ظلت، الحدود الفاصلة بين عمل المخرج الوثائقي ومادة بحثه البصري، وحتى
اللحظة، ملتبسة وغير
مرسومة بوضوح. وظلت لالتباسها على المستويين النظري والعملي موضع جدال. ومع
التزام أغلبية العاملين في هذا الحقل بمبدأ "الحياد" الذي يأخذ به غالبا في
الانتاج الوثائقي، وفي التلفزيوني على وجه التحديد، ولكنه وحين يتناول
القضايا الحساسة والخطرة التي تتعلق بحياة الانسان مباشرة؛ كالحروب
والمجاعات والمواقف السياسية فأنه يمس ويخرق. وفي هذا الصدد يمكن الإشارة
الى أن معظم أفلام "الطبيعة" قد نحت هذا المنحى المستقل، على الأقل قبل
ازدياد وعي الناس بالمخاطر الناجمة عن الأضرار التي نلحقها نحن البشر
بالطبيعة نفسها والتي باتت تهدد مستقبل وجودنا البشري بالكامل. وقد يقدم
فيلم "الخليج" الحائز على جائزة أفضل وثائقي طويل في مسابقات أوسكار هذا
العام ومخرجه لوي بسيهويوس مثال على طبيعة هذة العلاقة الملتبسة والمتداخلة
والمتغيرة في نهاية المطاف كما سنرى. فالمخرج بسيهويوس انتقل من العمل
التلفزيوني والصحفي الى السينما، وبالمناسبة ف"الخليج" هو فيلمه السينمائي
الأول، كشف فيه تواطوء السلطات الرسمية اليابانية في مدينة تايجي مع صيادي
الدلافين والسرية الشديدة التي كانوا يتبعونها في كل مراحل صيدها ومشاركة
وسائل الاعلام في التكتم عليها. وعن هذة التجربة قال المخرج في حديث لموقع
"موفيزاين" السويدي أثناء زيارته لستوكهولم: "الطبيعة كانت أكبر اهتماماتي.
لقد عملت كمصور في "ناشونال جوغرافيك" لمدة ثمانية عشر عاما. وكصحفي تعلمت
انه على المرء الذي يعمل في مجال انتاج الأفلام الوثائقية والتصوير الصحفي
ان يكون محايدا. ولكني هذة المرة أردت تغيير واقعا. وشعرت بالإرتياح لأني
قمت بهذا العمل، ورأيت فيلمي الأول ينجز بطريقة تفكير سهلة، متحررة من
الاطارات. فأنا لا أعرف أصلا ما إذا كان هناك وجود حقيقي لمثل هذة
الاطارات المحددة لمساحات العمل الوثائقي".
ارادة بسيهويوس الواعية مثلت خيارا شخصيا في الدرجة الأولى والسؤال
الذي تلاها: هو مقدار ملائمة هذة الارادة مع منجزه البصري.. "الخليج"؟.
