قبل تسعة أعوام من الآن، بالتحديد في العام 2001، تمكن المخرج
البحريني علي العلي، الذي لم يكن حينها سوى هاوٍ يعرض أولى محاولاته، من
لفت أنظار جمهور قليل احتوتهم صالة عروض نادي البحرين للسينما. كان ذلك مع
أول أفلامه القصيرة «الطريق إلى جهنم»، الذي توالت بعده أفلام قصيرة عدة
أبرزت تطورات الحس والتقنية الإخراجيين لدى العلي عبر سنوات قصار.
اليوم وبعد 12 فيلماً قصيراً، أثبت من خلالها العلي موهبة فذة ومميزة،
جعلته يحصل على الكثير من الإشادات، والتكريمات، وعدد لا بأس من الجوائز،
يعلن العلي رغبته تصوير فيلم روائي طويل. لا يتحدث كثيراً عن فيلمه، يخبرنا
فقط أنه يصور في البحرين تحت اسم «بيت الله»، يناقش من خلاله «أحداث وظواهر
يعيشها المواطن الخليجي بشكل يومي». يتعاون العلي في فيلمه الجديد، وللمرة
الثانية مع السيناريست الإماراتي محمد حسن أحمد، كاتب نص فيلم «مريمي»
القصير الذي أثبت من خلاله العلي تمكنه كمخرج.
«الوسط» حاورت علي العلي حول النقلة النوعية في انتقاله كمخرج للأفلام
الروائية الطويلة، ونظرته للعمل الإخراجي في السينما ومدى استعداده لخوض
تجربة إخراج فيلم روائي طويل.
·
تنتقل بهذا الفيلم من إخراج
الأفلام القصيرة إلى الأفلام الطويلة، وذلك بعد ما يقارب من 9 أعوام من
بداياتك كمخرج. ألا ترى أن الوقت لايزال مبكراً لإنتاج فيلم روائي طويل،
ألا تعتقد أنك بحاجة لخبرة تراكمية كمية ونوعية في الوقت ذاته؟
- كنت متخوفاً من خوض تجربة الفيلم الطويل، كما تعلمين الفيلم الطويل
له أساسيات مختلفة. وعليك أن تمتع المشاهد لمدة ساعة ونصف. تجربة الفيلم
الطويل تجربة خطيرة، من الممكن النجاح فيها أو الفشل. بالنسبة لي لا مجال
للفشل، يجب أن أقدم فيلماً يستمتع به المشاهد والناقد على حد سواء. أريد أن
يخرج المشاهد ويقول إنني شاهدت فيلماً، ثم إنه سيدفع مبلغاً معيناً فلابد
أن يستمتع كما يحدث حين يدخل لمشاهدة أفلام هوليوود وبوليوود.
خضت تجارب كثيرة في الفيلم القصير، ومن وجهة نظري هذه التجارب هي
بمثابة عمل تراكمي يؤدي إلى اكتشاف خبراتك كمخرج أو ككاتب. كما أن التواجد
في أكثر من مهرجان ومشاهدة التجارب الناجحة على مستوى العالم العربي أو على
مستوى العالم ككل مهمة أيضا. كذلك أعتقد أن دخولي في تجربة تصوير مسلسل
«على موتها أغني» بدت مختلفة أيضاً. ربما لأن أدواتي في المسلسل كانت
سينمائية أكثر من كونها تلفزيونية، عملت المسلسل بحس سينما، بأدوات سينما،
بغض النظر عن الأجهزة، ولكن كتعامل مع الفنان ومع الإضاءة كان كل شيء له حس
سينمائي.
استغرقت فترة العمل 4 شهور، وقد اكتسبت خلالها أشياء كثيرة، وربما
جعلتني أقرب لدخول تجربة فيلم طويل. هذه تجربة تشكل خبرة تراكمية بالنسبة
لي.
·
فهل نتوقع فيلماً على غرار أفلام
هوليوود أو بوليوود، يستمتع به الجمهور فيما يحافظ فيه المخرج على أدواته
ويسعى من خلاله لتحقيق معادلة السينما كفن وكصناعة ترجع بأرباح مادية؟
- ذكرت في أكثر من لقاء وتصريح مع الصحافة، أنه لا يمكننا اليوم أن
نعبّر عن صناعة فيلم خليجي ينافس أفلام هوليوود أو بوليوود أو حتى الأفلام
على مستوى الوطن العربي.
لا نتحدث عن الصناعة، فقط نبحث عن الإقناع. أنا كمخرج أبحث عن جمهور
وعن مشاهدين يثقون بي، لا أن أنافس هوليوود أو بوليوود، وهي التي توجد فيها
صناعة لها تاريخ.
صناعة السينما في الخليج وليدة، وهناك تجارب أكثر من كونها صناعة. ما
لدينا تجارب معدودة بعضها ناجح وأخرى تمر وتنتهي.
