد ولّى (!)، وجد نفسه تلقائياً يطلق على المجموعة اسم «جماعة
دزيغا فرتوف». في ذلك
الحين كان هذا الاسم معروفاً لأهل السينما والنضال عموماً، لكنه كان بالكاد
يعني
شيئاً بالنسبة الى الجمهور العريض. ولكن منذ ذلك الحين صار الاسم معروفاً،
وخصوصاً
حين ترجمت نصوص لصاحبه تتعلق بنظريات السينما النضالية وفن المونتاج، ودور
الكاميرا
بوصفها عيناً حقيقية لا تتوقف عن رصد الواقع... ثم حين بدأ
الجمهور العريض يكتشف
افلام دزيغا فرتوف، ولا سيما منها فيلم «الرجل ذو الكاميرا» الذي اثار
اعجاباً
كبيراً، واعتبر عملاً مميزاً حقق في شكل مبكر، ليستوعب وحده كل نظريات
التوليف
العظيمة التي كانت ترتبط بأسماء معاصرين سوفياتيين لفرتوف، من
امثال ايزنشتاين
وبودوفكين.
>
منذ ذلك الوقت يعتبر فيلم «الرجل ذو الكاميرا» علامة اساسية في
تاريخ
السينما ككل. لكنه علامة ذات سمة استثنائية، لأنه في تلك الاحايين على
الأقل، لم
يكن يشبه افلاماً كثيرة، ولا حُقِّقت من بعده افلام كثيرة تشبهه. ومن هنا
اعتبر،
على الدوام، فيلماً مشاكساً متمرداً، بل ان البعض قال: «...
لكنه ليس فيلماً على
الإطلاق». وكان يمكن المراقب المحايد ان يجد قائلي هذا الكلام محقّين إن
أراد. ففي «الرجل ذو الكاميرا» ليست هناك حكاية ولو
تسجيلية. انه فيلم لا يحدث فيه أي شيء. كل
ما فيه بنيته المهيكلة في شكل جيد. وكل ما فيه صوره الملتقطة
في شكل مبدع. كل ما
فيه انما هو حياة مدينة تفيق صباحاً وتنام مساء... وبين صباحها ومسائها
يعيش سكانها
حياة عادية لا أحداث فيها ولا مفاجآت... ولم يكن هذا الأمر صدفة في سينما
دزيغا
فرتوف. بالنسبة الى فرتوف، يمكن السينما الا تصور أي شيء سوى
الحياة نفسها... حيث
ان تفاصيل هذه الحياة - التفاصيل الصغيرة طبعاً - هي التي تصنع الحياة
الكبيرة:
حياة البشر في كل يوم. اما اللعبة فإنها
تقوم في ضروب الربط التي يقيمها المخرج
الفنان، بين التفاصيل. حيث إن اختيار وضع تفصيل معين بعد او
قبل تفصيل آخر، هو مجال
الإبداع بالنسبة الى الفنان. هنا يصبح للمعنى معناه، وللصورة دورها. وليس
هذا، في
نهاية الامر، سوى تطبيق متطرف لنظريات ايزنشتاين.
>
نحن هنا، إذاً، وسط العالم المغلق لمدينة. والمدينة هي اوديسا
في الجنوب
الروسي على البحر الاسود المدينة نفسها التي كان ايزنشتاين قبل ذلك بأربع
سنوات، أي
في عام 1925، قد صور فيها الجزء الاساس من فيلمه الكبير «الدارعة بوتمكين»،
غير ان
اوديسا دزيغا فرتوف هي الآن مدينة عادية رتيبة الحياة. وما لدينا هنا هو
الحياة
اليومية في المدينة: منذ الصباح المبكر يستيقظ «البروليتاريون»،
ابكر من غيرهم
وافضل من غيرهم، وما كان يمكن دزيغا فرتوف الأيديولوجي الا ان يرصد ذلك -
اذاً،
يستيقظ «البروليتاريون» في يوم هو مثل كل يوم... ويتسارعون لكي يصلوا الى
معاملهم... الآلات سرعان ما تنخرط في حركتها... والشوارع سرعان
ما تعمر فيها
الحياة... ويصبح الصخب في المدينة واضحاً حيّاً متصاعد الوتيرة. ثم فجأة
تحل
استراحة الظهر حيث ينصرف «البروليتاريون» الى تناول طعامهم. وبعد الطعام
تأتي
القيلولة بالنسبة الى معظم هؤلاء، فيما لا يفوتنا ان نلاحظ بعض
المحظوظين وقد
اتجهوا الى شواطئ البحر حيث يمضون ساعة او بعض الساعة في السباحة
والتنزه... ويكون
ذلك تمهيداً لحلول المساء، الذي اذ يهبط بالتدريج وتبدأ حركته بالولادة من
قلب تعب
النهار... يتغير مسار الصورة كلياً: تبدو الكاميرا بحسب تعبير الناقد كلود
بيلي
وكأنها قد جنّت، وراحت الصور تختلط ببعضها بعضاً... بل راحت
الشاشة تتوزع بين
صورتين وأكثر في الوقت نفسه. ومن الواضح هنا ان فرتوف انما اراد، عبر هذه
القلبة،
ان يرينا كم
ان سلطة هذه العين السحرية، التي هي الكاميرا، سلطة من دون حدود...
مؤكداً لنا ان هذه الكاميرا يمكن ان تكون لها حياتها المستقلة، ويمكن لها
ان تشاهد
ما لا علاقة له بتصوّرنا عن الواقع. ولسوف يقول فرتوف نفسه لاحقاً انه إنما
اراد
عبر هذا كله ان يقول لنا ان «الواقع السينمائي ليس اكثر من
وهم». وبالتالي قد
يتعيّن على المتفرج ان ينتزع سراب هذا الوهم من رأسه، ليحل مكانه جهداً لا
بد له من
بذله بغية الوصول الى «تحليل تعليمي ضروري للوعي الثوري».
