الحديث عن النهضة
الإعلامية في مرحلة الخمسينيات والستينيات لا يمكن ان يمر من دون ذكر
الإذاعي
الكبير جلال معوض، أحد الرموز البارزة في تلك الفترة فهو الرجل الأشهر
والصوت
الأكثر عذوبة وتأثيرا والقريب من رئيس الدولة وصناع القرار
وصناعته، كما انه صاحب
المسيرة الطويلة المليئة بالنجاحات والإخفاقات، وربما ذلك ما جعله بطلا
لفيلم
تسجيلي من إنتاج قناة النيل للأخبار يتم الاستعداد لتصويره بعد شهر رمضان،
حيث
اعتمدت ميزانيته بالفعل بعد ان تقدم المخرج سامي إدريس بالفكرة
والسيناريو
بالمشاركة مع واحد من الشباب الروائيين والكتاب هو صلاح الدين عيسى، وهو
بالطبع ليس
صلاح عيسى الكاتب اليساري المعروف، الفيلم يحمل عنوانه اسم الراحل نفسه
باعتباره
غنيا عن اي إضافة تسبق الاسم او تلحقه، فالإذاعي الكبير نار على علم وتاريخ
مديد لا
يمكن نسيانه او إسقاطه من الذاكرة الوطنية، فجلال معوض لمن لا
يعرفه من مواليد
كانون الثاني/يناير 1930 تخرج من كلية الآداب عام 1950 جامعة فؤاد الأول،
ينتمي الى
عائلة مرموقة بمحافظة أسيوط بجمهورية مصر العربية أو بالأحرى الجمهورية
العربية
المتحدة المسمى المعتمد الذي كان محببا اليه ويحلو له دائما ان
ينطقه بصوته العريض
ونبرته المميزة، عمل معوض مترجما بالإذاعة بقسم الأخبار في نفس سنة تخرجه،
ثم حاول
العمل مذيعا، ولكنه رفض مرتين لأسباب لم تفصح عنها لجنة الاستماع وان كان
ما تردد
بعد ذلك يؤكد ان صوته المحرض على الثورة كان هو السبب المباشر
في الرفض .. لم ييأس
المذيع الكبير وأصر على التقدم مرة أخرى لاختبار المذيعين فنجح بجدارة بعد
ان تغيرت
اللجنة وانضم اليها أعضاء رأوا في صوته جديدا لم يعهدوه من قبل، ولهذا
الامتياز
والتميز الواضح في إلقاء جلال معوض التحق بكتائب الفدائيين في
التل الكبير
والعباسية وأبو صير قبل قيام ثورة تموز/يوليو عام 1952 .. نقل المذيع الشاب
الأحداث
ووصفها وصفا تفصيليا عبر أثير الإذاعة ومن هنا كان حريا برؤسائه ان يلتفتوا
الى تلك
الموهبة الصاعدة بقوة والمتجهة نحو مستقبل يكون فيه الخطاب
الثوري هو السائد، حيث
يحجز جلال معوض لنفسه حيزا واسعا ويتبوأ مكانة تحت الأضواء فيصير الإذاعي
المرافق
لرئيس الجمهورية في جميع رحلاته والمختص بقراءة النشرة الرئيسية في الساعة
الثانية
والنصف ظهرا من كل يوم بتعليمات شخصية من الرئيس عبد الناصر،
الذي كان يدرك بحسه
السياسي المرهف ان المذيع النابه يضيف مضمونا إيجابيا للأخبار والأحداث
ويجمع الناس
حول الراديو فيكون التأثير أوسع وأشمل وأعم .. لقد تلاقت بصيرة الزعيم
السياسي مع
فطرة الإعلامي الناشئ وموهبته الطاغية، فتعانق الإثنان وعانقا بدورهما
الثورة
واشتعلت بفضلهما جذوة النهضة، وعليها توالى النجاح تلو النجاح
وتدرج معوض في العديد
من المناصب فوصل الى كبير مذيعين بمراقبة التنفيذ، ثم انتدب للعمل في إذاعة
الخرطوم
سرعان ما عاد بعدها الى الإذاعة المصرية للإشراف على الإذاعات الخارجية
وتدريب
المذيعين الجدد بجانب كونه مراقبا لبرنامج الموسيقى والغناء،
