في العام 2007 وبمجرد استقالة رئيس الوزراء البريطاني، السابق توني
بلير، أعلن محرر الأخبار السياسية والروائي البريطاني الشهير روبرت هاريس
ترك عمله في الصحافة ليتفرغ تماماً لكتابة رواية جديدة له أطلق عليها
«الشبح». هاريس كان أحد أشد المؤيدين لبلير والداعمين له، بل إنه كان
صديقاً مقرباً منه. اختلف الاثنان حين أقال بلير صديقهما المشترك بيتر
مانديلسون، ثم بلغ الخلاف حده مع مواقف بلير الصادمة تجاه الحرب على
العراق.
خرج كتاب هاريس إلى النور بعد شهور قليلة من استقالة بلير، كان عبارة
رواية قدمت تحت عنوان «الشبح»، تصور أحداث واقعية معاصرة عاشتها بلاده إبان
فترة توني بلير.
روايته تدور حول كاتب بريطاني هو الكاتب الشبح، يوافق على إتمام
مذكرات رئيس وزراء بريطاني أسبق يدعى أدم لانغ. الفرصة التي يظنها الكاتب
فرصة العمر يتضح ومنذ البداية أنها تجربة مشئومة مليئة بكثير من المخاطر
والمتاعب، على الأقل لأنه جاء ليتمم مهمة غير مكتملة لكاتب سبقه في كتابة
المذكرات لكنه توفي في حادث غامض.
أثارت الرواية كثيراً من الجدل، وصلت لمخرج هو الآخر مثير لجدل كثير،
هو رومان بولانسكي، ليحولها لفيلم يثير كثيراً من الجدل والتساؤلات، أصبح
اسمه «الكاتب الشبح»
The Ghost Writer
.
أين تكمن أهمية هذا الفيلم، في قصته التي نشرت حولها صحيفة «النيويورك
اوبسريفر» مقالاً تحت عنوان «مشروع سرقات بلير» قالت فيه إنه إذا كان ما هو
وارد في الرواية صحيحاً فإن ذلك ينبئ بالكثير عن تاريخ بريطانيا الحديث».
أم هل تكمن تلك الأهمية في فكرة اللجوء إلى الرواية ومن ثم السينما في
كشف واقع سياسي معاصر. لمناقشة الفيلم وللإجابة على بعض من تلك التساؤلات،
حاورت «الوسط» مدير تحرير الصحيفة وليد نويهض.
يعتمد الفيلم على رواية تصور أحداث واقعية
Roman a Clef وتشير إلى شخصيات معروفة بكل وضوح وبدون أي محاولة للمداراة من قبل
الكاتب. هل يعود هذا لمناخ حرية غير مألوف لدينا في الكتابة، وهل هو موقف
يحسب للكاتب الذي يحاول الكشف عن حقائق يرى ضرورة كشفها، أم إن الأمر لا
يتعدى كونه تصفية حسابات؟
معروف أن روبرت هاريس كاتب الرواية كان مقرباً من رئيس الوزراء
البريطاني الأسبق توني بلير، وأشيع أنه كان غاضباً منه بسبب إقالته لبيتر
ماندلسون، صديقهما المشترك، وإنه كان من المعارضين لموقف بلير من الحرب على
العراق.
