"جيرار
كوران"
سينمائيٌّ، كاتبٌ،
ممثلٌ، شاعرٌ، ومنتجٌ فرنسيّ مُستقلّ، وُلد في 4 ديسمبر من عام 1951 في
مدينة "ليون"،
ويعتبرُ واحداً من السينمائيين الأكثر غزارةً في الإنتاج (حوالي 260 فيلماً
منذ منتصف السبعينيّات).
اكتشفَ، أخرجَ، وأنتجَ Cinematon،
أطول فيلمٍ في تاريخ
السينما (151 ساعة حتى هذه اللحظة)، في عام 1978، بدأ بإنجاز
هذه الانطولوجيا
السينمائية المُرتكزة على تصوير شخصياتٍ فنية تُواجه نفس القواعد
:
لقطةٌ
كبيرةٌ، صامتة، ثابتة، من دون أيّة حركة كاميرا، وبمدةٍ زمنية لا تتجاوز 3
دقائق،
و20 ثانية (وهي المدة الزمنية لعلبة شريط الخام لكاميرا سوبر 8
بسرعة 18
صورة/ثانية)، وخلالها تفعلُ الشخصية ما تشاء أمام الكاميرا.
ويُعتبر Cinematon
مُصطلحاً مُذكراً تمّ اشتقاقه من تلاعبٍ لفظيٍّ بين كلمتيّن:
ـ
(Cine)، وهي
اختصارٌ لـ
(Cinéma).
ـ و(Mater)،
وتعني في اللغة الفرنسية العامية "المُشاهدة
بتركيز"، أو "التحديق" بشهوةٍ، ورغبةٍ عارمة، وأيضاً، مُراقبة حراس السجون
للسجناء
من فتحة باب الزنزانة.
ومنذ البورتريه رقم صفر، وحتى اليوم، هناك 2290 شخصية
منحت نفسها لهذه اللعبة السينمائية، يُمكن الإشارة إلى بعضها
:
جان لوك
غودار، فيم فيندرز، فيليكس غوتاري، جوزيف لوزي، ناغيزا أوشيما، كين لوتش،
صمويل
فولر، جان فرانسوا ليوتار،....
يمتلكُ هذا المشروع مرجعيته من الأفلام الأولى في
تاريخ السينما، وبالتحديد أشرطة
"الأخوين لوميير".
ومن وقتٍ
إلى آخر، تتحققُ هذه الرغبة الإسترجاعية بالعودة إلى الماضي، وفي هذه
المُناسبة، من
المفيد الإشارة إلى الفيلم التسجيليّ الطويل "لوميير، وشركاءه"/
Lumière et compagnie (من إنتاج فرنسا، إسبانيا، الدانمارك، السويد، 88
دقيقة، 35 مللي، أبيض،
وأسود، وألوان) الذي تمّ إنتاجه عام 1995 بمُناسبة المئوية الأولى لتاريخ
السينما،
وأخرجه 41 مخرجاً من كلّ الجنسيات، تحتمّ على كلّ واحد منهم إنجاز فيلماً
قصيراً
بنفس الكاميرا التي استخدمها "الأخوين لوميير"، وكما حدد
"جيرار كوران" قواعد ثابتة
في تصوير شخصياته السينماتونية، فقد التزم المخرجون بثلاثة
شروط :
أن لا تتعدى
المدة الزمنية للفيلم أكثر من 52 ثانية، بدون صوتٍ متزامن، ولا يُسمح
بإعادة تصوير
اللقطة الواحدة أكثر من ثلاث مرات.
بالمُقابل، كما أوحى Cinematon
بفكرة إنجاز
السلاسل السينمائية تحتوي كل سلسلة اثنتي عشرة حلقة، والتي ما تزال جميعها
قيد
التصوير:
بورتريهات ثنائية، ثلاثية، جماعية، سينما، قراءة،....وحتى بورتريهاتٍ
عن القطط
CINÉMATOU، والكلاب CINÉCABOT.
CINÉMATOU
هي استيحاءٌ من عنوان
السلسلة الأصلية Cinematon، وأيضاً اشتقاقٌ من تلاعبٍ لفظيّ بين كلمتيّن :
ـ
(Cine)، وهي اختصارٌ لـ (Cinéma).
ـ و(MATOU)،
هو الاسم الذي يُطلقه الفرنسيون
بلغتهم العامية على "القط الذكر" الغير المخصيّ، والذي يُستخدم
لإخصاب القطط
الإناث.
أما CINÉCABOT
فالأمر أكثر تعقيداً، هو اشتقاقٌ
من تلاعبٍ لفظيّ بين كلمتين:
ـ
(Cine)، وهي اختصارٌ لـ (Cinéma).