وهي مهمة خطيرة تقوم
عليها عملية التعبئة المعنوية والتواصل مع الجماهير، فقد كان جلال معوض
خبيرا
بالذوق الفني العام وما يحتاجه الشارع المصري والعربي في كل مرحلة، لذا
اعتنى كثيرا
بحفلات أضواء المدينة وقدم العديد من مشاهير الغناء والطرب
ومنحهم فرصة ذهبية
للتألق، فأحدث ثورة غنائية موازية لثورة يوليو وفي نفس الوقت لم يغفل دور
الأغنية
الرومانسية وتأثيرها العاطفي، فمن خلالها ارتقى الذوق في الاستماع
والانتقاء
والاختيار الدقيق المترتب على مرجعية ثقافية ووعي بالقضايا
العامة .
ظل الإذاعي
الكبير متربعا على القلوب لفترات طويلة بطول المسيرة الناصرية، الى ان
باغته القدر
برحيل عبد الناصر الذي كان الركيزة الأساسية في حياته فأصيب باكتئاب حاد
وامتنع عن
دخول الإذاعة وتقديم أية احتفالات، مما لفت النظر وأزعج الرئيس
السادات، حيث كان
يعرف انه أحد أسباب اكتئابه فعمد الى الطلب في حضوره وتقديمه في إحدى خطبه،
فلبّى
معوض الأمر مرغما ولكن حدث ما لم يحمد عقباه فقد وقف الإذاعي الحزين أمام
الميكروفون متحشرج الصوت وقال بملء فيه حين لمح السادات يدخل
قاعة الاحتـفالات
بمجلس الأمة جملته الشهيرة التي جلبت له كل الويلات .. الآن يدخل القاعة
الرئيس (جمال عبد الناصر) وحينئذ انقلبت الدنيا
رأسا على عقب، رغم انه تدارك الأمر سريعا
وصحح الخطأ، ولكن قد سبق السيف العذل فلم يفلح التصحيح ..
بالمناسبة هذه الرواية
وردت على لسان جلال معوض شخصيا في حوار أجريته معه بمنزله بعمارة ليبون
بالزمالك
قبل نحو خمس سنوات من رحيله، إذ حكى لي وقائع الفصل والنفي والتشريد، مؤكدا
انه
استشعر الخطر منذ ان ضغط الرئيس المؤمن على يده بشدة أثناء
تأدية واجب العزاء
الرسمي من جانب الإعلاميين في لقاء خاص برئيس الجمهورية الجديد، واختص أنور
السادات
كبير المذيعين بعبارات يفهم منها إحالته الى التقاعد، وبالفعل كانت النتيجة
كما
توقعها صاحبها، حيث أُخبر عند ذهابه لمكتبه بأنه في إجازة
مفتوحة، ومن ثم حمل عصاه
ورحل إلى ليبيا بدعوة من العقيد القذافي، بيد ان إقامته في العاصمة الليبية
لم تدم
طويلا وعاد مرة أخرى الى مصر يتقاضى معاشه كل شهر وينعم براحة وهدوء في
منزله
الأنيق مع زوجته الفنانة ليلى فوزي .. بعد سنوات من العزل فكر
إبن الثورة البار
وصوتها المدوي بأرجاء الوطن العربي كله في إعادة إنتاج الأغاني الوطنية
لصديق عمره
عبد الحليم حافظ بالاشتراك مع شركة صوت الفن ومديرها مجدي العمروسي وبدأ
فعليا في
تسجيل مقدمات الأغاني المختارة وتحمل عذابات الروتين بالأجهزة المعنية،
فالكثير من
أغاني عبد الحليم الوطنية كانت ممنوعة من التداول بالأسواق،
لاسيما التي ذكر فيها
اسم جمال عبد الناصر أو أشارت من قريب او بعيد اليه، ولكن المحاولة نجحت
وتم صدور
أول شريط يحوي المقدمات وبعض الأغاني المحدودة في الذكرى الخامسة لرحيل
العندليب
الأسمر، وكان هذا متنفسا للإذاعي الكبير الذي حُرم من الوقوف
أمام الميكروفون
وتحددت إقامته في بيته مبكرا فتوارى عن الأضواء بعد ان كان هو صانعها!
