تشهد صالات السينما بالدوحة هذا الأسبوع أربعة أفلام جديدة، وكلها
تستحق المشاهدة، المفاجأة أن أفضلها كقيمة فنية (مصري)، وهذه المسألة تحدث
مرة كل عشر سنوات، فالسينما المصرية الضائعة منذ عقود وسط ركام سينما
المقاولات والكوميديا الساذجة والغارقة في تخبط المنتجين والموزعين، وجدت
في فيلم المخرج داود عبدالسيد «رسائل البحر» بصيص نور قد يعيد الأمل لأعرق
سينما عربية، وهو بحق فيلم هام اكتسب احترام النقاد والجمهور.
وأكثر أفلام هذا الأسبوع إثارة للدهشة وأحقها بالمشاهدة اثنان من هذه
الأفلام من آخر إنتاجات السينما الأميركية، أحدهما فيلم الأكشن والخيال
العلمي «سيد الهواء»، ويتوقع أن يصبح حمى جديدة في السينما الأميركية مثل
هاري بوتر وإنديانا جونز وغيرهما من الأفلام الكبيرة، والثاني فيلم رعب
وخيال علمي ومغامرات أيضا، وهو فيلم «المفترسون»، وهو الخامس في هذه
السلسلة التي أصبحت اليوم علامة تجارية ويتوقع أن تستمر لسنوات طويلة أخرى.
الفيلم الأخير دراما كلاسيكية من بريطانيا، وهو فيلم «فيكتوريا
الشابة»، وتدور أحداثه حول العلاقة العاطفية بين الملكة والأمير ألبرت، وقد
أثار الفيلم استياء الملكة إليزابيث ملكة بريطانيا، واعتبرته أخل بالكثير
من الوقائع التاريخية.
* رسائل البحر
(مصري)
النوع: دراما
البطولة: آسر ياسين - بسمة - محمد لطفي
الإخراج: داود عبدالسيد
تدور الأحداث حول طالب طب يعاني من مشكلة في الكلام لأنه مصاب بداء
التلعثم، ما يؤدي إلى سخرية زملائه منه، فيترك كلية الطب ويختار مهنة
الصيد، وحينها يلتقي مع أفراد جدد ويعرف قصصا لم يعرفها من قبل.
ربما لأكثر من عقدين من الزمان لم أقرأ أو أسمع عن فيلم مصري تغزل فيه
كتاب ونقاد السينما المصريين والعرب مثلما حدث لهذا الفيلم الذي كتب قصته
وأخرجه داود عبدالسيد، بعد غياب 8 سنوات منذ آخر أفلامه «مواطن ومخبر
وحرامي» عام 2002، واتفقت الكثير من الآراء بأنه أحد أفضل الأفلام في
السينما المصرية منذ عرفت إنتاج الأفلام الروائية الطويلة، خرج عبدالسيد من
رحم جيل الواقعية الجديدة في السينما المصرية التي ظهرت في ثمانينيات القرن
الماضي وتمردت على سينما المقاولات والميلودراما الهشة التي كانت سائدة في
تلك الفترة، ونجحت في خلق تيار سينمائي ترك بصمته على سينما تلك الفترة
وشكل مع زملائه عاطف الطيب وخيري بشارة بارقة أمل لم يكتب أن تستمر.
واعتبر الناقد الكبير سمير فريد الفيلم (قصيدة من الشعر السينمائي
النادر في السينما المصرية) عن البحر الواسع كالحياة في هدوئه وثورته
وجماله وعنفه وبساطته وغموضه.
وقال الكاتب المعروف طارق الشناوي: «بين الحين والآخر يبرق فيلم يعيد
للسينما المصرية تواجدها العريق عبر الساحة العربية والعالمية، وفي الوقت
نفسه يمنحنا قدرا من الارتياح للرهان على أن غدها أفضل».
ووصفه السينمائي الرصين هاشم النحاس بمرثية شعرية بالصورة السينمائية
لعالم جميل يتلاشي.
وقال: «رغم ما يطرح من آراء حول الفيلم فإن قراءته ما زالت مفتوحة
تقبل المزيد من التأويل بما يحمله من دلالات، والمزيد من التحليل بما يتحلي
به من جماليات الصورة السينمائية.
وكتب إبراهيم الحسيني: «إن رسائل البحر صدمة جمال تستمر، يوجه إلينا
فيه داود عبدالسيد مجموعة كبيرة من الرسائل والإشارات لعل أهمها هذه الفكرة
المسيطرة على الفيلم ألا وهي فكرة قبول الآخر».