ـ
و(Cabot)، هو الاسم الذي يطلقه الفرنسيون بلغتهم العامية على "الكلب"، ووُفق
تفسيرات "جيرار كوران"، واقتراحه بالبحث عن معناها الدقيق في
"موسوعة ويكيبيديا"
بالفرنسية، وجدتُ بأن كلمة (Cabot)
جاءت من (Cabotin)
التي تمتلكُ مرجعيتها من عالم
التمثيل في المسرح، وتُطلق على المُمثل الذي يحاول جذب المزيد من انتباه
المُتفرج
حول نفسه أكثر من تمثيله للدور، وفي معظم الأحيان، يستخدمُ ممثلٌ متواضعٌ
هذه
الطريقة للتعويض عن افتقاره للموهبة، أو الإلهام، بطريقة
ٍماكرة، وغير لائقة كي
يُوائم تأثيراته بشكل واضح مع ردود أفعال الجمهور بحيث يترك نفسه تدريجياً
يسترشدُ
بها، وليس بالمشهد المُتفق عليه نصّاً، وإخراجاً، والأكثر ضرراً لهذا
السلوك هو
التغيير الكامل لرسالة المسرحية، وتحويلها إلى فقرةٍ تافهة،
جوفاء، أنانية،
ومُتملقة للجمهور .
في هذه البورتريهات الاستثنائية، من المُفترض أن تكون القطط،
والكلاب مركز الاهتمام، ولكن، يبدو أنّ أصحابها مبتهجون أكثر
من حيواناتهم الأليفة
الغير معنية بهذه الطرفة، هي غالباً غاضبة، متوترة، وعدوانية قليلاً، ولا
يهمّها
توثيق لحظاتٍ من حياتها سينمائياً كما حال تلك الرغبة النرجسية التي
تتبادلها
الشخصيات السينماتونية مع "جيرار كوران".
وكما الحال في Cinematon،
يُثير الصمت
أيضاً مخيلة المُتفرج، ويُشجعه على سماع الحوار الذي تنطقه الشخصيات، ولا
تُسجله
الكاميرا.
هناك أفلامٌ كثيرة تُنجز عن الحيوانات، وتبثها الكثير من القنوات
التلفزيونية، ويمكن إدراج هذه البورتريهات كواحدةِ من
التنويعات الهامشية لهذا
النوع من الأفلام التسجيلية المرغوبة جماهيرياً.
يمكن اعتبار بورتريهات القطط،
والكلاب وثائق أنثربولوجية، ودراسة بصرية عن سلوكيّاتها مع أصحابها في
ظروفٍ محددة
أمام كاميرا تُراقب بحياديّةٍ تامّة، ومن يعرف طباعها، يؤكدُ بأنّ الكلاب
مُطيعة
على عكس القطط، مغرورة، مُتعالية، مُنفردة في قراراتها،
وتتصرّف كما تشاء.
في
هذه البورتريهات التي تجمع الشخصيات المُؤفلَمة مع حيواناتها،
تُظهر القطط، والكلاب
عدم رغبتها بأن تكون نجوماً في Cinematon، ولهذا السبب ـ رُبما ـ فقد أنجز "جيرار
كوران" ثماني بورتريهاتٍ فقط عن القطط خلال الفترة من 27 أبريل عام 1990
وحتى 25
يناير عام 1993، وخمسة عن الكلاب خلال الفترة من 25 مايو عام 1991 وحتى 3
ديسمبر
عام 1992.
أتوقعُ أسباب فشل هذه التجربة، أو التوقف عن إنجاز
بورتريهاتٍ جديدة، بأنّ "جيرار كوران" طبق نفس الشروط القاسية التي اعتمدها
في Cinematon
مع شخصياتٍ تُعتبر الكاميرا مألوفة بالنسبة لها، وهي أداة عملها التي لا
يمكن الاستغناء عنها مطلقاً، وكانت في نفس الوقت تُمارس لعبةً
مُنفردةً، وجماعية،
ولكن، ماذا يعني هذا الجنون البشريّ بالنسبة لهذه الحيوانات المسكينة، ومن
هذا
الشخص الغريب الذي جاء إليها بكاميرا لن تستطيع لحسها، أو التهامها، وماذا
لو كانت
حيواناً مُفترساً سوف ينقضُّ عليها في أيّ لحظةٍ، أو حتى
صندوقاً سوف ينقلها إلى
أقرب طبيب بيطريّ كي يغرز في جسدها إبرةً تحتوي على سمٍ قاتل تُنهي حياتها
؟
يحقّ لي تخيّل بورتريهاتٍ مختلفة تماماً لا ترتكز على
Cinematon
وقواعده،
متحررة في صياغتها السينمائية، وتُسجل بحريةٍ ثلاث دقائق، وبعض الثواني من
حياة
قططٍ، وكلاب بدون مرافقة أصحابها .
رُبما، بهذه الطريقة، تصبح أكثر أصالةً،
طرافةً، وجذباً للاهتمام من حالة البورتريهات التي نجدها فيها مرغمةً على
فعل شيئاً
لا تريد فعله، وينتابُ المتفرج شعوراً واضحاً بأنّ "جيرار كوران"، وأصحابها
يرغبون
حبسها في إطار لقطة قريبة ثابتة، ولمدةٍ زمنية طويلة جداً، جداً، جداً..
