تحتاج السينما الروائية إلى خبرة تراكمية كي تتمكن من بناء علاقة خاصة
مع المكان الوطني، فلا يكفي فيلم واحد أو حتى مجموعة أفلام جرى إنتاجها
خلال فترات زمنية متباعدة لتكريس صورة المكان وكشف جمالياته وقيمه.
تفتقد السينما الأردنية، أو بتعبير أدق، الأفلام الأردنية التي أنتجت
خلال نحو نصف قرن من عمرها والتي لا يزيد مجموعها على عشرة أفلام روائية
طويلة، مثل هذه الخبرة التراكمية التي تسمح لها بالتعبير عن المكان وهويته،
خصوصا أن من قاموا بتحقيق ما توفر من أفلام أردنية روائية طويلة لم يضعوا
مثل هذه المهمة في بالهم، ولم يمتلكوا رؤية فنية تجاه الأماكن التي صوروها
حاولوا التعبير عنها.
رغم ذلك ثمة ما يقال حول المكان في الأفلام الأردنية، فأول الأفلام
السينمائية التي جرى تصويرها في الأردن كان بعنوان "صراع في جرش" (إخراج
واصف الشيخ ياسين)، وهو فيلم روائي طويل أنتجه مواطنون أردنيون يحكي قصة
ملاحقة ضابط شرطة لعصابة تسرق الآثار وتبيعها. جرى إنتاج الفيلم في العام
1957وتم عرضه في صالة سينما الفيومي في جبل اللويبدة ثم في صالة أخرى في
إربد لبضعة أيام، بعد ذلك اختفى الفيلم ولم يعد له أثر إلا في ذاكرة بعض من
شاهدوه في حينه، وأكثر ما حفظته الذاكرة عن الفيلم أنه كان فيلما بدائيا في
صنعته وساذجا في موضوعه وقصته.
بعد نحو نصف قرن من اختفاء الفيلم تم العثور على النسخة الأصلية منه،
وبالتالي صار من الممكن مشاهدته، أو بتعبير أدق:" إعادة اكتشافه"، ومن ثم
إعادة الاعتبار له من حيث كونه وثيقة مرئية باتت تسمح لنا الآن بالتعرف على
المكان الأردني في زمن مضى وما طرأ عليه من تغيرات وتطور، مثلا، آثار جرش
كانت مجرد أطلال مهملة وصارت الآن معلما سياحيا حضاريا، كذلك البحر الميت:
كان فضاء فارغا إلا من رمال جرداء وماء فصار الآن بنبض بالحياة والعمران،
لكن، ليس هذا فقط ما يشكل أهمية هذه" الوثيقة السينمائية".
تتألف النسخة التي تم العثور عليها من قسمين، الأول مقدمة دعائية كانت
تعرض في صالات السينما قبيل العرض الرسمي للفيلم كإعلان عنه، فيها مقاطع من
الفيلم تتضمن بعض أبرز أحداثه ومنها زيارة بطل الفيلم للأماكن المقدسة في
القدس وبيت لحم بصحبة سائحة أجنبية، وكانت المشاهد تُعرض مرفقة بتعليق لا
علاقة له بسياق الفيلم الحكائي، بل يرتبط بمضمون المكان من حيث هو قيمة
دينية ووطنية حضارية.
يهدف التعليق على المكان في المقدمة الدعائية لفيلم "صراع في جرش" إلى
إيصال شحنة عاطفية لنفوس المشاهدين. لا نعرف الآن إن كان التعليق نجح في
تحقيق ذلك الهدف في حينه أم لا، أما في الزمن الحاضر وبعد أن أصبحت بعض هذه
الأماكن تحت الاحتلال، فإن المكان في تشكله القديم، بلا شك، يتحول إلى
ذاكرة حية ويصبح وثيقة مشبعة بالعاطفة.
تنطبق هذه الملاحظة أيضا على الفيلم بمجمله، خصوصا أنه يقودنا في جولة
عبر أرجاء مختلفة من الوطن تستدعي حالة من الحنين لدى من عرفها في صباه، أو
حالة من الدهشة لدى من لم يعرفها.
هذا ما نعايشه أيضا في الفيلم السينمائي الأردني الروائي الطويل الثاني
"وطني حبيبي" (إخراج عبدالله كعوش)، الذي جرى تصويره بعد "صراع في جرش"
بخمسة أعوام (1962)، والذي يحكي عن تصدي الجيش الأردني لاعتداء العدو
الإسرائيلي على قرية أردنية ويروي حكاية ضابط فقدَ قدمه أثناء المعركة.