- تكمن أهمية الفيلم في إشارته لوجود خيط سري رفيع يربط ما بين الظاهر
والباطن، ما هو مكشوف وما هو خفي، ففكرة الكاتب الذي يلعب دور كاتب الظل
لرئيس الوزراء السابق، فيها إشارة إلى قيادات الظل وحكومات الظل. وكاتب
الفيلم يدخل من هذه الفكرة إلى فكرة عالم المخابرات، العالم السفلي الذي
تدار فيه شبكة من العلاقات غير المرئية التي لا تظهر على السطح. ما نراه
فقط دمى سياسية تقوم بأدوار معينة وإذا خرجت هذه الدمى عن دورها يتم
استبدالها بقوى أخرى. وأحياناً تلعب الدمية دورها دون أن تدري بأنها تنفذ
سياسة أكبر من الدولة التي تمثلها. الفكرة في الأساس هي فكرة سياسية بنى
عليها المؤلف السيناريو كما بنى عليها المخرج المهم رومان بولانسكي مجموعة
مشاهد تريد أن تقول بأن العالم الذي نراه يومياً ليس بالضرورة هو العالم
الحقيقي وأن من يقود السياسة على شاشة الفضائيات أو التلفزيون أو في
البرلمان أو على المنابر السياسية ليس بالضرورة هو من يدير دفة الأمور في
الحكم. هناك قوى وأجهزة ومؤسسات وشبكة من العلاقات تشرف على الإدارة من دون
أن يدري المواطن ومن دون أن يشاهد ذلك على الشاشة. هذه القوى الخفية ممكن
أن نطلق عليها الجندي المجهول أو صانع السياسة المجهول أو صانع القصص
المجهول. الفيلم يركز على فكرة الكاتب الظل أو الكاتب الشبح الذي يأخذ
المعلومات ويعيد تطويرها وصياغتها وتركيبها وإخراجها إلى العلن باسم
السياسي، رئيس الوزراء، الوزير، النائب أو أي قائد أخر ومن دون أن يظهر هذا
الكاتب الحقيقي على المنبر أو الشاشة.
هذه هي الفكرة المركزية التي انطلق منها للإشارة إلى مجموعة نقاط
أخرى، منها نقد السياسة البريطانية في عهد توني بلير، تبعية السياسة
البريطانية للولايات المتحدة الأميركية، انخراط بريطانيا في عالم مخابراتي
يتجاوز القانون ولا يحترم حقوق الإنسان ويتبع لغة مزدوجة وازدواجية في
المعايير والمواقف لتبرير مصالح دولة ليست هي الدولة البريطانية.
من هنا يتمدد الفيلم لمجموعة عناصر أخرى من بينها الإشارة إلى أن
القطاع المتعلم والراقي مخترق وذلك من خلال الإشارة إلى الدكتور في جامعة
هارفرد وتأثيره على تلامذته ومن ثم اختياره لتلميذة ذكية لمواصلة علومها في
جامعة كامبريدج أو أكسفورد. كذلك تعرف شيري على توني بلير وزواجها منه ومن
ثم انتقاله إلى موقع رئيس الوزراء البريطاني. هذه التداعيات أراد الكاتب من
خلالها أن يقول إنه حتى المستويات الأكاديمية العليا من أطباء ودكاترة
وفلاسفة ومفكرين وعلماء اجتماع هم أيضاً ليسوا على مسافة بعيدة من عالم
المخابرات أو بالتحديد العالم الخفي.
هل تستدعى الرغبة في كشف هذا العالم وهذه الحقائق أن تعرض حياة
الأشخاص الخاصة وبالشكل الذي عرضه الفيلم. هل الهدف من الفيلم فعلاً هو كشف
هذا العالم أم إن هناك أسباب شخصية تقف وراء الأمر؟
- لاشك أن هناك دافع ذاتي وهذا من أسرار سحر الديمقراطية الغربية
وجاذبيتها. عنصر الجاذبية في الديمقراطية الأوروبية أنها تقوم على ثنائية
النعم واللا، وتداول السلطة وهذه نقطة مهمة جداً لأنها تترك المجتمع في
حالة نقاش وفي حالة تقدم وحيوية دائمة. وبالتالي فإن المواطن الذي يذهب
للاقتراع كل أربع أو خمس سنوات لا يدرك أن هناك قوة موازية إلى جانبه وإذا
أدرك فإنه يستطيع تفهم الأمر واستيعابه ولا يشكل ذلك إهانة له باعتبار أن
المؤسسة في جميع القطاعات ستسمح له بنقد هذه الظاهرة على مستوى التأليف
والكتابة والفكر النقدي والصحافة اليومية إذ يستطيع أي إنسان من دون كابح
أو مانع أن يدلو بدلوه وينتقد هذه السلطة الخفية ويتعرض إلى هذا العالم
السفلي الذي يدير الأمور من وراء الستار. ولأن الدولة هناك تسمح للمواطن
بهذا الهامش من الحرية فلا يشعر المواطن بوجود نوع من التناقض بينه وبين
هذه المؤسسات على اعتبار أن هذا التناقض يؤدي في النهاية إلى نوع من
التعايش والتعايش يؤدي إلى الاستمرارية وإلى التبادل في المواقع.