>
غير ان الأهم من هذا البعد «الأيديولوجي» التعليمي - الثوري،
انما هو
المكان الذي يبدو دزيغا فرتوف راغباً، من خلال هذا الفيلم، في وضع فن
السينما فيه.
فهو، اذ توخى هنا ان يقدم ما يمكن تسميته
بـ «السينما الخالصة» ها هو يقول لنا ان
السينما بعدما ظلت سنوات طويلة تلت اختراعها، «تسير مقطورة
بالأدب والمسرح» اللذين
اعتبراها مجرد استكمال لهما، (وهي للأسف رضيت ذلك الاعتبار) ها هي الآن وقد
آلت على
نفسها ان تكون لها حياتها الخاصة المستقلة وان تكون لها لغتها الخاصة،
وبالتالي
استقلاليتها التامة كفنّ خالص. طبعاً لم يكن دزيغا فرتوف اول
من نادى بهذا، لكن
الجديد الهامّ هنا هو إلحاحه عليه بكل هذه القوة في «الرجل ذو الكاميرا»
حيث أصبحت
الكاميرا والفنان الذي يستخدمها للتصوير، شخصية اساسية، وانفتح الدرب
مباشرة بين
هذه الكاميرا وصاحبها من ناحية، والمدينة وشتى عناصرها من
ناحية ثانية، بعدما كانت
الدرب تمر أولاً عبر مظهر اللغة الأدبية واداء الممثلين والموسيقى
التصويرية،
والمعنى المباشر...
>
ان ما يقوله لنا دزيغا فرتوف هنا، وبكل وضوح، هو أن من واجب
«الرجل ذو
الكاميرا» ان «يحطم سيرورة ايصال النص كنص، لأن مثل هذا الإيصال يصبح مجرد
لعبة
تغريبية» وان يبدل ذلك بالسير على خطى الحياة نفسها... على خطى الحياة كما
تلوح من
دون وسائط او تزويق امام عين الكاميرا. طبعاً مثل هذا الكلام
قد يبدو اليوم عادياً،
طالما ان عدد السينمائيين والباحثين الذين يؤمنون به، لا يتوقف عن التزايد،
غير أن
علينا ان تتذكر ان هذا كله اتى به فرتوف في عام 1929، أي قبل انقضاء العقود
الثلاثة
الاولى من العمر الحقيقي للسينما - اذا اعتبرنا ان البداية
إنجازات الفرنسي جورج
ميلياس التي كانت المؤسس الحقيقي لفن السينما... لا للسينما كاختراع -
بالنسبة الى
فرتوف المبكر ذاك، كان هذا الاستخدام للصورة، وللتوليف، إعلان ولادة فن
جديد لإنسان
جديد... وهو «لهذه الغاية» بحسب الناقد كلود بيلي، «عرف كيف
يضاعف تجاربه الشكلية
وبحوثه في مجال اللغة السينمائية، متعمداً ان يشتغل على ضروب توليف شديدة
التعقيد».
ومن هنا مثلاً، الأمثلة التي يضربها بيلي:
من تحوّل صورة فرتوف في الفيلم، من غمزة
عين الى لقطة ترينا ابواب محال ومخازن ترفع. او من تحوّله من
امرأة تتبرج، الى صورة
ترينا عملية تنظيف المدينة... ان هذه النقلات هي التي تعطي الدلالة المطلوب
إيصالها
بالنسبة الى المخرج.
>
ودزيغا فرتوف (وهو الاسم المستعار لدنيس اركاديفتشن كوفمان)
ولد عام 1895،
وعاش حتى عام 1954. وهو، اذ كان انضم الى الثورة الروسية باكراً، كان من
ابرز دعاة
تطوير الفنون من مواقع يسارية تماشت مع الثورة اولاً، ثم تمردت على
الستالينية
الجامدة لاحقاً. ولقد عانى دزيغا فرتوف من هذا التمرد ما عاناه،
ومن دون ان يصل
الأمر به الى الانتحار احتجاجاً، او الى النفي والاضطهاد القمعي، كما حدث
مع اناس
من طينة يسينين وماياكوفسكي وتريتياكوف وميئيرهولد. ولقد خلّف فرتوف
افلاماً وكتباً
نظرية عدة، وتعتبر نظرياته في التصوير والمونتاج، من اهم ما عرفه فن
السينما في
تاريخه.