لقي فيلم "وطني حبيبي"، الذي يعاني من نقاط ضعف الفيلم الأول من ناحية
الصنعة وسذاجة سرد الحكاية، مصير الفيلم السابق عليه نفسه، حيث أنه أيضا
فُقد وتم العثور عليه مجددا بعد سبع وخمسين عاما، لنكتشف بعد مشاهدته أنه
لا يستعيد فقط وقائع حادثة من التاريخ المعاصر ذات بعد وطني سياسي، بل هو
بمثابة وثيقة بصرية حية عن مدينة عمان في مرحلة متطورة من تشكلها، حيث أن
الأماكن التي جرى تصويرها في الفيلم لا تشاهَد الآن بوصفها مجرد أماكن جرت
فيها الأحداث ذات المضمون الوطني المؤثر، بل أماكن تستعيد ذكرى مزيج مرحلة
من تاريخ الوطن وتاريخ العاصمة عمان: مطار ماركا القديم، المستشفى العسكري
في ماركا، شارع السلط حيث يوجد مبنى المحكمة الذي ما يزال قائما، والأحياء
السكنية التي شكلت بداية عمران عمان الغربية.
في فيلم" وطني حبيبي" ينسجم المضمون مع الشكل: مطار ماركا هو المطار
الذي يصل إليه في بداية الفيلم شقيق الضابط وقد عاد من أوروبا وأصبح طبيبا
متشوقا لخدمة وطنه، والمستشفى العسكري هو المكان الذي سيجري فيه إنقاذ
الضابط المصاب، وشارع السلط هو الطريق التي تسير فيها وعلى امتدادها
وتستكشفها السيارة التي تقل الطبيب الشاب العائد إلى الوطن متجهةً بتمهل
نحو الحي الحديث.
ثمة قاسم مشترك بين فيلمَي "صراع في جرش" و"وطني حبيبي"، من زاوية
العلاقة مع طريقة تصوير المكان، فثمة في الفيلمين نزعة لاستعراض الأمكنة
التي يجري تصويرها سواء كانت مناظر طبيعية أو مناطق أثرية أو معالم
عمرانية، وهذا الاستعراض يغني مضمون المشهد، لهذا نجد أن الأمكنة لها دورها
الخاص ووظيفتها في بنية الفيلم، وربما من دون قصد مسبق من صانعيه، إضافة
إلى تكريس المواد المصورة في المواقع الأردنية كوثائق تثبت في الذاكرة
مرحلة تطور محددة زمنيا.
ويكتب الناقد ناجح حسن عن فيلم "الأفعى" (1971)، للمخرج جلال طعمة، أن
قصته "تروى من خلال تداعيات رجل وجد نفسه على رصيف الشارع ذات ليلة قبل أن
يطرح عليه عابر سبيل سؤالا عن الأسباب التي حدت به إلى أن يقضي ليلته بهذه
الحالة الصعبة، ليبدأ في سرد قصته المأساوية التي تتلخص في زوجة جشعة تشتعل
فيها الغيرة من قريبتها التي تعيش مع زوج ثري".
تجيء أهمية هذا الفيلم من طبيعة العلاقة مع المكان بوصفه وثيقة بصرية
نادرة تستعرض فيها كاميرا الفيلم جوانب من إيقاع الحياة اليومية لبعض مناطق
عمان القديمة المليئة بتفاصيل الأمكنة النابضة بالحراك اليومي مثل: جبل
اللويبدة ووسط البلد وجبل عمان القديم، بالإضافة إلى تصوير بيوت المدينة
القديمة في جمالياتها المعمارية اللافتة وما يحيط بها من بساتين وحدائق.
لن نعثر على هذا الوجود الدال الموظف للمكان بالمقدار نفسه في بقية
الأفلام السينمائية الأردنية التي أنتجت خلال تلك المرحلة أو بعد ذلك، مثل
فيلم "الطريق إلى القدس" (1969) للمخرج عبد الوهاب الهندي، والذي يتكون
أساسا رغم عنوانه من مشاهد داخلية، أو فيلم "حكاية شرقية" (1992) للمخرج
نجدة انزور، رغم احتوائه إضافة إلى السابق، على مشاهد خارجية متعددة
ومتنوعة الأماكن، وكمثال، نذكر أن فيلم "حكاية شرقية" يتضمن مشهدا يهبط فيه
بطل الفيلم من أحد أدراج عمان، لكن الفيلم لا يحتفي بجماليات الدرج، مع أن
أدراج عمان ذات جماليات مميزة، بل يستغل الدرج لتنفيذ مشهد متخيل تحاصر فيه
رغوة مسحوق غسيل، تنحدر من أعلى الدرج إلى أسفله مثل شلال هادر، بطلَ
الفيلم.