في أوروبا وفي الولايات المتحدة الأميركية هناك ما يسمى بالمؤسسات
الثابتة التي لا تتغير إلا ببطء وهناك التحولات السريعة التي تظهر على
المنظر، لكن تبقى المؤسسة.
وبالتالي فإن القوى البيروقراطية التي ترسم وتخطط وتضع البرامج وتشرف
على تنفيذها وتلاحقها تستمر أما الرئيس الذي ينتخب لفترة محدودة ومعينة لا
يستطيع أن يتفرغ لدراسة كل الملفات. فهناك قوى تدرس هذه الملفات، من هي هذه
القوة هذا هو السؤال الكبير.
هنا تكمن قوة الفيلم فهو يتعرض إلى رئيس وزراء لم يغادر السلطة إلا
قبل أربع سنوات وهو لايزال موجوداً ويتبوأ مناصب ومواقع مهمة على المستوى
الأوروبي والدولي ورغم ذلك لم يتردد الكاتب في نقد هذه الفترة لأن المؤسسة
تسمح بذلك ولأن سقف الديمقراطية وجاذبيتها تقوم على هذا النوع من الهامش من
الحرية. وهكذا فإن المواطن لا يشعر بالتعارض مع المؤسسة وإنما يدرب نفسه مع
الأيام للتعايش معها. هو لا يستطيع الاستغناء عنها والمؤسسة لا تستطيع
الاستغناء عنه، وهناك حيز من التقاطع بين مصلحة المواطن ومصلحة المؤسسة
ولذلك هذا النوع من النقد اللاذع والواضح والصريح مسموح ومقبول ويتقبله
المواطن من دون أن يثير لديه نزعة الثورة والانقلاب بالعكس يأخذها
ويستوعبها عقلانياً انطلاقاً من نزعة تم تدريبه عليها وهي أن هناك قوى تمثل
جندي مجهول قد يكون في الجيش أو في المؤسسة العسكرية أو المؤسسة النيابية
أو في الحكومات أو في الوزارات أو في الأجهزة المخابراتية التي تجمع
المعلومات وتتجسس لحمايته وبالتالي هذا المنطق أوجد نوع من التصالح ما بين
الدولة والمواطن.
هذه الأفلام مهمة جداً لأنها تعطي الوجه الآخر أو الوجه الجميل
للديمقراطية باعتبار أن الديمقراطية لها وجهين وجه قبيح يتمثل في السياسة
الخارجية في التعامل مع العالم ووجه آخر داخلي وهو الوجه الجميل الذي
يتعامل مع المواطن انطلاقاً من الاحترام المتبادل. المواطن يحترم مؤسسته
لأنه لا يشك بأنها تعمل ضده وضد مصالحه حتى لو أخطأت فإن مجال الخطأ لا
يستمر باعتبار أن هناك فرصة للتصحيح وهذه نقطة مهمة والمؤسسة تثق في
المواطن باعتباره القوة المنتجة التي تتحرك في ساحة الاقتصاد والفن والمسرح
والسينما.