alariss@alhayat.com
الحياة اللندنية في
19/08/2010
«سارة
برنار» بعدسة نادار:
سحر النجوم
وعالم الفن التكنولوجي
ابراهيم العريس
جزء أساسي من أسطورة النجوم خلال النصف الأول، وبعض النصف الثاني، من
القرن
العشرين، على الأقل، بني ليس من حول الأفلام التي قام النجوم ببطولتها فقط،
وليس
فقط كذلك من خلال ما كانت الصحف تكتبه عنهم أو من خلال نوادي المعجبين، بل
أيضاً
وربما في شكل أكثر فاعلية من خلال الصور الفوتوغرافية التي
كانت تلتقط لهم وتنشر
وتوزع. وغالباً ما كانت هذه الصور تعيش حياتها، خارج اطار الأفلام لتسبغ هي
على
النجمة أو النجم هالة الغموض والسحر التي تحيط بها/ به. وكانت هذه الهالة
بالتحديد،
ما صنع أسطورة النجم. فمثلاً، إذا أخذنا غريتا غاربو، وشاهدنا أفلامها، حيث
تتنوع
مشاعرها وتعابيرها تبعاً لمشاهد الفيلم وحواراته والعلاقات
التي تبني موضوعه، ربما
تفقد غاربو سحرها، أو ذلك القسط من السحر الذي يدفع المتفرج، وفي الآن
عينه، من
ناحية الى رغبة التماهي معها، ومن ناحية أخرى الى النظر اليها ككائن هيولي
موجود في
فضاء مرتفع يقع أعلى من البشر، وتحت مستوى الملائكة فقط. هذا
القسط، في المقابل
يتوافر من خلال الصور، وهي تحديداً وفي معظم الحالات صور بالأسود والأبيض،
ذات ظلال
وتدرجات من الأسود الى الأبيض مروراً بشتى درجات الرمادي. صور درست فيها
حركة
الشفاه وخصوصاً حركة النظر، وتوجه الالتفاتة، والعلاقة بين
الموضوع المصور (النجم)
وخلفية الصورة، بعناية مدهشة بحيث ما إن ينظر المشاهد الى الصورة، على
ثباتها، حتى
يحلّق في أسمى ذرى الخيال. ومن نافل القول إن هذا الثبات المضاد لحركية
الصورة
السينمائية كان يلعب دوراً أساسياً في الأمر كله من خلال تثبيت
صورة النجم وتأبيدها
في خيال مبجّله. ومن هنا كان النجم، والوكالات المروّجة لحضوره ووجوده،
يضفي على
الصور الفوتوغرافية تلك الأهمية الفائقة، التي لا تزال حاضرة حتى الآن،
ولكن مع
جرعة زائدة جداً من الابتذال والألوان وما الى ذلك.
>
دراسات عدة، إذاً، وضعت حول النجوم وصورهم. وهي دراسات استندت
الى عشرات
ألوف الكليشيهات التي تعتبر اليوم - وأكثر من الأفلام نفسها - جزءاً
أساسياً من
تاريخ السينما، ومحرّكاً أساسياً للحنين الى قديمها. وهذه الدراسات فرزت،
في هذه
العاصمة أو تلك فنانين واستوديوات تخصصوا في هذا اللون من
الصور («هاركور» في
فرنسا، «فان ليو» في مصر... وغيرهما من مؤسسات وأفراد لا شك في أن نتاجهم
يشكل
العمود الفقري لمجموعات الصور التي صارت اليوم كلاسيكية وبعضها يباع في
المزادات،
وتعتبر مجموعة الانكليزي التشيخي الأصل جون كوبال أشهرها).
وكذلك بيّنت الدراسات ان
ثمة فنانين مصورين تخصصوا في تصوير هذا الفنان أو ذاك، ولا تقل دراسات
الواحد منهم،
عن مستويات جامعية في سبر السيكولوجية العامة للمشاهدين لوضعها قيد التطبيق
حين
تحقيق الصور.
>
وبما أن فن التصوير الفوتوغرافي هو، كغيره من فنون القرن
العشرين، فن
مستحدث انطلق من النشاط التقني ليحوز درع نبله الفني، وكانت له في تاريخه
بداية
محددة، فلا بأس في أن نشير هنا الى أن تصوير النجوم، بالطرق
الساحرة المبهرة،
الغامضة، التي كانوا يصوّرون فيها، كان له جدّ أكبر، لا ينبغي نسيان اسمه
أبداً،
وكذلك ان هذا الجد، وسط اهتماماته وصوره الكثيرة، حدّد بداية «أسطرة النجوم
من طريق
الصورة» عبر تصويره نجماً معيناً. ما يعني ان هذا النجم هو
الذي افتتح لعبة فنية/
تلاعبية/ سحرية، عاشت طوال قرن تقريباً، قبل أن تتهالك خلال العقود
الأخيرة. المصور
اسمه نادار. أما صاحبة الصورة «الأولى» فهي جدّة النجمات جميعاً، سارة
برنار.
>
طبعاً، حين نقول «الأولى» هنا، لا نعني انها كانت أول صورة
فوتوغرافية
لنجم. إذ خلال العقود القليلة التي انقضت بين بدايات فن التصوير في تجارب
نيسيفور
نيابس، العام 1816 (ثم في أول نجاحاته، 1822، قبل ان يلتقي زميله ومواطنه
داغير في
العام 1827، ويخترعان معاً الصورة الفوتوغرافية كما نعرفها منذ
ذلك الحين)، وبين
انجاز نادار في عام 1864، للأشهر بين الصور الكثيرة التي التقطها لسارة
برنار، عرف
فن التصوير تطوراً هائلاً، من الناحيتين الفنية والتقنية، وصُور مئات نجوم
الرسم
والمسرح والأدب والسياسة، كما صُوِّر أناس عاديون ومجرمون ومشاهد من الحياة
اليومية. غير ان الصورة التي نتحدث عنها هنا كانت هي،
بالتأكيد، التي افتتحت عصر
«الغلامور»،
تلك الكلمة الانغلوساكسونية التي تشير الى النجوم الكبار وسحرهم، من
خلال التأثير في الجمهور. صورة سارة برنار هذه الملتقطة حوالى العام 1864،
كانت هي
البداية، لأنها حددت القواعد الأساسية بكونها أول صورة تلتقط لتوجه الى
المشاهد
مباشرة. صحيح ان سارة برنار لم تكن ممثلة سينمائية في ذلك
الحين. بل إن فن السينما
نفسه كان عليه ان ينتظر عقوداً أخرى قبل أن يولد. لكن الأسس كلها موجودة في
هذه
الصورة. ناهيك بأن سارة برنار كانت في ذلك الحين بالنسبة الى الجمهور
العريض في
وطنها الفرنسي، ثم في العالم الخارجي، ما ستكونه غريتا غاربو
ومارلين ديتريش وجين
تيرني وجين هارلو، بالنسبة الى العالم كله. وفي هذا الاطار لا بأس من
الاشارة هنا
الى أن هذه الصورة لم تلتقط خلال اداء برنار أي دور من أدوارها المسرحية،
بل ان
الصورة لا علاقة لها بالمسرح، بالنظر الى ان اللقطة المكبرة هي
خاصية من خواص
السينما. في المسرح اللقطات دائماً عامة وللشخصيات، نجوماً كانوا أو
كومبارساً،
الأحجام نفسها التي يشاهدون بها انطلاقاً من الصالة. ومن هنا، فإن
سيكولوجية
التعبير، على الخشبة كانت حركية جسدية لا أكثر. هذه
السيكولوجية ستصبح تعبيرية في
السينما ناهيك بكونها دائماً تعبيرية في الرسم، لكن هذه حكاية أخرى. ومن
هنا حين
ظهرت هذه الصورة ونشرت في الصحف كما في ملصقات خاصة، حدث ذلك الانقلاب
الأساسي في
علاقة المتفرج بالنجم. صارت العلاقة مباشرة وحميمة، تخضع كلياً
للاعتبارات
السيكولوجية. ويقيناً ان نادار وسارة برنار، حين حققا هذه الصورة، كانا
يدركان هذا
كل الإدراك، حتى وإن لم يكن في وسعهما منذ ذلك الحين ان يتنبآ بالأهمية
التي
ستتخذها لعبة التماهي السيكولوجية هذه بين البشر العاديين
والنجوم طوال القرن
العشرين، أو ان يدركا انهما كانا يخترعان في تلك اللحظة شيئاً جديداً.
