خلال تصوير «سولت»، ثم لاحقا في مرحلة الترويج له التي كلفت نحو 30
مليون دولار تضاف إلى تكلفته التي تجاوزت المائة مليون بقليل، جرى حديث
مواقع الإنترنت حول جيمس بوند امرأة. «أخيرا»، قال أحد المواقع مؤكدا:
«هناك رد على جيمس بوند يستحق المشاهدة». لكن الحقيقة هي أن الفيلم ليس فقط
لا علاقة له بسلسلة جيمس بوند إلا من حيث انتماء الموضوع إلى النوع
«الجاسوسي – الأكشن» العام، التي انضوى تحتها منذ أحداث الحادي عشر من
سبتمبر (أيلول) 2001 أكثر من 40 فيلما من إنتاج الاستوديوهات الرئيسية، بل
إن هذا الرد، على افتراضه، يأتي متأخرا بعد أن أحيل جيمس بوند إلى التقاعد
حينما لم تجد شركة «مترو غولدوين ماير» الممولة، في صميم أزمتها الاقتصادية
الحالية، 200 مليون دولار أخرى تصرفها على حلقة جديدة من مغامراته.
فيلم فيليب نويس، وهو مخرج جيد بصرف النظر عن نوعية ما يخرجه، هو أقرب
إلى سلسلة أخرى منه إلى سلسلة بوند، هو أقرب إلى سلسلة «بورن» تلك التي
يقوم بها مات دايمون. كلتا الشخصيتين متشابهتين على أكثر من وجه. سولت، مثل
بورن، تعمل لصالح وكالة المخابرات الأميركية. وهي مثله متهمة بذنب لم
ترتكبه. مثله هي مطاردة من قبل رجال الـ«سي آي إيه» الذين يريدون قتلها
أولا وسؤالها عن تهمتها فيما بعد. كلتا الشخصيتين أيضا تجد نفسها مضطرة
للتحرك مسبقا قبل أن تطبق المصيدة عليها، ومثل بورن الذي فقد هويته بفقدانه
ذاكرته، هي شخصية فقدت هويتها الخاصة حين وجدت نفسها محسوبة على أنها روسية
الأصل وليست أميركية النشأة والانتماء.
ثقوب سيناريو
* إلى ذلك، كل منهما فقد ثقة الـ«سي آي إيه» به. ما حدث لها حينما
انبرى جاسوس روسي يعمل لصالح الـ«سي آي إيه» للقول إنها عميلة روسية مزروعة
في العضل الأميركي، أن الجهاز انقلب عليها من دون تردد ما جعلها في موقع
حرج، من ناحية تريد أن تدافع عن حياتها وحريتها، ومن ناحية أخرى تريد
الوصول إلى رئيس الجمهورية الأميركي لكي تنقذه من الاغتيال الذي تدرك أنه
سيتعرض له. وتحقيق الغايتين لا يتم عبر الجدال، وخصوصا أن أقرب الناس إليها
هم أعداؤها.
في الحقيقة تستطيع إذا ما كنت تعرف بعض الممثلين الآخرين الذين معها،
أن تعرف من هو «الداسوس» (من دسّ، يدس، فهو داسوس) الحقيقي في العملية
بأسرها، ولن يخيب ظنك على الإطلاق إذ سيكشف الفيلم عنه كاملا قبل نحو ثلث
الساعة من النهاية. هذا لا يرجع إلى ثقب في السيناريو أو تنميط في الشخصية،
بل استخدام ممثل يقول لك «هذا أنا» من اللقطة الأولى.
طبعا هناك ثقوب في السيناريو.. لا يمكن أن تشاهد امرأة (أو حتى رجلا)
تقفز من سيارة مسرعة فوق الجسر إلى ظهر شاحنة، ومن ظهر شاحنة تمر فوق جسر
آخر إلى ظهر شاحنة أخرى، لتركب بعد ذلك دراجة نارية وتنطلق بها متجاوزة
مخاطر أخرى. لكن هذا ليس مشكلة على الإطلاق. معالجة الفيلم نجحت، تقنيا
وعلى صعيد ثقة المخرج بالمادة وقدرته على سد ثغراتها «المنطقية»، لدرجة أن
ما تقوم به سولت يمتزج بالفيلم ولا يخرج من صلبه.
