يبدو أن العلاقة الفنية
القائمة بين المخرج المصري علي إدريس ومواطنه السيناريست يوسف
معاطي مستمرة.
إنتاجهما السينمائي متأرجح بين كوميديا خفيفة ومُضحكة، وتسطيح بارع يُراد
منه إضحاك
المُشاهدين. ثلاثة أفلام أنجزاها معاً، بالتعاون مع الممثل عادل إمام:
«التجربة
الدانماركية» (2003) و«عريس من جهة أمنية» (2004) و«مرجان أحمد
مرجان» (2007). قدّم
معاطي أفلاماً أخرى. الكوميديا، بالنسبة إليه، طاغية. النتيجة ليست
إيجابية،
دائماً. المضامين مفتوحة على السياسي والإنساني والاجتماعي. لكنها باهتة
غالباً. مع
عادل إمام أيضاً، كتب معاطي «الواد محروس بتاع الوزير» (1999)
لنادر جلال و«السفارة
في العمارة» (2005) لعمرو عرفة و«حسن ومرقص» (2008) لرامي إمام. التنويع
مفقود.
المحاولة جادّة، لكن الأفلام التي كتبها
يوسف معاطي ظلّت في إطار كوميدي عادي.
معالجة السياسي والإنساني والاجتماعي مسطّحة، على الرغم من أهمية العناوين
العامة:
السلطة الأبوية. الفساد السياسي. الانشقاق
الطائفي. إسرائيل. لا يختلف علي إدريس عن
شريكه السينمائي، كثيراً. الكوميديا هدف، لكن المضمون مفرّغ،
غالباً، من الجمالية
المطلوبة في صناعة فيلم.
ارتباكات
الدلائل متنوّعة. الأفلام الثلاثة التي
حقّقها الثلاثي إدريس ومعاطي وإمام دليلٌ على الارتباك الفظيع
بين الكوميديا
والتهريج. والتهريج، هنا، بات سمة «الزعيم» عادل إمام. يُمكن القول إن
«عريس من جهة
أمنية» أفضلها. المشاهد المُضحكة أكثر. الحيوية أوضح، خصوصاً مع شريف منير.
النكتة
غائبة. التمثيل عادي للغاية. السيناريوهات متشابهة، تقريباً.
«التجربة الدانماركية»
محاولة باهتة للإضحاك. حضور امرأة دانماركية في منزل مصري مثير للهزء، لما
فيه من
فراغ وتسطيح. «عريس من جهة أمنية» أجمل قليلاً. المحاولات الحثيثة لمنع
ضابط الأمن
من الزواج بالابنة الوحيدة لإمام مترابطة وسَلِسة و«مهضومة».
أسوأ الأفلام الثلاثة: «مرجان
أحمد مرجان». رجل الأعمال الثري الذي يشتري كل شيء، ويظنّ أنه قادرٌ على
شراء كل شيء بماله الوفير، بدا عاجزاً عن إثارة المسائل الإنسانية (الحب،
العلاقة
بين الأب وولديه، الدراسة، الأمية، الثراء... إلخ) بالطريقة المناسبة. مع
هذا، قيل
إن الأفلام المذكورة ناجحة تجارياً، أي شعبياً. معرفة الإيرادات لم تكن
امرا سهلاً.
لكن معلومات صحافية ذكرت أن «التجربة
الدانماركية» حصد 14 مليوناً و803 آلاف و579
جنيهاً مصرياً فقط، في حين أن «مرجان أحمد مرجان» حصد 22
مليوناً و996 ألفاً و578
جنيهاً مصرياً. الرقمان هذان يؤشّران إلى نجاحات تجارية ما. إنهما أفضل
بكثير من
الرقم الذي حقّقه الفيلم الأول لإدريس «أصحاب ولا بزنس» (تأليف مدحت العدل،
تمثيل
مصطفى قمر وهاني سلامة): أربعة ملايين و883 ألفاً و646 جنيهاً
مصرياً.
