حقق فيلم الخيال العلمي الجديد “انسيبشن” أرباحاً غير متوقعة بلغت 60
مليون دولار خلال الأيام الثلاثة الأولى لعرضه في أمريكا الشمالية وكندا،
واحتل مع عطلة نهاية الأسبوع صدارة شباك التذاكر، مخالفاً بذلك كل توقعات
النقاد التي تخوفت مسبقاً من عدم ملاءمة مثل هذه النوعية من الأفلام للعرض
الصيفي، إضافة إلى تزامن طرحه مع فيلم النجمة أنجلينا جولي (سالت)، الذي
يتضمن التوليفة المفضلة للجمهور من جاسوسية وحركة وإثارة .
“انسيبشن” الذي بدأ عرضه بقاعات السينما المحلية
قبل أيام، من بطولة ليوناردو دي كابريو، وجوزيف جوردون، وماريون كوتيار،
وايلين بيدج، ومن إخراج وتأليف كريستوفر نولان، وإنتاج مشترك لنولان مع
أيما توماس، والتوزيع لشركتي وارنر بروس، وبيكتشرز، والموسيقا التصويرية
لهانز زيمر، وبلغت تكلفة إنتاجه 160 مليون دولار، وتم التصوير في لوس
أنجلوس، والمغرب، وباريس، وطوكيو، ولندن .
يحكي الفيلم قصة اللص المحترف دوم كوب المتخصص بسرقة الأسرار
والمعلومات القيمة من الأحلام، وتضعه قدرته النادرة في مهمة مستحيلة، ليس
فقط للتعرف إلى أحلام شخصيات مهمة ونافذة، بل زرع فكرة معينة في اللاوعي
لوريث إمبراطورية “سيليان ميرفي” المالية العملاقة، لمصلحة إحدى أكبر
الشركات المنافسة لها بمجال الطاقة، ولتنفيذ ذلك يستعين بطاقة لتصميم
الأحلام يتضمن مصممة معمارية ترسم تفاصيل المنطقة التي ستدور بها أحداث
الحلم ومستوياته الثلاثة بالغة التعقيد، وشخص لديه القدرة على تقمص أدوار
الآخرين، ومتخصص كيميائي يعمل على وضع تركيبة فريدة لتخدير الجميع فترة
محددة بدقة يتشاركون خلالها تنفيذ الحلم، ويجب إفاقتهم في الموعد المحدد،
حتى لا يتيهوا في عالم الحلم اللانهائي .
يقدر الفيلم “إبهاراً بصرياً”، وتكنولوجياً يشبه فيلم “آفاتار” للمخرج
جيمس كاميرون، خاصة أن مخرجه نولان وضع بمصاف المخرجين العباقرة بعد فيلمه
“فارس الظلام”، ووصفه النقاد بأنه امتداد لأسلوب ستيفن سبيلبيرج، وبيتر
جاكسون، وكاميرون، وبالفعل لم يخيب نولان التوقعات، وقدم عرضاً بالغ
الإبهار اعتمد فيه على المزج بين الغموض والإثارة، واستفزاز ذكاء المشاهد،
وهو ما يعرف فنياً ب”الشطرنج السينمائي” .
