لا ينكر عاقل وراصد متوازن لواقع الثورة المصرية وتأثيرها الإيجابي على
قطاع السينما على مدى رحلة طويلة من العطاءات التي تُرجِمت بالتأميم،
ولاحقاً بالدعم القوي للاستوديوهات وشركات الإنتاج التي نشطت، وللوسط الفني
المصري الذي استقبل في هذه الحقبة وما تلاها أكبر وأهم الفنانين العرب،
فكانت السينما حضناً رحباً دافئاً وداعماً، وكانت نجومية كاسحة لهم يتصوّر
معها العرب أنّ كل الذين تعملقوا على هذه الشاشة الرائعة هم مصريون بعدما
أعطوا فرصاً ذهبية كي يكونوا في صدارة البطولات·
ومن محاسن الخُطط، وربما الصُدف أنْ ينظِّم المجلس الأعلى للثقافة في مصر
حلقة بحثية تنطلق اليوم (في 5 تموز/ يوليو الجاري) لرصد آثار ثورة 23 يوليو
1952 على الفن السابع بعنوان: السينما المصرية الثورة والقطاع العام 1952 -
1971، يشارك فيها: أحمد عبد المعطي حجازي، حسن حنفي، صلاح قنصوة، صلاح
عيسى، أحمد يوسف، علي أبو شادي، محسن ريفي، مجدي عبد الرحمن، فريدة مرعي،
محمد كامل القليوبي، هاشم النحاس، وابراهيم العريس·
19 عاماً قيد الدرس·
وهي بالمناسبة من أغنى وأغزر فترات العطاء في السينما المصرية بالرغم من
حرب العام 1967 التي أسفرت في يوم ما عن هجرة فنانين كبار بالعشرات إلى
بيروت حيث أسهموا في تصوير أعمال مشتركة عديدة مع لبنان وسوريا وأحياناً مع
تركيا من خلال طروب وفريد شوقي (عثمان الجبار) فيما قدّم يوسف شاهين فيلمين
صوّرهما مع الأخوين رحباني (بياع الخواتم وسفر برلك)، وقرّبت المسافة بين
العديد من هؤلاء وبين الإنتاج السوري فكانت أعمال لـ توفيق صالح ويوسف
شاهين وغيرهما·
لكن·· بين الـ 52 والـ 67 عاش العالم العربي حقبة أنموذجية من النجاحات
الذهبية في كل الميادين، حيث بدا وكأن الفنون تُنعش معاً، أو تأخذ من بعضها
البعض وتتواصل في لمعان متدفق·
السينما قدّمت أحلى ما عندها في هذه الفترة، حيث تزايد عدد النجوم والنجمات
العرب في الصناعة المصرية هذه، واشتغل في الميدان الكبار من كُتّاب القصة
الذين لا نزال ننهل من معين مؤلفاتهم (نجيب محفوظ، إحسان عبد القدوس، يوسف
السباعي، يوسف إدريس، عبد الرحمن الشرقاوي)، وغيرهم الكثير، ولجأ اليهم
المنتجون فباشروا حقوق تحويل العديد من رواياتهم أفلاماً، وهو أمر حفّز
باقي الروائيين على إطلاق أعمال جديدة بعدما عرفوا أنّ الفن السابع قادر
على حمل قصصهم إلى أوسع مدى جماهيري·
هذا الواقع أوجد نجوماً من نوع خاص، لا نزال إلى اليوم نتحدّث عنهم، ونغرف
من نجوميتهم، وما أسهموا فيه من عطاءات، والكثير من الإبداعات كي تتعلّم
منها الأجيال اللاحقة مثلما هي حال المخرجين الذين لم يلتزموا مدرسة ونهجاً
فنياً واحداً، وإن كان معظمهم عرفوا أنّ الطريق الأنسب إلى الإخراج هو
العمل في المونتاج والبراعة فيه·
كل ما تناولناه يؤشر إلى أهمية الحلقة البحثية التي تبدأ اليوم في القاهرة،
فمن العلامات الإيجابية في السياق أنّ ما يتم درسه هو المرحلة الذهبية التي