كانت
الشخصيات السينماتونية نفسها تعجزُ عن تحمّلها، فما بالنا بهذه
الحيوانات التي تخاف
أحياناً من ظلّها.
من قرأ عن بورتريهات Cinematon،
ومن يقرأ اليوم عن بورتريهات
القطط، والكلاب، سوف يعتقدُ بأنّ "جيرار كوران" يفتقدُ لكل
موهبةٍ سينمائية،
ويمتلكُ فراغاً كبيراً يشغله بتصوير أفلام غريبة يمنحها البعض من الفلاسفة،
الكتاب،
والنقاد أهميةً عُظمى، وبدوره، يتبنى ناقدُ سينمائيُّ عربيّ هذا الاحتفاء.
من
سوء حظ هؤلاء، بأنهم لم يشاهدوا بورتريهات Cinematon
بعد، ومن حسن حظ "جيرار كوران"
بأنه لم يكتفِ فقط بإنجاز هذا المشروع البصريّ الضخم عن عالم الفنّ،
السينما،
والأدب، وثيقة بصرية لا تشبه أيّ واحدةٍ أخرى، ولم تخطر على بال أحد قبل
إنجازها،
ولن يتجرأ آخرُ بتقليدها، لأنها، ببساطة، مُتجذرة في أصالتها.
في البداية، لم
يمتلكَ البورتريه رقم صفر الخاصّ بـ "جيرار كوران" أهميته بمفرده، وبدون
سلسلة
البورتريهات اللاحقة لما تحدث أحدٌ عن Cinematon.
وإذا عدنا إلى الماضي،
وافترضنا بأنّ "الأخوين لوميير" توقفا عند فيلم "خروج العمال من المصنع"،
ووضعا
اختراعهما في كهف منزلهما، أو مستودع مصنعهما، وتفرغا لأمورٍ أخرى كانا
يُمارسانها (مثل تصنيع بعض الأدوية مثلاً) ولم يفكر
عبقريٌّ آخر بإكمال تلك المُغامرة العظيمة،
ما كان للسينما أن تتواصل و تنتشرَ بسرعة تُبهر الملايين،
وتفرض نفسها كواحدةٍ من
الفنون الأكثر شعبية.
وكما استثمرَ "الأخوين لوميير"(وغيرهما بالتأكيد)
السينماتوغراف، وقدما أفلاماً بسيطةً للغاية، ولكنها مهمّة من الناحية
السينمائية،
والتاريخية، يأتي "جيرار كوران" في عام 1978، ويُعيد اكتشاف السينما، أو
بالأحرى،
يُذكرنا بآلياتها، أسلوبها، وجمالياتها الأولية، لقد بدأت السينما هكذا،
لقطةً
واحدةً ثابتة، بدون قطع، وبمدةٍ زمنية قصيرة (تتناسبُ مع
الأطوال الزمنية للأشرطة
السينمائية التي كانت تُستخدم في تلك الفترة)، وأنجزَ مشروعاً ضخماً أصبح
جزءاً من
تاريخ السينما.
وبتسجيل 2290 شخصية في بورتريهاتٍ، فقد وضع نفسه في قلب السينما،
وسجلَ مذكراته الشخصية بصرياً، أكان ذلك من خلال Cinematon،
أو الأفلام الأخرى
الكثيرة التي صوّرها، وعلى عكس "المُذكرات الفيلمية" العائلية الطريفة التي
يُنجزها
السينمائي الفرنسي ـ الأكثر جنوناًـ "جوزيف موردر"، توجهت كاميرا "جيرار
كوران" نحو
الآخرين كي يكون واحداً منهم.
إذا تخيلنا باحثاً سينمائيّاً يريد التأريخ
لـ"جيرار كوران"، أعتقدُ بأنه سوف يكتفي بمُشاهدة
Cinematon، وغيره من الأعمال
الفيلميّة بتسلسل زمن تصويرها كي يعرف بالضبط تفاصيل حياته.
ومن خلال
الاستعانة بالعشرة بورتريهات الأولى، والأخيرة، نستطيع تحديد المسارات
الجغرافية،
والحياتية، والسينمائية التي سلكها "جيرار كوران"، فكيف يكون الحال لو
طبقنا هذه
الفكرة على عموم أعماله.
يستغرقُ كلّ بورتريه ثلاث دقائق، وبعض الثواني من حياة
شخصيةٍ في مكانٍ، تاريخ، وتوقيتٍ معين، بينما يُجسّد
Cinematon
مسيرة حياة "جيرار
كوران" نفسه بدءاً من عام 1978.
هامش :
لمعرفة المزيد
عن Cinematon
يمكن الإطلاع على قراءةٍ لنفس الكاتب تحت عنوان (سينماتون طرائف
سينمائيّة، قصيرة، وبُكائيات، الفيلم الأرخص، والأطول في تاريخ
السينما).انظر موقع
الجزيرة الوثائقية :
http://doc.aljazeera.net/cinema/2010/05/20105375453433267.html
الجزيرة الوثائقية في
12/07/2010 |