مرت
السنوات تباعا وأخفق جلال معوض في محاولته الثانية لإصدار شريط آخر لمجموعة
الوطنيات الشهيرة ودخل بعد ذلك في أطوار مرضية فأصابه 'الزهايمر' اللعين
فسقطت من
ذاكرته التواريخ والأحداث والأشخاص ولم يبق في الذاكرة إلا اسم
واحد لشخص واحد هو
الرئيس جمال عبدالناصر فقد ظل يردده على فراش المرض الى ان وافته المنية
مساء يوم
حزين من عام 1997.
القدس العربي في
02/08/2010
تتمتع بحرية اجتماعية اكثر من باقي الدول الخليجية ولا دعم
تتلقاه من الدولة:
السينما البحرينية .. محاولات بطيئة للنهوض
حميد عقبي
العديد من النقاد يرون ان السينما البحرينية ظلت في مكانها منذ عدة
سنوات
تكرر نفس الافكار وبنفس الاسلوب، لعل رأي رجل سينمائي خليجي مهم مثل مسعود
امر الله
آل علي مهم كونه يتابع السينما الخليجية منذ عدة سنوات، ومسابقة افلام من
الامارات
كانت نواة مهمة لميلاد مهرجانات ومخرجين من الامارات والخليج
بشكل عام، وقد قال
كلمة صريحة لقناة الجزيرة خلال تغطيتها لفعاليات مهرجان الخليج السينمائي
الثالث
بقوله 'لا جديد في السينما البحرينية رغم وجود اكثر من فيلم لكنها تظل في
مكانها'.
عدد من النقاد عبروا عن استيائهم من فيلم 'حنين' وقال صلاح السرميني
'مثل هذا
الفيلم يجب تدريسه في الاكاديميات العربية ليعرف الطلبة الاخطاء الاخراجية'،
اي
باعتباره فيلما فاشلا على كافة الصعد، ورغم ما تتمتع به البحرين من حرية
اجتماعية
اكثر من بقية الدول الخليجية الاخرى، مما يتيح للمبدع الخوض
بكل حرية في امور كثيرة
تعتبر في دول اخرى تابوهات محرمة، الا ان السينما البحرينية ظلت في مكانها
بخوض
مواضيع اجتماعية محدودة او النزوع للذاكرة والتوثيق، ولكن خللا ما جعل
الافلام
رتيبة وباهتة.