فأولاً، هناك
في الصورة تلك الخلفية التي تبدو هلامية لا تنتمي الى مكان. كما لو أن
الجسد والوجه
والحركة والتعبير كلها موجودة في الفضاء في أقرب مكان الى
الملائكة. ثم هناك الجسد
الذي حتى وإن كان لا يبرز الكثير منه، يوحي بحضوره القوي بل الطاغي من خلال
عشوائية
ثوب رتّب في شكل يجعله يبدو دخيلاً على الصورة، بمعنى ان المتفرج يعيش خيال
ازاحته
أو وجوده الطارئ. ولنضف الى هذا اختفاء اليد اليسرى تحت الثوب
مقابل حضور قوي لليد
اليمنى، ما يوحي بأن اليد اليسرى تتهيأ للظهور ومن خلالها الجسد كله، تصبح
اللقطة
كلها على رغم ثباتها الأبدي، لقطة توحي بحركة على المشاهد ان يحلم بها.
والحال ان
النظرة الساهمة اليقظة في الآن عينه، في هدوئها المستسلم
والموغل بعيداً وقريباً في
الوقت نفسه، تخلق ذلك الصراع الذي من شأنه أن يفتن المشاهد ويجعله في حيرة
من أمر
توقعاته، هو الذي يكون بروز الكتف العارية قد أمعن في رسم هذه التوقعات في
خياله.
فهل لنا أن نشير هنا الى أن هذا «الصراع» المتوهم في الصورة بين ثبات أبدي
تؤمنه
النظرة وتوجّه الوجه والعنق الى خارج الكادر في شكل يوحي باللامبالاة ازاء
المشاهد،
وبين التوقع الذي يثيره الجزء الباقي من الصورة، كان السلف الأكبر لحال
السيطرة
والتلاعب التي اشتغل بها مبدأ النجومية وأسطوريتها على مئات
ملايين المتفرجين؟
>
ربما لم يكن نادار مدركاً وهو يحقق هذه الصورة التي لا تزال
حتى اليوم
قادرة على بعث حياة استثنائية تتأرجح بين المشاهد والنجم، انه يصنع بداية
تاريخ،
لكنه كان يعرف بالتأكيد انه يصنع تحفة فنية انطلاقاً من مادة بشرية حية
اتسمت بكل
الأبعاد الملائكية المطلقة. فهو المولود العام 1820 في باريس
(واسمه الأصلي غاسبار
فليكس تورناشون)، والذي سيرحل بعد تسعين عاماً، في المدينة نفسها، كان
بطبيعته
فناناً أكثر منه تقنياً. وكان فاعلاً في الحياة الفنية والأدبية الفرنسية.
صحيح ان
الصور الكثيرة التي التقطها، وفي مراحل مختلفة، لسارة برنار
تظل أشهر أعماله، لكنه
كان هو الذي خلّد لحظات مدهشة وتعابير قوية، من حياة معظم فناني وأدباء
عصره، الذين
من دون صوره، كان سيصعب علينا كثيراً أن نعرف شيئاً عن ملامحهم
وسيكولوجيتهم
الحقيقية.
alariss@alhayat.com
الحياة اللندنية في
20/08/2010
مسؤول مهرجان البندقية:
السينما حيوية و
«موسترا»
مكان دائم لتأكيدها
روما - عرفان رشيد
سار عبرها كلّها، أدار مهرجانات بيزارو وروتردام ولوكارنو والآن يُدير
فينيسيا
منذ أربعة أعوام. وعبَرَ كل مجالات السينما، إدارة وكتابة ونقداً وإنتاجاً،
لكن من
دون أن يُجرّب الوقوف وراء الكامير، وإن كان الذين يعرفونه لا يستبعدون أن
يفعل ذلك
يوماً ما.
إنه ماركو موللر، مدير مهرجان البندقية «فينيسيا» السينمائي الدولي،
الذي يقود
هذه السفينة في بحر الأزمات المتلاطم وربما كانت الفترة التي يدير فيها
المهرجان
أصعب مرحلة يمر بها المهرجان، وليس المهرجان وحده، بل السينما والثقافة في
شكل
عام.
قبل أسبوعين من انطلاق الدورة الـ٦٧ للمهرجان تحدّث ماركو موللر إلى
«الحياة»
مؤكداً أن التحدي الوحيد الذي شعر به كان سعيه الى تأكيد حيوية السينما
وبراعة
السينمائيين (مخرجين وإنتاجاً) على ابتداع طرائق وأساليب
للدوران حول الأزمة
والتخفيف من أعبائها وتداعياتها.