وكانت البترا وبعض المواقع الأثرية الأردنية هدفا للتصوير في أفلام
مغامرات شارك منتجون أردنيون في إنتاجها، سواء مع منتجين من لبنان أو مع
منتجين من تركيا، وهي تنتمي إلى زمن أواسط الستينيات، مثل فيلم "عاصفة على
البترا" و"نسر الشرق" و"رجل من الأردن".
بعد سنوات ستتكرر العلاقة مع المكان في السينما الأردنية كشخصية دالّة
من خلال الفيلم الروائي الطويل الحديث "الكابتن أبو رائد" (2008) للمخرج
أمين مطالقة، والذي يروي حكاية عامل نظافة عجوز في المطار يقطن في جبل
القلعة ويحاول مساعدة صبيان الحي الفقراء في حياتهم قدر الإمكان، والذين
بدورهم يتوهمون أنه يعمل طيارا مما يجعله يروي لهم حكايات عن سفراته في
العالم يلفقها في خياله ومن خلال مطالعاته، وينتهي به الأمر مقتولا على يد
رجل فظ الطباع بعد أن أنقذ زوجة هذا الرجل وابنه من بطشه بهما.
حيث يجسد المكان شخصية رئيسية في الفيلم الذي جرى تصوير معظم أحداثه
في جبل القلعة، أحد أحياء عمان السكنية القديمة، وفي أحد أحياء مدينة السلط
الجبلية ذات الطابع التراثي المميز، حيث يعيش متوسطو الحال والفقراء (يظهر
هذا كله في الفيلم بوصفه حيا عمانيا واحدا، إذ لم يجر تصوير أحياء مدينة
السلط لذاتها، بل لاستكمال وتنويع مشهد الحي في عمان عبر دمجها معه).
فإضافة إلى المشاهد الخارجية للحي القديم الذي توحي منازله بالمستوى
المعيشي المتدني نسبيا لقاطنيه، ثمة في الفيلم مشاهد داخلية جرى تصويرها في
بيوت في هذا الحي، ومشاهد داخلية قليلة صُورت داخل أحد بيوت عمان الفاخرة،
وهو بيت تقطن فيه بطلة الفيلم التي تنتمي إلى أسرة ثرية. لهذا البيت أهمية
خاصة في الفيلم، إذ يعكس هذا البيت الفاخر رحب الأرجاء المضاء جيدا حالةً
من التضاد، شكلا ومضمونا، مع بيوت الحي الفقير التي يعرضها الفيلم ضيقة،
مكتظة، وقاتمة الأجواء متشابهة في ذلك مع الأزقة الضيقة والأبنية المتراصة.
وفي حين يتسم سكان البيت الفاخر، الذين يعيشون حياة مريحة رغيدة، بالوسامة
والأناقة، من حيث الشكل، والطيبة والتسامح واللطف من حيث المضمون، يبدو
سكان الأحياء الفقيرة (طبعا باستثناء بطل الفيلم الكابتن أبو رائد)، قساة
أشقياء عديمي الرحمة (يؤدي هذا التضاد وظيفة درامية ذات مضمون طبقي تتضح
أبعادها في خاتمة الفيلم، عندما يقوم بطل الفيلم الكابتن أبو رائد بإنقاذ
جارته وابنها الفتي من بطش زوجها الوحشي عن طريق تهريبهما من بيتهما
ونقلهما للعيش في البيت الفاخر بموافقة وترحيب سكانه، إذ هكذا، بفضل كرم
أخلاق العائلة الثرية، تنجو الأم ويؤمَّن مستقبل الابن الذي سينجو من حياة
الشوارع التي يعيشها وسيصبح طيارا تُروى أحداث الفيلم من خلال استعادته
لها!).