تقوم القصة على نظرية مؤامرة هدفها إعادة الحرب ساخنة بين الشرق
والغرب. هناك عملاء روس يعيشون ويعملون سرا في الولايات المتحدة ومهمتهم
إشعال حرب فورية بين روسيا والولايات المتحدة تمتد لضرب دول في الشرق
الأوسط لإبادة «مليون مسلم» كما يأتي في الخطة المعدة.
في بداية الفيلم نتعرف على إيفيلين سولت (أنجلينا جولي) في أحد سجون
كوريا الشمالية العسكرية بعدما اتهمت بأنها جاسوسة. لكن سولت سوف تنفي ذلك
مؤكدة بأنها مجرد سيدة أعمال. وبفضل زوجها المدني الذي اكتشف مكان اختفائها
تتم مبادلتها والإفراج عنها. بعد وقت وجيز نراها قد عادت إلى مكتبها في
الوكالة وقد استعادت جمالها وعافيتها. في ذلك اليوم يتقدم عميل روسي من
الوكالة ليدلي بشهادة مفادها أن سولت ليست سوى عميلة روسية مزروعة في الـ«سي
آي إيه». اتهام لا تحاول الوكالة التحقيق فيه بهدوء، ولا تحاول سولت
مناقشته، بل ينتقل الجانبان سريعا إلى لعبة قط وفأر طويلة الأمد، فهي ستلجأ
من حينها إلى البرهنة عن براءتها بالطريقة الصعبة: الدفاع عن سلامتها
وحريتها ومهاجمة العصابة الروسية التي تعمل على إشعال نيران الحرب، وكتحصيل
حاصل إنقاذ حياة الرئيس الأميركي المهددة من قبل العميل الروسي - الأميركي
الحقيقي المزروع في الوكالة.
الفيلم لا يقترح أن تصدق أحداثه، بل أن تستمتع بها، في الوقت الذي
يحول الـ«سي آي إيه» إلى وكر لا يحمي الولايات المتحدة بل يحفل بالصراعات
بين أجهزته. مكان عليك أن تتجنب قبول وظيفة فيه لأنك لن تعرف متى ستنقلب
الدوائر عليك فتصبح مطاردا بلا رحمة. وهو دور كان معروضا على توم كروز
لبطولته، وهو في البداية وافق، لكنه اعتذر بعد حين عندما فكر، وعن صواب، أن
تمثيله هذا الفيلم سوف يضر بالجزء الرابع الجاري تحضيره من سلسلة «مهمة
مستحيلة»، ولو أنه - عن خطأ - قام ببطولة فيلم ليس بعيدا عن هذه النوعية هو
«نايت آند داي» (فارس ونهار).
حين اعتذر توم كروز عن تمثيل هذا الفيلم، قامت شركة «كولومبيا»
المنتجة بالطلب من كاتب السيناريو كيرت وَمر بتغيير جنس البطل إلى بطلة
وذلك حين عبرت الممثلة أنجلينا جولي، حتى من قبل أن تقرأ المشروع، عن
رغبتها في تمثيل فيلم مغامرات و«أكشن».