فكرة المشروع أو المغامرة الخطرة للكشف عن أوسع عمليات قتل جماعي للدلافين
تجري في كوكبنا بدأت، كما يسردها الشريط، خلال انقعاد مؤتمر سان ديغو
لحماية البيئة، حيث تعرف بسيهويوس على مدرب الدلافين في المسلسل التلفزيوني
الأمريكي الشهير "فليبر" والناشط الحالي لحماية البيئة ريك أوبري. لقد كان
مقررا ان ينتخب كمتحدث رسمي للمؤتمر ولكن في اللحظة الأخيرة سحبت بطاقة
سفره ودعوته. وعندما استفسر المصور الصحفي عن السبب كان جواب أوبري مفاجئة
له: السبب ببساطة ان المنظمة الراعية للمؤتمر "سي وورد" تخشى من كشفي
لعمليات ابادة الدلافين التي تجري في تايجي اليابانية. وبعد حوار قصير
أقتنع بسيهويوس بالقيام بمغامرة خطرة للكشف عن هذة الحقيقة حتى لو تعرض
للتصفية الجسدية كما حدث للناشطتين جين تيبسون وجيني مي حيث رميت جثتيهما
في البحر بعد توصلهن الى حقائق تتعلق بتواطؤ الجهات الرسمية اليابانية في
عمليات صيد وبيع لحوم دلافين بلغت قيمتها ملايين من الدولارات. من هذة
اللحظة ستجري عملية كشف حقائق، مرعبة، أبطالها فريق عمل سينمائي وناشط يعرف
أسرار كثيرة عن "خليج" بحر تايجي المرعب. ما يميز هذا العمل هو مقدار
تفرعاته الصاعدة من قاعدة واحدة؛ من ذلك الممر المائي الصغير والمدينة
الواقعة في واحدة من أجمل البقاع. مدينة تشي لزائرها بأنها من أكثر المدن
حبا للحيتان وفيها متحف لها والشوارع مزينة بصورها ولكنها في الحقيقة مدينة
تبيد بلا رحمة سنويا قرابة 23 ألف دلفين، مما يولد في نفس زائرها وبعد
معرفة حقيقتها كراهية لها ولصياديها وحاكميها. وهذا ما شجع الكثير من
المصورين والفنيين للمشاركة في العمل طوعا ليشكلوا فريق عمل هو أقرب الى
فرق أفلام المغامرة السينمائية ك"الفرقة أ" أو عصبة "أوشينس سفين". لقد
قاموا لشدة الحراسة والخشية من العقوبات الصارمة التي تفرضها السلطات
الحكومية على الداخلين اليها سرا بتركيب كاميرات مخفية على شكل صخور وراحوا
يخبؤنها بين فتحات الجبال وفي قاع البحر. لقد قاموا بمغامرة تصوير مدهشة
تعرضوا خلالها لملاحقات واستجواب رجال الشرطة ولكنها في النهاية أدت
وظيفتها.
لقد صوروا بحر الدم، وهو تعبير حقيقي وليس مجازا، لمشهد مذبحة الحيتان
والدلافين المحاصرة بين شباك الصيد في ذلك الممر المائي المعزول. هذا على
مستوى الحدث الرئيسي، لكن الفيلم ذهب أبعد، ليكشف أمورا مرعبة موازية
ومرتبطة بها، منها: جهل الناس في تايجي وغيرها من مدن اليابان بوجود لحوم
دلافين تباع في الأسواق، يستهلكونها حبا بطعمها المميز، كما أدعى أحد
المسؤولين اليابانيين. لقد كانت هذة اللحوم تصدر وتباع طازجة باعتبارها
لحوم حيتان عادية ولهذا كان الناس يجهلون حقيقة مصدرها. والطامة الكبرى أن
لحوم الدلافين غير صالحة أصلا للاستعمال الأدمي لاحتوائها على ترسبات
كيمياوية سامة تسبب أمراضا خطرة لمتناوليها. ولهذا ظهر مرض في اليابان سمي
ب "مرض منياماتا، نسبة الى المدينة التي كانت ادارة مدارسها العامة تضع
لحوم الدلافين بين وجباتها المقدمة لطلابها مما سبب في اصابة عدد كبير منهم
بالشلل واعاق نمو بعضهم. وعلى مستوى التواطؤ الرسمي كان المسؤولون
يتقاسمون أرباح صفقات بيع الدلافين الى مدن الملاهي والمتاحف بمبالغ كبيرة
يصل سعر الدلفين الواحد فيها الى حوالي 150 ألف دولار. انها حقا تجارة
رابحة ومن يعيق رواجها سيتعرض لأشد العقوبات. لقد تعرض الناشط ريك أوبري
بالفعل الى الكثير من العقوبات، ولكن تجربته العملية علمته وزادت من
صلابته. لقد أنتقد عمله السابق كمدرب للدلافين في مسلسل "فليبر" بعد أن
أكتشف زيف ادعاء تمتعها باللعب مع الانسان. لقد كانت الدلافين تتعذب وقد
تنتحر كما حدث مع دلفينيه المحببين كاثي وفليبر، والأخير مات بين يديه. لقد
قرر فليبر وضع حد لحياته، ومن وقتها ترك أوبري هذا العمل وصار ناشطا من أجل
حمايتها.