عاشتها السينما، وهذا أمر جيد لأن مثل هذا البحث سيُعيد التذكير بمواصفات
النجاح السابق والبحث في إمكانية إحيائه واسترجاعه لأن هناك حالة غريبة تمر
فيها السينما عموماً، فكلّما قدّمت مجموعة أفلام جيدة وتنشطت قطاعاتها
خصوصاً الإنتاجية، تصمت فجأة ولا تعود إلى نشاطها إلا بعد سنوات·
على أي حال، جيد استرجاع صورنا الراقية سينمائياً حتى تظل الصورة الراقية
في البال حافزاً لعطاءات أفضل·
اللواء اللبنانية في
06/07/2010
عروض
توم كروز دخل على الخط مغامراً ومُضيفاً لمناخ البرمجة بعض
الرهجة الخاصة
حيوانات الغابة تستنفر بالكامل وتمنع محاولات
تدميرها لقيام مشاريع مختلفة الدُمى عاشت سنوات طيّبة مع فتى أصبح
شاباً وانتقلت إلى طفلة تُقدِّر قيمتها···
محمد حجازي
شريطان تعرضهما شاشاتنا، أحدهما تتمحور قصّته حول قضية بيئية، والآخر يرصد
حنيناً طفولياً إلى الدُمى ومعانيها·
Furry Vengeance شريط كوميدي، ومع ذلك يحمل قضية لها وزنها بيئياً، والذي يستوقفنا هو
ما الذي يمنع أن يكون شريط كهذا جادّاً حتى ولو كانت الفانتازيا فيه تدل
على استقطاب حيوانات الغابة بالكامل لمواجهة خطط مستثمرين عديدين، كي يقضوا
على الغابة ويبنوا مكانها مشاريع مختلفة تماماً·
دان ساندرز (براندون فرايزر) يعمل مع شركة عقارية أبلغته بأنّ هدفها هو
تطوير الغابة وليس تدميرها·
دان المتزوج من تامي (بروك شيلدز) ولهما ابن فتي يُدعى تيلر (مات بروكوب)
تنزل عليه لعنة حيوانات الغابة، وبالتالي يتعرّض لهجمات متعدّدة من الراكون،
وتوابعه من الزواحف المختلفة، ولا يكتفي بذلك بل إنّ هواجس وجودها تراوده
ليلاً ونهاراً ويصبح في حالة من الجنون وعدم فهم ما يجري حوله·
زوجته ليست معه، وكذلك نجله لا بل إنّ تامي تشغل مهمة رئيسة مهرجان الغابة،
وهو ما يعني الاحتفال بكل ما في الغابة من ثروات، لكن حيوانات المكان تلتقي
مع بعضها البعض وتتصرف بأسلوب واحد وهو إزعاج الجميع ومنعهم من متابعة هذا
الاحتفال، فالمكان ليس لهم، وهو لن يكون كذلك في أي وقت، لذا عرف الجميع
أنْ ليست هناك من إمكانية لتوقيع عقود بعدما قامت طيور عديدة بالتحليق فوق
المكان وإلقاء أوساخها على طرفي العقد لمنعهما من توقيعه، بعدما كان
المستثمر الهندي على وشك التوقيع لأنه غير عابئ بكل المعترضين والرافضين·
ويركز الشريط على حركة الحيوانات المختلفة، في تنقلاتها، في تعبيرها عن
رفضها في التصرّف بكثير من الوعي، في معاداة الزاحفين لأخذ الغابة إلى مكان
آخر، ومناخ آخر، وهذا ما كان مرفوضاً بالكامل، فيما كل الرفض ما زال
مركّزاً على قاطني الغابة من الحيوانات، وحيث لا حركة من البشر لمنع هذا
الذي يجري·
صديقة تيلر هي التي قامت بأول تحرك ميداني مع لافتات رافضة لكل خطط هذه
الشركة، والتقى معها تيلر، ثم تامي مع بروك شيلدز (التي بدت جميلة وكبيرة
في السن عكس ما كنّا نعرفه عنها سابقاً، وبدت نحيفة جداً جداً)، وفوجئ
الجميع بأن دان نفسه وفي محاولة لفك النحس عنه، والحظ العاثر، أوقف الجميع