لغة واسلوب العديد من الافلام البحرينية لا يبتعد كثيرا عن اللغة
التلفزيونية، ولا نشعر بان هناك كاميرا سينمائية ناطقة وفعالة وقادرة على
الاحساس
بالزمان والمكان والشخصيات واظهار الحدث كحدث سينمائي، وليس
تلفزيونيا او اذاعيا،
اما الصورة فهي لا تحمل الكثير كونها تشبه او تعكس ما يقال في الحوار مما
يجعلنا
نفقد الشهية لمتابعة الفيلم، والتمثيل في بعض الاحيان متكلف والاماكن عادية
لا تحمل
نكهة خاصة وجديدة، بل ربما بعض المسلسلات البحرينية كانت اكثر اثارة
وتشويقا مما
يجعلنا نشعر بان من يريدون سينما لا يعرفون كيف يعبرون بلغة
سينمائية او يبتكرون
اسلوبا يجعل المتفرج يفرق بين التلفزيوني والسينمائي؟
السينما البحرينية مازالت
يتيمة من دون رعاية من مؤسسات الدولة والمجتمع المدني، وليس
كما هو الحال مثلا في
الامارات، ولكنها احسن حظا مثلا من المحاولات السينمائية السعودية، كون
الوضع
والمجتمع ورجال الدين في السعودية يرفضون اي خطوة لتقدم السينما وقد لا يجد
المخرج
السعودي فتاة تقبل ان تقف امام الكاميرا، وهناك تابوهات وخطوط
حمراء كثيرة مجرد
التفكير في تجاوزها قد تكون عواقبها وخيمة، في دولة اخرى مثل الكويت رغم
اسبقيتها في خوض تجارب سينمائية، الا ان اغلبية المشتغلين في
المجال الفني يجدون
انفسهم على المسرح او التلفزيون، وتظل السينما مشروعا مؤجلا ومع ذلك تظهر
افلام
قصيرة كويتية تثير الانتباه.
البعض يرى ان السينما في البحرين والخليج بشكل عام
بحاجة لدعم وثقة
الجمهور وتفهمه اي الصبر والتغاضي عن الاخطاء والاشادة
بالمحاسن، والبعض الاخر يرى ضرورة الدعم الحكومي للمحاولات والتجارب،
وخصوصا الدعم
المادي وهناك من يرى ضرورة تقديم الدعم الاكاديمي بتأسيس اكاديميات
سينمائية وتقديم
منح دراسية كون السينما لا يمكن ان تأتي من فراغ فني واكاديمي وهي فن معقد
وليس
سهلا.
كنت ضيفا على قناة 'الثقافية السعودية 'وكان بجواري خالد الرويعي،
مؤلف
فيلم 'حنين' ودافع كثيرا عن الفيلم والسينما البحرينية بشكل عام باعتبار ان
السينما
البحرينية تقدم رسالة اجتماعية وعلينا ان نعي الرسائل ونفهمها
حتى وان كان الاسلوب
ضعيفا ويرى ان التكرار في بعض الاحيان مهم وان المباشرة في الطرح ضرورة
وحاجة بسبب
قيمة الرسالة والهدف.
التبريرات والنقاشات والتصريحات الصحافية بعد انتاج وعرض
الفيلم لا تفيد كثيرا ولا يمكن حصد النجاح عبر الدعاية ونشر التبريرات او
شرح
المقاصد، الفيلم السينمائي الناجح ايا كان نوعه هو ما يجذبنا
اليه حتى من دون معرفة
السيرة الذاتية للمخرج وطاقم الانتاج، وهناك افلام كثيرة احببناها من دون
ان نعرف
اسم المخرج، اضرب مثالا واحدا فيلم 'سارق بغداد' فيلم رائع ومبهر من الصعب
ان نحفظ
اسماء مخرجيه وهم اربعة او خمسة وليس واحدا.
لا اود هنا ان اكون قاسيا كغيري،
البحرين رغم انها دولة صغيرة الا ان لها وجودا سينمائيا ولا
مقارنة مثلا بينها وبين
اليمن او السودان او ليبيا، فهناك مجموعة من الشباب البحريني يحاولون خوض
تجارب
ويشاركون في مهرجانات عديدة بافلام قصيرة وطويلة، وهم يطالبون السلطات
والهيئات
الثقافية البحرينية بضرورة دعم جهودهم، خاصة الدعم المادي ودعم
الراغبين بدراسة
السينما في الخارج ودعم الملتقيات والفعاليات السينمائية، ولديهم احلام
وتطلعات وقد
استمعت باهتمام لبعض الاصدقاء من البحرين المشاركين في مهرجان الخليج
السينمائي
الثالث بدبي بقولهم في العام القادم 'سنعمل وسنخوض تجارب اخرى
لاثبات وجودنا في
الساحة الخليجية وتعويض الخسارة في هذه الدورة.'