·
باستثناء اثنين من ضيوفك لهذا
العام، فإن جميع المخرجين هم دون السابعة
والأربعين من العمر. هل هذا الاختيار مصادفة أم أنك أردت
التأكيد على أن السينما
شابة على رغم كل شيء؟
-
إنها إشارة واضحة الى أن «الموسترا» (أي «المعرض الدولي للفن
السينمائي» في
فينيسيا) تعود اليوم لتُصبح ما كانت عليه في الخمسينات والستينات من القرن
الماضي.
أي أنها تُصبح الفضاء الذي يعاد فيه كتابة
وصياغة ما يحدث داخل عالم السينما، ليس
اليوم فحسب، بل أيضاً ما سيحدث فيه في الغد وفي المستقبل.
·
ما الذي يحدث اليوم إذاً؟
-
لم يحدث في الماضي أبداً أن كانت اختيارات «الموسترا» كما هي
في هذا العام. إذ
تأتي الأفلام، في غالبها لتعبّر عن روحية الحاضر الذي نعيش في ظله، أعني
الواقع
المعاش، لكن مُعبّراً عنه بكل حركيته واصطراعه. ما أردنا الوصول إليه بهذه
الاختيارات هو التعبير عن حركية السينما وحيويتها.
·
الحاضر يعني أيضاً العيش في ظل
الأزمة الاقتصادية وتداعياتها على الحياة في
شكل عام، وعلى الثقافة في شكل خاص، سيما أن أول ما ينال منه
مقص الحكومات في
استقطاع الموازنة هي الثقافة. موقعك أتاح لك فرصة لمس الواقع السينمائي
العالمي، كم
أثّرت الأزمة الأخيرة على السينما برأيك؟
-
ربما نَقَصَ عدد الأفلام وربما طُلب إلى بعض الأسماء الكبيرة
في عالم السينما
الانتظار لبرهة من الوقت حتى تمر العاصفة، كأنْ طُلب إليهم أن يُرجئوا
لبضعة شهور
مشاريعهم الكبيرة التي كانت مُعدة للانطلاق. لكن المهم هو أن تلك المشاريع
موجودة
ومُهيأة للإنجاز، ويكفي أن نُذكّر بفيلم تيرينس مالّك، الذي
كان ينبغي أن يكون معنا
في المهرجان، لكنه لم ينته بعد، ومع ذلك ثمة فرصة في أن يُنجز فنان كبير
مثل مالك
فيلماً كل ثلاث سنين، هذه الفرصة لا تزال موجودة. ما هو مثير للاهتمام
والحماسة
أيضاً هو ابتداع واستنباط طرائق وأساليب إنتاجية جديدة تماماً
استعانت بتجارب
الماضي. لم يحدث منذ فترة طويلة أن نلتقي بعدد كبير من الأفلام التي أُنجزت
بموازنات لا تتجاوز المليون دولار، أو المليونين وثلاثة ملايين دولار، وقد
اقترنت
في هذه التجارب المقدرة الإنتاجية والبراعة الإبداعية معاً لتُنجز تجارب
مدهشة
حقاً.
·
هل لنا بنموذج على ذلك؟
-
نعم. خذ مثلاً المخرج الإيطالي (الأوسكاري عن فيلم «المتوسط»
في عام 1992/
م.م.المحرر ) غابرييلي سلفاتوريس الذي أنجز مشروعه الجديد «١٩٦٠» والذي لم
يتحدث
عنه أحد حتى الآن، إنه مشروع رائع لفيلم روائي يروي ويميط
اللثام عن إيطاليا إبّان
الانفجار الاقتصادي في مطلع الستينات، وذلك من خلال قصة عائلة فلاحية جاءت
أصولها
من مقاطعة كلابريا الجنوبية هذه العائلة تصل إلى الشمال للحّاق بأبناء
العائلة
الذين اضطروا الى الهجرة قبل ذلك بقليل. حسن، إنه فيلم روائي
لكنه استعان في شكل
رائع بمشاهد أرشيفية تاريخية. إنها تجربة فريدة من نوعها اغتنت بموسيقى
تصويرية
استثنائية. هذا الفيلم يتيح لي الفرصة كي أقول أن في إمكان المخرجين
التخلّي عن
كثير من الترف لكن ليس في إمكانهم التخلّي
عن الترف الهائل والجميل الذي تحققه
الموسيقى التصويرية، والتي لا يمكن التنازل عنها بأي شكل من الأشكال
والتعاون مع
الموسيقيين الكبار.
صدفة ما
·
ربما كانت مصادفة أن يكون عنوان
فيلم سلفاتوريس (١٩٦٠) وهو يحتفل بعيد
ميلاده الستين…
- ...
بالتأكيد، هي مناسبة سعيدة من دون شك وتزامن جميل.
·
في برنامجك لهذا العام إنجاز
آخر، فعلى رغم أن المهرجان سيفتقد إحدى صالاته
الأساسية رفعت عدد الأفلام المشاركة في المسابقة والتي سيبلغ
عددها يوم السادس من
سبتمبر، عندما ستُعلن عن عنوان واسم مخرج فيلم المفاجأة وعن اسم مخرجه، ٢٤
فيلماً،
وهو رقم كبير بالقياس إلى إمكانات الوقت والصالات. لهل كان تحدّياً أم أن
عدد
الأفلام التي تستحق المسابقة هو الذي فرض عليك هذا الخيار؟
-
تمكّنا من ترتيب أوضاع الصالات ولن تتأثر مشاهدات النقاد، لذا
لا تقلق فسيكون
في إمكانكم مشاهدة كل الأفلام في شكل مريح. من جانب آخر لم يكن بإمكاني
التضحية بما
كان يستحق موقعاً في البرنامج الرسمي، اضطررت إلى التخلّي عن بعض الأفلام،
وضحّيت
ببعض مساحات البرامج الاستعادية لمصلحة البرنامج الرسمي الذي
لم يكن مناسباً إلاّ
بالشكل الذي ستجدونه خلال المهرجان.