نجح نولان باعتباره كاتب السيناريو، في التحكم بحركة الممثلين وتصاعد
الأحداث التي بدت للوهلة الأولى مثل المتاهة، لا يعرف المشاهد حقيقة ما
يراه هل هو حلم، أم واقع، ولعبت الموسيقا التصويرية والمؤثرات الصوتية
دوراً رئيسياً، في نجاح العمل، الذي استغرق الإعداد له حوالي عام منذ مطلع
،2009 وتميز بجلسات العمل المطولة التي بذل فيها نولان جهداً كبيراً في رسم
الشخصيات، وتحديد انفعالاتها، ما انعكس إيجابياً على طاقم العمل، فبدا دي
كابريو متميزاً وواعياً لطبيعة الدور، خاصة المشاهد التي جمعته بزوجته
وطفليه، وقدمت كوتيار دوراً محورياً على الرغم من قلة عدد المشاهد التي
ظهرت بها، ونضجت ايلين بايدج كثيراً في دور المصممة المعمارية التي تنجح في
كشف سر كوب عن طريق اختراق أحلامه . ونشرت وكالة
MCT
حواراً مع كريستوفر نولان قال فيه إن الإعداد للفيلم استغرق سنوات، فطالما
كان مهتماً بفكرة اللاوعي والأحلام، لكنه أراد البحث عن شكل جديد للنفاذ
إلى عالم خيال الآخرين، خاصة أن هناك أفلاماً سينمائية رائعة تناولت الفكرة
نفسها بالسابق، لكنها كانت لأشخاص تتحقق أحلامهم على أرض الواقع بشكل مريب
وغريب، وأخرى عن مطاردات وهجوم يتعرض لها الشخص الحالم من خصومه، أما فكرة
اختراق حلم وزرع فكرة ما، فكانت التحدي الأكبر، لذا احتاج السيناريو 10
سنوات حتى يكتمل بالشكل الذي كان بذهن نولان، الذي فكر بالبداية في تصويره
بتقنية ثلاثية الأبعاد، لكن الوقت المتاح للتصوير لم يكن كافياً، لذا فضّل
الاستمرار بالتصوير بالطريقة المعتادة، خاصة أنه حقق شهرة واسعة بعد جزئي
فيلم “بات مان”، وفارس الظلام، ويستعد العام المقبل للجزء الثالث من “بات
مان” .
ونشرت صحيفة “لوس أنجلوس تايمز” مقتطفات من حوار النجم ليوناردو دي
كابريو مع مجلة “بيلد” الألمانية، قال فيه عن الفيلم “إنه محظوظ بالمشاركة
في أحد أعمال نولان، ولم يتردد لحظة في الموافقة على الفيلم، حيث استفزه
السيناريو للغاية، وتحمس أن يكون ضمن فريق هذا العمل الرائع، مشيراً إلى
وجود اختلاف بين دور “كوب” اللص المحترف، ودوره بفيلم “شاتر ايلاند” أو
“الجزيرة المنعزلة” الذي عرض نهاية العام الماضي، لكن كلاهما يعتبر إضافة
كبيرة لحياته المهنية، ويأمل أن يبقى محظوظاً ليحصل على مثل هذه الأدوار
المتميزة” .
أما عن الموسيقا التصويرية المتميزة للفيلم، والتي وضعها المؤلف
الموسيقي الشهير هانز زيمر، الشهير بأفلام رائعة مثل “رجل المطر”، و”ليون
كنج”، و”المصارع”، و”جزئي باتمان”، و”فارس الظلام”، فكانت من أهم الأدوات
التي اعتمد عليها المخرج، لمساعدته في إيصال الفكرة للمشاهد، وملاحقة
الأحداث، خاصة في المشاهد ذات الجرعات العاطفية الخاصة بالعودة إلى ذكريات
وآلام وندم، وهي المشاهد التي اعتمد فيها على مزج فريد بين الموسيقا
الالكترونية وآلة الكمان، والمشاهد الأخرى للمطاردات والحركة، اعتمد فيها
على نغمات خاصة للبيانو . وفي حوار له نشرته وكالة
MCT، قال زيمر إنها ليست المرة الأولى التي
يتعاون فيها مع نولان، لكنها المرة الأصعب نظراً لتعقيد الفكرة، وتصاعد
الأشكال، لذا احتاج قراءة السيناريو أكثر من مرة، والحضور إلى موقع
التصوير، والتحدث مع الممثلين . قدم زيمر شكلاً جديداً للموسيقا التصويرية
لم يكن مألوفاً في مثل هذه النوعية من أفلام الخيال العلمي مثل “حرب
النجوم”، و”سوبر مان”، اعتمد للمرة الأولى على الموسيقا الرومانسية،
انطلاقاً من قصة الحب القوية بين البطل وزوجته، ولعب الجيتار والبيانو
دوراً رئيسياً، حتى بمشاهد الحركة والأكشن . شركتا “وارنر بروس” و”بيكتشرز”،
تسوقا للفيلم على الرغم من الشكوك القوية حول إمكانية تحقيقه أرباحاً
مناسبة، ويعتبره النقاد غير مناسب للموسم الصيفي، الذي يفضل أن تكون
موضوعاته مقتبسة عن قصص روائية، أو بمعنى آخر دراما اجتماعية، بالإضافة إلى
عدم وجود عوامل تساعد على تسويق الفيلم مثل ألعاب فيديو مرتبطة بشخصياته،
وهو بمثابة الباب السحري لزيادة أرباح أي عمل سينمائي، لكن الشركتين تحمستا
للتسويق اعتماداً على اسم المخرج، وهو ما قدمت به للفيلم على الملصق
الإعلاني “فيلم لمخرج “فارس الظلام””، كما فعلت مع فيلم “آفاتار”، عندما
وضعت على الملصق الإعلاني فيلماً لمخرج “تايتانيك”” .