وسجل أحمد عاشور في مدونته أن الفيلم قنبلة سينمائية بكل المقاييس،
وهو الفيلم المصري الوحيد الذي يستحق المشاهدة هذا الموسم.
ووصف الكاتب أحمد فائق رسائل البحر بالقصيدة التي تدعو للتأمل
والتفكير، ونلمس فيه الحياة في سيمفونية بصرية.
ويرى مخرج الفيلم داود عبدالسيد أن فيلمه مزيج من الواقع والدراما،
وشخصياته موجودة بالفعل غير أنه وضع لمسات درامية عليها: «أنا قمت بتجميع
خيال مع واقع مع إحساس للوصول إلى هذه الخلطة التي ظهرت بها الشخصيات
المليئة بلغة العقل والمنطق والإحساس».
فاز الفيلم بجائزة راديو وتلفزيون الأندلس في الدورة الرابعة لمهرجان
«سينمات الجنوب» في مدينة غرناطة جنوبي إسبانيا، واحتل لفترة قمة إيرادات
السينما في مصر.
فيلم دفيء ومتقن ويستحق أن نتابعه بعناية وحرارة، وهو بمثابة تحفة
فنية قادمة من مصر ومن وسط ركام ضخم من الأفلام.
* فيكتوريا الشابة
THE YOUNG
VICTORIA
النوع: دراما تاريخية – رومانسية
الزمن: 104 دقيقة
التصنيف:
PG
البطولة: مارك سترونج - إميلي بلنت
الإخراج: جان مارك فالي
دراما رومانسية عن حياة الملكة فيكتوريا ملكة إنجلترا في بداية عهدها
في القرن التاسع عشر، ويتناول الأحداث العاطفية الكبيرة التي عاشتها قبل أن
تتوج ملكة خاصة قصتها الرومانسية مع الأمير ألبرت.
ويروي الفيلم كذلك وصول الملكة فيكتوريا للحكم عام 1837 حين كانت في
الثامنة عشرة من عمرها، ويركز على علاقتها بالأمير ألبرت الذي تزوجته في
عام 1840 وحتى وفاته عام 1861.
أثار هذا الفيلم عند نزوله لصالات السينما في ديسمبر من العام الماضي
ضجة واسعة بسبب استياء ملكة بريطانيا من بعض الأخطاء في الفيلم، وقالت إنه
ليس دقيقا من الناحية التاريخية، بالإضافة إلى أنه تخطى الحدود في تصوير
زوج الملكة الأمير ألبرت، وضربت مثلا في الفيلم حين تعرض الأمير ألبرت
للإصابة وهو يحاول إنقاذ الملكة فيكتوريا من رصاصة أطلقت عليها حسب ما جاء
في صحيفة «الديلي تلغراف» وبالفعل ثبت تاريخيا عدم إصابة الأمير.
الفيلم من إخراج المخرج الكندي جان مارك فيليه، وهو من مواليد الكيباك
1963، ومن أفلامه المعروفة «الحب الفاشل» عام 1999، و «كريزي» 2005.
ولعبت الممثلة أميلي بلنت دور الملكة، وهي ممثلة بريطانية اشتهرت بعد
أدائها في فيلم «صيف الغرام» عام 2004، ونالت ترشيح الجولدن جلوب عام 2006
عن فيلم «الشيطان يرتدي البرادا»، وشاركت في الفيلم السياسي المعروف «حروب
شارلي ويلسون» عام 2007، و «ولفرمان» عام 2010، وكتبت سيناريو الفيلم
البريطانية جوليان فلوز التي قالت لإذاعة «بي.بي.سي» إنها ملمة بالواقعة
التاريخية، وقد رسمتها بهذا الشكل للتماشي مع الفعل الدرامي، ولتبرهن على
شجاعة الأمير وإخلاصه للملكة فيكتوريا.
* المفترسون
PREDATORS
النوع: خيال علمي – أكشن
الزمن: 107 دقائق
التصنيف:
R
البطولة: أدريان برودي - أليس براجا
الإخراج: نيمرود أنتال
فيلم خيال علمي ومغامرات، يدور حول مجموعة من المحاربين النخبة الذين
يتعرضون لمطاردة من أفراد جنس غريب وكائنات مخيفة من عالم آخر لا تعرف
الرحمة.