لكن في مقابل سحر الديمقراطية هذا، هناك قوانين تكسر هذا السحر أو
تقمع هذه الحرية إلى حد ما، فهناك قانون القذف والتشهير الذي يمكن أن
يستخدمه أي طرف يتم التشهير به. وما لدينا هنا رواية وفيلم يوجهان اتهامات
خطيرة لتوني بلير وزوجته شيري بلير ولمساعدته الشخصية. كل هذه الإشارات
والاتهامات مع ذلك لم يحدث أي شيء ضد الكاتب، هل تعتقد أن هذا يعود إلى
شهرة الكاتب ونفوذه أو ربما لما ذكره في أحد اللقاءات الصحافية حين سئل عما
إذا كان يخشى أن تصدر ضده دعوى قضائية فقال هناك ميزة يتميز بها توني بلير
وهي أنه شديد اللامبالاة وأضاف بأن ذلك ما جعله سياسياً عظيماً إضافة أن
قلبه خالٍ من الضغينة والحقد مشيراً إلى أنه واثق بأن بلير لم يقرأ كتابه
وإذا قرأه فلن يبالي وسوف يستوعب النكتة فيه. مرة أخرى هل هي حرية وأجواء
ديمقراطية أم سلطة إعلامية حقيقية يملكها الصحافي أو الكاتب أو المثقف بحيث
يتمكن شخص مثل روبرت هاريس الذي يأتي من عمق الدائرة المحيطة بتوني بلير
لينتقده ويفضحه بهذه الطريقة؟
- لو كان مجال فضح الخصم السياسي غير مبني على أكاذيب، لا يستطيع
الطرف الآخر أن يجرجر الخصم إلى المحكمة. أهم شيء في المحاكم الغربية
والأوروبية أن تكون القصة مبنية على حقائق وليست أكاذيب، ممكن أن يعطى
الكاتب حق التحرك الأوسع في مجال السيرة من ناحية كشف بعض الوجوه الذاتية
التي قد لا تكون صحيحة ولكن عندما يبني الفيلم على مجموعة وقائع سياسية
صحيحة امتدت على فترة دورتين أو أكثر من عهد بلير وتميزت بالاقتراب الشديد
من السياسة الأميركية والتبعية الغريبة للسياسة الأميركية إضافة إلى أخطاء
فادحة اعترف بها كبار المسئولين في الحكومة البريطانية ممن أشاروا إلى
الكثير من التجاوزات ضد حقوق الإنسان في العراق وأفغانستان وضد المسلمين
والعرب في أوروبا.
روح الفيلم أو القصة الأساسية مبنية على مجموعة وقائع جارية وحصلت
وليست اختلاقات كاذبة. قد يكون هناك بعض العناصر الإضافية الدرامية التي
أدخلها الكاتب في السيناريو لتعديل بعض الزوايا لإرضاء المشاهد، إنما هذا
لا يكفي لجرجرة الكاتب إلى المحكمة.
الجانب الآخر يتمثل في مجال الحرية، لأن الحرية في أميركا وفي أوروبا،
حرية للمواطنين الأميركيين والأوروبيين ولا أتحدث عن السياسة الأميركية في
الخارج. الحرية في الداخل هي جزء من اللعبة إذا صح التعبير ولابد من وجودها
والمحافظة عليها لأنه عندما تخنق تنهار الدولة التي تأسست أصلاً على مجموعة
عناصر تشابكت أو تعانقت تاريخياً وتحولت إلى نوع من التقاليد في العلاقات
بين الدولة والمواطن. وبالتالي بقدر ما تحافظ المؤسسات على هذه الروحية
بقدر ما تستمر الدولة في التواصل وفي الوفاء بالتزاماتها وأيضاً في ارتكاب
الأخطاء، والأخطاء هي جزء من السياسة وبالتالي المواطن تم تدريبه وتأهيله
وإعادة هيكلته حتى يتقبل هذه الأخطاء بصفتها جزء من السياسة وجزء من العمل
اليومي.