الخليج الإماراتية في
06/08/2010
ما الذي يدعو مخرج متفرد للذهاب إلى المغامرات
«سيد
الهواء الأخير» صراع الماء والجو والتراب ضد
النار
عبدالستار ناجي
خلال الدورة الاخيرة
لمهرجان كان السينمائي الدولي «مايو 2010» تم وضع اعلان ضخم على مدخل فندق «الكارلتون» في مدينة كان الفرنسية، للاعلان
عن فيلم «سيد الشهداء الاخير» او «ذا
لاست اير بندر» الهندي الاصل نايت شياميلان. مع اشارة ان
الفيلم بالابعاد الثلاثة،
وهنا يتصاعد سؤال محوري، حول الاسباب التي تدعو مخرج يمتلك موقعه وحضوره
المتميز
ومكانته في المجال الذي يشتغل عليه، لان يذهب الى فضاء المغامرة المحفوفة
بالمخاطر،
خصوصا ان تجربته السينمائية الجديدة، تذهب الى مجال التقنيات
والحرفيات
الكمبيوترية، بعيدا عن التعامل مع الكاميرا شبكها التقليدي.
وكعادته في جميع
افلامه، فان ثابت شاميلان، يتعاطى مع حرفته الاخراجية من خلال نصوص يكتبها،
وهذا ما
لفت اليه الانظار بالذات بعد فيلم «الحاسة السادسة «1999»، و«غير قابل
للكسر»
«2000»
وسنيز «2002» والقرية «2004» وسيدة في الماء «2006». واليوم فيما يأتي
«سيد
الهواء الاخير» كان يذهب الى مجال تبعد عن اعماله ذات الطروحات التي تجمع
الجوانب
الفلسفية والفكرية بمساحة من الاثارة والترقب، الا انه هنا يذهب الى «لعبة»
جديدة،
تتطلب لياقة عالية في التعامل مع الكمبيوتر لتحقيق الرؤية البصرية باشكال
التي تضيف
الكثير من المعاني، ورغم المضامين العالية، الا ان الموصلات كانت مرتبكة،
فلا تمثيل
يليق بالتجربة ولا دهشة سينمائية ترتقي الى اقل ما يقدم في
اطار هكذا نوعية من
الافلام.
ونذهب الى الفيلم الذي بدأ عرضه منذ ايام في الصالات المحلية
وصالات العالم، وقبيل السرد الروائي، نشير الى ان الفيلم يستمد مضامينه، من
كم من
الاشارات اللاهوئية، هي اختصار عدد من الاديان، خصوصاً وان
شياميلان، الهندي
الهندوسي الذي ولد في الهند وعاش في فيلادلفيا وعرف الاديان ودرسها واقترب
منها ومن
مضامينها، التي تذهب جميعها الى التوحيد.
في النصف الروائي، يقول الفيلم، ان
الكون يتكون من مجموعة من الممالك، هي ملكة الماء والهواء
والارض «التراب» وايضا
مملكة النار، وهذه المملكة الاخيرة تسيطر على الكون لقوتها وأنها العسكرية
المدمرة،
التي سيطرت على جميع الممالك، وقامت بتصفية اسيادها وملوكها وان كان الكون
يترقب
عودة سيد الهواء الاخير الذي غاب منذ اكثر من مئة عام.
ونرصد الجانب
الروائي..
حيث يقوم شقيقان في رحلتهما للصين، «سيد الهواء الاخير» الذي كان
يعيش مع حيوانه النار داخل فقاعة من الهواء تجمدت تحت المحيطات، وتنشأ
علاقة بين
الشقيقين، وفتاة وشقيقها مع سيد الهواء، الذي عاد الى الحياة،
وهو على شكله حينما
كان صغيرا، يدرس علوم اللاهوت والقوة في احد المعابر البوذية، وعليه ان
يطور قدراته
حتى يسيطر على الكون، ان يتعلم فنون بقية الممالك «السيطرة على الماء
والتراب...