ثمانية جنود من جنسيات مختلفة يهبطون في أدغال مجهولة في الوقت نفسه،
بينهم مكسيكي وإسرائيلي ومسلم إفريقي وطبيب، ولا واحد بينهم يعرف أين هم
ولماذا تم إنزالهم بهذه الطريقة.
هناك بعض الأفلام الكبيرة في هوليوود تتحول إلى (منتج وماركة تجارية -
franchise) مثل حرب النجوم وهاري بوتر وإنديانا جونز وترانسفومر وغيرها، ولا
تعد مجرد أفلام في صالات العرض فقط، بل منتجات سلعية تدر الملايين من
الدولارات، وتنتج منها ألعاب الكمبيوتر والتي شيترز والعديد من الأشياء.
من بين هذا الأفلام التي تحولت إلى ماركة تجارية سلسلة أفلام
«المفترسون» الذي تشاهده الدوحة في نسخته الخامسة بدء من اليوم بصالات
السينما.
وبالفعل احتل الفيلم المركز الثالث عند نزوله لصالات السينما في نهاية
الأسبوع الأول من هذا الشهر محققا 25.3 مليون دولار في أول ثلاثة أيام
لعروضه، وعند انتهاء الأسبوع الأول حقق الفيلم 40.084 مليون دولار.
أول ظهور لسلسلة أفلام (بريديتور) كان عام 1987 مع الممثل أرنولد
شوازينغر والمخرج جون ماكترنان، وتدور أحداثه حول مجموعة من «الكوماندوز»
في مهمة لسواحل غواتيمالا بقيادة الميجور آلن يجدون أنفسهم محاصرين من
محارب شرس تصعب رؤيته أو هزيمته. وقد أسهم النجاح الجماهيري الطاغي للفيلم
في تحويله لسلسلة من الأفلام تتصدر أعلى الإيرادات في شباك التذاكر، وقد
ابتدع شخصية (بريديتور) الفنان ستان وينستون الذي سبق وصمم شخصية (Alien)
لجيمس كاميرون.
وجد الفيلم حفاوة ممتازة من النقاد، إذ منحوه نسبة %63 من أصل 161 مقالا
صحافيا. وبشكل عام سينال إعجاب عشاق سينما الرعب.
* سيد الهواء
THE LAST AIRBENDER
النوع: خيال علمي – أكشن
الزمن: 103 دقائق
التصنيف:
R
البطولة: نواه رينغر - نيكولا بيلتز
الإخراج: م. نايت شيامالان
يدور الفيلم حول الفتي آنغ الذي ينحدر من سلالة (الأفتار) ويتمتع
بقدرات فائقة، وتقع عليه مسؤولية إيقاف أمة النار من استعباد الأمم الأخرى
التي تعيش في المنطقة وهي الماء والهواء والأرض. وتجري أحداث الفيلم في زمن
مجهول، حيث انقسم العالم إلى أربعة أمم اشتهرت بعناصر محددة مثل الماء
والنار والهواء والأرض ويتحكمون فيها، ويكتشف آنغ أنه مختلف وبإمكانه
التحكم في هذه القوى الأربعة، وهو الوحيد القادر على مواجهة مطامع أمة
النار.
ملحمة سينمائية وفانتازيا تأسر الخيال وتمزج بين المغامرة والخرافة
والعاطفة، ومصممة بتكنولوجيا عالية مقتبسة من المسلسل التلفزيوني الكرتوني
(أفتار: سيد الهواء) الذي بثته قناة «نيكلوديون» وتحديدا من حلقات الموسم
الأول، وهي السلسلة التي اشترى حقوقها المخرج المعروف جيمس كاميرون
واعتبرها النقاد ليست فقط أهم عمل كرتوني تم إنتاجه في القنوات
التلفزيونية، بل أهم عمل تلفزيوني تم إنتاجه على مر التاريخ، وقد تم إنتاج
الفيلم بميزانية ضخمة بلغت 280 مليون دولار منها 150 مليون دولار تكاليف
التسويق لهذا العمل الهائل الذي تم التخطيط له منذ الآن ليكون ثلاثية، حسب
ما أعلنت عنه بارامونت وهي الشركة المنتجة للعمل.
الفيلم يسير على خطى ملحمة الثلاثية العبقرية (ملك الخواتم) الذي سجل
رقما قياسيا في ترشيحات الأوسكار عام 2002 ليبلغ 13 ترشيحا، وهو النموذج
الأعلى في منحني تطور السينما الملحمية التي يتوجب على كل الملاحم
السينمائية أن تصل لمستواه مضمونا وتكنيكا، وما عدا ذلك ستصبح مجرد أرقام
لا يتذكرها أحد في السينما الأميركية.