مما لفت نظري وجود فنانات شابات
مثلا هيفاء حسين في فيلم 'حنين' كان اداؤها جيدا ويبشر بوجه
سينمائي خليجي مختلف،
كون وجهها معبرا ويتسم بالبراءة والطفولة والجاذبية والرقة، لكن الفيلم
انحاز الى
الادوار الذكورية واعطاها مساحة اكبر، وهذا نجده في الكثير من الافلام
الخليجية
والعربية بشكل عام، وكان من الممكن مثلا في هذا الفيلم استثمار هذا الوجه
والشخصية
وافساح المجال لها لتعطي صورة عن الفتاة والمرأة بالمجتمع
البحريني او اعطاءها
دلالات اكثر، فالمرأة هي الجمال والارض والخير والحب والصفاء والحلم
.
التعامل
حذر وخجول مع الجسد والوجه النسائي في السينما البحرينية واغلبية الافلام
الخليجية
حيث نجد الشخصية النسائية في الكثير من الاحيان بالعباءة وتنتقل الكاميرا
بسرعة
تجاه الرجل ولا تعطينا فرصة التمتع بملامح الوجه في لحظات الفرح، وفي
الكثير من
الاحيان الشخصيات النسائية تندب وتبكي وتولول بطرق مبالغة وفي
اللحظات الرومانسية
نجد في اغلب الاحيان مساحة بين الرجل والمرأة.
في السينما الخليجية بشكل عام
الشخصية النسائية ناقصة وهامشية وفي بعض الاحيان فارغة من
الروح والحياة.
بعض
الافلام البحرينية والخليجية بشكل عام تميل الى اظهار شخصيات الاطفال، لكن
في اغلب
الاحيان لا يتم اعداد المشهد بالشكل الجيد وتدريب الاطفال وقيادتهم بشكل
فني
ابداعي، فالطفل عفوي وهو يعيش المشهد والحدث اكثر من انه يقوم
بالتمثيل لكن هذا
يحتاج لمخرج جيد وتدريب وتهيئة الاجواء المناسبة لكي يقوم الطفل بالظهور
بشكل
طبيعي، ولعل المشكلة ايضا عندما نشاهد تايتل او لوحة الاسماء فاننا نشاهد
ان
الاطفال هم من ابناء او اقرباء المخرج او المنتج اي ان الدور
في اغلب الاحيان لا
يسند لطفل تكون لديه موهبة واستعداد للتمثيل
.
الكثير من الافلام الخليجية
تتعامل مع الطبيعة ببرود باعتبارها مجرد ديكور خارجي وخلفية
ولا نشعر بان تصوير
المشهد في موقع طبيعي مثلا في غابة او ساحل بحري او صحراء يأتي من اجل عكس
دلالات
ميتافيزيقية او روحية والبعض يعتبر الجماليات امرا تكميليا وان الاتجاه نحو
الرمز
والدلالة قد يعيق الفهم،
لذا يتم التركيز في اغلب الاحيان على السرد القصصي بشكل
مباشر وسطحي، ولعل هذا اضعف الكثير من الافلام البحرينية والخليجية بشكل
عام ويتجه
البعض الى اثارة العواطف ومشاعر المتفرج بشكل ساذج، في القاعة
تجد ان بعض المتفرجين
يضحكون وهم يشاهدون حدثا حزينا والسبب اكتشاف ان ما يدور امامهم تمثيل
وتقليد وليس
مشاهد حية تم خلقها بلغة سينمائية فنية.