تمتلك الأحياء القديمة في المدن جاذبيتها وسحرها خصوصا بالنسبة
للمخرجين والمصورين السينمائيين، الذين يبذلون ما في وسعهم في العادة
للتعبير عن جمال الأحياء القديمة وجاذبيتها. وفي فيلم" الكابتن أبو رائد"
العديد من اللقطات التي يبرز فيها الجمال الخاص بهذا الحي الجبلي الممتلئ
بروح التاريخ والمطل من فضاء عليائه وسط آثار القلعة على المسرح الروماني
الأثري، وهذه اللقطات تُستخدم في المشاهد المرتبطة بشخصية الكابتن أبو
رائد، الإنسان المتفاني في حب الآخرين ومساعدة المحتاجين، خصوصاً الأطفال
عندما يجمعهم حوله ليشحذ خيالهم بحكايات رحلاته التي لم تحصل في الواقع.
التجربة الأحدث في مجال علاقة السينما الأردنية بالمكان هي فيلم"
الشراكسة" الذي أنتجه وأخرجه محي الدين قندور، وعاد فيه إلى تاريخ تأسيس
عمان الحالية إثر هجرة الشركس إليها من بلاد القفقاز، حيث استوطنوا منطقة
رأس العين وبنوا مساكنهم فيها، ما أصبح بدايةً لانطلاق عمران المدينة.
ولتحقيق فيلمه قام المخرج ببناء منطقة سكنية كاملة على غرار البيوت الأولى
التي أُنشئت في ذلك الحين.
المصرية في
23/07/2010
مزيج رائع من تراجيديا الواقع والكوميديا
السوداء في «مرآة» عاكسة لخفايا المجتمع المصري
حنين الوطن.. «عسل أسود» في قلب «حلمي»!
البطل برع في شخصية «المغترب».. وعرّي
السلبيات بـ«الجواز» الأمريكي
رؤية ياسر العيلة:
على الرغم من مشاق الحياة والمعاناة التي يلاقيها في معيشته يعود
المصري الى وطنه الاثير الى قلبه.. انها علاقة نفسية روحانية تربط بين قلبه
وتراب الارض التي تربى عليها، ومجتمعه الذي ألفه وعاش وسط حسناته وسيئاته..
هذا باختصار الفكرة الاساسية التي يدور حولها الفيلم الجديد للنجم الكوميدي
المصري أحمد حلمي «عسل أسود» المعروض حاليا في دور العرض السينمائي
بالكويت.
فكرة عميقة
اختار حلمي لفيلمه الجديد فكرة أكثر عمقا وملامسة لقضايا بلاده، سلط
بها الضوء على سلبيات عديدة وصمت مجتمعه في العصر الحالي، واستطاع النجم
المصري بحرفية ادائه، وتمكنه من ادواته بموهبته وذكائه مع سيناريو «مميز»
ان يعرّي كل مخلفات «العنصرية» و«العولمة» في نسيج الشعب المصري التي
اسسقطت بداخله كثيرا من قيم الماضي الجميل وعاداته وتقاليده التي ظلت راسخة
عبر الاجيال السابقة، فسيطرت المادة على حياته، واوضح الاحترام والاجلال
لكل من «معاه قرش»، وغيرت نظرة الاحترام والاجلال وجهتها من ابن البلد إلى
الاجنبي الذي بات يجد كل سبل الراحة وتلبية احتياجاته على حساب المواطن
المصري المتعب والمرهق المكتئب دوما مما يلاقيه من عناء ومشقة شديدين في
معيشته وشؤونه الخاصة والعامة وكل أمور حياته!!
تعرية السلبيات
لم يترك الفيلم أي سلبية في المجتمع المصري الا وتناولها وعراها بداية
من التعليم الذي وصل الى ادنى مستوى، والمدرسين الذين يعلمون التلاميذ
اللغة الانجليزية بجهل شديد والمدارس التي وصلت الى حالة يرثى لها، ودورات
مياهها المغلقة امام الطلبة مرورا بالروتين والبيروقراطية والرشوة في بعض
الوزارات والجهات الحكومية، بخلاف مشاكل المياه والهواء الملوث وضياع كرامة
المواطنين في اقسام الشرطة، بالاضافة للتحرش في الاتوبيسات.. انها
«تراجيديا» الواقع الاليم.
وانا اعتبر هذا الفيلم محطة فارقة في المسيرة الفنية لحلمي ازداد معها
نضجاً وشعبية، لكن على الرغم من تميزه، في الاداء فانني اراه اجمل في ثوبه
القديم، فنحن في امس الحاجة لمن يرسم الابتسامة على وجوهنا وينتزع الضحكات
من قلوبنا.