الحقائق التي يقدمها أوبري الغت وسفهت كل الادعات والأوهام التي كان
ينشرها المستفيدون من تجارتها. وفي تفرع أخر أصر مخرج العمل على الربط بين
جماليات هذة الحيوانات وذكائها في البحر وبين ازاحة اللثام عما تتعرض له.
لقد جاء الفيلم جامعا لمستويين من حياة الدلافين: الأول بشع والأخر ينتمي
الى عالمها الحقيقي، الساحر، والذي صور بطريقة أوحت للمشاهد أنه أمام عرض
بالي بحري. لقد استخدم تقنية (ثري دي) في تصوير البحر الأزرق وعوالمه
واستعان بالكاميرا الليلية لتصوير عمليات القتل. لقد ضم الشريط أكثر من
مستوى تقني واستخدمت فيه الكثير من الحيل السينمائية. وفي النهاية انطلت
حيلة السينما على حيل جزاري تايجي وعلى من يقف معهم. لقد برهن "الخليج" على
قدرة السينما على التغيير. وبالملموس: أوقف الصيد في هذا الخليج وبقية
الخلجان القريبة منه وطرد مسؤولو المدينة من مراكزهم ومنع توزيع لحوم
الدلافين على طلاب المدارس في وجباتهم اليومية وانكشف للعالم كذب استقلالية
بعض وسائل الاعلام اليابانية. وفي ذات الوقت أستقبل الفيلم برضى ملايين من
البشر وحاز على الأوسكار. وبعد ماحققه من نتائج عملية قال المخرج بسيهويوس:
الآن لا أجد ضيرا من أصبح ناشطا لحماية البيئة! لقد تغيرت الأدوار في
"الخليج" وأزيحت الحدود "المرسومة" بين صانع الوثائقي وموضوعه. ويا لقدرة
السينما على التغيير!
الجزيرة الوثائقية في
21/07/2010
الاقليات موجوده بقوة في سينما المهرجانات
دمشق / لمى طيارة
" ان بقاء أي امة مرهون بقدرتها على نقل مقوماتها من العقيدة والاخلاق
والتاريخ والثقافة بلغتها عبر اجيالها الشابه، واهمال اللغة او تضييعها هو
مقدمة طبيعية لفناء امة او استئصالها" مقدمة ابن خلدون
ليس من الملفت ان نتابع فيلمين عراقيين في مهرجان سينمائي واحد ، و ان يصنف
احدهما ضمن مسابقة الافلام العربية بينما الاخر يصنف ضمن المسابقة الدولية
، ولكن الغريب ان نتابع فيلمين عربيين عراقيين غير ناطقين باللغة العربية
اصلا، او حتى غير مترجمين للغة الفرنسية ، اللغة الوحيدة تقريبا المتداولة
في المغرب العربي .
هذا ما حصل في الدورة التى عقدت مؤخرا لسينما المؤلف في مدينة الرباط
المغربية :
الفيلم الاول كان فيلم " ابن بايل" للمخرج العرااقي محمد الدراجي وهو
فيلم عراقي يتحدث عن مفقودي الحرب ، والصراع الذي يعيشه ذووهم في رحلة
البحث عنهم من خلال متابعة لقصة جدة وحفيدها في رحلتهما للبحث عن الابن
المفقود ،ورغم ان لجنة التحكيم الدولية وضمن كواليسها اعتبرت الفيلم من
نوع الميلودراما والاستعطاف وهو ما لا يتفق مع ميولها ، الا انه ما من شك
الى ان الفيلم قد اثر جماهيريا رغم صعوبة فهمه للكثير من الناس بسبب لغته
الكردية وترجمته للانجليزية . ولكن ذلك لم يشفع للفيلم ، بل ظلمه عندما
صنفه ضمن مسابقة الافلام الدولية .