روبرت هاريس معروف بأنه كاتب مقالات وصحافي سياسي معروف لماذا برأيك
لجأ إلى الرواية لكشف وفضح تلك الحقائق يعني هل تستطيع الروايات أن تحقق ما
لا تحققه المقالات الصحافية؟
- نعم، الرواية هي مجموعة أشخاص ويمكن بناء رواية خاصة ومستقلة على كل
شخص ومن ثم دفع هذه الشخوص للتقاطع في دائرة محددة. إذا كان الكاتب يعرف
ويحدد منذ اللحظة الأولى ماذا يريد أن يقول فأنه يستطيع أن يختلق أو يبني
مجموعة شخصيات لتأسيس هذه الفكرة ورفد أفكاره. الرواية في النهاية مسألة
قوية جداً وكل الكتاب يحلمون أن يتحولون إلى روائيين وكل أصحاب التجارب
الخاصة على مستوى السياسة أو على مستوى الحقل العام والحقل الاجتماعي
يتمنون أن يعكسوا سيرتهم وتجربتهم من خلال الطابع الروائي لأن الرواية تملك
القدرة على الاستمرار والقدرة على تبليغ مجموعة أفكار دفعة واحدة، بينما
المقال السياسي محصور في الزمن وفي المكان وفي الوقائع التي لا يمكن
تجاوزها وبالتالي الكاتب السياسي أحياناً يشعر بأنه مقيد ومكبل في مجموعة
اعتبارات ولكن عندما ينتقل الكاتب السياسي من عالم الخبر اليومي إلى العالم
الروائي فإن الرواية تعطيه قوة دفع غير منظورة.
بعض الصحافيين والكتاب اتهموا هاريس بخيانة صديقه بلير لكنه نظر للأمر
بشكل مختلف فهو يرى أن الكاتب ملزم بنقل أي حقائق تصل إلى يديه. كيف يمكن
فك هذه الإشكالية في الوقوع بين خيانة المصدر أو خيانة المهنة. متى يمكن أن
يكون الصحافي خائناً؟
- هناك فرق بين الخيانة والغدر. أعتقد أن ما حصل ليس غدراً بالمعنى
الأخلاقي للكلمة وإنما هو نوع من أخذ المسافة لأن الصداقة لا تعني التطابق
والصديق الحميم هو الذي يقول الكلام الصحيح في المكان الصحيح وفي الوقت
المناسب. أنا لا أضع المسألة في هذا الإطار ويمكن أن نلاحظ حتى في الفيلم
عندما حاول الكاتب أو السيناريو أو الدراما أن تقول إن بإمكان الكاتب حتى
لو كان لا يفهم بالسياسة ولا يعرف حتى صاحب السيرة يستطيع أن يكتشف أسرار
كثيرة من خلال الكلام الذي يقال علناً. والكاتب السابق قتل لأنه اكتشف بعض
أسرار رئيس الوزراء من خلال المتابعة الروائية اليومية وبالتالي تداعت
الأحداث ما أوصله إلى قناعة بأن زوجته عميلة في السي أي إيه وأن مدير
الجهاز الذي يحرك زوجة توني بلير هو أستاذها سابقاً في هارفرد. هذا
الاكتشاف توصل إليه الكاتب الأول من خلال العلاقة اليومية ومن خلال تداعي
الكلام اليومي بينه وبين صاحب السيرة وعندما قتل واستبدل بكاتب جديد آخر تم
اختيار كاتب لا علاقة له بالسياسة وإنما كاتب اجتماعي بوليسي وذلك لتجنب
الخطأ الأول لكن الثاني نجح أيضاً في التوصل إلى نفس القناعات ونفس النقاط
من خلال العلاقة اليومية مع صاحب السيرة ومن خلال تعرفه إلى فكرة البدايات
التي وضعها الكاتب السابق.
