ثلاثة أعمال هي كل رصيده الفني. ولكن أتحدي ألا يعرفهم المشاهد.. بل
المؤكد انهم أثروا فيه حين شاهدهم فمن هو الشاب الذي لم يتأثر بمأساة أبطال
"فيلم ثقافي" ومن هو العربي الذي لم يشعر بأزمة بطل فيلم "ليلة سقوط
بغداد"!
انه المخرج محمد أمين الذي يكتب ويخرج أعماله لتخرج معجونة بهموم
ومشاكل الشعب المصري بأحاسيسه وآماله ومخاوفه حاليا يعرض له الفيلم المثير
للجدل كعادة أفلامه "بنتين من مصر" وكأن قدر محمد أمين طرح معاناة الشباب
المصري الذي يعاني البطالة وتأخر سن الزواج. ومن ثمة ظاهرة العنوسة.. ولأنه
أحد القلائل الذي تصدي لهذه الأزمة هاجمه البعض بدلا من شكره فكان لابد من
لقاء "للجمهورية الأسبوعي" مع هذا الحوار لنتعرف أكثر علي هذا المخرج
العبقري صاحب الفكر ونعرف حقيقة استقبال البعض للفيلم برفع قضايا ضده..
فلماذا وهل يسيء الفيلم للمصريات وسمعتهن كما يقولون أم أن الأمر فرقعة لا
أكثر ولاجابة هذه الأسئلة كان الحوار مع المخرج محمد أمين.
·
أولا مبروك خروج فيلمك للنور
أخيرا وبعد عدة سنوات. ولكن الفيلم عنوانه "بنتين من مصر" واحدي بطلاته
أردنية. ألم تتواجد ممثلة مصرية تصلح لتمثل جيلاً كاملاً من فتياتنا؟
عندك حق ولكن قصة الفيلم تدور حول فتاتين عمرهما بين الثلاثين
والخامسة والثلاثين.. أي أن من تصلح للدور ثلاث أو أربع فنانات بالعدد..
وللأسف كن مشغولات في عدة أعمال أخري أي عدة سنوات قادمة. معني ذلك
انتظارهم سيؤخر "بنتين من مصر" ثلاث أو أربع سنوات أخري. وهو أمر صعب..
فجاءاختيار "صبا مبارك" أولا لأنها نجمة تليفزيونية في بلدها وفي الشام
بشكل عام. وثانيا لأنها تتحدث باللهجة المصرية مثلنا.. يعني بلا اختلاف
وبالطبع لأنها كانت متاحة في هذه الفترة وبصراحة أنا أري انها نجمة الشام
الأولي الآن!..
·
وزينة؟
زينة ظهرت في العمل بإطلالة مختلفة فقدمت الروح المصرية لفتاة تعاني
من المشاكل التي تمر بها كل فتاة في مصر.
·
شاهدت الترحيب بالعمل في سوق
مهرجانات كان بينما كنت أنت في مصر. فلماذا لم تسافر مع فيلمك؟
للأسف الفيلم لم يدخل المسابقة بل السوق هنا يصبح المسئول عنه الشركة
المسوقة لذلك "لا تفرق"!
مرور الوقت
·
وهل يتم عرضه في مهرجانات أخري؟
إن شاء الله دخل الفيلم مسابقة خاصة في مهرجان قرطاج ومهرجان سينما
المرأة بأوروبا. وعموما لا أضع عقدة المهرجانات تسيطر عليَّ!
·
لماذا تأخذ أفلامك سنوات
لتقديمها؟
أولا لتقديم أي عمل يجب أن تكون لدي فكرة مختمرة فكرة قد تأثرت بها.
وأحيانا أجد هذه الفكرة قد سبق وقدمت من قبل. أو لم تعد لها أهمية بمرور
الوقت. لذا أعود أفكر في فكرة جديدة وموضوع جدير. وبالطبع اكتب السيناريو
وأبحث عن الأبطال وقبلهم الشركة المنتجة لهذا العمل حتي أخرج في النهاية
بالعمل كما أريد.