اما الفيلم الآخر فهو للمخرج العراقي الكردي الأصل.شوكت أمين كوركي
" ضربة البداية " والذي نال عنه جائزة لجنة تحكيم النقاد للمسابقة العربية
، وقد عانى مشاهدو الفيلم من الجمهور المغربي، نفس معاناتهم مع الفيلم
الآخر " ابن بابل" فهو ناطق بالكردية ومترجم للانكليزية،
وإذا كان مهرجان الرباط في دورته الحالية وعلى هامشه قد ناقش وبشده
ومن خلال السهرة التلفزيونية المشتركة ما بين القناة الاولى المغربية
وقناة النيل للسينما بشخص عمر زهران ،)وبحضور مجموعة من الفنانين والنقاد
والسينمائيين العرب ، كان منهم الفنانة نبيلة عبيد وبعض مدراء المهرجانات
في المغرب بالإضافة إلى نجوم الفن والدراما المغاربة (، قضية ومشكلة اختلاف
اللهجات ما بين العرب والتي تقف عائقا كبيرا في سبيل انتشار الدراما
بإشكالها التلفزيونية والسينمائية عربيا عربيا ، فأن مسألة تواجد لغات
الأقليات سيكون عائقا جديدا في وجه هذا الانتشار ، ورغم أننا لسنا ضد مثل
هذه النوعية من الأفلام وخصوصا عندما تكون موظفه دراميا ، او عندما تكون
موضوعيه في طرحها كما حصل في الفيلمين سابقي الذكر ،الا أننا ضد عرض هذه
الأفلام بدون ترجمة تتناسب والجمهور المشاهد ، والا فالافضل ان تقام لها
مهرجانات خاصة أسوة بالمهرجانات التي تحدث في المغرب والجزائر تحت اسم "
مهرجان الفيلم الامازيغي"، لأننا كعرب لو دخلنا في دائرة اللهجات وتحولنا
الى ما هو اهم ، دائرة اللغات فأننا في طريقنا لفقد هويتنا ولغتنا ، والحل
الوحيد لنقول عن الفيلم انه فيلم عربي ، ليس فقط بتحديد هوية منشأه وانما
بجعله فيلما عربيا ناطقا باللغة العربية ولو كان بلهجته المحلية .
الجزيرة الوثائقية في
21/07/2010
المرئيات الموجهة إلى الأطفال
المضامين البعيدة عن الواقع .. والأفلام التسجيلية غائبة
عاصم الجرادات
بينما كنت أتجول في أحد الأسواق باحثاً عن أشرطة أفلام قديمة،
استوقفني أحد المحلات المُوضوع في واجهته "سيديات" لأفلام أطفال قديمة
أمثال جورجي، وساندي بل، وسالي، وكابتن ماجد، وغرندايزر وغيرها الكثير،
وعندها عادت بي الذاكرة إلى الطفولة حيث كنت مهووسا بذاك الشريط المُسمى
جورجي، اشتريت جميع حلقاته وشاهدتها بمنظور مختلف لأجد نفسي أمام مشكلة
ثقافية كبيرة كنا نعاني منها وما زلنا، لكن بوجه مختلف إنها الابتعاد
بأطفالنا نحو الخيال في القصص وزرع أفكار لا تتناسب مع عادات ومعتقدات
مجتمع شرقي، مما يشكل انفصام في شخصية الطفل التي تشاهد واقعاً مغايراً
تماماً لما تبثه بوابته الإعلامية الأولى (برامج الأطفال)، وتسوق له فيبدأ
الطفل في رحلة البحث عن الواقع الصحيح.
ففي السطور القادمة سأحاول تسليط الضوء على الأفكار التي تبثها أفلام
الكرتون، ومحاولة الإجابة عن السؤال التالي لماذا لا تحمل برامج الأطفال
طابعاً تسجيلياً حتى لو في جزء بسيط منها، وما أسباب غياب الفيلم التسجيلي
العربي الموجه للأطفال، ولماذا لا يشاهد أطفالنا الأفلام التسجيلية؟.