هذه بعض الملاحظات السريعة نتمنى عدم
اساءة فهمها ونتمنى ان نرى افلاما سينمائية بحرينية جديدة في
الدورة القادمة
لمهرجان الخليج او اي مهرجان خليجي، وان تكسر السينما البحرينية الاطار
الضيق
الخليجي للانتقال الى المحيط العربي، بل والفضاء العالمي وهذا ممكن ان يأتي
بالاستمرارية وعدم الاستلام للاحباطات والاستفادة من التجارب
الفاشلة بقراءتها بشكل
واع وجاد، وان تهتم الدولة وتقدم للفن السينمائي الدعم والرعاية والتشجيع
المادي
والمعنوي.
القدس العربي في
02/08/2010
السينما الامريكية والمخابرات
ميساء أق بيق
التوقيت الذي عُرض فيه الفيلم الامريكي 'سولت' على شاشات
السينما لافت بجميع المقاييس.
'سولت'
لا تعني كلمة ملح بالانجليزية، وإنما هي
الاسم الثاني لبطلة الفيلم 'إيفيلين سولت' التي تجسد دورها
النجمة أنجيلينا
جولي.
لست في معرض الدخول في نقد فني للفيلم، بل في ارتباطه الشديد بالسياسة
إلى
حد غريب. أولاً يأتي عرض الفيلم مباشرة بعد الكشف عن شبكة جواسيس روس في
أمريكا.
بطلة الفيلم يفترض أنها عميلة مزدوجة روسية
أميركية، وهي صدفة غريبة أن يكون الفيلم
تم تصويره قبل مرور عام على كشف تلك الشبكة، وهو أمر يعيد طرح
أسئلة حول مدى ارتباط
المخابرات الامريكية بإدارات هوليوود العليا.
ثانياً يصور الفيلم العميلة محتجزة
في سجون كوريا الشمالية وهم يعذبونها محاولين انتزاع اعتراف
منها وهي مصممة على
روايتها بأنها تعمل في شركة استثمارات عامة، ليتضح خلال دقائق بأنها فعلاً
جاسوسة.
لا أدري والحال كذلك كيف سيتعامل المرء مع
رواية الامريكيين الذين تحتجزهم إيران
ويقولون إنهم صحافيون وتقول طهران انهم جواسيس، وكيف يحكم
القارئ على قضية مقتل
الصحافي الامريكي دانيال بيرل في باكستان الذي أكدت الخارجية الامريكية أنه
كان
يعمل لديها، وكيف سيتمكن المعارض لأساليب 'القاعدة' من الدفاع عن بعض
الأجانب الذين
تحتجزهم من حين إلى آخر والذين غالباً ما يقولون إنهم صحافيون
أو رجال أعمال
ويتهمهم خاطفوهم بأنهم جواسيس أو رجال مخابرات.
ثالثاً يصور سيناريو الفيلم خطة
لقصف طهران ومكة المكرمة بالسلاح النووي وضعها أعداء الولايات
المتحدة وجعلوها تبدو
وكأنها من تنفيذ واشنطن بهدف قتل تسعة ملايين مسلم كي تقوم قيامة أكثر من
مليار
مسلم حول العالم وتشتعل الأرض بما عليها. هي المرة الأولى التي يتخيل فيها
فيلم
سينمائي قصف مكة المكرمة أو عاصمة إسلامية، وليست أي عاصمة
إنها عاصمة إيران التي
تدور نقاشات ساخنة حول جدوى استهدافها عسكرياً أو الاستمرار في المفاوضات
معها، أما
مكة المكرمة فليس هناك حاجة لشرح معناها بالنسبة للمسلمين ولن تتمكن
الكلمات بأي
حال من شرح ذلك.