·
أنت مشرقي الهوى، شرقي الثقافة،
ما الذي يأتينا من الشرق الآسيوي في هذه
الدورة؟
-
ثمة حيوية كبيرة في آسيا، ينبغي النظر إلى المسابقة الرسمية
وأفلام خارج
المسابقة وبرنامج آفاق لتُدرك مقدار تلك الحيوية وما تكتنز من طاقات
إبداعية مذهلة
والاتجاهات الجديدة التي تظهر وتتطوّر في شكل سريع.
·
بعد حضور كبير السينما الروائية
العربية في السنة الماضية هل ثمة جديد في
رؤيتك إلى تلك السينما؟
-
نعم، الجديد يتمثْل في أننا سنقدّم السينما العربية في هذه
السنة عبر الوثيقة
منطلقين من القناعة بأن ما يُطلق عليها السينما الوثائقية قادر على إنتاج
وكتابة
مئات القصص والدرامات. فلكي ألتقي بفيلم شبيه بشريط ماهر أبى سمرا «عندما
كنّا
شيوعيين» إن عليّ أن أعود إلى الوراء عقوداً وإلى زمن الحرب
الأهلية اللبنانية،
وأخص بالذكر شريط الراحلة رندة الشهّال الصبّاغ «حروبنا الطائشة» مثلاً.
شريط ماهر
يُشبه ذلك في توجهه في الولوج إلى صلب حكايا وقصص الكثيرين. أعتقد أن من
يُجيد صنع
السينما الوثائقية، إنما هو قادر على العمل من أجل أن تكون
للشخصيات أصولها وقيمتها
وقوامها، أي هويتها الضرورية لرواية تجربة حياة.
أما «ظلال» ماريان خوري ومصطفى الحسناوي فهو البعد الذي كان ينقصنا
حتى الآن
لقراءة المجتمع المصري والسينما المصرية، التي للمناسبة اعتادت على تقديم
من يعاني
من مرض أو إصابة عقلية، في شكل كاريكاتيري. في حين نجد أنفسنا إزاء هذا
العمل كما
لو كنّا أمام مرآة عاكسة لكل تناقضات ومعاناة المجتمع المصري
اليوم.
·
بالتأكيد سيكون هذا الفيلم صدمة
أيضاً في إطار ثقافة العلاقة مع «الآخر
المختلف عنّا». ماذا عن الحركة الجديدة في السينما العراقية ما
بعد سقوط نظام صدّام
حسين؟
-
ثمة ما هو أيجابي على صعيد السينما في العراق في شكل مؤكد، لقد
أتيح لي في هذه
الدورة أن أشاهد فيلماً عراقياً واحداً، وقد ترددنا حوله حتى اللحظة
الأخيرة. إنه
فيلم «كرنتينة» لعدي رشيد. يؤسفني حقاً أن هذا الفيلم لم يتمكّن من الحصول
على موقع
له في البرنامج على رغم أنه بقي لوقت طويل ضمن قائمة اختياراتنا المحتملة.
هذا
الفيلم يُدلل على حيوية قد لا يتوقّعها الكثيرون من السينما
العراقية. خلال السنين
الأخيرة لمسنا وجود أساليب وتيارات وطرائق إنتاج متباينة في العراق. وهذه
الأفلام
تبدو للمرة الأولى بأنها ليست أفلاماً مُصاغة على الطاولة من قبل منتجين
أجانب لا
يعرفون ذلك الواقع.
·
ومن أميركا؟ ما الذي سيعرض
المهرجان من أميركا اليوم؟
-
يكفي أن ننطلق من فيلم ليلة الافتتاح «البجعة السوداء» والذي
سيضع أمامنا،
إضافة إلى المخرج دارّين آرونوفسكي، الفائز بالأسد الذهبي قبل عامين بفيلمه «المصارع»، كلاً من ناتالي بورتمان وميلا
كونيس وفنسان كاسّيل، وهو ليس أميركياً
لكنه يؤدي بطولة فيلم أميركي، وسيحضر روبيرت رودريغويز بنجومه
روبيرت دي نيرو داني
تريو وجيسّكا آلبا وستيفن سيغال. ثم أن هناك صوفيا كوبولا وفنسان غالّو
وغيرهم.
·
وإلى جانب هؤلاء ثمة أميركي عربي
الإنجاز، أي جوليان شنابيل الذي سيقدّم
«ميرال»
الذي كتبت قصّته الفلسطينية رولا جبرائيل!
-
نعم بالتأكيد، وهو دلالة على أهمية أن تواصل «الموسترا» متابعة
إنجاز المخرجين
«الرُّحَّل»،
والذين لا نجدهم أبداً متوقّفين في المكان الذي تركناهم فيه. في
المرات السابقة. إنهم مبدعون لا يكتفون بالقناعة بحدود السينما بل يسعون
دائماً
للبحث عمّا هو جديد ومُحفّز في الفنون التشكيلية والبصرية وفي
المسرح وفي الاتجاهات
الموسيقية الجديدة، كما هي الحال مع الإيطاليين سافيريو كوستانسو وآسكانيو
تشيليستينو.