مضمون أفلام الكرتون:
لابد قبل الخوض في مضمون أفلام الكرتون، أن نتحدث عن عدم وجود أفلام
كرتونية بالقدر الكافي من إنتاج عربي، إنما تعتمد الفضائيات العربية على
الإنتاج الغربي، وإن شاهدنا إنتاج عربياً فإننا أمام منتج متواضع من حيث
الشكل والمضمون، باستثناء القليل من الأفلام، ولكن للأسف هي ذاتها لا تُعرض
على الفضائيات العربية بل يقتصر عرضها في المهرجانات مما يجعل الطفل العربي
بعيداً عنها.
يتضمن المنتوج الفيلمي للأطفال العديد من الأفكار التي يغلب عليها
الابتعاد عن الواقع الموجود.
- الخيال الممزوج بالعنف: فسابقاً عندما يتوجه الطفل نحو شاشة
التلفزيون ليشاهد غرندايزر، فمن المؤكد أنه سيحاول تقمص تلك الشخصية
الخارقة التي من الصعب التغلب عليها فتشاهده يمارس جميع طاقته العنفية في
فرض سيطرته على أصدقائه، وجيرانه من الأطفال فما بالكم أن هذا الشريط كانت
منتشر وكل طفل في ذاك الزمان يريد أن يصبح غرندايزر، ويعد ذاك الشريط
الكرتوني واحد من سلسلة كبيرة انتشرت حتى الآن في مكونات برامج الأطفال
المبثوثة على الشاشة العربية.
- قصص اجتماعية: طالما سعت أفلام الكرتون إلى الخوض في القصص
الاجتماعية البعيدة عن الواقع الاجتماعي العربي، مما يضع الطفل أمام جملة
من التساؤلات عن عدم وجود هذه الحالات في واقعه المجتمعي، وتفنيدها ضمن
ثقافة العيب، فعندما شاهدت مسلسل جورجي الكرتوني الاجتماعي وجدت نفسي
مندمجاً، وكأنني أشاهد أحد المسلسلات الدرامية العربية من حيث المضمون
وكيفية الطرح، ولكن في طفولتي كنت أحاول تطبيق ذاك المسلسل على حياتي
الواقعية، وأسقطه بطريقة كادت أن تجعلني أسير في طريق يُعد خطيراً ومن
الصعوبة العودة منه ظنا مني أنه مسلسل عربي، وموجود في مجتمعي نتيجة
الدوبلاج، وهذا يعد نموذجاً واحداً ويقاس عليه العديد من الأفلام
الكرتونية، وجاءت تلك الأفلام في خضم غياب المنتج العربي.
- أفلام رياضية: تعد هذه النوعية من الأفلام الأكثر شعبية، ويعتبر
تأثيرها أقل خطورة، على الرغم من المضمون الخيالي لكن الطفل قادر على
اكتشاف خيالية تلك الأفكار من خلال التطبيق وممارسة رياضة معينة.
تسجيل الواقع في أفلام الأطفال
لا تحمل معظم أفلام الأطفال طابعاً تسجيلياً لأن الأطفال يحبذون
الخيال غير الملموس، لكن هذا لا يبرر لمن أنتج تلك الأفلام أن يبتعدوا عن
المضمون الواقعي التسجيلي من خلال تطبيق نموذج "الدوكودراما" لكسر الرتابة
والملل، والقدرة على جذب الأطفال. فالواقعية في الطرح تساعد الأطفال على
التعايش مع المجتمع بسلامة وصحة نفسية، وأعيد وأُكد على أن المطلوب ليس
فيلماً تسجيلياً للأطفال، إنما مسلسلاً كرتونيا يُحاكي رغبات الأطفال لكن
بطرح واقعي أو أقل تقدير خيالي بإسقاطات موجودة في الواقع المُعاش.
