إذا رجعنا الى سجل المخرج البريطاني "مايك فيويل". سوف نجدا لهذا المخرج
بعض العلامات السينمائية المميزة. بكل تأكيد لا توجد أفلام التفوق الواضحة
من الناحية الفنية أو التجارية، فهو مخرج لم يترشح لجوائز الاوسكار على
سبيل المثال، لكننا سنجد له الحضور السينمائي والذي يدفع بشركات الإنتاج
لترشيحه مرة تلو الأخرى الى العمل السينمائي المتكرر.من أشهر أفلام المخرج
مايك ينويل "أربع زيجات وجنازة واحدة – 1994" بالإضافة الى "ابتسامة
موناليزا – 2003".
قبل ذلك هناك فيلم "نحو الغرب 1992" وفيلم الرقص مع الغريب 1985.
على أن أشهر أفلامه "الجزء الرابع من هاري بوتر – 2005" وفيلم "الحب في زمن
الكوليرا 2007" وبعض النقاد يرون فليمه "دوني براسكو – 1997" من أفضل
أفلامه.
في عام 2010 عرض له هذا الفيلم "أمير فارس" وفي عنوان جانبي "رمال الزمن"..
ويقع الفيلم ضمن سلسلة الأفلام ذات النزعة الغرائبية التي يطلق عليها اسم
"أفلام الفانتازيا"، وفد صادفنا منها الكثير من انتاجات السنوات الأخيرة،
وخصوصا عندما تختلط الفاتنازيال بالخيال العلمي، ويمكن اعتبار فيلم قراصنة
الكاريبي قريب من هذه النوعية. وقد سبق للمخرج أن قدم فيلما يميل الى الهزل
والفانتازيا وكان بعنوان "نحو الغرب".
تبقى أفلام التاريخ القديم والأسطورة هي التي تخدم الأغراض التجارية
بالدرجة الأولى وخصوصا عند استخدام التقنية الحديثة، وعندما نشاهد هذا
الفيلم "أمير فارس" سوف نتذكر أفلام من طراز "لص بغداد" مثلا وبعض قصص ألف
ليلة وليلة، وعدد كبير من الأفلام الغربية التي تعرضت للشرق القديم أو
الحديث أو حاولت المزج بين الاتجاهين.
غير أن هذا الفيلم لا يقترب من معالجة موضوع الشرق فقط، لأن فكرته قد عرفت
منذ عشرين سنة على أنها لعبة الكترونية شهيرة، تقوم على فكرة أساسها محاولة
الوصول الى خنجر الزمن وتكرار التجربة أكثر من مرة.
لا نستطيع أن نحكم على تجربة نقل اللعبة الالكترونية الى فيلم بشكل مطلق،
لكن اللعبة تبقى دائما مفتوحة على هدف معين بمعنى أن تكون هناك تجربة
مغامرة، يقوم بها شخص وتوضع العراقيل أمام هذا المتسابق، ومن خلال المرور
من مراحل صعبة الى أصعب، يمكن أن يصل المتسابق الى النهاية بعد أن يقضي على
كل الحراس. وفي حالتنا هذه يوجد حنجر الزمن المحروس في المكان المقدس وحوله
الساعة الرملية.
إن مسألة نقل اللعبة الى فيلم تتطلب إضافة أحداث واختصارات أخرى وهي مسألة
شائكة ومعقدة، وحتى لو كانت اللعبة لشركة سوني وإنتاج الفيلم لشركة "والت
ديزني"، فإن الخطأ يمكن أن يتسلل، مهما كان الشكل بديعا وساحرا ومقترنا
بروعة الشرق في الملابس والمعمار والصحراء.
من هنا يبدو هذا الفيلم "أمير فارس" ضعيفا، لا يتوفر فيه أي حدث مقنع، كما
أنه مليء بالثغرات والتفاصيل، يجنح الى الهزل بلا مبرر، ويفتعل الصراع من
أجل كلمات باردة تقال في النهاية ليس إلا، انه فيلم يعتمد على جسد التقنية
وبلا روح.
ومثل عادة الأفلام الخرافية أو الأسطورية، يتم اختيار البطل من عامة الناس
"داستن" إنه مجرد طفل مشاغب كانت ستقطع يده عقابا له، وهو العقاب المرتبط
بسبب السينما الغربية ببلاد الشرق وحدها. غير أن الأمير ينقذه ويختاره ابنا
له ليعيش مع ولديه الصغيرين.