الوسط البحرينية في
12/08/2010
لا مكان للخونة
منصورة عبد الأمير
أحاول عبثاً ألا أتطرق لموضوع كتابة التاريخ، سبق وأن أشرت في عمود
سابق لهذه القضية، فما الحاجة للتكرار. لكنني في الواقع، أعجز عن تجاهل كل
الإشارات والعلامات والتفاصيل الصغيرة التي تلقى أمامي هنا وهناك. كما إنني
لست مكلفة بتتبع أحوال الكتّاب والكتابة، لكنني رغم ذلك أجد كتّاب التاريخ
يختبئون في كل تفاصيل الأفلام التي أبحث فيها أسبوعياً. أعجز عن تجاهلهم
فليعذرني القارئ.
تقفز أمامي في كل أسبوع نماذج كتابة مختلفة، تثير جميعها التساؤلات،
تقرع أجراس إنذار كثيرة. أناقش متخصصاً هنا أو مثقفاً هناك فيزداد الأمر
تعقيداً وتظهر أمامي أوصاف عديدة فهذه كتابات مستقيلة، وتلك خائنة، وثالثة
شقية وهلم جرا.
فيلم «الكاتب الشبح» الذي نناقشه في هذا العدد، وهو آخر الأفلام التي
شاهدت حتى وقت كتابة هذا المقال، أثار فيما أثاره لدي من إشكالات قضية
الكتابة مرة أخرى، الكتابة التاريخية على وجه التحديد وتأتي هذه المرة في
صورة سيرة ذاتية لشخصية شهيرة تختزل حقبة من تاريخ أمة.
يضعك الفيلم أمام نموذجين من كتّاب السيرة الذاتية، قد لا يختلفان
كثيراً في الناتج النهائي، لكن البدايات هي ما اختلفا فيه. ارتأى أحدهما
تسطير السيرة الذاتية لرئيس وزراء مستقيل، بحسب ما أملاه عليه صاحب السيرة.
هي كتابة رسمية إذن، التزم فيها كاتبنا بكل ما طلبه صاحب السيرة. وصاحب
السيرة حين يكون شخصية صانعة لتاريخ بلادها أو مؤثرة في قرارها السياسي
بشكل كبير، يصبح ممثلاً للجانب الرسمي وتصبح الكتابة ناطقة بلسان رسمي.
الكاتب الثاني، جاء أسلوبه مختلفاً منذ البداية، ربما لأنه لم يكن
يملك خلفية سياسية في الكتابة، وربما لأنه أراد أن تكون كتابته «شقية» كما
وصفها أحد المثقفين ممن ذكرت أعلاه، في مقابل الكتابة الرسمية.
كاتبنا الثاني أراد كتابة مختلفة، يتقصى فيها الحقائق بنفسه، يسرد
فيها سيرة الشخصية المشهورة من منظوره هو، أو من أي منظور آخر سوى منظور
ورؤية صاحب السيرة.
الطريف أن كلا الكاتبين، صاحب الكتابة الرسمية، وصاحب الكتابة الشقية،
وجدا أنفسهما في لحظة ما وقد تحولا إلى صحافيين يستقصيان الحقائق ويريدان
كشف الغموض عن مناطق مظلمة لم يشأ صاحب السيرة الاقتراب منها.
كلاهما تحول لكاتب شقي ربما لأن الاثنين أخلصا لما يكتبان، وربما لأن
الكتابة قطعاً تستدعي الإخلاص. وربما لأن كاتب الفيلم أراد أن يقول أن
الخونة واللاأشقياء، واللامتمردين من الكتّاب، لا مكان لهم في التاريخ.
الوسط البحرينية في
12/08/2010
شاشات
(البواب الليلي) يقود علي الجابري لعشق السينما الواقعية
أبوظبي- محمد الأنصاري
كانت بداية قصة الحب بين علي الجابري الممثل ومدير مسابقة أفلام
الإمارات والشاشة الساحرة أيام طفولته، فكانت سينما »ألدوراد« المكشوفة
مقابل مستشفى الكورنيش في أبوظبي هي مكان اللقاء الأول بين الحبيبين.