أمريكي الأقوى
ونذهب معاً الى احداث الفيلم الذي شهد في بدايته تغيراً مستمراً في
عنوانه، بدأ من «مصر هي أوضتي» ثم الى «جواز سفر مصري» حتى استقر على «عسل
أسود»، ويدور حول الشاب «مصري سيد العربي» الذي يعود من الولايات المتحدة
الأمريكية بعد 20 عاماً، وعلى الرغم من حصوله على الجنسية الأمريكية فانه
يعود بجواز سفره المصري، وما ان وطئت قدماه مطار القاهرة حتى يكتشف فداحة
ما ارتكبه في حق نفسه باعلان مصريته اذ تعرض لمضايقات ومعاملة وتفرقة بينه
والسياح الاجانب في كل شيء: الفندق وتأجير السيارة، حتى عندما اراد ان
يمتطي حصاناً في الهرم اعطوه حصاناً غير صالح للركوب وسرقة حذائه من
المسجد، ونهاية بالقبض عليه لانه يصور النيل والمباني المطلة عليه!!
وبعد ان يسترد جواز سفره الامريكي، تتغير الصورة تماما، فيتباهى
بجنسيته الأمريكية التي تجعله يحظى باحترام وتقدير كل من يتعامل معه ويتضح
له ان جواز سفره الأمريكي يميزه عن باقي المصريين، فنجده يلقي بجواز سفره
المصري من شرفة غرفته بالفندق الذي يقيم به، في مشهد «جريء جداً» يحمل
اسقاطاً أليماً اثار بداخلي الحزن والشحن والاستياء في آن واحد.
وعلى غير ما يتوقعه، يفقد «مصري سيد العربي» جواز سفره الأمريكي فجأة
في احدى المظاهرات، ليجد نفسه في موقف لا يحسد عليه وتتحول حياته للاسوأ
مرة اخرى، وفي النهاية تأخذ الاحدث منحى سلبياً، فيقرر العودة الى أمريكا،
بعد الايام الصعبة التي قضاها في مصر، ويستقل الطائرة المتجهة الى أمريكا.
وبعد ركوبه، يمر أمام عينيه شريط الاحداث التي مر بها في مصر، وعلى
الرغم من كل المعاناة التي عايشها خلال تلك الفترة فإنه يقرر العودة الى
مصر بكل ما فيها من سلبيات وتغيرات كبيرة حدثت خلال 20 عاما ابتعد فيها
عنها لكنه لايزال يراها مثل العسل على قلبه ولكنه العسل الاسود!!
جوانب مضيئة
الفيلم على الرغم من سخريته وحدته، لكنه حمل جوانب مضيئة فشاهدنا
الاسرة البسيطة التي لا تملك سوى الستر تحتضنه وتستقبله في منزلها المتواضع
ليعيش معهم فردا من افرادها، وايضا شاهدنا موائد الرحمن والمرأة التي تقوم
بتوزيع اللحوم على الفقراء، كما شاهدنا ايضا الموظف الذي يرفض الرشوة في
مشاهد ايجابية رائعة.
براعة وإقناع
برع احمد حلمي في تقمص - لدرجة الاقناع- شخصية المصري الذي يمضي معظم
سنوات عمره بامريكا الى ان عاوده الحنين بالرجوع لمصر مرة اخرى من خلال
مظهره وتسريحة شعره واختياره ملابسه، وطريقة نطقه العربية والإنجليزية.
اقتباس
لقد استمتعت حقا بالفيلم، ولكنني لا ارى مبرراً لاصرار حلمي على
الاقتباس المستمر من الافلام الغربية ففيلمه الاخير «آسف على الازعاج»
اقتبسه من فيلم غربي وفيلمه الحالي «عسل اسود» يكاد يكون اغلبيته مقتبسا من
الفيلم الامريكي للمخرج ميل بروكس بعنوان «استنكس»
شجن وإبداع
اما الموسيقى التصويرية للموسيقار عمر خيرت فحملت زخما من الابداع
الذي اعادنا للزمن الجميل فوضعنا في حالة من الشجن، تناغمت مع المشاهد
وكانت ملائمة تماما لاحداث الفيلم في حين جاء الاداء التمثيلي لباقي
الابطال رائعا تفوقوا فيه على انفسهم، وخاصة الفنان القدير لطفي لبيب سائق
الميكروباص، والمميزة انعام سالوسة الجارة والمخضرم الضاحك يوسف داود
والواعد إدوارد.
الوطن الكويتية في
23/07/2010 |