يظهر الملك كما هي العادة مخلصا وخيرا "الملك شارلمان". اما الأخ وهو نفسه
المستشار فهو يمثل الشر. الأول قام بدوره "رونالد بيكاب" والثاني قام بدوره
"بن كنغسلي". هناك أيضا الأمير توس والأمير قارسيف والأخ بالتبني داستن
والذي قام بدوره الممثل "جاك جلينهال".
يبدأ الفيلم بغزوة قام بها الملك شارلمان وأتباعه ضد مدينة قريبة لفارس وهي
"غوشي" والتدبير كان باسم المستشار أو ساعده في ذلك أولاد الملك الثلاثة،
رغم أن داستن لم يوافق على مبدأ الحرب.
ويبدو أن إمكانية تطويع لعبة شهيرة لتكون سيناريو لفيلم سينمائي لم تتحقق
بنجاح ولذلك أعتبر النقاد بأن هذا الفيلم هو من أسوأ الانتاجات السينمائية
في السنوات الأخيرة.
يكتشف المتفرج بأن هناك خنجرا قد وقع بالصدفة في يد داستن بعد أن هاجم
المدينة واستطاع اختراقها، وفي الواقع لم تكن هذه المدينة إلا ان النوع
المسالم، تحكمها أميرة "تامينا" وربما كان هدف وغاية السكان حراسة الخنجر
السحري في مبنى مقدس قديم.
تقول الأسطورة بأن مدينة ما قد غضبت عليها الآلهة في زمن قديم واستمر الغضب
بجميع أنواع القسوة، الى أن تقدمت فتاة واختارت أن تكون قربانا، فاختارت
لها الآلهة هدية وهي خنجر سحري له خاصة إعادة الزمن الى الوراء عند لمس أحد
أطرافه.
لسنا ندري سببا لهذا الجري وراء هذه الأفكار الخرافية الأسطورية، والتي
تبتعد عن العلم قليلا أو كثيرا كما في فيلم "آلة الزمن" مثلا، ولكن إذا
قلنا الشرق فإن مثل هذه التصورات تبدو تلقائية، فهو موطن الخرافة بحسب
الادعاء الفكري الغربي والنظرة الاستشراقية المتعارف عليها.
سوف ننتقل الى آخر الفيلم، إذ أن الغزوة قد تمت بنجاح واحتلت المدينة وظل
البحث جاريا عن الخنجر السحري الذي يعيد الزمن الى الوراء، هكذا ببساطة،
يعود الزمن الى الوراء.
في آخر مشاهد الفيلم يتقدم الأمير قارسيف وهو الذي حكم فارس بعد وفاة والده
الى تامينا الأميرة التى تحكم مدينة غوش المحتلة، يتقدم إليها بالاعتذار عن
غزو بلادها ويطلب منها الصفح، على أن تتزوج داستن، ليعيش الجميع فى سلام.
وبالفعل يتم ذلك، ولسان حال الشخصيات يقول لأن الاعتذار واجب، ولكن
الإمبراطورية الكبيرة في العادة لا تعتذر ولا الدول الكبرى مثل أمريكا تقوم
بذلك.
على نفس سياق فيلم "افاتار" تغزو دولة متقدمة تقنيا شعبا مسالما بحجة البحث
عن معدن ثمين صالح لخدمة التقدم العلمي.
في فيلم أمير فارس تغزو إمبراطورية كبيرة "الفرس" مدينة مجاورة بحجة وجود
أسلحة مخزنة في المدينة، والحقيقة أن المدينة بلا سلاح ولا يوجد بها شيء،
ولكن العم نازيم وهو شقيق الملك ينشلا هذه الدعاية ويشجع على الحرب، لأنه
يرغب في الوصول الى الخنجر السحري وله هدف من كل ذلك.
في الفيلم تفاصيل كثيرة، منها مثلا مقتل الملك شارلمان بواسطة ثوب جديد أعد
ليقدم هدية له بواسطة داستن، وهو الثوب الذي يحترق داخليا ويكون سببا في
الوفاة العاجلة. على أن العم نازيم هو المدبر الحقيقى للجريمة.