أعتقد أنه ستكون هناك أكثر من تجربة ليست مع فيلمي وحسب، ربما ستكون
هناك أكثر من تجربة سينمائية على مستوى الخليج لزملائي: وليد الشحي، نواف
الجناحي، سعيد سالمين، عبدالله حسن أحمد. في البحرين كانت هناك تجربتان
سابقتان من حسين الحليبي. هذه التجارب تجعلني أتمكن اليوم من أن أضع قدمي
وأقدم تجربة مختلفة، وهذا هو الرهان، أن يتم التنافس على مستوى الخليج.
·
لكن الأمر يبدو كمجازفة، حتى لو
لم نتحدث عن منافسة مع هوليوود أو بوليوود، أنت تحاول تقديم فيلم تطمح أن
يشاهده الجمهور باختياره، هل تعتقد أن المخرجين الشباب في الخليج قادرون في
هذه المرحلة على تقديم أفلام تعجب الجمهور أو على الأقل لا يتم الاستخفاف
بها؟
- من وجهة نظري، لدينا مشكلتان، الأولى هي أنه حينما ننظر إلى السينما
الحقيقية أو السينما المستقلة، وهي كفكر أو ثقافة تعلمناها سنجد أن الجمهور
لا يتقبل الفيلم المستقل. نحن اليوم ومن أجل أن نصنع فيلماً أشبه بـ
«اللمبي» أو أفلام أحمد حلمي التي تجذب الجمهور، علينا أن نفكر في الفيلم
الجماهيري الممزوج بالفيلم المستقل، الذي يمكن أن يشارك في كل مهرجانات
العالم ويُحترم، وفي الوقت ذاته يستمتع الجمهور بمشاهدته.
في الوقت ذاته، دخول تجربة الفيلم الطويل مغامرة في كلتا الحالتين،
مغامرة في العمل مع جمهور ثقافته مختلفة، وحينما يريد دخول السينما يريد أن
يستمتع ويضحك أكثر من رغبته في مشاهدة سينما وإبداع وفن. نعم كما عبرتي هي
مجازفة، فنحن نقول للجمهور هذا فيلم جماهيري لكنه محترم، يمكنكم أن تشاهدوا
سينما وصورة بصرية وثقافة وتحصلوا من ورائها على متعة تفوق متعة الفيلم
الذي يضحككم.
أنا كمخرج، لا أطمح لتقديم مثل هذه الأفلام التي تصنع فقط من أجل
إضحاك الجمهور. أعتقد أن هذا بعيد عن السينما، قد يكون هناك جمهور لهذه
الأفلام، لكن أنا كمخرج وبحسب الثقافة التي اكتسبتها وتعلمتها لا تستهويني
مثل هذه الأفلام.
لكن في الوقت ذاته أريد أن أقدم فيلماً يرضي الجمهور والنقاد.
·
هل تكره أن يُطلق على فيلمك؛
فيلم جماهيري، أو تجاري؟
- مفهوم الفيلم التجاري على المستوى العربي هو الفيلم الذي تقدمه
السينما المصرية ربما. وفي الآونة الأخيرة أعتقد أن الأفلام المصرية التي
قدمت كانت فاقدة للمضمون والمحتوى وأن هدفها التسلية فقط.
لذا من المهم أن يكون للمخرج رؤية مختلفة وأن يقدم لغة سينمائية
حقيقية في أفلامه. الأفلام المصرية التي شاهدتها والتي تصنف ضمن الأفلام
الجماهيرية، أعتقد أنه ليس بها لغة سينمائية وكان بالإمكان تقديمها في
التلفزيون لكنهم يقدمونها في السينما.
·
فلا اعتراض لديك إذاً على الفيلم
الجماهيري، ولكن على الطريق التي يُقدم بها؟
- نعم، توجد أفلام تحترم جمهورها مثل «Avatar»، وكثير من الأفلام التي تصنعها هوليوود وبوليوود. هناك أفلام ممكن
أن يشاهدها الجمهور العادي وجمهور النقاد ويمكن أن تعرض في المهرجانات
وتحصد جوائز أيضاً، كما تعرض في دور السينما، وهذه هي الأفلام التي نتحدث
عنها.
·
لكن انتقالك للفيلم الطويل، والى
جمهور السينما، هل سيجعلك تتنازل عن اللغة السينمائية التي تقدم بها أفلامك
أو عن أدواتك وتقنياتك الإخراجية؟
- تجربة الفيلم الطويل هي حلم بالنسبة لعلي العلي. وأعمالي السابقة
سواء (الأفلام القصيرة) التي قدمتها أو حتى تجربة التلفزيون، جميعها كانت
تهيئة للفيلم الطويل.
بالنسبة لي منطقة الفيلم الطويل مخيفة جداً، لكني في نفس الوقت أمتلك
الثقة كافية لأن أدخلها، لكن بحذر شديد.