الفيلم مفعم بالكثير من المواقف المفتعلة والتركيز على الكمبيوتر على
حساب المشاهد الإنسانية الحية،
وربما لهذا السبب لم يعجب الكثير من النقاد الذين قرروا المقارنة بينه
وبين السلسلة التحفة (ملك الخواتم)، ورأى بعضهم أن ضعف الفيلم يعود لسطحية
المعالجة الدرامية، كما أن الشخصيات في هذا الفيلم منزوعة من أي خلفية وبلا
عمق، وأن الفكرة المحورية التي تم اقتبساها من فيلم كرتوني بسيطة وساذجة
ولا تتواءم مع الفكر الروائي.
جليبرمان من (إنترتينمنت ويكلي) قال إن الفيلم متماسك في خطه العام،
ولكن الشخصيات بلا هوية أو ملامح واضحة، والحبكة غامضة، واتفق معه ليام
ليسي في محدودية المساحة التي تتحرك فيها شخصيات الفيلم بسبب الاعتماد على
الكمبيوتر الذي يبرز السطح ويتجاهل العمق، فالشخصيات لم تعط كل ما عندها
مما أثر بالتالي في الخط العام للفيلم.
ولعل أكثر النقاد إحباطا كان روجر ألبرت الذي منح الفيلم نسبة متدنية
وهي 1 من 5 نجوم، ووصفه بالممل خاصة نسخة الأبعاد الثلاثة.
محرر صحيفة (يو أس توداي) كان له رأي مخالف، فقد اعتبر الفيلم مسليا
ومتماسكا خاصة للشباب والأطفال، واعتبر أن مشاهد الحروب رسمت بعناية
مشهودة، وفكرة التحكم في الماء والنار والهواء بدت مدهشة في فيلم رسوم
متحركة، ولكنها غير مرضية تماما في الدراما الحية. مخرج الفيلم نايت
شياملان أميركي من أصول هندية من مواليد 1970، وهو مخرج وكاتب سيناريو
ويحقق أفلامه في الولايات المتحدة فقط، اشتهر بتحقيقه لأفلامه في إطار
الحبكات المعاصرة، ويعشق الموضوعات التي تدور فيما وراء الطبيعة وتنتهي
بنهايات معقدة، وغالبا ما تشكل فلاديفيا وبنسلفانيا -حيث نشأ- مواقع لتصوير
أفلامه.
عند ظهوره وصفه النقاد بسيبلبرج الجديد، خاصة بعد تدفق الجماهير على
أفلامه الأولى.
بدأ العمل في مجال الفيلم الطويل عام 1992 وهو طالب في جامعة نيويورك بفيلم
«الدعاء بغضب»، ثم أنتج عام 1996 فيلم « الاستيقاظ الواسع»، ولكنه اكتسب
سمعة مدوية عام 1999 بعد إخراجه لفيلم «الحاسة السادسة» مع بروس ويلس، وهو
دراما عن ما وراء الطبيعة عن طبيب نفساني يلوم نفسه لانتحار مريض، ويلتقي
بطفل يعتقد أنه يرى الأموات.
ومن أفلامه الهامة الأخرى «إشارات» وهو خيال علمي عن قسيس من
بنسلفانيا فقد إيمانه بعد وفاة زوجته.
«الاستيقاظ الواسع» يدور حول صبي يبحث عن عقيدته بعد وفاة جده. «سيدة
في الماء» وهو فانتازيا عن رجل يكتشف سيدة في حوض السباحة في منزله ويكتشف
أنها حورية ماء.
وآخر أفلامه عام 2008 وهو فيلم «الحدث» الذي يدور حول سر غامض يجعل
الناس تقبل على الانتحار.
تحدث مخرج عن الاستقبال المتواضع للنقاد لفيلمه وقال إنهم ربما لم
يهضموا الفكرة الأساسية في الفيلم الذي يقوم بناؤه على رؤية، وكل ما يستطيع
المرء عمله هو رسم هذه الصورة الذهنية على الشاشة.
فيلم كبير ومثير سينمائيا، رغم الأصوات المعارضة الكثيرة من كتاب
ونقاد السينما، وأتوقع أن ينال إعجاب جمهور السينما، فهو يتمتع بكل صفات
السينما الجماهيرية هذه الأيام، وتختلط فيه مشاهد الحركة بتقنيات ومؤثرات
بصرية مدهشة.
العرب القطرية في
29/07/2010 |