عن الحركة وخاطب رئيسه، رئيس الشركة وهو آسيوي، معتبراً إياه رجلاً غير
صالح، وأنّه ليس سعيداً للعمل معه أبداً ورفض كل ما يجري، معلنا عن أنّه
سيعمل لوقف هذا الهراء والحفاظ على الثروة الغابية، مع الاحترام الكامل
لطيورها والزواحف فيها، ولكل حيواناتها·
هذا الكلام أعطاه شهادة حسن سلوك مهمة كان يحتاج إليها بإلحاح في وضعه،
فإذا الهواجس تتوقف عن الحضور، ويحوز رضا الزوجة والإبن، ويشعر بأنّه أفضل
رغم ما سبّبه له دب عملاق، هاجمه لأنه كان يمشي مباشرة في المشروع تمهيداً
لتنفيذه، رغم كل المعوّقات التي تسبب فيها سابقاً·
إذاً لم تبق هناك أي مشكلة إلا ولطمت رأس دان، لكن حين وقف مع الطبيعة التي
اعتاد تحيّتها مع كل صباح: إنّها الطبيعة العظيمة، أنا إبنك البار ولن أدع
احداً يعتدي عليك· وهذا لم يحدث أبداً لأن مسألة الدفاع جاءت متأخرة جداً،
عكس ما كان متوقّعاً من محيطه·
لكن الفرحة الكبيرة كانت في طرد المستثمرين وضمان حيوانات الغابة أنّ أحداً
لن يزعجها أبداً، فكان المناخ بالغ الإيجابية بإدارة المخرج روجر كامبل، عن
نص لـ مايكل كارنز، جوش جيلبرت، وكان لافتاً أنّ أحد أركان مهرجان دبي
السينمائي محمد خلف المزروعي شغل مع الممثل فرايزر مهمة المنتج المنفّذ
لهذا الشريط الذي كان واضحاً أنّه حصيلة اتفاق حصل في دبي إبان المهرجان،
وأثمر فيلماً هادفاً بعنوان: (Furry
Vengeance)
وصُوّر في بوسطن وماساتشوستس ليكون فيلماً جميلاً، قُدّم جماهيرياً في 92
دقيقة·
الموسيقى لـ إيد شارمور، كانت جاذبة ومناسبة، وأشرف على عمل جيش من
التقنيين في مجال المؤثرات الخاصة والمشهدية كل من: غاري بيليكنتون،
وجيسيكا سي تيريان، وورد في مقدمة الشريط ان شركة التوزيع هي: (Imagination Abu Dabei FZ)
بينما تولّى عشرة مخرجين متدرّجين مساعدة كامبل في إنجاز عمله·
أسهم في لعب باقي الأدوار: ريكي غارسيا، أوجين كوردارو، باتريس أونيل، جيم
نورتون، بيلي بوش، كن جونغ، انجيلا كيساي، وسامانتا بي، والذي استوقفنا
فعلاً أنّ بروك شيلدز قدّمت دوراً لا يحتاجها أبداً لأنّه لم يقدّمها في
شيء، فالجمال تراجع، والوجه الجميل جداً لم يَعُدْ كذلك ولا يوجد في
محيّاها ما يوحي بأنها تمثّل دوراً·
فرايزر على عادته شاب وسيم، ومؤدٍّ بارع لهذا النوع من الأدوار ويظل تحميل
فيلم كوميدي قضية كهذه حول البيئة جرأة واضحة·
Toy Story هذا الفيلم يقدّم تقنية الأبعاد الثلاثة (3
Dimension) التي ما زالت تُدهش المشاهدين لما فيها من رفع لقيمة الصورة الى
مستويات راقية جداً، تؤمن سحراً إضافياً وأنموذجياً يجعل من سحر السينما
الاصلي يتباهى لهذا الإنجاز الرائع·
هنا قضية أخرى·· ومع دُمى من نمطيات مختلفة جداً، فنحن مع شريط انطلق أول
أجزائه عام 1995 ثم صُوّر آخر وصولاً إلى الحالي 2010 وهو في 103 دقائق
توزّعه (Pixar) من ديزني في إنتاج لـ دارلا· ك· اندرسون وإخراج لـ لي اينكريش عن نص
لـ مايكل اندت، جون لايستر والمخرج انكريش·
الموسيقى لـ راندي نيومان بينما كبار النجوم يحضرون بأصواتهم المدبلجة