تغيير الشخصية من رجل إلى امرأة يتطلب أكثر من مجرد استبدال أحرف
وكلمات لها علاقة بجنس الشخصية. في هذه الحالة، هناك القدرة على أن تبدو
المفارقات التي تحدث لها قابلة للتصديق في حدود ما هو متعارف عليه من شروط
الفيلم الخيالي على الأقل. ولولا أن الممثلة على قدر كبير من الاستعداد
البدني واللياقة لما استطاعت كسب هذه المواجهة بينها وبين شخصيتها والمطلوب
من تلك الشخصية أن تفعله. إلى ذلك، هناك - في السيناريو السابق - مشهد
يتطلب قيام توم كروز بإنقاذ زوجته من أسر العصابة الروسية التي تقوم بخطفها
والتي تهدف إلى إشعال حرب ساخنة بين روسيا والولايات المتحدة. إنقاذ الرجل
للمرأة هو تقليد قديم في الأفلام من أيام «الشيخ» مع راندولف فالنتينو،
وآغنس إيريس سنة 1921، لكن السيناريو اكتشف أنه لا يستطيع قلب الصورة
بسهولة. حسب الأحداث، فإن قيام سولت بدخول معقل الجواسيس الروس ثم الخروج
منه سليمة هو مخاطرة محسوبة، لكن الدراما الناتجة عن إنقاذها زوجها كانت
ستبدو أقل فاعلية فيما لو نجحت في مهمتها. البديل؟ قتل الزوج في حضورها مما
يجعلها أكثر تصميما على النيل من القاتل وجماعته وهذا ما يحدث بالفعل.
ثم هناك المسألة التي تتعلق بالعالم الذي تم وضع الفيلم فيه. هذا مهم
لأنه يفرض البطانة الزمنية والموضوعية للفيلم، تلك المجموعة الروسية
النافذة تحلم بروسيا الستينات، شيوعية وقوية ومهابة ومعادية للغرب وهي تسعى
إلى العودة إلى السلطة عبر إعادة الوضع السياسي بين الروس والأميركيين إلى
أيام الحرب الباردة. والمؤسسة قامت منذ سنوات بعيدة بخطف أولاد وبنات
وتدريبهم وغسل أدمغتهم لكي يتحولوا إلى مخلب يساعد على تحقيق الغاية. نعم
سولت كانت أحد المخطوفين والمدربين. لكنها لم تتبن النهج حين انتقلت إلى
الولايات المتحدة ثم انضمت إلى الـ«سي آي إيه». وهو وضع شائك يستفيد منه
السيناريو والفيلم. وكما يشي به العميل أورلوف (الممثل البولندي دانيال
أولبريشسكي) هي بالفعل مدربة في مؤسسة روسية قبل انتمائها إلى المخابرات
الأميركية، مما يجعلها تبدو كعميلة مزروعة، في أفضل الأحوال. ما يطلب
الفيلم منا تصديقه هو أنها لم تقم بالتجسس لصالح الروس ولن تشارك هنا في
تنفيذ المهام التي سيتصدى لتنفيذها العميل الفعلي، ذاك الذي سيتم كشف
النقاب عنه قبل أقل من نصف الساعة من الفيلم.
في الشأن نفسه، وإذا ما بحثت عن أناس خيرين (أبطال) يمثلهم هذا الفيلم
أو يعبر عنهم، لما وجدت الكثيرين منهم. لا الروس على حق ولا الـ«سي آي إيه»
على حق، وحتى سولت ليست بريئة تماما من الشوائب. أكثر من هذا، هل شاهدت
رئيس جمهورية أميركي عديم النفع كهذا الرئيس (قام بأدائه ممثل اسمه هانت
بلوك)؟ اترك كل ما سبق، مشهد قيام الشرير الفعلي (ولن أذكر من هو حتى لا
أفسد متعة اكتشافه إذا لم تخمنه من البداية) وابدأ من حين قيام الشرير بضرب
الرئيس الذي يسقط مغمى عليه. انتهى. الرسالة التي تتكون أمام العين (وأنا
أتحدث لغة الفيلم لا لغة سياسية يحب بعض الكتاب الغوص فيها دائما) هي أن
الرئاسة الأميركية أعجز من أن تدافع عن نفسها.
عيب نويس هنا هو أنه في محاولته عدم التخلي عن خط الفيلم والتزامه
بالممثلة وشخصيتها، قرر أن باقي الممثلين لا يحتاجون منه إلى إدارة. هذا
واضح مع الممثلين الواقفين في الصف الثاني مباشرة: لييف شرايبر، وشيوتل
إيوفور، إذ ليس عند المخرج نية تخصيص أي منهما بأي أداء يكشف عن لمعة في
الشخصية التي يؤديها. بذلك يبقيان دميتين متحركتين حين الحاجة.