الحياة اللندنية في
20/08/2010
جسيكا ألبا:
أدوار الشر لا الخير تجذبني
الى السينما
باريس – نبيل مسعد
نجحت جسيكا ألبا النجمة السينمائية الأميركية ذات الجذور الجنوبية في
تسلق سلم
الشهرة عندما شاركت في العام 2003 في الفيلم الرومانسي الاستعراضي الناجح
والموجه
أساساً إلى المراهقين «عسل»، فقد فتح أمامها هذا العمل أبواب أفلام الشباب،
مثل
«مدينة
الخطيئة» و «العظماء الأربعة» المأخوذين عن كتب الرسومات «كوميكس» ذات
الرواج الكبير خصوصاً في الولايات المتحدة. وانتقلت ألبا في ما بعد إلى
اللون
المخيف عبر أفلام «اليقظة» و «أزرق مثل جهنم» و «العين» قبل أن
تمارس الكوميديا في
«شارلي»
و «زعيم الحب» ثم العاطفة في «عيد الفالنتاين».
وها هو فيلم «القاتل في نفسي» للسينمائي البريطاني مايكل وينتربوتوم
ينزل إلى
صالات العرض العالمية وفيه تؤدي ألبا شخصية فتاة هوى في قرية أميركية صغيرة
وتقرر
تغيير نمط حياتها عندما تلتقي نائب عمدة القرية وتقع في غرامه من دون أن
تعلم أنه
سفاح من الدرجة الأولى متخصص في قتل النساء بعد اغرائهن
بوسامته وكلامه
المعسول.
يتضمن الفيلم العديد من المواقف العنيفة جداً من بينها المشهد الذي
تلاقي فيه
العاشقة مصرعها على يد حبيبها المزعوم، غير أنه من النوع الكاتم للأنفاس من
أوله
إلى آخره ويشكل بالتالي مرحلة جديدة في مسيرة ألبا السينمائية بعد
الكوميديا
والرومانسية والمغامرات والخوف.
زارت ألبا باريس للترويج لفيلمها الجديد فالتقتها «الحياة» وحاورتها.
·
ما الذي جذبك في شخصية المرأة
التي تعتقد بأنها عثرت على الحب الحقيقي
بينما تكون التقت قاتلها في الحقيقة؟
-
لقد عُرض عليّ دور آخر في الأساس هو ذلك الذي أدته كيت هادسون
في النهاية أي
المرأة الهادئة العاقلة المتزوجة من رجل يخونها ويقتل النساء هنا وهناك
مستخدماً
مكانته كمساعد لعمدة القرية لمحو أثار جرائمه المتتالية. وكنت قد قرأت
السيناريو
ووقعت على الفور في غرام المرأة الثانية، فتاة الهوى التي
تتعلق بحب خيالي معتقدة
أنها سأستطيع تغيير نمط حياتها واعتماد سلوك جديد وشريف في صحبة رجل وعدها
بالزواج
والاستقامة. لقد صارحت المخرج وينتربوتوم برأيي هذا وأقنعته بمنحي الدور.
أنا أعتقد
دائماً بأن أدوار الشر، أو على الأقل تلك التي تتأرجح بين
الخير والشر، تشكل ميزة
إضافية بالنسبة للممثل بالمقارنة مع الشخصيات المتزنة الفاعلة للخير
وحسب.إن
الأبطال السينمائيين لا يعنونني بقدر ما أهتم بالأشرار فوق الشاشة.
·
ما سبب هذه الأفضلية؟
-
السبب هو أن الدور المبني على نفسية متقلبة يسمح لمن يؤديه
بتقديم نبرات
تمثيلية ثرية وبالتفتيش في أعماق نفسه عن عشرات الثغرات التي ستسمح له
بتقمص مثل
هذه الشخصية على عكس البطل المطلق فاعل الخير في كل المناسبات ومنقذ
البشرية.
·
هل تفضلين الأشرار في الحياة
الحقيقية أيضاً؟
-
لا بطبيعة الحال وأنا لا أمزج بين الفن والحياة الواقعية أبداً.
·
لكنك قلت أن الممثل سيفتش في
أعماقه عن الثغرات التي ستسمح له بتأدية الشر
على أفضل وجه؟
-
أجل لأن لكل واحد منا في قرارة نفسه المقومات التي قد تحوله
إلى شرير أو إلى
فاعل خير، وتتلخص الحكاية في رأيي في تغلب فئة من هذه المقومات على الثانية
تبعاً
لظروف عدة وأيضاً لنسبة قوة كل منهما بالمقارنة مع الأخرى. لقد فتشت فعلاً
في
شخصيتي المدفونة عما كان في إمكانه أن يحولني منذ بدايتي في
الحياة كانسانة بالغة
إلى امرأة غير شريفة تسعى إلى كسب المال السهل. وهذا ما وضعته في الفيلم أو
على
الأقل دمجته بما هو مدون أصلاً في السيناريو في شأن شخصية هذه المرأة
والدوافع التي
تحركها.
·
تنتقلين بسهولة بين الألوان
السينمائية المختلفة وذلك منذ بدايتك الفنية،
كيف تفسرين ذلك علماً أن العدد الأكبر من الممثلات يشكو من
التخصص؟
-
سارت الأمور بسلاسة تامة منذ بدايتي الفنية ومن دون تعقيدات
كبيرة، لأنني أعيش
من وراء مهنتي كممثلة ولا أعرف معنى البطالة مثل العديد من الممثلات اللاتي
يبدأن
في السينما أو المسرح ثم يجدن أنفسهن بعد عمل أو اثنين يعانين من قلة
العروض
المطروحة عليهن. وأعتقد بأن المسألة تتعلق، في حالتي، بعنصرين
هما الحظ، وهذا لا
أتحكم فيه بالمرة، ثم القدرة على انتهاز الفرص، وهنا أقول انني أتدخل في
قدري ولا
أترك الأمور تسير من دون أن أمسك بزمامها. وعلى سبيل المثال ما ذكرته في
شأن
محاولتي إقناع المخرج وينتربوتوم بمنحي دور المرأة غير الشريفة
فضلاً عن البطلة
المثالية في فيلم «القاتل في نفسي». صحيح أنني قادرة على مثل هذه الأمور
الآن بعدما
كونت لنفسي سمعة في المهنة وشهرة لدى الجمهور العريض، ولكنني على رغم ذلك
حاولت منذ
اليوم الأول أن أتدخل إلى حد ما في كل ما يحدث لي، ولو في شكل طفيف وموزون
حيث يثبت
قوة شخصيتي وإرادتي من دون أن يضايق أصحاب القرار أو يجعلهم يكرهونني
ويصنفونني في
قائمة غير المرغوب بهن.