وكانت أول وجبة هي بالنكهة الإيطالية بمجموعة أفلام كانت تشتهر بها
تلك السينما أيام مجدها الغابر، فكان فيلم »البواب الليلي« للمخرجة لليانا
كافاني الذي يحكي قصة حب عاصفة بالأحداث في العاصمة النمساوية فيينا بعد
الحرب العالمية الثانية، فشاهد الجابري عشرات من الأفلام الإيطالية التي
أدخلته إلى عالم السحر السينمائي من منظور يقترب من السينما الواقعية،
ليرقى فيما بعد إلى الأفلام ذات البعد الفني البحت التي تبحث عن جماليات
الصورة والأداء والسيناريو لا باعتبارات الدهشة والمتعة الزائلة، بل
لاعتبارات ترسيخ فلسفة ورؤية لدى من يشاهدها.
تشكل السينما الهندية ذاكرة قوية لدى أبناء الإمارات والخليج بصفة
عامة للقرب الديموغرافي بين الجهتين، ويقول عنها علي الجابري: »لقد كانت
أسعار التذاكر آنذاك حوالي 8 دراهم، وكانت بوسترات السينما الهندية بقصصها
الرومانسية والتراجيدية تجذب أعين الشباب لمشاهدة تلك الأفلام التي استحوذت
على شرائح جماهيرية واسعة في العالم العربي، وكان نجوم مثل راجي وشامي
كابور وأميتاب باجان وهيما ماليني ودارا مندر وعشرات غيرهم يشكلون في
مخيلتنا أبطالاً من الطراز الأول، ولقد شاهدتُ فيلم الشعلة الشهير الذي
اشترك فيه نجوم الهند عدة مرات في السينما وأدهشتني أجواء وأغاني
الفيلم«.تنتقل حياة الجابري إلى مرحلة المراهقة فيظهر نجوم هوليوود الذين
يؤدون أدوار البطل الخارق في أفلام الآكشن، مثل سيلفستر ستالون وآرنولد
ونجوم موجة الثمانينات فلا يفارق الجابري فيلماً من أفلامهم، وبعدها بفترة
تتطور ثقافته السينمائية فيبحث عن أفلام آل باتشينو ونيكولاس كيج وروبرت
دينيرو وغيرهم من نجوم السينما الغربية، يقول:
»لقد شاهدتُ معظم أفلام هؤلاء النجوم، وأعتقد أنه
أصابني هوس كبير بأدوار النجم نيكولاس كيج، وما زلتُ أذكر مشاهداتي
المتكررة لفيلمه الجميل مغادرة لاس فيغاس، وهو يمتاز بتعدد الأدوار المركبة
والصعبة، وما أدهشني أكثر في السينما الغربية هي قوة الحوار والسيناريو بغض
النظر عن قوة الصور والأداء والتقنيات البصرية والتكنولوجيا المتطورة،
ولطالما استوقفتني جمل ومفردات الحوار في معظم الأفلام لترقى إلى مصافِ
النصوص الأدبية الراقية.
وهذا ما نفتقده في السينما العربية التي أرى أن زمانها قد أفل ولم
أتابع فيلماً عربياً منذ سنوات لأنها تضحك على ذقون المشاهدين إلا فيما
ندر، وما يعنيني في الفيلم لغته البصرية والفلسفية وإلى أين تأخذني الأسئلة
التي يطرحها الفيلم، وأعتقد أن السينما الهندية ورغم أنها دخلت في المستوى
التجاري في السنوات القليلة الماضية إلا أن لديها مجموعة أفلام تجتمع فيها
المزايا التي ذكرت«.