هوليوود نفسها التي تأبى إلا أن تصور العرب في أي بلد في مظهر
متخلف وقذر، سبق وافترضت في فيلم قبل أحداث الحادي عشر من ايلول سبتمبر بأن
عصابات
تخطط لوضع جثة مسلم في شاحنة يتم تفجيرها في منطقة حيوية فيذهب
ضحية التفجير عدد
كبير من الأبرياء ويتم إلصاق التهمة مباشرة بذاك المسلم قبل أن يتمكن أبطال
الفيلم
من إحباط المخطط، ثم جاءت تفجيرات نيويورك التي لا يزال كثيرون يشككون في
مدى صحة
الاتهامات الملقاة على بن لادن وتنظيم القاعدة. فيلم 'كتلة
أكاذيب' الذي عرض منذ
عامين صور عملية تفجير لقاعدة أمريكية وضع فيها قبل التفجير أشخاص ميتون
أصلا وجرت
السيطرة على الحساب الالكتروني لمسلم بريء وألصقت التهمة به. هوليوود كذلك
عرضت
أفلاماً كثيرة صورت فيها فساد أشخاص في الكونغرس وفي الإدارة
وحتى رئيس الولايات
المتحدة نفسه، كما تعرضت لحالات الانقسام الداخلي والصراع على السلطة
والهيمنة على
مقدرات البلاد، وأظهرت حروب داخلية في الكواليس الخفية لرموز السلطة عمليات
إجرامية
بشعة يذهب ضحيتها كثيرون من الأبرياء ويبقى الفاعل مجهولا، لكن
أحدا من الامريكيين
لا يتوقف لحظة عند بعض الأسئلة البديهية حول قضايا خطيرة تُلقى فيها التهم
جزافاً،
أفلام كثيرة صورت أيضا طريقة تلاعب أجهزة الإعلام بعواطف المشاهدين البسطاء
العاطفيين وشحنات الحقد والغضب التي تبثها في النفوس لأهداف
غير بريئة، لكن هذه
الأفلام لم تخفف من حدة النيران التي تتأجج في النفوس كلما تلاعب العاملون
في
التلفزة والإذاعة بعرض قصة ترتبط بالإرهاب أو بمسلمين. النتيجة أن امرأة
أمريكية
وقفت تحتج على بناء مسجد في موقع تفجيرات نيويورك وقالت عبر
شاشات التلفزة أنا لا
أقول إن كل المسلمين إرهابيون ولكن كل الإرهابيين مسلمون! هذه الفكرة جاءت
من
الإعلام الذي يركز على عمليات متهم فيها مسلمون ويعتم على قصص عمليات أخرى
المتهم
فيها غير مسلم، ولا يأتي على ذكر دينه أو لونه، لا يقول مسيحيا
أو يهوديا أو
هندوسيا أو غير ذلك. هل يتذكر أحد قصة ذاك الامريكي الذي ضرب بطائرة خاصة
مبنى
مصلحة الضرائب في تكساس وقتل شخصين؟ بل هل سمع أحد بهذه القصة من الأساس؟
لا شك أن
الموضوع كان سيختلف كلياً لو أن منفذ العملية كان مسلماً.
الغريب أن الرئيس
الإيراني محمود أحمدي نجاد تحدث في مقابلة تلفزيونية عن توقعات بضربة
أمريكية
لدولتين في الشرق الأوسط وأخشى أن يكون سيناريو فيلم 'سولت' بضرب مكة أو
طهران يخفي
بين جنباته جزءاً من الحقيقة كما صورت أفلام أخرى أحداثا تحققت
فيما بعد، ليبرز
السؤال الكبير حول من يرتبط بمن، هل تستمد المخابرات أو الجهات الأخرى التي
تخطط
للعمليات وتنفذها أفكارها من أفلام هوليوود أم أن الخطط تكون على طاولة
المناقشة
والبحث فتتسرب إلى هوليوود وتقوم بتصويرها قبل حدوثها لتحقق سبقا سينمائيا؟
كلا
الحالتين أحلاهما مرّ. في جميع الأحوال الصورة تبدو بشعة.
كاتبة
سورية
القدس العربي في
02/08/2010 |