ومن قبيل الصدف أن الفيلم طرح للعرض بعد أسابيع قليلة من اكتشاف عملاء
روس في الولايات المتحدة، لكن ليس صحيحا أن الصدفة لم تلعب دورها هنا. ذلك
أنه حتى يجدول الفيلم روزنامته الإنتاجية ثم التوزيعية لكي يستفيد من وضع
حقيقي كالذي حدث، كان عليه أن يزرع الجواسيس بنفسه وأن يكشف عنها في الوقت
المناسب أيضا.
ما هو أمر خال من الصدف تماما هو ذلك القدر من الإدانة التي تتلقفها
وكالة المخابرات الأميركية في السنوات التي تبعت، على الأخص، حرب العراق،
ما لا يقل عن 10 إنتاجات من استوديوهات رئيسية، ومثلها، إن لم يكن أكثر، من
الأفلام التي تلقي ضوءا شاحبا على الوكالة. أقواها فيلم ريدلي سكوت «كيان
من الأكاذيب» والأجزاء الثلاثة من سلسلة «بورن» («هوية بورن»، و«سيادة بورن»،
و«إنذار بورن») وأضعفها شأنا فيلم رومان بولانسكي «الكاتب الشبح».
لكن تصوير الـ«سي آي إيه» كمؤسسة قد تنقلب على من فيها وتبدأ بأكل
أولادها موجود في السينما قبل انتهاء الحرب الباردة بين الشرق والغرب أو
انحسارها عمليا من مطلع الثمانينات. المخرج سيدني بولاك أنجز في عام 1975
فيلمه الجيد «ثلاثة أيام من الكوندور»، مع روبرت ردفورد الناجي الوحيد من
عملية اغتيال شملت موظفين في مؤسسة تعمل لحساب الوكالة. وأحد الأفلام
الأخيرة للراحل سام بكنباه كان «أوسترمان ويك إند» سنة 1983، وفيه يدافع
روتغر هاور، وكريغ نلسون، ودنيس هوبر، عن حياتهم بعدما جمعهم رئيسهم، جون
هيرت، في عزلة وأرسل وراءهم جيشا من المرتزقة للتخلّص منهم.
الشرق الأوسط في
06/08/2010
هل تحيل النساء الهزيمة انتصارا؟!
النجمات قادمات
طارق الشناوي
هل تعود المرأة إلى الصدارة السينمائية على الأفيشات والتترات، بعد أن
ظلت تتوارى طوال أكثر من 25 عاما خلف البطل الرجل؟
في أفلام الصيف التي عرضت خلال الثلاثة أشهر الأخيرة، شاهدنا المرأة
بطلة في فيلمين: «بنتين من مصر»، إخراج محمد أمين، وبطولة زينة وصبا
مبارك.. وفيلم «الثلاثة يشتغلونها»، إخراج علي إدريس، وبطولة ياسمين عبد
العزيز.
الأرقام، بالطبع، التي حققها الفيلمان لا تعني على الإطلاق أن هناك
ثورة قادمة، فلم ترصد إيرادات الشباك حركة غير عادية في الإقبال الجماهيري
على الفيلمين، وفي الوقت نفسه لم تحدث مقاطعة من الجمهور، ولكني وجدت حالة
من القبول بين الجمهور وبطلات الفيلمين، ولهذا من الممكن أن نطلق عليها
إرهاصات تغيير أو شروع في ثورة.