رغم ظهور تقنيات حديثة في التصوير بالأبعاد الثلاثية وكاميرات عالية
الجودة، فإن الجابري غير متفائل بدخول السينما العربية قريباً إلى هذه
العوالم التقنية، ويقول في ذلك:
»لقد تم استخدام كاميرات ريد في عدة أعمال في الفن
العربي، وتم استخدام بعض تقنيات التصوير عالية الجودة، إلا أن العبرة في
السينما تكمن في لغتها البصرية وفلسفتها ورؤيتها ومخاطبتها لأدق تفاصيل
الروح الإنسانية وليس الأمر مقتصراً على التقنيات فقط، فأفلام مثل:
ذهب مع الريح والعرّاب وعشرات من الأفلام غيرها لم تكن تواكب هذه
التقنيات ومع ذلك ظلت خالدة، أما السينما العربية فهي تقلّد بالتقنيات
والسيناريوهات ما ينتجه الغرب، وليته يكون تقليداً واعياً أو مغايراً بل
إنه تقليد دون أعين وهذا أحد أسباب هبوط وانحدار المستوى السينمائي
العربي«.
ظهرت بعض الأسماء العربية في عالم هوليوود والسينما العالمية، ورغم
بعض المحاولات الخجولة في العصر الحالي، إلا أن تجربة عمر الشريف تعتبر
الأجدر بالاحترام، يقول الجابري:
»أعتقد أن نجم بحجم عمر الشريف لم يكن لينال هذه
الشهرة لو أنه بقي في مصر، لأن السينما لا تعني فقط التقنيات والأداء، بل
هي صناعة متكاملة احتضنتها هوليوود مبكراً وعرفت كيف تنجح بها، فحين تزور
استديوهات التصوير الكبرى في أميركا مثل كولومبيا وفوكس وبارامونت وغيرها
من الشركات الضخمة، تجد مدن كاملة لهذه الصناعة، لم تترك صغيرة أو كبيرة،
وهناك بيئة وثقافة اجتماعية حاضنة لهذه الصناعة، بينما ظلت السينما في
العالم العربي تراوح مكانها، وسينما العالم من حولنا تتطور، فهذه إيران
والهند وتركيا والصين تقتحم هذا العالم وتفرض نفسها بقوة«.
تم تعيين الجابري مؤخراً مديراً لمسابقة أفلام من الإمارات التي
تنظمها هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، وجرى إطلاقها كتظاهرة عام 9991م على
يد المخرج الإماراتي مسعود أمر الله آل علي، وحول صناعة السينما الإماراتية
يقول الجابري:
»لقد رافقتُ مسابقة أفلام من الإمارات منذ ظهورها،
وأعتقد أن الحمل الذي ألقي على عاتقي بإدارتها هو تشريف لي، لأن هذه
المسابقة اكتشفت مواهب سينمائية إماراتية متعددة في الإخراج والتمثيل
والسيناريو، وبعد مرور ما يقارب على 01 سنوات على إطلاقها فإنني أعتقد أن
المسابقة لغاية الآن لم تؤتِ ثمارها، فهناك عقبات عديدة أمام صناعة السينما
الإماراتية، فرغم توفر الإمكانيات والمواهب، إلا أن القطاع الخاص الذي
يحرّك مجال السينما في كل بلد، ما زال متردداً في الإمارات.
وأعتقد أن اعتماد الإنتاج السينمائي أو الفني المحلي على المؤسسات
الرسمية يجب أن يكون مدروساً بعناية، ومن الأمور الأساسية لقيام صناعة
سينمائية في الإمارات، وجود أكاديمية للسينما في الدولة، وجود مؤسسة رسمية
اتحادية لدعم صناعة السينما، إرسال البعثات الدراسية للتخصص في السينما،
توفير صندوق سينمائي اتحادي لدعم المشاريع السينمائية، وعشرات من الأمور
المهمة .
البيان الإماراتية في
12/08/2010 |