أياً
يكن، فإن التجارب السينمائية السابقة بين علي إدريس ويوسف معاطي أفضت إلى
تعاون
جديد: «الثلاثة يشتغلونها». البطولة لياسمين عبد العزيز. الموضوع طريف:
الابنة
الوحيدة (الغالبية الساحقة من الأفلام المصرية المتمحورة حول عائلات فقيرة،
لا تعكس
الواقع الحقيقي، لأنها تكتفي بوجود ابنة/ ابن واحد، أو اثنين أو ثلاثة في
الحدّ
الأقصى، في حين أن عدد أفراد الغالبية الساحقة من العائلات
المصرية أكبر من هذا)
مجتهدة في دراستها الثانوية إلى أقصى حدّ ممكن. نجحت بمعدل مئة وواحد
بالمئة. لكنها
لا تفقه شيئاً من أمور الحياة. والدها (صلاح عبد الله) أقفل عليها المنافذ
كلّها،
كي تركّز في دراستها. والدتها (هالة فاخر) تحثها، عند دخولها
الجامعة للمرّة
الأولى، على البحث عن عريس ثري. الجامعة عالم مفتوح على احتمالات شتّى.
مفتوح على
اختبارات. محتاج إلى وعي وذكاء، أو ربما إلى اجتهاد عقلي وعاطفي أكبر.
نجيبة متولي
الخولي (عبد العزيز) لا ترغب في شيء، باستثناء الدرس. لكن
الصراع القائم بين
الوالدين (يحرّضها والدها على احتلال مركز مرموق في الجامعة، وتدفعها
والدتها إلى
الزواج) أثّر عليها. فجأة، وجدت نفسها في الاختبار الأول: تبديل الشكل
كلّياً،
والغرق في اللهو والسهر، سعياً منها إلى اكتساب قلب العريس
الثري. أي العيش كأي شاب
عصري (الزيّ. التدخين. شرب الخمرة... إلخ). الاختبار الثاني: انزلاق إلى
الحركات
اليسارية. الدفاع عن الفقراء والمظلومين. المطالبة بتحسين أمور العيش...
إلخ.
الاختبار الثالث: الدين، مغلّفاً بالأصولية.
فشل
الفشل نتيجة حتمية لنجيبة
متولي الخولي. الاختبارات الثلاثة انعكاس للغليان المعتمل داخل
المجتمع المصري. «الثلاثة
يشتغلونها» محاولة سينمائية للإضاءة على هذا الغليان. غالب الظنّ أن
الحضور اليساري في المجتمع المصري باهت، بل في المجتمعات العربية كلّها.
وضع اليسار
في العالم الغربي ليس في أفضل حال أيضاً. اللهو والسهر والركض وراء الصرعات
الغربية، أشبه بردّ فعل شبابي إزاء انسداد الأفق والانغلاق
المدمِّر الذي صنعته
السلطة الحاكمة، أو ردّ فعل إزاء تنامي الأصولية المصرية، أو ربما مجرّد
رغبة
شبابية في الانعتاق من أي سلطة عائلية أو اجتماعية أو سياسية أو ثقافية أو
تربوية.
«الثلاثة يشتغلونها» أشار إلى هذا أيضاً. نجيبة فشلت في اختبارات
الحياة، لأن
السلطة الأبوية وضعتها في زنزانة حقيقية. النجاح الدراسي لا يكتمل من دون
المعرفة
الأشمل والوعي الأكبر. لم تجد الصبية القبيحة خلاصها في أي اختبار. لكنها
انتبهت،
متأخّرة، إلى النقص الفظيع الذي عانت تداعياته. والدها انتبه،
متأخّراً هو أيضاً،
إلى هذا. «الرسالة»، التي يعشق سينمائيون مصريون وعرب كثيرون تمريرها في
أفلامهم،
واضحة المعالم: الانغلاق لا يؤدّي إلاّ إلى مزيد من الانغلاق. والاختبارات
الثلاثة
فاشلة. الفشل مردّه أصحاب الاختبارات، وليس نجيبة. الفتاة
اكشتفت، في كل مرة، نقيض
الصورة المتدَاولة. هناك نقد مبطّن لازدواجية الحالة في الاختبارات
الثلاثة، خصوصاً
بالنسبة إلى اليساري (يشتم فقيراً بعد لحظات من دفاعه التنطيري عنه)
والأصولي (صورة
مشرقة لداعية إسلامي تلفزيوني، وأعمال تجارية مربحة غلّفها الداعية
بالدين). ظنّت
أنها، بانخراطها في كل واحدة منها، ستعثر على ما يُشبع رغباتها
الإنسانية كفتاة، أو
كامرأة.
هذا كلّه في إطار بصري، أريد له أن يكون كوميدياً. السخرية المسطّحة
من
اليسار شبيهةٌ بالسخرية المسطّحة نفسها، التي رسمها يوسف معاطي في «السفارة
في
العمارة» أيضاً. غير أن «الثلاثة يشتغلونها» محاولة للسخرية من
كل شيء، وإن بشكل
مسطّح. مع هذا، أميل إلى القول إن الحسّ الكوميدي فيه أرفع وأجمل. الحسّ
الكوميدي
مشغول بحرفية أكبر، وإن لم يبلغ مرتبة الإبهار والإبداع. وإن ظلّ منقوصاً.