·
هل يمكن أن نري محمد أمين مخرجا
فقط وليس مؤلفا؟
يا ريت .. ممكن جداً إذا توفرت لي مع المؤلف رؤية فنية متساوية وإن
كنت أري أن أحد أهم كتاب السيناريو الذي يحكم أن أعمل معه حاليا هو "ماهر
عواد".
·
انت رجل فلماذا وكيف قدمت فيلمك
عن عنوسة البنات المصريات؟
العنوسة ليست للمرأة فقط فالشباب أيضا يعاني تأخر زواجه. ولكن الفتاة
في موقف أكثر وطأة فخروجها ودخولها وحياتها بشكل عام مخنوقة. كما ان الله
خلقها لتكون "أماً" لذلك وجودها الكامل لا يتحقق إلا بالزواج.. وللأسف هذه
الحالة من تأخر الزواج تجعل الفتيات والشبان يعيشون حياتهم بربع عقل وهو ما
يؤدي لشلل في طاقة المجتمع ككل!!
·
ولكن ما هو السبب المباشر
لاختيارك هذه الفكرة؟
تصدقي ان الأمر كان لقاء مع زميلاتي في الجامعة بعد عشر سنوات وأكثر
واكتشفت أن العديد منهن رغم جمالهن ومستواهن الاجتماعي والثقافي لم يتزوجن
فتأثرت بحالتهن. وقررت أن أكتب عن هذه الفكرة.. فالفنان يتأثر بما حوله.
ويتراكم بداخله الاحساس الذي يخرج في صورة عمل فني. يوقد حاولت أن أبتعد عن
الشكل التقليدي للعانمس وهو الفتاج القبيحة المتلعثمة.. فالعانس اليوم فتاة
جميلة ومثقفة.. والدليل ان "20" مليون فتاة تعدوا سن الزواج مما يعني انهن
طاقة مهدرة!!
·
** قيل ان الفيلم قوبل بقضية
رفعت ضده من أحد المحامين؟
لم أعرف موضوع القضية إلي الآن. ولكن أدعو المحامي الذي قام برفعها أن
يشاهد الفيلم.. وعندها سيري الأم وشقيقته وزميلته.. وربما إنسانة قريبة منه
تعاني نفس المعاناة. كما أن لدي اعترافاً يجب أن أقوله "للجمهورية"..
راعيت الله
·
ما هو؟
أقسم أن الفيلم بما يحتويه من أفكار كان فرصة ذهبية للابتذال لكني
راعيت الله فيما أقدم ليخرج بصورة حقيقية بقدر الامكان. دون مشهد واحد مثير
أو مسف لأقدم رؤية محترمة للواقع.
·
ما هي فكرتك القادمة؟
فكرة تهم العالم العربي ككل.. وطبعاً أحداث سياسية اجتماعية!
·
هل عانيت مع الرقابة؟
بالعكس.. بل أشكرها لأنها رفعت سقف الحرية.. وأشعر أن الأمر لم يكن
فيه نية تربص. بل تسامح مع المبدع.. وأكبر دليل أن الفيلم عرض بلا حذف أي
مشهد منه كما أشيع!..
·
الفيلم يعرض الآن مع كأس
العالم.. فما رأيك؟.
أترك هذه المسألة لشركة التوزيع.. أنا مخرج فقط.. والمشاهد يستطيع أن
يجد ما يشاهده بسهولة.. ثم ان كرة القدم لا تعرض 24 ساعة.. والسينما لها
أيضاً سحرها الخاص. غير سحر الكرة!
الجمهورية المصرية في
08/07/2010
ليل ونهار
الكبار والصغار
محمد صلاح الدين
جميل من السينما أن تنسي الهلس والهيافة التي تفضلها كل فترة.. وتتجه
للقضايا المهمة في حياتنا.. خاصة قضايا الفساد عند كبار القوم.. بكافة
أنواعه وبكافة أنواعهم.. ولكن الأهم هو أن يكون في التناول تجديد والتصاق
أكثر بالناس وبالأحداث الجارية!!