وايضا النار» وفي تلك اللحظة، يصل ابن سيد النار «الامير زيكو يجسد الشخصية
الممثل
الهندي ديف باتيل الذي شاهدناه في دور جمال في فيلم - المليونير المتشرد»
حيث يحاول
زيكو اسر سيد الهواء «زنج» من اجل ان يعود به الى ولاده الغاضب
عليه والذي طرده من
المملكة لانه يعتقد بانه ضعيف وان اخته هي المقربة من والده، ولكن سيدة
الماء «كاترة - نيكولا بلتس» لاحظ الاسم «كاتره -
وهو قريب او تشابه المفردة مع كلمة
«قطرة»
وهي مفردة عربية مع شقيقها سوكا «جاكسون راثبون» يساعدان سيد الهواء على
الفرار، وتمضي الرحلة بين الممالك الشمالية والجنوبية، عبر مشهديات صنعت
بالكمبيوتر
لتلك الممالك وايضا المغامرات والبحار والسفن وكل ما شاهدناه لم يتجاوز
حدود
الاستديو وهذا على ما يبدو قد اثر سلبيا علي سيطرة المخرج
شياميلان على عناصره في
مجال التمثيل على وجه الخصوص، لاننا كنا بشكل عام امام تمثيل عادي جداً،
حتى فيما
يخص الممثل الهندي ديف باتيل الذي شاهدناه متألقا ويمتلك ادواته في
«المليونير
المتشرد».
وتمضي رحلة المغامرات حيث يسعى «سيد الهواء» من اجل التحول الى «افاتار» «سيد الممالك - الترايس والماء
والهواء والنار»، وخلال تلك الرحلة، يتعلم
امراً اساسياً ان التحول الى «افاتار» «سيد الاسياد» لابد ان
يتجاوز لغة المواجهة
المؤذية، فهو السيد الذي يواجه ولا يدمر، وان الخلاص لهذه الارض، بقيادة لا
تدمر،
وان البقاء للقوة التي تحمي الاخرين ولا تدمر حتى الخصوم.
وحينما تأتي
المواجهة الاخيرة، عند الوصول الى مملكة الماء الشمالية، والتي ينتظر اهلها
الحرب
الاخيرة، مع مملكة النار التي زحفت بكل قواتها وتجهيزاتها العسكرية، حيث
يقوم «سيد
الهواء الاخير» بمساعدة اهل مملكة الماء الشمالية، عبر مشهديات
كان من المفترض ان
تكون كل «الدهشة» ولكنها لم ترتقي الى المستوى، لاننا امام مخرج ذهب الى
عالم غريب
عنه، وهو عالم افلام المغامرات الكمبيوترية، في وقت كان احترافه، يتأكد عبر
السيطرة
على الاحاسيس العالية للاداء وايضا الفلسفة التي يذهب اليها في افلامه،
والتي
تجعلنا نلتصق بالشاشة بحثا عن كل اشارة لحل الرموز التي يقدمها
والتي تأتي دهشتها
مع المشهد الاخير، وهذا ما يظل ناقصا، لان المعركة الحاسمة تضيع في مغامرات
بين
جنود لا نعرف ملامحهم فالجميع يرتدي الملابس السوداء، ولا تعرف لمن ينتمي
هذا
الجندي او ذاك، مشهديات مركبة في الفضاء الكمبيوتري، حيث
تتداخل الاشياء والشخصيات
والعوالم وايضا الطروحات.. ورغم ان مملكة الماء الشمالية تنتصر بمساعدة «افاتار
المستقبل - سيد الهواء الاخير»، الا ان المخرج يحقق مشهداً اضافياً، يشير
الى ان
ملك النار يعهد الى ابنته بأن تواصل رحلة التحدي، وكأنه يشير
الى جزء ثان من هذه
العمل الذي يظل رغم حرفياته وعوالمه، يخلو من الدهشة.. ويخلو من التأكيد
على القيم،
حيث تضيع كل تلك المعطيات في التسطح الحاد في الشخصيات والاداء الحالي من
الاحتراف،
وذلك لان كل ممثل كان يمثل في «صندوق»، لا يعرف ماذا يدور حوله، وعليه ان
يعطى
التعابير وردود الافعال حسب توجيهات المخرج ومساعديه ليصار
بعدها الى تركيب تلك
المشاهد في اماكن متعددة من الفيلم.