وبالانتقال إلى شق آخر بعيد عن أفلام الكرتون، وهو الأفلام التسجيلية
البحتة الموجهة للأطفال حيث يفتقد الشارع العربي لأفلام تسجيلية عربية
جمهورها هو فئة الأطفال، وقبل الخوض في أسباب غياب الفيلم التسجيلي الموجه
للأطفال لابد من الحديث عن فوائد الفيلم التسجيلي بالنسبة للأطفال حيث
يساعد الفيلم التسجيلي الطفل في تركيز الانتباه، وسرعة في التعلم، وتقوية
ذاكرة الطفل، وكذلك بناء المشاعر الوجدانية لدى الأطفال، وتعزيز قدرة الطفل
على التخيل، وصناعة القدرة على فهم الواقع بالطريقة المثلى بعيداً عن تبني
الأفكار الخيالية التي تشتت ذهن الطفل وتقوده إلى عدم التوازن في حياته
الاجتماعية، ولكن رغم كل تلك الفوائد يجب على صانع فيلم الأطفال التسجيلي
أن يُعير انتباهه إلى جملة قضايا أهمها، أن يضم الفيلم الجوانب الجمالية في
الصورة وطغيان تلك الألوان الجذابة القادرة على استحواذ تفكير الأطفال،
الابتعاد عن طغيان أسلوب الحوار في عرض الفيلم لأنه يسبب الملل لدى فئة
معينة من الأطفال، وبذلك لابد من التركيز على جانب الصورة التي تشد انتباه
الأطفال وتكسب مشاهدتهم.
- ما مبررات هذا الغياب؟
يعيد البعض غياب الأفلام التسجيلية إلى عدم وجود صناعة سينمائية
تسجيلية عامة حتى يكون لدينا صناعة تسجيلية موجهه إلى الأطفال، وفي ذات
الوقت نجد أن الأفلام التسجيلية تُعاني من تضييق، وتشكل خطورة على أصحاب
السلطة لذلك فإن الرقابة ستكون في مقدمة المواجهين لفيلم تسجيلي يساعد في
توعية الأطفال على مواضيع ترفض الحكومات العربية دخولها عقول الأطفال حيث
تجد أن بقاء الأطفال حبيسي تلك الأفلام الكرتونية القادمة من الغرب أفضل
بكثير من توعيتهم على واقع مرير.
والمبرر الثالث هو عائد إلى طبيعة الأطفال وتركيبتهم التي ترفض أي شيء
لا يقدم لهم التسلية والترفيه لذلك فإن الفيلم الوثائقي تجده يقدم الفائدة
مع ضعف في عوامل التسلية، فالحل في صنع سينما تسجيلية ممزوجة بطابع كرتوني،
ويعد فيلم "كان يا ماكان الحياة " من أفضل الأفلام الموجهة للأطفال، وكذلك
مسلسل "اسألوا لبيبة"، ولكن هذه النوعية من الأفلام قلة بالنسبة لتلك
الشرائط التي تحوي على كميات هائلة من التسلية مع وجود هدف واحد أن الخير
ينتصر في النهاية كي يزرعوا في مخيلة الطفل هذا الهدف، الذي وصل الطفل إلى
حد الإشباع منه، حتى أن بعضهم يؤيد ذاك الشرير في المسلسل لأنه يتعاطف مع
الفاشل والخاسر لذلك فإن ترسيخ فكرة أن الخير ينتصر في بعض الأحيان لا تروق
للطفل.
وأخيراً نقدم رسالة مختصرة لكل شركات الإنتاج الأفلام الكرتونية
العربية وشركات إنتاج الأفلام الوثائقية ومفادها عليكم إذا كانت أهدافكم
تتعدى في لحظة من اللحظات الجانب المادي "أن تُعيروا اهتماماً لذاك الطفل
المتمترس خلف الشاشة، وتقدمون له إنتاجاً مرئياً يساعده على بناء العقلية
الصحيحة وينمي له المقدرات الفكرية".
الجزيرة الوثائقية في
21/07/2010 |