لماذا نذكر الأرقام ونحن بصدد أفلام سينمائية؟ الإجابة.. أننا نتحدث
عن حركة سينمائية لا يحركها سوى مؤشر واحد هو الأرقام. عندما عرض قبل 13
عاما فيلم «إسماعيلية رايح جاي»، إخراج «كريم ضياء الدين»، وبطولة «محمد
فؤاد» و«محمد هنيدي» اتجهت، على الفور، شركات الإنتاج إلى «محمد هنيدي»
وإلى كل جيله من شباب الكوميديا أو المضحكين الجدد، كما دأبنا على أن نطلق
عليهم وقتها. ورغم أن اسم «هنيدي» على التترات جاء تاليا لكل من «محمد
فؤاد» و«خالد النبوي» فإن شركات الإنتاج اعتبرت أن القوة الرقمية الضاربة
هو «هنيدي»، وذلك لأن إيرادات هذا الفيلم ارتفعت بنسبة مضاعفة، بالقياس
لأعلى إيرادات في السوق وقتها، حيث كان «عادل إمام» يحقق مليونا وربع
المليون دولار، بينما الإيرادات وصلت في هذا الفيلم إلى قرابة 3 ملايين
دولار. ولهذا أعلنت ثورة المضحكين الجدد ودشنت أسماء نجوم الكوميديا، أمثال
أحمد آدم، والراحل علاء ولي الدين، وأشرف عبد الباقي، وهاني رمزي، ومحمد
سعد، وأحمد حلمي، حتى وصلنا إلى أحمد مكي. كل هؤلاء من الممكن أن نعتبرهم
توابع الزلزال الرقمي الذي أحدثه فيلم «إسماعيلية رايح جاي».
لسنا هنا بصدد تحليل هذه الظاهرة، ما لها وما عليها، هذه بالتأكيد قصة
أخرى تستحق مقالا آخر، ولكن صاحب هذا التغيير صعود أيضا للنجوم «الجانات»
أمثال أحمد السقا، وكريم عبد العزيز، هاني سلامة، مصطفى شعبان، أحمد عز،
خالد صالح، خالد الصاوي، آسر ياسين، عمرو سعد.
وفي المقابل أين المرأة؟ أفيشات المرأة عادت على استحياء في هذا
الصيف، وسوف تستمر أيضا، ومع استمرار عروض الأفلام المصرية في العيد، سوف
تنضم للمسيرة منى زكي بفيلمها «أسوار القمر»، إخراج «طارق العريان» وهي
البطلة المحورية.
يجب أن نلاحظ أن الأفلام التي أسندت للمرأة، وكانت هي قوة الجذب
الرئيسية لم تحقق للنساء النصر المبين الذي ترقبناه جميعا، بل وتمنيناه
أيضا، إلا أن كل ذلك مرتبط، خاصة في السنوات الأخيرة بأن سطوة النجم الرجل
على مقدرات الفيلم أدت إلى أن المرأة باتت ترتضي بأن تصبح مثل الوردة في
عروة الجاكتة، بالنسبة للنجم بطل الفيلم، ومن الممكن بالطبع أن تتخلص من
الوردة، وتترك العروة بلا وردة ولا تتأثر البدلة. أتذكر أنني كتبت هذا
الرأي قبل نحو 10 سنوات، عندما كنا نراهن وقتها على أن حنان ترك ومنى زكي
سوف تعتليان عرش السينما النسائية، ثم بدأتا تقبلان أدوارا صغيرة هامشية،
ولم يعد أحد يكتب لهما أدوارا مهمة. وعلى الجانب الآخر لم تقل أي منهما لا،
لكل ما يعرض عليها، بعدها حنان ترك تبنت هذا الرأي وقررت ألا تمثل إلا
أدوارا محورية، ولكنها سريعا ما تحجبت وانقطعت علاقتها بالسينما، ولم نعد
نراها إلا فقط بطلة لأحد مسلسلات شهر رمضان. يجب أن نعترف أن نجمات السينما
الحاليات، أمثال منى زكي، هند صبري، ياسمين عبد العزيز، منة شلبي، مي عز
الدين، داليا البحيري، نور، بسمة، زينة، وغيرهن استلمن الراية من الجيل
السابق منكسة لأن جيل يسرا وليلى وإلهام، لم يتحقق كنجمات شباك، وأغلب
الأفلام لعب بطولتها النجوم أمثال عادل ونور وزكي ومحمود، وكانت النساء
دائما أقرب إلى سنيدة، على عكس جيل فاتن حمامة، ماجدة، هند، شادية، سميرة،
سعاد، نادية. فكانت الشاشة تعرف في تلك السنوات، التي أطلقوا عليها العصر
الذهبي، نوعا من التوازن بين المرأة والرجل، والقسمة عادلة بينهن وبين جيل
رشدي أباظة وكمال الشناوي وفريد شوقي وشكري سرحان وأحمد مظهر، الأكثر من
ذلك أن أسماء أغلب النجمات كانت تسبق أسماء الرجال على الأفيشات، حتى
النجمات اللائي لم يحققن نجاحا لافتا في الشباك، أمثال ليلى فوزي وزهرة
العلا، فلقد كانت القاعدة هي أن المرأة يأتي اسمها سابقا على الرجل، فيما
عدا المطربين فقط أمثال فريد وفوزي وعبد الحليم، فقد سبقوا النجمات، وهذا
هو الاستثناء الذي يؤكد القاعدة.