حتى الموسيقى التصويرية، وتشير هنا الى
انه التعاون السابع بين شياميلان والموسيقار جيمس نيوتن هوارد،
ولكن لاشيء لافتاً
او مدهشاً في الصياغة الموسيقية، اللهم الا موسيقى الحرب الاخيرة.
ونلفت
الانتباه، الى ان كثيراً من المخرجين يحرصون على تكرار التعاون مع المؤلفين
الموسيقيين انفسهم، حيث تعاون ستيفن سبيلبزغ مرات عدة مع جون ويليامز،
والمخرج
روبرت زيميك مع الان سليفسترى والمخرج تيم بيرتون مع داني
اولمان وهكذا الامر مع
المخرج العقبري دايفيد لين مع مدريس جار، وايضا هذا الاخير مع الراحل مصطفى
العقاد.
ونخلص....
رغم المكانة والقيمة الابداعية التي يتمتع بها
الهندي الاصل نايت شياميلان، وبصماته المنفردة في العوالم التي
يحلق بها، الا انه
في «سيد الهواء الاخير» يذهب في كل الاتجاهات.. وهنا شيء من الحفل في
بوصلته
الفنية.
anaji_kuwait@hotmail.com
النهار الكويتية في
06/08/2010
سينما فرنسية من توقيع كزافييه بوفوا
«رجال
ورموز» عن غياب الحوار في زمن التطرف
عبدالستار ناجي
المكان: الجزائر
الزمان: التسعينيات
الحدث: اغتيال الرهبان الفرنسيين على يد مجموعة
من المتطرفين الإسلاميين، عبر تلك الاحداثيات والاشارات
ودلالاتها يأتي هذا الفيلم
الذى سيظل مثيرا للجدل.
وهكذا هو وباختصار شديد فيلم «رجال ورموز» أو «رجال
والهة» الذي قدمه المخرج الفرنسي كزافييه بوفوا الذي عرف عالميا من خلال
عدد من
أعماله السينمائية ومنها الضابط الصغير وعلى طريقة ماثيو لا
تنسى بأنك ستموت، وفى
البداية كان فيلمه «شمال».
وحينما يأتي فيلم رجال ورموز فانه يذهب الى
تقديم الاحداثيات اليومية التي سبقت اغتيال الرهبان الفرنسيين
الثمانية في احدى
القرى الجزائرية (قرية الجلفة).
وقد عرض الفيلم فى المسابقة الرسمية لمهرجان
كان السينمائي الدولي في دورته الثالثة والستين 2010 مجموعة من
الرهبان في أحد
الاديرة حيث حياة العبادة بكل تفاصيلها وتقشفها وبحثا عن التواصل
الروحاني.
وفي الحين ذاته، التماس اليومي مع المسلمين من كافة اطيافهم
وتقديم العون والمساعدة لهم تارة عبر الكشف والعلاج وتقديم الادوية وأيضا
الملابس
والمشاركة في جميع المناسبات اليومية من افراح واحزان.
وسط تلك الاجواء
والعلاقات الحميمية تمضي أيام تلك المجموعة من الرهبان.. وفجأة، ومع بداية
التسعينيات تجتاح الجزائر عواصف التطرف لتقتلع كل شيء أمامها، حينما يتفجر
التطرف
يغيب الحوار ويذهب العقل وتكون النتيجة كماً من الدماء والارواح البريئة
والقتل
المجاني والمجنون في الحين ذاته.
وتصل التهديدات الى تلك المجموعة بضرورة
الرحيل، ويرفض الرهبان الخروج والرحيل من منطلق ان هذا الدير
مكانهم وهم هنا للتعبد
ومساعدة أهل القرية وان جميع الاديان تؤمن بالاديان الاخرى والتسامح
والحوار، وفي
الحين ذاته، تمضي تفاصيل الحياة اليومية لتلك المجموعة وهي تتأكد يوما بعد
آخر انها
تسير الى الموت المرتقب الذي بات يهددها وتظهر اشباحه وحصاده
بين اللحظة
والاخرى.