تطال التهمة داستن، فيهجر المدينة مع الأميرة تامينا ويكون الصراع حول
الخنجر في البداية، ثم تتحول الرحلة الثنائية الى علاقة عاطفية.
هناك أشرار في الفيلم، ومنهم مثلا الشيخ عمر الذي يعمل معارضا برفضه تقديم
الضرائب، وهو يقود مجموعة الحشاشين المعروفة، لكنه شر خفيف، لأن الشيخ عمر
يساعد الطرفين على المواجهة، ان الشر المطلق هو نازيم فقط.
هناك الشخص المتحول والذى يدخل في مواجهة مع داستن في النهاية، وهناك العم
الذي يسيطر على الأوضاع تقريبا حتى اللحظة الأخيرة.
يتم تجريب الخنجر ثلاث مرات في الفيلم، ويتأكد داستن من العودة الى الماضي،
وخصوصا عندما أصيب وتأكد الجميع من موته، ثم عاد الى الحياة بعد لمس
الخنجر.
يحتاج الخنجر السحري الى رمال خاصة لكي يعمل، وعندما يستخدم بطريقة سيئة
فإن هناك سلبيات كثيرة سوف تحدث.
إذا عدنا الى النهاية مرة أخرى وجدنا ذلك الرمز الصريح المباشر، فنحن إزاء
صراع سياسي معاصر، لأن الادعاء بوجود أسلحة خطيرة عند بعض الدول هو حافز
على الغزو، ومثلما كان في حالة غزو أمريكا للعراق، فإن الرمز يأتي من قصة
خرافية، عندما تعزو إمبراطورية فارس مدينة صغيرة "غوش" ثم تكتشف عدم وجود
هذه الأسلحة الخطيرة، ولكن هناك أغراض سياسية أخرى خفية يخفيها حجاب يعتمد
على مصالح شخصية سياسية.
مثل العادة يموت العم نازيم الشرير في النهاية، ولقد استخدم الفيلم طرق
وأساليب كثيرة لتوضيح شكل الصراع، ولاسيما من حيث استخدام الخلفيات
الغريبة.
وفي هذا السياق، فإن الفيلم قد اعتمد على ديكورات جذابة، بالإضافة الى
الإخراج المرئي "الغرافيك". ولا ننسى الملابس التي هي أساس الفيلم.
أما باقي الموضوع، فهو مفكك، من الفكرة الأساسية نفسها الى معانيها
"السياسية المباشرة، وربما بدا الفيلم أحيانا أقرب الى سينما الأطفال،
ولكنه ليس كذلك نقطة الضعف الأخرى التمثيل والذي بدا أقرب الى الصنعة،
وخصوصا عند بطل الفيلم "جاك جليتهال" وهو اختيار رديء، لأن الممثل غير
ملائم للدور.
يمكن اعتبار باقي الممثلين في حالة نجاح، ولكن ما يجدي كل ذلك إذا
السيناريو مجرد تجميع لمشاهد فيها الكثير من الغرائبية المجانية.
من الطبيعة أن تكون في الفيلم الموسيقى شرقية متنوعة من هنا وهناك، وكان
واضحا وجود بعض الألحان للموسيقار فريد الأطرش.
أخيرا لماذا كل ذلك؟ لماذا البحث عن الخنجر السحري من قبل العم نازيم
ولماذا دبر مسألة قتل أخيه بواسطة الرداء الهدية؟ ولماذا حاول التخلص من
داستن؟ ولماذا ورد الجميع فى هذه الحرب؟
إن الإجابة ببساطة تعود الى رغبة نازيم فى إعادة الماضي البعيد بواسطة
الخنجر، عندما أنقذ أخيه من الحيوانات الشرسة، وتمنى لو انه لم يفعل، لأن
ذلك معناه انه قد صار حاسما منذ تلك الفترة. فقد ضاعت منه فرصة التخلص من
أخيه. إنه يريد العودة الى الماضي، عند نقطة معينة، فلا ينقذ أخيه الملك
وبالتالي يصبح حاكما بدلا عنه.
بالطبع سوف يجد المتفرج أمامه فكرة سطحية وسوف يجد أن السينما تضحك عليه في
بعض الأحيان، بل يمكننا القول بأنها تفعل ذلك في أغلب الأحيان.
العرب أنلاين في
15/07/2010 |