ثم تغير وجه الشاشة منذ الثمانينات ولم يصمد سوى اسمي نادية الجندي
ونبيلة عبيد، وكانت فقط تصنع لهما الأفلام، مثل النجوم الرجال، وفي كل
أفلامهما سبقتا الرجال على الأفيش، وكانت الأفلام تكتب من أجلهما، وهما
تختاران الأبطال المشاركين. إلا أنه مع النصف الثاني من التسعينات، وتحديدا
قبل نحو 13 سنة، تضاءل وجودهما سينمائيا. حاولت نبيلة أن تجد مجالا للوجود
بين الحين والآخر، ولكن بلا حضور في شباك التذاكر، بينما نادية الجندي منذ
آخر أفلامها «الرغبة» في 2002 وهي خارج الخريطة السينمائية. حاولت منى زكي
في أكثر من فيلم لعبت بطولته مثل «من نظرة عين» أن تؤكد حق المرأة في
البطولة، وكانت تحرص عندما تلعب بطولة مشتركة مع نجم على ألا يتصدر هو
بمفرده الأفيش، فهي لها أيضا مساحتها على الأفيش، وداخل دراما الفيلم، سواء
كان معها أحمد السقا أو كريم عبد العزيز، مثل فيلم «تيمور وشفيقة» الأقرب
إلى البطولة المشتركة، مع ملاحظة أن اسمي منى والسقا اقتسما الأفيشات
والتترات. وتكرر الأمر مثلا في فيلم «أولاد العم» وكانت البطولة ثلاثية،
كريم عبد العزيز، منى زكي، شريف منير، ثم عرض لها العام الماضي «احكي يا
شهرزاد» ليسري نصر الله، من بطولتها، واسمها كان يتصدر الفيلم، وفي عيد
الفطر سيعرض «أسوار القمر» وهي البطلة المحورية مع عمرو سعد وآسر ياسين.
أيضا فإن يسري نصر الله يعد فيلما اسمه «مركز التجارة العالمي» من بطولة
منة شلبي.
المحاولات لم تتوقف لكن النتائج لم تتحقق جماهيريا، فلم يستطيع شباك
التذاكر أن يسفر عن قفزة حقيقية لأي نجمة، ولكن لا ننكر محاولات منى زكي،
هند صبري، زينة، صبا مبارك، ياسمين عبد العزيز.