فقد وصل الموت الى القرية وتم تصفية العديد من الابرياء تارة بسبب
وتارات أخرى بدون أى سبب، فقط الموت من أجل الموت، وحينما يكون الموت لعبة
يكون
الدمار.
وتتصاعد وتيرة التعبد التي تذهب الى مراحل من الخشوع وكأن تلك
الشخصيات تبحث عن الخلاص لها وللظروف التى تحيط بها حيث الموت هو الخبر
الحاضر
يوميا، وفي المقابل المحاولات من اجل اقناع الرهبان بالانسحاب
والسفر حتى تكون
المواجهة بين المسؤول السياسي وقائد الرهبان حيث يقول القائد له بأن ما
يحصل بأسباب
الاستعمار وممارساته.. وهكذا يكرر رئيس الدرك (الشركة) ذات الاطروحات، لكن
ما دخل
الرهبان بما يجري.. سؤال يظل يتكرر يدفعهم للبقاء في مكانهم
فهم في نهاية الحياة
وعلاقتهم الروحانية هي في قمتها.
ولهذا تأتي قراءتهم وكأنها تفتح شبابيك
وأبواب الموت على مصراعيها.
حتى تأتي تلك الليلة المتجمدة التي يداهم بها
مجموعة من المتطرفين الذين يقتادون الرهبان الى احدى الغابات
ويتم اجبارهم على
اصدار رسائله الى الحكومة الفرنسية يطالبون بها اخراج مجموعة من المساجين
السياسيين
كشرط لفك اسر الرهبان .. وتمضي رحلة المجموعة في الغابة حيث يختفون فى
العتمة
والضباب والبرد والتجمد والضياع.
فيلم يقول الكثير بلا خطب وبلا بيانات فيلم
يدعو للحوار مع جميع التيارات وقبول الاخر.
فيلم رغم بساطته وتقشفة الذي
يعكس تقشف وحياه الرهبان الا انه يظل ثريا بالقيم التى يؤكد
عليه فى الحوار
والتواصل وتجاوز الصيغ الطائفية والمتطرفة بين الاديان والشعوب والطوائف.
في
الفيلم جمع أكبر عدد من النجوم الكبار في السينما الفرنسية لعل فى مقدمتهم
الفرنسي
ذو الاصول البريطانية «لامبرت ويلسون» ومشيل لوسندال واولفيية رابودين
الذين جسدوا
عدداً من شخصيات الرهبان والتطور الدرامي في بناء الشخصيات
والابعاد الدرامية في
التفاعل مع حالة التهديد والترقب وانتظار الموت المقبل.
سينما من نوع آخر
سينما لا تذهب الى المشاهد من أجل التسلية، بل انها تذهب اليه من أجل
ان
تدعوه الى الحوار والتفكير والتأمل وقبل كل هذا وذاك اتخاذ المواقف من تلك
الممارسات العدوانية.
فيلم «رجال وموز» يأخذنا الى تلك التفاصيل الحياتية
التي قد نراها مملة في بعض الاحيان، لكنها تأتي لتقول شيئا واحدا بأن الدين
لله وان
حرية الاديان مفتوحة، لكن حينما يتم تغييب العقل.. والدخول الى
لجنة التطرف.. يأتي
الخلل بجميع مفرداته ونتائجه القاسية والمدمرة.
ونخلص.. سينما لا تمارس
الاتهام بقدر ما تدعونا الى الاستفادة من الدروس والمعاني
الكبيرة من الايام
السوداء التي عاشها الشعب الجزائري وذهب ضحيتها الالاف ومن بينهم الرهبان
الفرنسيون
الثمانية في الحادث الشهير الذي تابعه العالم في التسعينيات من القرن
الماضى
.
فيلم تم تتويجه بالجائزة الكبرى لمهرجان كان السينمائي ليس لانه يتحدث
عن
الرهبان والدين المسيحي بل لانه ينادي بالحوار وتجاوز صيغ التطرف وهنا بيت
القصيد
في هذا الفيلم الذي يستحق المشاهدة.
anaji_kuwait@hotmail.com
النهار الكويتية في
09/07/2010 |