النقد
السياسي والاجتماعي والفكري مبطّن. الاشتغال الإخراجي مختلف،
قليلاً، عن الاشتغالات
السابقة. في فيلمه الجديد هذا، التقط علي إدريس مفاتيح الحبكة. صنع من
الصوَر
والمشاهد سلسلة متتالية من الحكايات والتفاصيل والمنعطفات. لكن «الثلاثة
يشتغلونها»
يبقى واحداً من تلك الأفلام الكوميدية العادية.
السفير اللبنانية في
22/07/2010
كلاكيت
بـؤس
نديم جرجورة
حدثان سينمائيان
مصريان، شهدتهما القاهرة مؤخّراً. حدثان عاديان للغاية. لكنهما يؤكّدان
استمرار
منهج سلبي في التعاطي مع الشأن العام. حملة ضد خالد النبوي، لتمثيله في
فيلم «لعبة
عادلة» لدوغ ليمان إلى جانب الممثلة الإسرائيلية ليراز شارهي.
هجوم محمد سعد على كل
من يلتقط نبض الشارع المصري وواقعه المزري في أفلامه، إذ يرى في هذا
الالتقاط إساءة
إلى سمعة مصر. الممثلان لا يملكان ركيزة إبداعية، أساساً. يُعتبران نجمين،
لكنهما
يفتقدان براعة الأداء. تمثيل النبوي عادي. لم يبلغ مرتبة
الإبداع أبداً. حضور سعد
تهريجي. الخط الفاصل بين التهريج والكوميديا رقيق. لكن سعد بارع في الأول،
وفاشل في
الثاني.
بعيداً عن القراءة النقدية لمسارهما التمثيلي، بدت الحملة والهجوم
وجهين لمأزق حقيقي. الحملة مُكرَّرة. نتائجها معروفة: محاكمة صُورية. ثم
اعتذار. أو
ما يُشبهه. مع هذا، هناك من يحمل بشدة على كل من تسوّل له نفسه التمثيل
خارج مصر،
بحجّة رفض التطبيع أو الإساءة إلى الكرامة العربية. التطبيع
مرفوض. الهجوم شبيهٌ
بالحملة. منطقه مختلف، لكن عاملين في المجال الفني المصري يُردّدون كلاماً
كهذا،
بين حين وآخر. الإساءة إلى سمعة مصر كارثة. تتطلّب دفاعاً شرساً عنها، وإن
غرقت مصر
في الفساد والقهر والفقر والفوضى. المدافعون عنها ضد السينما
يتجاهلون أن الإساءة
ناتجة من السوء الحاصل في المجتمع كلّه. من السياسات الفاسدة التي تمارسها
السلطة
ومؤسّساتها الحاكمة. البيئة المتكاملة فاسدة هي أيضاً. والفساد ليس حكراً
على
السرقة والقمع، لأنه شامل. لا تتحمّل الأفلام السينمائية
مسؤولية «نشر الغسيل
الوسخ» أمام الملأ. فالغسيل الوسخ منشور في أصقاع الدنيا كلّها، بفضل
الفساد
والفاسدين.
الحملة والهجوم مرفوضان كلّياً. رفض التطبيع حقٌ مشروعٌ لمن وجد فيه
أداة مقارعة ضد العدو الإسرائيلي. لكنه محتاج إلى خطط أفعل وأقوى تأثيراً.
إنتاج
أفلام جدّية ومتينة تفضح إسرائيل، أهمّ من شنّ حملة على ممثل،
بتهمة التمثيل في
فيلم غربي إلى جانبِ ممثل/ ممثلة إسرائيلي. العمل الميداني الجماعي لمواجهة
الفساد
المتحكّم بالدولة والمجتمع والمؤسّسات، أهمّ من شتم سينمائيين يُنجزون
أفلاماً
واقعية جداً. رافضو التطبيع مُطالبون بتوسيع دائرة عملهم. منع
الأفلام الإسرائيلية
من العرض التجاري أو الثقافي داخل مصر بندٌ من بنود الرفض. لكن هذا لا
يكفي. مهاجمو
السينما الواقعية مُطالبون بالكفّ عن الدفاع الغبي عن سمعة ملطّخة، أصلاً،
بألف
مصيبة. مُطالبون بإنجاز أفلام، كوميدية أو درامية، متمكّنة من شرطها
الإبداعي،
بدلاً من إغراقها في التسطيح والتهريج.