لشخصيات الفيلم من الدمى الخاصة جداً خصوصاً في الادوار الرئيسة:
توم هانكس قدّم صوته لـ وودي الكاوبوي الذي يُجيد التعامل مع كل الظروف
بكياسة وقوة·
تيم ألن الكوميدي المعروف يجسّد شخصية باز الأقرب إلى روّاد الفضاء، والذي
يرفض نزع ما عليه خوفاً من أي تلوث في الهواء المحيط بنا·
جوان كيوزاك جميلة الصوت كجمال الوجه في شخصية جيسي·
دون ريكليس، وإيستل هاريس يلعبان دوري السيد والسيدة بطاطا وهما نمطان
كوميديان جداً نظراً للتجاعيد والتضاريس فيهما مع أداء لافت جداً عند
كليهما بالصوت المتجانس مع الصورة·
مايكل كينون ايضاً في دور كين وهو من الابطال في الافلام الكبيرة العادية،
فكيف رضي هنا بهذا الظهور لكن السؤال عندما طرح يوماً على داستن هوفمان
قال: الكرتون واحد من الفنون الاولى التي أحبها ولا أقول لا عندما أجد
عملاً على مستوى طموحاتي وقناعاتي· الدمى في الفيلم هي البطلة·
إنها تحس وتشعر وترغب في حياة مختلفة مع من يحبها من الصغار، بعدما عاشت
روحاً من الزمن مع فتى كبر وبات يستعد لدخول الجامعة، وبالتالي فهو سيتخلّى
طبعاً عن دُماه لأنه كبر، وما عاد يليق به الاحتفاظ بها والاهتمام برعايتها
وهو ما جعلها تعيش خوفاً غير طبيعي على مستقبلها، خصوصاً عندما حضّرها
الشاب كي يأخذها في كيس والتصرّف بها، وإذا بوالدته ترمي بالكيس لسيارة
النفايات التي تأخذه ولا تنفع محاولات وودي لإنقاذ رفاقه، وإذا بالأمور
تتدهور عندما يعلق الجميع تحت رحمة دمية غاضبة ظالمة لا ترعى معاً لأحد·
تتحوّل الدمى بالكامل الى عناصر سجينة لا تدري ليلها من نهارها وبالتالي
تسعى الى التحرّر، وهو ما يجعلها تتضامن وتباشر عملية انقلابية ناجحة أثمرت
تغلّبها على السجانين كلهم، لكن الدمية السلبية والسيئة السمعة توقع الجميع
في كمين قاتل، فالكل ذاهبون الى عملية الطحن ثم نار فرن عملاق للتخلّص من
كل شيء بالتدويب·
لكن في اللحظة المصيرية تبدلت الصورة تماماً، ونزلت رافعة فجأة كي تساعد
الفريق كله على النجاة والعودة الى أهلهم وذويهم وأصدقائهم، بعدما كانوا
ذاهبين الى جحيم لا يرحم·
يبقى أنّ الدُمى عادت واستجمعت عناصرها، وعادت الى منزل مَنْ أحبّها واعتنى
بها، وتماهى معها الى حد نسيان كل أمر آخر، ويتطلع فجأة الى الصندوق الذي
وضع فيه الدمى، يطمئن الى وجودها ويحملها معه الى السيارة التي تقله، وفيما
هو في طريقه يرى من خلف سور إحدى الحدائق طفلة تهتم بمجموعة من المدى من
حولها، فاعتبر أنّ هذا المشهد أنموذجي، وهو يذكّره بصورته التي عُرِفت عنه
وهو صغير في مثل سنها، فأوقف سيارته ونزل اليها فحادثها وأبلغها بحبه
الكبير للدمى، وكان حديث صريح بينهما لذا فهو اطمأن إليها واعتبر أنّ
إعطاءها الدمى سيكون قراراً في محله·
هكذا كان وذهب الفريق الكامل الى الصغيرة من دون وقف التواصل مع هذا الشاب
الذي أثبت ولفترة طويلة وفاءه لها·
الشريط جميل جدّاً بكل ما فيه خصوصاً البُعد الثالث·
اللواء اللبنانية في
06/07/2010 |