أتمنى أن أقدم عملاً مختلفاً يلفت انتباه المسئولين في الدولة، أو حتى
على مستوى دول الخليج، لأن هناك شباباً قادرون على صناعة فيلم. أتمنى أن
يكون هذا الفيلم قادراً على الذهاب إلى كل أنحاء العالم ويُحترم من قبل
الجمهور والمهرجانات والملتقيات الثقافية السينمائية.
بالنسبة لأدواتي فهي أقرب إلى السينما، وانني وصلت إلى المرحلة التي
أتمكن فيها من امتاع جمهوري باستخدام هذه الأدوات، وهي أدوات المخرج القادم
من السينما، وهذا ما اختلف لدينا بالنسبة لتجربة التلفزيون في مسلسل «على
موتها أغني» الذي صورناه بأسلوب سينمائي.
·
هل شجعك نجاحك في التلفزيون على
خوض هذه التجربة؟
- ربما هذا سبب، وربما كذلك مستوى النضج الإخراجي الذي وصلته كمخرج،
إذ إنني عملت لمدة 4 شهور بمعدل 12 ساعة يومياً، وهو ما يمكن اعتباره
معسكراً لأي مخرج، يكتشف خلاله أشياء كثيرة. بالطبع عملي في التلفزيون كما
قلت جاء بأدوات سينما وبفكر سينما حتى بالنسبة للنص ومعالجته كان ذلك أقرب
للسينما.
العلي... مخرج يرفض النخبوية؟؟؟
الانتقال من مرحلة إخراج الأفلام القصيرة لإخراج أفلام روائية طويلة،
وهو ما ينوي المخرج البحريني الشاب علي العلي القيام به قريباً،هي عملية
تحتاج كثيراً من التفكير والتأمل واللااستعجال. وبعيداً عن كل الحيثيات
والتفاصيل الكامنة في تلك العملية التي تتطلب من أي مخرج يرغب في خوض تلك
التجربة الالتفات إليها والتأمل فيها بحذر شديد، فإن الأمر الذي لن يختلف
معي عليه كثيرون هو أن هذه النقلة لن تكون على مستوى طول الفيلم او تقنيات
صناعته وغير ذلك من التفاصيل المهنية والفنية، وحسب، بل إنها ستكون على
مستوى الجمهور المتوقع او المستهدف قبل أي شيء. فكرة فيلم طويل بكل تأكيد
تعني استهداف جمهور دور السينما المعتاد بالدرجة الأولى، وهو الجمهور الذي
يعلم العلي تماماً مقاييس ذوقه ومتطلباته. ثم إن تقديم فيلم طويل يعني تحمل
كلفة مادية أكبر، ربما يعني تمطيط وتطويل وحشو لا يهدف سوى لإبقاء المتفرج
وقتاً أطول وتحقيق معادلة ربحية أكبر.
لا غبار على الأمر والعلي مخرج طموح، شديد الذكاء، تمكن من أن يفرض
حضوره على ساحة سينمائية ناشئة في منطقة الخليج. الإشكال الذي يطرح هنا، من
وجهة نظري، هو في انتقال العلي من نوعية من الأفلام أطلق عليها «أفلام
مستقلة» وأسميها أنا سينما حقيقية تراعي الجانب الابداعي اكثر من أي أمر
آخر، وقد لا تجد لها تفاعلاً على كل المستويات، لفيلم جماهيري بمقاييس
مختلفة يفترض منه تحقيق معادلة امتاع متفرجيه وإرضاء رغبتهم في الفرجة
والتسلية بالإضافة إلى تقديم مادة تحترم عقولهم إلى حد ما وتوجه ذائقتهم
لأشكال فنية جديدة ثم تعود على صانعيها بأرباح مادية.
العلي يؤكد أنه سيقدم فيلماً بمقاييس فنية عالية، يحترم العقول
والأذواق، يرضي المشاهدين، ويعجب النقاد في آن واحد. معادلة لا تبدو
أطرافها متوازنة، فما يعجب النقاد في واقع الأمر ليس هو ما يعجب الجمهور.
هل يعود ذلك لتعالي النقاد أم لانخفاض في مستوى أذواق الجماهير، لا يهم.
نظرياً يمكن التحدث عن «لانخبوية» السينما وعن رفض كل الأفكار الداعية
لتفضيل فئة النقاد أو ما شابه على فئة الجمهور، لكن في واقع الأمر لا يمكن
أن يلتقي النقاد وعموم الجمهور العادي في خانة واحدة حين يتعلق الأمر بمادة
سينمائية. كيف سيكون بإمكان العلي تحقيق تلك المعادلة؟ هل هو طموح فاق
حدوده أم اعتداد، قد يكون في محله، من المخرج الشاب بإمكاناته؟
مهما يكن من أمر فإن العلي، مخرج موهوب يستحق كل دعم وتشجيع في خطوته
تلك.
الوسط البحرينية في
08/07/2010 |