وفيلم "الكبار" يعد التجربة الأولي للمخرج الشاب محمد جمال العدل ثاني
شاب تقدمه عائلة العدل هذا العام بعد تجربة كريم في "ولد وبنت". وجميل من
العائلة أن تجعل أبناءها يسيرون علي نفس النهج. وإن كنت أفضل أن تتشرب
عناصر أخري العملية الانتاجية ذاتها. ولا يتجه الكل إلي الإخراج.. لأن
الإنتاج يحتاج إلي خبرة وثقافة خاصة لا تتوافر حتي لكثير من المنتجين
الموجودين في السوق!..
ونعود لتجربة "الكبار" التي تشهد مولد مخرج جديد. وتشهد في نفس الوقت
عودة سيناريست قديم هو بشير الديك في عمله رقم "44" سينمائياً والذي هجرها
للتليفزيون منذ احد عشر عاماً.. وها هو يعود في محاولة لرصد "الشطار" الجدد
في إعادة قراءة للواقع الذي يمر به الوطن حاليا بعد أن رصدها في سنوات
سابقة في أكثر من عمل مهم منها: "سواق الأتوبيس" و"الطوفان" و"لعبة الكبار"
و"الهروب" و"كلام الليل" وغيرها..
إننا هذه المرة نري صداقة وعشرة بين جناحي تنفيذ القانون. وكيل
النيابة "عمرو سعد" والضابط "محمود عبدالمغني". وبسبب الفوضي التي نعيشها
يتم إعدام شاب ظلماً. ويعرف الصديقان انه بريء. ليدرك وكيل النيابة انه لا
يستطيع أن ينحاز للفقراء وهو في منصبه. فيستقيل ويفتح مكتباً للمحاماة..
وحينما اعتقد أنه حر بدأت قضاياه في الخسران بسبب سطوة الكبار علي صغار هذا
البلد "قد تلمح ظل أحمد زكي في هذه المشاهد تحديدا!".. وفي تحول دراماتيكي
في شخصية البطل يجد نفسه يتقرب من الكبار بالعمل لدي شركات الحاج "خالد
الصاوي" معتقداً أنه أنصح وأفلح إن أسقط بنيانهم المرصوص من الداخل.. وما
بين الرغبة في الصعود. والرغبة في تقويض الفساد. يتوه بطلنا الذي مازال
يحمل عبء العدالة علي كتفيه.. فتارة يجد نفسه مع الأصالة المتمثلة في صديقه
الضابط وأمه "عبلة كامل" أوشقيقة الذي أعدم ظلماً "زينة". بينما لا يجد
نفسه بالمرة وهو مجرد خادم للكبار. الذين بحكم قرون استشعارهم الفاجرة لا
يأمنون له حتي ولو أمسك بكل قضاياهم.. وهذا أبلغ ما قاله الفيلم في مشاهد
اتسمت بمطاردة القط والفأر!!
في نهاية المطاف تفوز القطط السمان في مشهد ملحمي واحد حين يعتلي
الحاج المنصة في حفل زاخر بكبار القوم. وهويقوم بشكل مسرحي بتشريح شخصية
البطل الملحمي بالقول أمام ضيوفه. واعلان انتصار الفساد علي القانون وعلي
العدالة وحتي علي الأخلاق.. فلا يجد المواطن العادي البسيط إلا الاختيار ما
بين ضياع وضياع!!
يعبر كاتب السيناريو ومن ثم المخرج عن لحظات الإحباط التي قد تصيب
المجتمع من قوة التمكن التي يتمتع بها المفسدون من الكبار.. ومن طبيعة
الخلل والتغيرات التي حدثت في مجتمع لم يكن يعرف هذه القدرة الفائقة علي
الطغيان.. وقد عبرت الصورة كثيراً بكافة محتوياتها عن هذا الهم في تنغيمة
تدعم الموقف الدرامي.. كما عبرت معظم الشخصيات التي أدت بقوة عن هذا
الطغيان. أخطر ما فيها هذا الكم من القهر أو العبودية للبطش والجبروت!!
صحيح ان العمل يعد مرثية حزينة في قراءة ما يحدث في الألفية الجديدة
التي ولدت من رحم العولمة والرأسمالية المتوحشة.. ولكن يؤلمنا فيها غلبة
اليأس علي المقاومة!!
Salaheldin-g@hotmail.com
الجمهورية المصرية في
08/07/2010 |