لو تأملنا على عجالة الأفلام في السنوات العشر الأخيرة لصناعة بطلة
سينمائية لها شباك تذاكر، سنجد أن عبلة كامل كانت المشروع الأول لشركات
الإنتاج، كبطلة يقطع الجمهور من أجلها تذكرة الدخول لدور العرض. شاهدناها
في أفلام مثل «كلم ماما» عام 2003 واستمرت المحاولات مع أفلام مثل «خالتي
فرنسا» 2004 وشاركتها البطولة منى زكي، ثم «عودة الندلة»، وبعد ذلك «بلطية
العايمة» في 2008. الإيرادات لم تكن على قدر التوقعات، ولكنها من المؤكد لم
تكن تؤدي لتحقيق خسارة، إلا أن الإيرادات أيضا لم يكن لها القوة التي تؤدي
لاستمرار الرهان على عبلة كامل، ولهذا اختفت من على خريطة البطولة، وصار
الرهان عليها خلال آخر عامين في أدوار أقل حجما.
مي عز الدين حققت في فيلم «أيظن» الذي عرض قبل ثلاث سنوات إيرادات
مرتفعة وشعروا بأنها من الممكن أن تنجح في تحقيق إيرادات، وجاء فيلمها
التالي «شيكامارا» بفشل ذريع في الشباك، ولهذا عادت مرة أخرى للمربع رقم
واحد تكتفي بمشاركة تامر حسني، العام الماضي اشتركت في «عمر وسلمى 2» وهذا
العام مع محمد سعد في «اللمبي 8 غيغا»، وأتصور أن الرهان عليها كبطلة صار
الآن محفوفا بالمخاطر.
هند صبري صاحبة موهبة حقيقية، جاءت للقاهرة من تونس بطلة، وذلك عام
2002، عندما لعبت بطولة فيلم «مذكرات مراهقة»، إخراج «إيناس الدغيدي»، ثم
«مواطن ومخبر وحرامي»، إخراج داود عبد السيد، ولعبت مثلا عام 2008 بطولة
فيلم «جنينة الأسماك»، إخراج يسري نصر الله، وهي ورقة رابحة فنيا إلا أن
نجومية شباك التذاكر لم تتحقق حتى الآن، وكان لها أكثر من بطولة نسائية
مشتركة في «أحلى الأوقات» مع منة شلبي وحنان ترك.. «بنات وسط البلد» مع منة
شلبي.
ولكن يظل أن نجوم الشباك من هذا الجيل لا يرحبون عادة بالوقوف في دور
أقل حجما أو متساو مع النجمات، ولهذا مثلا اعتذر أكثر من نجم عن مشاركة منى
زكي فيلمها «أسوار القمر» وكان آخر المعتذرين هو شريف منير، الذي كان لديه
أكثر من تحفظ على المساحة، وعلى أسلوب كتابة اسمه، بينما قبل النجمان
الجديدان آسر ياسين وعمرو سعد، مشاركة منى لأنهما لا يزالان في بداية طريق
النجومية. أيضا ياسمين عبد العزيز شهدت عشرات من الاعتذارات في فيلمها
«الدادة دودي» واضطرت في النهاية لأن تقبل أن يشاركها عدد من الوجوه
الجديدة، مثل نضال الشافعي، وأمير المصري، وشادي خلف، وسامح حسين.
المعركة التي تخوضها النساء الآن أراها بالفعل شرسة.. لا تعرف سوى
نتيجة واحدة، نكون أو لا نكون، وذلك على طريقة وليم شكسبير في «هاملت»..
وليس مطلوبا من النجمات أن تنتظر موقفا مؤيدا من نجوم جيلهن الذين ساندوهن
في البداية ووافقوا على الوقوف أمامهن في أدوار صغيرة لن يوافق النجوم أبدا
على ذلك فلا أحد يعتبرها رد جميل، هن وافقن في الماضي على تقديم أدوار
صغيرة بجوار النجوم، لأن هذا كان وقتها المتاح أمامهن. الآن على النجمات أن
يثبتن للنجوم من خلال شباك التذاكر أنهم سوف يخسرون الكثير لو لم يقفوا
بجانبهن، حتى لو اضطروا لقبول أدوار ليست بطولة.
إن المعادلة السينمائية تبحث أولا عن النجم أو النجمة الذي يملك مظلة
جماهيرية. وعلى النجمات إثبات أنهن يمتلكن هذه المظلة.
الشرق الأوسط في
06/08/2010 |