بالحرف الواحد
·
ماذا كنت تفعلين مثلاً؟
-
كنت أقترح على المخرج في كل مرة إدخال بعض التعديلات في
الشخصية الممنوحة لي،
إذ أجعل منها دائماً امرأة شابة قوية العزيمة تعرف ماذا تريد وإن كانت تخطئ
في
خياراتها وفي السبل التي قد تؤدي بها إلى تحقيق طموحاتها. فعلتُ ذلك منذ
فيلمي
الأول «عسل» ولم أخفْ المجازفة بينما كان في الإمكان أن أخسر
الدور، فيذهب الى
ممثلة ثانية تفعل ما هو مطلوب منها بالحرف الواحد من دون أن تفتح فمها. أنا
ألعب
بحظي وأفضل ذلك على قبول ما لا يعجبني أو يناسبني. وهكذا استطعت تجربة
العديد من
الأنواع السينمائية ورفضت السيناريوات التي جاءت مشابهة لما
كنت قد فعلته من قبل،
وتدخَّل الحظ في الموضوع فاتحاً أمامي مجال الأدوار المتنوعة من دون طول
انتظار بين
فيلم وآخر على رغم رفضي الكثير من العروض. أنا أعتبر نفسي محظوظة وعنيدة في
آن
معاً.
·
كيف كانت علاقتك في أثناء
التصوير مع الممثل كيزي أفليك الذي أدى دور
الحبيب القاتل؟
-
كانت علاقتنا جيدة ولكنها لم تتعدَ حدود الأدب والذوق، وأعني
أنها لم تؤدِ إلى
صداقة حميمة، على الأقل طوال فترة التصوير، ذلك أن أفليك كان يفضل التركيز
على دوره
الصعب والحفاظ على حد ممنوع عبوره لكل من كان يشاركه بطولة الفيلم حتى لا
تلتقط
الكاميرا ولو ثغرة من هذه العلاقة الودية في النظرات مثلاً أو
أي شيء غير ذلك، فهو
يؤمن بأن الكاميرا تفضح أسرار الممثلين وإن اختبأوا وراء الشخصيات التي
يمثلونها.
·
ماذا عن اللقطات الحميمة بينك
وبينه؟
-
تمثيل في تمثيل وموهبة وشهادة من مدرسة الدراما.
الخطأ ممكن
·
المشهد الطويل الذي يضربك فيه
قبل أن يغتالك سيعد بلا شك من أكثر المواقف
عنفاً في السينما، فهل كان تصويره شاقاً؟
-
نعم أنه أصعب مشهد مثلته في حياتي حتى الآن خصوصاً أنه تطلب
العديد من
التدريبات قبل تصويره من أجل أن أتعلم تفادي اللكمات وأن يتعلم أفليك بدوره
منحها
في شكل مزيف. وأعترف بأنني شعرت بالخوف من أن تصيبني ضربة عنيفة وذلك لمجرد
أن
الخطأ ممكن من الطرفين، ولكن الأمور سارت على ما يرام إلا أن
الإرهاق النفسي
انتابني عقب الانتهاء من تصوير المشهد وبقيت عشرين ساعة نائمة ومتعبة إلى
حد لم
أعرفه من قبل بالمرة.
·
جذورك جنوب أميركية فهل تشعرين
بارتباط ما مع أصولك؟
-
من هذه الناحية أعشق الأطباق المكسيكية وأتردد إلى مطاعم
مكسيكية في لوس
أنجليس أربع مرات في الأسبوع، وربما أكثر.
·
وهل أنت رياضية؟
-
نعم إلى حد ما خصوصاً في الرقص وإلا لما استطعت أداء المشاهد
الاستعراضية في
فيلم «عسل». أنا أجيد الرقص الكلاسيكي مثل الباليه والفالس والتانغو ثم
الحديث من
روك أند رول إلى مامبو إلى سالسا إلى دانس. أحب الرقص جداً وأعتبره خير
تسلية في كل
الأوقات كما أنه من الأشياء النادرة القادرة على التخفيف من
همومي إذا وجدت.
·
ما هو لونك المفضل في السينما؟
-
أنا كمتفرجة مولعة بأفلام الحب الرومانسية التي تنتهي بطريقة
مأسوية مسيلة
للدموع بينما كممثلة أفضل المشاركة في كل أنواع الأفلام مثلما فعلته حتى
الآن.
وربما أنني في قرارة نفسي أعشق التمثيل
الكوميدي الذي هو أصعب في النهاية من
الدرامي أو المخيف، ولكنني لا أرغب في التخصص بالمرة.
·
من هم نجومك المفضلون؟
أنا مولعة بمشاهير أيام زمان، وبالنسبة الى الرجال أشعر بميل خاص جداً
تجاه
روبرت ريدفورد وإن كان لا ينتمي إلى نجوم أيام زمان بل نصف زمان فقط، وهو
لا يزال
يمثل ويخرج للسينما. أما غير ذلك فأذكر كلارك غيبل وغاري كوبر وجون واين
وريشارد
ويدمارك والفكاهي المكسيكي كانتنفلاس. ومن نجوم الزمن الحالي
أحب جوني ديب أكثر من
غيره، ومن الممثلات أهوى نيكول كيدمان.
الحياة اللندنية في
20/08/2010 |