لم ينتبه رافضو التطبيع إلى غياب أفلام
تدين إسرائيل، ولا تتخلّى عن مفرداتها السينمائية. لم ينتبه
المدافعون عن سمعة مصر
إلى البؤس المتفشّي في شرايين البلد وروحه. هؤلاء لا يُدركون أن السينما
مرآة
الواقع، غالباً. انها كاشفةٌ وطارحةٌ أسئلة حسّية، أحياناً. هؤلاء لا
يفقهون معنى
السينما وطقوسها، أصلاً.
السفير اللبنانية في
22/07/2010
جديد إبراهيم العريس :
استعادة الماضي واستشراف المستقبل
يستحيل عليّ تقديم ناقد
سينمائي كالصديق إبراهيم العريس في دقائق قليلة ([). فهو حاضرٌ
في المشهد الثقافي
اللبناني والعربي منذ سنين طويلة، وشاهدٌ على تحوّلات وانقلابات ونتاجات
عدة مؤثّرة
في الحراك الإبداعي، ومُشاركٌ في صنع جزء من هذا التاريخ الثقافي اللبناني
والعربي
المعاصر. وهو، إذ يرتكز على الكتابة النقدية السينمائية، ملمّ بشؤون
المعرفة، التي
استعان بها في مقارباته النقدية الخاصّة بالنتاج السينمائي.
وشؤون المعرفة مفتوحة
على الفكر والأدب والفنون والعلوم الإنسانية وغيرها، ما أتاح ويتيح للناقد
إمكانية
التبحّر في المسألة السينمائية، إنتاجاً وصناعة وأفكاراً وسجالاً وقضايا،
بالطريقة
الأفضل والأجمل والأقدر على طرح الأسئلة بحيوية باحث لا يستكين إلى جواب
أول. وأتاح
ويتيح للقارئ متعة القراءة.
ثم إن إبراهيم العريس، بمتابعته الدقيقة مسار
الإنتاج السينمائي والإبداع الثقافي والمعرفي، جعل نصّه
انعكاساً لتاريخ وواقع
وتفاصيل وحكايات. مقالاته ودراساته وكتبه السابقة دليلٌ على ذلك. مساره
الكتابيّ
أشبه بمرايا تعكس الراهن كلما استعاد الماضي، وتحاول استشراف المستقبل كلما
توغّل
في الآنيّ. كتبه العديدة أقرب إلى الشهادة والتوثيق، بالمعنى
الثقافي لا بالمعنى
العلمي. أي إن قراءة إنتاجه المكتوب تتيح للمهتم فرصاً متفرّقة لفهم
المنقود،
وللاطّلاع على ما أحاط به من أمور مختلفة. أي إن قراءة كتاباته تتحوّل،
سريعاً، إلى
رحلة أفقية ومسار عمودي، لأنها (القراءة) منفلشة في الزمان
والمكان. كتابه الأخير،
«الصورة
الملتبسة: السينما في لبنان: مبدعوها وأفلامها»، تأكيد على الحرص الثقافي
الخاصّ بالعريس إزاء مسألتي الزمان والمكان: في هذا البلد الهشّ والمنقوص،
هناك
تاريخٌ طويل من الاجتهاد والمثابرة في مجال صناعة الأفلام
السينمائية. في هذا البلد
المنكوب بألف لعنة ومأزق، والفاقد هوية وانتماء واضحين إلى مفهوم الوطن،
هناك أناس
يكافحون، حقيقة، من أجل مواكبة العصر في تطوّراته التقنية والفنية
والجمالية، ومن
أجل التعبير عن موقف أو رأي أو انفعال أو رغبة أو حكاية أو
علاقة من خلال السينما،
تلك التي وصفها العريس بـ«الملتبسة»، ربما بسبب وقوع البلد ومجتمعاته
وثقافاته
ومساراته في التباسات شتّى، أو ربما لأن هذه الأرض بلدٌ مشلّعٌ ومنقادٌ إلى
خرابه
الفظيع. ولعلّ الاشتغالات الثقافية والفنية والفكرية وحدها
تمنح هذا البلد شيئاً من
شرعية وجود.
لا يُمكن للمرء قراءة «الصورة الملتبسة» من دون الغوص، مع العريس،
في المتاهات اللبنانية والعربية التي عرفها لبنان، وعرفتها صناعة الأفلام
فيه منذ
نهاية العشرينيات الفائتة. فالكتاب، المنطلق أساساً من إعادة
كتابة ما يُشبه
تاريخاً رسمياً للسينما في لبنان، شهادةٌ محمَّلةٌ بمقاربة نقدية للسياسة
والمجتمع
والثقافة. لكن «الصورة الملتبسة» ليست تاريخاً رسمياً، لأن إبراهيم العريس
اختار أن
يكون كتابه الجديد جزءاً أساسياً من وعيه ومتابعته صناعة أفلام
ومشاركته فيها
أحياناً، وفي كتابة تاريخ ما لأحد أجمل الفنون وأشملها وأقدرها على التأثير
في
النفس البشرية. بهذا المعنى، يمكن القول إن القيمة الإبداعية للكتاب كامنةٌ
في أنه
تاريخ شخصي حميم، لكنه مفتوح على العام. في أنه صورة ذاتية لا يتردّد
صاحبها عن
سعيه الدؤوب إلى الآخر، لمناقشته ومساءلته، وللبحث عن أجوبة
معلّقة على أسئلة
ملتبسة. في «الصورة الملتبسة»، أمعن العريس (كعادته في كتاباته النقدية
الخاصّة
بالسينما العربية تحديداً) في الإحاطة العامة بالتفاصيل الجانبية (هل أقول
إنها
تفاصيل جوهرية أيضاً) التي أحاطت صناعة الأفلام اللبنانية، أو شاركت فيها:
البدايات
وأزماتها التقنية وعلاقاتها بالتأسيس. الانطلاقة اللبنانية وارتباطها
بالعقليات
الاجتماعية والثقافية والتربوية السائدة حينها. الانقسامات الطائفية
والثقافية.
الهويات اللبنانية. التأثيرات العربية، وأبرزها الآثار الناتجة من قرارات
التأميم
الناصرية، وتدفّق الأموال الفلسطينية. التأثيرات السياسية والثقافية
والاجتماعية
التي أنتجها ليس فقط تدفّق الأموال الفلسطينية مثلاً، بل الانخراط
الفلسطيني،
المسلّح والمدني معاً، في بنية المجتمعات اللبنانية ومساراتها
المتصادمة في ما
بينها. الحروب اللبنانية ومنزلقاتها الخطرة. السلم الأهليّ المنقوص والهشّ
ومتاهاته
القاتلة. هذه كلّها موجودة في «الصورة الملتبسة»، إلى جانب، بل في طيات
تحليله
النقدي للأفلام اللبنانية في مسارها التاريخي، وفي أبعادها
الجمالية والفنية
ومضامينها المتفرّقة. وهذا ما حصل في كتابات سابقة له أيضاً. هذه كلّها
جعلها
العريس ركائز أساسية في معاينته النقدية واقع الحال السينمائي اللبناني،
صناعة
وإنتاجاً وجماليات وتوجّهات ومضامين.
[[[
أنهي كلمتي بتحية للصديق إبراهيم
العريس. فهو، بكتاباته المتفرّقة، جعلني أزداد تمسّكاً بضرورة
الاشتغال اليومي على
الذات، لفهم منعطفات المسار التاريخي للحياة والإبداع والعلاقات والراهن.
«الصورة
الملتبسة» جزءٌ من اشتغال فردي طويل الأمد، بل جزءٌ من سيرة ناقد سينمائي
لا يتردّد
أبداً عن دعم من يرى فيه ولو نقطة واحدة من الجدّية والمثابرة والرغبة في
التقدّم.
التاريخ، معه، يتحوّل إلى رحلة في الضمير الإنساني والوعي الفردي اللذين
صنعا
ماضياً، وإن احتاج هذا الماضي إلى إعادات دائمة في قراءاته والاشتغال عليه.
لكن
التاريخ، معه أيضاً، لا يعني البقاء هناك، بل التمكّن أكثر
فأكثر من التوجّه إلى
الأمام والتوغّل فيه، ومن محاولة فهم المقبل من الأيام. «الصورة الملتبسة»
تأكيدٌ
جديدٌ على هذا.
[
نصّ الكلمة التي ألقاها الزميل نديم جرجوره أمس الأول في مبنى
وزارة الثقافة اللبنانية، بمناسبة إطلاق كتاب «الصورة الملتبسة: السينما في
لبنان:
أفلامها ومبدعوها» للناقد السينمائي
إبراهيم العريس
السفير اللبنانية في
22/07/2010 |